خيانة يهوذا – إنجيل لوقا 21 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
خيانة يهوذا – إنجيل لوقا 21 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
خيانة يهوذا – إنجيل لوقا 21 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
خيانة يهوذا لتسليم المسيح
(تُقرأ يوم خميس السر) [1]
(لو37:21، 38): “ وَكَانَ فِي النَّهَارِ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي اللَّيْلِ يَخْرُجُ وَيَبِيتُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ. وَكَانَ كُلُّ الشَّعْبِ يُبَكِّرُونَ إِلَيْهِ فِي الْهَيْكَلِ لِيَسْمَعُوهُ “.
(لو1:22ـ6): ” وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ. فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاِثْنَيْ عَشَرَ. فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ. فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ “.
إن جَمْع اليهود سويًّا مع رئيسهم وقفوا ضد مجد المسيح وصارعوا ضد رب الكل، لكن يمكن لأي إنسان أن يُدرِك أنهم أعدوا فخَّهم ضد نفوسهم ذاتها، لأنهم حفروا لأنفسهم حُفَر هلاك، وكما يقول المرنم: ” تورَّطَت الأمم في الحفرة التي عملوها، في الفخ الذي أخفوه وقعت أقدامهم” (مز15:9س). لأن المخلِّص ورب الكل، مع أنَّ يمينه مقتدرة وقوَّته تهزم الموت والفساد معًا، لكنه أخضع ذاته طواعية باتخاذه الجسد ليذوق الموت لأجل حياة الكل، لكيما يوقف الفساد ويبطل خطية العالم، ويخلِّص الذين كانوا في قبضة العدو من طغيانه غير المحتمل. لكن ربما تخيَّلت تلك الحيَّة المتمرِّدة أنها قد سادت حتى على المسيح نفسه لكونه ـ كما قلت ـ عانى الموت في الجسد لأجلنا، كما تطلَّب التدبير (الإلهي)، ولكن ذلك الكائن التعيس قد خاب أمله.
إذن دعنا نرى كيف أخطأ الهدف وقذف (سهمه) بعيدًا عن الهدف حينما تآمر على المسيح وسلَّمه لأيدي أولئك الذين قتلوه. يقول (الكتاب): ” وكان في النهار يعلِّم في الهيكل وفى الليالي يَخرج ويبيت في الجبل الذي يُدعى جبل الزيتون “. ومن الواضح أنَّ ما كان يعلِّمه هي أشياء تفوق الخدمة الناموسية، لأنه قد حان الوقت الذي ينبغي أن يتغيَّر فيه الظل إلى الحقيقة، وهم كانوا يسمعونه بسرور، لأنهم كثيرًا ما تعجَّبوا منه: ” لأن كلامه كان بسلطان” (لو32:4)، لأنه لم يحدِّث الناس كمثل واحد من الأنبياء القديسين أو كموسى معلِّم الأقداس قائلاً: ” هكذا قال الرب…“، بل لكونه هو نفسه الذى تكلم منذ القديم بواسطة موسى والأنبياء، ولكونه رب الكل، فإنه حوَّل بسلطانٍ إلهي ما كان ممثلاً في الرمز وضعف الحرف إلى عبادة روحية، ” لأن الناموس لم يُكمِل شيئًا” (عب19:7).
وكما قلت، كان يقضى الليالي في جبل الزيتون، متحاشيًا أصوات الصخب التى كانت في المدينة، لكي في هذا الأمر أيضًا يكون مثالاً لنا، لأنه يجب على الذين يرغبون أن يحيوا حياة هادئة مطمئنة، أي مملوءة راحة، أن يتحاشوا على قدر المستطاع الازدحام والصخب.
لكن دعنا نرى خط سير خبث إبليس، وماذا كانت نتيجة خططه الماكرة ضد المسيح. فإنه قد زرع الحسد ضد المسيح في رؤساء مجمع اليهود، والذي وصل إلى حد القتل، لأن هذا الداء (الحسد) يُؤدِّي عادةً إلى جريمة القتل، فمثل هذه النتيجة كانت هي النهاية الطبيعية لهذه الرذيلة؛ فهذا ما حدث مع قايين وهابيل، وهكذا كان هذا واضحًا في حالة يوسف وإخوته. ولذلك فإن بولس الإلهى يجعل هذه الخطايا ـ مرتبطة معًا وقريبة إحداها للأخرى، لأنه يتكلم عن البعض قائلاً: ” مشحونين حسدًا وقتلاً” (رو29:1). لذلك طلب (اليهود) أن يقتلوا يسوع بتحريض الشيطان الذي غرس هذا الشر فيهم، والذي كان هو قائدهم في مؤامراتهم الشريرة، لأنه هو نفسه مخترِع القتل وأصل الخطية وينبوع كل شر. وماذا كانت الحيلة التى اخترعتها هذه الحية المتعدِّدة الرؤوس؟ يقول النص: ” فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الإسخريوطي وهو من جملة الاثنى عشر“. لماذا لم يدخل الشيطان في الطوباوي بطرس أو في يعقوب أو يوحنا أو أي واحد آخر مِن بقية الرسل بل في يهوذا الإسخريوطي (بالذات)؟ أيّ موضع وجده الشيطان فيه؟ فهو لم يستطع أن يقترب إلى أحد من بين كل الذين ذكرناهم هنا، لأن قلبهم كان ثابتًا ومحبتهم للمسيح كانت غير متزعزعة، لكنه وجد له مكانًا في الخائن، لأن داء الطمع المُر قد قهره وتسلَّط عليه، (هذا الداء) الذى يقول عنه بولس الطوباوي إنه ” أصل كل الشرور” (1تى10:6)، لأنه عندما سكبتْ امرأة طيبًا على المخلِّص ذات مرة، كان وحده من بين كل (التلاميذ) الذى وبَّخها قائلاً: ” لماذا هذا الإتلاف؟ لأنه كان يمكن أن يُباع هذا بكثير ويُعطى للفقراء“. لكن الإنجيلى الحكيم تكلَّم ـ إن جاز القول ـ ضد كلماته الزائفة، إذ أضاف في الحال قوله: ” قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقًا وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يُلقَى فيه” (يو6:12). والشيطان لكونه ماهرًا في عمل الشر، عندما يستحوذ على نفس أي إنسان، فإنه لا يهاجمه بواسطة الرذائل عمومًا، بل بالحرى يبحث عن الهَوَى الخاص الذي ينغلب منه (ذلك الشخص)، وبواسطة ذلك الهوى يجعله فريسة له. لذلك فلأن الشيطان عرف أنَّ يهوذا طمَّاع، فإنه اقتاده إلى الفريسيين والرؤساء، ووعدهم أنه سيخون معلمه. وهم قد دفعوا ثمن الخيانة، أو بالحرى ثمن هلاكهم بمال مقدس. آه! أيَّة دموع يمكن أن تكفى سواء على الذى خان يسوع مقابل أجر، أو لمن استأجروه فدفعوا ثمن جريمة قتل بمال مقدس! أيَّة ظلمة قد أتت على نفس الذى قِبل الرشوة! لأجل فضة قليلة خسر السماء وفقد إكليل الخلود وكرامة الرسولية المحبوبة، وحسبانه ضمن عداد الاثني عشر، الذين قال لهم المسيح في موضعٍ ما: ” أنتم نور العالم” (مت14:5). إنه لم يهتم بأن يكون نورًا للعالم، بل نسي المسيح الذي قال:” أنتم الذين تبعتموني في تجاربي، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا وتدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر” (مت28:19). لكنه لم يُرد أن يملك مع المسيح. يا لارتباك الضلال الذى أعمى ذهن هذا الإنسان الطمَّاع ! فإنه سلَّم للموت من هو أقوى من الموت. ألم تعلم أنه أقام لعازر من القبر في اليوم الرابع، وأنه بإشارة منه أقام ابن الأرملة وابنة رئيس المجمع؟ ألم تسمعه يقول لليهود فيما يخص جسده : ” انقضوا هذا الهيكل وفى ثلاثة أيام أقيمه ثانية؟” (يو19:2). هل نسيت كلماته: ” أنا هو القيامة والحياة“؟ (يو25:11). فماذا كان إذن سبب مثل هذا الجنون المطلق؟ يخبرنا الإنجيلي إذ يقول: ” فدخله الشيطان“، إذ قد جعل شهوة الطمع مَعْبَرًا وبابًا له. فإن ” التقوى مع القناعة تجارة عظيمة“، وكما يقول الكتاب المقدس: ” لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء” (1تى6:6و7). ” وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرَّة، تُغرق الناس في العطب والهلاك” (1تى9:6). والتلميذ الذى صار خائنًا هو برهان واضح على ذلك، إذ قد هلك لأجل قليل من الشواقل.
وماذا يقول المرء عمَّن استأجروه؟ الذين سقطوا في نفس العطب والهلاك معه، إنهم كانوا ضحايا لسُكْرٍ مماثل، مع أنهم كانوا يملكون شهرة في معرفة الناموس وكلام الأنبياء القديسين. كان من واجبهم أن يعرفوا معنى ما سبق أن قيل منذ القديم، الذي كان قد تقرَّر سابقًا من قِبَل الله بخصوصهم. لأن من بين هذه الكلمات أقوال مثل هذه: ” على الرعاة الأردياء اشتعل غضبى وأنا سأفتقد الخراف” (زك3:10س)، لأن الرعاة الأشرار هلكوا بطريقة شائنة، أما دعوة أولئك الذين كانوا مطيعين لأجل الخلاص، فقد كانت نوعًا من الافتقاد، لأن بقية مِن إسرائيل قد خلُصت. وكما لو كانوا بالفعل قد سقطوا في الخراب، لهذا كانوا يولولون ويبكون، فإن النبي يقول إنه سمع ” صوت ولولة الرعاة لأن فخرهم خرب، صوت زمجرة الأسود، لأن كبرياء الأردن خربت” (زك3:11س). يُطلق النبي لقب الأُسود على كبرياء الأردن ويشير بهم (أي بالأسود) إلى رؤساء المجمع اليهودي الذين بسبب المجازاة العادلة على شرِّهم ضد المسيح، ولولوا مع آبائهم وأبنائهم، لأنهم فنوا كما بنارٍ وسيفٍ، بينما هيكل أورشليم قد أُحرق أيضًا، وكل مدن اليهودية حل بها الخراب والدمار التام.
كان هذا هو مصيرهم، أمَّا المسيح فهو يخلِّصنا بإرادته الرحيمة، الذى به ومعه لله الآب يليق التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.
[1] يوصى القديس كيرلس أن تُقرأ هذه العظة يوم خميس العهد الذي تمَّ فيه تأسيس سر الشكر، ولذلك يسميه خميس السر.