آبائياتأبحاث

الرسالة رقم 4 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي

الرسالة رقم 4 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي

الرسالة رقم 4 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي

الرسالة رقم 4 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي
الرسالة رقم 4 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي

مقدمة الرسائل

أهمية هذه الرسائل:

تُعرف هذه الرسائل الثلاث، بأنها الرسائل المسكونية:

          فالرسالة رقم 4 الموجهة إلى نسطور وهى الرسالة الثانية إلى نسطور، قد نعتت بالرسالة العقائدية ، وقد كتبت في أمشير عام 430 م.، قبل مجمع أفسس. وقد اعتمدها مجمع أفسس المسكونى، عندما انعقد سنة 431م باعتبارها تحمل تعليم مجمع نيقية. كما أن مجمع خلقيدونيا سنة 451م ، ومجمع القسطنطينية الثانى سنة 553م ، اعتمد كلاهما الرسالة نفسها.

والرسالة رقم 17، مرسلة إلى نسطور من كيرلس باسم مجمع الأساقفة المنعقد في الأسكندرية في 30 نوفمبر سنة 430م. (وهى الرسالة الثالثة إلى نسطور) وهى تحوى في نهايتها الحرومات المعروفة باسم “الحرومات الاثنى عشر”. وقد أضيفت هذه الرسالة إلى أعمال مجمع أفسس.

          أما الرسالة رقم 39 ، فقد أرسلها البابا كيرلس إلى يوحنا الأنطاكى سنة 433م بعد استعادة السلام والوحدة مع كنيسة إنطاكية. وتظهر هذه الرسالة فرح كيرلس بتحقيق المصالحة واستعادة صداقته مع البطريرك يوحنا. كما تحوى الرسالة وثيقة الاتحاد التى أرسلها مجمع أساقفة إنطاكية إلى البابا كيرلس، وقد وافق البابا كيرلس على هذه الوثيقة كما يظهر في هذه الرسالة. وبسبب الأهمية المسكونية لهذه الرسائل الثلاث، فإنها لا تزال تشكل أساسًا لتحقيق الوحدة الكاملة بين الكنائس الأرثوذكسية بعائلتيها الخلقيدونية وغير الخلقيدونية. فالعائلتان تقبلان تعليم البابا كيرلس كمصدر للتعليم المستقيم بخصوص شخص المسيح وكيفية التعبير عن سر التجسد الفائق للعقل.

[ تمت الترجمة عن مجموعة الآباء باليونانية مجلد 77 ـ مينى

 Migne, P.G Vol 77

 

 

رسالة رقم 4

 

كيرلس يهدى تحياته في الرب إلى الموقر جدًا والمحب جدًا لله الشريك في الخدمة نسطوريوس.

 

          كما سمعت، فإن بعض الناس يواصلون الثرثرة حول إجابتى على تقواك، ويفعلون هذا مرات كثيرة، وعلى الخصوص وهم يترقبون وقت المجامع. وربما بسبب أنهم يفكرون في دغدغة مسامعك لذلك ينطقون بكلمات طائشة. وهم يفعلون هذا رغم أنهم لم يتعرضوا للإساءة من أحد، بل قد نالوا توبيخًا لمنفعتهم: فواحد منهم وُبخ لأنه كان يسئ إلى العمى والفقراء، والثانى بسبب أنه كان يلوح بالسيف ضد أمه، والثالث بسبب أنه كان يسرق أموال شخص آخر بمساعدة جارية. وقد كان لهم دائمًا مثل هذا الصيت الردئ، حتى أن الواحد منا لا يتمنى أن يلتصق هذا الصيت بأعدى أعدائه. وفضلاً عن ذلك فلن يكون لى كلام كثير عن مثل هذه الأمور وذلك لكي لا أمتد بمقياس ذاتى الصغيرة فوق ربى ومعلمى[1] ولا فوق الآباء. لأنه ليس من الممكن الإفلات من انحرافات الأشرار الرديئة، كيفما اختار الإنسان أن يقضى حياته.

 

          2ـ ولكن أولئك إذ لهم فم مملوء باللعنات والمرارة، سوف يجاوبون عن أنفسهم أمام ديان الكل. والآن أعود بنفسى مرة أخرى إلى ما يليق بى على الخصوص، وسوف أذكرك الآن، كأخ في الرب، أن تكرز بكلمة التعليم، وبعقيدة الإيمان للشعب بكل حذر. ينبغى أن ندرك أن إعثار واحد فقط من الصغار المؤمنين بالمسيح[2]، له عقاب لا يُحتمل. فإن كان عدد المتضررين كثيرًا، أفلا نكون في حاجة إلى مهارة كاملة لإزالة العثرات بفطنة ونشرح التعليم بصحة الإيمان لأولئك الذين يبحثون عن الحق؟ وسوف يكون هذا صحيحًا جدًا إن كنا نلتزم بتعاليم الأباء القديسين، وإن كنا نجتهد لكي نعتبرهم ذوي قيمة عظيمة، ونمتحن أنفسنا ” هل نحن في الإيمان “[3] كما هو مكتوب، ونشكل أفكارنا حسنًا جدًا لتطابق آراءهم المستقيمة والتى بلا لوم.

 

          3ـ ولذلك قال المجمع المقدس العظيم[4] أن الابن الوحيد الجنس نفسه مولود من الله الآب حسب الطبيعة، الإله الحق من إله حق، النور الذي من النور، وهو الذي به صنع الآب كل الأشياء، نزل، وتجسد وتأنس، وتألم، وقام في اليوم الثالث وصعد إلى السموات. وينبغى علينا أن نتبع التعاليم والعقائد، مدركين ماذا يعنى أنه تجسد. تدل هذه اللفظة على أن الكلمة الذي من الله، تأنس. ونحن لا نقول إن طبيعة الكلمة تغيرت حينما صار جسدًا. وأيضًا نحن لا نقول إن الكلمة قد تغير إلى إنسان كامل من نفس وجسد. بل بالأحرى نقول إن الكلمة قد وحد مع نفسه أقنوميًا، جسدًا مُحيًا بنفس عاقلة، وصار إنسانًا بطريقة لا يمكن التعبير عنها أو إدراكها. وهو قد دُعِىَ ابن الإنسان ليس بحسب الرغبة فقط ولا بحسب الإرادة الصالحة، بل أيضًا ليس باتخاذه شخصًا معينًا. ونحن نقول إنه على الرغم أن الطبيعتين اللتين اجتمعتا معًا في وحدة حقيقية مختلفتان، فإنه يوجد مسيح واحد وابن واحد من الاثنين. إن اختلاف الطبائع لم يبطل بسبب الاتحاد، بل بالحري فإن هذا الاتحاد الذي يفوق الفهم والوصف كون لنا من اللاهوت والناسوت ربًا واحدًا يسوع المسيح وابنًا واحدًا.

 

          4 ـ وهكذا، فرغم أن له وجودًا قبل الدهور وقد وُلد من الآب، فإنه يقال أيضًا إنه وُلد حسب الجسد من امرأة، كما أن طبيعته الإلهية لا تحتاج لنفسها بالضرورة إلى ولادة أخرى بعد الولادة من الآب. إن القول بأن ذلك الذي هو موجود قبل كل الدهور وهو أزلى مع الآب، يحتاج إلى بداية ثانية لكي يوجد، إنما هو أمر بلا غاية وفي نفس الوقت هو قول أحمق. ولكن حيث إنه من أجلنا ومن أجل خلاصنا وحّد الطبيعة البشرية بنفسه أقنوميًا، ووُلِدَ من امرأة، فإنه بهذه الطريقة يقال إنه قد وُلد جسديًا. لأنه لم يولد أولاً إنسانًا عاديًا من العذراء القديسة ثم بعد ذلك حلّ عليه الكلمة، بل إذ قد اتحد بالجسد الذي من أحشائها، فيقال إن الكلمة قد قَبِلَ الولادة الجسدية، لكي ينسب إلى نفسه ولادة جسده الخاص.

 

          5 ـ وهكذا نقول إنه أيضًا تألم وقام، ليس أن كلمة الله تألم في طبيعته الخاصة أو ضُرِبَ أو طُعِنَ أو قَبِلَ الجروح الأخرى، لأن الإلهى غير قابل للتألم حيث أنه غير جسمى. لكن حيث أن جسده الخاص، الذي وُلِد عانى هذه الأمور، فإنه يقال إنه هو نفسه أيضًا قد عانى هذه الأمور لأجلنا. لأن ذلك الذي هو غير قابل للآلام كان في الجسد المتألم. وعلى نفس النسق نفكر أيضًا عن موته. إن كلمة الله حسب الطبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومعطى الحياة. ولكن بسبب أن جسده الخاص ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس[5]، لذلك يقال إنه هو نفسه قد عانى الموت لأجلنا. لأنه فيما يخص طبيعة الكلمة، فهو لم يختبر الموت، لأنه يكون من الجنون أن يقول أحد أو يفكر هكذا، ولكن، كما قلت على وجه الدقة، فإن جسده ذاق الموت. وهكذا أيضًا عندما أرجع الحياة إلى جسده، يقال أنه قام، ليس كما لو أنه تعرض للفساد، حاشا، بل أن جسده قام ثانية.

 

          6 ـ وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد ورب، ليس أننا نعبد إنسانًا مع الكلمة، حتى لا يظهر أن هناك انقسامًا باستعمال لفظة “مع” ولكننا نعبد واحدًا هو نفسه الرب حيث أن جسده لا يخص غير الكلمة الذي باتحاده به يجلس عن يمين أبيه. ليس كإبنين يجلسان مع الآب، بل كابن واحد متحد مع جسده الخاص. ولكن إذا رفضنا الاتحاد الأقنومى سواء بسبب تعذر إدراكه، أو بسبب عدم قبوله، نسقط في التعليم بإبنبن. لأنه توجد كل الضرورة للتمييز وللقول إنه من ناحية، كإنسان ذى وضع منفرد كُرِّم بصفة خاصة بتسميته “الابن”، وأيضًا من ناحية أخرى، فإن كلمة الله في وضع منفرد يملك بالطبيعة كلاً من اسم البنوة وحقيقتها. لذلك فإن الرب الواحد يسوع المسيح لا ينبغى أن يُقسَّم إلى ابنين.

 

          7 ـ إنه لن يكون نافعًا بأى طريقة، أن يكون التعليم الصحيح للإيمان هكذا، حتى لو أقر البعض بالاتحاد بين الأشخاص. لأن الكتاب لم يقل أن الكلمة قد وَحّد شخصًا من البشر بنفسه، بل أنه صار جسدًا[6] والكلمة إذ قد صار جسدًا لا يكون آخر. إنه اتخذ دمًا ولحمًا مثلنا. إنه جعل جسدنا خاصًا به، وولد إنسانًا من امرأة بدون أن يفقد لاهوته ولا كونه مولودًا من الله الآب، ولكن في اتخاذه جسدًا ظل كما هو. إن تعليم الإيمان الصحيح يحتفظ بهذا في كل مكان. وهكذا سوف نجد أن الآباء القديسين قد فكروا بهذه الطريقة. وهذا لم يترددوا في تسمية العذراء القديسة بوالدة الإله. وهم لم يقولوا إن طبيعة الكلمة أى لاهوته أخذ بداية وجوده من العذراء القديسة، بل أن جسده المقدس، المُحيىّ بنفس عاقلة، قد ولد منها، الذي به إذ اتحد الكلمة أقنوميًا، يقال عن الكلمة إنه وُلد حسب الجسد. وأنا أكتب هذه الأمور الآن بدافع المحبة التى في المسيح، حاثا إياك كأخ وداعيًا لك أن تشهد أمام الله وملائكته المختارين أنك تفكر وتعلم بهذه التعاليم معنا، لكي يُحفَظ سلام الكنائس سالمًا وتستمر رابطة الوفاق والمحبة غير منفصمة بين كهنة الله.

 

          8 ـ سلم على الاخوة الذين معك “الاخوة الذين معنا يسلمون عليكم في المسيح “[7] .

[1] أنظر يو 13:13

[2] أنظر مت 6:18

[3] أنظر 2كو 5:13

[4] أى مجمع نيقية

[5] أنظر عب 9:2

[6] يو 14:1

[7] الرسالة 4 أطلق عليها اسم “الرسالة العقائدية” وقد تمت الموافقة عليها بالإجماع في الجلسة الأولى لمجمع أفسس المسكونى الثالث في 2 يونيو 431م . ووافق عليها ليون بابا روما سنة450 م. وأقرها أيضًا مجمع خلقيدونية 451م ومجمع القسطنطينية سنة 553م. أنظر كواستن 133:3       Quasten 3:133 .

 

الرسالة رقم 4 من رسائل القديس كيرلس الاسكندرى إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي