هيبوليتوس الروماني وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
هيبوليتوس الروماني وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
هيبوليتوس (170- 235م):
وُلد القديس هيبوليتوس حوالي سنة 170م وكان كاهناً بروما، يقول القديس جيروم أنه كان أسقفاً[1]. ولكن التقليد الغربي يقول أنه كان قساً، وكتب العديد من الكتب في تفاسير الكتاب المقدس والعلوم الكنسية ومن أشهرها عن الفصح. وكان صديقاً للعلامة أوريجانوس، وكان يزور الإسكندرية كثيراً، وكان أوريجانوس يتبادل معه الزيارات، وقام بزيارته في روما عام 215م، واستمع إلى عظة له عن ” تكريم المخلص “.
ويرى الباحثون أن كتابات هيبوليتوس قد تأثرت بتعاليم كنيسة الإسكندرية، كما تأثر هيبوليتوس بالقديس إيريناؤس أسقف ليون، بل ويعتبر احد مؤلفاته امتداداً لكتاب القديس إيريناؤس ” ضد الهرطقات ” والذي كتبه سنة 180 ميلادية[2].
ويذكر كل من يوسابيوس وجيروم أهم مؤلفاته التي وصلت إليهم في أيامهم؛ ” في ستة أيام الخليقة، وعن الخروج، وعن نشيد الأنشاد، وعن التكوين، وعن زكريا وعن المزامير، وعن اشعياء، وعن دانيال، وعن سفر الرؤيا، وعن الأمثال، وعن الجامعة، وعن الروح، وعن المحبة، وفيما بعد المسيح، وعن الاضطهاد، وضد ماركيون، وعن الفصح، وضد كل الهرطقات، وتحذير عن قيامة المسيح، والخلاص “[3].
هذه الكتب تبقى لنا منها عدداً قليلاً أهمهما كتبه ” ضد الهرطقات “، والتي كانت مكونة من عشرة كتب، وصلنا منها ثمانية وضاع الكتابان الثاني والثالث. وتبقى أيضاً كتابه ” ضد المسيح ” وهو كتاب في العقيدة شرح فيه كيفية مجيء ضد المسيح، ومن هو ومتى يأتي؟ وشذرات ليست بكثيرة من قليل من الكتب الأخرى، من جزء من تفسيره لسفر دانيال، والتي استشهد بها واقتبس فيها من اسفار العهد الجديد وتكلم صراحة عن وجود عهدين العهد القديم والعهد الجديد والإنجيل الرباعي. بل وينسب إليه البعض كتابة الوثيقة الموراتورية[4].
ولم يترك لنا هيبوليتوس قائمة بأسفار العهد الجديد مثل إيريناؤس وغيره، ولكنه استشهد واقتبس من جميع أسفار العهد الجديد السبع وعشرين. وساوى بين الأنبياء ورسل المسيح، ووضع قانونية ووحي وموثوقية أسفار العهد الجديد على قدر المساواة مع أسفار العهد القديم. كما اقتبس من بعض كتابات الآباء الرسوليين مثل راعيهرماس والديداكية ورسالة برنابا، ولكن ليس كأسفار قانونية[5].
وقد اقتبس واستشهد بأسفار العهد الجديد أكثر من 1300 مرة، وأشار إلى قراءتها فى الاجتماعات العبادية العامة[6] كما أشار إلى قداستها ووحيها وكونها كلمة الله[7]. فقد استشهد بالإنجيل للقديس متى أكثر من 80 مرة، والإنجيل للقديس مرقس 10 مرات، والإنجيل للقديس لوقا 45 مرة، والإنجيل للقديس يوحنا أكثر من 70 مرة، وسفر أعمال الرسل 18 مرة، والرسالة إلى رومية 17 مرة، والرسالة الأولى إلى كورنثوس 25 مرة، والرسالة الثانية 6 مرات، والرسالة إلى غلاطية 14 مرة، والرسالة إلى أفسس 15 مرة، والرسالة إلى فيلبي 9 مرات، والرسالة إلى كولوسي 13 مرة، والرسالة الأولى إلى تسالونيكي مرتين، والرسالة الثانية 4 مرات، وتيموثاوس الأولى 7 مرات، والثانية ثلاث مرات، والرسالة إلى تيطس مرة واحدة، والرسالة إلى العبرانيين 5 مرات، ورسالة يعقوب مرة واحدة، ورسالة بطرس الأولى 4 مرات، والثانية حوالي 11 مرة، ورسالة يوحنا الأولى 4 مرات، ورسالة يهوذا مرة واحدة، وسفر الرؤيا 23 مرة[8].
وقد يتصور البعض أن هيبوليتوس لم يعترف بالرسالة إلى العبرانيين أو رسائل يعقوب وبطرس الثانية ويهوذا، لذا نؤكد أنه اقتبس أو استشهد بنصوصها حوالي 19 مرة باعتبارها أسفار قانونية موحى بها. وعلى سبيل المثال فقد استشهد بالرسالة إلى العبرانيين في قوله: ” ويحمل كل الأشياء في يده، الذي تألم وهو يشفي المتألمين، الذي ضُرب مشيراً إلى لطمه أثناء تحريره للعبيد وأنعم بالحرية على العالم “[9]. وهذا جوهر ومضمون الآية التالية في العبرانيين: ” وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا ” (عب1 :3)، والآية التالية: ” لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ ” (عب2 :18).
وأيضاً: ” أقسم (الآب) للواحد الصالح (الابن)، كما هو مكتوب: اقسم الرب ولن يندم “[10]. وهي اقتباس مباشر مما جاء في العبرانيين، خاصة الجزء الثاني من الآية: ” وَأَمَّا هذَا (المسيح) فَبِقَسَمٍ مِنَ الْقَائِلِ لَهُ: أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ، أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ ” (عب 7 : 21).
وفي شرحه لوجود يسوع وقوته على الإنسانية يقول بالحرف الواحد: ” الرب إلهنا نار آكلة “[11]. وهذا النص مأخوذ حرفياً من الرسالة إلى العبرانيين في قوله: ” لأَنّ إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ ” (عب12 :29).
ويقتبس من الرسالة إلى يعقوب قائلاً: ” طلبت رحمة منذ زمن طويل، ولكن مصابيحكم مظلمة بسبب صلابة قلوبكم، أبعدوا عني، لأن الدينونة بدون رحمة للذين لم يعملوا الرحمة “[12]. وهو نص أقرب للاقتباس الحرفي لقوله: ” لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً ” (يع2 :13).
كما يستشهد أيضاً برسالة بطرس الثانية، بقوله: ” وستكون شريك الطبيعة الإلهية مع المسيح، ولا تكن مستعبداً للشهوات والأهواء، ولا تضيع ثانية بالأمراض، لأنك صرت إلها “[13]. وهذا جوهر ما جاء في رسالة بطرس الثانية: ” لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ ” (2بط1 :4).
وأيضاً قوله: ” والآن يسيطر كلمة الله (Logos) على كل هذه، بكر الله، صوت الفجر الذي يسبق كوكب الصبح “[14]. والجزء الثاني من الاقتباس يستشهد بالجزء الأخير من قول القديس بطرس في رسالته الثانية: ” إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ ” (2بط1 :19).
وأيضاً قوله: ” سيأتي في الأيام الأخيرة مستهزئون، سالكين بحسب شهواتهم. وسيكون هناك معلمون كذبة بينكم الذين سيدسون بشكل سري بدع لعينة “[15]. وهنا يستشهد بشكل مباشر في نصف الفقرة الأول بما جاء في بطرس الثانية: ” عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ ” (2بط3 :3)، وفي النصف الثاني بقول الرسالة: ” كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أيضاً مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ ” (2بط2 :1).
كما استشهد أيضاً بما جاء في رسالة يهوذا في قوله: ” سيكون هناك اولئك المعتزلون بأنفسهم بلا خوف “[16]. وهي تستشهد، في مضمونها، بما جاء يهوذا 19: ” هؤُلاَءِ هُمُ الْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ “.
أي اقتبس من جميع أسفار العهد الجديد فيما عدا رسالتي يوحنا الثانية والثالثة، ربما لأن مضمونهما موجود في الرسالة الأولى والإنجيل للقديس يوحنا الذي استشهد به أكثر من 70 مرة. ولم يقتبس من كتب الآباء الرسوليين، كراعي هرماس، ككتب قانونية ومحى بها، أو من الكتب الأبوكريفية، كأعمال بولس وغيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
[1] مشاهير الرجال 74.
[2] هيبوليتوس الروماني إعداد د. جورج عوض إبراهيم.
[3] جيروم مشاهير الرجال 74، ويوسابيوس ك 6 ف 20 :1.
[4] Wood, D. R. W., & Marshall, I. H. New Bible dictionary (3rd ed.) P.172–173.
[5] F. F. Bruce, P. 178.
[6] ANF Vol. 5:251.
[7] Ag. One Noe. 9-14.
[8] PNF, Vol. 686 – 685.
[9] The Discourse on the Holy Theophany, Fragment, 8 :9.
[10] The Justinian Heresy Unfolded in the ” Book of Baruch “.
[11] The Refutation of All Heredies, B. 6 , 27.
[12] Treatise in the Anti Christ, ch. 47.
[13] The Author’s Concluding Address.
[14] The Refutation of All Heredies, Vol. 10 , 19.
[15] ANF Vol. V, 244.
[16] ANF Vol. V, 244.