سؤال وجواب

كيف يُميّز الله شعب بني إسرائيل عن سائر شعوب الأرض..؟ ولماذا اختار الله هذا الشعب بالذات..؟ وعلى أي أساس تم هذا الاختيار..؟ ألا يظهر هذا أن الله إنما هو إلهًا عنصريًّا متحيّزًا؟

108- كيف يُميّز الله شعب بني إسرائيل عن سائر شعوب الأرض..؟ ولماذا اختار الله هذا الشعب بالذات..؟ وعلى أي أساس تم هذا الاختيار..؟ ألا يظهر هذا أن الله إنما هو إلهًا عنصريًّا متحيّزًا؟

أولًا: اختيار الله لشعبه

ج: الحقيقة أن عقيدة الاختيار عقيدة ثابتة {وقد تعرض لها القرآن عندما قال للعرب ” كنتم خير أمة أُخرجت للناس” (سورة أل عمران 110)} ولكن يجب أن نفهم أولًا: ما هي عقيدة الاختيار..؟ هناك ثلاثة مفاهيم لعقيدة الاختيار:

أ – الاختيار الشامل:

بمعنى أنه مادام الله خلق الجميع على صورته ومثاله، فلابد أن يختار كل البشر وجميع الشعوب بقدر متساو، والاختيار بهذا المفهوم الشامل ينسجم تمامًا مع العدل الإلهي، ولكن الاختيار بهذا المفهوم أيضًا لا يتمشى مع الواقع.. لماذا..؟ لأن الله خلق الإنسان حرًا مريدًا، ونظرة إلى تاريخ البشرية، نشاهد بوضوح كثرة الذين يرفضون ملك الله على حياتهم، وإصرارهم على تحدياتهم وأخطائهم، ومع كل هذا فإن الله يحترم تمامًا حرية الإنسان، فلم ولن يختار شخصًا ولا شعبًا رغم إرادته.. نعم إن الله خلق جميع البشر على صورته ومثاله، ولكن ليس الجميع يطلبونه ويرغبونه ويترجون وجهه، فالبشر يتمايزون عن بعضهم البعض، وهكذا الشعوب أيضًا، والله يحترم إرادة هذا وذاك، ولذلك فإن عقيدة الاختيار الشامل لا بُد أنها ستتعارض مع حرية الإنسان في تقرير مصيره.

ب – الاختيار الجزئي:

بمعنى أن الله يختار الجزء ويهمل كل البقية.. يختار البعض ويرفض الآخرين، وهذا الاختيار هو ضد العدل الإلهي الكامل، ولذلك لم يقر الله عقيدة الاختيار بهذا المفهوم.

ج – الاختيار المتدرج من الجزء للكل: 

بمعنى أن يختار الله عجينة صغيرة صالحة، وبها يخمر العجين كله، يختار الجزء مؤقتًا ليكون له الكل فيما بعد، وهذا ما حدث عندما اختار الله إبراهيم، فقد رأى الله في إبراهيم الاستعداد الطيب للحب والطاعة والإيمان، حتى أنه عندما طلب منه أن يخرج من بلده ويترك قومه وعشيرته والذين يعبدون الأصنام أطاع إبراهيم على الفور بلا نقاش ولا مجادلة ولا دمدمة ” وقال الرب لإبرام أذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أُمة عظيمة وأُباركك وأُعظم أسمك وتكون بركة وأُبارك مُبارِكيك ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض. فذهب إبرام كما قاله له الرب” (تك 12: 1 – 4) ويقول معلمنا بولس الرسول ” بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي. بالإيمان تغرَّب في أرض الموعد” (عب 11: 8، 9) وسار إبراهيم مع الله بأمانة وحب وإخلاص، للدرجة التي قدم فيها ابنه وحيده إسحق ذبيحة لله، واثقًا أن الله قادر أن يقيمه من الموت بعد ذبحه ” بالإيمان قدم إبراهيم إسحق وهو مُجرَّب قدم الذي قبل المواعيد وحيده. الذي قيل له أنه بإسحق يدعى لك نسل. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضًا” (عب 11: 17 – 19) وقال الرب له ” بذاتي أقسمت يقول الرب إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك. أُباركك مباركة.. ويتبارك في نسلك جميع أُمم الأرض من أجل أنك سمعت لقولي” (تك 22: 16 – 18) وفعلًا جاء من نسل إبراهيم السيد المسيح الذي به تباركت كل أُمم الأرض، ويقول معلمنا بولس الرسول ” وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه في واحد في نسلك الذي هو المسيح” (غل 3: 16).

وهكذا اختار الله إبراهيم، واختار إسحق دون إسماعيل، واختار يعقوب دون عيسو، واختار شعب بني إسرائيل دون بقية شعوب العالم، ويقول الأب منيف حمصي ” الله يدخل تاريخ الإنسان عبر بوابة شعب إسرائيل وذلك ليستودعه تدبير قصد الخلاص. لهذا السبب بالضبط نسمع في الكتاب أن هذا الشعب هو خادم الله (أش 44: 21) ومختار الله (أش 45: 4) وابنه البكر (خر 4: 22) وميراثه (أش 19: 25) وعروسه (هو 2: 14 – 20) إسرائيل على هذا الأساس.. مركز للتاريخ المقدَّس.. محور تاريخ الخلاص.. هذا الشعب الأضعف بين الشعوب، قد تحوَّل بفعل اختيار الله له، إلى مركز لكل التاريخ المقدَّس، وإلى نواة تنطلق منها بركات الله ونعمه إلى سائر الشعوب”(1).

ولم يكن اختيار الله لشعب بني إسرائيل هو الهدف النهائي لله، إنما وسيلة لجذب العالم كله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. “لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع” (غل 3: 14)، فيقول الأب منيف حمصي ” الشعب الإسرائيلي ليس غاية الاختيار، ولا ينحصر فيه معنى الاختيار. لم يكن اختيار الله له كهدف بحد ذاته، بل كأداة وكخميرة، أولًا: ليتقدَّس هذا الشعب، ومن ثمَ ليتحول إلى أداة بها تتقدَّس سائر الشعوب الأخرى. الشعب المختار هو أداة تتقدَّس بها سائر الشعوب الأخرى. الشعب المختار هو أداة لتقديس الخليقة كلها.. الشعب المختار هو القناة التي تنتقل عبرها إرادة الله وقداسته.. الشعب المختار هو أداة لتقديس الاختيار الإلهي الجزئي، ولا يكتمل بمجرد اختيار إسرائيل، إنما كماله هو في قداسة الأمم من خلال إسرائيل”(2).

والاختيار هبة مجانية من الله، فقد اختار الله شعب إسرائيل وهو شعب صغير، ولم يكن بقوة وعظمة وحضارة الشعوب الأخرى، ولذلك قال الله لهم ” إياك قد اختار إلهك لتكون له شعبًا أخصَّ من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. ليس من كونكم أكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم واختاركم لأنكم أقل من سائر الشعوب. بل من محبة الله إياكم وحفظه القسم الذي أقسم لآبائكم” (تث 7: 6 – 8) وهذا ما نلاحظه أيضًا في العهد الجديد، فقال السيد المسيح لتلاميذه ” ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر” (يو 15: 16).. لقد ” اختار الله جُهَّال العالم ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود. لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه” (1كو 1: 27 – 29).

وليس معنى اختيار الله لشعب معين أنه يحابي هذا الشعب على حساب الشعوب الأخرى. حاشا، فالله لا يكيل بمكيالين، ولا يزن بميزانين، ولا يحابي بالوجوه، لأنه لو حابى الله شعبًا على حساب الشعوب الأخرى لكان إلهًا ظالمًا، ويقول الأب منيف حمصي ” الاختيار لا يعني ارتباط الله بشعب واحد على حساب الشعوب الأخرى. إن كان الأمر هكذا، كان لزامًا علينا القول أن الله ظالم، وغير عادل، وعديم المحبة. إذا كان الاختيار المذكور يُلزم الله بالشعب المختار فقط، كأن الله تباعًا (دمية) في يد مختاريه لأنه لا يستطيع الخروج على مشيئتهم. وهذا مستحيل”(3).

وليس معنى أن الله اختار بني إٍسرائيل شعبًا له، أنه أغمض عينيه عن خطاياهم وتعدياتهم، إنما سقطوا تحت تأديبات الله الشديدة كما سنرى في الفصل الثالث، وعندما رفضوا المخلص رفضهم الله، وتحقق فيهم قول السيد المسيح ” إن ملكوت الله ينزع منكم ويُعطي لأمَةٍ تعمل أثماره” (مت 21: 43).

_____

(1) هل يُلغى العهد القديم ص 150.

(2) المرجع السابق ص 157، 158.

(3) هل يُلغى العهد القديم ص 135.

108- كيف يُميّز الله شعب بني إسرائيل عن سائر شعوب الأرض..؟ ولماذا اختار الله هذا الشعب بالذات..؟ وعلى أي أساس تم هذا الاختيار..؟ ألا يظهر هذا أن الله إنما هو إلهًا عنصريًّا متحيّزًا؟