آبائياتأبحاث

المقالة5 ج2 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة5 ج2 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة5 ج2 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة5 ج2 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة5 ج2 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة الخامسة

الشجاعة التي بالمسيح

 

كيرلس: ألاّ تعرف أنه لا يستطيع المرء أن يصير مقبولاً أمام الله حتى لو أراد أن يجوز جهاد التقوى أمامه، إن لم يعتبر أن الحياة في هذا العالم هي مسكن مؤقت؟. وقد كُتب هذا في حياة القديسين بكل دقة ووضوح كصورة ومثال. أقام البار إبراهيم كساكن مؤقت في خيام وانتقل من مكان إلى مكان، بل وكل الإسرائيليين كانوا ينتقلون باستمرار في الصحراء وكانوا يسكنون في خيام. وقد افتخر داود النبي بهذا أمام الله قائلاً: ” اسمع صلاتي يارب وأصغ إلى صراخي ولا تسكت عن دموعي. لأني أنا غريب عندك. نزيل مثل جميع آبائي[1]. وكان ينتظر برغبة جارفة المسكن السمائي قائلاً: ” تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب. قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي[2]. إذن، فهؤلاء الناس كان فكرهم محصورًا في السماويات وعطشى لسكنى السموات، الأمر الذي وعد به المخلص نفسه، أولئك الذين يحبونه: ” في بيت أبي منازل كثيرة، وإلاّ فإن كنت قد قلت لكم إني أمضي لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا وآخذكم إلىَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا[3]. فالمقصود بمن يبني بيتًا وينشغل بالأعمال المرتبطة به هو ذلك الإنسان الذي لا يقبل أن يعيش في الحياة الحاضرة كغريب ونزيل، والذي يزرع كرمًا يشير إلى ذلك الإنسان الذي يحب الممتلكات والربح، والذي يخطب امرأة يشير إلى الإنسان محب الشهوة الذي لديه شهوة للنساء، وذهنه ملتصق بالشهوات الجسدية. لذلك عندما يُنادى للقتال، فإنهم يتراجعون عن المشاركة في الحرب المقدسة. هذه الأمور كان من الطبيعي أن يفكر فيها ويقولها أولئك المأسورون من هذه الشهوات، والكارز هو الذي يعلنها ويحذر منها. فالحقيقة أن المأسورين بهذه الشهوات لا يرغبون أن يحتملوا أي جهادات، ولا أن يخضعوا للغيرة المقدسة التي تتطلبها محبة الله، وهم يظنون أنهم لو حدث وجازوا هذه الجهادات، فإنهم يفقدون البيوت والممتلكات وأيضًا الشهوات التي يحبونها. وهكذا يظهر من هم الجبناء والضعفاء. إذن فأمر طبيعي لأولئك الناس أن يفكروا ويتكلموا بهذه الأمور التي يعلنها الكاتب بطريقة غير مباشرة موجهًا إليهم لومًا واضحًا، ويفاجئ الخائف الذي يقدم أعذارًا خاطئة، والذي يجمع الشهوات العالمية، كمن يجمع غذاء لخوفه. ولهذا فإن الله أمر كارز الجيش أن ينطق بالكلمة الأخيرة مجردة وواضحة بقول: ” ثم يعود العرفاء يخاطبون الشعب ويقولون من هو الرجل الخائف والضعيف القلب؟ ليذهب ويرجع إلى بيته لئلا تذوب قلوب إخوته مثل قلبه[4]. كأنه يقول وبكل وضوح من ينشغل بالأمور الأرضية ويبني بيوتًا ويزرع كرومًا ويغوى من الشهوات الجسدية، هو في كل الأحوال خائف وضعيف وتنقصه القوة، هذا هو الجاحد الذي يمثل ضررًا للآخرين، لأنه مكتوب: ” المعاشرات الرديئة تُفسد الأخلاق الجيدة[5]. والمأسور داخل خوفه الكامل، قد يجعل القوي والشديد البأس ينجذب نحو الخوف. ولهذا فإن القديس بولس يلوم البعض، أولئك الذين أرادوا أن يعوقوه على أن يصعد إلى أورشليم، لأنه يقول: ” ماذا تفعلون تبكون وتكسرون قلبي لأني مستعد ليس أن أُربط فقط بل أن أموت أيضًا في أورشليم لأجل اسم الرب يسوع[6]. ويجب أن نسجل أن المدعوين إلى العُرس كان رفضهم هكذا: ” اشتريتُ حقلاً،.. تزوجت امرأة فلذلك لا أقدر أن أجيء[7]. هذا ما ورد في الإنجيل على هيئة مثال. ولو أردت أن تفهم ذلك، فليس بالأمر الصعب أن نؤكده من الأمثلة القديمة.

بلاديوس: تكلم إذن ولا تتباطأ أبدًا، لأنك ستفيدني كثيرًا.

كيرلس: قرأنا في سفر العدد “ وبعد ذلك ارتحل الشعب من حضيروت ونزلوا في برية فاران. ثم كلم الرب موسى قائلاً: ارسل رجالاً ليتجسسوا أرض كنعان التي أنا معطيها لبني إسرائيل. رجلاً واحدًا لكل سبط من آبائه ترسلون. كل واحد رئيس فيهم. فأرسلهم موسى من برية فاران حسب قول الرب. كلهم رجال هم رؤساء بني إسرائيل[8].

          وعندما أحصي رجال الإرسالية بحسب الأسباط والعائلات، أضاف أيضًا: ” فصعدوا هؤلاء الاثني عشر رجلاً وتجسسوا الأرض من برية صين إلى رحوب في مدخل حماة. صعدوا إلى الجنوب وأتوا إلى حبرون[9].

          وبعد ذلك بقليل: “ أتوا إلى وادي أشكول وقطعوا من هناك زرجونة بعنقود واحد من العنب وحملوه بالدقرانة بين اثنين مع شيء من الرمان والتين. فدُعي ذلك الموضع وادي أشكول بسبب العنقود الذي قطعه بنو إسرائيل من هناك. ثم رجعوا من تجسّس الأرض بعد أربعين يومُا. فساروا حتى أتوا إلى موسى وهرون وكل جماعة بني إسرائيل إلى برية فاران إلى قادش وردّوا إليهما خبرًا والى كل الجماعة وأروهم ثمر الأرض. وأخبروه وقالوا قد ذهبنا إلى الأرض التي أرسلتنا إليها وحقا إنها تفيض لبنًا وعسلاً وهذا ثمرها. غير أن الشعب الساكن في الأرض معتزّ والمدن حصينة عظيمة جدًا. وأيضا قد رأينا بني عناق هناك [10]. تفهم الآن كيف أن هؤلاء الخائفين من أي شئ، وهؤلاء الجواسيس الجبناء الذين أُرسلوا إلى أرض الميعاد يعترفون بأن المدينة مليئة بكروم العنب وأرض خصبة ومليئة بثمار شهية، لكنهم أثاروا خوفًا في نفوس الشعب عندما وصفوا الشعب الساكن هناك بأنه مُعتز، قائلين أيضًا إنه توجد مدن حصينة بأسوار منيعة وهكذا نزعوا عن الإسرائيليين رجاء الانتصار إذ أخافوهم دافعين إياهم إلى الجبن.

بلاديوس: الأمر هو هكذا فعلاً.

كيرلس: لكن الحكماء والشجعان مثل كالب ويشوع قاوموا هذه الأقوال لأولئك (الجواسيس) قائلين للشعب ولموسى: ” إننا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها[11]. لكن الجواسيس الباقين الذين أُرسلوا معهما لم يوافقوا على هذا أبدًا وأكدوا للإسرائيليين إنه من الصعب أن يحتلوا أرض الميعاد. وبعد ذلك يقول الكتاب ” فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت وبكى الشعب تلك الليلة. وتذمر على موسى وعلى هرون جميع بني إسرائيل وقال لهما كل الجماعة ليتنا متنا في أرض مصر أو ليتنا متنا في هذا القفر. ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة أليس خيرا لنا أن نرجع إلى مصر. فقال بعضهم إلى بعض نقيم رئيسًا ونرجع إلى مصر[12]. إلى هذا الحد من الخوف والجبن وصل كل الشعب. وبينما يشوع ابن نون يحاول أن يثني الشعب حتى يصيروا أكثر جرأة، وقد مزق ثيابه وأسرف في تقدم وصف جميل لتلك الأرض، إلاّ أنهم لم يعودوا إلى شجاعتهم. وبهذا أثاروا حزنًا لدى الله المعتني بهم، بسبب صغر نفوسهم، وانقطاع رجائهم في أن يحققوا انتصارًا لأنهم نظروا فقط إلى قدراتهم البسيطة. ولهذا أقسم أيضًا وقال: “ لن تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لأسكنكم فيها ما عدا كالب بن يفنة ويشوع بن نون[13]. فمن يستطيع أن يشك في أن الخائف وكل من يتجنب المتاعب وقليل الإيمان يُقاد مع آخرين إلى الهلاك ويُفسد بمعاشرات رديئة، وسيفقد ميراثه ورجاءه في الله، بينما المقدام والشجاع يمتلك بداخله رجاءً ثابتًا ويصير صديقًا لله.

بلاديوس: لا شك في هذا فهو دليل كافٍ.

كيرلس: كما قلنا في البداية إن كل من تسود عليه الشهوات العالمية هو شخص غير مُهيأ للمعركة الروحية.

بلاديوس: بالتأكيد يكون غير مُهيأ.

كيرلس: سأضيف إنه يجب علينا كما أعتقد أن نسعي بإصرار نحو كل ما هو نافع، فإن المبتدئ في طريق الفضيلة لا تكون لديه القدرة الكافية لخوض هذه المعركة، بل من السهل جدًا أن يندفع نحو الظلم.

بلاديوس: ماذا تقصد بذلك؟

كيرلس: كُتب في سفر التثنية: ” إذا اتخذ رجل امرأة جديدة فلا يخرج في الجند ولا يحمل عليه أمر ما. حرًا يكون في بيته سنة واحدة ويسرّ امرأته التي أخذها[14].

          هل تلاحظ، يا بلاديوس، المعنى الظاهري للكلمات؟ وهل المُشرّع مُحب الفضيلة يترك المحارب جالسًا مستريحًا في بيته، ولا يجعله يتقدم وينمو؟ وهل يريده أن يُهزم بهذه العلاقة المسترخية مع المرأة، ويعتبر أن محبة الجسد هي أكثر إفادة من اجتياز هذه المعركة؟.

بلاديوس: على الأقل بالنسبة لي يصعب علىَّ أن أُفسر روح المُشرّع هكذا، لكن كما هو واضح فإن الأمر له شرح آخر مُحتمل.

كيرلس: سأعود مرة أخرى إلى نفس الدائرة، وسأقول لك تلك الأمور التي سبق وذكرتها. الإنسان المبتدئ في طريق الفضيلة وهو لم يكتمل تمامًا بعد، من السهل أن يتحول للوضع العكسي.

بلاديوس: اخبرني كيف؟ لأنني لا أفهمك جيدًا.

كيرلس: قال سليمان في الأمثال: ” قل للحكمة أنتِ أختى وادع الفهم ذا قرابة[15]. بالحق نحن نقتني لنا فضائل، وذلك عندما نهتم أن نقدم ثمارًا من خلال هذه الفضائل، أي عندما ينجح الواحد أن يقدم الحكمة في المعرفة وينجح الآخر في ممارسة الوداعة والتواضع بنشاط وحيوية. فهل بمجرد أن يبدأ الذهن أن ينشغل وبشكل مباشر بهذه الاهتمامات الجادة، يصير قادرًا على تقبل التجارب والضيقات؟ وذاك الذي اختبر الحكمة حديثًا ثم عاشر أولئك الذين يُعوجون المستقيمات، ألاّ يُعوّج أكثر؟. أي هل يستطيع أن ينتصر وأن يصد هؤلاء المنحرفين، إذا لم يكن مؤسسًا بعد وغير ثابت بقوة من فوق؟.

بلاديوس: يبدو هكذا.

كيرلس: ومن يمارس الوداعة، لو كان غير مُدرب عليها، ألاّ يسقط بسهولة في الغضب إن أثاره أحد؟.

بلاديوس: أعتقد ذلك.

كيرلس: عكس ذلك، فإن الحكيم المُدرب سيُجاهد مع الحكماء وسيواجه بشجاعة الأفكار غير المستقيمة برؤيته المستقيمة.

بلاديوس: هذا حقيقي.

كيرلس: ماذا إذن؟ إن من ينجح في ممارسة الوداعة، لا يترك مساحة للغضب، حتى ولو دفعه الآخرون إلى الغضب من حين لآخر.

بلاديوس: أنا أوافق على ذلك.

كيرلس: فالناموس يشبه فضيلة القديسين الساكنة فيهم بجمال المرأة، لأنه يقول: ” إذا اتخذ رجل امرأة جديدة فلا يخرج في الجُند ولا يُحمّل عليه أمر ما. حُرًا يكون في بيته سنة واحدة ويُسرّ امرأته التي أخذها[16]. فكما أن الذي ارتبط حديثًا (بامرأة) لا يُحمّل بمتاعب وأثقال بل يبقى حرًا في بيته متمتعًا بالدفء، هكذا الأمر مع الذي هو حديث في اقتناء الفضيلة وفي حماسه، وهذا ما نجده في كرازة الرسل القديسين الذين أُرسلوا لدعوة أولئك الذين قبلوا الإيمان حديثًا، ودعوهم إلى معرفة الله، فكتبوا بكل وضوح:   “ لأنه قد رأي الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة. أن تمتنعوا عما ذُبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنى[17]. فجنبوهم بروح التدبير، أكثر الوصايا ثقلاً، وأمروهم أن يحفظوا أمورًا قليلة لكنها هامة دون أن يتجاهلوا ضعف أولئك الذين دخلوا حديثًا في الإيمان بالمسيح. إذن، فإله الكل يستطيع أن يسامح هؤلاء (حديثي الإيمان) عن الغضب أو الأخطاء، لو أنهم ضعفوا أثناء سلوكهم في طريق الآلام. لكن بعد ذلك فإن الأمر يتطلب عقابًا، ويُسلّمون لشدة غضبه، لأنهم يُظهرون ضعفًا، لا لأنهم لم يعتادوا على الآلام والمتاعب، ولكن لأنهم ينجذبون للشهوة وللتنعم ويسلكون عمدًا في طريق عدم اللياقة وعدم التقوى. أم أن الفضيلة ليست تصاعدية وأن الطريق إليها ليس صعبًا؟ وهل من اختار أن يقتنيها لا يحتاج أن يجاهد ويتعب؟

بلاديوس: هكذا يكون الأمر.

كيرلس: ألاّ يُعتبر هذا أمرًا مُبررًا، أو من الأفضل أن نقول ألاّ يُعتبر هذا أمرًا مستقيمًا وصحيحًا، أن كل من ابتدأ هذه المحاولة أن نعلمه وندربه بإشفاق، طالما هو لم يثبت بعد وهو يتقدم بأرجل مهتزة ومازال في ضعفه، أما المختبر فيُعلَّم من خلال الآلام الشديدة ومخافة الله ويُقاد بالطاعة وقبول المصاعب بحسب ما هو ضروري له؟.

بلاديوس: هذا التفكير هو تفكير راجح.

كيرلس: والأمر واضح لو فحصنا بالتفصيل ماذا حدث للأقدمين كنماذج لذلك، لأنه مكتوب: “ ثم ارتحل موسى بإسرائيل من بحر سوف وخرجوا إلى برية شور فساروا ثلاثة أيام في البرية ولم يجدوا ماء. فجاءوا إلى مارة ولم يقدروا أن يشربوا ماء من مارة لأنه مر لذلك دعي اسمها مارة. فتذمر الشعب على موسى قائلين ماذا نشرب. فصرخ إلى الرب فأراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذبًا[18]. إذن ارتحل الإسرائيليون حديثًا من مصر وتخلصوا من الآلام والنير غير المحتمل، نير عبودية المصريين، محاولين الوصول إلى الأرض التي وعد بها الله آباءهم منذ القديم. أول مشقة واجهوها هي غياب الماء الذي وجدوه بعد متاعب كثيرة وطويلة، لكن التمتع به لم يأتِِ بدون عناء، لأنه كان مرًا كما هو مكتوب. لكن بطرح الشجرة فيه تحوّل إلى ماء حلو، وذلك بعدما أشار الله على موسى أن يلقيها في الماء. أي أنهم تعلّموا بواسطة الناموس الإلهي الالتزام بتبعية الله الذي ينقذنا من عبودية وسيطرة الشهوات المُرة. إذن فهو أمر هام أن نجاهد مقاومين التجارب لكي ننال إكليل النُصرة، ونهدئ الجسد بالأتعاب النُسكية، ونسّكنه كوحش ضاري، بالعطش والابتعاد عن الطعام لكي نكبح تلك الاندفاعات التي تتجه نحو الشهوة.

          معركتنا الأولي، لو أردنا أن نحقق ضبط النفس، هي مع الجسد وكل ما يتعلق به، وأعتقد أنه لا يستطيع أحد أن يحقق الفضيلة بأسلوب آخر. والعطش في الصحراء، الذي حدث للأقدمين، هو المثال الذي يُعطي للأتعاب النُسكية، وبداية تداريب النُسك هي تلك الخاصة بالأمور الجسدية. لاحظ أيضًا كيف أن الإسرائيليين لم يسقطوا من البداية في الحرب؟ّ لأن كل الذين يواجهون الشهوات لأول مرة ويبدأون في تحقيق الفضيلة، لا يندفعون مباشرة نحو المعركة ضد القوات والسلطات، لأن هؤلاء الذين يتدربون ليس لديهم بعد قوة، ولم يجتازوا بعد مرحلة الخطر، لكن يُختبرون أولاً بالآلام الجسدية، بينما يدبر الله مقدار ثقل الألم، على قدر احتمال أولئك الذين يجاهدون. وأعتقد أن هذا يعني أن التجارب التي يواجهونها حتى الآن لم تكن فوق قدراتهم الإنسانية. لأن الرسول يقول: ” ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا[19]. ولأن جهادات الفضيلة صعبة جدًا، فإن المسيح يحولها إلى جهادات حلوة ومفرحة، المسيح هو الذي دُعيَّ شجرة الحياة. وهو نفسه يقول هذا في الإنجيل: ” لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس[20]. فهو دعا نفسه العود الرطب. والله (الآب) هو الذي أشار على موسى البار بالخشبة. بمعنى أن الآب وحده أعلن الابن، لأن الابن وحده يعرف الآب. لأنه يقول: ” وليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب ولا أحد يعرف الآب إلاّ الابن[21]. إذن، فبالمسيح شجرة الحياة يصير كل ما هو مُر ـ حلوًا، والغير المحتمل يصير محتملاً. وكل هذه الأمور (أي الآلام) رغم أنها هامة في الحياة، وهي موجودة كوضع طبيعي، إلاّ أنها تتعب وتضر الجسد.

15 مز13:39ـ14.

16 مز2:84ـ3.

[3] يو2:14ـ3.

[4] تث8:20.

[5] 1كو33:15.

[6] أع13:21.

[7] لو19:14و20.

[8] عدد16:12و1:13ـ3

23 عدد21:13ـ22.

24 عدد23:13ـ28.

25 عدد30:13.

26 عدد1:14ـ4.

27 عدد30:14.

28 تث5:24.

29 أم4:7.

30 تث5:24.

31 أع28:15و29.

32 خر22:15ـ25.

33 1كو13:10.

34 لو31:23.

35 مت27:11.

 

المقالة5 ج2 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم