هل دارت أحداث التوراة في الجزيرة العربية كما زعم أحد الكتَّاب؟
322- هل دارت أحداث التوراة في الجزيرة العربية كما زعم أحد الكتَّاب؟
يقول كمال الصليبي أن إبراهيم وإسحق ويعقوب عاشوا في الجزيرة العربية(12) كما يقول عن قصة يوسف ” يمكننا في الواقع، أن نتتبع أحداث الرواية التوراتية لقصة يوسف على خريطة عسير بكل سهولة، لما في هذه الرواية من أسماء أماكن مازالت هناك.. ليس هناك في الرواية التوراتية لقصة يوسف، إذًا، أي لبس من ناحية جغرافيتها إذا نحن اعتبرنا أنها تتعلق بأرض سعير، وليس بأرض فلسطين ومصر وادي النيل”(1).
كما يقول كمال الصليبي ” أما نحن فقد تحققنا من خلال تحليلنا لقصة يوسف بأن أرض مصرايم التي نزلها بنو إسرائيل وأقاموا بها لم تكن بلاد مصر الأم، بل المستعمرة المصرية القديمة المعروفة باسم مصرايم، وهي الآن قرية المصرمة بحوض وادي بيشة من داخل عسير”(2) وأيضًا يقول كمال الصليبي بأن بني إسرائيل خرجوا من الجزيرة العربية إلى اليمن ” وبعد أن أذن المصريون للعبرانيين بالخروج من أرضهم، حاول هؤلاء أن يتجهوا نحو اليمامة عن طريق الخماسين بوادي الدواسر، فوجدوا هذا الطريق مقفلًا أمامهم، فاتجهوا من جوار الخماسين نحو الجنوب في محاولة ثانية للوصول إلى اليمامة عن طريق وادي حبونا، ولحق بهم المصريون إلى هناك ليمنعوهم من الخروج عن هذا الطريق أيضًا، ولكن العبرانيين كانوا قد تمكنوا من الخروج من هناك قبل وصول المصريين. وكان الطقس ممطرًا آنذاك على ما يبدو، وفوجئ المصريون وهم في طريق عودتهم من وادي حبونا بسيل عظيم أهلك أعدادًا منهم.. وكان موسى على علم بالأمر، فلم يستمر في الاتجاه بشعبه نحو اليمامة.. فاتجه بهم جنوبًا من بلاد بام إلى داخل اليمن. ثم عرج بهم نحو الشمال حتى وصلوا إلى منطقة جيزان بأرض تهامة”(3) بل أكثر من هذا إن كمال الصليبي قال بأن جنة عدن كانت في الجزيرة العربية، وأن آدم عاش في منطقة جبل آدم باليمن إلى الجنوب من صنعاء(4).
ج: دار كتاب ” خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل ” لكاتبه كمال الصليبي حول موضوع واحد، وهو أن أحداث التوراة دارت في الجزيرة العربية، ففيها عاش إبراهيم ومن بعده إسحق ويعقوب ويوسف وشعب بني إسرائيل، وأخذ منه بعض الكتَّاب، بينما عارضه الكثيرون للأسباب الآتية:
1- يُسقط كمال الصليبي من اعتباره كل ما قام به علماء الآثار في أرض فلسطين، ومطابقة ما وصلوا إليه من اكتشافات أثرية مع ما جاء في التوراة.
2- يُسقط كمال الصليبي من اعتباره كل الجهود التي قام بها علماء اللغات القديمة، وكل جهود علماء التاريخ، الذين أكدوا على أن أحداث التوراة تمت في فلسطين وليس بلاد الغرب.
3- لو كانت السجلات الأشورية والمصرية تتحدثان عن الجزيرة العربية، وقد فُهِم خطأ أنها تتحدث عن بلاد الشام، فأين السجلات الأشورية والمصرية اللتان تتحدثان عن بلاد الشام؟! ومن يقدر أن يغفل أهمية بلاد الشام بالنسبة لآشور ومصر وهي أكثر كثيرًا من بلاد الجزيرة العربية؟!
4- لقل نقل كمال الصليبي ليس تاريخ اليهود فقط بل وتاريخ كل الشعوب المحيطة بهم، مثل الكنعانيين والأراميين والموآبيين والعمونيّين إلى غرب الجزيرة العربية، بينما تاريخ هذه الشعوب القديمة ثابت في منطقة مصر والهلال الخصيب.
5- خالف كمال الصليبي القرآن الذي أوضح بأجلى بيان أن قصة يوسف حدثت في مصر، وكذلك إقامة بني إسرائيل، وخروجهم على يد موسى النبي، كما رأينا في س 320 من اقتباسات القرآن من التوراة.
6- من الثابت تاريخيًا أن معركة قادش سنة 1286 ق.م. قد دارت رحاها على ضفة نهر العاصي بين رمسيس الثاني (1290-1224 ق.م.) وبين الحثيّين، وقد انتصر فيها رمسيس الثاني، بالرغم من أن الحثيين كانوا قد أرسلوا جاسوسين لرمسيس الثاني فخدعاه، وأبلغاه أن ملك الحثيّين يعسكر في الشمال في “ترنيب” (حلب) لأنه يخشى لقاء فرعون مصر رمسيس الثاني، بينما كانت جيوش الحيثيّين تدق أبواب المعركة، ومع هذا فإنه بفضل شجاعة رمسيس الثاني وإقدامه استطاع أن يحرز النصرة عليهم، وألقى بجثثهم في نهر العاصي، واستمرت المناوشات بين الإمبراطوريتين لمدة ستة عشر سنة انتهت بعقد معاهدة بينهما، وقد تم اكتشاف نسختين من المعاهدة احدهما باللغة الحيثية في مدينة ” حاتوسس ” عاصمة الحيثيّين حينذاك، والثانية سُجلت نقشًا على جدار معبد أمون في طيبة بمصر باللغة الهيروغليفية، وأعقب هذه المعاهدة زواج رمسيس الثاني من “حاتوشيلي” ابنة ملك الحيثيّين(5).
7- من النصوص الأدبية المصرية رسالة كاتب القصر الملكي والذي يعد بمثابة سكرتير خارجية، ويدعى ” أمين – رام – أويت “، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويوجه هذه الرسالة إلى موظف رسمي تحت التدريب يتهيأ للسفر خارج أراضي المملكة، فيحدثه عن جغرافية بلاد الشام ومدنها ومواقعها التي يفترض كمال الصليبي أنها تقع في غرب الجزيرة العربية(6).
8- من أمثلة إدعاءات كمال الصليبي الكثيرة أنه ادعى أن ” بيت شان” (يش 17: 11، قض 1: 27، 1صم 31: 10، 1 مل 4: 12، 1 أي 7: 29) ليست في أرض فلسطين، إنما تمثل منطقة ” الشينة ” في منطقة الطائف بالجزيرة العربية، فرد عليه فراس السواح معلقًا على النصب التذكاري الذي تم اكتشافه في فلسطين ويحمل أخبار انتصار سيتي الأول على أعدائه الذين تجمعوا في بيت شان، فيقول ” وبذلك يقدم لنا نص سيتي الأول دليلًا قاطعًا مزدوجًا، فمدينة بيت شان التوراتية قد تم العثور عليها في أرض كنعان، والبينة عليها ليست أركيولوجية (أثرية) فحسب بل وكتابية أيضًا، إذ يظهر بوضوح اسم المدينة في النص المكتشف بين أنقاضها، ومن ناحية أخرى يثبت هذا النص أن الحملات المصرية كانت موجهة نحو سورية وفلسطين لا نحو غرب شبه الجزيرة العربية، وإلاَّ كيف يترك فرعون مصر حجرًا تذكاريًا في فلسطين يخلد فيه انتصار حقَّقه في ” عسير” (بالجزيرة العربية) إضافة إلى ذلك فقد تم العثور في موقع بيت شان على نصب تذكاري ثانٍ تركه سيتي الأول.. نفهم منه أن الفرعون قد صدَّ هناك هجمات العابيرو القادمين من الأردن. كما عُثر على تمثال للفرعون ” رمسيس الثالث ” وعلى نص تركه أحد القادة العسكريين في حملة هذا الفرعون ضد شعوب البحر، يحكي عن وصول الجيش المصري إلى شمال فلسطين سعيًا وراء فلول القوات المتراجعة.
أمام كل هذه الحقائق التاريخية والأركيولوجية، لا نستطيع الاتفاق مع كمال الصليبي في نقل ” بيت شان ” إلى غرب الجزيرة العربية، حيث وجَدَ مكانها في موقع ” الشينة ” في منطقة الطائف(11) ولا نستطيع مجاراته في القول بأن الباحثين في شتى المشارب قد أساؤوا تفسير السجلات الطبوغرافية المصرية، وهو قول ما أنفك يُردّده عبر كتابه”(7).
9- من أمثلة إدعاءات كمال الصليبي أيضًا أنه ادعى بأن ” كركميش (2 أي 35: 20، أش 10: 9، أر 46: 2) هي “قر – قماشة” التي تقع غرب الجزيرة العربية، فرد عليه فراس السواح قائلًا ” يتم عبور الفرات إذًا من بيت عديني على الجهة الشرقية للفرات إلى كركميش الواقعة على الجهة الغربية، فما يستتبع أن تكون كركميش هذه هي كركميش الشام، لأن ” قر – قماشة ” غرب العربية التي وجدها الصليبي في جنوب الطائف بالحجاز”(8).. ” ويستتبع ذلك أيضًا أن المواجهة بين الفرعون ” ننخو ” والبابليّين الواردة في سفر أخبار الأيام الثاني 35: 20 وإشعياء 10: 9 وأرميا 46: 2 قد جرت عند فرات وكركميش الشام لا قرب الطائف في جنوب الحجاز”(9) نقرأ في أرميا 46: 1، 2 {كلمة الرب صارت إلى أرميا النبي في الأمم. عن مصر عن جيش فرعون نخو ملك مصر الذي كان على نهر الفرات في كركميش الذي ضربه نبوخذ راصر ملك بابل..}(10).
_____
(1) خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل ص 159، 163.
(2) خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل ص 213.
(3) المرجع السابق ص 262، 263.
(4) راجع خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل ص 28، 43.
(5) راجع فراس السواح – الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم ص 66 – 69.
(6) راجع فراس السواح – الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم ص 69 – 72.
(7) الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم ص 63، 64.
(8) المرجع السابق ص 37.
(9) المرجع السابق ص 37.
(10) المرجع السابق ص 89.
(11) ص 209 – 210.
(12) راجع خفايا التوراة وأسرار شعب الله ص 131 – 133، ص 141-146.