المقالة9 ج2 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
السجود والعبادة بالروح والحق
تابع المقالة التاسعة
“الخيمة المقدسة”
“كانت مثالاً لكنيسة المسيح”
بلاديوس: وماذا تقول عما يعنيه الغطاء؟
كيرلس: فيما يخص الحرف والظلال، فقد صُنع الغطاء من ذهب نقي وكان موضوعًا فوق التابوت لذلك سُمي “لفافة” وعندما يلتف المكرَّمون برتبة الكهنوت حوله لينظروه، يؤمنون كيف أنهم ينظرون الله.
أمَّا غطاء التابوت ـ بالمعنى الروحي ـ فنقول عنه إنه يشير إلى ذاك الذي صار إنسانًا لأجلنا ” الذي قدَّمه الله كفَّارةً بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله” (رو3: 25) كما يقول بولس. وأيضا يكتب لنا يوحنا التلميذ الحكيم في رسالته ” يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحدُ فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا” (1يو1:1ـ2). حقًا بواسطة المسيح تتحقق كفارتنا، في كل توسلٍ وطلبٍ للصلاح؛ لأنه يقول: ” أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم” (يو17: 24). بالتالي هذا هو الكفارة والغطاء بالنسبة لنا. لأن الآبَ صار لنا رحومًا بواسطته، فيه وجدنا غاية لتوسلاتنا، وبواسطته نستطيع أن تقترب إلى الله، وبخلاف ذلك لن نصير مقبولين. لذلك يقول: ” أنا هو الطريق” (يو14: 6) و” أنا هو الباب” (يو10: 7)، و” ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي” (يو14: 6). ومع أنه صار مثلنا ونزل اللوغوس وحيد الجنس ذاته إلى مستوى الإنسان في إخلائه، لكن علينا أن ندركه بالمجد اللائق بألوهيته وبسموه الذي يتجاوز الخليقة، كما ـ بالضبط ـ قبل أن يأخذ جسدًا. لذلك، الكروبان يقفان فوق الغطاء، باسطين أجنحتهما مظللين الغطاء ماثلين أمامه كل واحد وجهه للآخر، ووضعهما على اليمين واليسار هو برهان عدم الاعتراض. والنظر المستمر للكاروبين نحو الغطاء يشير إلى الرغبة الشديدة للتطلع نحو رؤية القوات السماوية.
وبنفس الشكل يصف النبي إشعياء الابنَ قائلاً: ” رأيت السيد جالسًا على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السيرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير” (إش6: 1ـ2). ويمكننا أن نؤكد أنه ليس شيئًا غريبًا على الإطلاق إذا ما تخيَّل أحدٌ أن السيرافيم يغطون وجه الله كذلك رجليه[1]؛ لأنه إذا نقلنا إلى اللغة اليونانية مفهوم كلمة “السيرافيم”، فسنجد أنها تعني كلمة”المعرفة” في صيغة الجمع، أي تدفق الحكمة. وبالتالي، فإن القوات السامية وكلية الحكمة تعلن أنه غير مسموح أن يرى أحد وجه الله؛ لأن الطبيعة التي تفوق العقل غير منظورة تمامًا، فهو بحسب كلام بولس، ” يسكن في نور لا يدنى منه” (1تي16:6). أيضًا “ لأن الإنسان لا يراني ويعيش” (خر20: 36) وفق ما قاله هو نفسه لموسى. وأيضًا سوف لا يعرف آثاره وطُرقه، لأنه مكتوب “ يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء”(رو33:11). كذلك يرنم داود الطوباوي وهو يعزف على ربابته لحنًا عذبًا: ” في البحر طريقك وسبلك في المياه الكثيرة وآثارك لم تُعرف” (مز77: 19). وكما لا يستطيع المرء أن يرى أثرًا على المياه لإنسان أو لمركب لأولئك الذين يسبحون فيها، هكذا لا يستطيع أن يفهم المرء الطرق الإلهية فائقة الوصف.
والمِثال المؤكَّد لهذه الأمور هي الأرجل. فإذا افترض أحدٌ الآن أن الساروفيم يغطون وجوههم بأجنحتهم يجب أن ندرك أنه لا يُسمح أن نرى بداية أو نهاية الحكمة، أي لمعرفة الله. لأنه غير مدرك ويفوق العقل البشري. فبدايةُ أي جسدٍ هو الرأس ونهايته الأرجل. إذن كفارتنا هو المسيح الذي وهو في الجسد عندما ظهر لم يكن أبدًا أقل من إله ورب من جهة الطبيعة، وحقًا كانت له القوات الفائقة حوله تخدمه. فقد قالت لنا الكلمة المقدسة (مت11:4)، إنه بعد أن ترك الشيطان المسيح بعد التجربة حين صام لأجلنا، ذهبت الملائكة لتخدمه. لأنه مكتوب “ أليس جميعهم أروحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص” (عب14: 1).
” فوق الغطاء سوف أظهر“، يقول: “وسوف أتحدث إليك”. وبهذا القول ـ على ما أعتقد ـ يعلن أمرين. فبالرغم من أن المسيحَ إنسانٌ، إلاَّ أنه سوف يعلن ما يفوق الطبيعة البشرية، ولن ينحصر فقط داخل مقاييس الإخلاء، وذلك بسبب أنه الله ومولود من الله بالطبيعة. لأنه يقول ” أنا والآب واحد” (يو10: 30)، ” ومَنْ رآني فقد رأي الآب“(يو15:9). وسوف يعلن ذلك بشكلٍ يفوق مجد الغطاء ويفوق مجد الكاروبين، أي بعظمةٍ ومجدٍ، بل وأسمى من الكائنات المخلوقة، حتى الساروفيم التي هي أكثر سموًا، وذلك بالرغم من أنه صار جسدًا، وبرغم أن الغطاء والسيرافيم هما أيضًا من ذهب. أي أن الطبيعة الممجدة والفائقة الجمال هي الله، بينما هذه المخلوقات (السيرافيم) تتشبه به بالوجود بالقرب منه. هكذا يضفي شركة مجده على هذه المخلوقات الموجودة بالقرب منه، والتي تعكس نوره إذ يشرق بهاؤه على كل ما يوجد أمامه.
بلاديوس: حديثك صحيح، والعرض ممتاز، حتى أن الحقيقة بدت واضحة.
كيرلس: بعد صناعة الغطاء، رَسَم لنا بطريقةٍ أخرى سرَ المسيح قائلا: ” وتصنع المائدة من ذهبٍ صافٍ” خر25: 23س). أمر أيضًا أن تُصنع لها حلقات وتضع عصوين من ذهبٍ، محدِّدًا بوضوحٍ، المقاييسَ وطرق العمل التقني لتكون ذات شكل جمالي رائع. وتضع ” على المائدة خبز الوجوه أمامي دائمًا” (خر30:25). وقد أمر أيضا أن تكون أوانيها من الذهب: صحافها وكؤوسها ومباخرها وكذلك الجامات للسكيب. ألم يظهر لنا ـ بوضوح ـ الخبز الذي نزل من السماء، والذي سوف يوضع على الموائد المقدسة للكنائس معطيًا الحياة للعالم؟
بلاديوس: بالتأكيد
كيرلس: الصحاف والمباخر والكؤوس والجامات وكل تلك التي بواسطتها تتم الأمور المقدسة والسرائرية للمائدة المقدسة، أليست هي مثال يا صديقي للكنوز الإلهية؟
بلاديوس: بالتأكيد
كيرلس: هكذا هي بالتأكيد في سفر الخروج. لكن بالنسبة للمائدة ولإضافة الخبز أعطى المشرع أوامره في اللاويين.
ففي اللاويين يشرح الوصية ويعلِّم بوضوح بأية طريقة سوف تصير الإضافة قائلا الآتي: “وتأخذ دقيقًا وتخبزه أثنى عشر قرصًا. عُشرَين يكون القرص الواحد. وتجعلها صفين كل صف ستة على المائدة الطاهرة أمام الرب. وتجعل على كل صف لبانًا نقيًا فيكون للخبز تذكارًا وقودًا للرب. في كل يوم سبت يرتبه أمام الرب دائمًا من عند بني إسرائيل ميثاقًا دهريًا. فيكون لهارون وبنيه فيأكلونه في مكان مقدس. لأنه قدس أقداس له من وقائد الرب فريضة دهرية” (لا24: 5 ـ 9).
وفي سفر العدد أيضًا يتحدث عن الخبز الواحد الذي أتى من السماء وتجسد. لأن اللوغوس بينما كان إلهًا بطبيعته، صار مثلنا وسكن داخلنا (يو1: 14). حسنًا قال لموسى النبي: “وكلم الرب موسى قائلا: كلِّم بني إسرائيل وقل لهم متى دخلتم الأرض التي أنا آتِ بكم إليها. فعندما تأكلون من خبز الأرض ترفعون رفيعةً للرب. أول عجينكم ترفعون قرصًا رفيعةً كرفيعة البيدر هكذا ترفعونه. من أول عجينكم تعطون للرب رفيعة في أجيالكم” (عد15: 17ـ21).
إذن، يستطيع المرء ـ بدون مشقة ـ أن يدرك من كل هذا سر الحق. وإن كنا سوف نتحدث مرةً أخرى بالتفصيل وبدقة عندما ننقل حديثنا إلى نصٍ صعبٍ آخر. هكذا في هذا النص سيستطيع المرء ـ يا بلاديوس ـ أن ينظر بإعجاب إلى ذاك.
بلاديوس: إلى مَن تشير بهذا القول؟
كيرلس: أقصد عمانوئيل، بينما بطرقٍ كثيرة أشار لنا بوضوح إليه، هكذا أعطانا صورةً واضحةً عنه في حديث آخر. لأنه يقول لموسى: “و تجعل على المائدة خبز الوجوه أمامي دائما. وتصنع منارةً من ذهب نقي، عمل الخراطة تصنع المنارة قاعدتها وساقها تكون كاساتها وعُجرها وأزهارها منها. وست شعب خارجة من جانبيها من جانبها الواحد ثلاث شعب منارة ومن جانبها الثاني ثلاث شعب منارة” (خر25: 30ـ32). ويضيف بعد هذا ويقول: ” تكون عُجرها وشُعبها منها جميعها خراطةً واحدةً من ذهب نقي وتصنع سرجها سبعةً فتصعد سرجها لتضيء إلى مقابلها. وملاقطها ومنافضها من ذهب نقي. من وزنة ذهب نقي تصنع مع جميع هذه الاواني. وانظر فاصنعها على مثالها الذي اظهر لك في الجبل” (خر25: 36ـ40).
إذن، المنارة هي من ذهب، وبذلك تعطي مثالاً للمسيح؛ لأنه إله حقيقي بطبيعته، ويجب أن نشبهه بالذهب مثلما أشرنا سابقًا إلى البهاء الإلهي وعظمته بالذهب.
أيضًا تكون المنارة مخروطة لأن عمانوئيل هو فائق الجمال ـ بطريقة أبلغ من أي تعبير ـ من جهة الجمال الذهني بالتأكيد. لأنه مكتوب عنه ” أنت أبرع جمالاً من بني البشر” (مز45: 2). إذن هذه الخراطة الواحدة للمنارة، بالمنظر المدهش، أي الذي يليق الله، أظهرت لنا عمانوئيل بشكل ممتاز. وعلى اليمين واليسار كفروع تنبت من شجرة وترتفع بعامود في المنتصف، وهذا الارتفاع ـ كما يقول ـ متساوٍ في الدرجة؛ لأنه المونوجينيس. (الابن الوحيد) الذي هو واحد بطبيعته وبسيط في جوهره كإله، ويظهر أيضًا أنه متعدد من جهة أفعاله.
لكن لا يوجد فيه شيءٌ مضاف من الخارج أو غريبٌ. فهو من جهة مكانته الإلهية ليس عاديًا، لأننا نعتبره نورًا وحياةً وقوةً وعدم فسادٍ.
ولأنه أراد أن يعلِّمنا أنه لا يوجد فيه شيء من الخارج أضاف قائلاً: ” تكون عُجُرها وشُعَبها منها جميعها خراطةً واحدةً من ذهب نقي” (خر25: 36). أي أنه كله بالكامل إله، وليس مجرد قديس مساوي للموجودات المخلوقة، ولا هو مثل الملائكة التي لها طبيعة روحانية، إذ هم مضيئون بنعمته هو وبهائه، وممسوحين كمثل الذهب النقي بعطية الروح. أما هو فله نفس طبيعة الله، الطبيعة كلية النقاء والفائقة السمو.
المنارات هي سبعة، لأن استنارتنا من المسيح تصير بطرق كثيرة، وكما يقول: ” فإنه لواحد يُعطى بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد” (1كو 12: 8… الخ).
العدد سبعة هو أيضًا علامة للكمال. وعمانوئيل هو كلي الكمال فهو إله بطبيعته، وبمنحه المواهب ـ هو كامل ـ في أولئك الذين هم جديرون بنوالها. لأنه ” ليس بكيل يعطي الله الروح” (يو3: 34). كما يقول يوحنا: “ومن مِلئه نحن جميعًا أخذنا ونعمة فوق نعمة“(يو1: 16).
ومكتوب بعد ذلك: ” فتُصعد سرجها لتضيء إلى مقابلها” (خر25: 37). وقد أشار إلى هذا الوضع بوضوح في سفر العدد قائلاً: ” وكلَّم الرب موسى قائلاً: كلِّم هارون وقل له متى رفعت السُّرُج فإلى قدام المنارة تضيء السُّرج السبعة. ففعل هارون هكذا إلى قدام المنارة رفع سُّرجها كما أمر الرب موسى” (عد8: 1ـ3).
لاحظ إذن، أن السُّرج السبعة التي كانت قدام المنارة تلقي نورها نحو أولئك الذين ينظرون إليها. بمعنى أن النور الإلهي والعقلي لا ينير أولئك الذين أداروا وجوههم بعيدًا عن الله، لكن للذين ـ بالتقديس ـ يلتفتون نحو الله ويشاهدونه ويرونه وجهًا لوجه بيقين الإيمان وبحياتهم المستقيمة والفاضلة.
ولأن الدناءة والعصيان هما أمران مكروهان ومرفوضان، لذلك يكرم الله أولئك الذين يطيعون، ويعتني بمن يقبلون التأديب. وهو يقول لليهود ـ الذين فضَّلوا أن يتصرفوا تجاهه بغير لياقة – بفم إشعياء النبي: ” فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم وأن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا” (إش1: 15). وبحسب نشيد المزامير “عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم” (مز34: 15).
بلاديوس: لا شك أن ما قلته حق.
كيرلس: ويشير زكريا النبي إلى هذه المنارة المقدسة أيضًا؛ لأنه يقول: ” قد نظرت وإذا بمنارة كلها ذهب وكوزها على رأسها وسبعة سُرج عليها وسبع أنابيب للسرج التي على رأسها. وعندها زيتونتان أحداهما عن يمين الكوز والأخرى عن يساره. فأجبت وقلت للملاك الذي كلمني قائلا ما هذه يا سيدي؟ فأجاب الملاك الذي كلمني وقال لي أما تعلم ما هذه فقلت لا يا سيدي” (زك4: 1ـ5). حسنا يتساءل النبي الطوباوى: ” ما هذه يا سيدي؟“. والملاك يشرح الرؤية ويشير ـ بصناعة المنارة ـ إلى المسيح قائلاً عن السبع منارات: ” إنما هي أعين الرب الجائلة في الأرض كلها” (زك4: 11).
وإن كان يجب أن أقول ـ بشكلٍ مادي ـ ما هو أكثر: فإن الألوهية ترانا بآلاف الأعين، وتُشرف على الأمور البشرية مميزةً كل ما هو موجود في الظلام وفق ذاك الذي كُتب “وعنده يسكن النور” (دا2: 22). لأنه إذ أرسل الله لنا نوره نحن البشر، فإن هذا كائن في طبيعته قبل أن يعطيه الآخرين. فإذا كان البعض يرون أن الأمر ليس هكذا، فقد حان الوقت أن نصرخ نحوهم قائلين ” افهموا أيها البلداء في الشعب، ويا جهلاء متى تعقلون؟ الغارس الأذن ألا يسمع؟ الصانع العين ألا يبصر؟” (مز94: 8ـ9). ” لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين ومميزة أفكار القلب ونياته. وليس خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا” (عب4: 12ـ13).
إذن فالمسيح ينير كل شيء، ويرى كل شيء. لذلك قال بفم النبي: ” ألعلي إله من قريب يقول الرب ولست إلهًا من بعيد. إذا اختبأ إنسان في أماكن مستترة أفما أراه أنا يقول الرب” (إر23: 23ـ24). إذن لا شيء يستطيع أن يهرب من الكلمة الذي يعرف كل شيء. ألا تعتقد أنني أفكر بطريقةٍ صحيحة؟
بلاديوس: صحيح.
[1] علينا أن نلاحظ هنا أن القديس كيرلس لا يتكلم عن نص اشعياء6: 2 بشكل مجرد، فالنص لا يقول إن السيرافيم يغطون وجه الله أو رجليه، وإنما يغطي أحد السيرافيم وجهه هو ورجليه هو. إن القديس كيرلس في هذا المقطع يدمج بعض العناصر معًا ويستخرج منها رؤية خاصة به على درجة غاية في الجمال والذكاء. فهو أولاً يستفيد من نص سفر الخروج21: 17ـ25 والذي سبق الإشارة إليه، وبالتحديد ” ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظللين بأجنحتهما على الغطاء“. وهو ثانيًا يؤكد على ما يرمز إليه الغطاء أو الكفارة أي الابن المتجسد. وهو ثالثًا يستدعي المعنى اليوناني لكلمة سيرافيم أي المعرفة في صيغة الجمع، (أي المعرفة الكاملة)، ذلك لأن المعنى العبري لكلمة ساراف وهي الأصل الاشتقاقي لكلمة سيرافيم تعني “المشتعل أو المحترق”، ربما للدلالة على نقاوتهم كخدام لله. وهو رابعًا يرى الله كيانًا كاملاً يعبر عنه بالوجه الذي يمثل البداية والأرجل التي تمثل النهاية، فإذا ما أُدمجت هذه العناصر معًا، ومع الأخذ في الاعتبار أنه يعي اللغزية المختبئة وراء الكلمات في دلالتها على السيد المسيح له المجد، كان من السهل أن ندرك أن معرفة الله هي= =بلا حدود، وإن وجود الكاروبين على التابوت يظللان (أو يحجبان) الغطاء أو الكفارة، إنما هو رمز وظل لعدم إدراك الله أو خضوعه لحدود المعرفة الإنسانية. وبالتالي، فإذا ما وضعت كل هذه العناصر معًا، فإنه لا يعد شيئًا غريبًا على الإطلاق أن يتخيل أحد إن السيرافيم يغطون وجه الله وأيضًا رجليه.
وبهذه المناسبة علينا أن نلاحظ أن القديس كيرلس لم يقتصر في تفسيره على الرموز التي تخص السيد له المجد في تدبير الخلاص، ولكنه توسع حتى شملت رؤيته ما كان ظلاً أو رمزًا للكنيسة والرسل والكرازة… إلخ، بل وحتى لليهود الذين عاشوا أيام السيد المسيح حسبما سيجيء.