المسيحيون بالحق – العظة 38 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
عظات القديس مقاريوس الكبير - د. نصحى عبد الشهيد - بيت التكريس لخدمة الكرازة
المسيحيون بالحق – العظة 38 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
المسيحيون بالحق – العظة 38 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
الأمر يحتاج إلى دقة عظيمة وفهم كبير لتمييز من هم المسيحيون بالحق.
تمييز المسيحيين بالحق:
إن كثيرين من الذين يظهرون أنهم أبرار يُحسبون أنهم مسيحيون ويليق لذوي المعرفة والاختبار أن يختبروا ويروا إن كان مثل هؤلاء الأشخاص لهم علامة وصورة الملك بالحقيقة، حتى لا يكونوا أشخاصًا مزيفين أو عمالاً مزيفين يعملون أعمال ذوي الخبرة والمعرفة ويُدهش منهم العمال المهرة وينتقدونهم، ولكن الناس الذين ليسوا ذوي خبرة لا يستطيعون أن يمتحنوا ويكشفوا “الفعلة الماكرون” (2 كو 11: 13)، حيث إن هؤلاء أيضًا يلبسون شكل النُساك أو المسيحيين لأنه حتى الرسل الكذبة تعرّضوا لبعض الآلام لأجل المسيح وبشروا بملكوت السموات. لهذا السبب يقول الرسول: “في الأتعاب أكثر في الضربات أوفر، في السجون أكثر” (2 كو 11: 23) قاصدًا بذلك أن يُظهر أنه قد تألم أكثر منهم.
إن الذهب يُكتشف بسهولة أما اللآليء والأحجار الكريمة التي تليق بتاج الملك فهي نادرة الوجود وأحيانًا فإن ما يُوجد منها لا يكون مناسبًا، هكذا أيضًا المسيحيون فإنهم يُصاغون ويُشكّلون ويُطعمون في إكليل المسيح لكي يكون لهم شركة مع القديسين. فالمجد لذلك الذي هكذا أحب تلك النفس وتألم لأجلها وأقامها من الموت.
ولكن كما أن البرقع كان موضوعًا على وجه موسى لكي لا ينظر الشعب إلى وجهه، هكذا أيضًا الآن فإن هناك برقع موضوع على قلبك لكي لا تتطلع إلى مجد الله وتراه. ولكن حينما يُنزع هذا البرقع، فإن (المسيح) يضيء ويُظهر نفسه للمسيحيين، أي لأولئك الذين يحبونه ويطلبونه بالحق كما يقول: “أُظهر له ذاتي” “وعنده أصنع منزلاً” (يو 14: 21، 23).
لنأتِ إلى المسيح لننال الموعد:
لذلك فلنجتهد أن نأتي إلى المسيح الذي لا يكذب، لكيما ننال الموعد والعهد الجديد- الذي جعله الرب جديدًا بصليبه وموته بعد أن كسر أبواب الجحيم والخطية، وأخرج النفوس المؤمنة، وأعطاهم المعزي في الداخل وردهم إلى ملكوته. إذن فلنملك معه في أورشليم مدينته أي في الكنيسة السماويّة، في محفل الملائكة القديسين. والإخوة الذين لهم خبرة طويلة وتمرّن يستطيعون أن يساعدوا قليلي الخبرة ويساعدوهم بإشفاق ومحبة.
درجات في النعمة:
إن بعض الأشخاص قد صارت لهم ثقة داخل أنفسهم، وقد عملت فيهم النعمة بقوة، هؤلاء وجدوا أن أعضائهم قد تقدست لدرجة أنهم حسبوا أن الشهوة لا وجود لها في الحياة المسيحيَّة، بل أنهم قد حصلوا على عقل متزن عفيف، وأن الإنسان الباطن قد ارتفع عاليًا إلى الأشياء الإلهيّة والسماويّة حتى أنهم اعتقدوا تمامًا أن مثل هذا الشخص قد وصل فعلاً إلى درجة الكمال.
وحينما يظن الإنسان أنه قد وصل إلى الميناء الهاديء تثور ضده أمواج متلاطمة، حتى أنه يجد نفسه مرة أخرى في وسط المحيط، وأنه محمول إلى حيث يكون البحر سماء والموت متربص به.
وهكذا دخلت الخطية وهكذا أنشأت كل “أنواع الشهوة” الشريرة (رو 7: 8) وأيضًا هناك بعض الأشخاص قد نالوا درجة من النعمة التي وُهبت لهم، بمعنى أنهم قد حصلوا على قطرة من عمق البحر العظيم، ويجدونها- ساعة بساعة ويومًا بيوم- إنها عمل عجيب مدهش حتى أن الإنسان الذي يكون تحت تأثيرها ينذهل ويتعجب من فاعليّة عمل الله الغريب والعجيب حتى أنه لا يستطيع أن يتصور كيف حصل على هذه الحكمة والاستنارة.
وبعد هذا فإن النعمة تنيره، وترشده وتعطيه سلامًا وتجعله صالحًا من كل الوجوه إذ أن النعمة نفسها إلهيّة وسماويّة، ولذلك فإنه بالمقارنة به يحسب الملوك والرؤساء والنبلاء أقل منه وبلا قيمة. ولكن بعد وقت يتغير الحال، حتى أن مثل هذا الإنسان يحسب نفسه خاطئًا أكثر من الجميع. وأيضًا في وقت آخر يرى نفسه ضعيفًا وفي غاية العوز والفاقة.
وحينئذٍ فإن العقل يقع في حيرة وارتباك، لماذا تكون الأحوال متقلبة هكذا؟ لأن الشيطان إذ هو يكره الصلاح والخير فإنه يوحي بأمور شريرة لأولئك الذين يتبعون الفضيلة ويسعى أن يُلقي بهم أرضًا- فإن هذا هو عمله.
ثق في الرب الذي يقودك وأطعه:
ولكن لا تخضع للشيطان، بينما أنت تتمّم البرّ الذي يتحقق في الإنسان الباطن، حيث يوجد كرسي دينونة المسيح مع أقداسه الطاهرة حتى أن شهادة ضميرك تفتخر بصليب المسيح، الذي “طهر ضميرك من الأعمال الميتة” (عب 9: 14)، لكي تخدم الله بالروح. ولكي تعرف من الذي تعبده على حسب قول الرب حينما قال “نحن نسجد لما نعلم” (يو 4: 22). ثق في الله الذي يقودك وأطعه واجعل نفسك في شركة مع المسيح كالعروس مع عريسها. لأن “هذا السر عظيم، ولكني أقول عن المسيح” (أف 5: 32) والنفس التي بلا لوم، له المجد إلى الأبد آمين.