مؤلف الرسالة الثانية المدعوة لإكليمندس الروماني – اعداد: lll athenagoras lll
مؤلف الرسالة الثانية المدعوة لإكليمندس الروماني
ردا على ما جاء في كلام منقذ بخصوص فقرة كليمندس (2 كليمندس 8: 5) وأين تقع في الإنجيل، لنقرأ الفقرة كاملة في الفصل الثامن يقول كاتب العظة:
“لذلك مثلما نحن على الارض دعونا نمارس التوبة لاننا كالطين في يد الصانع. لان الخزاف اذا صنع إناء وشوه أو انكسر في يديه فانه يعيد تشكيله مرة اخرى لكن اذا وضعه في نار الفرن قبل ذلك فلا يوجد سبيل للمساعدة هكذا نحن أيضًا بينما نحن في هذا العالم نتوب من كل قلبنا عن أعمال الشر التي فعلناها في الجسد لكي نخلص بالرب حيث مازلنا نملك فرصة للتوبة لان بعد رحيلنا من العالم فلا توجد قدرة اخرى للاعتراف أو التوبة تنتمي لنا من اجل ذلك أيها الأخوة بعمل مشيئة الآب وبحفظ الجسد مقدسا وبملاحظة وصايا الرب فسنفوز بالحياة الأبدية لان الرب يقول في الإنجيل “اذا لم تحفظوا القليل من سيودعكم الكثير؟” لأني أقول لكم أن الأمين في القليل أمين في الكثير وهذا ما يعنيه “احفظوا الجسد مقدسا والختم نقيا حتى تلاقوا الحياة الأبدية”
ونلاحظ ان الكاتب تحدث في عدة نقاط في هذا الفصل وهي كما يلي: ضرورة ممارسة التوبة واستخدام تشبيه الخزاف والطين وانه لا فرصة للتوبة بعد الموت كما أن الكاتب قد حدد ثلاث نقاط للفوز بالحياة الابدية وهي عمل مشيئة الآب وحفظ الجسد مقدسا وملاحظة وصايا الرب.
كما ان الكاتب قد اعاد صياغة [لوقا 16: 10-12] ” الأمين في القليل أمين أيضًا في الكثير. والظالم في القليل ظالم أيضًا في الكثير. فان لم تكونوا امناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق. وان لم تكونوا امناء في ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم.” في اقتباس غير مباشر. ثم أعاد استخدام ما قاله مسبقا في نفس الفصل عن حفظ الجسد مقدسا للفوز بالحياة الأبدية وان هذا ما يعنيه الرب يسوع في انجيل لوقا. ويعتقد البعض ان هذا الاقتباس من كتاب ابوكريفي مجهول لكن هذا يبدو بالاحرى شرحا للكلمات السابقة.
“Some have thought this a quotation from an unknown apocryphal book, but it seems rather an explanation of the preceding words” – The Ante-Nicene Fathers Vol. VII
ومن خلال قراءة الفصول السابع عشر والتاسع عشر والعشرين يتضح لنا أن هذا العمل الأدبي هو عظة دينية وليست رسالة. ففي الفصل السابع عشر يقول الكاتب “دعونا لا نفكر في لفت الانتباه ونؤمن فقط الآن حينما نلام من الكهنة ولكن أيضًا عندما نرجع للبيت” يقول لايتفوت “هذا يظهر بوضوح أن هذا العمل الذي أمامنا هو عظة يلقيها الكاهن في الكنيسة” وان الواعظ نفسه أحد الكهنة أو أسقف الإيبارشية. (أباء ما قبل نيقية الجزء السابع).
The Ante-Nicene Fathers Vol. VII
كما أن هذه العظة كانت تقرأ بواسطة الكاتب بصوت مسموع في الصلوات العامة بعد قراءات الكتاب المقدس ففي الفصل التاسع عشر يقول الكاتب “لذلك أيها الأخوة والأخوات بعد ان سمعتم إله الحق اقرأ عليكم استرحاما” وفي ختام الفصل العشرين يقرأ الكاتب “له (الرب يسوع) المجد الى ابد الأبدين آمين” هذه الصلاة الختامية (doxology) تظهر طقسا مبكرا لختم العظات.
أما بخصوص شخصية الكاتب ومكان وزمان الكتابة فتتنوع الآراء فيرى لايتفوت إن العظة كتبت في كورنثوس فيما بين (120 – 140م). وان الكاتب هو أحد الكهنة أو ربما الأسقف وان هذه العظة كانت تقرأ مع رسالة كليمندس الأولى من مخطوطة واحدة وكليهما بعنوان “الى أهل كورنثوس” ومن هنا استدل على أن كليهما بيد كليمندس.
إن التمايز بين العهد القديم والجديد في الفصل الرابع عشر واستخدام إنجيل المصريين في ختام الفصل الثاني عشر وارتباطا مع الاقتباسات من فقرات العهد الجديد كسلطان إلهي إضافة الى غياب أي إشارة للكتابات الغنوسية تشير الى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي. كل هذه الاعتبارات تقف ضد رؤية هيلجينفيلد الذي يعزي هذه العظة لكليمندس السكندري مفترضا زمن الكتابة بالنصف الثاني من القرن الأول.
أما بخصوص شخصية الكاتب فهناك ثلاث فرضيات: الأولى يقف برينيوس وحيدا مفترضا أن كاتب النص هو كليمندس الروماني إلا أن الدليل الداخلي يقف ضد هذه الفرضية حتى أن ترجمة رسالتي كليمندس تشير للقارئ الى مدى الاختلاف في أسلوب الكتابة. الفرضية الثانية يفترض فيها هيلجينفيلد أن الكاتب هو كليمندس السكندري ولكن هذا يعطي تاريخ متأخر جدا للعظة إضافة الى أن أباء الإسكندرية يقفون على نحو بالغ بعيدا عن هذا الإنتاج الواهن. أما الفرضية الثالثة وهي الأكثر قبولا فهي فرضية هارناك ويؤكدها لايتفوت حيث ينسب العظة الى كليمندس آخر قضى حياته متأخرا عن كليمندس الروماني ومبكرا عن كليمندس السكندري.
إن التاريخ المبكر جدا لهذه العظة المعروفة بـ “الرسالة الثانية لكليمندس” يجعل اقتباسات وتلميحات هذه العظة من قانون العهد الجديد ذات أهمية كبرى. فهذه العظة تقتبس “يشاء” من رسالة بطرس الثانية و”عتيد أن يموت” من سفر رؤيا يوحنا وإذا كان هذا الاقتباس من رسالة بطرس الأولى مرجحا فتعتبر أحد أقدم الشواهد المبكرة لرسالة بطرس الثانية.
“If this reference to the Second Epistle of Peter be probable, it is one of the earliest testimonies to the genuine character of that Epistle.” – The Ante-Nicene Fathers Vol. VII
إن العظة المعروفة بـ “الرسالة الثانية لكليمندس” والباقية من النصف الأول من القرن الثاني الميلادي تزخر بإشارات عن الله الآب وتعرفه بالآب الحقيقي كما في الفصل الثالث “لنصل بواسطته الى معرفة الآب الحقيقي” وفي الفصل الثالث أيضًا تقتبس العظة من إنجيل متى “من يعترف بي قدام الناس اعترف به قدام أبي” [متى 10: 32] وتعرف الآب أيضًا بانه أبو المسيحيين كما في الفصل العاشر “لذلك يا أحبائي لنفعل مشيئة الآب الذي دعانا” وفي الفصل الرابع عشر “فاذا فعلنا مشيئة الله أبينا فسنصير أعضاء الكنيسة الأولى الروحية” (هـ. ب. سويت – كتاب قانون إيمان الرسل وعلاقته بالمسيحية المبكرة).
Swete, H. B. – The Apostles’ creed: Its relation to primitive Christianity.
تشير العظة المعروفة بـ “الرسالة الثانية لكليمندس” الى أهمية الإحسان والعطاء ففي الفصل السادس عشر يقول الكاتب “إن الإحسان صالح كالتوبة عن الخطية والصوم أفضل من الصلاة والإحسان أفضل من كليهما الإحسان يستر كثرة من الخطايا” قارن مع [1 بطرس 4: 8]
كما تتميز العظة المعروفة بـ “الرسالة الثانية لكليمندس” بوجود التعبير “لكي” في صيغ وتشكيلات تقليدية ففي الفصل الرابع عشر يقول الكاتب “لأنها (الكنيسة) كانت روحية كما هو أيضًا يسوعنا وقد ظهر في نهاية الأيام لكي يخلصنا” قارن مع [1 بطرس 1: 20] (آباء ما قبل نيقية الجزء العاشر).
The Ante-Nicene Fathers Vol. X
تقع العظة المعروفة بـ “الرسالة الثانية لكليمندس” ضمن أعمال أباء الكنيسة المبكرة التي تتضمن تلميحات أو إشارات غير مباشرة الى إنجيل يوحنا ورسائله الثلاث ففي الفصل التاسع يقول الكاتب “كما أن المسيح الرب الذي خلصنا مع انه كان روحا اولا صار جسدا ثم دعانا” قارن مع [يوحنا 1: 14] وفي الفصل السادس يقول الكاتب “من سيكون شفيعنا (paráklētos) إذا لم نوجد عاملين أعمال تقية وصالحة؟” قارن مع [1 يوحنا 2: 1] هذا اللفظ يوحناوي الأصل في العهد الجديد وشاع استخدامه في منتصف القرن الثاني الميلادي. (براون – كتاب رسائل يوحنا).
Brown, R. E. – The Epistles of John
تحتوي المخطوطة القسطنطينية تعود لعام 1170م. ومنسوخة بالخط الصغير والتي اكتشفها برينيوس على النسخة كاملة من النص اليوناني لرسالتي كليمندس بينما تتضمن المخطوطة السكندرية (القرن الخامس الميلادي) على ثلاثة أخماس الرسالة الثانية وقد تم نشر نصي الرسالتين بواسطة المطران برينيوس عام 1875م. أدى هذا الى إصدار عدة تنقيحات بواسطة هيلجينفيلد وهارناك. إلا أن اكتشاف الترجمة السريانية للرسالة الثانية لكليمندس عام 1876م أعطت علماء الأبائيات مادة نقدية وافرة وقد بيعت المخطوطة السريانية التي تتضمن ترجمة لرسالتي كليمندس لمكتبة جامعة كامبردج في نفس العام.
وبمقارنة الثلاثة مصادر المخطوطة السكندرية والقسطنطينية والسريانية فإنها تظهر أن المخطوطة السكندرية هي المصدر الأكثر موثوقية والمخطوطة السريانية أكثر صحة من المخطوطة القسطنطينية. فنجد أن السريانية أكثر قيمة في تصحيح التخبطات الواضحة في النسخة اليونانية.
أقدم اقتباس مؤكد من العظة المعروفة برسالة كليمندس الثانية يوجد في كلمات يوسابيوس القيصري “يجب أن نعرف انه يوجد رسالة ثانية لكليمندس ولكننا لا نعتبرها جديرة بالمساواة مع السابقة حيث نعرف انه لا احد من القدماء قد استخدمها” العديد من النقاد حاولوا الدفاع عن أصالة الرسالة الثانية لكن الآن تعتبر واحدة من الكتابات العديدة التي نسبت خطأ لكليمندس الروماني. بجانب الدليل الخارجي المشار إليه في كتابات يوسابيوس القيصري فان الاختلاف الواضح في الأسلوب بين الرسالتين يشير الى كاتب مختلف عن كاتب الرسالة الأولى.
بالرغم من أن المخطوطة السكندرية تعنون النص كرسالة وتنسبه لكليمندس وبما أن المخطوطة السكندرية تعود للقرن الخامس الميلادي وليس بعد فيتضح تجذر هذه النظرة في الكنيسة ولكن في مجابهة الدليل الداخلي وانعدام كل الشواهد المبكرة فلا تجد الرسالة الثانية فرصة لتأسيس أصالة نسبها لكليمندس الروماني.