آبائيات

ماني والمانوية ووراثة الخطية – د. أنطون جرجس

ماني والمانوية ووراثة الخطية – د. أنطون جرجس

ماني والمانوية ووراثة الخطية - د. أنطون جرجس
ماني والمانوية ووراثة الخطية – د. أنطون جرجس

لقد تحدثنا في البوست السابق عن الغنوسية وتعليم وراثة الخطية الأصلية عندها، ننتقل الآن للحديث عن ديانة أخرى تعتبر امتدادًا للديانة الغنوسية، وكانت عبارة عن مزيج من الغنوسية، والمسيحية، والديانات الشرقية القديمة، ألا وهي الديانة المانوية، وسنفحص تعليم وراثة الشر والخطية والسقوط فيها.

يتحدث چ. ج. دافز J. G. Daves وچيراردو چنولي Gherardo Gnoli عن طريقة خلق آدم وحواء، وعقيدة الخلاص في المانوية كالتالي:

“يحدث خلق العنصر البشري وفق ما يلي: حبلت الشيطانات، والفضل في ذلك يعود إلى تبرير من الرسول (ماني)، وأنجبت مسوخًا، وابتلعت هذه المسوخ النباتات لتمتص النور الموجود فيها. بعد ذلك ومن أجل احتباس النور بطريقة أكثر أمنًا، فإن الظلمة (المادة) تتجلى في هيئة آز (ميل/ نزعة/ أمنية بالإيرانية الحديثة) الذي هو تجسيد للشبق، وتدفع الشيطان آشاغلوم والشيطانة نمرائيل إلى التهام المسوخ، ثم إلى التزواج فيولد منهما الزوجان البدائيان (الأولان) آدم وحواء. ثم يبدأ عمل الخلاص عند هذه النقطة. فآدم الذي أبقي في حالة جهل (أي الخطية) ضمن شراك المادة، يجري إيقاظه من غفلته عن طريق نفسه بواسطة مخلص هو ابن الله الذي أرسلته القوة العلوية، والذي يتطابق مع الإنسان القديم، أو مع يسوع بعد ذلك، ومع إله العقل (النوس)، حيث يقوم المخلص بتنبيه آدم من رقاده (رقدته) ويُطلعه على الحقيقة، ويُريه روحه التي تعاني في عالم المادة (الشر)، ويكشف له الأصول الشيطانية لجسده، والأصول السماوية لنفسه. عندها يعرف آدم ذاته وروحه بفضل العرفان (الغنوص) ويصحو من غفوته”.

چ. ج. دافز وچيراردو چنولي، مقالة بعنوان (المانوية)، موسوعة تاريخ الأديان (الزاردشتية – المانوية – اليهودية – المسيحية)، ترجمة: عبد الرازق العلي ومحمود منقذ الهاشمي، تحرير: فراس السواح، الكتاب الخامس، ص ٨١، ٨٢.

ثم يستطرد دافز وچنولي في الحديث عن تعليم وراثة الخطية بالتناسل والشهوة الجنسية مثلما نجده في عقيدة وراثة الخطية الأصلية بالتناسل والشهوة الجنسية والإنجاب الشهواني عند أوغسطينوس كالتالي:

“المرحلة الثالثة: هي الحرب الكبرى بين قوى الخير وقوى الشر، حيث يحاول أمير الظلام يائسًا نشر الشر في العالم من خلال التوالد الذي يأتي إلى العالم بأشخاصٍ ماديين من أجل احتباس مزيد من عناصر النور. وبالمقابل يحاول العظيم الأول نشر الخير من خلال قواعد الدين الصحيح. وهكذا يجري تحرير النور من خلال إعاقة دورة التناسخ (التناسل)، عندما تتحرر الروح من خلال المعرفة. بعد أن تنتصر كنيسة الحق ستُحاسب الأرواح ويصعد المختارون إلى السماء. بعد ذلك سوف يتطهر العالم من خلال نار مضرمة مدمرة تدوم ١٤٦٨ سنة. وسوف تتبقى جميع ذرات النور أو معظمها. وتُحبس المادة وكل تجسداتها مع ضحاياها الخاسرين في كرة داخل فوهة عملاقة تُغطى بحجر. وهكذا يتحقق فصل الأصلين إلى آبد الآبدين”.

المرجع السابق، ص ٨١، ٨٢.

ثم يتحدث العالم چيو وايدينغرين في نفس السياق عن عقيدة خلق الإنسان في المانوية وتوارث الخطية بالتوالد والتناسل فيها كالتالي:

“لقد طورت المادة في الشخص ذي الشهوة الجسدية خطة تآمرية استهدفت الاحتفاظ ببذرة النور التي بقيت لها حتى الآن، وقضت هذه الخطة بتركيز جزء كبير من النور في خلقة الفرد، وذلك كقوة موازية للخلق السماوي، ولتنفيذ ذلك، جرى اختيار شيطان مذكر اسمه أشقلون وشيطانة مؤنثة اسمها نامارائيل، وكيما يتم تمثيل ذرات النور التي كانت قد سقطت على الأرض، والتي كانت موجودة في إجهاضات الحكام، فابتلع أشقلون جميع الحيوانات المخيفة التي كانت مذكرة، في حين قُدمت الحيوانات المخيفة المؤنثة لنامارائيل، وبعد هذا تزوج أشقلون نامارائيل فأنجبا آدم وحواء أول المخلوقات البشرية. وهكذا نشأ الجنس البشري – بما لا شك فيه- من مزيج مقزز للنفس من أعمال آكل لحوم البشر والممارسات الجنسية، وكان جسد الإنسان بمثابة مظهر حيواني صرف للحكام، وكانت شهوته شهوة جنسية مسيرةً له تمشيًا مع خطة المادة (الشر) للإنجاب والولادة، فهذا هو ميراث الإنسان من أصله الحيواني”.

چيو وايدينغرين، ماني والمانوية، ترجمة: د. سهيل ذكار، ص ٨٤، ٨٥.

See also Duncan Greenlees, The Gospel of The prophet Mani, (California, SanDiego: The Book Tree, 2007), pp. 30-38.

Geo Widengren, Mani and Manichaeism, (New York, 1985).

ثم يتحدث چيو وايدنغرين عن عقيدة الفداء والخلاص في المانوية كالتالي:

“لكن عالم النور لم يكن قادرًا ولا راغبًا بترك الإنسان تحت رحمة عالم الشر، فتجمع في آدم الجزء الأكبر من النور المحتجز والمتبقي، وذلك هو السبب في أنه أصبح الموضوع الأول لجهد الفداء من قِبل عالم النور. وجرى بذل الجهد حسب النمط نفسه لافتداء الإنسان الأول، فقد خُلق آدم أعمى وأطرش، وغير مدرك تمامًا لوميض النور في داخله وذلك استجابةً لتحريض المادة، وكانت تحيط به ضحية من ضحايا الشياطين، فقد كان غارقًا في سبات عميق وظل كذلك حتى اقترب المخلص منه – ويتم وصف المخلص الذي هو إظهار وتمثيل للرسول الثالث بشكل متنوع، فهو يُسمى حينًا باسم ابن الله، أو أهرمزد (أي الإنسان الأول)، أو يسوع النور المتألق، أو يسوع، وبالطبع إن اسمي أهرمزد ويسوع ينتميان كل على حدة إلى التقاليد الإيرانية والسريانية، ومن المؤكد أنه ابن الله، والتجسيد المعقول للمخلص داخل إطار النظام، فهو إما نؤوس أو واهمان (منواهميد)”.

المرجع السابق، ص ٨٢، ٨٣.

ويقدم چيو وايدنغرين مفاجأة كبرى بخصوص تأثر الأديان في بلاد الرافدين والمسيحية السريانية بالمانوية وطقوسها في وصف عملية الفداء كالتالي:

“لقد مارست هذه الطقوس القديمة نفوذها على وصف عملية الفداء ليس في المانوية فحسب، بل في المسيحية السريانية أيضًا، كما أن الأديان التي اتخذت لنفسها مكانًا في بلاد الرافدين لم تستطع كليًا أن تفلت من تأثير هذه الحضارة الطبيعية المديدة، وبقدر ما يعني الأمر ماني، نجد أن دراما تموز قد زودته بنقطة البداية لميثولوچيته الرمزية لعملية الفداء وليس أكثر من ذلك، فقد أخذ تفسيره لعملية الفداء من تأمل لاهوتي هندي-إيراني، زود هذه الرؤيا الشرقية القديمة للحوادث التي تصل ذروتها بعملية الفداء بدلالة فلسفية أكثر عمقًا”.

المرجع السابق، ص ٨٤، ٨٥.

نستنتج من هنا تشابه تعليم وراثة الخطية الأصلية بالتناسل والشهوة عند أوغسطينوس مع انتقال الخطية عبر الجسد أو المادة التي عبرت عنها التعاليم المانوية في تعليمها عن خلق الإنسان وتناسخ أو توالد البشر كمخطط من إله الظلمة (الشر) لحبس ذرات النور (المقصود بها الروح الإنسانية الصادرة من إله النور) في الجسد أو المادة في إطار حربه الكبرى مع إله النور (الخير).

ماني والمانوية ووراثة الخطية – د. أنطون جرجس