لماذا قال المسيح أبي أعظم مني؟ (يو14: 28) القمص عبد المسيح بسيط
لماذا قال المسيح أبي أعظم مني؟ (يو14: 28) القمص عبد المسيح بسيط
لماذا قال المسيح أبي أعظم مني؟ (يو14: 28) القمص عبد المسيح بسيط
كيف يكون الآب أعظم من الابن وهو الذي أكد التساوي المطلق بين الآب والابن عشرات المرات؟
والإجابة هي بسبب التجسد وإخلائه لذاته من مجده واتخاذه لصورة العبد. يقول القديس بولس بالروح القدس ” فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا، الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله، لكنه أخلى نفسه أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه اسما فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب ” (في5: 211).
+ فما معنى قوله بالروح ” الذي إذ كان في صورة الله “؟
+ وما معنى قوله ” لم يحسب خلسة أن يكون مساويا لله “؟
+ وما معنى قوله أنه ” أخلى نفسه “؟
+ وما معنى قوله ” أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان؟”.
+ وهل يعني هذا أن المسيح أخلى نفسه من لاهوته ومن مجده وعظمته ومن كونه الإله كلي القدرة والوجود والعلم واصبح مقيدا ومحدودا بحدود الجسد؟
1 صورة الله ” الذي إذ كان في صورة الله “:
يستخدم الرسول بالروح في قوله ” الذي إذ كان في صورة الله ” النص اليوناني ” مورفي μορφή morphē ” والذي يعبر عن طبيعة الكيان وشخصه (Marvin R. Vencent’s Word Study in the New Testament Vol. 3 P. 431.)، والذي يشير إلى الظهور الخارجي الذي يوصل للجوهر (Frank A. Gaebelein the Expositors Bible Commentary Vol. 11 P. 123.)، وهنا يُعبر عن الكيان الجوهري لله (Vencent’s Vol. 3 P. 431.)، ولذا فالتعبير ” صورة الله ” في هذه الآية مترجم طبيعة “who existing in the nature of God ” و ” He always had the nature of God ” و ” who, existing in the form of God ” و ” To whom, though himself in the form of God “
ومترجم في NIV ” في نفس طبيعة الله In The Very Nature Of God” أي ” الذي إذ كان في نفس طبيعة الله “(New International Version).
ويسبق قوله ” صورة الله μорφη θεου Morphe Theou ” عبارة ” الذي إذ كان ός εν Hos en “، و ” كان ” هنا ليست في الماضي البسيط، بل في الزمن التام المستمر والذي يعنى هنا الوجود من البدء، أسبقية الوجود، الذي كان موجوداً دائماً، بصفة مستمرة في حالة الاستمرار، مثل قوله ” في البدء كان الكلمة”. ويلي ذلك أيضاً قوله أنه، المسيح، ” مساوياً لله ” الآب. ولا يساوى الله إلا الله، كلمة الله، صورة الله، الذي له نفس طبيعة وجوهر الله. هو الذي كان دائماً ويكون دائماً وسوف يكون أبداً، الأزلي الأبدي، الذي لا بداية له ولا نهاية، كقول الكتاب المقدس ” يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد ” (عب8: 13)، وقول الرب يسوع المسيح عن نفسه ” انا الالف والياء. البداية والنهاية. الاول والآخر ” (رؤ13: 22).
وقوله ” لم يحسب خلسة أن يكون مساويا (isa ισα) لله ” يوضحه ما سبق أن قاله الرب يسوع المسيح لرؤساء اليهود ” أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل ” وفهم رؤساء اليهود من قوله أنه يعمل مثل الله أنه يعنى المساواة المطلقة لله، يقول الكتاب ” من أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا إن الله أبوه معادلا (ison ισον نفسه بالله”. وقد استخدم الكتاب في كلتا الآيتين نفس التعبير “مساو أو معادل من الفعل ” أيسوس isos ισος ” والذي يعني مساو أو معادل.
أي أنه وهو صورة الله المعبر عن الكيان الجوهري للذات الإلهية ” صورة الله غير المنظور ” (كو15: 1)، الذي هو الله، الله الكلمة المساوي لله الآب ” بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته ” (عب3: 1)، لم تحسب هذه المساواة التي له مع الآب خلسة بل هي من صميم ذاته لكنه مع ذلك حجبها في ناسوته متخذا صور عبد.
2 أخلى نفسه:
” لكنه أخلى نفسه أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب”. فما معني ” أخلى نفسه ” هنا؟ يستخدم الكتاب هنا الفعل اليوناني “ekenosen εκένωσεν ” من الفعل ” kenow κενόω ” والذي يعني يخلي ” He emptied Himself“. وترجمت في بعض الترجمات بمعني ” أصبح بلا شهرة ” made Himself of no reputation “، وترجمتها ترجمة WNT ترجمة تفسيرية: ” Nay, He stripped Himself of His glory, and took on Him the nature of a bondservant by becoming a man like other men“، أي ” جرّد نفسه من مجده وأتخذ لنفسه طبيعة العبد صائرا كإنسان مثل أي إنسان ” مثل قوله ” فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره. ” (2كو8: 9)،
وفسرها الآباء عبر تاريخ الكنيسة بمعنى ” حجب لاهوته، أخفي لاهوته ” في ناسوته، حجب مجده السماوي في ناسوته بإرادته، أفتقر وهو الغني، كما يقول الكتاب، ” من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره ” (2كو9: 8). وهذا واضح من مخاطبة الرب يسوع المسيح للآب ” مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ” (يو17: 5).
لقد أخلى الرب يسوع المسيح نفسه بمعنى حجب مجده، فهو مع كونه كلمة الله (يو1: 1)، الله الكلمة، عقل الله الناطق ونطق الله العاقل، صورة الله غير المنظور (كو15: 1)، صورة الله المساوي لله الآب (في6: 2)، بهاء مجد الله الآب ورسم جوهرة (عب3: 1)، ابن الله الوحيد الذي هو في ذات الله ومن ذات الله، ” أخلى نفسه وحجب مجده، أخفي لاهوته في ناسوته، حجب لاهوته في ناسوته، قبل على نفسه الحدود، حدود البشرية، حدود الإنسان المحدود بالزمان والمكان، ظهر في الهيئة كإنسان وهو في ذاته، بلاهوته، صورة الله المساوي لله كلي الوجود، غير المحدود بالمكان أو الزمان! ظهر في زمن معين ” في ملء الزمان ” (غل4: 4)، ومكان معين على الأرض في فلسطين، وهو، بلاهوته، الذي بلا بداية له ولا نهاية! ظهر على الأرض متخذا صورة الإنسان المحدود بالطول والعرض والارتفاع، وهو بلاهوته، الذي لا يحده مكان أو زمان.
قبل الرب يسوع المسيح تطوعاً وباختياره أن يخلي ذاته بأن يحجب، يخفي، لاهوته في ناسوته، أن يحجب، يخفي، مجده وعظمته، كإله، في إنسانيته التي أتخذها من العذراء القديسة مريم، تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس ” ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة ” (غل4: 4)، أي تجسد، ظهر في الجسد، حل في الناسوت، أخذ جسداً، أتخذ جسداً، ظهر في الجسد، صورة الله أتخذ صورة العبد، يقول الكتاب المقدس:
” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة … والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة و حقا ” (يو1: 1-4و14).
” وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد ” (1تي16: 3).
” فانه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا ” (كو9: 1).
” الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به ” (1يو1: 1-3).
3 الإله المتجسد الذي ينسب ما للاهوته لناسوته وما لناسوته للاهوته (تبادل الخواص والصفات):
كانت نتيجة إخلائه لنفسه باحتجاب، أخفاء، لاهوته في ناسوته،اتخاذه جسدا، حلول اللاهوت في الناسوت، اتحاد اللاهوت بالناسوت، ظهوره في الجسد، أن أصبح الرب يسوع المسيح إلهاً وإنساناً في آن واحد، الإله المتجسد، له كل صفات اللاهوت وكل خواص الطبيعة الإلهية، باعتباره الإله القدير، وله أيضا كل صفات الطبيعة الإنسانية وخواص الناسوت، الجسد، الإنسان. كان يعمل ويتكلم كإله وفي نفس الوقت يعمل ويتكلم كإنسان، ينسب ما للاهوته لناسوته وما لناسوته للاهوته باعتباره الإله المتجسد، المسيح الواحد. وهذا ما يسمى بتبادل الصفات والخواص Communicattio Idiomatum – The Communication of Attributes، بين اللاهوت والناسوت، أي نسب ماللاهوت للناسوت وما للناسوت للاهوت.
فبحلول اللاهوت في الناسوت، ظهور الله في الجسد، صيرورة الكلمة جسداً، اتخاذ صورة الله لصورة العبد، أتحد اللاهوت بالناسوت منذ اللحظة الأولى للتجسد في رحم العذراء، مثل اتحاد الحديد بالنار، هذا الاتحاد الذي تتخلل فيه النار وتتغلغل في كل ذرات الحديد، ومثل اتحاد الروح بالجسد، في الإنسان، وتغلغلها وتخللها لكل ذرات الجسد، في شخص واحد، هكذا ولد المسيح من العذراء كالمسيح الواحد والأقنوم والواحد هو الإله المتجسد، بطبيعة واحدة متحدة من طبيعتين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، وبغير انفصال أو افتراق. إله حق، كامل في لاهوته، وإنسان حق، كامل في ناسوته، الإله المتجسد.
4– ولهذه الأسباب قال أبي أعظم مني:
إذاً فقد قال أبي أعظم مني ليس بسبب اللاهوت إنما بسبب اتخاذه للناسوت فالآب أعظم من الابن كإنسان لا ككلمة الله، بل في حال كونه إنسان عندما وضع نفسه واتخذ صورة العبد، عندما افتقر وهو غني، عندما صار جسداً وحل بيننا. ويشرح آباء الكنيسة عبر تاريخها كالآتي:
+ يقول القديس هيلارى أسقف بواتييه: ” الابن يمتلك بالطبيعة طبيعة المولود منه. ولكن هذه الطبيعة أخذت صورة الإنسان وضعفه. وبإخلاء نفسه من صورة الله اتخذ صورة عبد. الطبيعة الخالدة لم تتلاشى , بل كائنة فيه , ولكنها أخذت أتضاع الولادة الأرضية. ومارست قوتها في صورة الاتضاح الذي أخذته”.
+ ويقول القديس امبرسيوس ” الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة إن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه”. ليس انفصالاً , ولكنه اخذ ما ليس له ” أخذاً صورة عبد”.
+ ويقول أيضاً ” أن ابن الله قد وضع ليس فقط اقل من الآب , وإنما أيضاً اقل من الملائكة … فهل الابن اقل من الملائكة الذين يخدمونه , والذين تحت رياسته؟ ” ليس العبد أفضل من سيده ” (مت 10: 24). كان الملائكة في خدمته بعد تجسده وحتى النهاية. لذلك يجب أن نعترف بأنه تألم دون أن يفقد شيئاً من عظمته , بسبب طبيعته الإنسانية”.
+ ويتساءل: ” كيف يكون هو (الابن) اقل في اللاهوت في حين انه اله حقيقي وكامل. أما من جهة إنسانيته قال أن الآب أعظم منه وهو في شخص الإنسان دعا نفسه دودة لا إنسان قائلاً ” أما أنا فدودة لا إنسان ” (مز 22: 6) وأيضاً ” كشاه تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه ” (اش 53: 7).”.
+ ويقول القديس هيلارى أسقف بواتييه ” الإله الذي من ذات الله وجد كإنسان في صورة عبد , ولكنه يعمل كإله في معجزاته , كان في نفس الوقت إلهاً كما برهنت أعماله. ومع ذلك كان أيضاً إنساناً , لأنه وجد في صورة إنسان “
مسيح واحد أم اثنان؟
مساوي لله الآب أم الآب أعظم منه؟
س: إذ كان المسيح يقول عن نفسه ” أنا والآب واحد “، بمعنى الوحدة الكاملة في الذي الإلهية،
ويقول أيضاً ” أبي أعظم مني “، بسبب التجسد،
فهل هو مسيح واحد أم أثنين، المسيح الإله والمسيح الإنسان؟
وهل توحي تعبيرات المجامع المسكونية والآباء “من طبيعتين” و “في طبيعتين” و “طبيعة متحدة” و”اتحاد” بذلك؟ فالاتحاد لا يتم إلا بين أكثر من واحد!
ونؤكد أن الكتاب المقدس يؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك& أنه ليس هناك سوى مسيح واحد يتكلم كإنسان ويعمل أعمال الإنسان وله جوهر وصفات وطبيعة الإنسان، وفى نفس الوقت يتكلم ويعلم كإله ويعمل أعمال الله، كل أعمال الله، وله جوهر وصفات وطبيعة الله!! دعا نفسه ودعاه الكتاب ” ابن الله وابن الإنسان “، الإله القدير، والله معنا ” عمانوئيل “، الله المبارك، الإله الواحد، الإله القدير، الإله العظيم، الإله الحكيم، الأزلي الأبدي الذي لا بداية له ولا نهاية، وفى نفس الوقت ابن مريم وابن إبراهيم واسحق ويعقوب وابن داود النبي، الذي كان ميتا فعاش والحي إلى ابد الآبدين (رؤ11: 1).
أنه الإله المتجسد الذي له صفات وخواص وجوهر وطبيعة الله وله أيضا صفات وخواص وجوهر طبيعة الإنسان ومع ذلك فهو المسيح الواحد:
” لأن معلمكم واحد المسيح ” (مت8: 23).†
” وتكون رعيه† واحدة لراع واحد ” (يو16: 10).
” ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء† ونحن به ” (1كو6: 8).
” رب واحد، إيمان، واحد، معمودية واحدة ” (أف5: 4)†.
” يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح ” (1تي5: 2)†.
أنه المعلم الواحد والراعي الواحد بلاهوته وناسوته ؛ وهو الواحد خالق الكون وما فيه ومع أنه الله الخالق وهو الإله المتجسد ” يسوع المسيح “، ويسوع هو اسمه بعد التجسد:
” فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع ” (مت21: 1).†
” ولدت ابنها† البكر ودعا اسمه يسوع ” (مت25: 1).
” وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه† يسوع ” (لو31: 1).
” ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من† الملاك قبل أن حبل به في البطن ” (لو21: 2).
وكلمة ” يسوع ” تعني ” يهوه يخلص، أي ” الله يخلص “، كما قال الملاك للعذراء ” لأنه يخلص شعبه من خطاياهم”. واسم يسوع يعني في العهد الجديد الله المخلص الذي ظهر في الجسد، الإله المتجسد. واسم ” يسوع ” هو الاسم الوحيد الذي تسمى به الرب يسوع المسيح بعد التجسد.
يسوع هو ” يهوه المخلص “، ويهوه هو الكائن، ويسوع أيضا هو الكائن على الكل ” قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن ” (يو58: 8)، وهو أيضاً المخلص يقول الكتاب عنه ” وليس بأحد غيره الخلاص. لان ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص ” (أع12: 4). وهنا يتبين لنا أن اسم ” يسوع ” هو أسم الرب يسوع المسيح بعد التجسد، اسم الإله المتجسد، المسيح الواحد بلاهوته وناسوته.
واسم يسوع، أيضا، هو محور العلاقة بين الله والناس، ومحور العبادة وأرتبط به كل ما أرتبط باسم الله يهوه في القديم. وصار أسم يسوع أسماً ” فوق كل أسم ” فهو الذي تسجد له كل الخليقة ” لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ” (في10: 2،11). واسم يسوع، كما يقول الكتاب ” فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضا ” (أف21: 1،22).
واسم يسوع وُصف في الكتاب بالاسم السامي الذي يفوق كل أسم والذي هو فوق كل أسم، وبرغم تجسده واتخاذه صورة العبد إلا أنه ” جلس في يمين العظمة في الأعالي صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسماً أفضل منهم “، وهو الذي، كما يقول الكتاب، ” تسجد له كل ملائكة الله ” (عب7: 1،8)، لأن الفرق بين الملائكة وبين يسوع هو الفرق بين المخلوق والخالق، كما يقول الكتاب أيضا ” وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن (يسوع) يقول كرسيك يا الله إلى دهر الدهور ” (عب7: 1،8)، هو أعظم من الملائكة لأنه خالق الملائكة ورب العرش، الله الجالس على العرش، لذلك فأسمه أفضل من أي أسم. أنه الغنى الذي أتخذ فقرنا ” أفتقر وهو غنى ” (كو29: 8).
وقد كان ” أسم يسوع ” وسيظل الاسم الذي له المجد والعظمة كما يقول الكتاب ” لكي يتمجد أسم ربنا يسوع المسيح فيكم وأنتم فيه بنعمة إلهنا والرب يسوع المسيح ” (2تس12: 1)، ” وكان أسم الرب يسوع يتعظم ” (أع10: 19)، وما أروع هذا النشيد الذي تغنت به الكنيسة في عصرها الأول مترنمة بالروح القدس:
” الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاساً لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله وأعطاه أسماً فوق كل أسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب ” (في5: 2-11).
أسم يسوع هو الاسم الذي يفوق كل أسم، المسجود له من جميع الخلائق، رأس كل شيء والخاضع تحت قدميه كل شيء، وهو أيضاً الذي يرسل الملائكة والأنبياء والرسل والمبشرين للإعلان عنه والبشارة والكرازة باسمه وبتعاليمه ووصاياه في كل المسكونة، يقول في سفر الرؤيا ؛ ” أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس ” (رؤ16: 22)، وقال لتلاميذه ” أذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ” (مت16: 28)، “وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض ” (أع8: 1). وقال عنه الكتاب:
” الذي نزل هو الذي صعد فوق جميع السموات لكي يملأ الكل. وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا والبعض مبشرين والبعض رعاه والبعض معلمين ” (أف10: 4،11).
ويقول القديس بولس بالروح ” وكل ما عملتم بقول أو فعل فأعملوا الكل باسم الرب يسوع المسيح ” (كو17: 3). وفيما يلي بعض الآيات التي تؤكد أن كل ما كان يفعله الرسل ويقولونه كان باسم ” الرب يسوع “:
† ” فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس ” (أع38: 2).
” فقال بطرس ليس لي فضة ولا ذهب ولكن† الذي لي فإياه أعطيك باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش ” (أع6: 3).
” فليكن† معلوما عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل انه باسم يسوع المسيح الناصري … وقف هذا أمامكم صحيحا ” (أع10: 4).
” لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن† على الأرض ومن تحت الأرض ” (في10: 2).
وفي كل الأحوال فقد كان اسم يسوع هو اسم المسيح الواحد والرب الواحد والذي لا يميز فيه بين كونه ابن الله وابن الإنسان، وكونه الإله المتجسد الذي له كل ما للاهوت وكل ما للناسوت، الكامل في لاهوته والكامل أيضا في ناسوته، إنما في كل الأحوال هو هو المسيح الواحد، يسوع المسيح ربنا، الرب يسوع المسيح.
والمسيح أيضا لقبه بعد التجسد، ولكن لقب المسيح مرتبط بكونه ابن الله:
” فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي† ” (مت16: 16).
” فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل† أنت المسيح ابن الله ” (مت63: 26).
” بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله “† (مر1: 1).
” وكانت شياطين أيضا تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن† الله فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوه انه المسيح ” (لو41: 4).
” ونحن† قد آمّنا وعرفنا انك أنت المسيح ابن الله الحي ” (يو69: 6).
” قالت له نعم يا† سيد أنا قد آمنت انك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم ” (يو27: 11).
“† وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه ” (يو31: 20).
فالكتاب ينسب ما يخص لاهوته لناسوته وما يخص ناسوته للاهوته على السواء لأنه الإله الواحد والرب الواحد والمخلص الواحد والمسيح الواحد، يسوع المسيح ابن الله الحي، أنه الواحد الذي مات على الصليب، وأن كان قد مات كإنسان فالكتاب ينسب ما يخص ناسوته لشخصه الواحد بلاهوته وناسوته.
والكتاب ملئ بالآيات التي تنسب له الألم والموت في الوقت الذي تدعوه فيها ابن الله، والآيات التي تنسب له أعمال الله وصفاته في الوقت التي تدعوه ابن الإنسان:
قال هو† نفسه ؛ ” أنا هو الأول والأخر، الحي وكنت ميتا وها أنا حي إلى أبد الآبدين ” (رؤ11: 1). والأول والأخر هو الله، الأزلي الأبدي ؛ الذي بلا بداية وبلا نهاية ؛ الحي إلى أبد الآبدين ؛ ولكن الله لا يموت ومع هذا يقول عن نفسه ؛ ” وكنت ميتا “، والموت من طبيعة وخواص الناسوت، الجسد، فهل يتكلم كاثنين؟ كلا، فهو يقول ؛ ” أنا كنت “، ” أنا ” بضمير مفرد وفعل المفرد. أنه ينسب ما للاهوت للناسوت وما للناسوت للاهوت، والناسوت ناسوته، وهو المسيح الواحد.
قال القديس بولس ؛ “† لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد ” (1كو8: 2).
وقال أيضا ” لترعوا كنيسة الله† التي اقتناها بدمه ” (أع28: 20).
أنه يقول أن المصلوب هو رب المجد ذاته الذي لو عرف اليهود حقيقته وأنه ” رب المجد ” لما صلبوه، ويقول أيضا أن الذي سفك دمه هو الله علما بأن رب المجد الله لا يمكن أن يصلب ويسفك دمه ويموت. فالله روح بسيط (يو24: 4)، ونور وساكن في نور ” الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه ” (1تي16: 6)، فهو غير مدرك بالحواس، والروح كما يقول الرب يسوع المسيح ” ليس له لحم وعظام ” (لو39: 24)، وبالتالي ليس له دم، فهو غير مركب.
كما أنه أزلي أبدى، لا بداية له ولا نهاية، حي إلى الأبد ولا يموت. ومع ذلك نسب له الموت وسفك الدم! وهذا ما يختص به ناسوته فقط لكنه نسب ما يخص الناسوت للاهوت لوحدانية المسيح الواحد.
أنه لا يموت ولا يسفك الدم باعتباره الله ولكنه سفك دمه ومات كإنسان، ولم يقل الكتاب ” لأن لو عرفوا لما صلبوا جسد المسيح “، إنما ” صلبوا رب المجد ” ولم يقل كنيسة الله التي اقتناها بدم ناسوته، جسده الذي أتخذه، وإنما ” كنيسة الله التي اشتراها (الله) بدمه”. فالناسوت، الجسد، هو الذي حل فيه اللاهوت بكل ملئه ” فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا ” (كو9: 2)، اتخذه وظهر به على الأرض ” ظهر في الجسد ” (1تي16: 3)، في ملء الزمان، فصار ناسوته، جسده، ونسب كل ما له لشخصه الواحد، الإله الواحد والرب الواحد والمعلم الواحد والمسيح الواحد، الإله المتجسد الذي له كل صفات وخواص اللاهوت وكل صفات وخواص الناسوت! ابن الله وابن الإنسان! الآتي من فوق والمولود من العذراء! الأبدي الأزلي، والمولود في ملء الزمان! الذي بلا بداية وبلا نهاية، والذي بدأ بظهوره على الأرض في ملء الزمان، في بداية محددة هي بداية تجسده في بطن العذراء! الحي الأبدي الذي لا يموت والذي مات على الصليب!
طلب فيليس† تلميذ المسيح منه أن يرى الآب قائلا: ” يا سيد أرنا الآب وكفانا ” قال له ” أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت أرنا الآب؟ ” (يو8: 14-9). لقد رأى فيلبس المسيح من جهة ناسوته فقط، بالجسد، بالرغم من أنه رأى أعماله الإلهية وعجائبه ومع ذلك طلب أن يرى الآب، الله الآب، أراد أن يرى اللاهوت غير المرئي، في جوهره، ونسي تحذير الله لموسى ” لا تقدر أن ترى وجهي لان الإنسان لا يراني ويعيش ” (خر20: 33)، وتأكيد القديس يوحنا بالروح ” الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر ” (يو18: 1)، ” الله لم ينظره أحد ” (1يو12: 4)، وأن الرب يسوع المسيح هو وحده المعلن لذات الآب لأنه ” صورة الله غير المنظور ” (كو15: 1)، ” بهاء مجده وصورة جوهرة ” (عب3: 1)، ومع ذلك وبخه الرب يسوع المسيح بقوله ” أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟ الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب؟ ” (يو9: 14)، وهذا ما عبر عنه القديس بولس بقوله ” الله ظهر في الجسد”. لقد رأى فيلبس الرب يسوع المسيح بناسوته، في إنسانيته، ولم يدرك أن اللاهوت حال في الناسوت، محتجب في الناسوت، كما أن لاهوت الآب والابن واحد ” أنا والآب واحد ” (يو30: 10) و ” أنا في الآب والآب في ” (يو10: 14).
وهنا لم يفصل الرب يسوع المسيح بين لاهوته وناسوته، بل لام فيلبس لأنه طلب رؤية الآب. ومع أنه لم يرى سوى الناسوت الظاهر ولكن الرب يسوع المسيح لامه لأنه هو الله الظاهر في الجسد، ” الله ظهر في الجسد”. لم يقل له أنا معكم زمانا بناسوتى أو ظاهرا كإنسان، إنما قال ” من رآني فقد رأى الآب، وهو هنا لم يتكلم عن نفسه كاثنين بل كمسيح واحد واله واحد. أنه واحد مع الآب بلاهوته لكنه قال أنه، المسيح المتكلم مع فيلبس، والذي رأوه مده طويلة، الإله المتجسد، واحد مع الآب وهو في الآب والآب فيه أي نسب ما يخص لاهوته لناسوته لأنه المسيح الواحد.
قال لنيقوديموس ؛ ” وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن† الإنسان الذي هو في السماء ” (يو13: 3)، فهو يقول أنه موجود في السماء وعلى الأرض في وقت واحد، هو الذي يملا الكل بلاهوته ” أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب ” (ار24: 23)، يقول ذلك في الوقت الذي كان جالسا فيه يتحدث مع نيقوديموس كإنسان، وكإنسان كان محدود بالمكان والزمان والأبعاد، أنه لم يقل أنه موجود في السماء وعلى الأرض ومالئ الكل بلاهوته غير المحدود وإنما قال ” ابن الإنسان الذي هو في السماء ” وابن الإنسان لقبه بعد التجسد. فهو المسيح الواحد الذي لم يفصل قط بين لاهوته وناسوته.
وقال لرؤساء اليهود ” قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (أكون)† (يو58: 8)، ولم يقبل رؤساء اليهود قوله هذا واعتبروه من قبيل التجديف على الله، فكيف يقول لهم أنه كائن قبل إبراهيم، وقد فهموا أنه يقصد أنه الله، ولذلك لما قال هذا حاولوا أن يرجموه كمجدف لأنهم لم يروا فيه سوى ابن مريم الذي من الناصرة (يو59: 8-60؛ مر6: 3).
وهو هنا يقول أنه ” كائن – يكون “، كان موجودا قبل إبراهيم فهو الأبدي الأزلي، الذي بلا بداية وبلا نهاية، الموجود دائما. ومع أنه بحسب الجسد لم يكن له سوى حوالي 33 سنه إلا أنه الأبدي الأزلي بحسب اللاهوت. ولم يقل أبدا ” أنا كائن قبل إبراهيم بلاهوتي، أو قبل التجسد، بل قال أنا، وأنا هنا ” يسوع المسيح ” الإله المتجسد “أنا ” بلاهوته وناسوته دون انفصال أو تفرقه.
كما خاطب الآب بهذا الأسلوب وهذه الصيغة دون تفريق بين اللاهوت والناسوت قائلا ؛ ” مجدني أنت أيها الآب بالمجد الذي كان لي عند ذاتك قبل كون العالم ” (يو5: 17). ” لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم ” (يو24: 17).
أن ما يتحدث عنه الرب يسوع المسيح يرجع كينونته قبل الخليقة، إلى ما قبل تكوين العالم، إلى الأزل السحيق، اللابداية، ومع ذلك يستخدم ضمير المتكلم المفرد لأنه الإله المتجسد الذي يجمع في ذاته للاهوت والناسوت.
إذا فالمسيح هو الله وهو أيضا إنسان، ابن الله وابن مريم وابن داود وثمرة صلبه (أع30: 21)، وابن إبراهيم ونسله الموعود (أع25: 3)، هو الإله المتجسد الذي يجمع في أقنومه وذاته اللاهوت والناسوت، فهو كلمة الله وحكمة وقوة الله، الله معنا وهذه حقيقة لاهوته. وهو أيضا ابن الإنسان وهذه حقيقة ناسوته المتحد بلاهوته، أي أنه كإله هو الله ذاته، كلمه الله وصورة جوهره، وكإنسان فهو ابن مريم المولود من أحشائها وهو ثمرة بطنها (لو42: 1).
ويقول الكتاب بالروح† ؛ أنه ” الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب مساواته لله اختلاسا لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله وأعطاه اسما فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبه ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الأرض ” (في5: 2-10).
من هذا النص يتضح أنه “صورة الله غير المنظور ” (في6: 2) و ” المساوي لله “، ” بهاء مجده ورسم جوهره “، هو الله لأن الله غير محدود ولا يسع الكون غيره لذا لا يساويه سوى ذاته. وصورة الله هو الله، ومع ذلك تنازل وتجسد واخذ صورة العبد وهيئة الإنسان واجتاز الموت ثم رفُع في المجد وصار أعلى من السموات (عب26: 7)، وهو الذي تسجد له كل الخليقة في كل الكون ” ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الأرض”. أنه هو ذاته الله المعبود ولكنه اجتاز الموت بعد التجسد وقام من الأموات، والله لا يموت وإنما الجسد الذي اتخذه هو الذي مات، مات كإنسان، ثم رفع في المجد كإنسان، مع أنه الله العلي، ومع ذلك لم يفصل الكتاب بين كونه الله وكونه صار في صورة العبد فقال وضع نفسه وأطاع حتى الموت، ثم رُفع ولم يقل الكتاب أن الموت والرفع هما من خصائص الناسوت وليس اللاهوت ولكنه نسب ما للناسوت للاهوت لوحدانية المسيح الواحد.
قال يوحنا† الإنجيلي بالروح: ” هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو16: 3).
وقال القديس بولس بالروح: “† إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته (رو10: 5).
وفي كلتا الحالتين يقول الكتاب أن ابن الله، بذل ذاته على الصليب ا، لابن هو الله الكلمة، الذي هو واحد مع الآب في الجوهر، والآب والابن واحد ” أنا والآب واحد ” اله واحد، الآب هو الله والابن هو الله وطبعا الذي مات على الصليب هو المسيح، كإنسان، بناسوته، يقول الكتاب ” مماتا في الجسد ” (1بط18: 3)، ” تألم المسيح لأجلنا في الجسد ” (1بط1: 4)، ومع ذلك قال أن الذي بذل ذاته ومات هو ابن الله الوحيد دون تفرقه بين اللاهوت والناسوت أي نسب ما للناسوت للاهوت لوحدانية المسيح الواحد.
يقول الكتاب أيضا ” يسوع المسيح هو هو امسا† واليوم وإلى الأبد ” (عب7: 13)، وقوله ” امسا ” يعني منذ الأزل و” اليوم ” يعني الحاضر و” إلى الأبد ” يعنى إلى ما لا نهاية، فهو الأزلي الأبدي، الذي بلا بداية وبلا نهاية. وقوله ” هو هو ” يؤكد عدم التغير، و ” يسوع “، كما قلنا، هو اسمه بعد التجسد وكذلك ” المسيح ” لقبه بعد التجسد، والوجود الدائم من صفات الله، اللاهوت ومع ذلك يصر الكتاب ” هو هو ” تأكيد على وحدانية المسيح، وحدانية أقنوم كلمة الله المتجسد.
” قال الرب يسوع المسيح ؛ ” أنا والآب واحد ” (يو30: 10)،† وقال أيضا ” أبى اعظم منى ” (يو28: 14).
والواحد مع الآب تعنى أنه واحد مع الآب في الذات والجوهر والطبيعة وأن كل ما هو للآب هو للابن، كما قال هو ؛ ” كل ما للآب هو لي ” (يو15: 16)، وأنه متساوي مع الآب، فالابن حتما يساوى أبيه في الطبيعة والجوهر وهذا ما فهمه اليهود عندما دعا نفسه ” ابن الله ” فقالوا ؛ ” قال أن الله أبوه مساويا نفسه بالله ” (يو18: 5). وهذا ما أعلنه الوحي أيضا: ” الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساويا لله ” (في6: 2)، ولذا نقول في كل صلاة مساوي للآب في الجوهر (قانون الإيمان)، أنه الله ذاته، ولا يساوى الله سوى الله. أنه صورة الله غير المنظور، بهاء مجده ورسم جوهره (عب3: 1)، حكمة الله وقوة الله (1كو34: 1)، لكنه قال: ” أبى اعظم مني “، حقا أن الآب واحد مع الابن في الجوهر وأن الابن مساوي للآب في الجوهر، ولكن لأن الابن أخلي نفسه … وضع نفسه (في7: 2)، افتقر وهو غني (2كو8: 9)، ومن اجل تنازله وإخلاء نفسه وتواضعه صار الآب اعظم منه بالتجسد، لكنه لم يقل ” أنا والآب واحد بلاهوتي ” ولا أبى اعظم من ناسوتي، أو اعظم مني بحسب الناسوت، بل قال ” أنا والآب واحد “، و ” أبى اعظم مني “، ناسبا ما للاهوت للناسوت وما للناسوت للاهوت لأنه مسيح واحد، رب واحد، ابن واحد، اقنوم واحد، الإله المتجسد.
بدأ القديس متى الإنجيل الذي دونه بالروح القدس قائلا† ” كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ” (مت1: 1)، وبدأ القديس مرقس الإنجيل الذي دونه بالروح قائلا ” بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله ” (مر1: 1).
وكلاهما كانا يتكلمان عن مسيح واحد هو ابن الله وابن الإنسان، وكلاهما نقلا عن السيد المسيح تلقيبه لنفسه بهذين اللقبين مرات عديدة وعلي سبيل المثال فقد سجل القديس متي لقب ” ابن الله ” حولي 9 مرات (مت3: 4،6؛29: 8؛33: 14؛16: 16؛63: 26؛40: 27،43،45)، كما سجل القديس مرقس لقب ” ابن الإنسان ” حوالي 14 مرة (مر10: 2،28،31،38؛9: 9،12،31؛33: 10،45؛26: 26؛14: 21،41،16).
وكما قال الكتاب أن ابن الله بذل ذاته ومات وأن رب المجد صلب وأن الله سفك دمه علي الصليب، قال أيضا أن ابن الإنسان هو الرب والديان وغافر الخطايا كما أنه الحي والذي له الحياة في ذاته، بل في معظم المرات التي ذكر فيها لقب ” ابن الإنسان ” كان يظهر مرتبطا بصفة من صفات اللاهوت:
فهو غافر الخطايا ” ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانا† على الأرض أن يغفر الخطايا ” (مت6: 9)، ولا يغفر الخطايا إلا الله وحده (لم21: 5).
وهو الرب، رب السبت ” فان ابن الإنسان هو رب السبت أيضا ” (مت8: 12).†
† ورب الملائكة ” يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ” (مت41: 13).
وهو الذي له المجد والديان الذي يدين المسكونة بالعدل† (أع31: 17) ؛ ” فان ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله ” (مت27: 16).
رب الملكوت ” الحق أقول لكم أن من القيام ههنا† قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته ” (مت28: 16).
† والمخلص ” لان ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك ” (مت11: 18).
والديان† الجالس على عرش المجد ” فقال لهم يسوع الحق أقول لكم أنكم انتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون انتم أيضا على اثني عشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل الأثنى عشر ” (مت28: 19).
والآتي على السحاب ” لأنه كما† أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضا مجيء ابن الإنسان ” (مت27: 24).
الآتي على السحاب بقوة ومجد ” وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في† السماء وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ” (مت30: 24).
” ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة† القديسين معه فحينئذ يجلس
على كرسي مجده ” (مت31: 25).
والجالس عن يمين† العظمة في السماء ” منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسا عن يمين قوة الله ” (لو69: 22).
ورب الملائكة ” وقال له الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة† وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان ” (يو51: 1).
والكائن في السماء† وعلى الأرض في آن واحد ” وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء ” (يو13: 3).
وصاحب السلطان الديان ” وأعطاه سلطانا† أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان ” (يو27: 5).
وهو معطي الحياة الأبدية ” اعملوا† لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان لان هذا الله الآب قد ختمه ” (يو27: 6).
النازل من السماء ” فان رأيتم ابن الإنسان† صاعدا إلى حيث كان أولا ” (يو62: 6).
وهو الكائن ” فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن† الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ” (يو28: 8).
والذي له المجد ” وأما يسوع† فأجابهما قائلا قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان ” (يو23: 12).
والمرتفع “† فأجابه الجمع نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد فكيف تقول أنت انه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان من هو هذا ابن الإنسان ” (يو34: 12).
” فلما خرج† قال يسوع الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه ” (يو31: 13).
والجالس عين† يمين الله الآب ” فقال ها أنا انظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائما عن يمين الله ” (أع56: 7).
من الآيات السابقة نري الرب يسوع يتكلم عن نفسه كابن الإنسان الآتي من السماء والذي هو في السماء في آن واحد، وعن مجيئه الثاني على سحاب السماء وكونه الديان في يوم الدينونة، ملك يوم الدين الذي ” يرسل … ملائكته “، فأن الابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله “، ” لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضا مجيء ابن الإنسان … تظهر علامة ابن الإنسان في السماء … ويبصرون ابن الإنسان آتيا علي سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الرياح الأربع من اقصاء المسكونة إلى أقصاها”.
قال أنه سيأتي بمجد ومع ملائكته وسيجمعون مختاريه من اقصاء المسكونة والجميع سيرونه آتيا علي السحاب. وكل هذه الصفات هي صفات اللاهوت وليست صفات الناسوت، فهو رب المجد ورب الملائكة كما أنه رب الخليقة كلها وديانها، ملك يوم الدين، ومع ذلك نسب صفات اللاهوت للناسوت وقال ” ابن الإنسان آتيا في ملكوته “، فهو الملك السمائي والأرضي، ملك الملوك، ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ16: 19). أنه رب العالمين وملك الملوك وملك يوم الدين (رؤ21: 20).
وعندما سأل الرب يسوع المسيح تلاميذه قائلا: ” من يقول الناس أنى أنا ابن الإنسان؟ ” (مت13: 16)، وجاءت الإجابة علي لسان بطرس بالروح: ” أنت المسيح ابن الله الحي ” (مت16: 16)، مدحه يسوع قائلا: ” طوبي لك يا سمعان بن يونا أن لحما ودما لم يعلن لك ولكن أبي الذي في السموات ” (مت17: 16).
وكما قلنا أن ابن الله يساوي الله فالابن يساوي أباه في الجوهر والطبيعة، فهو الحي، الأبدي الأزلي، الذي بلا بداية وبلا نهاية، ومع هذا نسب هذه المساواة لنفسه كابن الإنسان! فقد كان سؤاله عن ابن الإنسان.
كما قال ” أن لابن الإنسان سلطاناً أن يغفر الخطايا علي الأرض ” (لو24: 5)، ولا يغفر الخطايا إلا الله وحده (مر7: 2)، وأيضا ” لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له الحياة في ذاته ” (يو26: 5)، والابن هنا هو ابن الإنسان ” ,أعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان ” (27: 5)، فالآب حي بذاته لأن الله حي، والابن أيضا هو الحي ومعطي الحياة ” فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس ” (يو4: 1)، والرب يسوع المسيح يقول أنه الحي الديان ” كابن الإنسان ” وهذا لأنه مسيح واحد، الإله المتجسد عمانوئيل الله معنا.
وقال أيضا ” فأن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا ” (يو62: 6)، وهو لم يأت بناسوته من السماء إنما أخذه من العذراء، ولكنه بلاهوته نزل من السماء، فنسب لناسوته ما يخص لاهوته.
ومما ذكر يتضح أن الكتاب لم يتكلم عن مسيحين أو اثنين في شخص المسيح وإنما تكلم فقط عن مسيح واحد له صفات وخواص اللاهوت وصفات وخواص الناسوت، تكلم عنه كإنسان كما تكلم عنه كإله، لقب بألقاب الإنسان وقام بأعمال الله وأيضا بأعمال الإنسان. لكن لم يقل الكتاب مطلقا بمسيحين مسيح اله ومسيح إنسان بل مسيح واحد هو اله وفي نفس الوقت إنسان ” يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح ” (1تي5: 2).