تفسير سفر الرؤيا 15 الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير سفر الرؤيا 15 الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير سفر الرؤيا 15 الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير سفر الرؤيا 15 الأصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
الجامات السبعة
- منظران تمهيديان ص 15.
- الجامات السبعة ص 16.
الأصحاح الخامس عشر
منظران تمهيديان
في هذا الأصحاح التمهيدى نرى:
- الكنيسة الممجدة في السماء 1 – 4.
- مصدر الجامات السبعة 5 – 8.
1.الكنيسة الممجدة في السماء
“ثم رأيت آية أخرى في السماء عظيمة وعجيبة.
سبعة ملائكة معهم السبع الضربات الأخيرة،
لأن بها أُكمل غضب الله“ [1.]
هذا هو موضوع السلسلة الثالثة، أن الله يرينا آية أخرى في السماء، هذه الآية العظيمة هي مقاصد الله العجيبة تجاه البشر الذي لا يكف عن أن يستخدم معهم اللطف أو الشدة، الترفق أو الحزم، التساهل أو التأديب، هذا كله لأجل خيرهم وخلاصهم إن عادوا إليه تائبين.
علي أي الأوضاع إن هذه الآية التي تحمل غضب الله إلي تمامه، وتكشف المرارة التي يشربها العالم بسبب الشر، فإنها “في السماء“، أي لا تحدث جزافًا أو بلا تدبير، بل صادرة من السماء.
يسرع ربنا فينقل المؤمنين في شخص الرسول ليروا ماذا يكون حال الكنيسة يوم عزها ومجدها حتى لا تضطرب حين ترى التأديبات المرة، لهذا يقول:
“ورأيت كبحر من زجاج مختلط بنار،
والغالبين على الوحش وصورته وعلى سمته وعدد اسمه
واقفين على البحر الزجاجي معهم قيثارات الله.
وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله، وترنيمة الخروف قائلين:
عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله،
القادر على كل شيء.
عادلة وحق هي طرقك. يا ملك القديسين.
من لا يخافك يا رب، ويمجد اسمك،
لأنك وحدك قدوس،
لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك،
لأن أحكامك قد أظهرت” [2-4.]
ينتقل بهم ليروا أنفسهم كغالبين على الشيطان، خاصة الذين يعاصرون اضطهاد ضد المسيح يرون أنفسهم كغالبين الوحش وصورته وعلى سمته وعدد اسمه… ماذا يكون حالهم؟
- إنهم واقفون على البحر الزجاجي، كبحر من زجاج مختلط بنار. وقد سبق أن رأينا أن البحر الزجاجي الذي هو أمام العرش يشير إلى المعمودية التي بدونها لا يعبر أحد إلى الجالس على العرش ليكون في حضنه. ولما كان الحديث هنا موجهًا بالأكثر إلى أُناس يذوقون مرارة المر في فترة ضد المسيح كقول الرب: “يكون في تلك الأيام ضيق لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة التي خلقها الله إلى الآن ولن يكون” (مر 13: 19)، لهذا أظهر البحر مختلطًا بنار التجارب التي يجتازونها.
- معهم قيثارات الله: إنهم غالبون اجتازوا كل أيام غربتهم. ذهب وقت الهروب والألم والحزن وصاروا ظاهرين “واقفين” علنًا، حاملين قيثارات النصرة والفرح. هي ليست منهم بل “قيثارات الله“، هبة من الله تجاه الغالبين لحسابه، يجعل من النفس والجسد قيثارة، تسبحه بنغم إلهي، وتسبيح سماوي روحي من وحيه! يجدر بنا أن نلاحظ أن الغالبين المذكورين هنا هم “الغالبون الوحش“، بكونهم آخر فئة من جماعة المجاهدين على الأرض. وبهذا يوضح لنا هذا المجد الأبدي في كماله وجلاله، لا يناله المؤمنون إلا بعد أن يكمل كل المؤمنين جهادهم.
- وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف: يا له من منظر مبدع سبق أن رأيناه خلال الرمز حين اجتاز موسى والشعب البحر الأحمر وخرجوا إلى الشاطئ يترنمون “ترنيمة موسى” (خر 15)، ترنيمة الخلاص، ترنيمة النصرة الرمزية. هذه الترنيمة تتغنى بها الكنيسة كلما سبحت الرب، إذ تذكر كيف عبرت مع الرب بالمعمودية ودفنت إبليس وقواته وطرحتهم في البحر قائلة:
“أرنم للرب فإنه قد تعظم!
الفرس وراكبه طرحهما في البحر!
الرب قوتي ونشيدي. وقد صار خلاصي!
هذا هو إلهي فأمجده، إله أبي فأرفعه!
يمينك يا رب معتزة بالقدرة.
يمينك يا رب تحطم العدو…”
أما ترنيمة الحمل فهي ذاتها ترنيمة موسى، الأولى هي الأصل والثانية هي ظلال ورمز. انهما ترنيمة النصرة على الشيطان. أما دوافع التسبيح فهي كما نقول مترنمين: “عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب القادر على كل شيء“.
وما سر عظمته؟
- لأنه وحده القدوس، ليست هناك قداسة خارجًا عنه.
- لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك. وهنا يتحدث بصيغة المستقبل. لأنه يليق بنا أن نترنم بهذه التسبحة، ونتعود عليها ههنا ونحن على الأرض، فنرى أن الأشرار لا يستطيعوا الهروب من الامتثال أمام العدل الإلهي ليعطوا جوابًا عما ارتكبوه. ونرى أنه خلال تأديبات الله وحزمه – إن صح هذا التعبير – يجتذب نفوسًا إليه.
- لأن أحكامه قد أظهرت أو أعلنت، فهو لا يصنع هنا أمرًا ما لم يعلنه ويكشف مقاصده خلال كتابه. إلا أنه في يوم الرب العظيم ندرك أحكام الله في أعماقها ظاهرة ومكشوفة، فنعجب مندهشين أمام كل أعماله التي صنعها مع البشرية!
- مصدر الجامات السبعة
“ثم بعد هذا نظرت”، أي انتقل الرائي إلى مشهد جديد، رؤيا ثانية.
“وإذا قد انفتح هيكل خيمة الشهادة في السماء”، وهو الهيكل الذي كان يُحفظ فيه التابوت ولوحا الشريعة. وانفتاح هذا الهيكل في السماء يعني.
- أن تابوت العهد الذي كان دائمًا يشير إلى حلول الله وسط شعبه، ولوحي الشريعة اللذين كانا يشيران إلى عدله ورحمته اللانهائيين تجاه البشرية، وخروج الضربات من هناك يكشف لنا أنها رغم ما اتسمت به من شدة وحزمٍ إلا أنها في منبعها تحمل مراحم الله ورأفاته واشتياقاته تجاه خلاص البشر.
- يجد المؤمنون في هذا الهيكل لذتهم وسعادتهم، ومنه تخرج التأديبات والضربات.
- لم تأت هذه الضربات بغير إنذار بل سبق أن أنبأنا عنها خلال الأنبياء.
“وخرجت السبعة الملائكة، ومعهم السبع الضربات من الهيكل،
وهم متسربلون بكتان نقي وبهي،
ومتمنطقون عند صدورهم بمناطق من ذهب.
وواحد من الأربعة المخلوقات الحيَّة
أعطى السبعة الملائكة سبعة جامات من ذهب
مملوءة من غضب الله الحي إلى أبد الآبدين.
وامتلأ الهيكل دخانًا من مجد الله ومن قدرته.
ولم يكن أحد يقدر أن يدخل الهيكل
حتى كملت سبع ضربات السبعة الملائكة” [6-8.]
هذا المنظر الملائكي يتناسب مع شخص ربنا يسوع اللابس الثوب إلى الرجلين والمتمنطق عند ثدييه بمنطقة من ذهب (1: 13) لابسين ثيابًا كتانية نقية وبهية، ومتمنطقين للخدمة. من هذا يظهر أن عملهم كعمل كهنوتي، لهذا فإن ما يقومون به من قبل الله هو للتأديب أكثر منه للانتقام.
- لقد خرج السبعة الملائكة متهيئين للمهمة التي يُرسلون إليها.
- سلمهم أحد الأربعة المخلوقات الحيَّة سبعة جامات.
- ومع هذا لا يسكبوا الجامات إلا بعد صدور الأمر الإلهي. وهكذا يتأنى الله جدًا في تأديباته وفي الضربات التي يسمح بها.
أما الجامات فيقول عنها القديس إيرونيموس أنها أوانٍ لكل منها فم ضيق حتى لا ينسكب الغضب دفعة واحدة بل يفرغ منها قطرة، قطرة. لكن الأصل اليوناني يوضح أنها أوان مسلطحة وواسعة.
وأما امتلاء الهيكل دخانًا من مجد الله وقدرته حتى لم يقدر أحد أن يدخل الهيكل، فهو ليس بالأمر الجديد، بل رأيناه مرارًا في الكتاب المقدس، وهو يشير إلى:
- عظمة الله وجلاله، فليس لخليقة ما أن تعترض على عمله، لهذا عند استلام الشريعة عندما نزل الرب على جبل سيناء، صار الجبل يدخن كله كدخان الأتون (خر 19: 18).
- يشير الدخان إلى عدم إدراك الخليقة الأحكام الإلهية، وبهذا نرى أن هذه الضربات هي رموز إلهية لا نقدر أن نكتشفها كما هي إلا عند حدوثها، لأن مقاصد الله تعلو كل حكمة البشر.