أبحاث

قيامة المسيح – بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل – بيشوي طلعت

قيامة المسيح – بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل – بيشوي طلعت

قيامة المسيح - بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل - بيشوي طلعت
قيامة المسيح – بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل – بيشوي طلعت
 

الفهرست

المقدمة

الفصل الأول المصادر المسيحية (هل ما لدينا يؤكد انه حقا نقل لنا ايمان اتباع يسوع الأوائل بشكل صحيح؟)

الفصل الثاني حقيقة ايمان اتباع يسوع بالقيامة (دراسة للخلفية التاريخية للمسيحيين الأوائل)

الفصل الثالث (المسيح والالهة الأخرى)

الفصل الرابع (هلاوس تلاميذ يسوع والقيامة الروحية)

 

المقدمة

لقد بنيتُ ايماني عن موضوع قيامة المسيح من خلال المادة الدفاعية التي طرحها المسيحيين المؤمنين في كتبهم ولكن طرحت على نفسي سؤالاً قلت فيه (هل انا حقاً اتبع الايمان الذي اقتنعت به ام اتبع أفكار الاخرين؟) وفي النهاية وجدت نفسي اتبع فقط ما قدمه المدافعين في كتابتهم وطريق هم من قاموا بإنشائه ولم يكن لي يد غير السير فيه فقط وبنيت في وقت من الأوقات معتقدي عليه ولكن مع الوقت وكثرة القراءات تطور عقلي وقفزت من مكان إلى اخر وقلت لنفسي ان القيامة هي الدليل النهائي على صدق كل ما قدم بخصوص العقائد المسيحية

وهي الإجابة الحقيقية على الأسئلة الوجودية عند الانسان لذلك قلت لنفسي هناك حقيقة واحدة ووحيدة يجب ان ادرسها بنفسي من خلال بحث شخصي حتى اعطي في النهاية الناتج الذي أكون راضياً عنه او على الأقل طريق به ضوء قمت بحرفه واتخذت قول بولس (وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ،” (1 كو 15: 14) وجعلت من هذا القول هو القياس النهائي ان استطعت ان اثبت لنفسي انه حقا قام إذا أكون قد فتحت طريقي لينطلق ايماني ويحلق وان لم اثبت شيء في نهاية هذه البحث اكون قد أغلقت باب الايمان على الأقل حتى ثبوت الأدلة التي تكسر او تزيد من شدة القفل على الباب

 

فحين قررت البحث قلت لنفسي هي بنا نعود 2000 عام إلى الوراء لنعرف لماذا امن هؤلاء اليهود بالقيامة وما السر الذي غير مجموعة من صيادين المسك إلى مبشرين او ما السر وراء التغير في حالة شاول الطرسوسي فنعم عزيزي القارئ ان القيامة هي حجر الأساس الذي قامت عليه المسيحية وهذا ما أكده بولس كما ذكرنا مسبقاُ في الاقتباس وهذا أيضا كتب فيه أستاذ العهد الجديد Jirair Tashjian في مقاله (The Resurrection: Influence on the Church in the First Decades)[1]

 

ولهذا سوف أصب كل جهدي لمعرفة لماذا امن هؤلاء بالقيامة وسوف اعتمدت في كل فصل على مجموعة مختلفة من العلماء الذين قدموا دراسات محايدة تتعلق بعنوان الفصل

 

الفصل الأول: المصادر المسيحية: هل ما لدينا يؤكد انه حقا نقل لنا ايمان اتباع يسوع الأوائل بشكل صحيح؟

 

لسوء الحظ ليس لدينا الة زمن للرجوع إلى الماضي ولكن يستطيع الماضي ان يأتي الينا من خلال ما سجله الاقدمون فقد سجل الانسان الأول تفاصيل يومه وهذا ما تذكره لنا المؤرخة الامريكية Cynthia Stokes Brown:

 

وأكثر ما يشير إلى بزوغ ضمير إنساني أكثر تعقيداً هي الآثار التي تركوها على صورة رسوم في الكهوف وهي موجودة في كل أرجاء العالم [2]

 

ومن هنا نستطيع معرفة كيف فكر وعاش الانسان القديم ولحسن الحظ فقد سُجل ايمان اتباع يسوع الأوائل في وثائق وهذه تعتبر نقطة هامة في دراسة التاريخ

 

فيذكر لنا المؤرخ المصري حسين مؤنس:

ولكي يكون التاريخ جديرًا بهذا الاسم والوصف ينبغي أن يقوم على أصول والأصول هي الوثائق، والوثائق تشمل كل ما يمكنك أن تعتمد عليه في كتابة تاريخ أو رجل أو حادث أو أمة[3]

 

ولكن أيضا عزيزي القارئ الأمور ليست بهذه البساطة فهناك الكثير من الكتابات التي تعود لفترة حدوث الاحداث وحملت اقوال مختلفة ومتناقضة او حملت احداث لم تحدث من الأساس واستطيع ان ابرهن على صحة اقوالي هذه من خلال احداث عصرنا الحالي اذهب إلى التلفاز في منزلك وافتح قنوات الاخبار مثلا تجد الحق والباطل وتجد الخيال والواقع فمن خلال تجربة نحن بالفعل نعيشها نستطيع ان نبرهن انه ليس بالضرورة ما ينقل لنا من الماضي ان يكون صحيحاً تماماً او خطأُ تماماً أيضاً.

لذلك هناك ما يسمى بالنقد التاريخي ولكن هذا سوف نأتي له فيما بعد ولكن الان نحن لدينا مصادر قديمة نقلت لنا ايمان الكنيسة تعرف باسم كتابات العهد الجديد فهي الكتابات التي انتهت في القرن الأول الميلادي حسب شهادة الناقد بارت إيرمان:

 

لا أحد يعرف على وجه اليقين متى مات يسوع، لكن العلماء يتفقون على أنه كان في وقت ما حوالي 30 بم. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد معظم المؤرخين أن مرقس كان أول أناجيلنا التي كتبت، في وقت ما بين منتصف الستينات إلى أوائل السبعينيات. من المحتمل أن متى ولوقا كتبا بعد حوالي عشر أو خمسة عشر عامًا، ربما حوالي عام 80 أو 85. وقد كتب يوحنا ربما بعد ذلك بعشر سنوات، في عام 90 أو 95. وهذه تقديرات تقريبية بالضرورة، لكن جميع العلماء تقريبًا يتفقون عليها في غضون بضع سنوات [4]

 

ويقدم لنا ايرمان أيضا خريطة بسيطة تعطي لنا معلومات عن تاريخ تأليف تلك الكتابات [5]

 

حياة يسوع بدأت من القرن الرابع قبل الميلاد إلى سنة 30 بعد الميلاد وأول الكتابات كانت لبولس من 50 إلى 60 بعد الميلاد وثاني الكتابات كان انجيل مرقس من 65 إلى 70 وهكذا إلى ان نصل إلى انجيل يوحنا الذي كتب سنة 95 بعد الميلاد هذا ان ارادنا ان نعرف ماهي الكتابات التي نستخلص منها احداث القيامة

 

والان لنعود مرة أخرى إلى النقد التاريخي نحن الان لدينا مجموع من الوثائق المختلفة التي ركزت على القيامة تعود إلى فترات مختلفة ولكنها جميعاً ترجع إلى القرن الأول ولكن قبل الشروع في تداولها يجب علينا اولاً معرفة كيفية التعامل معها وسوف اقتبس من المؤرخ الفرنسي Charles Seignobos الاتي:

 

فإنه لأجل الاستدلال من وثيقة مكتوبة على الواقعة التي كانت سببها البعيد، أى لأجل معرفة العلاقة التي تربط بين هذه الوثيقة وتلك الواقعة، ينبغي إعادة تركيب كل سلسلة العلل الوسطى التي أنتجت الوثيقة. ولا بد من تمثل كل سلسلة الأفعال التي قام بها مؤلف الوثيقة ابتداء من الواقعة التي شاهدها، حتى المخطوط (أو المطبوع) الذى أمام أعيننا الآن. فهذه السلسلة علينا أن نستعيد تكوينها في اتجاه عكسي بأن نبدأ بفحص المخطوطة (أو المطبوعة) ابتغاء الوصول إلى الواقعة القديمة. وتلك هي غاية التحليل النقدية وكيفية سيره[6]

 

يبدا المؤرخ بدراسة المخطوطات والمصادر المتاحة له التي نقلت نسخ عن نسخ من النص الأصلي وهذا في الحقيقة ليس موضوع في الوقت الحالي ولكن موضوع الأساسي هو الوثيقة الأولى التي كتبها المؤلف بخط يده التي نسخ عنها فيما بعد ونحن لدينا كتابات كما ذكرنا مسبقاً وكما ذكرنا أيضا تواريخ هذه الكتابات ولكن يفضل دائماً ان يأخذ الكتابات الأكثر قرابة من الاحداث وهذه نقطة مهمة فحين نحدث عن انجيل يوحنا الذي كتب بعد 65 سنة من الاحداث لا نستطيع ان نقارنه مثلا مع رسائل مثل رسائل بولس او انجيل مرقس التي كتبت بعد حوالي 20 او 30 سنة من الاحداث ولها سبب بسيط وهو لعبة الهاتف يذكر لنا ايرمان:

 

 

[لم يكن] كل هؤلاء الرواة في وقت مبكر لديهم معرفة مستقلة بما حدث [ليسوع]. لا يتطلب الأمر سوى القليل من الخيال لإدراك ما حدث للقصص. ربما تكون على دراية بلعبة “الهاتف” القديمة الخاصة بحفلات أعياد الميلاد. مجموعة من الأطفال يجلسون في دائرة، الأول يروي قصة قصيرة لمن يجلس بجانبه، والذي يرويها للتالي، ثم للتالي، وهكذا حتى تعود دائرة كاملة للشخص الذي بدأها. دائمًا ما تتغير القصة كثيرًا أثناء عملية إعادة سردها، مما يجعل الجميع يضحكون كثيرًا. تخيل أن هذا النشاط نفسه يحدث، ليس في غرفة معيشة منعزلة مع عشرة أطفال بعد ظهر أحد الأيام، ولكن على مساحة الإمبراطورية الرومانية (حوالي 2500 ميل)، مع آلاف المشاركين[7]

 

وهذا امر طبيعي لان طبيعة ذاكرة الانسان ليست صور فوتوغرافية على العكس من ذلك ذاكرة الانسان يمكن التلاعب بها:

 

فقد وجد علماء النفس أن تذكرنا للأحداث اليومية قد لا يكون موثوقًا به كما نعتقد. علاوة على ذلك، حتى بعد حفظ المعلومات في الذاكرة، يمكن تغييرها. يمكن التلاعب بذكرنا للذكريات ويمكن حتى الخلط بين مجموعات كاملة من الأحداث [8]

 

ويمكن أيضا زراعة ذاكرة لم تحدث ويظن العقل انها حدثت:

 

سنة 2002 امرأة تدعى Kimberly wade حاولت ان تقوم بعملية زرعة ذاكرة ذهبت لمنزل أحد العائلات وطلبت منهم صورة للأطفال وكان الشرط ان لا يكون هؤلاء الاطفال قد ركبوا المنطاد في حياتهم ابدا وبعد ان اخدت الصورة قامت بالتعديل عليها وجعلت هؤلاء الاطفال يركبون المنطاد وبعد ان كبر هؤلاء الاطفال اخذوا الصورة ونظروا لها وتفعلوا معها بالعكس بال قاموا بتأليف احداث لم تحدث اصلا فقط بعد ان شاهدوا الصورة مع انهم لم يركبوا المنطاد في حياتهم ابدا [9]

 

إذا فإذا أردنا البحث الدقيق لا نستطيع ان نأخذ كتاباً كتب بعد 65 سنة من وقت الحدث لأنه من الطبيعي وحتى ان كان الكاتب شاهد عيان ان يسطر الحدث كما حدث فعلاً بال على العكس سيكون هناك الكثير من المدخلات غير الصحيحة في كلامه لذلك سوف نستبعد انجيل يوحنا من القائمة وهذا الشيء لا يعني بالضرورة ان الانجيل غير دقيق

 

کتب رینولد پرایس (Reynold (Price) وهو أستاذ الأدب الإنكليزي البارز في جامعة ديوك لسنوات عديدة، والروائي الشهير أيضًا – كتابًا أسماه “ثلاثة أناجيل“ (Three Gospels)، وقد فسَّرَ فيه إنجيلي مرقس ويوحنا وحللهما، ثم كتب صياغته هو لحياة يسوع. ويتحدث پرايس بوصفه خبيرا في الأدب قائلا إنَّه لم يكن إنجيل يوحنا عملًا من نتاج الخيال، ولكنه عمل مكتوب من شاهد عيان صافي الذهن وثاقب الفكر، عاين أعمال يسوع وفكره [10]

 

ولكن سوف نركز على ما دونه بولس ومرقس لأنهم الأقرب زمنياً للحدث ونعم يا عزيزي 20 سنة ليست زمناً بعيداً ان احتك هؤلاء المؤلفين مع أقرباء يسوع سيكون لدنيا وثيقة هامة نقلت الكثير من الحقائق عنه فالذين كانوا في عمر يسوع ونقول انهم من اقربائه او أصدقائه أصبح عمرهم 50 عام ولكن مازالوا يتذكرونه ويتذكرون كيف مات وأيضا لماذا مات وكيف كانت طبيعة حياته وهذه شيء طبيعي يحدث حتى في وقتنا الحاضر لان هذه الذاكرة ممزوجة بالعاطفة والذاكرة الممزوجة بالعواطف تبقى فالعواطف تؤثر على الاحتفاظ بالذاكرة او استرجاعها [11]

 

فكما يقول James Dunn:

تعتبر معمودية يسوع وصلبه من أكثر الحقائق المؤكدة تاريخياً عن يسوع [12]

 

 ويذكر لنا GRANT ALLEN:

ومهما قيل عن أصل المسيحية، فمن المتفق عليه إلى حد ما على الأقل من كلا الجانبين، سواء من قبل الأصدقاء أو الأعداء، أن هذا الدين العظيم نشأ حول شخصية معلم جليلي معين، اسمه يسوع، فيما يتعلق الذي، إذا كنا نعرف أي شيء على الإطلاق بأي قدر من اليقين، فإننا نعرف على الأقل أنه كان رجلاً من الشعب، معلقًا على الصليب في القدس تحت ولاية كايوس البطني بيلاطس. إن نواة الحقيقة تلك، الإنسان، وموته يسوع المسيح وصلبه، هي النواة التاريخية التي لا شك فيها [13]

 

وبما انه ثابت فعلاً ان يسوع قد صلب فمن الطبيعي ان تحفر هذه الذاكرة في عقول كل من يعرفه او راه معلقاً ولهذا لان طبيعة الصلب كانت تتم على القمم العالية حتى يراه الكل فيذكر لنا عالم الكتاب المقدس Craig A. Evans:

 

كان من المعتاد أن تضع السلطات الرومانية الصلبان على الطرق التي يستخدمها المسافرون كثيرًا، على قمم التلال، وعلى أبواب المدن. كان الشخص المدان يحمل خشبة صليبه patibulum (انظر: Plautus، Carbonaria 2; Miles gloriasus 2.4.6-78359-360; Plutarch، Mor. 554A-B حاملاً في بعض الأحيان لافتة titulus حول عنقه مسجل عليها اسمه وعقابه، ليتم تثبيتها لاحقا على الصليب حينما يُرفع راجع: Suetonius، Caligula 32.2 Dio 54.3.6-7 Cassius) [14]

 

إذا بعد كل هذا من الطبيعي ان يتذكر المعاصرين ليسوع هذا المشاهد الصعب وبالطبع سوف يطبع هذا المشهد وأيضا الكثير من جوانب شخصية يسوع في عقل اقربائه إلى نهاية حياتهم لذلك سوف نطرح السؤال الهام هل حقاً نقل بولس ومرقس الشهادة من عائلة يسوع او من تلاميذه وأصدقائه؟ نبدأ أولا بدراسة قدمها ‏David A. deSilva عالم في العهد الجديد واللغة اليونانية في كتابه مقدمة للعهد الجديد الجزء الثاني ولكن قبلها يجب ان نعرف كيف كانت تتم كتابة الادبيات في هذه الفترة أي الطريقة اليونانية لكتابة الادب يذكر لنا الناقد حنا عبود:

 

في العالم أسلوبان: الأسلوب اليوناني والأسلوب الروماني. الأول أسلوب هادئ رزين واقعي يبتعد عن التطرف والمغالاة، ويراعي السمو الإنساني ويسعى الى ترويض وحوش الغرائز الحيوانية في أعماق الإنسان. والثاني نقيض الأول تماماً [15]

 

ولكن هل بولس حقاً اتبع الأسلوب اليوناني الرزين في الكتابة؟ يذكر لنا DeSilva عن الحياة التي كان يعيش فيها بولس الاتي:

 

كانت التَّربِيَةُ الثَّقَافِيَّةُ فِي كُلِّ هذه المجالات ستَكُونُ مُتَوَفِّرَةً لِبُولُس في أُورشليم، التي كانَت مَدينَةً عالَمِيَّةً مُرتَبِطَةً بالعالم اليوناني الرُّوماني، ولم تكُن مُنفَصِلَةً عَنْهُ إِنَّ هَلِيَئَةَ فلسطين حَقَّقَت تَقَدُّمًا هائلاً خلال الحقبتين اليونانية والهلينيَّة، وأُعطيت اهتمامًا مُتَجَدِّدًا خلالَ حَقَبَةِ السَّيطرةِ الرُّومانِيَّة في وضع مدرسة غمالائيل، المُشابِه رُبَّما لما كُنَّا سَتَجِدُهُ في مَدرَسَةِ يَشُوع بن سيراخ قبل ذَلِكَ بِقَرنَين، لا بُدَّ أَنَّ بُولُس تعلم ليس فقط عن التَّوراة وقواعد تطبيقها، بل وعن فَنَّ المُجادَلَةِ وعن تقليدِ الحِكمَةِ التي تَضَمَّنَتْ الحكمة اليونانية [16]

 

فمن دراسة البيئة المحيطة ببولس نستطيع القول انه كان اخذ تعليم يوناني وبالطبعة سوف يأخذ منه أسلوب الكتابة وهذا ما قال به أيضا Martin Hengel عن تَلَقَّي بولس لثقافَةِ يَهُودِيَّةٍ باللُّغَةِ اليُونانِيَّة، مع وُجُوبِ الأخذ بعين الاعتبار أهميَّة الوجهين، وذلِكَ فِي مُوْلَفِهِ [17]

 

ويقدم لنا بولس بنفسه اعتراف عن مصدره فيقول (“فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ،” (1 كو 15: 3) ومن تفسير كمبردج:

فإني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا] إن التشابه الوثيق بين هذا المقطع وقانون إيمان الرسل يُظهر أن هذا الملخص لعقائد إيماننا هو في الواقع ما يُعلن عنه، وهو ملخص قصير للتعليم الرسولي. يقدم إيريناوس، وهو كاتب من القرن الثاني، ومراقب دقيق للتقليد الرسولي، ملخصًا مشابهًا جدًا في أطروحته ضد الهرطقات، الكتاب الثالث. ج. 4.

يلفت ستانلي الانتباه إلى حقيقة أن هذا التأكيد الجريء على حقيقة القيامة، ربما هو الأقدم لدينا (انظر أعلاه الفصل 1 كو 11: 23) تمت كتابته بالكاد بعد خمسة وعشرين عامًا من الحدث الذي لم يذكره القديس بولس هنا. الذي تلقى منه عقيدته، ولكن لا بد أنه قد حصل على بعض التعليم الأولي في المبادئ الأولى للإيمان المسيحي من مخالطته مع التلاميذ (أع 9: 19) [18]

 

ويقول أيضا DeSilva: لهذا، يُظهِرُ بُولُس معرِفَةً عَميقَةً واحترامًا واستخداما لتقاليد يسوع التي كانت قد أصبَحَت معرُوفَةً في تلك الفترة عبر مَرقُس وعبر تقليد Q المادَّة المُشْتَرَكَة بينَ متَّى ولوقا)، وصار ينظُرُ إلى هذه التَّقاليد بأنَّها ذات سُلطَةٍ وتكوين لمُجتَمَعاتِ أتباع المسيح في دائِرَتِهِ [19]

 

ويذكر لنا أيضا اندرو ملر مؤرخ الكنيسة المبكرة: ولكننا نعود إلى أورشليم حيث قضى الرسول خمسة عشر يوما مع بطرس ويعقوب يباحث اليونانيين، ثم أن الأخوة انحدروا به إلى قيصرية وأرسلوه إلى طرسوس، وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام، وكانت تبنى وتسير في خوف الرب، وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر (اع ۹: ۳۰،۳۱) [20]

 

وهذا أيضا قال به ايرمان: من الواضح في كل من سفر الأعمال ورسائل بولس أن بولس كانت له علاقات مع أولئك الذين كانوا رسلًا قبله، وعلى رأسهم تلاميذ يسوع السابقين (بطرس، يوحنا، إلخ.) ويعقوب شقيق يسوع [21]

 

ولكن ما هو الدليل على صحة كل هذا من الممكن ان يكون كل ذلك تم اختراعه لإعطاء شرعية لبولس وما دونه؟ هذه وجهة نظر ولكن على ما اظن ليست لها فائدة لأنه بكل بساطة من يريد ان يقول ان بينه وبين هذا الشخص علاقة وثيقة ويريد من الناس ان تصدق كلامه ان يذكر خلاف دار بينهم مثلا ونعم عزيزي أعني بكلامي الخلاف الذي دار بين بولس والتلاميذ ولكن قبل الذهاب له اريد ان ابرهن على هذه الجزئية من خلال التحليل النفسي وأعني بكلامي هنا هو انكار حدوث الخلاف لتثبيت شرعية لكلامك يذكر لنا المؤلف Dave Lakhani:

 

يحدث انتقال السلطة كل يوم في عشرات المواقف؛ فأنت ترشّح حلاقك لجارك، فيبدأ هو في التعامل مع هذا الحلاق، وكذلك عندما تريد الذهاب إلى أفضل طبيب في المدينة، فيكون لديك صديق ينصحك بطبيب جيد كذلك عندما تريد الحصول على أفضل وظيفة، يكون لديك أفضل معارف يمكن الرجوع إليهم للسؤال عنك. في كلٌّ من الأمثلة السابقة حدث انتقال فعّال للسلطة، بعضها أكثر صراحةً من الآخر، لكن في كل منها ساعَدَ شخص ما غيره قائلًا بفاعلية: «أنت تستطيع الثقة في هذا الإنسان لأنني أقول لك هذا وأنت تثق بي.»[22]

 

فهذه هي الفكرة من أراد ان ينقل لنفسه شرعية من احد لا يذكر مشاكل بينهم ولكنه سوف يسترسل كثيراً جداً في مدى علاقتهم القوية التي يغلب عليها المحبة والود ولكن على العكس فقد ذكر مشكلة بولس مع التلاميذ الذي من المفترض ان يأخذ منهم الشرعية فيقول لنا الاب هنري هولستاين اليسوعي:

 

حين انفجر النزاع علانية، كانت العلاقات بين كنيسة أورشليم وبولس متوترة، وكانت على أهبة الاحتدام في أي لحظة. في الحقيقة، كان ارتياب مسيحي أورشليم حيال بولس يعود إلى زمن اهتدائه: إذ إن معرفتهم للعداوة التي كان الرابي الشاب شاول يكنها لهم كانت أكبر من أن لا يترددوا في التسليم بصدق اهتدائه [23]

 

وهذا أكبر دليل على ان بولس بالفعل ذهب إلى اتباع يسوع من تلاميذه او اقاربه واحتك به واختلف معهم وذكر الاختلاف معهم هو أكبر دليل على صدق التعامل معهم وبتالي عرف بولس معلومات عن يسوع من المقربين من يسوع شخصياً

 

نترك بولس ونذهب مباشرة إلى المرجع الثاني وهو انجيل مرقس ونطرح السؤال لماذا نثق في هذا الانجيل بعد 30 عام من يسوع قام شخص ذكرت عنه المصادر القديمة انه لم يرى يسوع أصلا ولم يعرفه [24]

 

سوف نعتمد على ما قدمه لنا الناقد الكاثوليكي ريموند بروان كبداية لهذا البحث يذكر في البداية ريموند بروان هذه الشخصية التي اسمها مرقس ويقول عنها الاتي:

 

وبغض النظر عن القيمة التاريخية لتقليد بابياس، دعونا نسأل عن مرقس الذي يتحدث عنه. لم يكن الاسم مرقس نادرًا (على سبيل المثال، مارك أنتوني)، وهذا يساعد على تعقيد إشارات العهد الجديد إلى شخص يحمل هذا الاسم. يقدم سفر الأعمال معلومات عن رجل يدعوه ثلاث مرات “يوحنا ولقبه مرقس” ولكن مرة واحدة فقط (15: 39) ببساطة “مرقس”، والذي يربطه ببطرس [25]

 

ولكن أيضا هذا لا يكفي وليس من الضرورة ان يكون هو مرقس الكاتب او ممكن ان يكون شخصية انتحلت شخصية مرقس ما الدليل على ان الكاتب هو فعلاً رفيق بطرس؟

 

يكمل ريموند بروان ويقول:

يشير بابياس إلى أن مرقس لم يكن شاهد عيان، وأنه اعتمد على الوعظ، وأنه فرض أمره الخاص على ما كتبه – كل ما يمكن أن يطابق الدليل الداخلي للإنجيل عن المبشر. ومع ذلك فإن العلاقة الوثيقة والمباشرة التي طرحها بابياس بين الإنجيلي وبطرس (شاهد عيان) هي علاقة صعبة؛ لأن بعض روايات أقوال وأفعال يسوع في مرقس تبدو ثانوية مقارنة بالروايات الواردة في Q أو الأناجيل الأخرى. مرة أخرى، إذا أراد المرء أن يمنح مصداقية محدودة على الأقل لبابياس، فيمكن للمرء أن يعتبر “بطرس” شخصية نموذجية تم تحديدها مع التقليد الرسولي في القدس ومع الوعظ الذي يجمع بين تعاليم يسوع وأفعاله وعواطفه [26]

 

ويطرح لنا جون درين هذه النقاط الاتية:

وعلى هذا دارت مجادلات، فالبعض اقترح أن المحتوى ما زال من شاهد عيان خصوصا في بعض الأجزاء مثل دعوة بطرس (١٤:١ – (۲۰) شفاء حماة بطرس (۱: ٢٩- ٣٤). بعض التلميحات للتلاميذ، وخاصة بطرس. لم تكن في صالحهم، كما أن التلاميذ يتم تصويرهم عادة في صورة عدم المعرفة وعدم القدرة على فهم ما كان يسوع يحاول أن يعلمهم لذا فليس من السهل أن يرسم مرقس صورة كهذه للتلاميذ إن لم يكن بطرس نفسه مصدر المعلومات. [27]

 

ولكن يحسم DeSilva هذه النقطة ويقول:

ينفرُ العَديدُ مِنَ الدَّارسين بشكل مُبَرَّر من تأكيد تفسير بابياس لأصل إنجيل مرقس بسُرعَةِ، وَلَكِن يَستَحيلُ القَولُ قطعًا أَنَّ عَزْوَهُ مَعْلُوط على أية حال، ما تُخبرنا بهِ الشَّهَادَةُ هُوَ أَنَّ الكنيسة الأولى منَحَت ختم مُوافَقَتِها من دون تَحَفْظِ لهذا النَّص الذي رُغمَ أنَّهُ لم يُكتب كشهادَةِ عِيان إِلَّا أَنَّهُ وفَرَ تَمثيلاً مَوثُوقًا ودقيقًا لتقليد يسوع كما تمت صياغته وتمريره إلينا عبر الوعظ الرَّسُولي. هذا التَّناغُمُ مَعَ الشَّهَادَةِ الرَّسُولِيَّة، كما أشار Lane بحَقِّ، هو “السؤال المركزي” في النِّقَاشَاتِ الدَّائِرَة حولَ هُويَّةِ الكاتب [28]

 

ولكن ان اتبعنا منهج الشك الديكارتي فأول شيء سوف نشك به هو هذه الاقتباسات المتضاربة بمعنى هناك العدد من الآراء التي تنفي او تؤكد ان انجيل مرقس منقول عن شاهد عيان وهو بطرس ولكن هناك طريقة وحيدة تحسم حقاُ هذا الجدال الا وهي النصوص المذكورة نفسها فشاهد العيان سوف يذكر احداث ونقاط معينة يستحيل ان يعرفها احد غيره وهذا أيضا ما عول عليه جون درين لذلك علينا البحث في ثنايا نصوص الانجيل حتى نعطي بالأدلة التي كشفها الانجيل بنفسه الرد الحاسم

 

يذكر لنا D. A. Carson بعد دراسة في نص انجيل مرقس الاتي:

هل القليل الذي نعرفه عن يوحنا مرقس من العهد الجديد يمثل أي صعوبة في تحديد هويته ككاتب الإنجيل الثاني؟ يعتقد بعض العلماء ذلك، مشيرين إلى جهل مرقس المزعوم بالعادات اليهودية والأخطاء المتعلقة بالجغرافيا الفلسطينية. لكن أيًا من الصعوبتين لا تصمد أمام التدقيق؛ إن التفسير الدقيق والمتعاطف لمقاطع المشكلة المزعومة لا يكشف عن أي أخطاء في مثل هذه الأمور. في المقابل، هناك سمتان من سمات مرقس ومسيرته كما وردتا في العهد الجديد تناسبان كاتب الإنجيل الثاني. إن الأسلوب اليوناني لإنجيل مرقس بسيط ومليء بالساميات التي يتوقعها المرء من مسيحي نشأ في أورشليم. وقد تساعد علاقة مرقس ببولس في تفسير ما وجده العديد من العلماء أنه تأثير لاهوتي بولسي في الإنجيل الثاني. كلتا الميزتين عامتان جدًا بحيث لا تقدمان أي دليل إيجابي لتحديد الهوية. لكن النقطة المهمة هي أنه لا يوجد شيء في الإنجيل الثاني يقف في طريق قبول التقليد الأقدم الذي يحدد يوحنا مرقس كمؤلف له [29]

 

اذن بعد الذي قدم من خلال دراسة نص انجيل مرقس لا ينفي ان الكاتب نقل من شاهد عيان ولا ينفي ان يكون كاتب الانجيل هو مرقس كما ذكر التقليد القديم عنه

 

إذا نختم هذا الفصل بقول ايرمان عرف بولس عن يسوع خلال عام واحد فقط، أو على الأكثر من خلال عامين من وفاته. يحافظ بولس أيضًا على التقاليد التي تنبع من الفترة المبكرة من حياته المسيحية، مباشرة بعد تحوله حوالي 32-33 م. يدعي بولس أنه زار أقرب تلاميذ يسوع، بطرس، ومع أخيه يعقوب بعد ثلاث سنوات من تحوله، أي حوالي 35-36 م. ولذلك فإن الكثير مما قاله بولس عن يسوع ينبع من نفس الطبقة المبكرة من التقليد التي يمكننا تتبعها، بشكل مستقل تمامًا، في الأناجيل. [30]والاستنتاج النهائي انه بالفعل يحمل بولس ومرقس ايمان الكنيسة من المنبع نفسه من المسيحيين الأوائل أنفسهم اتباع يسوع من تلاميذه وأصدقائه واقاربه الخ..

 

 

قيامة المسيح - بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل - بيشوي طلعت
قيامة المسيح – بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل – بيشوي طلعت

 

الفصل الثاني حقيقة ايمان اتباع يسوع بالقيامة (دراسة للخلفية التاريخية للمسيحيين الأوائل)

 

بعد ان وصلنا انه نقل لنا ايمان اتباع يسوع هل نستطيع ان نثق في هذا الايمان اصلاً؟ بمعنى ما المانع انه يكون هذا الحدث مختلق؟ شيء تم اختراعه من اتباع يسوع لهدف ما مثلاً؟ لماذا يجب علينا مباشرة ان نفترض انها القيامة؟ وهذه الأسئلة يجب ان تسأل قبل الشروع في البحث عن حقيقة ايمان تلاميذ بالقيامة فنحن لا نعيش معهم الان ولكن نستطيع ان نفهم تفكريهم من خلال دراسة ثقافتهم والبيئة المحيطة بهم فيذكر لنا الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو:

 

إذا كان من الصحيح أن سجية النفس وأهواء القلب تختلفان إلى الغاية في مختلف الأقاليم؛ فإن على القوانين أن تكون تابعة لاختلاف هذه الأهواء واختلاف هذه السجايا [31]

 

ويذكر لنا الفيلسوف الألماني فيورباخ:

الشعور بالتبعية عند الإنسان هو مصدر الدين ولكن موضوع هذه التبعية، أي التي يكون ويشعر الإنسان بتبعيته لها هي في الأصل ليست إلا الطبيعة، فالطبيعة هي الموضوع الأصلي الأول للدين، كما يبرهن على ذلك تاريخ كل الديانات والامم بدرجة كافية [32]

 

إذا فتلعب الطبيعة والبيئة المحيطة بالإنسان دور هام في تكوين معتقداته الأخلاقية والدينية ويمكننا نطبق هذا الامر على اتباع يسوع الأوائل ولكن السؤال الهام هنا هل حقاً علم اتباع يسوع بما يسمى القيامة بشكل عام أي هل هناك في عقيدتهم او بيئتهم الذين ولدوا فيها وتأثروا بها هذه الفكرة القيامة والخلود والحياة الأخرى؟

 

ننظر أولا إلى البيئة اليهودية التي كان يعيشها بها هؤلاء البشر ونسأل هل كان هناك اعتقاد أصلا ظهر مع هذا المعتقد يقول بالقيامة والحياة الأخرى؟

 

يذكر لنا الفيلسوف الفرنسي فولتير: فموسى يكرر لمرات عدة:

إن الرب يعاقب الآباء في أبنائهم إلى رابع الله عن أجيالهم». وقد كان هذا التهديد ضرورياً بالنسبة إلى شعب لم يكشف له خلود النفس، ولا عن العذابات والمكافآت في الآخرة. فهذه الحقائق لم يأت لها ذكر في «الوصايا العشر»، ولا في شرائع «سفر اللاويين» أو «سفر التثنية». فتلك عقائد كانت سائدة عند الفرس والبابليين، والمصريين والإغريق، وأهل جزيرة كريت، ولكنها لم تكن تؤلف البتة جزءاً من عقائد الدين اليهودي فموسى لا يقول: «أكرم أباك وأمك، إن أردت أن تصعد إلى السماء»، وإنما «أكرم أباك وأمك كي تعيش طويلاً على الأرض». وهو لا يهدد اليهود إلا بالآلام الجسدية [33]

 

إذا لم يكن في اصل الدين اليهودي نفسه أي شيء له علاقة بالحياة الأخرى او الخلود ولكن على العكس كان الموضوع ارضي فقط بمعنى الثواب والعقاب في الأرض وليس في حياة أخرى او عالم اخر ولذلك نجد ان اليهود كان عندهم خلاف في حقيقة هل هناك حياة أخرى ام لا

 

يذكر لنا دكتور الفلسفة وحاخام كنيس برمنجهام أ. كوهن:

لقد كانت القيامة واحدةً من المواضيع الهامة للخلاف بين الفريسيين والصدوقيين. يقول الصدوقيون إن الروح تنطفئ أثناء موت الجسد، وهذا الموت يعتبرونه نهاية الكائن البشري، فهم لا يعترفون بالعالم الآخر، ويرفضون عقيدة الثواب والجزاء والقصاص التي يمنحها الفريسيون أهمية عالية جداً، يدافعون عنها بحماسة شديدة فقد جعلوا منها موضوع الصلاة الثامنة عشرة التي تُردد كل يوم [34]

 

ويذكر أيضا:

يبدو أن هناك سبباً من أجله كان الصدقيون يرفضون هذه العقيدة، يأتي من أنه وبحسبهم لم يذكر في الكتب الخمسة التي تشكل جزءاً من التورا الشفهية التي كانوا لا يقبلون إلا بسلطتها [35]

 

وحتى ان نظرنا للردود الحاخامية المدافعة عن وجود عقيدة القيامة في التوراة لوجدناه عبارة عن مغالطات ليس أكثر فمثلاً يذكر لنا الكاتب في نفس الكتاب:

باسم الحاخام شمعون بن حزقيال: عندما يتعلق القرار الشرعي العائد لسلطة دينية متوفاة فهو يذكر في هذا العالم شفاه أولئك النائمين أخيراً يذكر لهم هذا النص: ولكي تطول أيامكم على الأرض التي أقسم الرب لآبائكم أن يعطيها لهم ولنسلهم أرضاً تدر لبناً وعسلا تثنية الاشتراع (11،9) ولم يقل «يعطيها لكم» بل «لهم» إذن العقيدة المتعلقة بالقيامة يمكن استنتاجها من التورا يؤكد آخرون أنه يمكن استنتاجها من هذا النص أيضاً [وأما انتم المستعصمين بالرب إلهكم فكلكم أحياء اليوم (تثنية الإشتراع (4،4) وبصريح العبارة: انتم جميعاً أحياء في هذا اليوم، إذن حتى اليوم حيث الشعوب ميتة، ستعيشون، وبما أنكم كلكم أحياء في ذلك اليوم، فإنكم ستعيشون في العالم الآتي. مكتوب [انظروا الآن. إنني أنا هو ولا إله معي أميت وأحيي وأجرح وأشفي وليس من يُنقذ من يدي] (تثنية الاشتراع 32، 39) [36]

 

وحين نحلل هذا الرد لا يعطينا بالضرورة أي تأكيد على ثبوت عقيدة القيامة في التوراة على العكس من ذلك نجد ان الرد هو مغالطة قياس باطل بمعنى هو هنا اتى بنصوص لا تتحدث عن القيامة بشكل واضح وصريخ ويمكن تفسيرها بصور أخرى ولكن قاسها على القيامة واستنتج في النهاية انها تتحدث عن القيامة والان لننظر إلى النصوص ونرى هل هي فعلاً لها علاقة بالقيامة ام لا ولكن في البداية قبل التفسير يجب علينا معرفة كيف نفسر النصوص الكتابية

 

يذكر لنا W. Randolph Tate :

وحتى إذا كان الله هو مؤلف القصص والشعر المقدس، لكنه استخدم الشطر والنثر الخاصين بالثقافتين العبرية والهلنستية. لذلك، حتى إذا كان الكتاب المقدس جزء من الإعلان الإلهي والانكشاف الذاتي له للبشرية، لكنه إعلان معبّر عنه بلغة بشرية. من ناحية وظف كتاب النصوص الكتابية محدودية الحديث المكتوب ليقولوا شيئًا عن الله غير المحدود [37]

 

إذا يجب علينا ان نعود لنفس الثقافة التي كان يكتب فيها الكاتب حتى نعلم ماذا يريد ان يقول لنا لنرجع لسياق النص ونفهم الحدث كاملاً

 

فَاحْفَظُوا كُلَّ الْوَصَايَا الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِكَيْ تَتَشَدَّدُوا وَتَدْخُلُوا وَتَمْتَلِكُوا الأَرْضَ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا،” (تث 11: 8) “وَلِكَيْ تُطِيلُوا الأَيَّامَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآبَائِكُمْ أَنْ يُعْطِيَهَا لَهُمْ وَلِنَسْلِهِمْ، أَرْضٌ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا.” (تث 11: 9). “لأَنَّ الأَرْضَ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا لَيْسَتْ مِثْلَ أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا، حَيْثُ كُنْتَ تَزْرَعُ زَرْعَكَ وَتَسْقِيهِ بِرِجْلِكَ كَبُسْتَانِ بُقُول.” (تث 11: 10) “بَلْ الأَرْضُ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكُوهَا، هِيَ أَرْضُ جِبَال وَبِقَاعٍ. مِنْ مَطَرِ السَّمَاءِ تَشْرَبُ مَاءً.” (تث 11: 11)

 

فمن خلال قرأه السياق نجده لا يتحدث عن عالم اخر ولكنه يتحدث عن مكان هنا على الأرض فيقول في البداية يجيب ان تحفظ الوصايا (فَاحْفَظُوا كُلَّ الْوَصَايَا الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا) حتى يعيشوا مدة أطول على الأرض التي سوف يأخذنها هنا على هذا الكوكب وليس في عالم اخر (وَلِكَيْ تُطِيلُوا الأَيَّامَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآبَائِكُمْ أَنْ يُعْطِيَهَا لَهُمْ وَلِنَسْلِهِمْ، أَرْضٌ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا) وهم بالفعل كانوا على وشك الدخول لها (أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا) فمن خلال دراسة سياق النص نجده لا يتحدث ابداً عن ارض خارج هذا العالم على العكس هي ارض هم بالفعل ذاهبون لها وسوف يدخلونها

 

يذكر جون جيل اقتباساً من ترجوم يوناثان:

ولكي تطيلوا الأيام في الأرض…. لا تدخلوها وتمتلكوها فقط، بل أطيلوا فيها، وذلك حسب طاعتهم لشرائع الله التي أقسم الرب لآبائكم. ليعطيهم ونسلهم. لقد وعدوا بقسم، ليتأكدوا من التمتع بها، مع أنهم لا يستطيعون الاستمرار فيها ما لم يطيعوا الأوامر الإلهية: أرض تفيض لبنا وعسلا؛ تزخر بكل الخيرات، وثمرها سمينة كاللبن وحلوة كالعسل [38]

 

وحين نكمل في باقي الاصحاح ناجد انه بالفعل لا يتحدث عن عالم اخر ولكن عن هذه الأرض فيقول الكاتب:

 

“أَرْضٌ يَعْتَنِي بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ. عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِكَ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا.” (تث 11: 12). “«فَإذا سَمِعْتُمْ لِوَصَايَايَ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِتُحِبُّوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَتَعْبُدُوهُ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ،” (تث 11: 13) أُعْطِي مَطَرَ أَرْضِكُمْ فِي حِينِهِ: الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ. فَتَجْمَعُ حِنْطَتَكَ وَخَمْرَكَ وَزَيْتَكَ.” (تث 11: 14) “وَأُعْطِي لِبَهَائِمِكَ عُشْبًا فِي حَقْلِكَ فَتَأْكُلُ أَنْتَ وَتَشْبَعُ.” (تث 11: 15)

 

فمن الواضح جداً ان النص يتحدث رضا الاله لكي يعيطهم امطار وخير وغيرها من الأمور في الأرض التي هنا على الكوكب وليس له أي علاقة بأي ارض في عالم اخر وهذا ما نجده حتى في الحضارات القديمة

 

تحتاج الآلهة في الفكر السومري إلى جميع ما یحتاج إليه البشر من طعام وشراب؛ فنرى الإنسان یُقدِّم لها القرابين المختلفة من أغنامٍ وأبقارٍ لكسب الرضا، من هنا نجد العلاقة الوثيقة بین الإنسان والآلهة والتي تجسَّدَت بشكلٍ واضح من خلال الميثولوجيا السومرية والأكدیة والمخلفات الفنية عن طريق الخصائص المماثلة للإنسان [39]

 

فطبيعة الالهة في الشرق القديم كنت قد تكلمت فيها مسبقاً في بحث (ملخص عن طبيعة الله في الشرق الأدنى القديم) فنجد ان يهوه هنا مثله مثل أي اله اخر في الشرق القديم في وصفه وطبيعته وحتى الأرض نفسها هي ارض على هذا الكوكب وليست ارض في عالم اخر ونستطيع اتباع هذا المنوال لنقد استدلال الحاخام بالتوراة لأثبات انه بها أي تلميح لوجود حياة أخرى

 

ويذكر لنا أيضا أ. كوهن:

إلى جانب الصدوقيين هناك مذهب السامريين الذي يرفض نفس العقيدة. هؤلاء يحاربهم النص التالي: كان الحاخام أليعازر بن جوزي يقول: هي ذي الكيفية التي أثبت بها بطلان كتاب السامريين. التي تؤكد أن التورا تتكلم عن القيامة. كنت أقول لهم: لقد زوّرتم تصحيحكم للتورا، غير أن هذا لم يسد إليكم أي خدمة تدعم نفيكم للقول على أنها غير موجودة في التورا [40]

 

فبين كل هذه الخلافات التي كانت بين الصدوقيين والفرسيين والسامريين حول وجود هذه العقيدة في التوراة بين الجانب الرافض لوجودها مثل الصدوقيين والسامريين او القائلين بها من الفريسيين ولكن ما مدى تأثير هذا على المجتمع اليهودي الأول

 

وحتى كان مفهوم الدينونة الأخيرة حسب ما ورد في مكتبة قمران ليس دينونة نهاية العالم ولكن دينونة تطهير العالم من الشر فيذكر لنا هارتموت شتيغيمان:

بعد ذلك، وفق الأسانيون بين العدد ۳۹۰ في حزقيال ٤ ٥، والأسابيع السنوية السبعين، أي ٤٩٠ سنة، في دانيال ٩، وحدّدوا الموعد النهائي للدينونة الأخيرة المستقبلية في السنة ۷۰ ق.م. بفضل الأنبياء عرفوا أخيرا، لماذا لم يبدأ الله الدينونة الأخيرة العام ۱۷۰ ق.م. ولم يمح كل ما هو شرير من هذا العالم [41]

 

بجانب الثقافة اليهودية كانت هناك الثقافات الأخرى المحيطة باليهود منها الثقافة الهلنستية التي سيطرة على هذه المنقطة وعلى تفكير هذا الشعب الذي ولد بها فيذكر لنا مايكل باركر:

وبعد أن اجتاح الإسكندر الأكبر العالم القديم، أصبحت إسرائيل تحت حكم المحتلين اليونانيين في مصر. (البطالمة). ثم أصبحت تحت حكم المحتلين اليونانيين في سوريا (السلوقيين). وعندما حاول السوريون فرض الأفكار الدينية الوثنية على إسرائيل، رَدَّ الشعب بعصيان المكابيين الشهير (١٦٨-١٤٢ ق. م). وقد استولوا على أورشليم وطهروا الهيكل في عام ١٦٤ ق.م، ويحيي اليهود ذكرى هذا اليوم في العيد المقدس المعروف باسم الحانوكا (عيد التجديد) [42]

 

وهنا نقف قليلاً عند هذه الجزئية (وعندما حاول السوريون فرض الأفكار الدينية الوثنية على إسرائيل، رَدَّ الشعب بعصيان المكابيين الشهير) يذكر لنا فراس السواح الاتي:

 

كان التيار الإصلاحي بقيادة النخبة المتعلمة في أورشليم، راغباً في تحويل النظام السياسي الديني المتخلف إلى نظام حديث يتفق وروح العصر. ورغم أن الدوافع وراء هذا التوجه كانت اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، إلا أن بعض الإصلاحيين كان يتوق إلى أبعد من ذلك، وكانت النوايا تتجه إلى إصلاح الدين اليهودي والمزاوجة بين اليهودية واليهلينية فلقد رأوا أن التوحيد اليهودي ينطوي على أفكار شمولية عالمية، ولكن التفسير الحرفي الأصولي قد كبتها من خلال فهمه الضيق لفكرة الإله الواحد الذي يختص بشعب واحد من دون بقية الشعوب. كما رأوا أن هذه الأفكار الشمولية المكبوتة تتفق مع فكرة الثقافة العالمية الواحدة التي آمن بها الاسكندر وعمل على تطبيقها. [43]

 

ويذكر أيضا: لم تصلنا أفكار هؤلاء الإصلاحيين عبر نصوص مباشرة بل عبر كتابات نقادهم اللاحقين الذين اتهموهم بالهرطقة ومحاولة تقويض أصول الدين [44]

 

ويقول أيضا بخصوص عصيان المكابيين:

بعد عامين من حرب العصابات ضد السلوقيين ومناصريهم في الداخل، استطاع الأخوة الخمسة بقيادة يهوذا الملقب بالمكابي طرد الحامية السلوقية خارج منطقة أورشليم عام ١٦٤ ق.م، وطهروا المعبد من كل رموز الإصلاح الديني [45]

 

إذا فنستطيع ان نلقي نظرة ان التأثر بالثقافة الهيلينية لم يكن بين عامة ً الشعب ولكن كان بين الفئة المثقفة فقط وحتى هذه الفئة تمت محاربتها وتطهيرها وتطهير الإصلاح الدين الذي اعتمد على الثقافة الهيلينية ورجع الحاخامات يعلمون بما توارثه مسبقاً ونجد C. D. ELLEDGE بروفسور الدين يقول:

 

أولئك الذين أنكروا الحياة الآخرة كان لديهم تركيبتهم الهائلة من التقاليد السابقة، والتي ظلت حية إلى حد كبير في العصور الهلنستية الرومانية [46]

 

لذلك لا يمكنا القول بالتأكيد ان الشعب اليهود قد كان متأثراً بالقيامة او الحياة الأخرى لأنه مثل أي شعب متدين يتبع الكهنة ورجال الدين التي كانت عندهم تقاليدهم التي تنفي وجود حياة وتحارب التأثير اليوناني عليهم ولكن كان لدى هذا الشعب امل واحد مهم هو المسيا المنتظر وهذا الامل كان يسيطر عليهم بكل ما تعنيه الكلمة لذلك يجب ان نعود 2000 سنة إلى الخلف لنعرف كيف فكر هؤلاء الناس في طبيعة المسيا وهل المسيا في مفهومهم قائم من الأموات ام لا

 

يذكر لنا Trevan G. Hatch هو متخصص في الأنثروبولوجيا والكتاب المقدس والشرق الأدنى القديم والشرق الأوسط والدراسات الدينية: وفي القرن الثاني قبل الميلاد، بدأت التوقعات بشأن الملك المنقذ تتوسع. وتشمل الأسباب الرئيسية ما يلي. أولاً، اشتد القمع من جانب السادة اليونانيين، وبلغ ذروته بتدنيس المعبد (164 قبل الميلاد).

ثانيًا، عندما انتزع مقاتلو حرب العصابات اليهود يهودا والهيكل بعيدًا عن اليونانيين، سيطرت الأسرة الحشمونائية اليهودية (142-63 قبل الميلاد) على العرش؛ لكن المشكلة بالنسبة للعديد من اليهود هي أن الحشمونيين لم يكونوا من نسل داود. وبالتالي، فإن الملك الداودي المنتظر لن يأتي من سلالة الحشمونائيم. ثالثًا، تم اغتصاب الكهنوت الأعظم وإفساده من قبل الأرستقراطيين الأثرياء من غير آرون (أي أولئك الذين لم ينحدروا من هارون). شهد الشعب اليهودي هجمات على دينهم وعبادة معبدهم من جميع الجهات، بما في ذلك من الغرب [47]

 

ويذكر أيضا:

تدهورت معنويات الأمة اليهودية الشابة المستقلة، وازدادت التوقعات المسيانية عندما اجتاح الرومان، بمساعدة بعض اليهود، وأطاحوا بسلالة الحشمونائيم في عام 63 قبل الميلاد. قامت روما في نهاية المطاف بتعيين حاكم غير شرعي (أي نصف يهودي) في المنطقة. هيرودس، بموافقة روما، حكم بقبضة من حديد. وفقًا ليوسيفوس، أعدم هيرودس العديد من الأشخاص الذين اشتبه في معارضتهم له. وكان من بينهم صهره (رئيس الكهنة)، وحماته، وزوجته الثانية، وثلاثة من أبنائه، وثلاثمائة من القادة العسكريين. ولم يهرب الفساد والعنف من الشعب، حتى بعد هيرودس. مات. وفي مناسبات عديدة، احتجت الحشود على الظلم الذي تعرضت له.

جلب بيلاطس البطني، الحاكم الروماني للمنطقة (حوالي 26-36 م)، إلى القدس (وربما إلى مجمع المعبد) “تماثيل قيصر” بموافقة الطبقة الكهنوتية. وعندما اكتشفت الجماهير التماثيل النصفية، طالب “جموع” بيلاطس بإزالتها. وفي مناسبة أخرى، سمح الكهنة لبيلاطس باستخدام الأموال من خزانة الهيكل لدفع ثمن قناة مائية إلى أورشليم. وعندما اندلعت الاحتجاجات، أرسل بيلاطس جنودًا لتفريق الحشود بالتهديد بقتلهم. وفي مواجهة هذا القمع والفساد، انتشرت حماسة مسيانية أكثر حدة. في هذين القرنين قبل خدمة يسوع، اختبر اليهود توقعًا واسع النطاق لظهور المسيح، الذي سيكون ملكًا من نسل داود ليحرر إسرائيل من خلال التخلص من نير العبودية الإمبراطورية. بحلول الوقت الذي بدأ فيه يسوع خدمته، وفي العقود التي تلت انتهاء خدمته، كانت التوقعات المسيحانية عالية [48]

 

إذا فالمسيا لم يكن سوى ملك محارب في هذه الفترة بمعنى ان الشعب اليهودي كان ينظر إلى المسيا في هذه الفترة إلى انه ملك محارب فموضوع قيامة المسيا من الأموات او انه سوف يموت لم يسيطر على عقول الشعب اليهودي لذلك يظهر لنا الانجيل ان التلاميذ لم يكونوا يفهموا اقوال يسوع بخصوص موته وقيامته لان هذا الشئ كان بعيد عن تفكيرهم في المسيا المنتظر لذلك لا يمكننا القول باختراع اتباع يسوع الأوائل قصة القيامة

 

 

 

قيامة المسيح - بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل - بيشوي طلعت
قيامة المسيح – بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل – بيشوي طلعت

 

 

الفصل الثالث: المسيح والالهة الأخرى

 

كما وضحنا في الفصل السابق انه من غير الممكن اختلاق قصة القيامة لأنها كانت بعيدة كل البعد عن الخلفية التاريخية للمسيحيين الأوائل ولكن ما المانع من سرقتها من الأديان الأخرى مثلا؟ بمعنى انظر معي لهذا القول من الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز:

 

فبما أن كل الأديان القائمة مؤسسة أوّلاً على إيمان مجموعة بشخص واحد لا يعتقدون أنه إنسان حكيم فحسب، وأنه يعمل لتأمين سعادتهم، بل كذلك أنه إنسان مقدّس عهد الله إليه إعلان مشيئته بصورة فائقة للطبيعة [49]

 

وبالنظرة إلى حياة يسوع التاريخي الذي كان يشفق على الفقراء ويريد تحرير اليهود من خطاياهم حتى لا تأتيهم الدينونة كما ذكر الاب البرت نولان الدومينيكاني:

 

ربّما يسوع قد بدأ بالسير على نهج يوحنا المعمدان بتعميد الشعب في نهر الأردن (يو: ٢٢ – ٢٦. إذا كان الأمر كذلك، فإنّه سرعان ما تخلّى عن تلك الممارسة (يو ١:٤ – فلا دليل أيا كان يشير إلى أنه بعد أن غادر الأردن والبرية، قام بتعميد أي شخص، أو أرسل أي شخص لكي يعمده يوحنّا، أو أي أحد آخر. نظر إليه كثيرون اعتباره خليفة يوحنا المعمدان، ولكن سواء أكان خليفته أم لم يكن، فإنّ يسوع لم يعمد حدا. فعوضا عن ذلك خرج ليطلب، ويساعد ويخدم خراف إسرائيل الضالة.

هنا نحن أمام قرار ثانٍ وإشارة ثانية لا يمكن الجدال بشأنها تشير إلى فكر يسوع نواياه. فهو لم يشعر أنه دعي الخلاص إسرائيل بأن يأتي بكل واحد منهم إلى معمودية لتوبة في نهر الأردن بل رأى أنّ هناك شيئًا آخر لا بد منه، شيئًا له علاقة بالفقراء، الخطأة والمرضى؛ خراف بيت إسرائيل الضالة. إن الشعب الذي أولاه يسوع اهتمامه أشير إليه في الأناجيل بتعبيرات متنوعة: لفقراء، العمي، العرج، البرّص الجوعى، البؤساء، الخطأة، الزناة، العشارين، والذين بهم مس شيطاني، المضطهدين المظلومين، المسبيين، ثقيلي الأحمال، الغوغاء الذين لا يعرفون شيئًا عن القانون، الصغار، خراف بيت إسرائيل الضالة [50]

 

فلا مانع بعد ذلك ان تلاميذه أرادوا ان يكملوا مسيرته فاخترعوا قصة القيامة هذه وكان معهم بولس الذي في الأصل كان فريسي (أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ (سفر أعمال الرسل 23: 6) وذكرنا مسبقاً ان الفريسيين كانوا يؤمنون بقيامة الأموات وموضوع قيامة المسيح كان قد ساعد بولس في نشر تعاليمه عن قيامة الأموات (لِأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ ٱللهُ أَيْضًا مَعَهُ (تَسَالُونِيكِي ٱلأُولَى ٤:‏١٤) فأخذوا قصة قيامة الاله يسوع من الأديان الأخرى وهذا تفسير واضح وعقلي عن الحدث

 

ولكن عزيزي هذه الفكرة بعيدة كل البعد لأنه اولاً ليس لدينا دليل على صحتها بل هي تفسير فقط للحدث وهناك على الجانب الاخر دليل ضدها وهي الحالة النفسية لاتباع يسوع الأوائل وهو الخوف من مواجهة نفس مصير يسوع فلا يمكن لهم ان يخترعونها من الأساس بمعنى لم يكن تلاميذ يسوع فعلاً قادرين على اختراع هكذا قصة خوفاً من الموت وكذلك بولس لم يكن ليدمج هذا بذاك لأنه في الأصل كان مضطهد لاتباع يسوع من البداية (“وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ.” (أع 7: 58). “فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي».” (أع 7: 59).

“وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِيًا بِقَتْلِهِ (أع 8: 1) فإذا أراد بولس ان يخترع هذه القصة لكان معهم منذ البداية ولم يكن بحاجة للهجوم عليهم بل كان منذ ان قالوا بالقيامة لكان ذهب معهم فيعترف بولس بنفسه انه كان يضطهد الكنيسة (“فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلًا فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا.” (غل 1: 13) ومن ثم تحول إلى شخص اخر مباشرة بالإيمان ومؤمن بالقيامة ولم يكن بولس بحاجة لشخص مصلوب مثل يسوع حتى يقوم بتأكيد تعاليمه ويذكر إيرمان الاتي:

 

إنها حقيقة تاريخية أن بعض أتباع يسوع اعتقدوا أنه قام من بين الأموات بعد وقت قصير من إعدامه. نحن نعرف بعض هؤلاء المؤمنين بالاسم؛ أحدهم، الرسول بولس، يدعي بوضوح تام أنه رأى يسوع حياً بعد موته [51] فهذا إذا دليل على ان بولس لم يلفق شيء

 

والنقطة الأهم في كل هذا عزيزي القارئ هو انه لا يوجد شيء اسمه الهة قائمة من الأموات وهذا هو موضوع البحث في هذا الفصل هل حقاً هناك ما يسمى الهة قائمة من الأموات؟

 

في الحقيقة يا عزيزي القارئ لا يمكن لتلاميذ يسوع ان يسرقوا هذه الفكرة من الحضارات الاخرى لانها لم تكن موجودة أصلا لان الله في الحضارات القديمة لم تكن تموت فيذكر لنا جاك شورون:

 

هوميروس يجعل ظل أخيل يعبر عن وجهة النظر السائدة: «أناشدك، يا أوديسيوس الشهير ألا تتحدث برفق عن الموت، فلن تعيش على الأرض عبدا لأخر… خير من أن تحكم كملك لا ينازعه السلطان أحد في مملكة الأشباح اللاجسدية» أن الموت هو الشر الأعظم، تقول سافو.. sapho: « أن الآلهة تعده كذلك وإلا لكانت قد ماتت» [52]

 

فالإنسان خلق الله على صورة الانسان ومثاله بمعنى ان الانسان اعطى لله صفات الكمال التي كانت يريدها وهناك نقطة هامة يذكرها فيورباخ:

 

في كتب زندافستا يعبر عن الشمس والقمر بوضوح على أنهما خالدين بسبب استمرارهم وقال Inca البيروني [من بيرو] الى راهب من الدومنيكان: «إنك تعبد الها مات على الصليب ولكني أعبد الشمس التي أبداً لا تموت» [53]

 

وهنا يجب ان نتوقف لنتسأل إذا كان موت الاله شيء طبيعي في الوثنية لما كان حدث هذا النقد على إله المسيحية بمعنى ان كنت انا أؤمن بشيء واعرف شخصاً يوم بنفس الشيء فكيف اذهب له وأقول هذا وهذاك ولكن على العكس هنا هو يقول له انظر انت تعبد كذا الذي مات وانا اعبد كذا الذي هو لا يموت وهذه نقطة هامة لا يجب ان تمر هكذا مرور الكرام! واحد اهم الاكتشافات الاثرية التي تؤكد حقيقة حدوث السخرية هو نقش Alexamenos graffito

عادةً ما يُنظر إلى النقش على أنه تصوير ساخر للمسيحي أثناء العبادة. في ذلك الوقت، كان الوثنيون يسخرون من المسيحيين لأنهم يعبدون رجلاً مصلوباً [54]

 

ولكن أيضا يا عزيزي نجد ان يوستينوس المدافع المسيحي من القرن الثاني يعترف بالأمر ويقول:

 

وعندما نقول إن المسيح شفى العرج والمشلولين والعميان منذ ولادتهم وأقام الموتى، ألا تنسبون مثل هذه الأعمال إلى أسكلبيوس؟ [55]

 

ومن هنا نستطيع ان نقول ان القصة انتهت بالفعل اعتراف واضح من احد مدافعين الكنيسة في القرن الثاني قال بوضوح هناك تشابه بين يسوع واله الطب عند اليونانيين أسقليبيوس إذا نحن قفلنا هذا الملف بهذا الاعتراف الصريح، ولكن عزيزي هذه سطحية ليس اكثر فمن الحضارات القديمة وفي العهد القديم نجد ان الاله تقوم بالمعجزات هذه ليس المشكلة هنا ولكن النقطة الأهم هي إقامة الموتى فالحقيقة يقول يوستينوس في الاقتباس (وأقام الموتى) هذه الجملة لا يمكن الاخذ بها قبل القول المسيحي بالقيامة لأنه بكل بساطة في الفلسفة او الميثولوجيا اليونانية ليس هناك ما يسمى بقيامة الأموات مرة أخرى وهذا نجده في الالياذة [56] الكتاب المقدس عند اليونانيين

 

ان هذه التحفة هي جنازة باتروكلوس من القرن الرابع قبل الميلاد وتذكر الالياذة الاتي:

ادفِنِّي بأسرعِ ما يمكن حتى يَتسنَّى لي عبور بوابات هاديس؛ فالأرواح psychai، أشباح الرجال الموتى الذين عبَروا، تدفعني وتُبقيني بعيدًا ولن تسمح لي بأن أنضم إليها فيما وراء النهر، ولكني أَهِيم بلا هدفٍ عبْر بيت هاديس ذي البوابات الهائلة [57]

 

ويذكر لنا واحد من اعظم العلماء الكلاسيكيين Erwin. Rohde:

إن طبيعة هذا الثنائي الغامض للبشرية، التي تنفصل عن الإنسان عند الموت وترحل بعد ذلك، يمكن أن تتحقق على أفضل وجه إذا أوضحنا لأنفسنا أولاً ما هي الصفات التي لا تمتلكها. إن نفسية المعتقد الهوميري، كما كان من المفترض، لا تمثل ما اعتدنا أن نطلق عليه «الروح» في مقابل «الجسد». إن كل قوى “الروح” الإنسانية بالمعنى الأوسع – والتي يمتلك الشاعر مفردات كبيرة ومتنوعة بشأنها – هي في الواقع نشطة وممكنة فقط طالما أن الإنسان لا يزال على قيد الحياة: عندما يأتي الموت، لا تعود الشخصية الكاملة مكتملة. في وجود. الجسد، أي الجثة، يصبح الآن مجرد “أرض لا معنى لها” ويتساقط إلى أشلاء، بينما تبقى النفس دون أن تمس [58]

 

ويذكر ايضاً جاك شورون:

ينظر إلى النفس على أنها ذات أصل سماوي وأنها تقطن الجسم كما لو كانت سجينة، وبوسعها الهرب عند الموت واستعادة ألوهيتها. وكما يشير کورنفورد، فليس ثمة هوة هنا بين الإلهي والإنساني على نحو ما نجد في اللاهوت الهومري والخلود بهذا المعنى يتميز على نحـو حـاد عـن الدوام المحض» [59]

 

وعن الجانب الفلسفي كانت الفلسفة الرواقية هي المنتشرة في هذه الفترة حتى ان بولس كما هو مشهور عنه تعلم منهم الفلسفة فتبالي يجب ان ينظر إلى الفلسفة الرواقية كيف كانت ترى قيامة الموتى او الخلود في عالم اخر وكان من الفلاسفة المشهورين في هذا العصر واعني بكلامي عصر التلاميذ هو الفيلسوف الرواقي سينيكا فيقول عنه الفيلسوف المصري عثمان امين:

 

فلسنا ندرى مثلا إذا كان سنكا يرى أن الله شخص مستقل عن الكون – كما هو الحال عند أرسطو – أم أن الله والكون أمر واحد، كما رأى أهل الرواق الأولون. ولسنا نعرف على التحقيق إذا كان العالم عنده يحكمه «القدَر» المحتوم أو تسهر عليه عناية مديرة، ولا إذا كانت الروح – كما يرى أفلاطون – من فيض الله وإلى الله تعود، أم هي كما يقول الرواقيون تفنى بفناء الجسد والحقيقة أن سنكا لا يرى لهذه الأمور أهمية عظيمة. ذلك أنه كغيره من فلاسفة الرواق فى رومه لا يتمثل العلم الحقيقي إلا ما كان متجها إلى الأخلاق من أجل هذا نراه يعد الميتافيزيقا منفصلة عن الأخلاق جدلا باطلا، ومضيعة للعمر فيما لا يستحق أن يلتفت إليه [60]

إذا لا يمكننا القول انه قبل انتشار المسيحية وانتشار معها قيامة المسيح ان هناك مفهوم عن القيامة الجسدية كما هو موضح في ترنيمة فيلبي [61] كان هناك نفس المفهوم في الثقافات القديمة بخصوص موضوع الالهة التي كانت تموت وتقوم في الاساطير القديمة

 

فيقول عالم الاشوريات Gerfrid G. W. Müller: أن العصور القديمة غير المسيحية لم تعرف أبدًا شيئًا مشابهًا للفصح المسيحي [62]

 

ومن هنا نأتي لدراسة قدمها المؤرخ السويدي Tryggve N.D. Mettinger في كتابه لغز القيامة “الآلهة المحتضرة والقائمه” في الشرق الأدنى القديم فيقول:

 

كبار العلماء في مجالات مقارنة الأديان والكتاب المقدس يجدون أن فكرة موت الآلهة وقيامتها مشبوهة أو لا يمكن الدفاع عنها [63]

 

ولكنه يقول أيضا بخصوص موت أدونيس:

يبدو من الصعب القول بأن موضوع موت أدونيس وقيامته كان نتيجة لمصادرة فكرة مسيحية. فقط إذا كان التاريخ ما قبل المسيحي لفكرة قيامة أدونيس غير محتمل بشكل مباشر، سيكون من الممكن الجدال لصالح مثل هذا التفسير. لكن هذا ليس هو الحال بالتأكيد [64]

 

حسناً إذا؟ ما الصواب هنا فهناك تناقضات في هذه القصص التي لها علاقة بموت الالهة وقيامتها في الحضارات القديمة فمن يقول انه لم يحدث ذلك ومن يقول انها حدثت نحن نريد دليل قاطع على هذا الفعل حتى ننهي هذه القصة، يقدم المؤرخ نفس التساؤل ويقول:

 

والسؤال المطروح أمامنا، حول ما إذا كان هناك في الشرق الأدنى القديم فكرة ثابتة عن الثلاثية، يجب أن يكون في النهاية ومن الحكمة أن نعترف باحتمالية حدوث ذلك، ولكن هذا لا يزال بعيدًا عن كونه حقيقة [65]

 

يقصد هنا بالثلاثية هو الموت والقيامة بعد ثلاث أيام كما في قصة المسيح ولكنه يقول ان هذا الموضوع لا يزال بعيداً عن كونه حقيقة بل هو احتمالية أي ليس الموضوع مؤكد وهذا بالطبع نتج عن دراسة للمصادر المتضاربة في القصص واختلاف الاقوال فنحن اذن لا يمكننا القول بصريح العبارة على تأكيد موت وقيامة الالهة في الحضارات القديمة وهذا الشيء قدم فيه المؤرخ وعالم العهد الجديد N. T. Wright دراسة في كتابه (قيامة ابن الله)

 

فيقول:

كان الطريق إلى العالم السفلي يسير في اتجاه واحد فقط. في جميع أنحاء العالم القديم، بدءًا من “الكتاب المقدس” لهوميروس وأفلاطون [66]

 

ويقول أيضا:

كان الشعور بالموت بمثابة خسارة فادحة لكل من المحتضر والثكلى، وكان من النادر حقًا أن يتغلب هؤلاء (سقراط، وربما سينيكا) على مثل هذه المشاعر. ما هو الحل؟ إذا تم النظر إلى التجسيد أو إعادة التجسيد على أنه مشكلة، فإن الحل النهائي سيكون الهروب منها تمامًا. ولكن إذا كان الموت، أي انفصال الروح عن الجسد، هو المشكلة – كما كان الحال من قبل الغالبية العظمى من الناس، كما تشهد بذلك نقوش المقابر والطقوس الجنائزية في جميع أنحاء العالم القديم – فلا يوجد حل.

كان الموت قويا. لا يمكن للمرء الهروب منه في المقام الأول ولا كسر قوته بمجرد مجيئه. وهكذا انقسم العالم القديم إلى أولئك الذين قالوا إن القيامة لا يمكن أن تحدث، على الرغم من أنهم ربما أرادوا ذلك، وأولئك الذين قالوا إنهم لا يريدون أن يحدث ذلك، مع العلم أنه لا يمكن أن يحدث على أي حال [67]

 

ولكن نحن لدينا أقدم شهادة بعيداً عن كل هذه التناقضات في قصص موت الالهة وهي قصة ايزيس واوزوريس هي قصة قبل المسيحية بقرون عديدة وهي مذكورة في نصوص الأهرام هذه النقوش القديمة وثقت الحدث فلا داعي إذا للخلاف والجدال بشأن القصة يبدوا ان المسيحيين اقتبسوا قيامة المسيح منها! ولكن يا عزيزي القصة لا تتحدث ابدا عن اله مات وقام وهذا ما تذكره لنا الموسوعة البريطانية

 

منذ حوالي عام 2000 قبل الميلاد فصاعدًا، كان يُعتقد أن كل رجل، وليس فقط الملوك المتوفين، أصبح مرتبطًا بأوزوريس عند وفاته. ومع ذلك، فإن هذا التماهي مع أوزوريس لا يعني القيامة، فحتى أوزوريس لم يقم من بين الأموات [68]

 

على العموم نحن ليس لدينا دليل قاطع يؤكد حقيقة قيامة الالهة من الموت كما حدث في قصة يسوع حتى لو كان هناك قيل هنا وهناك فهذا ليس دليلاً قاطعاً على العكس من ذلك نجد ان الموت كان شراً والالهة لا تموت وحتى الحياة الأخرى كانت ليست حياة جسدية بل روحية لان المادة كانت تعد شراً وحتى ان قلنا بوجود هذه الأفكار هذا لا يعني بالضرورة انها سرقت لتوضع على يسوع فكما قلنا في الفصل السابق عن طبيعة الحياة الثقافة والاجتماعية التي عاش فيها تلاميذ يسوع هي بعيدة كل البعد عن اختلاق قصة موت وقيامة المسيا المنتظر وفي النهاية اريد ان اختم هذا الفصل بقول الفيلسوف الألماني فيورباخ:

 

وهكذا فقد أزالت المسيحية «الروحانية» الصبغة الروحية عما كان روحانياً بالنسبة للمسيحيين فإن خلود العقل، النفس، كان تجريدياً وسلبياً إلى درجة كبيرة؛ فلم يكن لهم في قلوبهم غير الخلود الشخصي، وهو بحد ذاته كان سيرضي مشاعرهم، وضمان هذا يكمن في قيامة جسدية فحسب. قيامة الجسد هي أكبر انتصار للمسيحية على روحانية وموضوعية القدامى الساميتين، لكنهما حتماً تجريديتان. لهذا السبب لم يكن ممكناً قط استيعاب فكرة القيامة من قبل العقل الوثني [69]

 

 

الفصل الرابع: هلاوس تلاميذ يسوع والقيامة الروحية

 

حسناً لم يخترع تلاميذ يسوع قيامته ولكنهم قالوا بشيء هم رأه بأنفسهم وهو يسوع نفسه فقول بولس (“وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ.” (1 كو 15: 5). “وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا.” (1 كو 15: 6).

حقاً قد راه ولكنها كانت مجرد هلاوس وهذا له تفسير علمي وهي Grief hallucinations او هلاوس الحزن ويظن المصاب بها انه يرى الميت كانه مازال معه [70] فهي حدثت لاتباع يسوع وظنوا انه قام ولكن القيامة هنا ليست جسدية بل روحية لانهم تأثروا بمفهوم القيامة الروحية التي كانت عند الفريسيين والحضارات الأخرى وظنوا انه تمجد كاله في السماء (“لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ” (في 2: 9) وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ” (عب 8: 1) وبهذا لم يكذب تلاميذه ولم يختلقوا شيء بل ما حدث ان القصة تطورت فيما بعد كما حدث مع غيرها من القصص في العالم القديم بمعنى

 

يسوع صلب مات شاهد تلاميذه مجموعة من الهلاوس ظنوا انه قام بمفهوم القيامة الروحية بشروا به تطورت الفكرة إلى ان وصلت للقيامة الجسدية

 

وهكذا أصبح لدينا تفسير عقلاني عن الحدث وقريب من ثقافة التلاميذ ونستطيع ان نستدل عليه علمياُ ويفسر سبب ايمان التلاميذ الشديد والتضحية بأنفسهم من اجل يسوع ومن هنا نستطيع القول انتهت القصة، ولكن لا لم نقل انتهت القصة لأننا كما ذكرنا في الفصل الأول ان بولس ومرقس نقلوا ايمان التلاميذ وعائلته مباشرة منهم وفي هذه الكتابات لم تكن قيامة المسيح روحية ابدا

 

وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ.” (مر 16: 1)”وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.” (مر 16: 2) وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟»” (مر 16: 3)”فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا.” (مر 16: 4)”وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ.” (مر 16: 5) فَقَالَ لَهُنَّ: «لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ.” (مر 16: 6) لكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ».” (مر 16: 7)

 

وهذه نقطة تاريخية وهي نقطة قبر المسيح الفارغ هل كان فعلاً قبر المسيح فارغاُ كما ذكر في انجيل مرقس ام لا؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب علينا ان نطرح سؤال اخر وهو هل دفن المسيح أصلا؟

 

في البداية حسب نصوص الكتاب المقدس اليهودي (العهد القديم) انه يجب ان يتم دفن المتوفي

(تث 21: 23 23) فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا. “وَكَانَتْ حَيَاةُ سَارَةَ مِئَةً وَسَبْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، سِنِي حَيَاةِ سَارَةَ. وَمَاتَتْ سَارَةُ فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ، الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَى إِبْرَاهِيمُ لِيَنْدُبَ سَارَةَ وَيَبْكِيَ عَلَيْهَا. وَقَامَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَمَامِ مَيِّتِهِ وَكَلَّمَ بَنِي حِثَّ قَائِلًا: «أَنَا غَرِيبٌ وَنَزِيلٌ عِنْدَكُمْ. أَعْطُونِي مُلْكَ قَبْرٍ مَعَكُمْ لأَدْفِنَ مَيْتِي مِنْ أَمَامِي».” (تك 23: 1-4)

 

والنقطة الثانية يذكرها لنا عالم الكتاب المقدس Craig A. Evans الا وهي الدليل الاثري الذي يؤكد دفن المصلوب، فيقول:

 

يقدم الاكتشاف المهم في عام ١٩٦٨م لمعظمة (مَعظَمة رقم ٤ في مقبرة، Givat ha-Mivtar خاصة برجل يهودي يسمى ياهوحنان Yehohanan، والذي قد صُلب على الأغلب، دليلاً أثريا ورؤية للكيفية التي قد تم بها صلب يسوع. ترجع المعظمة ومحتوياتها إلى أواخر العشرينيات بعد الميلاد – أي خلال فترة حكم بيلاطس ذات الحاكم الروماني الذي حكم على يسوع بالموت صلبًا [71]

 

ان هذه القطعة هي جزء من جسد هذا الرجل الميت

ويذكر أيضا Craig A. Evans:

يمكن رؤية بقايا المسمار الحديد (طوله ١١،٥ سم) مغروسة في عظم الكعب الأيمن. يبدو أنَّ أولئك الذين أنزلوا ياهوحنان لم يقدروا على إزالة المسمار، مما أدى إلى أنَّ قطعة من الخشب (من شجرة زيتون) ظلت متصلة بالمسمار[72]

 

ويذكر أيضا الناقد ريموند بروان: من الممكن أن تكون بعض العوامل التاريخية قد أثرت على ذكرى المكان. أحد أقرباء يسوع، يعقوب “أخ الرب”. كان شخصية رئيسية في المجتمع المسيحي في القدس (غل 2: 9) بعد قيامة يسوع مباشرة (1 كور 15: 7: “ظهر ليعقوب”) حتى عام 62 م عندما تم إعدامه على يد رئيس الكهنة حنانوس الثاني. (Josephus، Ant. 20.9.1; 200) في تلك الفترة ربما كان لديه اهتمام عائلي بالقبر، وهو اهتمام يمكن أن يكون تقليدًا حيًا بين أقارب يسوع الذين من المفترض أنهم كانوا بارزين في فلسطين. المسيحية حتى القرن الثاني (Eusebius، EH 3.19-20) [73]

 

اذن نحن لدينا هنا ثلاث نقاط هامة (الدفن هو فرض على اليهودي، الاكتشافات الاثرية تؤيد حقيقة دفن المصلوبين وخاصة اليهود منهم، حقيقة اهتمام عائلة يسوع بقبره وكان تقليداً ليعقوب حتى سنة 62 م) فنستطيع ان نقول نعم يسوع دفن فلا يوجد دليل ينفي انه لم يدفن ولكن على العكس الأدلة تقف في صف الدفن اذن فلا يمكننا رفض عدم دفن يسوع ولكن نستطيع القول بحقيقة دفنه

 

والنقطة الثانية هي القول بحقيقة ان قبره كان فارغاً كما ذكر في (مر 16: 6) ماذا لدينا من معطيات نستطيع دراستها؟ يقدم لنا متى هذه المعطيات (فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً” (مت 28: 12) قَائِلِينَ: «قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلًا وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ.” (مت 28: 13) فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.” (مت 28: 15)

 

إذا كان هناك ادعاء واضح وصريح ان التلاميذ سرقوا جسد يسوع ولكن أيضا الا يبدوا هذا الادعاء ينفي حقيقة قيامة المسيح من الأساس اعني لماذا لا نأخذ ادعاء اليهود على محمل الجد ونقول فعلاً ان تلاميذه سرقوا جسده؟

بكل بساطة يا عزيزي هذا الادعاء لا يصح بسبب عقوبة مذكورة في نقش الناصرة فيذكر لنا Joseph M. Holden وNorman Geisler: تم اكتشاف نقش في الناصرة عام 1878 يحظر سرقة المقابر، يعود تاريخه إلى زمن أغسطس قيصر وكلوديوس قيصر. وبما أن الناصرة كانت قرية صغيرة، فقد توقع العلماء أن المرسوم ربما صدر رداً على الشائعات التي نقلتها السلطات في إسرائيل بشأن سرقة قبر يسوع، ولكن ليس هناك يقين من أن النقش مرفق على الناصرة. قيامة يسوع المسيح [74]

 

وماذا بعد؟ المرجع نفسه يقول (ليس هناك يقين من أن النقش مرفق على الناصرة. قيامة يسوع المسيح) فلا يمكننا الاستدلال عليه أصلا من اجل اثبات حقيقة القيامة فيصبح النقش بلا فائدة والاستدلال به مجرد استخفاف بالعقول!!

 

ولكن من قال ان الاستشهاد بالنقش الهدف منه هو اثبات حقيقة القيامة؟ بالطبع من يستخدمه لأثبات حقيقة القيامة هو الذي يجعل مشاعره تقوده ولكن ليس الهدف منه هو التأكيد على القيامة ولكن التأكيد على الحكم المترتب على سرقة القبور وهذا أيضا ما وضحه الناقد ريموند بروان من فائدة هذا النقش فيقول:

 

لا يوجد دليل جدي على أن بيلاطس قدم أي تقرير من هذا القبيل، أو أن روما كانت مهتمة بالمشكلة، أو أن مثل هذا النقاش حدث مباشرة بعد قيامة يسوع. ومع ذلك، فإن النقش يملأ خلفية قصة حارس القبر. فمن ناحية، يُظهر أن انتهاك القبر كان خطيرًا للغاية وربما ارتكاب الجنود الرومانيين للانتهاكات عندما كان هناك سبب لتوقع سرقة جثة شخص كانت وفاته ذات سمعة سيئة. ومن ناحية أخرى، فإن المعرفة العامة بأن أولئك الذين يسرقون جسداً سوف يعاقبون بشدة من قبل الرومان قد تجعل القراء يدركون سخافة الادعاء اليهودي بأن التلاميذ الذين فروا عندما تم القبض على يسوع قد اكتسبوا الآن الشجاعة لسرقة جسد يسوع [75]

 

فإذا هناك ادعاء يهودي بسرقة الجسد وهذا يدل على ان قبر يسوع كان فارغاً وهناك على الجانب الاخر تأكيد على انه من المستحيل ان يسرق تلاميذ يسوع جسده خوفاً من الموت ولكن هل حقاً كان هناك ادعاء يهودي بسرقة الجسد؟ أي ما الدليل على ان موضوع القبر الفارغ كان مشهوراً في اليهودية بعد موت يسوع او على الأقل قبل كتابة متى لأنجليه؟

 

في مناظرة وليم لين كريج وعالم العهد الجديد الملحد ليدمان قام كريج بوضع سؤال واضح وهو لماذا لم يكشف اليهود لاتباع يسوع جسد يسوع؟

 

فيقول اللاهوتي Paul Copan واستاذ الفلسفة Ronald K.Tacelli الذين قاموا على جمع هذه المناظرة في كتاب:

هنا يبدو أن ليدمان قد ترك جناحه مكشوفًا عن غير قصد؛ لأنه إذا كان أعداء يسوع قد دفنوه فلا بد أنهم عرفوا مكان قبره. فقط لو كان تلاميذه قد دفنوه وأبقوا الموقع سرا عن أعدائه، لكان من الممكن أن لا يتمكن الأخير من الإشارة إلى قبر يحتوي على جثة يسوع. حسنا، ليس تماما “فقط”. مثل أعداء يسوع، يمكن لليندمان أن يقترح السرقة من قبل تلاميذ يسوع. ما يفعله ليندمان بدلاً من ذلك هو الإشارة إلى أن التلاميذ لم يبدأوا بالتبشير بقيامة يسوع إلا بعد وقت طويل من موته (بعد خمسين يومًا وفقًا لأعمال الرسل 1: 3 مع 2: 1، 24-28) بحيث “لن ترى” بقي الكثير [من الجسم).” لكنك سترى شيئًا ما، على الأقل الهيكل العظمي؛ وسترون أن القبر كان مشغولا، وليس فارغا. لذا فإن سؤال كريج يحتفظ بقوته: لماذا لم يتمكن أعداء يسوع من إخماد رسالة القيامة من خلال الكشف عن رفاته؟ [76]

 

ولكن هذا الاقتباس الاعزال لا يثبت قول اليهود بسرقة الجسد بأي شكل من الاشكال فهو اقتباس تم القول به على اثبات انه بالفعل اليهود قالوا ان التلاميذ سرقوا جسد يسوع فبدون التأكيد على هذا الحدث يصبح هذا الاقتباس بلا فائدة

 

ولكن الدليل واضح امامنا هو ما قدمه الانجيل نفسه فيذكر عالم اللاهوت الأمريكي Hagner، D. A:

 

كتب الإنجيلي (μέχρι τῆς σήμερον [ἡμέρας]، “إلى الحاضر [اليوم]”)، قصة أن تلاميذ يسوع سرقوا الجسد استمرت في انتشار على نطاق واسع بين الشعب اليهودي (بعد عدة عقود انعكس هذا في حوار يوستينوس (، Dial. 108.2). لا تشير هذه العبارة إلى تاريخ الإنجيل ولكنها متوافقة تمامًا مع تاريخ ما قبل سنة سبعين [77]

 

إذا كانت هذه القصة منشرة قبل سنة 70 ميلادياً وقد اثرت هذه القصة في اليهود حتى بعدها بقرن وقال بها أيضا تريفون في حواره مع يوستينوس في القرن الثاني:

 

وبالرغم من أن السيد المسيح أعلن لكم أنه سيعطيكم آية يونان طالبًا منكم أن تتوبوا عن خطاياكم على الأقل بعد قيامته من الأموات وأن تنوحوا أمام الله كما فعل أهل نينوى حتى لا تهلك أُمتكم ومدينتكم كما حدث ولكنكم لم ترفضوا التوبة بعد علمكم بقيامته من الأموات فحسب، بل أيضًا. كما قلتُ من قبل. اخترتم بعض الرجال وكلفتموهم ليطوفوا المسكونة جمعاء ويقولوا: “إن هرطقة كافرة ومخالفة للناموس أسسها رجل جليلي مُضِل يُدعى. يسوع وقد صلبناه ولكن سرق تلاميذه الجسد من القبر ليلا [78]

 

ونطرح أيضا السؤال الاتي ما الذي يجعل الإنجيلي يخترع هذه القصة أصلا؟ فموضوع اختراع هذه القصة ليس له أي أهمية بالعكس كان يستطيع ان يخترع شيء اخر أكثر اقناعاً بحقيقة القيامة كمثال ان رئيس الكهنة رأى القيامة وقتله او مثلا ان أحد مجمع السنهدرين رأى القيامة هناك الكثير من القصص التي نستطيع ان نضعها في هذا المكان لذلك نجد عالم العهد الجديد Robert Stein يقول:

 

“[حتى] لو أنها نشأت في وقت متأخر، لما كانت هناك حاجة لخلق مثل هذا الجدل. في مثل هذا التاريخ كان من الممكن أن يثير المرء أسئلة مثل “أي قبر فارغ؟ ومن أين يأتي هذا الادعاء الجديد بأن القبر الفارغ كان خاليا؟ لم نسمع قط أي شيء عن قبر فارغ». إن حقيقة أن الجدل اليهودي لم يعترض أبدًا على وجود القبر الفارغ يشير إلى أن هذا التقليد قديم جدًا. يفترض مثل هذا التنازل أن المسيحيين منذ البداية أعلنوا أن قبر يسوع كان فارغاً. وربما يشير أيضًا إلى أن زعماء اليهود وجدوه فارغًا [79]

ويضع ريموند براون هذه الجزئية الخطيرة فيقول لقد دفن يسوع في مكان معين. ولو كان هذا المكان معروفا، لكان من الممكن زيارته في وقت معين. إذا تمت زيارة القبر وكان يحتوي على جثة أو هيكل عظمي ليسوع، فمن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن نفهم كيف كان يمكن للتلاميذ أن يكرزوا بأن الله أقام يسوع من بين الأموات، لأنه سيكون هناك دليل دامغ على أنه لم يقم. ومن المؤكد بشكل معقول أن القبر لم يكن معروفًا، أو أنه كان فارغًا إذا كان معروفًا [80]

إذا اما قبر يسوع لم يكن معروفاً او كان معروفاً وفارغاً ولكن ما الاصح بينهم؟

 

يكمل بروان ويقول:

إن التقليد القائل بأن القبر كان معروفًا وكان فارغًا هو أقدم بكثير من روايات الإنجيل التي تم بناؤها حول اكتشاف القبر الفارغ. وهي تستحق الأفضلية على الفرضية غير المدعومة بشكل جيد بأن مكان دفن يسوع كان غير معروف [81]

 

وكما قلنا مسبقاً ان قبر يسوع كان معروفاً لدى اتباعه اقتباس عن ريموند بروان وبتالي سيكون معروفاً أيضا لأعداءه وهنا تظهر حجة وليم لين كريج مجدداً (لماذا لم يتمكن أعداء يسوع من إخماد رسالة القيامة من خلال الكشف عن رفاته؟) وموضوع سرقة جسد يسوع ليس له فائدة كما واضحنا مسبقاً ويقدم أيضا كريج شيء مهم في كلامه وهو الاجماع العلمي فيقول:

وجد غاري ها بيرماس (Gar Habermas) في، مسح لأكثر من ۲۲۰۰ منشورًا عن القيامة بالإنكليزية والفرنسية والألمانية منذ ١٩٧٥ أنَّ ٧٥٪ من العلماء يقبلون تاريخية اكتشاف قبر يسوع الفارغ. ” ويُعد الدليل قاطعًا حتى إن عددًا من العلماء اليهود، مثل فينحاس لا پيد وجيزا فيرمس (Geza Vermes)، صرَّحوا أنهم مقتنعون على أساس البرهان أن قبر يسوع وجد فارغا [82]

 

إذا يمكننا إعادة رسم المخطط على النحو التالي:

مات يسوع – دفن يسوع – قبره كان فارغاً – ظهر لتلاميذه – بشر تلاميذه بقيامته

 

 

 

[1] The Resurrection: Influence on the Church in the First Decades (crivoice.org)

[2] تاريخ الاحداث الكبرى – ص 106

[3] كتاب التاريخ والمؤرخون – حسين مؤنس – ص 51

[4] The New Testament: A Historical Introduction to the Early Christian Writings by Bart D. Ehrman، P. 40

[5] Ibid، P. 41

[6] النقد التاريخي لـ أنجلو اوسينوبوس وبول ماس وامانويل كنت، ترجمة عبد الرحمن بدوي، ص 45

[7] Bart Ehrman، The New Testament: A Historical Introduction to the Early Christian Writings، 5th ed. (New York: Oxford University Press، 2012)، 72–74

[8] Coan، J.A. (1997). Lost in a Shopping Mall: An Experience with Controversial Research. Ethics & Behavior

[9] https://www.eurekalert.org/pub_releases/2016-12/uow-hop120716.php

[10] لقاءات شخصية مع يسوع – تيموثي كلر – ص 82

[11] The Influences of Emotion on Learning and Memory – PMC (nih.gov)

[12] Dunn، James D. G. (2003). Jesus Remembered، p. 339

[13] THE EVOLUTION OF THE IDEA OF GOD: AN INQUIRY INTO THE ORIGINS OF RELIGION BY GRANT ALLEN)، P. 3

[14] موت يسوع ودفنه وقيامته – ماذا حدث في الايام الاخيرة ليسوع؟ ص 56

[15] مكتبة عين الجامعة» اللغة العربية» الأسلوب الروماني في الأدب والفن والحياة – أديث هاملتون – ترجمة حنا عبود – ص 5

[16] مقدمة للعهد الجديد ج2 – القرائن المنهجيات وتكوين الخدمة – ديفيد أ ده سيلفا – ترجمة بيار فرنسيس – ص 17

[17] The Pre-Christian Paul [London: SCM Press، 1991]، p. 38

[18] Cambridge Bible commentary، 1 CO 15: 3

[19] [19] مقدمة للعهد الجديد ج2 – القرائن المنهجيات وتكوين الخدمة – ديفيد أ ده سيلفا – ترجمة بيار فرنسيس – ص 27

[20] مختصر تاريخ الكنيسة – ص 58

[21] Did Paul Get Along with the Other Apostles? – The Bart Ehrman Blog

[22] الاقناع – ديف لاكاني – ترجمة زينب عاطف – ص 52

[23] تاريخ الكنيسة المفصل – المجلد الأول – ترجمة صبحي حموي اليسوعي – ص 34

[24] كان مرقس ترجمان بطرس فكتب بدقة، لا بترتيب، كل ما تذكّره من أقوال الرب وأعماله. فهو لم يسمع الرب ولم يتبعه، بل كما قلت، تبع بطرس فيما بعد. قدَّم بطرس تعليماً حسب الحاجة ولم يؤلف أقوال الرب تأليفاً مرتباً. وهكذا لم يخطئ مرقس حين دوّن بعض هذا التعليم كما تذكَّره. لم يكن لديه إلا هَمّ واحد؛ أن لا يهمل شيئاً مما سمعه، أن لا يقول شيئاً كاذباً (بولس الفغالي – الأناجيل الإزائية، متى – مرقس – لوقا (1994) الفصل العاشر: مدخل إلى إنجيل مرقس)

[25] An Introduction to the New Testament: The Abridged Edition by Raymond E. Brown، P. 158

[26] Ibid، P. 160

[27] مدخل إلى العهد الجديد – ص 187، 188

[28] مقدمة للعهد الجديد ج1 – – ديفيد أ ده سيلفا – ص 265

[29] An Introduction to the New Testament by D. A. Carson and Douglas J. Moo) P، 175

[30] Bart D. Ehrman، Did Jesus Exist?: The Historical Argument for Jesus of Nazareth، (New York: HarperOne، 2012) 172، Kindle edition، ch. 4–5، “Evidence for Jesus Outside the Gospels” and “Two Key Data for the Historicity of Jesus

[31] روح الشرائع – الباب الرابع عشر – الفصل الأول

[32] اصل الدين – فيورباخ – ترجمة احمد عبد الحليم عطية – ص 41

[33] رسالة في التسامح – فولتير – الفصل الثالث عشر

[34] التلمود عرض شامل – أ. كوهن – ص 443

[35] المرجع السابق – ص 444

[36] المرجع السابق – ص 445

[37] التفسير الكتابي اتباع نهج تكاملي – دبليو راندولف تاتي – ترجمة د عادل زكري – ص 113

[38] John Gill’s Exposition of the Bible، Deuteronomy 11:9

[39] جاسم حسین یوسف، العلاقة بين البشر والآلهة في بلاد الرافدَيْن في ضوء النصوص المسمارية، مجلة مركز دراسات الكوفة، العدد ٤٩، ٢٠١٨، ص١٤٧

[40] التلمود عرض شامل – أ. كوهن – ص 446

[41] الاسانيون وقمران ويوحنا المعمدان ويسوع – هارتموت شتيغيمان – تعريب الاب خليل شحادة – ص 198

[42] نظرة عامة على تاريخ المسيحية – مايكل باركر – ص 29

[43] تاريخ أورشليم والبحث عن مملكة اليهود – فراس السواح – ص 253

[44] الصفحة السابقة

[45] المرجع السابق – ص 256

[46] Resurrection of the Dead in Early Judaism 200 bce–ce 200 by C. D. ELLEDGE. P 106

[47] New Testament History، Culture، and Society A Background to the Texts of the New Testament Lincoln H. Blumell، P. 74

[48] Ibid

[49] اللفياثان – توماس هوبز – ترجمة ديانا حرب وبشرى صعب – ص 127

[50] يسوع قبل المسيحية – البرت نولان الدومينيكاني – ص 47، 48

[51] Bart Ehrman، The New Testament: A Historical Introduction to the Early Christian Writings. Third Edition (New York، Oxford: Oxford University Press، 2004)، 276

[52] الموت في الفكر الغربي – جاك شورون – ص 34

[53] أصل الدين – فيورباخ – ترجمة احمد عبد الحليم – ص 50

[54] The Incarnation In Herbermann، Charles Catholic Encyclopedia. Vol. 7

[55] الدفاع الأول – الفصل الثاني والعشرون

[56] يذكر لنا سليمان البستاني مترجم الالياذة عن الزمن الذي عاش فيه مؤلفها فيقول: أن مؤرخي الرومان مجمعون على أن هوميروس نبغ قبل بناء رومية بقرن ونصف، فإذا أضفنا ذلك إلى ٧٥٣ وهي السنة التي بنيت فيها رومية كان نبوغ هوميروس نحو سنة 903ق.م (الالياذة – سليمان البستاني – ص 20) وهذا يدل على ان عمر تأليف هذه الملحمة كانت قبل المسيح ب 9 قرون تقريباً

[57] الإلياذة، ٢٣، ٧١–٧٤

[58] Psyche: the cult of souls and belief in immortality among Greeks. by Erwin. Rohde، P.5

[59] الموت في الفكر الغربي – جاك شورون – ص 53، 54

[60] الفلسلة الرواقية – عثمان امين – ص 194

[61] الاصحاح الثاني من الرسالة إلى فيلبي وبالتحديد هذا المقطع: +[2:6 الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله 2:7 لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس 2:8 واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب 2:9 لذلك رفعه الله ايضا واعطاه اسما فوق كل اسم 2:10 لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الارض 2:11 ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الاب]

[62] Müller، G.G.W. 1994. “Akkadische Unterweltsmythen.” TVAT 3: fascicle 4 ([S]o etwas wie ein Osterfest hat die ausserchristliche Antike offenbar nicht gekannt)

[63] The Riddle of Resurrection “Dying and Rising Gods” in the Ancient Near East by Tryggve N.D. Mettinger، P. 17

[64] Ibid، P. 153، 154

[65] Ibid، P. 215

[66] THE RESURRECTION OF THE SON OF GOD by N. T. Wright، P. 82

[67] Ibid

[68] Osiris | Description، Myth، Symbols، & Facts | Britannica

[69] جوهر المسيحية – فيورباخ – ص 217

[70] Baethge، Chr.2002). Grief hallucinations: True or pseudo? Serious or not? An inquiry into psychopathological and clinical features of a common phenomenon. Psychopathology، 35، 296-302.

[71] موت يسوع ودفنه وقيامته – ماذا حدث في الايام الاخيرة ليسوع؟ – ص 87، 88

[72] المرجع السابق – ص 88

[73] THE DEATH OF THE MESSIAH Volume 2 by RAYMOND E. BROWN، P. 1281

[74] The Popular Handbook of Archaeology and the Bible: Discoveries That Confirm the Reliability of Scripture by Joseph M. Holden and Norman Geisler، P. 363

[75] THE DEATH OF THE MESSIAH Volume 2 by RAYMOND E. BROWN، P. 1294

[76] Jesus’ Resurrection: Fact or Figment?: A Debate Between William Lane Craig Gerd Ludemann by Paul Copan (Editor)، Ronald K. Tacelli، P. 88

[77] Hagner، D. A. (2002). Vol. 33B: Word Biblical Commentary: Matthew 14-28. Word Biblical Commentary (877). Dallas: Word، Incorporated.

[78] الحوار – الفصل 108

[79] Jesus the Messiah: A Survey of the Life of Christ by Robert H. Stein، P. 265

[80] The Virginal Conception and Bodily Resurrection of Jesus by Raymond E. Brown، P. 126

[81] Ibid

[82] مستعدون للمجاوبة – ص 266

قيامة المسيح – بحث تاريخي في ايمان المسيحيين الأوائل – بيشوي طلعت