انبثاق الروح القدس – د. أنطون جرجس عبد المسيح
انبثاق الروح القدس
(دراسة كتابية وآبائية)
ملخص البحث
هو استعراض لتاريخ عقيدة انبثاق الروح القدس والإشارات الكتابية، والآبائية، والتفسيرية، والمجمعية حول عقيدة انبثاق الروح القدس.
المقدمة
لقد قام اللاتين بإضافة عبارة ”والابن“ إلى قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني في القرن السادس، وكان هذا بعد الإنشقاق الخلقيدوني عام 451م بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية الغير خلقيدونية، وهي كنيسة الإسكندرية، وأنطاكية السريانية، وأرمينيا، وأثيوبيا، واريتريا، والكنائس الخلقيدونية، وهي كنائس الروم الأرثوذكس والكنيسة الكاثوليكية، التي أنشقت عنها بعد ذلك الطوائف البروتستناتية في القرن السادس عشر. ولقد نتج عن إضافة اللاتين أو الكنيسة الكاثوليكية لعبارة ”والابن“ إلى قانون الإيمان الإنشقاق الكبير بينهم وبين الروم الأرثوذكس الخلقيدونيين سنة 1054م. وبالتالي سنبحث موضوع انبثاق الروح القدس من وجهتي النظر الأرثوذكسية والكاثوليكية من خلال نصوص الكتا ب المقدس، ونصوص آباء الكنيسة التي تحدَّثت عن موضوع انبثاق الروح القدس.
منهجية البحث وإطاره النظري
منهجية البحث هي منهجية تحليلية استقصائية واستدلالية من خلال التحليل والاستدلال بعدة مراجع مختلفة، حيث سوف أستعرض في هذا البحث تاريخ عقيدة الفيليوكي Filioque (أي انبثاق الروح القدس من الآب والابن بحسب الاعتقاد اللاتيني الكاثوليكي)، والنصوص الكتابية التي يعتمد عليها اللاتين في عقيدة الفيليوكي، والنصوص الآبائية التي يستشهدونها بها لدعم هذه العقيدة. ثم سوف أستعرض الرأي الأرثوذكسي في موضوع انبثاق الروح القدس، وأسباب رفض الأرثوذكسية لهذه العقيدة بالنصوص الكتابية والآبائية.
إشكالية البحث
1- هناك مشكلة أساسية في عقيدة انبثاق الروح القدس عند اللاتين، وهي مشكلة اختلاف المصطلحات بين اللغتين اليونانية واللاتينية في التعبير عن عقيدة انبثاق الروح القدس.
2- هناك مشكلة أساسية عند اللاتين في فهم وقراءة نصوص الكتاب المقدس بترجماته المختلفة سواء اليونانية واللاتينية.
3- هناك مشكلة أساسية أيضًا في فهم وتفسير المصطلحات الكتابية والآبائية سواء التي استخدمها الآباء اليونانيون؛ أي الذين كتبوا باللغة اليونانية، والآباء اللاتينيون؛ أي الذين كتبوا باللغة اللاتينية في موضوع انبثاق الروح القدس.
فروض وتساؤلات البحث
- متى بدأت عقيدة الفيليوكي اللاتينية الكاثوليكية في الظهور؟
- ما هي المصطلحات الكتابية والآبائية الدقيقة للتعبير عن عقيدة انبثاق الروح القدس؟
- ما هي المفاهيم اللاهوتية والآبائية الأرثوذكسية واللاتينية الكاثوليكية حول عقيدة انبثاق الروح القدس؟
- ما هو الحل للخروج من مأزق المصطلحات والمفاهيم اللاهوتية بين اليوناني واللاتيني في سبيل الوحدة الأرثوذكسية الكاثوليكية؟
أهداف البحث
- دراسة وتحليل عقيدة الفيليوكي الكاثوليكية من خلال النصوص الكتابية، والآبائية.
- محاولة الوصول إلى حل في إطار السعي نحو وحدة الكنائس.
أهمية البحث
يُعتبر البحث دراسة كتابية، وآبائية، ولاهوتية استقصائية شاملة لنصوص الكتاب المقدس، والنصوص الآبائية الخاصة بانبثاق الروح القدس.
مصطلحات وتحديدات البحث
الفيليوكي Filioque
هو مصطلح لاتيني معناه ”والابن“ الذي قام اللاتين باضافته إلى قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني في الجزء الخاص بانبثاق الروح القدس من قانون الإيمان.
الاستمداد المبدئي Principaliter
وهو مصطلح لاتيني استخدمه القديس أوغسطينوس في كتابه عن ”الثالوث“ للتعبير عن الانبثاق المشترك للروح القدس من الآب والابن، حيث قال التالي:
”فأقول ليدرك أيضًا كما أن الآب له في ذاته أن ينبثق الروح القدس منه، كذلك أعطى الابن أيضًا أن ينبثق الروح القدس نفسه منه، ويكون الاثنان خارج نطاق الزمن: ويُقال هكذا عن الروح القدس أنه ينبثق من الآب، كما يُفهَم انبثاقه من الابن أيضًا إنه خاصية مُستمَدة من الآب بالابن. لأنه إن كان الابن له كل ما للآب، كذلك بالطبع الابن له من الآب أن ينبثق الروح القدس منه أيضًا“.[1]
الانبثاق المشترك Communiter
هو مصطلح لاتيني استخدمه القديس أوغسطينوس في كتابه عن ”الثالوث“ للتعبير عن انبثاق الروح القدس من مبدأ أو أصل مشترك هو الآب والابن، حيث يقول التالي:
”فلابد من التسليم بأن الآب والابن هما مبدأ الروح القدس، ولكن لا كمبدأين، بل كما أن الآب والابن إله واحد، وخالق واحد، ورب واحد للخليقة، هكذا يكونان مبدأ واحد للروح القدس“.[2]
الانبثاق اليوناني εκπόεσις
هو مصطلح يوناني مُستخدَم في إنجيل يوحنا، حيث استخدمه السيد المسيح للتعبير عن انبثاق الروح القدس من الآب كقوله: ”روح الحق الذي من عند الآب ينبثق“ (يو15: 26). يتطابق في المعنى مع فعل يخرج εξέρχεθαι كما جاء في (يو8: 42)، وهذان الفعلان في اللاتيني ينحدران من الفعل προέρχεσθαι بمعنى يأتي، أو أقبل، أو آتى. وهو التعبير اللاهوتي نفسه الذي استخدمه الآباء اليونانيون للتعبير عن انبثاق الروح القدس من الآب في كتاباتهم عن الروح القدس.[3]
الانبثاق اللاتيني processio
هو مصطلح لاتيني استخدمه الآباء اللاتين للتعبير عن انبثاق الروح القدس من الآب والابن، وبالخصوص القديس أوغسطينوس. وهذا المصطلح بالأساس هو المشكلة الفعلية لأنه يعني الولادة، والانبثاق، والصدور، والإرسال. كما أنه المصطلح المُستخدَم في الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس سواء الترجمة اللاتينية القديمة التى كان يستخدمها القديس أوغسطينوس المعروفة بالإتيلا Itala، أو الفولجاتا Vulgate التي قام بها القديس إيرونيموس (جيروم). لأن المصطلح اللاتيني يشير إلى الولادة والانبثاق والإرسال.[4]
إجراءات البحث
البدء بعرض تاريخ عقيدة الفيليوكي كالتالي:
تاريخ عقيدة الفيليوكي Filioque
بدأت المشكلة المتعلقة بإنبثاق الروح القدس من الآب والابن في الغرب في القرن السادس، فالصيغة اللاتينية ”والابن“ Filioque تشير إلى إنبثاق الروح القدس من الآب والابن معًا، كما جاء في مجمع طليطلة المكاني المنعقد سنة 589م. حيث تم إضافة هذه الصيغة في هذا المجمع إلى قانون الإيمان، وقد اشتملت المادة الثالثة من قوانين هذا المجمع قرارًا بحرمان كل مَن لا يعترف بانبثاق الروح القدس من الآب والابن. ولقد أمر الملك روكارد بإدخال هذه الصيغة إلى قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني، وتم إقرار هذه الإضافة في مجمع طليطلة الرابع سنة 633م.
على الرغم من أن القانون السابع الصادر من مجمع أفسس المسكوني الثالث سنة 431م، أقر بعدم السماح لأي أحد أن يصيغ، أو يكتب، أو يكرز بإيمان آخر غير ذلك الإيمان الذي أقره الآباء القديسين المجتمعين بنيقية الملهمين بالروح القدس فيما وصلوا إليه. ولقد عارض كل من ألكونيوس ويولينوس أسقف أكويليا هذه الإضافة، كما رفض يولينوس هذه الصيغة في المجمع الإقليمي المنعقد سنة 791م.
أما الامبراطور شارلمان فقد دافع عن هذه الصيغة ودعا في مجمع انعقد سنة 807م إلى حرم كل مَن ينادي بعكسها. غير أن البابا ليو الثالث أمر سنة 810م بحفر دستور الإيمان النيقاوي القسطنطيني باليونانية واللاتينية من دون إضافة ”والابن“ على لوحتين من الفضة تم وضعهما في احتفال عظيم على الباب الكبير المصنوع من البرونز عند مدخل كاتدرائية روما، وذلك احتجاجًا منه على الإضافة. غير أن الصيغة الجديدة كانت قد عمت فرنسا، وأسبانيا، وإيطاليا، وألمانيا، وفي النهاية استسلمت روما للأمر الواقع.
بينما في عام1014م جاء الامبراطور هنري الثاني إلى روما للتتويج على يد البابا بنديكتوس الثامن، ففرض الطقس الجرماني في القداس، وللمرة الأولى ذُكِر قانون الإيمان مضافًا فيه كلمة ”والابن“. بعد ذلك قام الكاردينال همبر الموفد البابوي إلى القسطنطينية سنة 1054م بتعديل الصيغة بوضع عبارة ”والابن“، وذلك في وثيقة وضعها على المذبح فى كنيسة أجيا صوفيا بالقسطنطينية، ومن وقتها حدث الإنشقاق الكبير بين الشرق اليوناني والغرب اللاتيني.[5]
أسباب الانشقاق
لقد أعلن قانون الإيمان الذي وضعه مجمع نيقية 325م وأكمله مجمع القسطنطينية 381م انبثاق الروح القدس من الآب، دون ذكر الابن، مستندًا إلى ما جاء في الإنجيل بحسب يوحنا (يو15: 26؛ 14: 26)، هذا هو إيمان آباء المجمع النيقاوي والقسطنطيني، ولقد فسَّر ق. غريغوريوس النزينزي هذا العقيدة في خطابه اللاهوتي الخامس عن الروح القدس، وأعترفت به منذ البدء كل من كنيسة الشرق والغرب. كما حرم مجمع أفسس 431م أي إنسان يعترف بـ ”إيمان آخر“ لا يتطابق تمامًا مع قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني. ويعلن ق. كيرلس الإسكندري أن من يُسقِط أو يزيد شيئًا على قانون إيمان الكنيسة الجامعة فكأنه يعاند روح الله نفسه.
الحجج الكتابية والآبائية لعقيدة الفيليوكي
1- الحجج الكتابية
يستند اللاتين في عقيدة الفيليوكي Filioque إلى الآية في إنجيل يوحنا، حيث يقول المسيح لتلاميذه: ”متى جاء المعزي الذي أرسله إليكم من عند الآب، روح الحق الذي ينبثق من الآب، فهو يشهد لي“ (يو15: 26). يرى اللاتين الكاثوليك هنا نظرتين في انبثاق الروح القدس إما انبثاق الروح في الزمن في تاريخ الخلاص بعد صعود المسيح إلى السماء، أو إلى انبثاق الروح القدس منذ الأزل في الثالوث القدوس ذاته.[6]
ولكنه في قول المسيح: ”روح الحق الذي ينبثق من الآب“، لا يشير إلى إنبثاق الروح القدس منذ الأزل في الثالوث، بل إلى انبثاق الروح القدس من الآب ليحل على التلاميذ وليعمل فيهم. وهذا واضح من قوله: ”المعزي الذي أرسله إليكم من الآب […]“. فالحديث يدور حول انبثاق الروح القدس من الآب ليحل على التلاميذ، وليعمل في العالم.
وهذا واضح من قوله: ”المعزي الذي أرسله إليكم من عند الآب […]“. فالحديث يدور عن إرسال الروح القدس إلى التلاميذ، وليس عن انبثاق الروح القدس الأزلي في الثالوث. ولفظة ”ينبثق“ المستعملة في النص اليوناني هي έκπορεύομαι وتعني يخرج ويصدر.
كذلك يستندون على الآية المذكورة في سفر الرؤيا: ”ثم أراني نهر ماء الحياة صافيًا كالبلور، خارجًا من عرش الله والحمل“ (رؤ22: 1). حيث يرى اللاتين نهر الحياة هنا إشارةً إلى الروح القدس كما ورد في إنجيل يوحنا: ”إن عطش أحد فليأت إليَّ ويشرب. مَن آمن بي، فكما قال الكتاب، ستجري من جوفه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه“ (يو7: 37- 39). وحيث أنه الحمل هو المسيح الفادي، والروح يخرج من عرش الله؛ أي من الآب ومن المسيح الفادي. حيث يؤكد اللاتين على أن هذا النص يشير أيضًا إلى خروج الروح من الآب والابن في إطار تاريخ الخلاص.
ويستندون أيضًا إلى إنجيل يوحنا عندما يتكلم عن إرسال الروح القدس في تاريخ الخلاص، فيعزون هذا الإرسال تارةً إلى الآب: ”وأنا أسأل الآب فيعطيكم معزيًا آخر“ (يو14: 16)، و ”الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي“ (يو14: 26)، وتارةً إلى الابن: ”ومتى جاء المعزي الذي أرسله إليكم من لدن الآب“ (يو15: 26).
كما يستند اللاتين أيضًا إلى نفخ السيد المسيح للروح القدس في وجه التلاميذ قائلاً: ”اقبلوا الروح القدس […]“ (يو20: 22)، معتقدين أن هذه النفخة هي عن طريق انبثاق الروح من الآب والابن إلى التلاميذ، بالتفرقة بينها وبين حلول وإرسال الروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين على هيئة ألسنة نارية.
كما يستندون أيضًا إلى أن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن كما قال السيد المسيح: ”لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم“ (مت10: 20)، وقول بولس الرسول: ”ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا: يا أبا الآب“ (غلا4: 6). ويستدل اللاتين هنا على أنه بما أن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن فيكون بالتالي منبثقًا منهما.[7]
2- الحجج الآبائية
العلامة ترتليان
يستند اللاتين إلى العلامة الأفريقي ترتليان لإثبات عقيدة الفيليوكي، حيث يُعتبر العلامة ترتليان أبو اللاهوت اللاتيني، ومصدر أغلب العقائد التي ترسخت فيما بعد في الغرب، حيث يتحدث عن انبثاق الروح القدس من الآب خلال الابن قائلاً:
”لأنني أؤمن أن الروح القدس لا ينبثق من أي مصدر آخر سوى الآب خلال الابن“.[8]
الفيلسوف ماريوس فيكتورينوس
كما يستند اللاتين أيضًا إلى قول ماريوس فيكتورينوس الأفريقي، والفيلسوف اللاتيني المسيحي آنذاك، حيث يقول في إطار تفسيره لآية (يو16: 7) قائلاً:
”يوجد هنا شخصان الواحد يأتي من الآخر، الروح يأتي من الابن، والابن يأتي من الآب“.[9]
كما يؤكد ماريوس فيكتورينوس أيضًا على الانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن أزليًا في موضع آخر كالتالي:
”الابن مُتمايز عن الآب في أنه يُحرِّك ذاته ويعمل من أجل استعلان وظهور الآب، الابن هو اللوغوس المُتحرِك والمُحرِّك، المبدأ نفسه لكل الأشياء، ويصدر الابن أزليًّا من حضن الآب. الروح هو من الابن، والثلاثة بالتالي هم مُتساوون في الجوهر، ولذلك هؤلاء الثلاثة هم إله واحد“.[10]
كما يتحدث الفيلسوف المسيحي ماريوس فيكتورينوس في موضع آخر عن الانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن، حيث يقول التالي:
”وبالتالي يكون الابن والروح كلاهما استعلان عن الآب، ولكن لكي يُميِّز الروح نفسه عن الآب والابن، ينبثق من الاثنين، لأنَّ الابن ’قد خرج من فم العلي‘ (سي24: 5). وهكذا يكون الروح القدس بالمثل من الآب، لأنه بحركة واحدة ينشأ كل وجود، لأنَّ ’كل ما للآب أعطاه للابن‘ (يو16: 15، يو17: 10). وبالتالي يكون الأخير حركة، وأعطى أيضًا كل شيء للروح القدس، لأنّ ’كل ما له هو منه‘ (يو16: 15، يو17: 10). ويقول لكي ما يؤكد على أنَّ الروح القدس نفسه هو حركة، وكل ما له هو نتيجة الحركة، لم يعطه الابن للروح، بل قال: ’كل ما له هو لي‘، وبالأساس الحركة هي حياة، والحياة نفسها هي المعرفة والإدراك، وبالتالي كل مَن يملك المعرفة عنه هو من الحياة، وهذا هو الثالوث الأسمى والوحدانية المُطلقة“.[11]
القديس هيلاري أسقف بواتييه
يستشهد اللاتين أيضًا بالقديس هيلاري أسقف بواتييه في سياق حديثه عن أقنوم الروح القدس لإثبات عقيدة الفيليوكي، حين يتحدث قائلاً:
”فإن الروح يُرسَل من الابن وينبثق من الآب […] فهل يأخذ من الابن كما جاء في الآية ’يأخذ مما لي ويخبركم‘ (يو16: 14) له نفس المعنى ’ينبثق من الآب‘ […] إذًا، إن عبارتي يأخذ من الابن وينبثق من الآب لهما معنى واحد“.[12]
القديس أمبروسيوس أسقف ميلان
يستشهد اللاتين أيضًا بقول القديس أمبروسيوس أسقف ميلان فى سياق حديثه عن انبثاق الروح القدس من الآب والابن، حيث يقول التالي:
”وهكذا الروح القدس أيضًا الذي عندما ينبثق من الآب والابن، لا ينفصل عن الآب، ولا ينفصل عن الابن. وكيف يمكن أن ينفصل عن الآب وهو روح فمه؟ وهذا دليل على أزليته، وتعبير عن وحدته مع جوهر اللاهوت“.[13]
القديس أوغسطينوس أسقف هيبو
يستشهد اللاتين بأقوال كثيرة جدًا للقديس أوغسطينوس، بل ربما تكون أغلب حجج اللاتين الفيليوكية لإثبات الانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن مصدرها أوغسطينوس نفسه، حيث يعد أوغسطينوس هو أول أب لاتيني يتحدث صراحةً عن انبثاق الروح القدس من الآب والابن أزليًا في عدة فقرات، حيث يقول التالي:
”ولكن الروح القدس لا ينبثق من الآب إلى الابن، بل ينبثق من الابن لتقديس الخليقة، ولكنه ينبثق من الاثنين معًا في نفس الوقت، رغم أن الآب قد أعطى هذا للابن، أي أن ينبثق (الروح القدس) منه (أي من الابن) كما ينبثق من ذاته (أي من الآب) أيضًا“.[14]
ويتحدث أوغسطينوس أيضًا في موضع آخر عن فكرة أن الآب والابن مصدر أو مبدأ واحد ينبثق الروح القدس منهما، حيث يقول التالي:
”فلابد من التسليم بأن الآب والابن هما مبدأ الروح القدس، ولكن لا كمبدأين، بل كما أن الآب والابن إله واحد، وخالق واحد، ورب واحد للخليقة، هكذا يكونان مبدأ واحد للروح القدس“.[15]
كما يرى أوغسطينوس بسبب أن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن، وإنه المحبة المتبادلة بينهما، فهو بذلك ينبثق من كليهما، حيث يقول التالي:
”وينبغي علينا الآن البحث في الروح القدس بقدر ما تسمح العطية الإلهية أن نراه. ولا يكون الروح القدس بحسب الأسفار المقدسة روح الآب فقط ولا روح الابن فقط، بل روح الاثنين، ويُعلِن لنا المحبة المُتبادلة؛ حيث يتبادل الآب المحبة مع الابن الواحد للآخر. ولكن قد جعلت لغة كلمة الله البحث عن هذه الأمور بحماسة شديدة من أجل تدريبنا، بحيث لا تظل على السطح، بل ينبغي فحصها والتنقيب عنها في الأعماق الخفية وانتزاعها من هناك. ولم تقل الأسفار المقدسة وفقًا لذلك، إن الروح القدس هو المحبة، وإنْ قد قالت هذا، فلن يزيلوا ولو جزء بسيط من هذا البحث“.[16]
ويدافع أوغسطينوس عن الانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن كعقيدة مسلمة من الأسفار المقدسة، والكنيسة كالتالي:
”لأنه من بين الأمور الأخرى التي تعلَّمتها من شهادات الأسفار المقدسة أنَّ الروح القدس ينبثق من الاثنين، لذا استمر في القول: إن كان الروح القدس ينبثق من الآب والابن، فلماذا قال الابن: ’إنه ينبثق من الآب‘ (يو 15: 26)؟ ولماذا تعتقد أنت أيضًا؟ إلا لأنه كان مُعتادًا على الإشارة إلى ذاك الذي يكون خاصته (أي الروح القدس) من ذاك (أي الآب) الذي يكون هو (أي الابن) نفسه منه أيضًا. فكيف يكون ذلك أيضًا؟ الذي يقول عنه: ’تعليمي ليس لي، بل للذي أرسلني‘ (يو7: 16). وبالتالي لو كان تعليمه يُفهم هنا، ذاك الذي قال عنه أنه لا يخصه، بل خاص بالذي أرسله، فكيف نفهم بالحري هناك أنَّ الروح القدس ينبثق من ذاته أيضًا، حيث يقول: إنه ينبثق من الآب، كما لم يقل إنه لا ينبثق مني؟ منه (أي من الآب) بالطبع؛ أي الذي يمتلك منه الابن طبيعته الإلهية، لأنه (الابن) إله من إله، والابن له هذا أيضًا؛ أي أن ينبثق الروح القدس منه أيضًا، ولذا الروح القدس له من الآب نفسه أن ينبثق من الابن أيضًا كما ينبثق من الآب. وبطريقة ما يمكن فهم هذا الأمر هنا أيضًا، أي يمكن فهمه بنفس الطريقة كما نكون نحن أيضًا، فلماذا لا يُقال عن الروح القدس إنه مولود، بل بالحري مُنبثق؟ لأنه لو كان (الروح القدس) يُدعَى ابنًا، فيُدعَى بالطبع ابن الاثنين (أي الآب والابن)، وهذا الأمر حماقة ومُنافي للعقل، لأنه لا يكون أحد ابنًا لاثنين إلا لأب وأم. ولكنه من المُستحيل أنّ نظن مثل هذا الأمر أنّ يكون بين الله الآب والله الابن. لأنه حتى ابن البشر لا يُولد من الأب والأم معًا في نفس الوقت، لأنه عند ولادته من الأب إلى الأم، لا يُولد من الأم في نفس الوقت، وعند ولادته من الأم إلى هذا النور الحاضر، لا يُولد من الأب في نفس الوقت. ولكن الروح القدس لا ينبثق من الآب إلى الابن، بل ينبثق من الابن لتقديس الخليقة، ولكنه ينبثق من الاثنين معًا في نفس الوقت، رغم أن الآب قد أعطى هذا للابن؛ أي أن ينبثق (الروح القدس) منه (الابن) كما ينبثق من ذاته (الآب) أيضًا. لأننا لا نستطيع القول بأنّ الروح القدس ليس حياة، بينما الآب حياة والابن حياة: لأنه كما أنّ الآب له حياة في ذاته، فقد أعطى الابن أيضًا أن تكون له حياة في ذاته، كذلك أيضًا قد أعطى الروح القدس هذه الحياة التي تنبثق منه، كما تنبثق من ذاته أيضًا“.[17]
تفنيد الحجج الكتابية والآبائية لعقيدة الفيليوكي
تفنيد الحجج الكتابية
يستشهد اللاتين بنص (يو15: 26) إثبات عقيدة الفيليوكي ”متى جاء المعزي الذي أرسله إليكم من عند الآب، روح الحق الذي ينبثق من الآب، فهو يشهد لي“. ولكننا نجد أنه نصًا واضحًا يؤكد فيه الرب يسوع على انبثاق الروح القدس من الآب وحده، ولم يذكر ”الابن“ مؤكدًا على مبدأ المونارخية في الثالوث، أو وحدة الرأس الأبوي في الثالوث القدوس؛ أي أن الآب هو مصدر وأصل ومبدأ أقنوم الابن بالولادة الأزلية، ومبدأ وأصل ومصدر أقنوم الروح القدس بالانبثاق الأزلي. ولكن اللاتين في تفسيرهم لهذا النص خلطوا بين التعاليم الثيؤلوجية (التعاليم الخاصة بالله) والتعاليم الإيكونومية (التعاليم الخاصة بتدبير الله للخليقة) في هذا النص، فالمسيح هنا يتحدث عن انبثاق الروح القدس من الآب أزليًا، ولكنه قبلها يتحدث عن إرسال الابن للروح القدس زمنيًا. وهناك فرق كبير بين الانبثاق الأزلي للروح القدس، والإرسال الزمني للروح القدس.
حيث أن الانبثاق خارج الزمن، وفوق الزمان، وخارج حدود الزمان والمكان، أم الإرسال يكون في الزمن، وداخل الزمن، وفي حدود الزمان والمكان، ولكن لا يحده الزمان ولا المكان. ولقد أكَّد جميع آباء الكنيسة اليونانية على انبثاق الروح القدس من الآب فقط، وإرساله من الابن إلى العالم في الزمن. وهناك العديد من التعاليم الآبائية التي تؤكد على ذلك منها:
القديس أثناسيوس الرسولي
حيث يتحدث ق. أثناسيوس عن انبثاق الروح القدس من الآب وحده كالتالي:
”وإن كانوا يفكرون تفكيرًا صحيحًا عن الكلمة فسيفكرون تفكيرًا سليمًا عن الروح الذي ’ينبثق من الآب‘، والذي بسبب أنه روح الابن أُعطِي بواسطته للتلاميذ ولجميع الذين آمنوا“.[18]
ويفرق ق. أثناسيوس هنا صراحةً بين انبثاق الروح القدس من الآب أزليًا، وإرساله للتلاميذ عن طريق الابن زمنيًا، لأنه بالأساس روح الابن أزليًا وزمنيًا.
ويقول ق. أثناسيوس أيضًا في موضع آخر مؤكدًا على انبثاق الروح القدس من الآب فقط منذ الأزل التالي:
”فإن الأشياء التي هي أعلى من المخلوقات يكون ثباتها أبديًا، فلا يكون الآب إلا أبًا وليس جدًا، والابن هو ابن الله وليس أبًا للروح، والروح القدس هو روح قدس وليس حفيد الآب أو أخ الابن“.[19]
وهكذا يشدد ق. أثناسيوس هنا صراحةً ويحسم موضوع انبثاق الروح القدس من الآب تمامًا، حيث يؤكد على أن الروح لايكون ابنًا للابن، وبالتالي لا يكون صادرًا، أو مولودًا، أو مبثوقًا من الابن، لأنه بذلك سيكون ابنًا للابن وحفيدًا للآب، وهذا مايستنكره ق. أثناسيوس تمامًا مؤكدًا على أن الابن ليس أبًا للروح القدس. لقد تبع أثناسيوس أحد أبناء مدرسة الإسكندرية طريقة آباء ما قبل نيقية، وهي طريقة تعتمد أساسًا على الكتاب المقدس، وتظل في نطاق الخلاص والمخلص. حيث يؤكد السكندريون على ألوهة الكلمة لأنها محور خلاصنا. كما يؤكد ق. أثناسيوس على وحدة العمل بين الابن والروح القدس فس ضوء تدبير الخلاص، ولا يدخل في دائرة العلاقات الأزلية بين أقانيم الثالوث. فبالنسبة له، المسيح هو المخلص، وعمل الروح هو أن يعطينا الشركة مع الابن والتبني للآب. وعندما يؤكد أثناسيوس على وحدة طبيعة الابن والروح، فإنما ذلك للتأكيد على ألوهة الروح. حيث يقول: ”إن الروح هو في الابن كما أن الابن هو في الآب“.[20]
ويعلق البروفيسور توماس تورانس على موضوع انبثاق الروح القدس عند ق. أثناسيوس ويقول التالي:
”وهكذا لم تكن مشكلة ما يُسمى بـ ’الانبثاق المزدوج‘ للروح القدس، واردة من الأصل عند أثناسيوس، بل كان كل تركيزه منصب على فهم أن الروح القدس هو ’من جوهر الله‘، و ’من الله‘ وذلك في ضوء مفهوم الـ ’الهوموأوسيوس‘، وفي ضوء تفسير نيقية بأن ’من الآب‘ تعني ’من جوهر الآب‘. وبالتالي كان تطبيق أثناسيوس لمفهوم الـ ’الهوموأوسيوس‘ على الروح القدس، له أثر ليس فقط في التأكيد على أن الروح القدس له ذات الجوهر الواحد مع الآب، ولكن أيضًا في كون انبثاق الروح هو من جوهر الآب وليس من أقنوم الآب“.[21]
كما يعلق أيضًا الباحث الآبائي الكبير البروفيسور جوهانس كواستن على مسألة انبثاق الروح القدس عند ق. أثناسيوس قائلاً:
”يؤكد أثناسيوس بشكل قاطع أن الروح القدس ’ينبثق من الآب‘ (Ep. Ser. 1, 2). والسؤال هو هل كان يعلم بتعليم الانبثاق المزدوج، أي من الابن والآب. الحقيقة أن ق. أثناسيوس لم يصرح في أي موضع أن الروح القدس ينبثق من الابن“.[22]
القديس كيرلس الأورشليمي
كما يتحدث ق. كيرلس الأورشليمي بكل وضوح عن انبثاق الروح القدس من الآب فقط كالتالي:
”الروح القدس هو هو على الدوام، حي، وكائن أقنوميًا، وحاضر دائمًا مع الآب والابن معًا -ليس كأنه نفس انبت من فم وشفاه الآب والابن ليتبدد في الهواء- ولكن بكونه كيانًا أساسيًا أقنوميًا يتحدث، ويوزع، ويكمل تدبير الخلاص الذي يأتينا من الآب والابن والروح القدس. بل هو (أي الروح) واحد، ومتناغم، وغير قابل للتقسيم“.[23]
القديس غريغوريوس اللاهوتي
كما يتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي (النزينزي) عن انبثاق الروح القدس من الآب أزليًا كالتالي:
”إن كل ما للآب هو للابن ماعدا خاصية أن يكون مصدرًا، وكل ما للابن فهو للروح القدس ما عدا خاصية البنوة“.[24]
وهكذا يؤكد ق. غريغوريوس هنا بشكلٍ قاطعٍ على أن الروح القدس له كل ما للابن في الجوهر ما عدا البنوة، وبالتالي لا يكون الروح القدس من الابن، بل من الآب فقط، لأنه لو كان من الابن سيكون ابنًا له، مثلما يكون الابن من الآب.
كما يؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي أيضًا على مونارخية الآب في الثالوث قائلاً:
”وهكذا عندما نتطلع إلى الألوهة، العلة الأولى والمونارخية لا نرى غير الوحدة، وعندما نتطلع إلى مَنْ فيهم الألوهة (أي أقانيم الثالوث)، الذين يأتون من العلة الأولى من دون زمن وبتساوٍ في المجد والكرامة، نجد الثلاثة الذين نعبدهم“.[25]
يشير ق. غريغوريوس اللاهوتي كذلك إلى الخواص الأقنومية لكل أقنوم من أقانيم الثالوث القدوس، حيث يقول التالي:
”التعبيرات غير المولود، ومولود، ومنبثق، تدل على الآب والابن والروح القدس موضوع كلامنا، وهكذا نحافظ على ميزة الأقانيم الخاصة في الطبيعة الواحدة وكرامة اللاهوت الواحدة. فالابن ليس الآب إذ ليس إلا آب واحد، ولكن له ما للآب، والروح ليس الابن لمجرَّد كونه ينبثق من الآب، إذ ليس إلا ابن واحد وحيد، ولكن له ما للابن. الثلاثة واحد في الألوهة، والواحد هو ثلاثة من حيث الميزات الخاصة“.[26]
وبالتالي يؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي هنا أيضًا على أن الروح القدس ليس للابن لأنه ينبثق من الآب، حيث لا يوجد إلا ابن واحد وحيد، وبالتالي لا يكون الروح القدس صادرًا من الابن بأية طريقة كانت، بل منبثقًا فقط من الآب.
ويؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي أيضًا في موضع آخر على انبثاق الروح القدس من الآب فقط، ويشرح اختلاف طريقة صدور الابن من الآب عن طريقة صدور الروح القدس من الآب، ويشدد على وحدة الأصل الأبوي في الثالوث، حيث يقول التالي:
”حدد لهم حسن إيماننا وصحيح اعتقادنا بإله واحد غير مولود هو الآب، ومولود واحد وحيد، هو الابن الرب والسيد والإله، الذي إذا ذُكِرَ وحده يُسمى إلهًا، وإذا ذُكِرَ مع الآب والروح يسمى يسمى آبًا بسبب الطبيعة ووحدة الرئاسة والألوهة. وواحد وحيد هو الروح القدس المنبثق من الآب، وهو الإله للذين يزدانون بالعقل، وموضوع جحد ونكران عند الجاحدين الملحدين. أما الذين يتفلسفون ويتفننون فيعتبرونه إلهًا أدنى من الآب! عجبًا لهم وتعسًا أهناك أنصاف آلهة وأرباع آلهة وأكثر وأقل؟ الابن والروح القدس من جوهر الآب ومساويان له، ومن بدء واحد وقبل كل بدء“.[27]
القديس يوحنا ذهبي الفم
كما يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن انبثاق الروح القدس من الآب وحده أزليًا، حيث يقول التالي:
”فلأي سبب يقبل الخضوع؟ هل كي يبين سمو الآب؟ فإن ذلك لا يبين سمو الآب، وإنما يبين بساطته هو (الابن)، ألم يكن اسم الآب في حد ذاته كافيًا لكي يبين تمايزه؟ وبالطبع فإنه فيما عدا ذلك فإن كل الأمور الأخرى هي مشتركة بينهما وهي للابن أيضًا، ولكن هذه الخاصية (أي أبوة الآب) لا يمكن أن تنتقل من الآب للابن“.[28]
ونجد ق. يوحنا ذهبي الفم يؤكد هنا على الخاصية التي يتميز بها الآب عن الابن، ولا يمكن أن تكون له رغم مساواتهما في الجوهر الواحد، وبالتالي لا يمكن أن يعطي الآب خاصية الأبوة للابن، وبالتبعية، لا يمكن أن يعطي الآب خاصية الانبثاق للابن، لأنها تميز الروح القدس عن الابن في علاقته مع الآب، وبالتالي لا يمكن أن يعطي الآب الابن خاصية الانبثاق مثلما لا يمكن أن يعطيه خاصية الأبوة.
العلامة ديديموس الضرير
كما يتحدث العلامة السكندري ديديموس الضرير عن انبثاق الروح القدس من الآب فقط في سياق تفسيره لنص (يو15: 26) كالتالي:
”وهكذا علينا أن نؤمن بالإقرارت التالية التي استخدمت كلمات لا يُنطَق بها، وهي مُدركة بالإيمان وحده، عن أن المخلص: خرج من عند الآب (يو8: 42)، وروح الحق الذي ينبثق من الآب (يو15: 26)، والآب نفسه الذي قال: الروح الذي يخرج مني (إش57: 16 سبعينية)، وبالحقيقة قد قيل حسنًا في النص: روح الحق الذي ينبثق من الآب (يو15: 26). وكان من الممكن أن يقول من الله، أو من الرب، أو من ضابط الكل، ولكنه لم يستعمل أيًا من هذه، بل عوضًا عنها قال: من الآب. وهذا مرده لا لأن الآب مختلف عن الله ضابط الكل -فإن مجرد التفكير في هذا يعد جرمًا- بل بالحري إن روح الحق يُقال عنه: ينبثق من الآب وفق خاصة الآب المتفردة، ووفق مفهوم الأبوة. وبالرغم من أن المسيح قال في مواقف عديدة إنه قد خرج من قِبل الله، لكنه لم ينسب لنفسه الميزة (الخاصية الأقنومية) التي ناقشناها لتونا (أي الانبثاق) عند حديثه عن علاقته بالآب، بل يتحدث عنها ويقول: ’أنا في الآب والآب فيَّ‘ (يو14: 10)، وفي موضع آخر: ’أنا والآب واحد‘ (يو10: 30). والقارئ الحصيف سيجد في الإنجيل فقرات أخرى عديدة مشابهة لهذا. وقد قال الرب أيضًا عن الروح القدس هذا الذي ينبثق من الآب إنه ’يشهد لي‘ (يو15: 26)“.[29]
وهكذا يؤكد العلامة ديديموس هنا بما لا يدعو مجالاً للشك أن انبثاق الروح القدس هو من الآب فقط، ويتفرد الآب به عن الابن، وإنه خاصية تخص الآب فقط دون سواه، وقد كرَّر أن الروح ينبثق من الآب فقط.
القديس كيرلس عمود الدين
كما يفسر ق. كيرلس عمود الدين نص (يو15: 26) كالتالي:
”يقول المخلص عن ذاته في الأناجيل: ’أنا هو الحق‘ (يو14: 6). يظهر أيضًا يوحنا الطوباوي في إنجيله أن الروح يأتي من جوهر الآب، إذ يقول: ’روح الحق الذي من عند الآب ينبثق‘ (يو15: 26)، بينما في واحدة من رسائله، يقول: ’الروح هو الحق‘ (1يو5: 6). إذًا، كيف يمكن للروح الذي ينبثق من الآب، والذي هو روح الحق، ومثل الابن تمامًا بسبب تطابق جوهرهما، حتى أنه يُدعَى أيضًا الحق، أن يكون مخلوقًا أو مجبولاً؟ لا شك أن هذا محض عبث. وعلى ذلك، الروح هو الله، طالما أنه بالفعل هو الحق، وينبثق من الآب“.[30]
ويكرر ق. كيرلس عمود الدين هنا أكثر من مرة انبثاق الروح القدس من جوهر الآب رغم أنه روح الحق؛ أي روح الابن الذي قال عن نفسه أنه الحق، مؤكدًا على تطابقهما بحسب الجوهر، وفي أنه الحق من الآب الحق، لم يذكر أنه ينبثق من الابن أبدًا.
لقد حارب ق. كيرلس الإسكندري الهرطقة النسطورية، وركَّز، في نطاق تدبير الخلاص، على ارتباط الروح القدس بالابن. حيث يقول: ”يحمل الابن الروح كما يحمله الآب. ويمنحنا الابن الروح من ملئه الإلهي الخاص“.[31] حيث يتمحور اللاهوت السكندري حول التجسد، ويكفيه هذا التجسد إلى حد أنه لم يميز قط بشكل واضح بين ”الصدورات الأزلية“، أي الحياة الإلهية داخل الثالوث، وبين ”الإرساليات الزمنية“ التي هي من تاريخ الخلاص على الأرض. حيث يهتم اللاهوت السكندري بالظهورات الإلهية في الكنيسة، وفي تدبير الخلاص، في نطاق رؤية خلاصية محددة. وبالتالي تفسر هذه الرؤى والاهتمامات التعبيرات التي نجدها مثل: ”الروح يأتي أو ينبثق من الابن“ أو ”بالابن“، دون أن يكون لها أي محتوى ثيؤلوجي ميتافزيقي خاص بالعلاقات الإلهية داخل الثالوث.
القديس غريغوريوس النيسي
ويؤكد ق. غريغوريوس النيسي على الانبثاق الأحادي للروح القدس من الآب فقط كباقي الآباء اليونانيين الشرقيين كالتالي:
”أقول، بأي كلمات، هل تفتخر بالروح القدس معتقدًا بأنك تريد الافتخار به على الإطلاق؟ بالقول إنه (أي الروح القدس) سرمدي بشكل مطلق، ومن دون أي تحول أو تغير، حسن دائمًا، لا يُنسَب للآخرين، يعمل كل شئ كإرادته على الإطلاق، قدوس، مرشد، صالح، ينطق بالحق، يفحص أعماق الله، مُنبثِق من الآب، نأخذه من الابن، وجميع الأمور الأخرى من نفس القبيل“.[32]
ويعدد ق. غريغوريوس النيسي هنا صفات الروح القدس ويؤكد على انبثاقه من الآب فقط، ولكنه يأخذ مما للابن كما قال الرب يسوع ويعطينا؛ أي يعطينا بركات تدبير الخلاص الذي صنعه السيد المسيح لأجلنا.
كما يستشهد اللاتين بنص (رؤ22: 1): ”وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ“، ويربطونه بنص (يو7: 37-39): ”إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ“.
ونقول هنا أنه ربط مخل ومنافٍ للحقيقة لأن التشبيهات المجازية والرمزية للروح القدس جميعها خاصة بالإرسال الزمني للروح القدس (الإيكونوميا)، وليس بالإنبثاق الأزلي من الآب (الثيؤلوجيا). وهذا ما قد تعلمناه من آباء الكنيسة الجامعة.
حيث يتحدث ق. غريغوريوس النزينزي عن التشبيهات الأرضية والزمنية التي تقال عن الروح القدس كالتالي:
”لم أعرف وبأي شيء من الأشياء الأرضية أستطيع أن أشبه الطبيعة الإلهية. حتى لو وجدت بعض التشابه، فإن القسم الأكبر يفوتني ويتركني تحت مع تشبيهي. تصورت كما تصور غيري ينبوعًا، وجدولاً، ونهرًا. لعلني أجد تشابهًا بين الينبوع والآب، وبين الجدول والابن، وبين النهر والروح القدس. هذه الأشياء لا يجزئها الزمن ولا تنفصل عن بعضها البعض من حيث التلاحق، وكأن بها تتمايز بعض التمايز بخصائصها الثلاث إلا أني خشيت في بدء الأمر أن أجعل بهذا التشبيه لا أدري أي جريان في الألوهة يُفقدها الثبات والاستقرار، ثم خشيت أن يكون تشبيهي اقرارًا لوحدة في الأقانيم، لأن الينبوع، والجدول، والنهر شيء واحد يتخذ أشكال مختلفة“.[33]
كما يظهر الخلط الشديد عند اللاتين بين الإرسال الزمني والإنبثاق الأزلي للروح القدس واضحًا عندما يفسرون النصوص التالية بأنها عن الإنبثاق الأزلي للروح القدس من الآب والابن:
”وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ“ (يو14: 16)، ”وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي“ (يو14: 26)، ”وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ“ (يو15: 26).
بينما يتحدث المسيح له المجد، أقنوم الابن، في جميع هذه النصوص عن الإرسال الزمني للروح القدس، وليس الإنبثاق الأزلي للروح القدس. ولقد فرَّق آباء الكنيسة بشكل واضح بين الإرسال الزمني للروح القدس من الآب والابن، والإنبثاق الأزلي للروح القدس من الآب فقط كالتالي:
حيث يتحدث العلامة السكندري ديديموس الضرير عن انبثاق الروح القدس من الآب فقط، مؤكدًا على ذلك حيث يقول:
”وكلمات المخلص في الإنجيل تكشف عن انبثاقه من الآب (يو15: 26): ’متى جاء المعزي الذي أرسله إليكم من عند الآب، روح الحق الذي ينبثق من الآب، فهو يشهد لي‘ […] الروح القدس المعزي يرسله الابن، ولكن ليس بنفس الطريقة التي يرسل بها الملائكة، والأنبياء، والرسل للخدمة […] فضلاً عن أن روح الحق المُرسَل بالابن بالطريقة المذكورة أعلاه، ينبثق من الآب دون الانتقال من مكان لآخر. حيث إن هذا (الانتقال) يعدو من المستحيل بقدر ما هو الكفر. لأنه لو كان الروح ينبثق من مكان وينتقل لآخر لكان الآب نفسه متموضعًا في مكان، وكان روح الحق منحصرًا في مكان معين كما هو حال الطبيعة المادية، فحتى ما يرحل لمكان آخر عليه أن يُفرغ الأول منه. لكن وكما أن الآب لا يوجد في مكان حيث إنه فوق كل طبيعة مادية، فهكذا أيضًا روح الحق لا تقيده تخوم المكان، لأنه غير مادي، وهو بالحق، يفوق كل ماهيات المخلوقات العاقلة“.[34]
ويفرق العلامة ديديموس هنا بين الانبثاق الأزلي للروح القدس في الأزلية وبين الإرسال الزمني للروح القدس في الزمان والمكان. وأنه ليس مثل إرسال الملائكة، والأنبياء، والرسل للخدمة في الزمان. وأنه لاينتقل ماديًا من مكان لآخر، بل هو فوق الطبائع المادية وانتقاله غير مادي.
يستشهد اللاتين بنفخ السيد المسيح للروح القدس في وجه التلاميذ قائلاً: ”اقبلوا الروح القدس […]“ (يو20: 22)، ويفسرون هذه الفقرة على أن نفخة السيد المسيح هنا تدل على انبثاق الروح القدس من الآب والابن. ويخلط اللاتين أيضًا خلطًا شديدًا بين تعليم الكتاب المقدس عن أن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن أو المسيح، ويدللون بذلك على أن الروح القدس منبثق منهما طالما أنه روحهما.
ولكننا نقول إن معنى ذلك هو انبثاق الروح القدس من الآب فقط أزليًا، وإنه مستقر ومستريح في الابن أزليًا أيضًا، وأن الروح القدس، وإنْ كان يخص الآب والابن، ومستقر فيهما بالإنبثاق من الآب للابن، إلا أنه لا ينبثق من الآب والابن معًا، بل من الآب فقط.
حيث أن سياق هذه الآية (يو20: 22) هو سياق زمني تدبيري، ولم يتحدث عن انبثاق الروح القدس، بل نفخة السيد المسيح كانت للتلاميذ في الزمن ليعطيهم سلطان الكهنوت، وسلطان الحل والربط، وليس معنى النفخة الانبثاق الأزلي للروح القدس، لأن الانبثاق الأزلي خارج الزمان والمكان، بينما النفخة كانت للتلاميذ في الزمن، وبالطبع لا تُعتبر النفخة المادية تعبيرًا عن الانبثاق الأزلي للروح القدس من الآب والابن، لأن الانبثاق غير معروف ماهيته، بل هو سر خاص بالثالوث القدوس والعلاقات الأقنومية بين أقانيم الثالوث، لاسيما أن ماهية ولادة الكلمة من الآب، أو انبثاق الروح القدس من الآب غير مُدرَكة وغير معلومة، لأنها أمور روحية تفوق العقل والإدراك، وهذه الأمور سر خاص بالثالوث وأقانيمه، ولقد أكد آباء الكنيسة الجامعة على هذه الحقيقة كالتالي:
حيث يعلق العلامة ديديموس الضرير على نص (يو20: 22) قائلاً:
”وعندما أرسل يسوع هؤلاء الذين خولهم أن يعظوا بما علم به، ملأهم بالروح القدس، ونفخ في وجوههم قائلاً: ’أقبلوا الروح القدس‘ (يو20: 22) و ’اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس‘ (مت28: 19)“.[35]
حيث يؤكد العلامة ديديموس هنا على سياق الآية التدبيري في الزمن، حيث يعطي المسيح سلطان التعليم والوعظ والتعميد لتلاميذه، ولم يتحدث العلامة ديديموس مطلقًا عن انبثاق الروح القدس من الآب والابن أزليًا في هذه الآية.
يفسر ق. كيرلس عمود الدين نص (يو20: 22) في نفس السياق كالتالي:
”وهذه النفخة التي يقول عنها موسى الطوباوي إنها صارت من الله إلى الإنسان، هي ذاتها التي جددها المسيح لنا بعد قيامته من الأموات، عندما نفخ في تلاميذه، قائلاً: ’أقبلوا الروح القدس‘ (يو20: 22)، وهكذا أخذنا ثانيةً الصورة الأولى، لنتشبه بذاك الجمال الذي خُلِقنا عليه بمشاركة الروح. فطالما أن الروح القدس يأتي داخلنا ويجعلنا نشبه الله، ويأتي من الآب والابن، فيكون من الواضح أنه من الجوهر الإلهي، طالما هو من جهة الجوهر كائن فيه ويأتى منه“.[36]
ولقد كرَّر ق. كيرلس السكندري تفسيره هذا في العديد من كتاباته منها تفسيره لإنجيل يوحنا تعليقًا على نفس النص (يو20: 22)، وهنا يؤكد على إرسال الروح القدس بنفخة الابن مرجعًا الروح القدس الذي فقده الإنسان بعد السقوط إلينا بعدما نفخ الروح القدس في التلاميذ ولم يذكر أي شيء عن انبثاقه من الابن، وعندما قال إنه يأتي من الآب والابن، كان يتحدث عن إرساله فى إطار زمني تدبيري بحت، لأن الروح القدس مُرسَل من الآب والابن في الزمن. حيث يعلق ق. كيرلس عمود الدين على نص (يو20: 22، 23) كالتالي:
”بعد أن كرَّم الرسل القديسين، وميزهم بإمتياز الرسولية المجيد، وأقامهم خدامًا وكهنة للمذبح الإلهي، على الفور قدسهم بإعطاء روحه لهم بعلامة منظورة؛ أي نفخته، وهذا يثبت اعتقادنا أن الروح القدس ليس غريبًا عن الابن، بل هو واحد معه في الجوهر، وهو ينبثق من الآب، ولكنه يُسكَب علينا عن طريق الابن. ومافعله الرب بعد قيامته يعلن لنا أن نعمة الروح تُعطَى لكل الذين شرطنهم ليكونوا رسلاً لله“.[37]
ويؤكد ق. كيرلس هنا على نفس الكلام السابق أنها نعمة الكهنوت وسلطان الحل والربط، وأكد على إنبثاق الروح من الآب فقط، ولكنه ينسكب علينا من الابن؛ أي يرسله الابن إلينا في الزمن داحضًا أي مزاعم بانبثاق الروح القدس من الآب والابن كما يدَّعي اللاتين.
ويفسر ق. غريغوريوس اللاهوتي (النزينزي) نص (يو20: 22) في نفس السياق الإيكونومي التدبيري لعمل الروح القدس في التلاميذ، وليس كما يعتقد اللاتين في إطار ثيؤلوجي أزلي، كما يفسر أيضًا معنى أن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن، أي مكوث الروح القدس في الابن بالانبثاق الأزلي من الآب كالتالي:
”وكان (أي الروح القدس) يعمل أيضًا في تلاميذ المسيح -لأني هنا لا أشير إلى المسيح نفسه، الذي فيه كان (أي الروح القدس) ماكثًا، ليس كما لو كان يعمل فيه، بل ماكثًا فيه كمساوٍ له (أي للسيد المسيح) في الكرامة- ثلاث طرق بقدر ما أمكنهم أن يقبلوا الروح القدس، في ثلاث مناسبات: الأولى، قبل أن يتمجد المسيح بالآلام، والثانية، بعد أن تمجد بالقيامة، والثالثة، بعد صعوده أو عودته إلى السماء، أو كما ينبغي أن ندعوها. ففي المناسبة الأولى (ظهر عمل الروح القدس) في شفائهم من الأمراض، وتطهيرهم من الأرواح الشريرة، وبدون الروح القدس ما كان هذا يتم. وفي الثانية: في النفخة التي نفخها السيد المسيح (في وجوههم) بعد اكتمال التدبير (أي التجسد)، ومن الواضح أن تلك النفخة كانت إضافة نعم إلهية أكثر. وفي الثالثة: في وقت توزيع الألسنة النارية عليهم، الذي نحتفل بذكراه اليوم“.[38]
ولم يفسر ق. غريغوريوس اللاهوتي الآية هنا بأنها عن الانبثاق الأزلي للروح القدس من الآب والابن كما يعتقد اللاتين خطاءً، بل لإضافة نعم إلهية أخرى ليس أكثر من ذلك.
كما يفسر ق. يوحنا ذهبي الفم نص (يو20: 22) في سياق تدبيري زمني أيضًا، وليس في سياق لاهوتي أزلي، حيث يرى أن النص يتحدث عن إعطاء المسيح كرامة الكهنوت للتلاميذ، وليس كما يدَّعي اللاتين كدلالة على الانبثاق الأزلي للروح من الآب والابن، حيث يقول التالي:
”علاوة على ذلك، فهو لم يعد يسأل الآب لمعونتهم، بل أعطاهم القوة بسلطانه الخاص، لأنه ’نفخ فيهم وقال لهم: أقبلوا الروح القدس […]‘ […] البعض يقول عمليًا إنه لم يعطهم الروح في هذا الوقت، بل بنفخه فيهم قد وضعهم في الظروف الملائمة لقبوله، لأنه إذا كان دانيال قد اندهش، بل ارتعب عند نظره ملاكًا، فأي أثر عظيم سيغشى التلاميذ عندما ينالون تلك النعمة التي لا يُنطَق بها، لو لم يعدهم الرب من قبل بهذه العطية؟! لهذا السبب لم يقل الإنجيلي: ’أنتم قد قبلتم الروح القدس‘، بل ’أقبلوا الروح القدس‘. لكن لن يخطئ الإنسان إذا قال أنهم في ذلك الوقت نالوا نعمة وقوة روحية ما -ليس لإقامة الموتى وإجراء المعجزات- بل لمغفرة الخطايا، لأن عطايا الروح مختلفة الأنواع (1كو12) لذلك فقد أضاف قوله: ’مَن غفرتم خطاياه تُغفَر له‘، مشيرًا لأي نوع من القوة كان مزمعًا أن يعطيهم […] عظيمة هي كرامة الكهنوت. لقد قال لهم: ’مَن غفرتم له خطاياه تُغفَر له‘. ولذلك أعلن بولس الرسول: ’أطيعوا مرشديكم واخضعوا لهم‘ (عب13: 17)، وأعطوهم أعظم اعتبار“.[39]
ويؤكد ق. يوحنا فم الذهب هنا على أنه في هذه المناسبة، لم يعط المسيح الروح القدس، بل تهيئة معينة لقبول حلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين، ثم لا يمانع في أنه قد أعطاهم قوة روحية معينة لمغفرة الخطايا، وأوضح أيضًا أنه أعطاهم كرامة الكهنوت وسلطان الحل والربط.
القديس باسيليوس الكبير
وهكذا يشرح ق. باسيلوس الكبير نص (يو20: 22، 23) في نفس السياق قائلاً:
”لأنه لما أراد تجديد الإنسان، ورد النعمة إليه التي كان قد حصل عليها من نفخة الله، والتي فقدها الإنسان، قال وهو ينفخ على وجه التلاميذ: ’أقبلوا الروح القدس، مَن غفرتم له خطاياه تُغفر له، ومَن أمسكتم عليه خطاياه أمسكت‘ (يو20: 22، 23). ثم أليس واضحًا، وهو لا يقبل الجدل، أن ترتيب الكنيسة من الروح؟ لأنه هو الذي أعطاه كما قيل: ’وقد أقام في الكنيسة الرسل أولاً، والأنبياء ثانيًا، والمعلين ثالثًا، ثم منح هبة المعجزات وقوات الشفاء، والمعونة، وحسن الإدارة، والتكلم بالألسنة‘ (1كو12: 28). وهذا الترتيب مرتَّب بحسب توزيع مواهب الروح القدس (1كو12: 11)“.[40]
حيث يتحدث ق. باسيليوس هنا عن أعمال الروح القدس التدبيرية في الخليقة زمنيًا أي التجديد، ولم يتطرق إلى موضوع الانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن.
لقد بدأ الحديث عن اللاهوت الثالوثي وتوضيح العلاقات الداخلية بين أقانيم الثالوث عند الآباء الكبادوك: ف. باسيليوس، وق. غريغوريوس النزينزي، وق. غريغوريوس النيسي. حيث سعوا إلى التعبير عن حقيقة الله الحي في الأقانيم الثلاثة، حيث يميز الآباء الكبادوك في الله العنصر المشترك بين أقانيم الثالوث أي الطبيعة، والعنصر الخاص بكل أقنوم.
يعلق البروفيسور جوهانس كواستن على مسألة انبثاق الروح القدس عند ق. باسيليوس الكبير كالتالي:
”يتمسك ق. باسيليوس بوضوح بالرأي المشترك لأغلب الآباء اليونانيين (الشرقيين)، وهو أن الروح القدس ينبثق من الآب من خلال الابن. فهو يأتي من الآب، ولكن ليس بالولادة كما الابن، وهو نسمة فيه (عن الروح القدس46، 38)، وأيضًا ’يصلنا الصلاح الطبيعي، وقداسة الله، والمجد الملوكي من الآب بالابن الوحيد في الروح القدس‘“.[41]
الروح القدس هو روح الآب والابن كما قال السيد المسيح: ”لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم“ (مت10: 20)، وبحسب قول بولس الرسول: ”ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا: يا أبا الآب“ (غلا4: 6). في الواقع، الروح القدس هو روح الآب وروح الابن، ولكن ليس معنى ذلك أنه مُنبثق من الاثنين، بل الروح القدس مستقر ومستريح في الابن، وخاص بالآب والابن. وسياق الآية السابقة هو سياق زمني تدبيري، وليس إلهي أزلي بمعنى يخص إرسال الروح القدس في الزمن معطيًا نعمة البنوة لله الآب، ولم يتحدث هنا إطلاقًا عن إنبثاق الروح القدس من الآب والابن كما يحتج اللاتين بذلك. ولقد أجمع آباء الكنيسة الجامعة على ذلك كالتالي:
حيث يقول العلامة ديديموس الضرير تعليقًا على نص (غلا4: 6) التالي:
”ولذلك فقد أُرسِل الروح القدس من الآب باسم الابن، وله كل ما للابن من حيث أن الابن هو الله، ولكن ليس له البنوة التي لابن الله. وهذا يوضح لنا أنه متحد بالابن في وحدة. ولهذا دُعِيَ بروح الابن، ويجعل ممَّن يطلبون اقتنائه أبناءً: ’ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا: يا أبا الآب‘ (غلا4: 6)“.[42]
ويؤكد العلامة ديديموس الضرير هنا على أن آية (غلا4: 6) تشير إلى إرسال الروح القدس من الآب باسم الابن، وليس انبثاقه من الآب والابن كما يدَّعي اللاتين.
القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس
وهذا أيضًا ما يقول ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس في سياق حديثه عن الروح القدس في إطار زمني تدبيري، مؤكدًا على انبثاق الروح القدس من الآب فقط، وإرساله زمنيًا من الآب والابن، وهو رباط الثالوث لأنه روح الآب وروح الابن، حيث يقول التالي:
”والروح هو الروح القدس، والابن هو الابن. الروح هو الذي ’من عند الآب ينبثق‘، و ’يأخذ من الابن‘، و ’يفحص أعماق الله‘، مُعلنًا أمور الابن في العالم، مقدسًا القديسين بالثالوث، الثالث في التسمية لأن الثالوث هو اسم الآب والابن والروح القدس. فإنه قال: ’اذهبوا وعمدوا باسم الآب والابن والروح القدس‘، ختم النعمة، رباط الثالوث، ليس غريبًا غير محسوب، ليس مفصولاً عن التسمية، ليس غريبًا عن الموهبة. بل هناك إله واحد، إيمان واحد، رب واحد، نعمة واحدة، كنيسة واحدة، معمودية واحدة“.[43]
ويوضح ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس معنى أن يكون الروح القدس هو روح الآب وروح الابن، أي وجوده في داخل ووسط جوهر الآب والابن، حيث يقول التالي:
”فإن روح الله، روح الآب وروح الابن، ليس بحسب تركيب معين مثل النفس والجسد فينا، بل هو داخل (وسط جوهر) الآب والابن، من الآب والابن، الثالث في عداد الأسماء“.[44]
وهكذا يؤكد ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس على أن الروح القدس من الآب والابن من جهة الإرسالية، وليس من جهة الانبثاق، وبما أن الروح القدس مثله مثل الابن، من ذات جوهر الآب، فهو يخص الابن، لذلك فهو ينبثق من جوهر الآب دون انفصال عن الابن، أي ينبثق من الآب ويستقر في الابن. وهناك ارتباط بين خصوصية علاقة الروح القدس الأزلية مع الابن، وإرسال الروح القدس إلى الخليقة من خلال الابن.
كما يفرق ق. باسيلوس الكبير بين علاقة الروح القدس بالآب وعلاقته بالابن قائلاً:
”لأن الروح القدس ’هو من الله‘ (1كو1: 12 ) ومعنى ’من الله‘ ليس الكلام عن الخليقة التي هي أيضًا من الله (1كو11: 12)، بل المعنى الدقيق المتعارف عليه، وهو أنه صار من الله ليس بالولادة مثل الابن، بل مثل النفخة الصادرة من الفم. ولكن الفم هنا لا يعني مطلقًا، ذلك العضو في الجسد، ولانفخة الفم التي تتبدد، بل الفم على المستوى الإلهي الذي منه يصدر الروح القدس أقنومًا حيًا متميزًا بطبيعة التقديس الفائقة. وهكذا يمكننا أن ندرك وحدته مع الآب والابن، بينما يظل كيانه الإلهي غير المُدرَك فوق القدرة على التعبير. ويُقال عن الروح القدس إنه روح المسيح لتأكيد علاقته الإلهية بالابن، كما قيل: ’مَن لم يكن فيه روح المسيح فذلك ليس منه‘ (رو8: 9). فالروح هو وحده الذي يمجد الرب حسبما قيل: ’ذاك يمجدني‘ (يو16: 14). ولكن ذلك التمجيد ليس مثل تمجيد الخليقة بل يمجده؛ لأنه ’روح الحق‘ (يو14: 17 ) الذي يعلن الحق في ذاته بكل وضوح. كروح الحكمة يعلن لي عظمته ’المسيح الذي هو قوة الله وحكمة الله‘ (1كو1: 24). ولأنه المعزي يعلن في ذاته صلاح المعزي (أي الابن) الذي أرسله، ويظهر في كرامته عظمة الذي انبثق منه (أى الآب)“.[45]
ويؤكد ق. باسيليوس الكبير هنا أيضًا على اختلاف علاقة الروح بالآب؛ أي بالانبثاق الأزلي، وعلاقته بالابن؛ أي بالإرسال في الزمن.
ويقول ق. باسيليوس الكبير أيضًا مفسرًا نص (غلا4: 6) كالتالي:
”وشركتنا مع الله هي بالروح، لأن الله ’أرسل روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا: يا أبا الآب‘ (غلا4: 6 )“.[46]
ويفسر ق. باسيليوس الكبير في موضع آخر نص (غلا4: 4) في سياق زمني تدبيري كالتالي:
”والروح القدس يسكن في النفس مثل الإدراك الذي يكوِّن فكرة في القلب، وأحيانًا يتحول إلى كلمة ينطقها اللسان، وهكذا يكون عمله عندما يشهد لأرواحنا (رو8: 16)، أو عندما يصرخ في قلوبنا: ’آبا أيها الآب‘ (غلا4: 4)، أو عندما يتكلم نيابةً عنا، كما قيل: ’لستم أنتم المتكلمين، ولكن روح أبيكم هو الذي يتكلم فيكم‘ (مت10: 20)“.[47]
ولم يذكر ق. باسيليوس الكبير هنا أيضًا شيئًا عن انبثاق الروح القدس من الابن، بل يتحدث في إطار تدبيري عن شركتنا مع الروح القدس عند إرساله لنا من قِبل الله.
ويؤكد ق. باسيليوس الكبير على نفس الأمر في موضع آخر قائلاً:
”ولكن أليس هناك خطر، أن نميز بين الروح القدس والله؟ لأن بولس الرسول قد كلمنا عن الروح القدس في ارتباطه بالله، فتارةً يدعوه: ’روح المسيح‘، وتارةً أخرى: ’روح الحق‘، إذ يقول: ’إن كان أحد ليس له روح المسيح، فذلك ليس له‘. ويقول أيضًا: ’نحن لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذي من الله‘. ولقد أسماه الرب: ’روح الحق‘، لأنه في ذاته هو الحق، وينبثق من الآب: ’روح الحق الذي من عند الآب ينبثق‘“.[48]
ونستنتج من ذلك أن ق. باسيليوس في سياق تأكيده على أن الروح القدس هو روح المسيح أو الابن، إلا أنه يؤكد على الانبثاق الأحادي للروح القدس من الآب فقط.
وهذا أيضًا ما يقوله ق. غريغوريوس النيسي في إطار شرحه لمعنى أن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن، حيث يقول التالي:
”فنعترف على سبيل المثال أنه مساوٍ للآب والابن، وبالتالي لا يوجد اختلاف بينهم في أى شيء يمكن اعتقاده أو تسميته في العبادة المنسوبة للطبيعة الإلهية. فنعترف محتفظين بكيانه ومتأملين في خواصه المحددة بحسب الأقنوم أن الروح القدس هو بالحقيقة من الله وروح المسيح بحسب الكتاب المقدس. ولكنه مع ذلك لا يكون مع الآب في كونه غير مولود، ولا مع الابن في كونه الابن الوحيد، بل متمايز في خواص متمايزة محددة. ولكن لديه في كل شئ آخر كما قلت بالفعل مساواة تامة معهما“.[49]
ويفرق ق. غريغوريوس النيسي هنا بين انبثاق الروح القدس من الله الآب بحسب الخاصية الأقنومية وأنه روح المسيح، وكيف أنه متمايز في الخاصية الأقنومية أي الانبثاق، ولكن له المساواة التامة مع الآب والابن في أي شيء آخر بحسب الجوهر الإلهي الواحد.
ويوضح ق. غريغوريوس النيسي الأمر نفسه بصورة أعمق في موضع آخر، حيث عن يتحدث عن الآب كمنبع لأقنومي الابن والروح القدس دون أدنى انفصال كالتالي:
”إن الواحد هو بالحقيقة نبع الآخر ويبقى معه، والذي يصدر من هذا النبع، نقول أنه متمايز عنه؛ أي أن الواحد يصدر بغير انفصال عن الأول مباشرةً، والآخر ينبع عن هذا أيضًا من الأول ودون انفصال، حتى أنه بلا أدنى شك نبقى البنوة الوحيدة للابن، وبلا أدنى شك، أن الروح القدس من الآب، حيث تبقى الوضعية الوسطى للابن بالنسبة له بكونه ’المولود‘، كما أنها لا تفصل الروح القدس عن العلاقة الطبيعية مع الآب. وإذا كنا نتحدث عن النبع، و ’المنبوع‘، فنحن لا نتحدث عن الطبيعة من خلال الأسماء (فلا يماهي أحد بين مصطلح المنبع ومصطلح الطبيعة)، بل نشير إلى التمايز في مدار كيفية (ماهية) الوجود“.[50]
يعلق البرفيسور جوهانس كواستن على مسألة انبثاق الروح القدس عند ق. غريغوريوس النيسي قائلاً:
”ويتضح من هذه الكلمات أن ق. غريغوريوس، مع الآباء اليونانيين (الشرقيين) الآخرين، يدرك الروح القدس بكونه منبثقًا من الآب من خلال الابن، أي مباشرة من الآب بوساطة من الابن. ويعبر عن نفس الفكرة في بحثه ’عن الروح القدس: 3‘. حيث يقارن الآب والابن والروح القدس بثلاث شمعات، تنقل الأولى ضوءها إلى الثانية، ومن خلال الثانية تنقل ضوءها إلى الثالثة. ولكنه في الفقرة المذكورة أعلاه من بحثه ’عن الصلاة الربانية‘ يواصل قائلاً: ’يقال إن الروح القدس هو من الآب وقد شُهد بأنه من الابن‘ […] إذًا، الروح القدس الذي من الله هو روح المسيح أيضًا‘. وبالتالي لا يعلم ق. غريغوريوس فقط عن الألوهة وعن وحدانية الروح القدس في الجوهر وانبثاقه من الآب، بل يدرس أيضًا علاقته بالابن على نحو أكثر عمقًا من الأبوين الكبادوكيين الآخرين“.[51]
ويعلق البروفيسور توماس تورانس على نظرة الآباء لموضوع الروح القدس كروح الآب وروح الابن كالتالي:
”ومن هنا استطاع غريغوريوس النزينزي أن يتحدث عن الروح القدس أنه في وسط الآب والابن، كما استطاع باسيليوس أن يتحدث عن الشركة التي للروح مع الآب والابن (في الطبيعة والجوهر)، وأن يجد في تلك الشركة وحدانية اللاهوت. وبالمثل فإن إبيفانيوس قد تحدث عن الروح القدس بأنه ’في وسط الآب والابن‘، بل واستطاع حتى أن يقول عنه إنه ’رباط الثالوث‘. غير أن أوغسطينوس قد تمادى في هذا المفهوم عن الروح القدس لدرجة إنه قال عن الروح إنه (سبب) ’شركة الآب والابن في ذات الجوهر الواحد‘، وأنه هو ’الحب المتبادل الذي به يحب الآب الابن كل منهما الآخر‘“.[52]
وهكذا يؤكد ق. هيلاري أسقف بواتييه على انبثاق الروح القدس من الآب فقط كالتالي:
”الروح المعزي إما يأتي من الآب أو من الابن. إن ربنا لم يترك هذا في شك، فإنه بعد تلك الكلمات نفسها يتكلم هكذا: ’إن لى أمورًا كثيرةً أيضًا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم‘ (يو16: 12- 15). وفقًا لذلك، فإنه يأخذ من الابن، ذاك الذي أُرسِل من قبله والذي ينبثق من الآب. الآن أسألُ إنْ كان الأخذ من الابن والانبثاق من الآب هو نفس الشيء. لكن مع إيماننا بأن هناك اختلافًا بين الآخذ من الابن، والانبثاق من الآب، إلا أن الآخذ من الابن، والآخذ من الآب هما نفس الشيء […] فإن روح الحق ينبثق من الآب، ويُرسَل من الآب والابن“.[53]
وبالتالي يؤكد ق. هيلاري هنا بما لا يدعو مجالاً للشك أن هناك فرق واختلاف بين الانبثاق الأزلي للروح القدس من الآب، والإرسال الزمني للروح القدس من الآب والابن، كما يؤكد على أن الآخذ من الآب والابن هو واحد في الزمن، ولكن انبثاق الروح القدس من الآب وإرساله بواسطة الابن في الزمن مختلفان تمامًا.
تفنيد الحجج الآبائية
بتحليل قول العلامة ترتليان حيث يتحدث عن الروح القدس قائلاً:
”لأنني أؤمن أن الروح القدس لا ينبثق من أي مصدر آخر سوى الآب خلال الابن“.
نرى أن هذا القول كتبه العلامة ترتليان في المقالة ”ضد براكسياس“ أثناء إنضمامه للهرطقة المونتانية التي أثارها مونتانوس وأتباعه، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات عقيدة أساسية من عقائد الكنيسة الجامعة، ولكن حتى عند تحليل القول فإننا نجد أنه يتحدث عن إنبثاق الروح القدس من الآب وإستقراره ومكوثه خلال الابن، لأن تعبير ”خلال الابن“ يختلف كليًا عن تعبير ”والابن“، لأن تعبير ”والابن“ يوحي بوجود مبدأين، أو مصدرين، أو أصلين للألوهة في الثالوث، وهذا ما قد رفضه آباء الكنيسة الجامعة جملةً وتفصيلاً، لأن هذا يُدخِل التعددية على الوحدانية الجامعة المانعة لأقانيم الثالوث القدوس، ويحطم وحدانية الألوهة في الثالوث القدوس.
وسوف أستعرض بعض أقوال آباء الكنيسة الجامعة التي تؤكد على وحدة الأصل الأبوي في الثالوث القدوس، أو وحدة الأصل والمبدأ في الثالوث كالتالي:
يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن وحدة المبدأ الأبوي في الثالوث، أو مونارخية الآب في الثالوث، وينفي فكرة وجود علتين أو أصلين في الثالوث، حيث يقول كالتالي:
”وإنْ كان لشخص ما أن يسأل: لماذا لم يذكر العلة الأولى (أي الآب)، بل هو يحدثنا في الحال عن العلة الثانية (أي الابن)؟ إننا نستعفي من الحديث عن العلة الأولى والثانية، لأن الألوهة فائقة على الأعداد الحسابية وتتابع الزمن. لذا تحاشينا استعمال هذه التعابير، ونؤكد على أن الآب غير مولود، والابن مولود من الآب […] إنه يعلم أن البشر يكرمون جدًا العلة الأولى (أي الآب) وأنه ليس له بداية وأعتبروه الله“.[54]
ويرفض ق. يوحنا فم الذهب هنا تعدد العلل في الثالوث المساوي في الجوهر الواحد، ويؤكد على أن العلة الأولى هي الآب، وإنه أصل واحد بلا بداية في الثالوث القدوس.
وهذا ما يقوله ق. كيرلس الأورشليمي أيضًا في سياق تعرضه لموضوع العلة في الثالوث، حيث يؤكد على أن الآب هو العلة الأزلية الوحيدة في الثالوث كالتالي:
”فكما قد تكلمنا عن الآب وعلمنا مرة أنه العلة الوحيدة، ومرةً أخرى أنه يُدعَى ’الآب‘ أو القادر على كل شيء، ومرةً أخرى أنه خالق العالم“.[55]
وهكذا، كما قلنا، يؤكد ق. كيرلس الأورشليمي على أن الآب هو العلة الوحيدة للألوهة في الثالوث، ولا توجد علة أخرى غيره، والآب هو أيضًا القادر على كل شيء، وخالق العالم.
وهذا ما يؤكد عليه أيضًا ق. باسيليوس الكبير حيث يقول بكل وضوح أن الآب هو العلة والمصدر في الثالوث كالتالي:
”لأنه كما أن الابن بحسب الترتيب، هو الثاني في علاقته بالآب، لأنه آتى منه، وبحسب رتبة البنوة، هو الثاني، لأن الآب هو المصدر والعلة، طالما أنه أبو الابن، ولأنه عن طريقه، قد آتى الابن وعاد إلى الله الآب، لكنه بحسب الطبيعة، ليس ثانٍ، لأن الألوهية واحدة في كليهما“[56]
ففي المرحلة الأولى من تكوين اللاهوت الثالوثي، وحتى عند الآباء الكبادوك، تحمل العلاقات بين الابن والروح القدس آثار تدبير الخلاص. حيث يقول ق. باسيليوس، كما يقول آباء الإسكندرية: ”يرتبط الروح القدس بالآب الوحيد بالابن الوحيد“.[57] ومعنى هذا أنه لا مدخل إلى الآب إلا بالابن وفي الروح القدس، لأن دور الابن محوري دائمًا في تدبير الخلاص. وإذا كان الخلاص يأتي بالابن، فتأتي نعمة الروح القدس أيضًا بالابن. حيث نعترف في صلاة أنافورا القداس الباسيلي: ”بالابن […] الذي ظهر به الروح القدس“، ولفظة ’به‘ هي الرابطة المعبرة عن الشركة في الطبيعة الواحدة، وبالتالي ألوهية الروح القدس. لأن كل عمل له مصدره في الآب، ويتحقق في الابن، ويكتمل ويُنفَّذ ويُستعلَن بالروح القدس. حيث يؤكد ق. غريغوريوس النيسي على هذا الطرح قائلاً:
”الآب هو مصدر القوة، وقوة الآب هي الابن، والروح القدس هو روح القوة“.[58]
وبالتالي من هذا المنطلق، وتجسيدًا لتطور الوعي العقائدي، ينقل الآباء هيكلية الأقانيم إلى الحياة الإلهية نفسها: حيث يعيش الروح القدس بالابن وللابن، لأنه روح القوة، وتأخذ هذه الرؤية بُعدها في لفظة ”بالابن“.
يؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي في نفس السياق أثناء شرحه لموضوع العلة في الثالوث القدوس على أن الآب هو المبدأ والعلة الأوهة للابن والروح القدس أزليًا أي من دون سابق زمني في الثالوث، حيث أن مفهوم العلية كما جاء في الفلسفات اليونانية وبالأخص الفلسفة الأرسطية، مبني على وجود فاصل زمني بين العلة الأولى أي الله وبين الخليقة المعلولة له، ولكن لا ينطبق هذا المفهوم على الحال في الثالوث، لأنه خارج الزمن لا يوجد سابق ولاحق، بل العلة في اللا زمان واللا مكان، علة مختلفة تمامًا عن العلة في الزمان والمكان، حيث يقول ق. غريغوريوس التالي:
”فكيف لا يكونان مع الآب بدون مبدأ إذا كانا معه أزليين؟ فما لا مبدأ له أزلي، ولكن ما هو أزلي ليس بالضرورة بلا مبدأ، ما دام ذلك يتعلق بالآب الذي هو المبدأ. فليسا بلا مبدأ من حيث العلة، ولكنه من الظاهر أن هذه العلة لا تسبق مَن كانا معلولين لها مثلما لا تكون الشمس سابقة لنورها. فهما بدون مبدأ من حيث الزمن. بالرغم من فزَّاعتك التي تعمل بها على ترويع السذج، إذ لايخضع للزمن مَن يصدر عنهم الزمن“.[59]
ويؤكد ق. غريغوريوس هنا أيضًا على أن الآب هو علة الألوهة للابن والروح القدس أزليًا خارج الزمن.
وكذلك يؤكد ق. غريغوريوس النيسي على انبثاق الروح القدس من الآب فقط، ويؤكد على وحدة الأصل الأبوي في الثالوث، حيث يقول التالي:
”بالنسبة للثالوث القدوس لا ينطبق هذا: أن الأقنوم الواحد نفسه هو بالتحديد: أقنوم الآب، الذي يُولد الابن منه، والذي ينبثق الروح القدس منه [قارن يو15: 26]. ولذلك ندعوه بحزمٍ دون ارتياب الأصل مع مَن يصدر منه الإله الواحد، لأن له نفس الوجود معهما. فأقانيم الألوهية غير منفصلين عن بعضهم البعض في الزمان، ولا في المكان، ولا في الإرادة، ولا في العمل، ولا في الطاقات، ولا في شيء مما يحدث منهم، ولا في هذه الأمور التي توجد عند البشر؛ إلا في واحدة فقط، أن الآب آب وليس ابنًا، والابن ابن وليس آبًا، وبالمثل فإن الروح القدس ليس الآب ولا الابن. ولذلك لا نضلل أنفسنا بأي استنتاج منطقي لندعو الأقانيم الثلاثة ثلاثة آلهة“.[60]
وبالتالي نتأكد أن مفهوم العلية في فكر الآباء الكبادوك لا ينطبق إلا على الآب، ولا ينطبق على الابن أصلاً عند الحديث عن موضوع انبثاق الروح القدس. وبالتالي يتضح اختلاف الرؤية الآبائية اليونانية مع الرؤية اللاتينية المتمركزة حول خاصية انبثاق الروح القدس المشتركة بين الآب والابن المتحدين في الطبيعة الواحدة. حيث يرى آباء الشرق في أقنوم الآب، وليس في الطبيعة الإلهية، مصدر الأقنومين الآخرين. حيث يرى ق. غريغوريوس النيسي أن أقنوم الآب وحده له خاصية المصدرية في الله، لأنه المصدر ومبدأ الوحدة. لا ينطبق مفهوم العلية أو المصدرية أبدًا على الابن، حيث يعبر ق. غريغوريوس النزينزي عن ذلك صراحةً:
”إن كل ما للآب هو للابن ما عدا خاصية أن يكون مصدرًا، وكل ما للابن هو للروح القدس فيما عدا خاصية البنوة“.[61]
كما يؤكد ق. كيرلس عمود الدين أيضًا على وحدة الأصل أو المبدأ الأبوي في الثالوث، أو مونارخية الآب في الثالوث حيث يقول التالي:
”بالنسبة للمخلوقات، البداية هي الزمن، بينما بالنسبة لكلمة الله، الكائن منذ الأزل، فإن المبدأ هو أباه الأزلي فقط الذي ليس له بداية، طالما أنه كائن أزليًا“.[62]
وهكذا نستنتج من ذلك أن هناك اتفاق بين الآباء على أن الآب هو أصل ومصدر ومبدأ الألوهة في الثالوث القدوس.
كذلك من خلال تحليل قول ماريوس فيكتورينوس الفيلسوف المسيحي الذي يقول في إطاره تفسيره لنص (يو16: 7) التالي: ”هنا يوجد شخصان الواحد يأتي من الآخر، الروح يأتي من الابن، والابن يأتي من الآب“.
تُثبِت هذه الإشارات أن ماريوس فيكتورنيوس يخلط بين الثيؤلوجيا (الحديث عن الله منذ الأزل) والإيكونوميا (الحديث عن الله في علاقته مع الخليقة في الزمن)، وهكذا يستخدم النصوص الكتابية الخاصة بالعمل التدبيري للروح القدس دون أي تمييز بين وجوده الأزلي وبين إرساليته التدبيرية إلى العالم.[63]
كذلك أيضًا بتحليل قول ق. هيلاري أسقف بواتييه فى إطار حديثه عن أقنوم الروح القدس، قائلاً: ”فإن الروح يُرسَل من الابن وينبثق من الآب […] فهل يأخذ من الابن كما جاء في الآية ’يأخذ مما لي ويخبركم‘ (يو16: 14) له نفس المعنى ’ينبثق من الآب‘ […] إذن، إن عبارتي يأخذ من الابن وينبثق من الآب لهما معنى واحد“.
ولقد أوضحنا أن هذا القول عند إستكمال سياق النص نجد أن ق. هيلاري يتحدث بكل وضوح عن الاختلاف الشديد بين انبثاق الروح القدس من الآب أزليًا وإرسال الابن له زمنيًا كالتالي: ”لكن مع إيماننا بأن هناك اختلافًا بين الأخذ من الابن والانبثاق من الآب، إلا أن الأخذ من الابن، والأخذ من الآب هما نفس الشيء […] فإن روح الحق ينبثق من الآب ويُرسَل من الآب والابن“.
ومن خلال تحليل قول ق. أمبروسيوس فى معرض حديثه عن الروح القدس، حيث يقول: ”وهكذا الروح القدس أيضًا الذى عندما ينبثق من الآب والابن، لاينفصل عن الآب ولا ينفصل عن الابن. وكيف يمكن أن ينفصل عن الآب وهو روح فمه؟ وهذا دليل على أزليته، وتعبير عن وحدته مع جوهر اللاهوت“.
نجد أن ق. أمبرسيوس أسقف ميلان يعلم على الرغم من كونه تلميذًا للعلامة ديديموس الضرير، وترجم كتاباته من اليونانية إلى اللاتينية، ولقد تتلمذ أيضًا على تعاليم ق. باسيليوس الكبير، إلا أنه كان يتكلم عن العمل التدبيري للروح القدس في العالم، ويشدد على عدم إنفصال الروح القدس عن الآب والابن في الجوهر، لأنه ينبثق تحديدًا من الآب والابن. ولا يشير ق. أمبروسيوس هنا إلى الانبثاق الأزلي، بل إلى إرسالية الروح القدس الزمنية إلى العالم. ولنتوقف عند استخدامه للفعل الكتابي (εκπορεύται) أي ينبثق، فهذا الفعل سواء عند الآباء الكبادوك، أو عند العلامة ديديموس الضرير، أو عند ق. كيرلس الكبير يعبر عن الانبثاق الأزلي للروح القدس من الآب، وليس من الابن. لكن فعل (εκπορεύται) لايعنى شيئًا بالنسبة للقديس أمبروسيوس أكثر من أنه متطابق في المعنى مع الفعل προέρχεσθαι)) أي ”آتى“ اللاتيني. وهكذا نجد أن ق. أمبروسيوس قد واصل لاهوت الآباء الغربيين اللاتين، حيث قدم تعليمًا عن الله في إطار تدبيري دون التمييز بين الانبثاق الأزلي والإرسالية التدبيرية في العالم.[64]
غير أنه يكفي عند إعادة هذا النص إلى سياقه سنرى فورًا أن ق. أمبروسيوس أسقف ميلان كان يتحدث في سياق تدبيري، حيث يقول التالي:
”لا يُرسَل الروح القدس كما من مكان ما، وكذلك الابن عندما يقول: ’خرجت من عند الآب، وأتيت إلى العالم‘ (يو8: 42 ) […] لا الابن يبتعد عن مكان ما أو ينفصل عنه كما ينفصل جسد ما عن جسد آخر عندما يخرج من الآب، ولايحويه الآب حينما يكون معه مثلما يحوى جسم جسمًا آخر. كذلك الروح القدس فإنه عندما ينبثق من الآب والابن (procedit a Patre et a Filio)، لا ينفصل عن الآب ولاينفصل عن الابن“.
وما يريد أن يبينه ق. أمبروسيوس هنا هو وحدة الأقانيم الإلهية الثلاثة في الجوهر والطبيعة. وبتعبير أدق، يريد إظهار أنه بفضل هذه الوحدة في الطبيعة لا تنفصل الأقانيم الإلهية الواحد عن الآخر، عندما يخرج الابن من الآب إلى العالم، أو عندما ينبثق أو يخرج الروح القدس من الآب والابن مُرسَلاً من الآب بالابن.[65]
يستشهد اللاتين بأقوال كثيرة للقديس أوغسطينوس فى كتابه عن ”الثالوث“ لإثبات عقيدة الانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن، منها قوله:
”ولكن الروح القدس لا ينبثق من الآب إلى الابن، بل ينبثق من الابن لتقديس الخليقة، ولكنه ينبثق من الاثنين معًا في نفس الوقت، رغم أن الآب قد أعطى هذا للابن، أي أن ينبثق (الروح القدس) منه (الابن) كما ينبثق من ذاته (الآب) أيضًا“.
وقوله أيضًا:
”فلابد من التسليم بأن الآب والابن هما مبدأ الروح القدس ولكن لا كمبدأين، بل كما أن الآب والابن إله واحد، وخالق واحد، ورب واحد للخليقة، هكذا يكونان مبدأ واحد للروح القدس“.
عند التعرض لهذا القول لأوغسطينوس، يجب أن نميز بدقة الخواص الأقنومية الخاصة بكل أقنوم إلهي، والخواص الملازمة للطبيعة والجوهر المشترك بين الأقانيم الثلاثة. أن يكون أقنوم هو المصدر، فهذه الخاصية الأقنومية محصورة في الآب. وبالتالي، إذا أعتبرنا أن الروح القدس منبثق من الآب والابن معًا، فنحن هنا بصدد خاصية ”جوهرية“ أو ”طبيعية“، ونتيجة لذلك، وانطلاقًا من أن الطبيعة الواحدة مشتركة بين الأقانيم، نصل إلى نتيجة مفادها أن الروح القدس يشترك هو أيضًا في انبثاقه الذاتي، أي أن يكون باثقًا ومنبثقًا، العلة والنتيجة في آنٍ واحدٍ. وبالتالي، تصير أبوة الآب خاصية غير محصورة في الآب، بل تصير خاصية للآب والابن معًا، وبالتالي يختلط الأقنومين في أقنوم واحد، مما يؤدي إلى نوع من شبه السابيلية، ولكن في الواقع، يبثق الآب الروح القدس بوصفه آبًا وليس بوصفه الله.
وبالتالي، نرى الصعوبة الكبيرة التي تمنع الكنائس الأرثوذكسية من قبول الصيغة اللاتينية، لأن صدور الروح بالانبثاق من الآب والابن يضع في الله شيئًا غير جوهري وغير طبيعي، طالما أن الروح لا دخل فيه وليس له هذه الخاصية، التي من المفترض أن تكون خاصية جوهرية أو طبيعية مشتركة للأقانيم الثلاثة، ويضع في الله أيضًا شيئًا غير أقنومي، باعتبار أنه شيء يشترك فيه الآب والابن معًا. وهكذا عكس الطرح الآبائي الشرقي جملةً وتفصيلاً، حيث يرى اللاهوت الشرقي أن أقنوم الآب وحده هو مصدر الأقنومين الآخرين في الله، ويركز على العنصر الشخصي (الأقنومي)، ويتجنب كل وحدة نظرية في الطبيعة حيث يحدث خطر القضاء على الخاصية الشخصية (الأقنومية) في الأقانيم، وبالتالي يمثل ارتدادًا إلى الفلسفة اليونانية القديمة، والابتعاد عن المسيحية كما هي في الكتاب والتقليد.
عند الإطلاع لأول مرة على اللاهوت الأوغسطيني الثالوثي في القرن الثالث عشر، أثار مجمع ليون عام 1274م الجدال حول هذه المسألة. وأكد الشرقيون على عدم ارتباط الروح القدس بالابن إلا في إرساليته الزمنية، أما في حياته الأزلية فهو مرتبط بالآب فقط من حيث الانبثاق الأزلي. كما ركزوا أيضًا، مع التراث التقليدي، على الخصائص الأقنومية غير المتغيرة، وركزوا في المقابل أيضًا على الاستعلان الأزلي للابن بالروح القدس، ما يشكل حياة الروح بالذات. فالروح يأخذ كيانه من الآب، ولكنه يوجد بالابن، بل ومن الابن. التمييز دقيق، ولكنه أساسي، حيث التمييز بين مفهوم المصدرية ومفهوم ”علة الوجود“. إذ أن مصدر الروح هو أقنوم الآب فقط، بينما يجد الروح علة وجوده في الابن باستعلانه الأزلي. لذا على خطى التقليد، إن الروح هو صورة الابن الأزلية؛ حيث ”لا يستطيع أحد أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس“. ومن هنا، يتم التمييز بين الانبثاق الأقنومي، حيث ينبثق الروح من الآب فقط، وبين الاستعلان الأزلي، حيث يعلن الروح القدس أزليًا الحياة الإلهية المنطلقة من الآب بالابن في الروح القدس. وهكذا يستلزم التمييز بين انبثاق الروح الأقنومي، والانبثاق الاستعلاني للطبيعة الإلهية وأفعالها الإلهية في الروح القدس.[66]
ويصف أوغسطينوس أيضًا الروح القدس بأنه رباط الاتحاد أو الحب بين الآب والابن في سياق مفهومه للانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن كالتالي:
”الروح القدس أيضًا سواء ينبغي أن ندعوه المحبة المطلقة التي تربط الآب والابن معًا، ويربطنا نحن أيضًا غير المستحقين، لأنه لم يقل عبثًا كما هو مكتوب: ’الله محبة‘ (1يو4: 8)“.[67]
كما يتحدث أوغسطينوس عن أن الروح القدس هو المحبة بين الآب والابن، وإنه شيء مشترك بين الآب والابن في سياق شرحه للانبثاق الأزلي للروح القدس من الآب والابن كالتالي:
”وهو المحبة التي من الله، وهو الله، وإنْ كان هو المحبة التي يحب بها الآب الابن، ويحب بها الابن الآب بشكلٍ فائق الوصف، فهذا يثبت إنه شركتهما معًا وشيء مشترك بينهما، وماذا يمكن أن يكون أوضح من أن ذاك الشخص (الأقنوم) الذي هو الروح المشترك بين الاثنين (أي روح الاثنين) يُدعَى بالخصوص المحبة؟“.[68]
ولنا وقفة أيضًا مع أقوال أوغسطينوس هذه، لأن فكر العلامة ترتليان الثالوثي، وكذلك تعليم الفيلسوف ماريوس فيكتورينوس الثالوثي، وتعاليم القديس هيلاري، والقديس أمبروسيوس، والفيلسوف لاكتانتيوس، ونوفاتيان وغيرهم من الكُتَّاب اللاتين عن الثالوث لها أثر عميق في فكر ق. أوغسطينوس، حيث نرى ق. أوغسطينوس يضع إنبثاق الروح القدس الأزلي في منظور زمني تدبيري، وهو منظور الإرسال الزمني، ويعتقد أن هذه الإرسال الزمني يتطابق مع الانبثاق الأزلي، لذا عند قراءتنا لنصوص ق. أوغسطينوس عن الروح القدس، نرى عدم تمايز المنظورين التدبيري واللاهوتي بالنسبه له، بل هما ممتزجان ومختلطان عنده. ويبدو الاختلاط أيضًا بين الانبثاق الأزلي للروح القدس وإرساله الزمني بواسطة الابن. ويبدو عنده أيضًا اختلاط الخواص الأقنومية للأقانيم مع خواصهم الجوهرية الطبيعية، حيث يظهر هذا بوضوح في وصفه للروح القدس بأنه رباط (شركة) الحب بين الآب والابن، فيبدو هنا أن أقنوم الروح القدس قد تم تقليصه إلى مبدأ غير شخصاني يتعلق بالجوهر المشترك بين الآب والابن. وهكذا يؤثر هذا التعبير ”رباط الحب“ أو ”شركة الحب“ على أقنومية الروح القدس، فيجعل من الروح القدس مجرد رباط للحب أو شركة الآب والابن، وليس أقنومًا متمايزًا له كيان أقنومي واضح وفاعل وحقيقي، وله خاصية أقنومية أي الانبثاق الأزلي من الآب كخاصية الأبوة للآب وكخاصية البنوة للابن.[69]
كما يمكننا الآن تسجيل الفرق بين نقطتي الانطلاق في تكوين اللاهوت الثالوثي في الشرق والغرب. فعلى خطى التراث الغربي الممتد من العلامة ترتليان إلى ق. أمبروسيوس، ينطلق ق. أوغسطينوس في كتابه عن ”الثالوث“ من وحدة الطبيعة الإلهية وليس تمايز الأقانيم الإلهية كما عند آباء الشرق.
ولكي يميز الأقانيم يصيغ أوغسطينوس مبدأ ”التضاد في العلاقات“ أي مبدأ وجود الأقانيم أو نمط وجودهم عمليًا. حيث يشير أوغسطينوس إلى انبثاق الروح القدس بالخصوص من الآب بوصفه المبدأ الأول والمطلق. ولكن بما أن الآب والابن واحد، وكل ما للآب هو للابن، فالآب والابن كلاهما مصدر واحد للروح القدس. إن هذا لا يلغي مبدأ وحدة الرأس، إذ ليس هناك مبدآن أو مصدران للروح القدس، بل يمكن القول إن وحدة الرأس مشتركة بين الآب والابن المتحدين في نفس الطبيعة لتشكيل مصدر واحد للانبثاق، وهذا ما قاله اللاتين بعد ذلك بأنه بسبب وحدة الطبيعة يقال إن الروح هو روح الآب والابن، وإنه ينبثق من الآب والابن، كما يرى الأب توما الأكويني أن الآب والابن معًا مصدر الانبثاق، وبالتالي مصدر الانبثاق واحد.
ومع كامل التقدير لواقع عدم وجود إزدواجية في مصدر الانبثاق في الغرب، لا بد لنا من الإقرار أن التراث الشرقي ظل غريبًا تمامًا عن منطق أوغسطينوس. فلا يعرف الشرق مبدأ ”التضاد في العلاقات“ ولا عقيدة الانبثاق كما من مصدر واحد الناتجة عنه. حيث ينطلق الشرق في لاهوته الثالوثي من معطيات الوحي أن الله الحي هو في ثلاثة أقانيم، أي الأقانيم الثلاثة كما تظهر في الكتاب المقدس وكما تم التعبير عنهم في قانون الإيمان الأرثوذكسي وطقس المعمودية.
يعلق اللاهوتي الروسي الأرثوذكسي بول أفدوكيموف على الاختلاف بين اللاهوت الشرقي واللاهوت الأوغسطيني في مسألة انبثاق الروح القدس، حيث يقول التالي:
”والحال، أن ق. أوغسطينوس يلجأ إلى البرهان بالمماثلة، إذ يقول مثلاً: ’بما أن الروح القدس هو المحبة المتبادلة بين الآب والابن، فهو، أيًا كان، شيء مشترك بين الآب والابن‘ (De Trinitate, VI, 5, P. L. 42, 928). والقديس توما أسهب في هذه الرؤية: الكلمة يصدر بطريقة العمل العقلي، والمحبة حصيلة المعرفة، فلا تتناول إلا مَن سبقت معرفته، لذا الروح القدس ينبثق معًا من الآب ومن معرفته التي هي الكلمة. إن هذا الأسلوب في فهم الولادة بطريقة العمل العقلي، والانبثاق بطريقة الإرادة أو المحبة، هذا الأسلوب نفسه باتخاذه الإنسان قياسًا للألوهة غريب عن الشرق، حيث يحمل خطر إدخال الفلسفة وعلم النفس في داخل الحياة الإلهية“.[70]
يعلق البروفيسور توماس تورانس على موضوع الاختلاف بين الغرب والشرق في مسألة انبثاق الروح القدس كالتالي:
”وفي ظل القول بأن الروح القدس ينبثق من الآب فقط، اتجهت الكنيسة الغربية إلى القول بأن الروح القدس ينبثق من الابن أيضًا كما من الآب، وإلا فلا يمكن اعتبار الابن إلهًا من إله، أي إله بالمعنى الذي ينطبق على الآب. وأمام هذا التعليم وجدت الكنيسة الشرقية أنه يتعين عليها رفض أية فكرة لانبثاق الروح القدس من الابن كما من الآب، لأن هذا يعني وجود مبدأين إلهين في الله. ولذا تمسكوا بعقيدة انبثاق الروح القدس من الآب فقط. ولم يكن لمذل هذا المأزق أن ينشأ لو أن الكنيسة في الشرق والغرب اقتربت أكثر من عقيدة أثناسيوس عن الروح القدس، هذه العقيدة التي نمت عبر إبيفانيوس ومجمع القسطنطينية إلى أن وصلت إلى كيرلس السكندري“.[71]
خلاصة البحث
نستخلص من هذا البحث النتائج التالية:
- عدم تمييز اللاتين بين الانبثاق الأقنومي للروح القدس من الآب فقط، والاستعلان الأزلي للآب والابن معًا عن طريق الروح القدس.
- عقيدة الفيليوكي اللاتينية مؤسسة على الاختلاف بين اللغتين اليونانية واللاتينية في مصطلح الانبثاق باليوناني، والصدور أو الخروج أو الإتيان اللاتيني.
- اختلاط المفاهيم اللاهوتية مع المفاهيم التدبيرية؛ أي اختلاط الانبثاق الأزلي للروح القدس مع إرساليته الزمنية إلى العالم.
+++ ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين +++
[1] St. Augustine, On the Holy Trinity; Doctrinal Treatise, NPNF1-03, Schaff, Philip (1819-1893), 15:26:47.
[2] Ibid, 5:14:15.
[3] سعيد حكيم (دكتور)، الآباء والعقيدة، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012)، ص237.
[4] جان كلود لارشيه (علامة)، في إطار الحوار الأرثوذكسى الكاثوليكي (انبثاق الروح القدس من الآب والابن) مسعى للتقارب أم تكريس للتباعد، ترجمة: الأب الدكتور يوحنا اللاطي، مراجعة: الأرشمندريت توما البيطار، (لبنان: عائلة الثالوث القدوس، 2004)، ص13، 14.
[5] بول أفدوكيموف (دكتور)، الروح القدس في التراث الأرثوذكسي، ترجمة: المطران إلياس نجمة، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1989)، ص 54.
[6] سليم بسترس (الأب)، اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر ج2، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 2002)، ص 90.
[7] المرجع السابق، ص 91.
[8] ترتليانوس الأفريقي (علامة)، ضد براكسياس أو عن الثالوث القدوس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017)، ص 88.
[9] سعيد حكيم (دكتور)، الآباء والعقيدة، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012)، ص238.
[10] Marius Victorinus, Theological Treatises on the Trinity Against Arius, Trans. by M. T. Clark, The fathers of the church Vol. 69, (Washington: Catholic University, 1981), 1: 8.
[11] Ibid, 3: 8.
[12] المرجع السابق، ص 237، 238.
[13] St. Ambrose, Theological and Dogmatic Works, The Holy Spirit, The Fathers of The Church, Vol. 44, (USA: Catholic University of Washighnton, 1963), 1: 11: 120, p 79.
[14] أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الانبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة: 2021م)، 15: 26: 47.
[15] المرجع السابق، 5: 14: 15.
[16] المرجع السابق، 15: 17: 27.
[17] المرجع السابق، 15: 27: 48.
[18] أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس، ترجمة: د. موريس تاوضروس و د. نصحي عبد الشهيد، مراجعة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 1: 2، ص37.
[19] المرجع السابق، 4: 4، ص149.
[20] المرجع السابق، 3: 4.
[21] توماس ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، مراجعة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: إصدار باناريون للتراث الآبائي، 2010)، الفصل الخامس، ص285.
[22] جوهانس كواستن، علم الآبائيات (باترولوجي) مج3، ترجمة: الراهب غريغوريوس البراموسي و د. نادر مدحت، (القاهرة: إصدار باناريون للتراث الآبائي، 2021)، ص103.
[23] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي – حياته، مقالاته لطالبي العماد، الأسرار، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، طبعة ثانية 2006)، 17: 11.977
[24] سعيد حكيم (دكتور)، الآباء والعقيدة، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012)، ص243.
[25] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27-31 اللاهوتية، ترجمة الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، 31 :14، ص150.
[26] المرجع السابق، 31: 9، ص 144.
[27] غريغوريوس اللاهوتي (قديس)، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي والنزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة عن الفيلسوف آرن، ص118.
[28] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة فيلبي ج1، ترجمة: د. جورج ميشيل أندراوس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2007)، ص128.
[29] ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الاسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، ص74.
[30] كيرلس عمود الدين (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، 34: 25، ص565.
[31] PG. 76, 173, 176.
[32] Gregory of Nyssa, Dogmatic Treatises: On The Holy Spirit: Against The followers of Macedonius, NPNF2-05, Philip Schaff (1819-1893), p. 594.
[33] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27-31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، طبعة أولى 1993)، الخطاب 31 :31، ص168،169.
[34] ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الاسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، ص74.
[35] المرجع السابق، ص46.
[36] كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، 34: 18، ص 560،561.
[37] كيرلس عمود الدين (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ص504، 505.
[38] غريغوريوس النزينزي (قديس)، عظة عيد الخمسين، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي الأرثوذكسي، 2012)، ص50، 51.
[39] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا ج3، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: إصدار مكتبة المحبة)، العظة 86، ص206، 207.
[40] باسيليوس الكبير (قديس)، الروح القدس، ترجمة: د. جورج حبيب، (القاهرة: دار جذور للنشر)، 16: 39، ص118، 119.
[41] جوهانس كواستن، علم الآبائيات (باترولوجي) مج3، ترجمة: الراهب غريغوريوس البراموسي و د. نادر مدحت، (القاهرة: إصدار باناريون للتراث الآبائي، 2021)، ص302، 303.
[42] ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الاسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، ص80.
[43] إبيفانيوس أسقف سلاميس (قديس)، أنكوراتوس (المثبت بالمرساة)، ترجمة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2018)، 7: 1، ص151، 152.
[44] المرجع السابق، 8: 4، ص156، 157.
[45] باسيليوس الكبير (قديس)، الروح القدس، ترجمة: د. جورج حبيب، (القاهرة: دار نشر جذور)، 18: 46، ص127.
[46] المرجع السابق، 19: 49، ص132.
[47] المرجع السابق، 26: 61، ص 150.
[48] باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، 2: 34، ص198.
[49] Gregory of Nyssa, Dogmatic Treatises: on The Holy Spirit Against The followers of Macedonius, NPNF2-05, Philip Schaff, (1819-1893), p. 594.
[50] غريغوريوس النيسي (قديس)، خطاب إلى أفلافيوس ’في أننا لا نتكلم عن ثلاثة آلهة‘، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مجلة مدرسة الإسكندرية عدد 31، 2021)، ص30، 31.
[51] جوهانس كواستن، علم الآبائيات (باترولوجي) مج3، ترجمة: الراهب غريغوريوس البراموسي و د. نادر مدحت، (القاهرة: إصدار باناريون للتراث الآبائي، 2021)، ص372، 373.
[52] توماس ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، مراجعة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: إصدار باناريون للتراث الآبائي، 2010)، الفصل الخامس، ص281، 282.
[53] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير الانبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، طبعة ثانية 2017)، 8: 20، ص 547، 548.
[54] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: إصدار مكتبة المحبة)، العظة 2، ص26.
[55] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي – حياته، مقالاته لطالبي العماد، الأسرار، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، طبعة ثانية 2006)، 17: 2، ص248.
[56] باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، 3: 1، ص206.
[57] De Spiritu Sancto, 18, PG, 32, 152A.
[58] PG, 45, 180C.
[59] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27-31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، طبعة أولى 1993)، الخطاب29: 3، ص 82.
[60] غريغوريوس النيسي (قديس)، خطاب إلى اليونانيين ’عن الاصطلاحات العامة‘، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مجلة مدرسة الإسكندرية عدد 29، 2020)، ص19، 20.
[61] Or. 34, 10; PG. 32, 152A.
[62] كيرلس عمود الدين (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة أولى 2011)، المقالة 15: 50، ص25.
[63] سعيد حكيم (دكتور)، الآباء والعقيدة، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة يوليو 2012)، ص239.
[64] المرجع السابق، ص 239.
[65] جان كلود لارشيه (دكتور)، في إطار الحوار الأرثوذكسي الكاثوليكي، انبثاق الروح القدس من الآب والابن، مسعى للتقارب أم تكريس للتباعد، ترجمة: الأب الدكتور يوحنا اللاطي، (لبنان: عائلة الثالوث القدوس، 2004)، ص46.
[66] بول أفدوكيموف (دكتور)، الروح القدس في التراث الأرثوذكسي، ترجمة: إلياس نجمة، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1989)، ص ٦0.
[67] أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: نيافة الانبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة: 2021)، 7: 3: 6.
[68] المرجع السابق، 15: 19: 37.
[69] جان كلود لارشيه (دكتور)، في إطار الحوار الأرثوذكسي الكاثوليكي، انبثاق الروح القدس من الآب والابن، مسعى للتقارب أم تكريس للتباعد، ترجمة: الأب الدكتور يوحنا اللاطي، (لبنان: عائلة الثالوث القدوس، 2004)، ص50.
[70] بول أفدوكيموف (دكتور)، الروح القدس في التراث الأرثوذكسي، ترجمة: إلياس نجمة، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1989)، ص ٦٤.
[71] توماس ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، مراجعة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: إصدار باناريون للتراث الآبائي، 2010)، الفصل الخامس، ص302.