في البدء كان الكلمة، ما المقصود بالكلمة هنا؟ هل الرب يسوع المسيح أم كلمة منطوقة
في البدء كان الكلمة، ما المقصود بالكلمة هنا؟ هل الرب يسوع المسيح أم كلمة منطوقة
في افتتاحية إنجيل يوحنا: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ” (يوحنا 1: 1)، هل تعني “الْكَلِمَةُ” هنا شخص يسوع نفسه، أو هل هي مجرد كلمة الله نفسه ولا تعني شخص الابن؟
لا يوجد شكٌ أن الكلمة (اللوغوس) في افتتاحية إنجيل يوحنا إنما بشير إلى الكلمة الأزلي يسوع المسيح. يوجد تفسيرٌ آخر مفاده أن اللوغوس هو ببساطة كلمة الله الموحى بها، والمجسَّدة في الكتاب المقدس والتبشير. هذا غير صحيح. فالتقليد الآبائي متفق بالإجماع على أن اللوغوس هو الابن الأزلي، الذي “صار جسداً” في شخص يسوع الناصري (1: 14).
على كل حال توضح “Monogenes” أو الأنتيفونة الثانية في القداس الإلهي أن التجسد حدث “بدون تغيير” atreptos مستعملة لفظة خلقيدونية شهيرة. يوجد تواصل مباشر بين الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا ولاهوت الثالوث القدوس في الكنيسة لاحقاً: إن اللوغوس المتجسّد، يسوع الناصري، هو أحد الثالوث القدوس.
لنستعرض بعض الأقوال الآبائية في هذا الصدد(6):
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “في حين بدأ كل الإنجيليون الآخرون بالتجسد…. فإن يوحنا، وقد تجاوز عن كل شيء آخر: الحبل به, ولادته، تربيته، نموّه، يتحدث مباشرة عن ولادته الأزلية”.
يقول أوغسطينوس: “تأمّل تلك الولادة الأولى: في البدء كان الكلمة. كلمة مَن؟ كلمة الآب. أي كلمة؟ الابن نفسه”.
هكذا أيضاً يقول هيلاريون (بواتييه)، كيرلس الإسكندري، وعملياً التقليد الآبائي بأكمله.
إن طبعة الكتاب المقدس الإنكليزية The New Revised Standard Version ترجمت يوحنا 1: 14 كما يلي: “وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ آبٍ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا”. وتوجد ملاحظة تقول: “أو لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ”.
فسألت عالم الكتاب المقدس المرموق Bruce Metzger عن هذه الترجمة (إذ كان عضواً في لجنة الترجمة)، مجادلاً أن هذه الترجمة خاطئة. فبدا Metzger متكدّراً وأجاب: “لقد صوّتَ ضد هذا لكنني غُلبت”. ففي الحقيقة أن ترجمة The New Revised Standard Version تلمّح إلى أن النعمة والحق خاصان بكل ابن أبٍ!
هذه نقطة حاسمة. إن أية محاولة لجعل اللوغوس في هذه الآيات مجرد كلمة (بشرية)، بدلاً من شخص الابن الأزلي لله الآب، هي ليس خاطئة فقط، بل تمثّل أيضاً تفسيراً فاسداً وسخيفاً، قد فشل في إدراك أن افتتاحية يوحنا بأكملها تتحرك من التأكيد الأولي في 1: 1-2 إلى الخاتمة في 1: 18: إنه “الله الابن الوحيد” هو مَن أظهر أو فسّر (exegesato) الآبَ للعالم.
بالإضافة إلى هذا، يجب أن نلاحظ البنية المتقاطعة (التوازي المتحد المركز) والتي تسم الافتتاحية بأكملها. فالآيتان 1و2 تتوازيان بشكل مباشر مع الآية 18، مما يُظهر بناء على التحليل الأدبي أن “اللوغوس” متطابق مع “ابن الآب”. (الأب جان بريك)
“قد يحث أيضاً أن ما يكون بحد ذاته سهل الفهم، قد يكون صعباً بسبب عدم خبرة المستمعين. لهذا قال الرب يجب أن نفتش في الأسفار؛ وما كان سيقول هذا لو أمكن للمرء أن يفهمها من القراءة الأولى. لكن إذا بقي الكثير منها غامضاً، فمع ذلك ستفهم بعضاً منها، وسنستخرج فائدة منها” (القديس يوحنا الذهبي الفم)
“إن الذي خاطب موسى على طور سيناء قديماً برموز قائلاً: أنا هو الكائن، اليوم تجلّى في طور ثابور على التلاميذ، وأظهر في ذاته جمال عنصر الصورة الأولى باتخاذه الجوهر البشري، وأقام شهوداً لهذه النعمة: موسى وإيليا، وجعلهما مشتركَين بالسرور، وسابقي الكرازة بالعتق بواسطة الصليب، وبالقيامة الخلاصية” (صلاة غروب عيد التجلّي)
(6) Ancient Christian Commentary on Scripture. New Testament, vol. 4a