سؤال وجواب

هل تأثر الوسط البروتستانتي في مصر بآراء مدرسة النقد الأعلى الخاصة بالمعجزات؟

73- هل تأثر الوسط البروتستانتي في مصر بآراء مدرسة النقد الأعلى الخاصة بالمعجزات؟

ج: نعم لقد تأثر الوسط البروتستانتي في مصر بآراء مدرسة النقد الأعلى الخاصة بالمعجزات، فيقول الشيخ رأفت زكي ” وُلِد علم اللاهوت الليبرالي وأصبح الطراز أو النمط الحديث لكنائس أوربا وأمريكا والكنيسة في مصر أيضًا. تسرب العالم اليوم داخل الكنيسة بطرق متنوعة.. إن الشيطان يتمشى بين صفوف الكنيسة الإنجيلية يبحث عن مجندين جدد لينضموا إلى جيشه”(1).

ونسوق هنا مثلًا واحدًا ليرى القارئ مدى هذا التأثر، وهذا المثل خاص بمجنون كورة الجدريين الذي كان به عدد كبير من الشياطين، وعندما انتهرهم الرب يسوع، استسمحوه أن يدخلوا إلى قطيع الخنازير، فسمح لهم، ودخلوا في الخنازير فأنجرف القطيع نحو البحر وكان عددهم يزيد عن ألفي خنزير (مر 5: 1 – 20، لو 8: 26 – 36).

يشرح القس سامي حنين فكر د. ليزلي في هذه المعجزة فيقول ” يشرح د. ليزلي ويذرهيد Leslie Weatherhead في كتابه سيكولوجية الدين والشفاء هذه الحادثة.. أن المسيح يشابه طبيب عصري قضى جزءًا كبيرًا من الليل في التشخيص الدقيق للمريض والعلاج.. ويمكننا أن نتخيل المسيح وتلاميذه وهم يسيرون في الظلام بعد أن نزلوا من السفينة (عقب حادثة هيجان البحر وهو نائم على وسادة في مؤخرة السفينة) ويمرون بالقرب من القبور في منطقة الأمم، وبحسب إيمان اليهود أن الشياطين تسكن القبور. والأكثر من ذلك أن قطيعًا من الخنازير كانت ترعى على الجبال، والخنازير في نظر اليهود حيوانات نجسة. يمكننا أن نتخيل ما كان يدور في ذهن التلاميذ الذين يؤمنون بالخرافات ويؤمنون بسكنى الشياطين في القبور، وهم يسيرون في الظلام في أرض غريبة بعد رحلة مرعبة (حيث هاج البحر عليهم وتعرضوا للغرق) أعصابهم مشدودة ومضغوطين، وأثناء سيرهم بدأوا يسمعون صوت شخص مجنون – رنين قيود – ضحكات يعقبها صرخات – شخص يُقطّع نفسه بالحجارة – يقطع القيود ويأتي مندفعًا نحو يسوع ويصرخ بصوت مرتفع مرعب (مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي) وهنا اقترب منه المسيح وسأله عن اسمه. ويرى د. ليزلي أن قصد المسيح بالسؤال عن الاسم ليس اسم الشيطان، لأن المسيح لا يجهل حقيقة أن الشياطين ليس لها أسماء. لكنه كان يسأله عن القوة التي تسيطر عليه.. ويذكر د. ليزلي أنه في الحرب العالمية الأولى عثر على إنسان في أرض محايدة يسير بين جيوشه وجيوش الأعداء، والكلمة الوحيدة التي كان يقولها “آراس” Arras وكانت هذه هي المدينة التي عُذّب فيها هذا الرجل ليعترف ببعض المعلومات حتى أصبح مجنونًا..

هذه الحالات توضح ما معنى كلمة (لجئون) التي قالها مريض كورة الجدريين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فلا تكون هناك مبالغة إذا قلنا أنه عانى من صدمة على أيدي الجيش الروماني وهم يُعرَفون بوحشيتهم في التعذيب.. والمجتمع لا يرحم فقد نفي هذا الشخص خارج نطاق الرحمة في مقبرة موحشة في أرض غريبة حيث تُرك ليعيش وسط الخنازير متروكًا للخوف والذكريات المدمرة باعتقاد أن الشياطين تسكنه وبالتالي سكناه في القبور. وتركوه يعبر عن نفسه وعن آلامه في صراخ وجنون حتى أصبح هو نفسه يعيش هذه الفكرة بكل معانيها، فهو مسكون بأعداد غفيرة من الشياطين التي تعذبه.

أما عن غرق الخنازير فيرى د. ليزلي أنه من المعروف أن الخنازير تصاب بالذعر بسهولة. فهياج المريض وصراخه وبكائه مع وجود إناس غرباء (يسوع وتلاميذه) قد جذب انتباه رعاة الخنازير في الليل، فإحساسهم بالملل دفعهم للتقدم نحو المريض وعندما هاجت الخنازير اندفع الرعاة نحوها في خوف، فأندفع القطيع نحو حافة الجبل وأنزلق في الماء.. الأكثر من ذلك هو أن الإيمان السائد وقتئذ أن المياه العميقة هي الوسيلة الوحيدة للتخلص من الشياطين نهائيًا.. وربما هذا المعتقد هو الذي جعلهم يؤمنون بأن الملاك يأتي ويحرك المياه في بركة حسدا عندما ينزل الشخص في البركة فيُشفى لأن الأرواح الشريرة تغرق في المياه والشخص يخرج صحيحًا”(2).

تعليق:1- حدد د. ليزلي اللقاء مع هذا الرجل المجنون أنه تم ليلًا، وأن أعصاب التلاميذ كانت مشدودة ومضغوطين، وأنهم يؤمنون بالخرافات.. إلخ كل هذه الافتراضات هي افتراضات غير حقيقية، ولكن د. ليزلي قد أفترضها لكيما يمكنه الوصول إلى الهدف المنشود بسهولة، وهو إلغاء عنصر الإعجاز في هذه المعجزة الجبارة.

2- لم يفسر لنا د. ليزلي كيف عرف هذا المجنون الذي نفاه المجتمع أن هذا الرجل القادم دون سواه هو يسوع؟ كيف حدَّده من بين التلاميذ وسجد له؟ وكيف علم أنه هو ابن الله العلي..؟! حقًا أن السيد المسيح لا يجهل أن الشياطين ليس لها أسماء، ومع هذا فإنه سأله لكيما يُظهر لنا العدد الضخم من الشياطين التي كانت تسكن هذا الرجل، وهذا هو الهدف من السماح لهم بالدخول للخنازير ليعلم الجميع ضخامة عدد الأرواح النجسة التي سكنت هذا الرجل.

3- قال د. ليزلي أن التلاميذ سمعوا رنين القيود مع أن هذا الرجل قد رُبط كثيرًا بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود. فلم يقدر أحد أن يذلّله” (مر 5: 4).

4- إذا كان العداء مستحكمًا بين هذا الرجل والمجتمع الذي نفاه، فلماذا ركض تجاه يسوع وسجد له ” لما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له” (مر 5: 6)؟

5- هل لم ينجح أحد خلال القرون الطويلة في اكتشاف أن المقصود بلجيئون ليس أعدادًا ضخمة من الشياطين، إنما المقصود بها الفرقة الرومانية التي عذبت هذا الرجل حتى فقد عقله؟!.

6- كان هذا المجنون ” قد رُبط بسلاسل وقيود محروسًا. وكان يقطع الربط ويُساق من الشيطان إلى البراري” (لو 8: 29) وبمجرد أن أمر السيد المسيح الشيطان قائلًا ” أخرج من الإنسان أيها الروح النجس” (مر 5: 8) كف عن هيجانه وعاد إلى الهدوء الكامل حتى أن أهل المدينة عندما خرجوا ” وجدوا الإنسان الذي كانت الشياطين قد خرجت منه لابسًا وعاقلًاٍ وجالسًا عند قدمي يسوع. فخافوا” (لو 8: 35).. إلخ.

ومع كل هذا فإن القس سامي حنين اقتنع بفكر د. ليزلي وناقش القضية بنفس المنطق محاولًا تفسير كل ما يعترضه، حتى يصل إلى هدفه المنشود فقال ” أن كلمة لجيئون Legion لا تعني فقط كما يفهمها البعض آلاف الشياطين لكنها تعني في الأصل (كتيبة أو فرقة عسكرية رومانية عددها ستة آلاف عسكري) وعلاقة ذلك بالمرض هو أن هذا الرجل قد تعرض لنوع من الضغط أو الضرب، أو الإهانة، أو حادثة ما من قِبل هذه الكتيبة العسكرية الرومانية حتى أفقدوه عقله.. فغالبًا ما تعرض مريض كورة الجدريين لهذا الأمر الذي أفقده عقله، وأصيب بهذا العَتَه الهستيري، وعندما رآه الناس ظنوا أن به أرواح نجسة، فأشاعوا هذا، ولأن المريض يكون في هذه الحالة قابل للإيحاء فقد اقتنع برأي العامة، وأعتقد كما يعتقدون بوجود أرواح شريرة في جسده، وبالتالي جاءت تصرفاته بهذا الشكل وسكن القبور، نتيجة اعتقاده بأن من فعل فيه هذه الأمور ولازال يعذبه هي الشياطين التي عددها كبير يصل إلى ستة آلاف شيطان، ولأنه كان اعتقادا سائدًا أن الشياطين تسكن القبور فكان هذا الرجل يسكن القبور باعتبارها مكان الشياطين أو راحة الشياطين.

ونتيجة التعذيب الذي تعرض له هذا الرجل أو ما رآه من مناظر وحشية جعلته يفقد عقله ويمتلئ بالخوف من الشياطين ومن الناس، ولهذا كان يصرخ ويهيج كلما رأى إنسانًا، أو يهجم على كل المارة في الشوارع اعتقادا منه أنهم سيؤذونه ويعذبونه كما عذبه الجنود الرومان.

من هذا كله يتضح أمامنا أن مرض هذا الرجل هو مرض نفسي أو عقلي، وليس سكنى الشيطان لجسده، وهنا يتفجر السؤال الهام وهو كيف يُفسر حوار المسيح مع الشياطين التي كانت تخاطبه وتتحدث معه وطلبت إليه أن تدخل في الخنازير.

الإجابة هي أن كل الأطباء النفسيين يؤكدون أنه من الخطأ أن تحاول إقناع المريض بهذا النوع من المرض بغير ما يقتنع به، فلن تفلح في ذلك ولكن من أساسيات العلاج هي مجاراة الشخص في اعتقاده. وهذا ما فعله المسيح الطبيب الأعظم إذ أنه لم يحقر الرجل أو يسخر منه لأنه كان يعلم أنه مريض وأنه صادق فيما يعتقد به، وكانت حاجة هذا الرجل أن يجد من يشعر به ويستطيع أن يشفيه. كما كان في حاجة أن يرى دليلًا على خروج هذه الشياطين التي تسكنه بصورة مادية ملموسة ومرئية، وبالتالي طلب أن تدخل الشياطين في الخنازير، ولذا سمح المسيح بهذا الأمر ليقدم للرجل دليلًا حيًّا على خروج الشياطين منه بحسب اعتقاد الرجل، فجعل الخنازير تهيج وتنزل في المياه {من الذي هيج الخنازير؟ الشياطين أم السيد المسيح؟! إلى هذه الدرجة وصل الخلط!!} وعندما رأى المريض هذا الدليل اقتنع بذلك، وبمعجزة المسيح {كيف يدعو القس سامي هذا الحدث معجزة بعد أن سلب منه عنصر الإعجاز؟!!} استرد عقله، وأنتهر المسيح هذه المعتقدات والهلاوس منه وأعاد لنفسه السكينة. تمامًا كما يفعل الطبيب النفسي مع من يأتي له شاكيًا من آلام في المعدة نتيجة أنه بلع قطة أو ثعبانًا، ونجد الطبيب يجاريه في معتقده ويجري له عملية جراحية يستأصل فيها الزائدة الدودية مثلًا، ويقنعه أنه قد أجرى العملية وأستخرج ما كان يعاني منه، فيقتنع المريض ويُشفى بالفعل. هذا ما فعله المسيح”(3).

ولأن القس سامي يدرك تمامًا أن معنى قوله هذا أن الإنجيليين الذين سجلوا هذه الحادثة غير صادقين، وأن أحداث الإنجيل بعيدة عن الحقيقة، لذلك سبق وبرَّر هذا التصرف من قبل الكتبة قائلًا ” أن الكتَّاب قد أبدعوا في وصف حالة المريض بطريقة دقيقة للغاية، وقدموا لنا مظاهر المرض، وبحسب الفكر السائد في ذلك العصر أرجعوا السبب لوجود الشيطان في هذا الرجل.. ولم يكن من المنطقي حتى لو أن الله كشف لهم بقدرته عن الاسم العلمي الصحيح للمرض أن يعلنوه، وإلاَّ تعثر الناس في فهم الإنجيل، لأن الطبيب في ذلك الوقت لم يكن يعرف الأسباب الحقيقية لهذه الأمراض، ولا يعرفها إلاَّ منذ فترة قريبة جدًا. ومن حكمة الله أنه يخاطب كل مجتمع وكل عصر باللغة التي يفهمها كما أن الكتاب المقدَّس ليس كتابًا طبيًا علميًا لكي يهتم بشرح الأسماء العلمية الدقيقة للمرض”(4).

وبهدف إلغاء عنصر الإعجاز فسر القس سامي حنين قول السيد المسيح ” اشفوا مرضى. طهروا برصًا. أقيموا موتى. اخرجوا شياطين” (مت 10: 8) تفسيرًا مجازيًا فقال:

فشفاء المرضى: يشير إلى المرض الروحي، فأصل كلمة مرضى (ضعفاء) فالمسيح يقوي إرادة الإنسان الضعيفة ليقاوم الشر.

إقامة الموتى: أي الأموات بالذنوب والخطايا خاصة أن التلاميذ بالفعل لم يذكر أنهم في الإرسالية الأولى أقاموا موتى.

تطهير البرص: التطهير من نجاسة الخطية.

إخراج الشياطين: هو تحرير الإنسان من سيادة إبليس على حياته وأفكاره.. فقد جاء يسوع ينادي للمأسورين بالإطلاق.. الشفاء الحقيقي هو تحرير الإنسان من سلطان إبليس على أفكاره، وبخروج الشيطان من فكر وعقل المريض يتم الشفاء الحقيقي “(5).

ولم يفسر لنا القس سامي حنين المعجزات العديدة التي أجراها الآباء الرسل، والتي سجل عينات منها القديس لوقا في سفر الأعمال.

والآن دعنا يا صديقي نناقش بشيء من التفصيل رأي أصحاب مدرسة النقد في قيامة السيد المسيح، علمًا بأنه سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل في كتابنا أسئلة حول 6- الصليب(6).

_____

(1) حتى متى أيها الليبراليون المتحررون؟ عن الشهادة الخمسينية عدد مايو 2002م ص 16 – 19.

(2) سكنى الشيطان للإنسان.. حقيقة أم خرافة؟ ص 98 – 100.

(3) سكنى الشيطان للإنسان حقيقة أم خرافة؟ ص 94 – 97.

(4) المرجع السابق ص 91، 92.

(5) سكنى الشيطان للإنسان حقيقة أم خرافة؟ ص 84، 85.

(6) أسئلة حول 6- الصليب ص 232 – 349.