إلحادمُترجَم

البحث عن شكسبير للكاتب سي إس لويس

البحث عن شكسبير للكاتب سي إس لويس

(مترجم بتصرف عن مقالة للكاتب باسم The Seeing Eye)

 

…في عام 1961 أطلق الاتحاد السوفيتي أول رجل إلي الفضاء

قامت مجلة بنيويورك بسؤال سي إس لويس عن وجهة نظرة في عصر الفضاء الجديد…

لقد أُخبرت بأن الروس ، قد أعلنوا أنهم لم يجدوا الله في الفضاء الخارجي. من ناحية أخري , يدعي عدد كبيرا من الناس ,في كثير من الأوقات  ومختلف البلدان, أنهم قد وَجدوا الله، أو قد تم العثور عليهم من قبل الله، هنا على الأرض.

 

الاستنتاج الذي يريدنا البعض أن نستخلصه من هذه البيانات هو, أن الله غير موجود.

و كنتيجة طبيعية فإن أولئك الذين يعتقدون أنهم قد التقوا به على الارض كانوا يعانون من الوهم.

 

ولكن استنتاجات أخرى يمكن استخلاصها:

 1- نحن لم نصل بعيدا بما فيه الكفاية حتي الآن في الفضاء. كانت هناك سفن في المحيط الأطلنطي لفترة جيدة قبل اكتشاف أمريكا.

2-الله موجود ولكنه محليا منحصر علي هذا الكوكب.

3-الروس قد وجدوا الله في الفضاء دون أن يدروا ,لأنهم افتقروا إلي الأجهزة الضرورية للكشف عنه.

4- الله موجود ولكنه ليس جسم, إما أن يقع في جزء معين من الفضاء أو أن يكون منتشر في جميع أنحاء الفضاء، كما إعتقدنا من قبل  بخصوص (غاز) “الإيثر”، 

.الاستنتاجان الأولين لا يهمانني  ,هذا النوع من الديانة التي يمكن أن يكون لها دفاع , ستشكل ديانة الهمج : الاعتقاد في الألوهية المحلية التي يمكن احتواءها في معبد خاص، جزيرة أو بستان.

  هذا، في الواقع، يبدو أنه نوعا من الديانة الذي بشأنها الروس – أو بعض الروس، وعددا كبيرا من الناس في الغرب – أصبحوا غير متدينين.

فإنه ليست هناك أي أدنى إثارة للقلق, أنه لم يوجد رواد فضاء قد اكتشفوا إله من هذا النوع.

الشيء المقلق حقا سيكون إذا أكتشفوه !!, الاستنتاجان الثالث والرابع هما المهمين من وجهة نظري.

البحث عن الله – أو السماء – بواسطة استكشاف الفضاء هو مثل قراءة أو رؤية جميع مسرحيات شكسبير على أمل أن تجد شكسبير باعتباره واحدا من الشخصيات أو ستراتفورد (اسم مدينة في شرق لندن) باعتبارها واحدة من الأماكن. شكسبير بأحدى المعاني  موجود في كل لحظة في كل مسرحية. لكنه لم يكن أبدا موجود بنفس الطريقة مثل فالستاف أو السيدة ماكبث. ولا هو منتشر من خلال المسرحية مثل الغاز.

إذا كان هناك أحمق وقد أعتقد أن المسرحيات موجودة من تلقاء نفسها، دونما مؤلف, إيماننا بشكسبير لن يتأثر بقوله كثيرا،بالرغم من حقيقة، انه قد درس جميع المسرحيات,و لم يجد أبدا شكسبير فيهم

البقية منا، بدرجات متفاوتة وفقا لفطنتـنا، “عثروا على شكسبير” في المسرحيات. ولكنه نوع مختلف تماما من “العثور” من أي شيء أخر في ذهن صديقنا المسكين حتى إنه في الواقع , كان بطريقة ما, متأثر بشكسبير، ولكن دونما أن يدري ذلك.لقد افتقر إلى الأجهزة اللازمة للـكشف عن شكسبير.

الآن, بالطبع هذه ليس سوى تشبيـه. أنا لا أقترح على الإطلاق أن وجود الله يمكن تأكيده بسهولة مثل وجود شكسبير. وجهة نظري هي أنه، إذا كان الله  موجود، فهو أكثر ارتباطا بالكون مثل ارتباط مؤلف بمسرحية ,من كونه جسم ما في الكون مرتبط بأخر.

 إذا خلق الله الكون،  فإنه قد خلق الزمان والمكان (الزمكان)، والذي بالنسبة للكون كما القافية للقصيدة أو المفتاح للموسيقى. للبحث عنه كعنصر واحد ضمن الإطار الذي اخترعه بنفسه, فهذا شيء لا معنى له.

إذا كان الله – شأنه شأن أي اله تعتقد فيه أي ديانة راشدة – موجود، مجرد حركة بسيطة في الفضاء لن تجعلك أبدا أكثر قربا اليه أو أبعد منه ,مما أنت علية في تلك اللحظة عينها .لا يمكنك الوصول إليه ولا أن تـتجنبه من خلال السفر إلى ألفا سنتوري (ثالث اكبر نجم في المجرة) أو حتى المجرات الأخرى. السمكة لا تزيد و لا تنـقص، في البحر بعدما قامت بسباحة ألف ميل, عن ما كانت عليه عندما انطلقت

 فكيف، إذن، قد يـُطرح هذا الـــــــسؤال، هل بإمكانــنا الوصول اليــــــه أو تجنــــــبه علي حد ســـــــواء؟

التجنب ,في كثير من الأوقات والأماكن، قد ثبت أنه صعب جدا ,حيث أن جزءا كبيرا جدا من البشرية فشلت في تحقيق ذلك. ولكن في زماننا و مكاننا هذا, فهو أمر سهل للغاية. عليك تجنب الصمت، تجنب العزلة، تجنب حبل الأفكار الذي يؤدي للبعد عن الصخب والزحام. قم بالتركيز على المال، الجنس، المكانة الصحة و(قبل كل شيء) على شكاويك الخاصة . أستمر في تشغيل الراديو عِش في الزحام. قم باستخدام الكثير من المهدئات. إذا كان يجب أن تقرأ كتبا. اختارها بعناية فائقة. ولكنك ستكون أكثر أمانا أن تـلتزم بالصحف. فيما يتعلق بالوصول له، فأنا بعيدا كل البعد من أن يعُـتمد عليه لإرشادكم . ذلك لأنني لم يكن لي تجربة البحث عن الله. كان الأمر بالعكس؛

لقد كان هو الصياد (أو هكذا بدى لي) وكنت أنا الغزال. لقد طاردني مثل الهنود الحمر، أتخذ هدف صائب، وأطلق النار.

وأنا ممتن جدا أن هذه هي الطريقة التي وقعت بها أول مقابلة (واعية) . فإنه يساعد المرء ضد المخاوف اللاحقة بأن الأمر برمته, لم يكن سوى تحقيق لأمنية.  أنه شيء لم يرغب فيه , المرء ,لا يمكن أن يكون كذلك. ولكن مما له دلالته أن هذا اللقاء الذي تهربت منه طويلا حدث في الوقت الذي كنت أبذل جهدا خطيرا لطاعة ضميري. لا شك أنه كان أقل خطورة مما كنت مفترضه، ولكنه كان الأخطر بين ما أقدمت علي عمله لفترة طويلة.

واحدة من النتائج الأولى لمثل هذا الجهد هو تقليل صورتك عن نفسك إلى شيء أكثر قربا من الحجم الطبيعي.

 و للتو , تبدأ في التساؤل عما إذا كنت لا تزال، بأي مفهوم كامل، إنسان على الإطلاق؛عما إذا كان يحق لك أن تدعو نفسك “أنا” (وهو اسم مقدس”أهية الذي أهيه -سفر الخروج”). بهذه الطريقة، فإن العملية تشبه تعرضك لتحليل نفساني، ولكن أرخص , أعني بالنسبة للمال؛ في بعض الطرق الأخرى قد تكون أكثر تكلفة.

تجد أن ما تطلقه علي نفسك ليس سوى طبقة رقيقة على سطح بحر غير آمن وخطير.

لكن ليس خطيرا فحسب .الأشياء المتألقة, المباهج والالهام، تأتي إلى السطح وكذلك الاستياء المزمجر والشهوات المزعجة.

إن نفس المرء العادية هي، إذن، مجرد واجهة. هناك مساحة ضخمة بعيدا عن الأنظار وراء ذلك.

ومن ثم، إذا إستمع المرء إلى علماء الفيزياء، فإن المرء يكتشف أن نفس الشيء ينطبق على كل الأشياء من حولنا.

هذه الطاولات والكراسي، هذه المجلة، والأشجار، والغيوم والجبال هي واجهات

أقتحم (علميا) داخلهم وأنت تجد بناء لا يمكن تصورها للذرة. أي على المدى الطويل، تجد معادلات رياضية.

ها أنت هناك (آيا كان المقصود ب” أنت” ) تجلس للقراءة. هناك (أيا كان المقصود ب” هناك”)

هي صفحة سوداء وعليها علامات بيضاء. وكلاهما واجهات. وراء كلاهما يكمن – حسنا، أيا كان هذا الشئ،. علماء النفس، وعلماء الدين، على الرغم من أنهم يستخدمون رموزا مختلفة، يستخدمون رموز على حد السواء عندما يحاولون فحص العمق وراء الواجهة  التي تسمى “أنت”. وهذا يعني أنه لا يمكنهم حقا أن يقولوا ” إن هذا هو”، ولكنهم يستطيعوا أن يقولوا إنه بطريقة ما يشبه هذا .

 أيضا الفيزيائيين، في محاولة لفحص وراء الواجهة أخرى، يمكنهم فقط إعطاءك علم الرياضيات . و علم الرياضيات قد يكون صحيحا عن الواقع، ولكنه لا يمكن بالكاد أن يكون الواقع نفسه،

 أي زيادة عن الخطوط الكنتورية هي جبال حقيقية.

أنا لست في أقل تقدير ألقي اللوم علي أي مجموعة من العلماء بسبب هذا الوضع. أنهم يحرزون تقدم. انهم يقومون دائما بإكتشاف أشياء. غير أن المسألة هي, أن كل اكتشاف جديد، بعيدا عن التشتيت، يعمق الغموض.

الآن , إذا كنت شخص من نوع معين، وإذا كنت شخص ممن لديه اعتقاد بأن جميع الأشياء الموجودة يجب أن تكون منسجمة(متحدة). سوف يبدو لك احتمال بشكل لا يقاوم, أن ما يكمن بشكل جوهري وراء  واجهة ما, فأنه يكمن بشكل جوهري وراء الأخرى أيضا.

 ومن ثم  – مرة أخرى إذا كنت شخص من هذا النوع  – سوف تأتي بأن تكون مقتنع بأن اتصالك مع هذا الغموض في المنطقة التي تدعوها ذاتك لهو اتفاق جيد أقرب من اتصالك من خلال ما تسميه المسألة.

 ففي حالة واحدة : أنا، العادية، أنا الواعية، أنا مستمر مع العمق الغير معروف.

وبعد ذلك، قد تأتي ( البعض يفعل ذلك) إلى الاعتقاد بأن ذلك الصوت مثل كل الباقي (بقية الاصوات)  لا بد لي من التحدث بصورة رمزية – ذلك الصوت الذي يتحدث في ضميرك وفي بعض أفراحك الشديدة 

 والذي في بعض الأحيان يكون صامتا بشكل عنيد، وأحيانا من السهل إسكاته وثم في أوقات أخرى صوت عال جدا ومؤكد، هو في الواقع , أقرب إتصال  قد حصلت علية مع الغموض؛

 وبالتالي في النهاية يمكن الوثوق به ، أن يـُطاع، يـُخشى و يكون مرغوب فيه ,أكثر من جميع الأشياء الأخرى.

ولكن مع ذلك، إذا كنت شخص من نوع مختلف ، لن تصل إلى هذا الاستنتاج. آمل أن يرى الجميع كيف يرتبط هذا بسؤال الملاحة الفضائية الذي بدأنا عنده.

الطريقة التي رسمتها قد تحدث بشكل جيد أو قد تفشل أن تحدث بنفس الدرجة

   ، أينما كنت موجودا. في الحقيقة إن السفر عبر الفضاء ليس له علاقة في هذه المسألة. بالنسبة للبعض، الله يمكن اكتشافه في كل مكان؛ بالنسبة للآخرين،  فهو ليس في أي مكان.

 أولئك الذين لم يجدونه على الارض , من غير المرجح أن يجدونه في الفضاء.

 لكن قم بإرسال قديس لأعلى ,في سفينة الفضاء فسوف يجد الله في الفضاء كما وجد الله على الأرض. أنه أمر يعتمد كثير على العين المبصرة.

وهذا أمر علي نحو الخصوص تأكد من قبل ديانتي ، والتي هي المسيحية.

 عندما قلت منذ  قليل أنه لا معنى للبحث عن الله كعنصر واحد ضمن عمله الخاص، أى الكون، ربما أراد بعض القراء الاحتجاج. يريدون أن يقولوا، “لكن من المؤكد، وفقا للديانة المسيحية، أن هذا هو ما حدث مرة واحدة فقط؟

 بالتأكيد العقيدة المركزية , هي أن الله صار إنسانا وقام بالسير وسط رجال آخرين في فلسطين؟ إذا كان هذا لا يظهر كعنصر في عمله الخاص، فما هو؟ “الاعتراض هو في الغالب علي هذه النقطة. للتصدي لذلك، فلابد لي من  تعديل تشبيهي القديم للمسرحية .يمكن للمرء أن يتخيل مسرحية و التي فيها  قدم الكاتب المسرحي نفسه على أنه شخصية في مسرحيته الخاصة

وقد قُذف خارج خشبة المسرح مثل محتال وقح بواسطة الشخصيات الأخرى.

 قد تكون بالأحرى مسرحية جيدة. إذا كان لدي أي موهبة للمسرح كنت سأحاول كتابة هذه المسرحية. ولكن حيث (بقدر معرفتي) أن هذه المسرحية غير موجودة،

يكون أفضل لنا أن نتحول إلى العمل الروائي .كقصة يضع المؤلف نفسه فيها باعتباره واحدا من الشخصيات.

لدينا مثال حقيقي لهذا, (الشاعر الإيطالي) دانتي في(الملحمة الشعرية) الكوميديا ​​الإلهية.

 دانتي هو (1) الملهم خارج القصيدة , هو الذي يخترع كل شيء،

 و (2) هو شخصية داخل القصيدة، الذي تلتقي به الشخصيات الأخرى ومعه يتحادثون.

 هنا يختل التشبيه حيث أن كل شيء تحتويـه القصيدة هو مجرد شيء تخيلي فقط، وعليه فإن الشخصيات لا تملك إرادة حرة.

 يمكنهم (الشخصيات) أن يقولوا لدانتي ,فقط ما قرر دانتي (الشاعر) أن يضع في أفواههم.

 أنا لا أعتقد ,أننا نحن البشر مرتبطين بالله بهذه الطريقة. وأعتقد أن الله يمكنه  أن يجعل الأشياء التي ليست  – مثل شخصيات الشاعر أو الروائي –  تبدو لديها حياة مستقلة جزئيا فقط ، بل بالحقيقة تكون لديها. لكن هذا التشبيه يقدم نموذج فظ حول التجسد في ناحيتين: (1) دانتي الشاعر و دانتي الشخصية هم  بمعنى من المعاني شيء واحد، ولكن بمعنى آخر هما أثنين. هذا هو اقتراح باهت وبعيد جدا  عن ما يعنيه اللاهوتيين  عن “اتحاد الطبيعتين” (الالهيه والبشريه) في المسيح.

 الأشخاص الآخرين في القصيدة تـقابل وترى وتسمع دانتي. ولكن ليس لديهم ولا حتى أدني شك بأنه قد صنع كل العالم الذي يتواجدون فيه، وله حياة خاصة به، خارجه مستقلـة عنه. إن هذه النقطة الثانية هي الأكثر ملاءمة. بالنسبة للقصة المسيحية فإن المسيح كان يـُنظر إليه على أنه الله من قبل قلة قليلة من الناس بالفعل. ربما، لبعض الوقت من قبل القديس بطرس فقط ، الذي من شأنه أيضا، ولنفس السبب ، أنه قد وجد الله في الفضاء.

 لأن المسيح قد قال لبطرس: “اللحم والدم لم تعلن لك هذا.” أساليب العلم لا تكتشف عن حقائق من هذا النوع.

 

 

[gview file=”http://www.difa3iat.com/wp-content/uploads/2014/09/عام-1961-أطلق-الاتحاد-السوفيتي-أول-رجل-إلي-الفضاء1.pdf”]