أبحاث

الصلاة كل حين بدون ملل – إنجيل لوقا 18 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الصلاة كل حين بدون ملل – إنجيل لوقا 18 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

 

 

 

الصلاة كل حين بدون ملل – إنجيل لوقا 18 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الصلاة كل حين بدون ملل – إنجيل لوقا 18 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الصلاة كل حين بدون ملل – إنجيل لوقا 18 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(مثل المرأة وَقاضِي الظُّلْمِ)

(لوقا1:18ـ8):” وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلاً فِي أنهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ: كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: اَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي. وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا. فَإِنِّي لأَجْلِ أن هَذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي أُنْصِفُهَا لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي. وَقَالَ الرَّبُّ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟. أَقُولُ لَكُمْ أنهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً! وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟”.

المسيح هو ينبوع كل بركة ” الذي صار لنا حكمة من الله” (1كو 30:1) لأننا فيه صرنا حكماء وممتلئين بعطايا روحية، والآن فكل مَنْ هو مستقيم الرأي سيؤكد أن معرفة تلك الأشياء التي بواسطتها يمكننا أن نفلح في كل طريقة تختص بحياة القداسة السامية، والتقدّم في الفضيلة، هي هبة من الله، وهي تستحق تمامًا أن نربحها لأنفسنا. ونجد أحدهم يطلبها من الله قائلاً: ” أظهر لي يا رب طرقك وعلمني سبلك” (مز 4:24 س).

فالسبل التي تقود أولئك إلى حياة غير فاسدة، والذين يتقدَّمون فيها بحماس، هي سبل عديدة. ولكن هناك سبيل واحد يفيد أولئك الذين يمارسونه بنوع خاص ألا وهو الصلاة؛ والمخلِّص نفسه حرص على أن يعلّمنا بواسطة المَثَل الموضوع أمامنا الآن؛ أننا يجب أن نستخدمه باجتهاد. فهو يقول ” وقال لهم أيضًا مثلاً في أنه ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يُملّ”.

وأنا أؤكد أن واجب الذين أوقفوا حياتهم لخدمته ألاّ يكونوا متكاسلين في صلواتهم، وأيضًا لا يعتبرونها واجبًا شاقًا ومُتعبًا، بل بالأحرى أن يفرحوا، بسبب حرية الاقتراب التي منحها الله لهم، لأنه يريدنا أن نتحدّث معه كأبناء مع أبيهم. أفليس هذا إذًا امتيازًا جديرًا جدًّا بتقديرنا؟ فإذا افترضنا أننا نستطيع أن نقترب بسهولة من أحد الذين لهم سلطان أرضّي عظيم وكان متاحًا لنا أن نتحدَّث معه بمنتهى الحريّة، أما كنا نعتبر هذا سببًا لفرحٍ غير عادي؟

أي شك يمكن أن يكون في هذا؟ لذلك حينما يسمح الله لكّل منّا أن يقدِّم طلباته لأجل كل ما نريد وقد وضع أمام الذين يخافونه كرامة حقيقية عظيمة جدًّا وجديرة بأن نربحها، فليتوقف كل تكاسل يؤدي بالناس إلى صمت مؤذٍ، ولنقترب بالأحرى بتسابيح ونبتهج لكوننا قد أُمرنا أن نتحدَّث مع رب وإله الكل، والمسيح وسيط لنا، والذي يمنحنا مع الله الآب تحقيقًا لكل توسلاتنا، لأن الطوباوي بولس المبارك يكتب في موضع ما: ” نعمة لكم وسلام من الله أبينا ومن ربنا يسوع المسيح ” (2كو 2:1).

والمسيح نفسه قال في موضع ما لرسله القديسين: ” إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي، اطلبوا تأخذوا” (يو 24:16). لأنه هو وسيطنا وكفارتنا ومعزّينا، والواهب لكل ما نطلب. لذلك فمن واجبنا أن نصلي بلا انقطاع (1تس 17:5)، وبحسب كلمات المبارك بولس، عالمين تمامًا ومتيقنّين أن مَنْ نتوسل إليه هو قادر أن يتمّم كل شيء. والكتاب يقول: ” ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن المرتاب يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئًا من عند الرب” (يع 6:1و7). لأن المرتاب يرتكب فعلاً خطية الاستهزاء لأنك إن لم تؤمن أنه سيميل إليك ويفرّحك ويتمّم طلبك فلا تقترب منه على الإطلاق، لئلا توجد ملومًا من القدير في أنك ترتاب بحماقة. لذلك يجب أن نتحاشى هذا المرض الوضيع.

والمَثَل الحاضر يؤكد لنا أن الله سيُميل سمعه لمن يقدّمون صلواتهم بلا تكاسل ولا إهمال بل باجتهاد ومثابرة. لأنه إن كان المجيء المستمر للأرملة المظلومة قد تغلَّب على القاضي الظالم الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، حتى إنه رغمًا عن إرادته أنصفها، فكيف مَنْ يحب الرحمة ويبغض الإثم، ومن يقدِّم دائمًا يد المعونة لمَنْ يحبونه، فكيف لا يقبل أولئك المتقدِّمين إليه نهارًا وليلاً ولا ينصفهم إذ هم مختاروه؟

بل تعالوا الآن ولنفحص مَنْ هو هذا الذي يسيء إليهم، إن فحص هذا السؤال سوف يتولَّد عنه الكثير من النفع لكل مَنْ هم متعلِّمون جيدًا. إن الذين يسيئون إلى القديسين عددهم عظيم جدًّا، كما أنهم من أنواع مختلفة. إن الخدّام والمعلّمين الأطهار الذين يفَصِلّون كلمة الحق باستقامة يهاجمهم أعداء الحق بعنف، هؤلاء الذين يجهلون التعاليم المقدَّسة، وهم بعيدون عن كل استقامة، ويسيرون في طرق معوّجة بعيدة عن الطريق المستقيم والملوكي، إن مثل هؤلاء هم عصابات الهراطقة الدنسين والنجسين، الذين يستحقون أن يدعوا أبواب الهلاك. هؤلاء يضطهدون ويضايقون كل مَنْ يسير باستقامة في الإيمان. وكرجال سكارى بالخمر لا يستطيعون الوقوف فيمسكون بمَنْ هم قريبّين منهم حتى لا يسقطوا على الأرض بمفردهم.

كذلك أيضًا هؤلاء الذين بسبب أنهم مُقعَدُون وعُرج يجلبون الدمار لغير الثابتين. ينبغي لكل مَنْ هم معروفون لدى الله أن يُقدِّموا توسلات من جهة هؤلاء الناس، مقتدين في هذا بالرسل القديسين الذين صاحوا ضد شر اليهود وقالوا: ” والآن يا رب انظر إلى تهديداتهم وامنح عبيدك أن يتكلَّموا بكلامك بكل مجاهرة” (أع 29:4).

لكن ربما يقول قائل، قال المسيح في موضع ما للرسل القديسين: ” أحبوا أعداءكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم” (لو 27:6 و28)، فكيف يمكننا أن نصرخ ضدهم بدون أن نكون بذلك قد احتقرنا وصية إلهية!

على هذا نجيب قائلين: هل إذن نصلِّي أن يعطيهم الله القوة والجسارة حتى يهاجموا بشدة أكثر أولئك الذين يمدحون أعماله ولا يسمحون لهم بالتعليم هؤلاء الذين يقاومون مجد مَنْ نوجِّه له توسلاتنا؟ كيف لا يكون هذا منتهى الحماقة؟ لذلك عندما تكون الإساءات المرتكبة في حقنا شخصية، نعتبره مجدًا لنا أن نغفر لهم، ونكون مملوءين بالمحبة المتبادلة ونقتدي بالآباء القديسين حتى لو ضربونا واحتقرونا، حتى لو أصابونا بكل أنواع العنف فلا نوجّه لهم أي لوم ونتسامى على الغضب والغيظ. إن مثل هذا المجد يليق بالقديسين كما أنه يُسرُّ الله.

لكن عندما تُوجَّه أي خطية ضد مجد الله، وعندما تتكدَّس الحروب والمضايقات ضد الذين هم خدام للرسالة الإلهية، عندئذ نتقدَّم في الحال إلى الله طالبين معونته صارخين ضد مَنْ يقاومون مجده، مثلما فعل أيضًا موسى العظيم، لأنه قال: ” قم يا رب فلتتبدد أعداؤك ويهرب مبغضو اسمك من أمامك” (عدد 35:10 س)، كما تبيّن أيضًا الصلاة التي نطق بها الرسل القديسون أنه ليس أمرًا عديم المنفعة لأجل نجاح الرسالة الإلهية وإضعاف يد المضطهدين. ويقول الرسل: ” انظر يا رب إلى تهديداتهم”، أي أجعل مقاومتهم لنا باطلة، “وامنح عبيدك أن يتكلَّموا بكلامك بكل مجاهرة” (أع 29:4).

لكن أن يوجد أناس يتاجرون بكلمة الحق ويؤثِّرون على كثيرين ليتخلّوا عن الإيمان الصحيح ويورِّطونهم في اختراعات الضلال الشيطاني ويدفعون بهم ـ كما يقول الكتاب ـ ليتكلّموا بأمور تخرج من قلوبهم “وليس من فم الرب” (إر 16:23 س)، فهذا ما قاله الرب: ” متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض؟”.

إنه لا يغيب عن معرفته، وكيف يمكن أن يكون هذا وهو الإله الذي يعرف كل الأشياء؟ فهو يخبرنا إذًا بحسب كلماته هو نفسه أن ” محبة الكثيرين تبرد” (مت 12:24)، ” وأنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان الصحيح غير الملوم تابعين أرواحًا مضلة وتعاليم شياطين في رياء أقوال كاذبة لأناس موسومة ضمائرهم” (1تي 1:4 و2). ونحن كخداّم أمناء نتقدَّم إلى الله ضد هؤلاء متوسِّلين إليه أن يلاشي ويبطّل شرّهم ومحاولاتهم ضد مجده.

ويوجد آخرون أيضًا ممن يسيئون إلى خدّام الله. ينبغي أن نقاومهم بالصلاة. ومَنْ هم هؤلاء؟ هم القوّات الشريرة المضّادة، والشيطان عدونا جميعًا، الذي يقاوم بشراسة أولئك الذين يعيشون حسنًا، والذي يوقع في مصائد الشر كل من ينام، والذي يزرع فينا بذار كل خطية، لأنه مع أتباعه يحارب ضدنا بشراسة.

لأجل هذا يصرخ المرنِّم ضدهم قائلاً: ” إلى متى تميلون على الإنسان، ستقتلون جميعًا كجدار مائل وسياج منحنٍ” (مز 3:61 س) لأنه مثل حائط مائل على جانب واحد، ومثل سياج ينحني كأنه تفكّك ويسقط حالاً حينما يدفعه أي واحد عليهم، كذلك أيضًا ذهن الإنسان بسبب ميله الخاص الكبير إلى محبة اللذّات العالمية، فإنه يسقط فيها حالاً بمجرد أن يجتذبه أحد إليها ويغريه بها. ولكن هذا هو عمل الشيطان، ولذلك نقول في صلواتنا لمن هو قادر أن يخلّص وقادر أن يدفع بعيدًا عنا ذلك الكائن الشرير: ” انصفني من خصمي”. وهذا ما قد فعله كلمة الله الوحيد الجنس بصيرورته إنسانًا، لأنه طرح رئيس هذا العالم من طغيانه علينا، وخلّصنا ونجانا ووضعنا تحت نير ملكوته.

لذلك فما أروع أن نطلب بصلاة دائمة، لأن المسيح سيقبل توسلاتنا، ويتمّم طلباتنا، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

 

الصلاة كل حين بدون ملل – إنجيل لوقا 18 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد