نظرة علمية بحتة في توثيق إنجيل يوحنا – أثيناغوراث
نظرة علمية بحتة في توثيق إنجيل يوحنا - أثيناغوراث
نظرة علمية بحتة في توثيق إنجيل يوحنا – أثيناغوراث
نظرة علمية بحتة في توثيق إنجيل يوحنا – أثيناغوراث
(أولاً) شخصية كاتب انجيل يوحنا:
وهناك نوعين من الأدلة يمكن النظر اليها إذا أردنا التوصل إلى نتيجة حول صاحب الإنجيل الرابع:
(1) الأدلة الخارجية.
(2) الادله الداخلية.
(1) الادلة الخارجية:
كما هو الحال مع الأناجيل الثلاثة نجد انه لا توجد مخطوطة واحدة تحتوي على نص انجيل يوحنا وتنسبه لشخص آخر غير القديس يوحنا . وهذا دليل ينسب الانجيل للقديس يوحنا وله سند متصل غير منقطع في وقت مبكر من الربع الأول من القرن الثاني.
في الواقع، إنجيل يوحنا فريد من نوعه بين الانجيليين وذلك لوجود برديات (Papyri) في وقت مبكر تحتوي نص انجيل يوحنا ومنها البرديتان (P66, P75) وتؤرخ بالقرن الثاني الميلادي و تشهد على نسبة الانجيل الرابع للقديس يوحنا. وبما أن هاتين المخطوطتين لا ترتبطان ارتباطا وثيقا ببعضها البعض، مما يعني أن لهما مصدر مشترك يسبقهما بما لا يقل عن ثلاثة أو أربعة أجيال من النسخ.
وعلاوة على ذلك، نجد ان المخطوطة “الفاتيكانية” (B=Vaticanus) والبردية (P75) ترتبطان ارتباطا وثيقا ولكن لا تعتبر البردية (P75) مخطوطة سلف (ancestor) بالنسبة للفاتيكانية وعليه فهذه الشهادة تشير الى مصدر نصي يسبق البردية (P75) بجيلين على الاقل!!
كل هذا يعني أنه من منذ بداية القرن الثاني، والإنجيل الرابع قد ارتبط بقوة بالقديس يوحنا الرسول.
شهادة اباء الكنيسة:
توجد شهادة القديس ايريناوس من انجيل يوحنا في القرن الثاني الميلادي. ويشير يوسابيوس الى أن إيريناوس تلقى معلوماته من القديس بوليكاربوس الذي بدوره حصل عليها من الرسل مباشرة.
جميع اباء الكنيسة بعد ايريناوس لم يشككوا في نسبة الانجيل الرابع للقديس يوحنا. كما ان قوائم الآباء وتشمل ترتليان، وكليمندس الاسكندري، واوريجانوس، وغيرهم تنسب الانجيل الرابع للقديس يوحنا.
ايضاً القائمة الموراتورية تشير ان القديس يوحنا قد كلف بكتابة انجيله بعد ان قبل القديس اندراوس رؤيا بذلك. وأخيرا، نجد ان المقدمة ضد مركيون تؤكد نسبة يوحنا لانجيله.
واضافة الى ما سبق نجد ان البردية (P52) وهى اقدم قصاصة لاي نص من العهد الجديد تحتوي على (يوحنا 18: 31-33, 37-38) وتؤرخ ببداية القرن الثاني الميلادي وايضاً البردية ايجرتون2 (Egerton2) ,وتؤرخ في نفس الوقت تقريبا، وهى معتمدة في نصها على كل من انجيل يوحنا والاناجيل الثلاثة (الازائية).
كما نجد أن التلميحات الآبائية المبكرة وأوائل البرديات توضح وفي وقت مبكر جداً استخدام انجيل يوحنا على نطاق واسع، وهي تعتبر شهادة ضمنية إلى قبول انجيل يوحنا من جانب الكنيسة. وحقيقة لا نجد في اي وقت من الاوقات هذا الإنجيل يحما اسم آخر غير القديس يوحنا.
واجمالا فإن الدليل الخارجي قوي جدا ينسب القديس يوحنا لانجيله كونه منتشراً على نطاق واسع وفي وقت مبكر.
(2) الدليل الداخلي:
يدرس مجموعتين من الادله الداخلية:
(1) الادلة الشهيرة للعالم وستكوت “البراهين المباشرة”.
(2) الادلة غير المباشرة الأخرى التي تدعم نسبة الانجيل الرابع للقديس يوحنا.
البراهين المباشرة:
(1) الكاتب اليهودي:
يقتبس الكاتب من حين لآخر من النص العبري للعهد القديم مثل:
(يوحنا 12: 40 = اشعياء 6: 10)
(يوحنا 13: 18 = مزمور 41: 9)
(يوحنا 19: 37 = زكريا 12: 10)
وايضاً كان الكاتب على بينة بالأعياد اليهودية مثل عيد الفصح (يوحنا 2: 13, 6: 4, 11: 55) وعيد المظال (7: 37) وعيد التجديد “الحانوكا” (يوحنا 10: 22) وانه على بينة بالعادات اليهودية مثل ترتيب الأواني المياه (الاصحاح الثاني) وعادات الدفن (يوحنا 11: 38-44).
(2) الكاتب اليهودي من فلسطين:
كان يعلم الكاتب جيدا ببئر يعقوب في (يوحنا 4: 11) ويميز بين بيت عنيا وبيت عنيا عبر الأردن. باختصار نجد ان الكاتب مطلع بطوبوغرافية فلسطين (topography).
(3) الكاتب شاهد عيان مما كتبه:
قال الكاتب انه عاين مجد المسيح في (يوحنا 1: 14) وقد استخدام الفعل “راينا” (θεάομαι) التي تحمل دائما معنى “الفحص البدني” في العهد الجديد راجع قاموس (BAGD) ايضاً هناك اشارة الى انسحاب يهوذا في الليل (يوحنا 13: 16) واشارة اخرى الى وقت الساعة السادسة (يوحنا 4: 6) وما إلى ذلك.
(4) الكاتب هو احد الرسل:
لديه معرفة وثيقة ما حدث بين التلاميذ راجع حادثة عرس قانا الجليل والحوار مع السامرية ومعجزة مشي المسيح على البحر (يوحنا 2: 11, 4: 27, 6: 19) … الخ
(5) الكاتب هو القديس يوحنا الرسول:
الكاتب منضبط جدا في ذكر أسماء الشخصيات في الانجيل. واذا كان كذلك فالسؤال اذن فلماذا حذف اسم يوحنا؟ “التلميذ الذي كان يحبه يسوع” إلا إذا كان هو نفسه يوحنا!!
وعلاوة على ذلك نجد يوحنا بن زكريا قد اتخذ لقب “المعمدان” في جميع الاناجيل الازائية كما في (متى 3: 1, 11: 11-12, 14: 2, 8, 16: 14, 17: 13, مرقس 6: 14, 24, 25, 8: 28, لوقا 7: 20, 28, 33, 9: 19)
بينما يذكر كاتب الانجيل الرابع اسم يوحنا المعمدان مجرداً “يوحنا” فقط بدون لقبه (يوحنا 1: 6) مما يعني أنه إذا كان ظهر اسم الكاتب في اثناء سرد نص الانجيل فانه بالقطع سيكون هو الكاتب نفسه ويجب أن يعطيه لقباً مميزاً مثل “التلميذ الحبيب” والا فهذا من شأنه أن يؤدي الى الارتباك.
الدليل غير المباشر:
بالاضافة الى البراهين المباشرة التي ذكرها العالم وستكوت (Westcott) فهناك الأدلة العرضية غير المباشرة ومنها:
(1) يستخدم الكاتب زمن المضارع السردي او التاريخي (historical or narrative present) أكثر من الإناجيل الأخرى (161 مرة) وهذه الطريقة اشارة الى حيويه التصوير. ينبغي أن نلاحظ استخدامه خاصة في الاصحاح الرابع وهذا يشير إلى ذكريات حية عن شاهد عيان.
(2) في قصة المولود اعمى وختام انجيل يوحنا (يوحنا 19: 35, 21: 24-25) نجد ان القراءة الطبيعية للنص تشير إلى أن احد شهود العيان كتب انجيل يوحنا.
(3) يظهر “التلميذ الحبيب” مع بطرس في عدة مناسبات منها: نجده ضمن مجموعة من سبعة في (يوحنا 21: 2) (بطرس, توما، نثنائيل، وابنا زبدي واثنان آخران) وهنا لابد انه احدا هؤلاء الأربعة تلاميذ الاخيرين الذين لم تعطى لهم اسماء ولان التلميذ يوحنا لم يظهر بالاسم في هذا الإنجيل (على الرغم من أنه ذكر عشرين مرة في الاناجيل الازائية).
وهنا يوجد احتمالين: إما أن كاتب هذا العمل لم يكن على علم تما بالقديس يوحنا الرسول وهو احتمال يبدو بعيد تماما. او انه هو شخصياً كان التلميذ يوحنا!!.
(4) وبعيداً عن تقليد الاناجيل الازائية فان حقيقة أن أكثر من 90٪ من مواد انجيل يوحنا فريدة من نوعها إلى جانب القبول المبكر من قبل الكنيسة، بالاضافة الى حقيقة أن انجيل يوحنا كان مستخدماً على نطاق واسع في الاوساط الغنوسية في وقت مبكر و لم تتخلى عنه الكنيسة الأرثوذكسية فهذا يدعم بشكل قاطع تماما أن الجميع اعترف بنسبة الانجيل الرابع للقديس يوحنا الرسول..
واجمالا فهناك العديد من الادلة الممتازة (الخارجية والداخلية) لقبول الإنجيل الرابع بأنه تم تحرير القديس يوحنا الرسول.
(ثانياً) تاريخ كتابة انجيل يوحنا:
يؤرخ معظم العلماء هذا الإنجيل فيما بين (90-100)م. ويمكن تلخيص الادلة المؤيدة لهذا التأريخ كما يلي:
(1) عادة يؤرخ الاباء الرسولين هذا الانجيل بعد الاناجيل الازائية الثلاثة (متى, مرقس, لوقا).
(2) الإشارة إلى اليهود على أنهم اعداء الرب يسوع يشير الى تاريخ متأخر أي الوقت الذي كان فيه اليهود صاروا أعداء للكنيسة.
(3) وبافتراض أن يوحنا استخدم الاناجيل الازائية الثلاثة (متى, مرقس, لوقا) وبافتراض أن لوقا ومتى حررا في عام 80 ميلادية فان انجيل يوحنا يجب أن يؤرخ في وقت لا يسبق عام 90م.
(4) عدم الإشارة إلى نبوءة تدمير الهيكل وخراب اورشليم فهذا يعطي تاريخ بعد عام 70م.
(5) اللاهوت المستخدم في انجيل يوحنا متقدم للغاية، وخاصة في علم الكرستولوجي (Christology) وهذا يفترض ان الانجيل الرابع لا يمكن ان يكون مكتوباً في ستينات القرن الاول الميلادي.
(6) الفكر الغنوسي الناشئ الذي حاربه القديس يوحنا في رسالته الاولى يقدم تأريخ يرجح بأواخر القرن الأول.
(7) الموضوع “معمودية الماء” في يوحنا 3، “العشاء الرباني” في يوحنا 6 تشير إلى تاريخ متأخر.
(8) في انجيل يوحنا (9: 22) قصة “الرجل الأعمى” الذي طرد من المجمع اليهودي هو إشارة ضمنية إلى طرد اليهود للمسيحيين، وهو الذي لم يحدث قبل عام 80م.
هذه الادلة الثمانية تعتبر ذات وزن كبير وقوية جدا وتؤيد التأريخ المتاخر لتحرير انجيل القديس يوحنا فيما بين عامي (90-100) ميلادي.
(ثالثاً) مكان ووجهة كتابة انجيل يوحنا:
هناك شهادة خارجية في وقت مبكر تضع انتشار هذا الإنجيل في أفسس
(كما في إيريناوس والمقدمة ضد مرقيون).
وهناك أيضا بعض الشهادات إلى أن يوحنا الرسول عاش بها السنوات الأخيرة من حياته في أفسس وهو الامر الأكثر قبولا.
وإذا كان أفسس هو مكان كتابة انجيل يوحنا فيطرح سؤالان:
(1) هل كان يوحنا في أفسس عندما تم نشر هذا الإنجيل؟؟ أم لا.
(2) ما هي بنية المتلقين؟
ويقول العالم دانيال والاس: “في رأينا أن القديس يوحنا قد انتهى من الجزء الأكبر من إنجيله بينما في فلسطين مضيفا الاصحاح الاخير وربما بعض اللمسات الاخيرة وما تبقى من العمل عند وصوله إلى أفسس” .
ان المتلقين لهذا الانجيل هم غير اليهود “الامم” إلى حد كبير. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الإشارة إلى “اليهود” بأنهم أعداء للمسيح.
فضلا عن العديد من التفسيرات والتأويلات والتعليقات الجانبية التي من شأنها أن تكون غير ضرورية إذا كان الجمهور اليهودي.
راجع على سبيل المثال (يوحنا 1: 38, 41, 42, 5: 2)