سؤال وجواب

ما هي فلسفة المذهب الأسطوري؟ وما الفرق بين الأسطورة والأمور الميتافيزيقية؟ وهل الإيمان بالأمور الميتافيزيقية يتعارض مع العقل؟

42- ما هي فلسفة المذهب الأسطوري؟ وما الفرق بين الأسطورة والأمور الميتافيزيقية؟ وهل الإيمان بالأمور الميتافيزيقية يتعارض مع العقل؟

3- المذهب الأسطوري:

ج: اعتقد أصحاب هذا المذهب بأن ما جاء في الكتاب المقدَّس هو من وحى الخيال، وإنها أساطير وليست حقائق، ومن أصحاب هذا المذهب “هيجل ” Hegal (1770- 1830 م) الذي نادى بفكرة أن الأديان تمثل مراحل مختلفة من مراحل تطور الفكر البشرى، فكل دين مهما كان فهو يمثل مرحلة من مراحل هذا التطور الفكري، وكل الأديان تعتمد على الأساطير، وهذه الأساطير تختلف من عصر إلى عصر، وجاء “دي فيت ” De Wette (1780- 1849 م) الذي اعتبر أن كل روايات العهد القديم مجرد أساطير شعبية لا تختلف عن الأساطير اليونانية والهندية.

واعتبر “دافيد شتراوس” (1808- 1874 م) أستاذ اللاهوت الألماني أن قصة المسيح من ميلاده المعجزي وطفولته ومعجزاته وقيامته وصعوده ما هي إلا أسطورة ظهرت بعد صلب المسيح وموته، وهي من خيال التلاميذ، وآباء الكنيسة في القرن الثاني الميلادي بقصد إعلاء المسيح وتصويره في صورة “المسيا ” الذي تنبأ عنه العهد القديم، ويرجع نجاح التلاميذ إلى اعتقاد اليهود بالأساطير القديمة.

لقج اعتبر أصحاب هذا المذهب الأسطوري أن التاريخ والفكر البشري نابع من الأسطورة وحدها، وأنكر كل الأمور الميتافيزيقية، ولهذا دعنا يا صديقي نتعرف على الفرق بين الأسطورة والمواضيع الميتافيزيقية، فالأسطورة مرتبطة بدوافع حسية مادية ونفسية للإنسان وتجد بيئتها الخصبة في المجتمعات المفتقرة للعلم والحضارة والتقدم والخبرة. أما المواضيع الميتافيزيقية مثل المعجزات والنبوءات والأمور السمائية فإنها ترتبط بالوحي الإلهي الذي أعلن عنها، وهذه الأمور تسمو فوق مستوى الدوافع الحسية المادية والنفسية للإنسان، فهي تتناول الأمور التي ما وراء المادة، ويعجز الإنسان عن إدراكها، ولكن بالإيمان يثق ويصدق أنها هكذا، والأمور الميتافيزيقية تتمشى مع العقل السليم والمنطق الصحيح بدليل:

1- إيمان العلماء بهذه الأمور الميتافيزيقية جعلهم يكتشفون العناصر المادية على حقيقتها، ومازالوا يكتشفون كل يوم الجديد من الأمور التي لا ترى بالعين المجردة.

2- الحياة التي نحياها، والعقل في جوهره، كل منهما يحتوي على الجانب الميتافيزيقي، فمن يفسر لنا الحياة؟ ومن يشرح لنا العقل في جوهره؟ لا أحد يقدر أن يفسر هذا إن لم يكن يؤمن بالله وخلقته للإنسان على صورته ومثاله في الوجود والعقل والحياة والخلود.

3- الذي يدرس التاريخ القديم يعرف تماما أن الأسطورة ليست وحدها هي التي كانت تسيطر علي الإنسان. بل إن الإنسان آمن ببعض الأمور الميتافيزيقية مثل وجود الله وعدله ورحمته وملائكته والعالم الآخر، والصراع الدائر بين الخير والشر والنور والظلمة… إلخ.

4- إن الأمور الميتافيزيقية التي وردت في الكتاب المقدَّس هي أمور خالدة، وقد تحطمت على صخرتها كل الفلسفات الكاذبة والآراء الخاطئة.

5- جهل الإنسان بالأمور الميتافيزيقية لا يعنى عدم وجودها، فهناك كائنات دقيقة لا تراها العين المجردة، وعناك أصوات خافتة لا تسمعها الأذن البشرية، ومع ذلك فالكائنات الدقيقة موجودة، والأصوات الخافتة قائمة.

6- الاتساع المعجزي للكون يدعو الإنسان للاعتراف بضعفه، والتسليم بالأمور الميتافيزيقية… فما هي معرفة الإنسان عن الكون الشاسع المترامي الأطراف إلا معرفة سطحية؟

7- الإيمان بالأمور الميتافيزيقية يهب الإنسان الصحوة واليقظة والضمير الحساس والجهاد الروحي والرجاء في الملكوت(1).

حقًا إن الفكر البشري في تاريخه لم يعتمد على الأسطورة بمفردها، فمثلًا قدماء المصريين الذين كانت لهم أساطيرهم اعتقدوا بالبعث والحساب والخلود وهذه جميعها أمور ميتافيزيقية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وأهل بابل ربطوا بين الأسطورة ودراسة الفلك، واليونانيون اعتمدوا على الفلسفة العقلية… إذا لم تكن قط الأسطورة محور التاريخ والأديان، ولذلك فا قول “هيجل ” بالتطور الأسطوري لجميع الأديان قول جانبه الصواب كثيرًا، فهيجل غض النظر عن الاختلافات الفكرية الكثيرة، والتي قد تتناقض وتتصارع مع بعضها البعض، فمعتقدات قدماء المصريين تختلف عن اليونانيين، وعن اليهود، وعن الساكنين في غابت القارة السوداء، وعن معتقدات اليهود… إلخ فكيف يعتبر هيجل أن كل هذه المعتقدات تسير في اتجاه واحد وتتطور تطور واحد؟

ولو كانت نظرية هيجل صحيحة، وإن الأديان تعتمد على التطور الأسطوري، فلماذا لا نجد المذاهب الحديثة تنسج أساطيرها حول علو الذرة والإلكترونيات؟

أما “دافيد شتراوس ” الذي ادعى أن قصة المسيح من ميلاد معجزي ومعجزات السيد المسيح، وقيامته، وصعوده ما هي إلا أسطورة من وحى خيال التلاميذ وغيرهم، فإننا نقول له: وما رأيك في نبوءات العهد القديم (وهي محفوظة في أيدي كل من اليهود والمسيحيين) التي تخبرها عن الميلاد المعجزي، ومعجزات السيد المسيح، وقيامته، وصعوده؟

ولو أنكرنا هذه الأمور التاريخية بما فيها أشهر قصة من قصص التاريخ. قصة الإله المتأنس، فكيف نصدق أي حدث تاريخي آخر..؟فلو كانت المسيحية قد قامت على أساطير وخيال ما كانت تنتشر بهذه السرعة وهذه القوة أبدا… ودعنا نطرح بعض الأسئلة:

1- ما هو الدافع الذي جعل التلاميذ يخترعون قصة، ويتمسكون بها حتى الدم؟

2- ما هي إمكانيات هؤلاء التلاميذ البسطاء صيادي السمك في اختراع خيالات لا وجود لها من ميلاد معجزي، ومعجزات هذه عددها أجراها المسيح؟

3- هل حالة التلاميذ النفسية السيئة جدا عقب أحداث الصليب تمكنهم من اختراع قصة الصيامة ولم يمر على موت معلمهم أكثر من ثلاثة أيام؟

4- هل اتفق التلاميذ على جميع التفصيلات في ضلالاتهم، ورغم أنهم تشتتوا في أركان الأرض كانت أقوالهم متفقة تماما في كل شيء؟

5- هل يمكن أن يتفق التلاميذ جميعهم على هذه الأحداث دون أن يستيقظ ضمير واحد منهم ويكشف خداعهم؟

6- ولو اتفق التلاميذ جميعًا على هذه الأكاذيب فكيف يعلنونها في أورشليم وأمام الآلاف الذي عاصروا السيد المسيح وشاهدوا معجزاته وآياته ولم يكذبهم أحد بما يقولون.

ونظرًا يا صديقي لانتشار هذا المذهب الأسطوري بين غير المسيحيين وإدعاءاتهم بأن الكتاب المقدَّس أخذ من أساطير الأولين، لذلك فإن أرادت نعمة الله وعشنا سيكون لنا عودة لهذا الموضوع، وخوض غماره، وربما يستغرق هذا منا وقتا طويلا للرد على ما جاء في بعض الكتب مثل الفولكولور لمؤلفه جيمس فريزر، والتوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير لمؤلفه ليوتاكسل، وموسى وأساطير الشرق لناجح المعموري، والأسطورة والتراث لمؤلفه د. سيد القمني، والتوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير لمؤلفه السيد سلامة… إلخ.

_____

(1) راجع د. وهيب جورجى -الكتاب المقدس والعقيدة مع عرض ومناقضة مدارس التشكيل ص 63، 64.