علم الآثار ويسوع التاريخ: التطورات الاخيرة – كريج إيفانز
في البداية، السبب الأساسي الكامن وراء علم آثار الكتاب المقدس هو الدفاعيات. لكن في السنين اللاحقة طغى البحث عن المعنى والمحور على الدفاعيات. وقد لاقى هذا البحث تطورات وإنجازات كثيرة على محاور عدة، خصوصا في ما يتعلق ب”يسوع التاريخ”.
في بعض الأحيان تطال الاكتشافات قصة يسوع كما وردت في بشائر العهد الجديد، كما حصل سنة 1961 في اكتشاف في قيصرية ماريتيما) Caesaria Maritima الكتابة التي تحتوي على اسم بيلاطس البنطي Pontius Pilate )، حاكم اليهودية. وكذلك ربما أيضا (هذا غير مؤكد) اكتشاف سنة 1990 لصندوق عظام موتى مكتوب عليه اسم قيافا الكاهن الأعظم. وأيضا اكتسف سنة 1986 لقارب الجليل العائد للقرن الأول (قبل الميلاد أو الميلادي) الذي وضح أمور كثيرة مهمة وربما مسألتان تتعلقان خصيصا بيسوع وتلاميذه.
هذه الاكتشافات هي طبعا مهمة. لكن المعنى الأهم هي الاكتشافات التي تتعلق بالسفر، التجارة، الاقتصاد، المجتمع والدين لشعب فلسطين القرن الأول، خصوصا أن تلك الأمور تتعلق بسكان الجليل.
هنا نسمي ثلاث مجالات مهمة للاكتشافات الأثرية الحديثة التي تلقي الضوء على على حياة يسوع ومجتمعه:
1- هوية الجليل اليهودية
2- وجود كينست لليهود (ما قبل 70 ميلادية)
3- تقاليد الدفن اليهودية
1- هوية الجليل اليهودية
لنعلم كيف عاش يسوع في محيطه علينا أن نسأل عن حال الجليل اليهودية في القرن الأول. وقد صدر العديد من الكتب في العقد الأخير تناولت هذا السؤال، نذكر بعض الكتاب: مارك تشانسي Mark Chancey، شان فرين Sean Freyne، ريتشارد عورسلي Richard Horsley، إريك مايرز Eric Mayers، وماريان ساويكي Marianne Sawicki، وجايمس سترانج James Strange.
وقد أدى اكتشاف عدد من الكتابات اليونانية (وبعض الكتابات اللاتينية كذلك)، ومعهم اكتشاف شبكة طرق (توصل مثلا القيصرية على البحر المتوسط بطبريا على بحيرة الجليل)، وايضا اكتشاف تصاميم المدينة ومبان مهمة تتبع هندسة يوناينة-رومانية، قد أدى إلى إعادة التفكير في الفكرة القديمة والغريبة المكونة عن الجليل كمدينة في حالة ركود ثقافي وتجاري. والدارسون علموا أهمية قرب مدينة سيفوريس Sepphoris من الجليل. وأصبح واضحا أن يسوع لم يربى في مكان ملزم ومحيط بسيط وساذج.
ولكن في إيطار إعادة النظر إلى الجليل قد غاب عن الأذهان مدى يهودية الجليل في الفترة ما قبل سنة 70. الهندسة اليونانية-الرومانية لا ينفي الولاء للتوراة. إن التنقيبات في سيفوريس سنة 1980 أوضحت مدى تحضر وغنى المدينة، ولكن كمال التنقيب في سنة 1990 أوضحت مدى يهودية سكانها.
إن اكتشاف عدد من الميكفاوت miqvaoth (برك ﻷغراض ليتورجية.احواض خاصة بالشعائر اليهودية) وعدد من الأجران الحجرية المعدة للتطهير (المقاومة للتدنيس، أنظر يوحنا 2 آية 6) دليل على حضور اليهود. وغياب عظم الخنزير، أماكن العبادة الوثنية، عملات وأيقونات أخرى قد تسيء لليهود دليل ليس فقط على الوجود اليهودي بل أيضا على (شبه) غياب العنصر الأممي. باختصار، الاكتشافات تعني إلى الآن أن سكان صفوريه كانوا يهود أو على الأقل يعيشون بطريقة مطابقة للتوراة.
ونتيجة تلك الاكتشافات هي أنه قد تم تضعيف النظرية القائلة أن يسوع تأثر بفلاسفة Cynic “مدرسة من مدارس الفلسفة اليونانية”الساكنين في صفوريه. لم تضحد تماما ولكن تضاءل احتمالها. وتنقيبات جديدة في الناصرة أيضا أشارة إلى أنه ليس بالضرورة أن يسوع وعائلته (عملوا أو اضطروا إلى العمل) في مدينة سيفوريس. فيبدو أن لدى مدينة الناصرة اقتصادا خاصا، (حتى في البناء، إذا أخذنا في عين الاعتبار اكتشاف المحاجر). وهذا واضحاً فإن النشاط الاقتصادي والتجاري الناصري كاف لإشغال السكان المحليين، والحاجة إلى البحث عن عمل خارج الناصرة ضئيلة..
2- مجامع اليهود ما قبل سنة 70
إن أناجيل العهد الجديد وكتاب أعمال الرسل تدل على أن يسوع كان يذهب إلى المجامع وأن المباني كانت معدة لتلك الغاية (أي غاية الاجتماع). هناك أكثر من 50 آية تحتوي (أو تدل) على كلمة مجمع. بعض تلك المراجع تعود ببساطة إلى تجمع اليهود وليس بالضرورة إلى مبنى محدد.
هوارد كي Howard Kee تبنى هذه النظرة في دراساته. فهو يقترح أن كتاب الأناجيل (خصوصا لوقا) أسقطوا واقع ما بعد سنة 70 إلى وقت حياة يسوع. ولكن هذه النظرة تتطلب من كي Kee أن يترجم كل المراجع إلى مجامع اليهود الواردة في كتب يوسيفوس Josephus في نفس الطريقة (cf. J.W. 2.285-89; 7.44; Ant. 19.305) وتتطلب أيضا غض النظر عن مرجع مبين في فيلو Philo (cf. Prob. 81-82) وأيضا أن يعود تاريخ كتيبة ثيودوتس Theodotos (CIJ 1404) التي تتضمن كلمة شكر لعدد من الأشخاص للتبرع ببناء الكنيس إلى ما بعد سنة 70 بكثير.
إن علم الآثار لا يدعم هذه النظرية. فطريقة نقش كتيبة ثيودتس تقترح فترة هيرودية (أي على الأرجح أوائل القرن الأول) ووجودها تحت ركام خراب أورشليم سنة سبعين يدعمون تاريخها إلى ما قبل 70. أيضا كتيبة كنيس برنيك Berenike القيروانية (SEG XVII 823) تعود إلى سنة 56 ميلادية وإهود نتزر Ehud Netzer اكتشف حديثا كنيس في أريحا تأذت من جراء زلزال 31 ميلادية. ونظرية كي Kee تم دحضها بدراسات ريتشارد أوستر Richard Oster وجون كلوبنبرغ John Kloppenborg الذين راجعوا ما كتب أعلاه.
حتى دون تحديد تاريخ البازلت الأسود الأقدم الموجود تحت ركام كنيس كفرنحوم القرن الرابع ,وكنيس جملا Gamla، الآثار توضح أن المجامع كانت موجودة في وقت يسوع. بناءً عليه يمكننا دراسة هذه المباني لنوضح بعض نواحي حياة يسوع (مثل كيفية توزيع المقاعد، الغرف المجاورة للمبنى، المفروشات الخ….
3 – تقاليد الدفن اليهودية
قد تطلعنا تقاليد الدفن اليهودية كثيرا على عالم يسوع، وربما أيضا توضح لنا بعض النقاط من تعاليمه والأهم توضيح الأحداث التي رافقت موته ودفنه. إن اكتشاف وتحليل المئات من الهياكل وبقايا الهياكل العظمية تطلعنا على صحة وطول عمر الشعب. ونقطة مهمة ان في سرداب نموذجي لجيلين أو ثلاثة أجيال، نجد أن اكثر من نصف الهياكل تعود ﻷطفال.
في بعض الأحيان بلغ العدد إلى الثلثين. من معطيات كهذه، بعض علماء علم الإنسان اقترحوا أن ما يصل إلى ربع السكان في وقت يسوع كانوا مرضى، مصابين، وبحاجة إلى عناية طبية في أي يوم معين. هذا الاقتراح الكالح قد يفسر لماذا كانت الجموع تزدحم يسوع الذي كان يعرف بمعطي الشفاء (مرقس 3: 10 ، 4: 1 ، 5: 27-28).
إن التقليد اليهودي بإعادة دفن عظام الموتى (أنظر كتب E.M. Meyers وC.A. Evans) قد تفسر قول يسوع للذي أراد أن يتبعه بعد أن يدفن أبيه. فأجابه يسوع “دع الموتى يدفنون موتاهم” (متى 8: 22 ولوقا 9: 60). بيرون ماك كاين Byron McCane يقترح أن الرجل كان يريد تأجيل التتلمذ ليسوع إلى ما بعد إعادة دفن عظام أبيه. لم يحرضه يسوع على إهمال أبيه المحتضر. بل بالحري يقول له يسوع أن يترك الموتى (أي موتى عائلته في السرداب) لينظروا هم إلى الدفن الأخير للأب الميت. إن الأولوية لإعلان ملكوت الله للأحياء.
إن تقاليد الدفن اليهودية بما فيها حساسية اليهود تجاه نجاسة الجثث والواجب المقدس لدفن الموتى تتعارض مع النظرية الجديدة المقترحة منذ عشر سنوات أن جثة يسوع قد تركت بلا دفن، إما تركت على الصليب وإما طرحت في حفرة متروكة للحيوانات كجيفة.
قد تم الإشارة إلى أن المئات (أو الآلاف) من اليهود الذين صلبوا في أوقات الحرب تركوا بلا دفن. هذا صحيح ولكن صلب يسوع قد تم صلبه في أوقات سلم. ومن غير المرجح أن تترك جثة يسوع واللصين بلا دفن خارج أسوار أورشليم خلال فترة عيد الفصح. إن اكتشاف سرداب فيه بقايا يهوحنان الذي وجد في كعب رجله اليمنى مسمار حديدي يعود تاريخها إلى أواخر عشرينات القرن الأول تثبت أن بيلاطس البنطي كان يسمح بدفن المصلوبين ولاحقا بجمع العظام ووضعها في سرداب العائلة-هذا تطبيقا للعادات اليهودية.
إن طقوس الدفن اليهودية تفسر لنا سبب عودة النسوة إلى قبر يسوع في فجر يوم الأحد. كانوا يريدون تطييب جسده للسماح بحداد [مأتم؟] السبعة أيام. لقد نظرن أين وضع يسوع (إذ لم يوضع في قبر العائلة) كن يأملن في جمع عظام يسوع. لذا اهتمت النسوة بالقبر. وعليه عدم وجود الجثمان سبب ذعر كبير.
المراجع
Crossan, John Dominic. The Historical Jesus: The Life of a Mediterranean Jewish Peasant (San Francisco: HarperCollins, 1991).
———. Who Killed Jesus? Exposing the Roots of Anti-Semitism in the Gospel Story of the Death of Jesus (San Francisco: HarperCollins, 1995).
Evans, Craig A. Jesus and the Ossuaries (Waco, TX: Baylor University Press, 2003).
Freyne, Sean. Galilee and Gospel: Collected Essays (WUNT 125; Tübingen: Mohr Siebeck, 2000).
———. Galilee from Alexander the Great to Hadrian 323 BCE to 135 CE: A Study of Second Temple Judaism (Edinburgh: T&T Clark, 1998).
———. Galilee, Jesus and the Gospels: Literary Approaches and Historical Investigations (Philadelphia: Fortress, 1988).
Kee, Howard Clark. “The Transformation of the Synagogue after 70 C.E.: Its Import for Early Christianity,” NTS 36 (1990) 1-24.
———. “The Changing Meaning of Synagogue: A Response to Richard Oster,” NTS 40 (1994) 281-83.
———. “Defining the First-Century Synagogue: Problems and Progress,” NTS 41 (1995) 481-500.
Kloppenborg, John S. “Dating Theodotos ( CIJ 1404),” JJS 51 (2000) 243-80.
McCane, Byron R. “‘Let the Dead Bury Their Own Dead’: Secondary Burial and Matt 8:21-22,” HTR 83 (1990) 31-43.
Meyers, Eric M., ed. Galilee through the Centuries: Confluence of Cultures (Duke Judaic Studies 1; Winona Lake, IN: Eisenbrauns, 1999).
———. Jewish Ossuaries: Reburial and Rebirth (BibOr 24; Rome: Pontifical Biblical Institute Press, 1971).
Nagy, R. M., C. L. Meyers, E. M. Meyers, and Z. Weiss, eds. Sepphoris in Galilee: Crosscurrents of Culture (Winona Lake: Eisenbrauns, 1996).
Oster, Richard E. “Supposed Anachronism in Luke-Acts’ Use of synagoge: A Rejoinder to H. C. Kee,” NTS 39 (1993) 178-208.
Sawicki, Marianne. Crossing Galilee: Architectures of Contact in the Occupied Land of Jesus (Harrisburg, PA: Trinity Press International, 2000).
Strange, James F. Archaeology, the Rabbis and Early Christianity, with Eric M. Meyers (London: SCM Press, 1981).
البحث ترجمة احد الاحباء طلب عدم ذكر اسمه…