ما هي أهم الحجج التي أقامها أصحاب النقد لرفض العهد القديم؟
107- ما هي أهم الحجج التي أقامها أصحاب النقد لرفض العهد القديم؟
خامسًا: حجج القائلين بإلغاء العهد القديم والرد عليها
ج:
الذين تنكروا للعهد القديم، ودعوا إلى رفضه ساقوا حججًا عديدة للتخلص من العهد القديم، وأهم هذه الحجج ما يلي:
1- قالوا: لا يليق بنا إكرام رجال العهد القديم نظرًا لخطاياهم القاتلة، فيقول الخوري بولس الفغالي ” بدأ إبراهيم مع امرأته سارة، رجل الدهاء الذي يحتال على فرعون (تك 12: 11) وعلى أبيمالك (تك 20: 2) لينجو بحياته، ولكن كذبه سينكشف أولًا وثانيًا، غير إنه سيفيد إفادة لا بأس بها، فيقول فيه الكاتب بمسحة من السخرية: صار له غنم وبقر وحمير وعبيد وجوار وأتن وجمال (تك 12: 16) باع امرأته لفرعون فأحسن فرعون إليه بسببها، وكذا فعل لأبيمالك فأكسبه الغنم والبقر.. ورد عليه سارة امرأته (تك 20: 14 – 15) وبدأ مع أولاده منحازًا إلى إسحق على حساب إخوته. ففي يوم فطام إسحق صرف هاجر وابنها، فمضت وتاهت في البرية وكاد الصبي يموت لو لم يكشف الله لأمه بئر ماء فسقت ابنها (تك 21: 19) أجل، صرف إبراهيم إسماعيل فأقام بالبرية (تك 21: 20) وأبعد أبناء قطورة إلى الشرق (تك 25: 6) لئلا يرثوا مع إسحق (تك 21: 10)”(1).
كما يقول الخوري بولس الفغالي أيضًا معلقًا على تصرفات أبينا يعقوب ” يتحيَّز القارئ في هذا {التاريخ المقدَّس} الذي يلعب فيه الكذب والاحتيال لعبهما. ومع ذلك، الله هو الذي يوجه أحداث التاريخ إله مخططه وهو ينفذه بواسطة أناس عاديين، وربما خطاة. هل نسينا أن إبراهيم باع امرأته لكي ينجو بنفسه؟ وهذه المرأة هي أهم من سائر النساء لأنها تحمل صاحب الوعد، ومع ذلك لم يتراجع الله على إبراهيم.. باع إبراهيم امرأته لملك جرار. كذب على الملك، ولكن الكاتب سيحتفظ لإبراهيم بصفة النبي الذي يصلي من أجل أبيمالك. ويبرّر كذبه مُظهرًا قرابة بين سارة وإبراهيم. مهما كان من أمر هذه القرابة، فقد قال إبراهيم نصف الحقيقة، وأخفى النصف الأهم. وكذا فعل يعقوب الذي ” باركه ” الله رغم كل شيء بالبنين العديدين والخيرات الوافرة”(2).
وأيضًا أبرز صاحب كتاب ” حوار مع كاهن “(3) ضعفات إبراهيم.. وفي حديثه عن داود النبي كتب تحت عنوان “خسة ونذالة داود النبي” يقول “مقابل إخلاص وولاء ووفاء هذا الجندي (أوريا الحثي) نجد الخسة والنزالة من قائده الأعلى داود”(4) وقالت مقدمة هذا الكتاب ” وإنني أضم صوتي لما جاء في البحث بخصوص عدم التمسك بآباء العهد القديم وتقديسيهم.. وبالإضافة إلى الأمثلة التي ذكرها البحث في النماذج السيئة التي تملأ صفحات العهد القديم، أُضيف نموذج الملك سليمان الذي وُصف بأنه أحكم إنسان، فقد استهل حكمه بقتل أخيه الأكبر صاحب العرش، وأنهى حكمه بعبادة الأوثان، أما بخصوص إبراهيم وزوجته مع فرعون فهي تبين كيف كان فرعون أشرف من إبراهيم في هذا الموقف، وأن إبراهيم كذب أكثر من مرة وتناسى مواعيد الله له. ثم إنه بالنسبة لتوبة داود فأقول أنه بالرغم من هذه التوبة إلاَّ أنه من غير المستحب تقديم هذه القصة لأولادنا كما جاء بالبحث” (ص ب).
كما جاء في ذات الكتاب(5) أنه من الخطأ تكرار عبارة ” إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ” في صلواتنا، لأن الثلاثة كانوا نماذج لعدم الإيمان والشك في قدرة الله(6).
تعليق:
أ – نحن لا نعترف بعصمة إنسان قط حتى الأنبياء والرسل، والوقت الوحيد الذي يكون معصوم فيه الكاتب هو وقت كتابته لكلمة الله، أما في حياته الشخصية فهو معرَّض للسقوط لأنه من نفس عجينة البشرية الساقطة.
ب- الله لم يجامل ولم يداهن هؤلاء الرجال عندما أخطأوا، إنما نالوا عقابهم، وأدبهم الرب أدب الأب للبنين، لكنه لم ينزع عنهم رحمته، لأنهم أحبوه من كل قلوبهم، وقدموا توبة صادقة عن أخطائهم، وإن كان الوحي الإلهي ذكر سقطات هؤلاء الأبطال فلكيما يكونوا سبب رجاء لكل من يسقط، فلا يتوه وتبتلعه بالوعة اليأس، إنما ينتصب ويجاهد، لأنه مادامت الحياة تدب في الإنسان فالمعركة لم تحسم بعد.
ج- إن قلنا أننا نرفض رجال العهد القديم بسبب خطاياهم فلماذا لا نطبق نفس القاعدة على رجال العهد الجديد..؟! لماذا لا يرفضون بطرس الرسول الذي أنكر سيده بل سب ولعن..؟! لماذا لا يرفضون بولس الرسول الذي اضطهد الكنيسة بإفراط؟!
د- لا شك أن إبراهيم أخطأ عندما قال عن سارة أخته وأقل ما يقال في هذا الموضوع هو ضعف إيمان إبراهيم بالله القادر أن يحفظه هو وزوجته، ولكن لنا أن ندرك أيضًا أن سارة فعلًا كانت أخت إبراهيم من أبيه، ومن العادات المرذولة في تلك البلاد الوثنية هو تزوج الملك بالسيدات الجميلات حتى لو كنَّ متزوجات، لذلك قال إبراهيم لسارة ” إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر. فيكون إن رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته. فيقتلونني ويستبقوك. قولي أنكِ أُختي. ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك” (تك 12: 8، 9) وما توقعه إبراهيم حدث بالفعل مرتان، مرة مع فرعون ملك مصر، وأخرى مع أبيمالك ملك جرار، فقال إبراهيم لأبيمالك ” إني قلت ليس في هذا الموضع خوف الله البتة. فيقتلونني لأجل امرأتي” (تك 20: 11) والقول بأن ” فرعون كان أشرف من إبراهيم في هذا الموقف ” هو قول مجاف للحقيقية، لأن فرعون لم يُرجع سارة لإبراهيم كرمًا وشرفًا منه، بل ردها إليه بعد أن ” ضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة. بسبب ساراي امرأة أبرام” (تك 12: 17).
هـ- عجبًا لمن يضع أمام عينيه سقطة داود، ويغفل توبته وانسحاقه ودموعه ومزاميره التي مازالت الكنيسة تتغنى بها.. ألا يدرك هؤلاء أن الله لن يحاسب الإنسان على خطيته بقدر محاسبته عن سبب عدم توبته ؟!!0 وهل ينكر هؤلاء أن دم الحمل قادر على محو الخطايا تمامًا؟!! ” طوبى للذي غُفر إثمه وسترت خطيته. طوبى لرجل لم يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش” (مز 32: 1).
و- لماذا قتل سليمان أخيه الأكبر أدونيا..؟! لقد أراد أدونيا اغتصاب العرش من أبيه داود وهو مازال حيًّا، ولم يوصي أبوه بتمليكه إياه إنما أوصى بالمُلك لابنه سليمان بحسب مشيئة الله فقال داود ” لأن الرب أعطاني بنين كثيرين إنما اختار سليمان ابني ليجلس على كرسي مملكة الرب على إسرائيل. وقال لي إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري لأني إخترته لي ابنًا وأنا أكون له أبًا” (1أي 28: 5، 6).. ” وقال داود الملك لكل الجمع إن سليمان ابني وحده اختاره الله” (1أي 29: 1)، وعندما تولى سليمان الحكم وفشلت ثورة أدونيا وتفرق عنه مشايعوه ولجأ لخيمة الاجتماع وتمسك بقرون المذبح عفى عنه سليمان قائلًا له ” اذهب إلى بيتك” (1مل 1: 53) أليس هذا كرمًا من سليمان..؟! ولم يتعظ أدونيا، بل أراد أن يتزوج من زوجة أبيه التي هي في مرتبة أمه، وهذا ضد أحكام الشريعة ” إذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه. إنهما يقتلان كلاهما” (لا 20: 11) واعتبر سليمان أن طلب أدونيا هذه بمثابة طلب للمُلك ثانية، ولذلك قال سليمان لأمه ” ولماذا أنت تسألين أبيشج الشونمية لأدونيا. فاسألي له المُلك. لأنه أخي الأكبر مني” (1 مل 2: 22) ولهذا أمر بقتله، أما مُلك سليمان فقد كان من الله الذي قال لداود أبيه ” هوذا يُولد لك ابن يكون صاحب راحة وأُريحه من جميع أعدائه حواليه لأن اسمه يكون سليمان. فأجعل سلامًا وسكينة في إسرائيل في أيامه. هو يبني بيتًا لأسمي وهو يكون لي إبنًا وأنا له أبًا وأُثبّت كرسي ملكه على إسرائيل إلى الأبد” (1 أي 22: 9، 10) وعندما وُلد سليمان قال الكتاب ” فدعا اسمه سليمان والرب أحبه” (2 صم 12: 24) وكان ناثان النبي الذي يبلغ كلام الله لداود على علم ودراية بهذا الأمر، لهذا لم يَدعُ أدونيا ناثان النبي في الوليمة التي صنعها (1 مل 1: 10).
أما عن خطية سليمان عندما عبد الأوثان فقد تاب عنها، وسجل لنا بعدها سفر الجامعة سفر توبة سليمان، وقد ذكره في العهد الجديد السيد المسيح (لو 11: 31، 12: 27)، فلو كان سليمان هلك هلاكًا أبديًا ما كان السيد المسيح يذكره.
ولأن غير المسيحيين يؤمنون بعصمة الأنبياء لذلك اتخذوا خطايا الأنبياء زريعة للقول بتحريف التوراة.
أما عن تخطئتهم لمن يردد في الصلاة ” إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ” فيجب التنويه إلى أن السيد المسيح استخدم هذه العبارة في حديثه مع الصدوقيين الذين أنكروا قيامة الأموات ” وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قِبل الله القائل. أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب. ليس الله إله أموات بل إله أحياء. فلما سمع الجموع بهتوا من تعليمه” (مت 22: 31 – 33) وأيضًا استخدم التلاميذ نفس التعبير، فقال بطرس الرسول عقب شفاء الأعرج من بطن أمه ” أيها الرجال الإسرائيليون ما بالكم تتعجبون من هذا ولماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا وتقوانا قد جعلنا هذا يمشي. إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب إله آبائنا مجَّد فتاه يسوع..” (أع 3: 12، 13).. عجبًا لمن يذكرون خطايا هؤلاء الرجال وينسوا إيمانهم الذي أشاد به العهد الجديد ” بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج.. بالإيمان تغرَّب في أرض الموعد.. بالإيمان قدم إبراهيم إسحق وهو مُجرَّب.. بالإيمان إسحق بارك يعقوب وعيسو.. بالإيمان يعقوب عند موته ذكر خروج بني إسرائيل وأوصى من جهة عظامه” (عب 11: 8-21).. يقول د. ادوار. ج. يونج ” إن إبراهيم حسب الكتاب المقدَّس هو أبو المؤمنين، وهو الذي في مواجهة أقسى التجارب، آمن بالله وحسب له الإيمان برًا، وكم أعطت قصته أعظم العبر والدروس للملايين من المؤمنين المسيحيين على الأرض، وسيبقى دائمًا لكل مجرَّب في المواعيد الإلهيَّة الرجل الذي تخطى التجربة بالإيمان بالله على خلاف الرجاء، وقد أشار إليه بولس مرات متعددة، كالمثال المُحتذى المبارك الذي ينبغي أن يحتذيه الجميع، وأكثر من هذا تحدث عنه يسوع المسيح نفسه”(7).
2- قالت مقدمة كتاب ” حوار مع كاهن ” ص. ب ” فمثلًا تكرار الصلاة التي ذكرها داود النبي بمناسبة خطيته المزدوجة ” بالخطايا حبلت بي أمي ” لا تليق بنا في العهد الجديد بعد أن تجسد رب المجد وأزال هذه اللعنة وارتقى بالزواج إلى مرتبة السر المقدَّس، ومن اللائق عدم ترديد كلمات داود ” صُوّرت بالإثم ” لأنها تشكك الشباب في قدسية الزواج”(8).
تعليق:
أ – أخطأ آدم، وفي آدم أخطأ الجميع لأننا جميعًا كنا في صُلب آدم ” كأنما بإنسان واحدٍ دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رو 5: 12). كان آدم مثل الشجرة التي أصابها العطب كلية فكل ثمرة فيها، بل كل بذرة تحمل عوامل الفساد.. فسدت الطبيعة البشرية ولذلك قال داود ” لأني هانذا بالآثام صُوّرت وبالخطايا حبلت بين أمي ” كما قال ” زاغ الأشرار من الرحم ضلوا من البطن متكلمين كذبًا” (مز 58: 3) فالإنسان يُولَد حاملًا الخطية الجدية، وتوارث الخطية الجدية أمر مستقر ومعترف به لدى جميع المسيحيين.
ب- الوحيد الذي وُلِد بدون الخطية الجدية هو السيد المسيح له المجد، لأن الروح القدس حلَّ على السيدة العذراء وطهَّر وقدَّس مستودعها، وولد السيد المسيح بدون زرع بشر. أما أي طفل آخر في العالم سواء في العهد القديم أو في العهد الجديد فإنه يولد بالخطية الجدية، ولا خلاص منها ألاَّ بالمعمودية.
ج- تصلي الكنيسة بالمزمور الخمسين وتردد عبارة “هانذا بالآثام صُوَّرت وبالخطايا حبلت بي أمي ” ولم يحدث أن شابًا تشكك في قدسية الزواج، لأنه يعلم تمامًا أن الزواج مقدس وهو سر من الأسرار الكنسية السبعة (أف 5: 32) والمضطجع غير نجس ” ليكن الزواج مكرَّمًا عند كل واحد والمضطجع غير نجس” (عب 13: 4) ونحن في العهد الجديد نردد دائمًا قول يوحنا الحبيب ” إن قُلنا أنه ليس لنا خطية نُضّل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم. إن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذبًا وكلمته ليست فينا” (1 يو 1: 8 – 10).
3- جاء في كتاب ” حوار مع كاهن ” ولا بُد أن نضع في اعتبارنا احتمال وجود نبوءات زائفة ضمن العهد القديم ” قال الرب لي بالكذب يتنبأ الأنبياء باسمي. لم أرسلهم ولا أمرتهم ولا كلمتهم برؤيا كاذبة وعرافة وباطل ومكر قلوبهم هم يتنبأون لكم” (أر 14: 14).
تعليق:
أ – ما جاء في الآية السابقة لا يخص أبناء الله الصادقين، إنما قصد به الأنبياء الكذبة الذين ادعوا النبوءة والرب لم يرسلهم، وهذا واضح وضوح الشمس من الفقرة، ففي الآية السابقة مباشرة تقول على لسان أرميا النبي ” فقلت آه أيُّها السيد الرب. هوذا الأنبياء يقولون لهم لا ترون سيفًا ولا يكون لكم جوع بل سلامًاَ ثابتًا أعطيكم في هذا الموضع” (أر 14: 13) وجاء في الآيتين اللاحقتين ” لذلك هكذا قال الرب عن الأنبياء الذين يتنبأون باسمي وأنا لم أرسلهم وهم يقولون لا يكون سيف ولا جوع في هذه الأرض بالسيف والجوع يفني أولئك الأنبياء. والشعب الذي يتنبأون له يكون مطروحًا في شوارع أورشليم من جرى الجوع والسيف وليس من يدفنهم هم ونساؤهم وبنوهم وبناتهم وأسكب عليهم شرهم” (أر 14: 15، 16).. فلماذا لم يأخذ الكاتب المقطع ككل (أر 14: 14 – 18)؟! ولماذا يفصل جزءًا ويعمّمه على كل أحداث الكتاب المقدَّس؟!
ب- المقطع ككل يُظهر اهتمام الله الشديد بوصول النبوءة صحيحة إلى شعبه، وشجب النبوءة الزائفة التي تنبأ بها الأنبياء الكذبة.
ج- الذي يدعي أن الكتاب حوى نبوءات زائفة، فهو يتهم صاحب الكتاب بالعجز والضعف، حتى إنه لم يقدر أن يحفظ كتابه نقيًا من النبوءات الزائفة، أو على الأقل يتهم صاحب الكتاب بأنه يتساهل لدرجة أنه يسمح بوجود نبوءات زائفة في كتابه، مع إن هذه النبوءات تضل الشعب.
4- يرى البعض ضرورة التميَّيز بين أقوال الله وأقوال الأنبياء والرسل، فتقول مقدمة كتاب “حوار مع كاهن”.. ” أما عن كلمات بعض الرسل عن الوحي فيجب أن نراعي عدم الخلط بين أقوال الرب وأقوال التلاميذ، فقد كانوا بشرًا، ونشأوا نشأة يهودية محضة، وحيث أن الله لم يملِ الوحي فإن كتبة العهد الجديد والعهد القديم غير معصومين من الخطأ على الرغم من أن الله ترك لهم حرية الكتابة بالضبط، كما ترك لآدم وحواء الحرية لطاعته أو لعصيانه، وسبق أن أعلن على لسان موسى ” جعلت اليوم قدامك الحياة والخير والموت والشر.. فاختر” (تث 30: 15، 16) بالرغم من سابق علمه بأن بني إٍسرائيل سيتمردون ويسقطون، وبهذه الحرية الممنوحة من خالق الكون فتح أمامنا باب النقد”(9)(10).
تعليق:
أ – الفرق بين كلام الله في العهد القديم أو كلام الرب يسوع في العهد الجديد وبين كلام الأنبياء والرسل، هو فرق تشريفي فقط، وليس معنى هذا أن ما قاله الله هو الصحيح فقط، وما قاله الأنبياء والرسل يحتمل الصحة أو الخطأ، لأن مصدر الكتاب كله هو الله، والأنبياء والرسل نقلوا كلام الله دون أن يُضعِفوا من قدره، وبالتالي فإن كل كلمة وكل حرف في الكتاب المقدَّس من أوله إلى آخره هو صحيح تمامًا ومعصوم من الخطأ ” كل الكتاب هو موحى به من الله” (2 تي 3: 16).
ب- شهد السيد المسيح بأن أنبياء العهد القديم تكلموا بالروح القدس فقال ” لأن داود نفسه قال بالروح القدس..” (أع 12: 36).
ج- قال بطرس الرسول عن نبوءة داود النبي عن يهوذا الإسخريوطي ” كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود” (أع 1: 16) كما قال بطرس الرسول أيضًا ” وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تمَّمه هكذا” (أع 3: 18).
د – أعطى الله الأنبياء والرسل الحرية في حياتهم الشخصية كما أعطاها لآدم وحواء، فلهم أن يصيبوا أو يخطئوا في سلوكهم وتصرفاتهم الشخصية. أما فيما يتعلق بكتابة الأسفار المقدَّسة فإن الروح القدس قد عصمهم تمامًا من الخطأ، بل هيمن عليهم وحفظهم، فحملوا إلينا كلمة الله نقية كما هي دون أية شوائب.
5- قالوا أن السيد المسيح عندما شهد للناموس فذلك لكيما يتحاشى غضبه اليهود فلا ينصرفوا عنه ” ما جئتُ لأنقض بل لأكمل، وردت في العظة على الجبل، وقد كانت أول عظة للمسيح أمام جمهور من اليهود المتزمت، وحتى يكسب الجولة الأولى، كان من الضروري تهدئة النفوس المتشددة، ولو كان المسيح من أول خطوة أعلن هدم الناموس لقام اليهود وقتلوه قبل أن يبدأ رسالته، لهذا استخدم المسيح الحكمة والدبلوماسية والمقدمات في هذا المجال”(11)(12).
تعليق:
أ- هل يتصوَّر أحد أن السيد المسيح كان ينوي أن ينقض الناموس، ولكنه تظاهر بعكس ذلك، خوفًا من اليهود..؟! وهل معنى هذا أن السيد المسيح ضحى بالحق (وهو الحق كله) من أجل كسب رضاء اليهود ..؟! وهل يمكن أن يتملق السيد المسيح اليهود على حساب الحق؟! وهل تنسى أن السيد المسيح هو الله الذي قال في القديم ” ليس الله إنسانًا فيكذب ولا ابن إنسان فيندم” (عد 23: 19)؟!
ب- لو كان السيد المسيح يتملق اليهود ويخشاهم ولا يريد أن يخسر الجولة في العظة الأولى، فكيف يُظهر لهم أنه هو الله المشرع، وقال لهم في ذات العظة ” قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم” (مت 5: 21، 22).. ألم يعلن عن نفسه بهذا التشريع أنه هو هو واضع الشريعة؟!
ج- لقد حدَّد السيد المسيح ساعة صلبه، وكان يعلم بكل التفاصيل، ولذلك قال الإنجيل ” فطلبوا أن يمسكوه. ولم يلقِ أحد يدًا عليه لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد” (يو 7: 30).. ” وكان قوم منهم يريدون أن يمسكوه ولكن لم يلقِ أحد عليه الأيادي” (يو 7: 44).. ” هذا الكلام قاله يسوع في الخزانة وهو يُعلّم في الهيكل. ولم يمسكه أحد لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد” (يو 8: 20).
6- قال البعض أن السيد المسيح عندما قال “لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (مت 5: 18) فإن الكل قد صار بصلبه وبالتالي فإنه يمكن أن يزول، وقال صاحب كتاب ” حوار مع كاهن”.. ” معنى الآية واضح جدًا ويؤيد وجهة نظرنا بأن الناموس يزول متى كان الكل، وقد جاء المسيح الكل في الكل، وكان صلبه نهاية للناموس، وصرخ قائلًا ” قد أُكمل” (يو 19: 30)”(13)(14).
تعليق:
أ – لو تأملنا قول السيد المسيح بالكامل ” لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (مت 5: 17، 18) فلو كان قصد السيد المسيح نقض الناموس، فكيف يقول: لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض؟!.
ب- لو كان نقض الناموس مرتبط بالصلب والفداء، فلماذا قال: إلى أن تزول السماء والأرض، مشيرًا بهذا إلى نهاية العالم؟! أي أن الناموس سيظل قائمًا مادامت هناك حياة تدب على وجه الأرض.
ج- في مواقف عديدة دافع السيد المسيح عن الناموس، فقال لليهود ” لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم.. فإن الله أوصى إكرم أباك وأمك. ومن يشتم أبًا أو أمًا فليمت موتًا. وأما أنتم فتقولون..” (مت 15: 3 – 6) (راجع شهادة السيد المسيح للعهد القديم).
7- قالوا أن السيد المسيح كسر السبت، وهو بهذا أعلن رفضه للعهد القديم، فقال صاحب كتاب حوار مع كاهن “ولكن المسيح كسر الناموس بعدم حفظ السبت ” فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا” (مت 12: 8) وقام بمعجزات شفاء كثيرة يوم السبت مثل اليد اليابسة ومريض بيت حسدا (يو 5: 8) ووبخ اليهود قائلًا ” من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالًا في يوم السبت” (لو 14: 5).. الأمثلة التي سردناها نموذج لإصرار المسيح على نقض كامل للناموس”(15)(16).
تعليق:
من قال أن السيد المسيح كسر السبت..؟! السيد المسيح لم يكسر السبت، ولكنه حطم المفاهيم الخاطئة بحفظ السبت، وحطم التقاليد التي وضعها الشعب اليهودي حول وصية السبت، حتى إنهم ظنوا أن من يعمل خيرًا فإنه يكسر السبت، ولهذا قال لهم السيد المسيح ” إذًا يحل فعل الخير في السبوت” (مت 12: 12) ولفت نظرهم إلى أعمالهم التي يعملونها يوم السبت مثل إنقاذ حمار أو ثور سقط في حفرة، وكان الكهنة يتمَّمون الختان يوم السبت، ولم تكن هذه الأعمال تدنس السبت، فلماذا نظروا إلى معجزات السيد المسيح على أنها تكسر السبت؟! لقد أخطأوا في هذا، ولا يصح أبدًا السير في ركاب هؤلاء المتعندين.
8- قال البعض أن السيد المسيح نقض أحكام العهد القديم بشأن الطلاق، والقتل، والزنا، والحلف، تمهيدًا لنقض العهد القديم بالكامل.
تعليق:
أ – بالنسبة لحكم الطلاق فقد أعاد الرب يسوع البشرية إلى ما جُبلت عليه قبل السقوط ” لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا” (تك 2: 24) وأرسى السيد المسيح شريعة الزوجة الواحدة التي جُبل الإنسان عليها، عندما خلق حواء واحدة لآدم.
ب- عندما قال السيد المسيح ” قيل لكم. أما أنا فأقول لكم..” (مت 21: 45) لم ينقض قط ما هو مكتوب، لأن نقض الشيء هو عكسه، فمثلًا لو قال العهد القديم “لا تقتل” وجاء السيد المسيح يقول ” أقتل ” فهو بهذا يكون قد نقض ما هو مكتوب. أما عندما قال ” قيل للقدماء لا تقتل.. أما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم. ومن قال لأخيه رقًا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم” (مت 5: 21، 22) ومثلها عندما قال ” قيل للقدماء لا تزن. أما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه” (مت 5: 27، 28) فهو قصد من هذا الرجوع إلى بدايات الخطية حتى لا يتطوَّر الغضب إلى قتل، والشهوة إلى زنا، وبهذا وصل السيد المسيح بالناموس إلى مرحلة الكمال ” ما جئت لأنقض بل لأكمل” (مت 5: 17).
ج- السيد المسيح لم يتمم ويكمل العهد القديم فقط بل حقق غاية العهد القديم كله، لأنه هو شخصيًا كان هدف وغاية الناموس.
9- قالوا إن السيد المسيح غض النظر عن العهد القديم والشعب اليهودي ” لهذا عندما جاء المسيح اهتم بإرسال تلاميذه للأمم”(17)(18).
تعليق:
حقًا إن السيد المسيح أرسل رسله للأمم، ولكن في الإرسالية الأولى للتلاميذ كانت لبني إسرائيل فقط لذلك قال لهم الرب يسوع ” إلى طريق أُمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالَّة” (مت 10: 5، 6) ثم بعد القيامة أوصى تلاميذه ” اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” (مر 16: 15) ويدخل ضمن الخليقة كلها بنو إسرائيل، وقبل حلول الروح القدس قال السيد المسيح لتلاميذه ” وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أع 1: 8) وأول كنيسة أسَّسها الرب يسوع كانت في بيت مار مرقس في أورشليم وسط الشعب اليهودي، ونظر إليها التلاميذ على أنها الكنيسة الأم، وناقش بولس الرسول في الإصحاح الحادي عشر من رسالته إلى رومية عدم رفض الله لشعبه ” فأقول ألعل الله رفض شعبه. حاشا.. لم يرفض الله شعبه الذي سبق فعرفه” (رو 11: 1، 2) إذًا السيد المسيح لم يرفض العهد القديم ولم يرفض اليهود، إنما هم الذين رفضوا، أما الذين أقبلوا إليه فلم يخرجهم خارجًا.
10- يقولون أن بولس الرسول تحدث عن إهمال العهد القديم عندما قال ” لأنه إن تغيَّر الكهنوت فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس أيضًا” (عب 7: 12).. ” فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان. لأنه يقول لائمًا هوذا أيام تأتي يقول الرب حين أُكمل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا.. فإذ قال جديدًا عتَّق الأول. وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال” (عب 8: 7، 8، 13).
تعليق:
لم يقصد معلمنا بولس الرسول من هذه الآيات رفض الناموس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بل إن الإصحاحات الأربعة السابقة للإصحاح الثامن تحدث فيها بولس الرسول عن الكهنوت الهاروني مقارنًا إياه بكهنوت ملكي صادق، فالمقصود بالكهنوت الأول كهنوت هارون، والكهنوت الثاني كهنوت ملكي صادق الذي يشير إلى كهنوت السيد المسيح ” كذلك المسيح أيضًا لم يُمجّد نفسه ليصير رئيس كهنة بل الذي قال له أنت ابني أنا اليوم ولدتك”.. كما يقول في موضع آخر ” أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق” (عب 5: 5، 6).
وعندما قال معلمنا بولس الرسول ” فإنه لو كان الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان ” فإنه قصد بالأول العهد الأول بموسى، وبالثاني العهد الجديد بدم يسوع المسيح، وقبل العهد الأول كان يوجد على الأقل عهدين هما عهد الله لنوح بأن لا يجلب الطوفان ثانية، وعهد الله لإبراهيم بالختان، ولو حقَّق العهد الأول مقاصد الله تجاه الإنسان ما كانت هناك ضرورة للعهد الثاني، ولكن العهد الأول فشل في خلاص الإنسان. وإن كان بالعهد الأول (الناموس) عيبًا، فليس له عيب في ذاته، ولا في واضعه، لأن الله هو الذي أعطى الناموس ” الناموس مقدَّس والوصية مقدَّسة وعادلة وصالحة” (رو 7: 12). إنما العيب كان في الإنسان بضعفه البشري مما جعل الناموس غير نافع لخلاص الإنسان. فالناموس كامل (مز 19: 7) ولكنه عجز عن أن يكمل الإنسان، ليس بسبب عيب أو قصور فيه، ولكن لأنه لم يحمل للخاطئ القوة التي بها يغير سلوكه ” إذ الناموس لم يُكمّل شيئًا” (عب 7: 19) وقد يتساءل البعض: مادام الناموس لم يكمل شيئًا، إذًا لماذا أعطاه الله للبشرية..؟ لقد أعطى الله الناموس للبشرية كمرحلة مؤقتة بسبب تعديات الإنسان، وحتى يأتي ملء الزمان ويتجسد ابن الله ويفدينا بدمه، فالناموس لم يُعطى لخلاص الإنسان وتقديسه، إنما وضع لإعداد الإنسان لتقبل الخلاص بالمسيح يسوع.
وتحت الناموس كان الكهنوت اللاوي الذي وضع الإنسان على مسافة من الله، فالكاهن في العهد القديم كان يستلم الذبيحة ويرش الدم ويدخل القدس ويخرج والناس يقفون على مسافة من الله، فلو استطاع الكهنوت اللاوي في تحقيق علاقة مرضية بين الإنسان والله، ماكان هناك حاجة لكهنوت السيد المسيح. أما كهنوت السيد المسيح فقد منحنا الرجاء الأفضل لنقترب به إلى الأقداس ” إذ الناموس لم يُكمّل شيئًا ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله” (عب 7: 19).. ” لأنه يقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدَّسين” (عب 10: 14) فخدمة السيد المسيح كوسيط في العهد الجديد أفضل من خدمة الكهنة في العهد القديم لأنها تقوم على ذبيحة الصليب وليس على دم تيوس وثيران، والعهد الجديد يختلف عن العهد القديم من جهة البركات، ففي العهد الجديد يجدد الله أذهان شعبه وعواطفهم ويكتب ناموس الله في قلوبهم، ويصير المؤمنون أبناء الله ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله المؤمنون باسمه” (يو 1: 12) وفي العهد الجديد ينمو الإدراك بمعرفة الله، وفي العهد الجديد تنسكب مراحم الله على الإنسان ” لأن هذا هو العهد الذي أعهده مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها في قلوبهم وأنا أكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا. ولا يُعلّمون كل واحد قريبه وكل واحد أخاه قائلًا أعرب الرب لأن الجميع سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم. لأني أكون صفوحًا عن آثامهم ولا أذكر خطاياهم وتعدياتهم في ما بعد” (عب 8: 10 – 12).
وعندما قال معلمنا بولس الرسول ” فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها” (عب 7: 18) فذلك لأنها مبنية على كهنوت غير كامل ” فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال. إذ الشعب أخذ الناموس عليه. ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق ولا يُقال على رتبة هرون” (عب 7: 11). أما عندما تجسد ابن الله فالإنسان استطاع أن يتبرر من خطاياه التي عجز عن أن يتبرَّر بها بواسطة الناموس ” إنه بهذا (بيسوع المسيح) يُنادى لكم بغفران الخطايا. بهذا يتبرَّر كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرَّروا منه بناموس موسى” (أع 13: 38، 39).
ولكن ماذا كان يقصد معلمنا بولس الرسول من تغيير الناموس ” لأنه إن تغيرَّ الكهنوت فبالضرورة يصير تغيرُّ للناموس أيضًا” (عب 7: 12)؟.
لقد ارتبط الكهنوت اللاوي بالناموس، فكان على الإنسان أن يطيع أوامر الناموس ولكن الإنسان عجز عن هذا، ولذلك كلما كسر وصية من وصايا الناموس، كان يقدم ذبيحة، لكيما تعود الشركة بينه وبين الله، وعندما جاء السيد المسيح تغيرَّ الكهنوت اللاوي إلى كهنوت المسيح، وبالتالي كان لا بُد أن يتغيرَّ الناموس ” فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة” (رو 6: 4) وليس معنى هذا إننا صرنا في حل من جهة الناس وكل إنسان يفعل ما يشاء، ولكن بمعنى أن مطاليب النعمة والقداسة هي أعظم من مطاليب الناموس، فالناموس كان يطالبنا بعدم القتل أما النعمة فتطالبنا بعدم الغضب، والناموس كان يطالبنا بعدم رد الإساءة بأكثر منها، أما النعمة فتطالبنا بمقابلة الشر بالخير وهلم جرا..
إذًا معنى تغيرُّ الناموس إنه قد اكتمل في الرب يسوع المسيح، وأيضًا نقول أن الكهنوت اللاوي قد تغيرَّ من جهة السيد المسيح، لأنه لم يأتِ من سبط لاوي إنما جاء من سبط يهوذا، ومعنى يهوذا التسبيح والحمد، فالله يسكن وسط تسبيحات شعبه، وتغيرُّ الكهنوت أدى إلى تغيير نظام العهد القديم (الناموس) بذبائحه الحيوانية إلى نظام العهد الجديد، لأن ذبائح العهد القديم لم تنجح في أن توقف الإنسان بلا لوم أمام الله.
11- قالوا إن الآباء الرسل حذروا من العودة إلى ناموس العهد القديم ” إنه من المعروف أن الرسل الأطهار حينما سجلوا تعاليمهم في كتاب الدسقولية سجلوا ضمنًا تحذيرهم القاطع بعدم التهود.. إذًا فرسل الرب جميعًا نادوا بعدم العودة إلى الناموس على الرغم من نشأتهم في ظل الناموس”(19)(20) وقالوا أن مجمع أورشليم أقرَّ عدم أهمية الناموس ” ويعتبر هذا الكلام قرارًا واضحًا من الروح القدس والكنيسة الأولى بعدم أهمية الناموس”(21)(22).
تعليق:
رفض الآباء الرسل حركة التهود التي تنادي بحفظ السبت وإتمام الختان، ولكنهم لم يرفضوا العهد القديم، بدليل استشهاد كتَّاب العهد الجديد بنصوص العهد القديم، والأمر الملفت للنظر أن قرار مجمع أورشليم مأخوذ من العهد القديم ” لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلًا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة. أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعمًا تفعلون. كونوا معافين” (أع 15: 28، 29) فقرار ” أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام ” تقابل ما جاء في سفر الخروج ” احترز أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض. فينزلون وراء آلهتهم ويذبحون لآلهتهم فتدعى وتأكل من ذبيحتهم” (خر 34: 15) وقرار ” أن تمتنعوا.. عن الدم والمخنوق ” مأخوذ أيضًا من العهد القديم ” غير أن لحمًا بحياته دمه لا تأكلوه” (تك 9: 4، لا 3: 17، 7: 26، 17: 10 – 12، 19: 26، تث 12: 16، 23، 24، 15: 23) وقرار أن تمتنعوا عن الزنا ” مأخوذة من الوصية ” لا تزن” (خر 2: 14).
12- قالوا أن العهد القديم مجرد كتاب تاريخ، فلا حاجة لنا به.
تعليق:
العهد القديم ليس مجرد كتاب تاريخ، بل هو كتاب شامل تجد فيه التاريخ ليس كمجرد تاريخ، إنما يُظهر عمل الله من خلال التاريخ، ويمجد اسم الله العامل في التاريخ، يحكي لنا قصة الله مع شعبه، وفيه تجد الوصايا التي تعرّف الإنسان الطريق للملكوت، وفيه نجد التسبيح مثل سفر المزامير، وتجد الحكمة مثل سفري الحكمة والأمثال، وهناك الأسفار النبوية مثل أسفار إشعياء وأرميا وحزقيال ودانيال وهوشع ويوئيل.. إلخ ويمثل العهد القديم الأساس المتين القوي الذي بُني عليه العهد الجديد، وكما رأينا في ترابط العهدين معًا إنه من المستحيل إلغاء العهد القديم دون الإساءة للعهد الجديد.
_____
(1) البدايات أو مسيرة الإنسان إلى الله ص 137.
(2) البدايات أو مسيرة الإنسان إلى الله ص 142.
(3) في ص 13، 14.
(4) حوار مع كاهن ص 15.
(5) حوار مع كاهن ص 14.
(6) راجع ناجي ونيس – شريعة الغاب ص 46.
(7) أصالة الكتاب المقدَّس ص 216.
(8) هل العهد القديم شريعة الغاب؟ ص 45.
(9) ص د حوار مع كاهن.
(10) شريعة الغاب ص 57.
(11) حوار مع كاهن ص 29.
(12) شريعة الغاب ص 35، 36.
(13) حوار مع كاهن ص 31.
(14) شريعة الغاب ص 38.
(15) حوار مع كاهن ص 28، 29.
(16) شريعة الغاب ص 34.
(17) حوار مع كاهن ص 27.
(18) شريعة الغاب ص 33.
(19) حوار مع كاهن.
(20) شريعة الغاب ص 17.
(21) حوار مع كاهن.
(22) المرجع السابق ص 18.