صعود المسيح ق. غريغوريوس النيسي – د. سعيد حكيم
صعود المسيح ق. غريغوريوس النيسي - د. سعيد حكيم
صعود المسيح ق. غريغوريوس النيسي – د. سعيد حكيم
مثل صديق مرافق للحياة نجد داود النبى يغوص في كل مناحى الحياة ويتوجه بشكل لائق إلى كل القامات الروحية. لأنه قريب من كل فئة ترغب في النمو والتقدم .
ويتعامل برفق مع كل من هم في سن الطفولة، هكذا كما يريد الله، يجاهد مع الرجال ، ويربى الأحداث ، ويسند الشيوخ. صار (بواسطة مزاميره) للجميع كل شئ. صار سلاحً للمحاربين ومدربًا للمجاهدين وتاجًا للمنتصرين وفرح للمائدة وعزاءً في الأحزان . لا يوجد شئ في حياتنا إلا ويكون مشاركًا فيه من خلال عمل النعمة . وأى صلاة يمكن أن تصير ولا يكون لداود معها علاقة ؟ وأى احتفال مبهج نتذوقه ولا يفرح به داود ؟ وهذا يمكن التأكد منه الآن. فبينما هذا الاحتفال (عيد صعود المسيح) هو احتفال عظيم لأسباب أخرى ، فإن داود النبى بمشاركته فيه صيره أعظم وساهم بشكل مفيد في هذه الفرحة من خلال المزامير التى أنشدها .
في أحد المزامير يحثنا أن نصير خراف يرعاها الله . وذلك لكى لا نُحرم من أى صلاح . وحينئذ سيقدم الراعى الصالح كل شئ ، عشبًا للمرعى وماء للشرب وطعام ومسكن وطريق وقيادة ويعطى لكل ذى احتياج عطية خاصة وبشكل لائق .
وهو من خلال هذا يعلم الكنيسة ضرورة أن نصير أولاً خرافًا للراعى الصالح حتى نُقاد بالتعاليم المستقيمة في المراعى الإلهية لكى ندفن معه بالمعمودية للموت (أنظر رو3:6-4) . ولا نخشى من الموت لأن هذا ليس موتًا ، لكن ظل للموت لأنه يقول “ إذا صرت في وادى ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معى ” (مز4:23) ثم بعد ذلك أعطى عزاءً بمعونة الروح ” لأن المعزى هو الروح ” الذى يقيم المائدة السرية التى أُعدت على النقيض من مائدة الشياطين . لأن هؤلاء الشياطين هم الذين عذبوا الناس بالعبادة والأفكار الوثنية . ثم يثير في النفس انتعاشة الروح ويوجه أفكارها من الآن نحو الأبدية لأن كل من تذوق نشوة الروح، يستبدل الموت بالأبدية وتمتد إقامته بلا نهاية داخل بيت الله .
وإذ قدم لنا كل هذا بمزمور واحد ، نجده ينشط النفس بالمزمور الآخر وبفرح أعظم وأكمل من خلال هذا المعنى ” للرب الأرض وملؤها ..” (مز1:24)
ولماذا تستغرب أيها الإنسان لو أن الله اُستعلن لنا على الأرض وعاش وسط البشر؟ الأرض ملك له مادام هو خالقها. وعليه فليس هذا بالأمر الغريب ولا هو خارج عن الطبيعى أن يأتى الله إلى خاصته. لم يذهب إلى عالم غريب ولكن إلى العالم الذى كوّنه هو، أسّس الأرض فوق المياه وجعلها مناسبة لوجود الأنهار. إذن فلأي سبب اُستعلن؟ لكى ينقذك من براثن الخطية ويقودك إلى جبل ملكه مستخدمًا الفضائل كعربة نحو الصعود . لأنه غير ممكنًا أن يصعد المرء إلى هذا الجبل إن لم ترافقه الفضائل .
يجب أن يكون نقيًا في أعماله وألا يتلوث بأى عمل خبيث وأن يكون نقى القلب وألا يقود نفسه إلى أى شئ باطل ولا أن يخدع جاره خفية. من يصعد إلى جبل الرب ومن يقوم في موضع قدسه . الطاهر اليدين والنقى القلب الذى لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذبًا يحمل بركة من عند الرب وبرًا من إله خلاصه ” (أنظر مز3:24ـ5). هذا الصعود هو كرامة وبركة من الله . لهذا الإنسان يعطى الله مراحمه. ” هذا هو الجيل الطالبُة الملتمسون وجهك يا يعقوب “(مز6:24).
وباقى المزمور ربما يكون أعلى من التعليم الإنجيلى نفسه. لأن الإنجيل يروى حياة ومسيرة الرب فوق الأرض، بينما هذا النبى السمائى وهو يخرج خارج نفسه، لكى لا يعوقه ثقل الجسد مادام يختلط بالقوات العالمية، يعرض لنا كلام أولئك الذين يسيرون أمام موكب الملك في نزوله، يأمرون الملائكة ، وأولئك الذين يحرسون الأرض وأوكل إليهم أن يحرسون الحياة الإنسانية أن تفتح الأبواب قائلاً:
“.. ارتفعن أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد” (مز7:24) ولأنه عندما يأتى ذاك الذى يملك كل شئ فإنه يحمل نفسه ويجعلها على مستوى ذاك الذى يستقبله، لأنه لم يصر فقط إنسان عندما أتى إلى الناس، ولكن بالتبعية أيضًا عندما وجُد بين الملائكة أنزل نفسه إلى مستوى أولئك الملائكة. ولهذا فحراس الأبواب كان لهم احتياج من قبل ذاك الذى سيأمرهم أن يفتحوا ” من هو هذا ملك المجد” (مز8:23)
ولهذا أُستعلن لهم هذا القوى الجبار، الخالق والقاهر في الحروب والذى سيصطدم مع ذاك الذى أسر الطبيعة الإنسانية “ لكنى أرى ناموساً آخر في أعضائى يحارب ناموس ذهنى ويسبينى إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائك “، ” فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم أشترك هو أيضًا فيهما لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أى إبليس ” (رو37:7، عب14:2) ويبطل سلطان الموت ” آخر عدو يبطل هو الموت ” (1كو26:15) وما دام قد بطل آخر عدو فالبشر يُدعون للحرية والسلام .
ثم يعود فيقول أيضًا نفس الكلام لأنه اكتمل سر الموت وتحقق النصر ضد الأعداء وارتفع أمامهم الصليب كعلامة للنصرة ويقول أيضًا ” صعدت إلى العلا سبيت سبياً . قبلت عطايا بين الناس وأيضاً المتمردين للسكن أيها الرب الإله ” (مز18:68).
ولهذا يجب أن ترتفع الأبواب الدهريات . ويشارك في هذا الموكب حراسنا الذين يأُمرون أن يفتحوا له الأبواب الدهريات لكى يُمجد أيضًا من قِبل هؤلاء . لكن ذاك الذى يرتدى الزى المتسخ أى حياتنا نحن (البشرية)، وبقع ملابسه من نتاج شرورنا الإنسانية يُعد غير معروف عند هؤلاء ” ما بال لُباسك مُحمر وثيابك كدائس المعصرة ” (إش2:63) ولهذا يتوجهون لأولئك المشاركين في الموكب ويسألون ” من هو ملك المجد هذا ” لأنه لم تُعطَ بعد الإجابة ” الجبار القاهر في الحروب“. ” بل ورب القوات” والذى له السلطان على كل شئ والذى وجد في شخصه كل شئ ” لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شئ في المسيح ما في السموات وما على الأرض ” (أف10:1) ذاك الذى هو متقدم في كل شئ “ الذى هو البداءة بكر من الأموات لكى يكون هو متقدماً في كل شئ” (كو18:1) والذى رد كل شئ إلى وضعه الأول ” الذى ينبغى أن السماء تقبله إلى أزمنة . رد كل شئ التى تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر ” (أع21:3)، ” هذا هو ملك المجد“. أرأيتم كيف جعل داود هذا الاحتفال جميلاً مازجاً فرح مزاميره مع فرح الكنيسة .
فلنتشبه نحن أيضًا بالنبي في تلك الأمور التى من الممكن أن نسير فيها، في المحبة نحو الله في الحياة الهادئة المريحة ، واحتمال من يبغضوننا، لكى تصير تعاليم النبى بمثابة إرشاد نحو ملكوت الله في اسم ربنا يسوع المسيح الذى يليق به المجد والكرامة إلى الآبدين أمين .