نبوات حددت زمن ميلاده بزوال الحكم من يهوذا وخضوع اليهود للرومان
عندما ولد الرب يسوع المسيح في بيت لحم وظهر النجم للمجوس وجاءوا ليسجدوا له، ذهبوا إلى أورشليم وإلى قصر هيرودس مباشرة ظنا منهم أنه سيكون ابن الملك الجالس على عرش اليهودية، ولما عرف هيرودس يقول الكتاب: ” ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود. فأننا رأينا نجمه في المشرق واتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح. فقالوا له في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي. وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل ” (مت2 :1-7).
والشيء الملاحظ هنا هو أنه بمجرد سؤال المجوس عن الملك المولود، سأل هيرودس رؤساء الكهنة والكتبة قائلاً: أين يولد المسيح؟ وكانت الإجابة الفورية والمُجمع عليها أنه سيولد في بيت لحم ” ألم يقل الكتاب انه من نسل داود ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح ” (يو7 :42)!! والسؤال هنا لماذا سال هيرودس عن ميلاد المسيح بالذات؟ والإجابة الطبيعية هي أن الجميع كانوا ينتظرون مجيء المسيح المنتظر ويعرفون أن هذا هو توقيت وزمن مجيئه وتجسده. والسؤال هو؛ وكيف عرفوا ذلك؟ والإجابة هي؛ من النبوات التي حددت وقت وزمن ومكان تجسده وميلاده وظهوره في العالم! وليس هذا فحسب، بل نرى الكهنة والكتبة وكل الشعب كانوا في حالة انتظار وتوقع لهذا المجيء
-1 –
الذي عرفوا أنه سيكون في أيامهم! ويتضح لنا ذلك بصورة أوضح في قصة سمعان البار المعروف بسمعان الشيخ والذي يقول عنه الكتاب: ” وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه ” (لو2 :25)، وقد كان دارساً للنبوات كما أوحي إليه بالروح القدس ” أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب ” (لو2 :26). هذا الرجل ساقه الروح القدس وجاء به إلى الهيكل وقت دخول الطفل الإلهي يسوع إلى الهيكل عندما جاءت به العذراء ويوسف البار ليقدماه للرب كالمولود البكر للعذراء، هذا الرجل حمل الطفل الإلهي على ذراعيه وقال: ” الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك إسرائيل ” (لو2 :30-32). وفي نفس الوقت كانت هناك حنة النبية المسنة التي يقول الكتاب أنها: ” في تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم ” (لو2 :38). وهنا نلاحظ أن سمعان ” كان متوقعاً تعزية إسرائيل ” وحنة النبية كانت ضمن مجموعة من ” المنتظرين فداء في أورشليم “. بل وعندما ظهر الرب يسوع المسيح، بعد قيامته لتلميذي عمواس ولما يعرفا في البداية أنه المسيح قالا له: ” ونحن كنا نرجو انه هو المزمع أن يفدي إسرائيل ” (لو24 :21).
بل وكان الجميع في تلك الأيام في حالة ترقب وانتظار لمجيئه الذي توقعوا أنه لا يمكن أن يتعدى وقتهم وزمانهم والأيام التي كانوا يعيشون فيها، فلما جاء يوحنا المعمدان يقول الكتاب: ” أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت؟ فاعترف ولم ينكر واقرّ أني لست أنا المسيح ” (يو1 :19و20)، ” فسألوه وقالوا له فما بالك تعمّد أن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي ” (يو1 :25). ويوحنا أكد للجموع: ” أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه ” (يو3 :28). ولما تعرف القديس بطرس على الرب يسوع المسيح قال لأخيه سمعان: ” قد وجدنا مسيا. الذي تفسيره المسيح ” (يو1 :41). وكذلك ” فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة ” (يو1 :45). ولكي يؤكد المعمدان لتلاميذه عمليا حقيقة أن يسوع هو المسيح المنتظر، يقول الكتاب: ” فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وأرسل إلى يسوع قائلا أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ فلما جاء إليه الرجلان قالا يوحنا المعمدان قد أرسلنا إليك قائلا أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ ” (لو7 :19و20). وهذه الحقيقة، حقيقة انتظار اليهود للمسيح في بداية القرن الأول الميلادي، كان يعرفها السامريون أيضاً، لذا قالت له المرأة السامرية: ” أنا اعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء ” (يو4 :25)، وبعد تأكدها من حقيقة أنه المسيح المنتظر قالت للسامريين: ” هلموا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟ ” وبعد أن تعاملوا معه: ” قالوا للمرأة أننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن. لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم ” (يو4 :25و29و42).
وكانت الجموع متلهفة أن تعرف أن كان هو المسيح المنتظر والنبي الذي أعلن عنه موسى النبي (تث18 :15-18). بل وكانت تتمنى ذلك بسبب تعليمه وأعماله: ” فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا أن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم ” (يو6 :14)، ” فآمن به كثيرون من الجمع وقالوا ألعل المسيح متى جاء يعمل آيات أكثر من هذه التي عملها هذا ” (يو7 :31). وكانوا يعرفون أن المسيح سيأتي من بيت لحم ومن نسل داود، ولأنه كان يسكن في الجليل ولم يعرفوا حقيقة ولادته في بيت لحم تساءلوا: ” آخرون قالوا هذا هو المسيح. وآخرون قالوا ألعل المسيح من الجليل يأتي؟ ألم يقل الكتاب انه من نسل داود ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح ” (يو7 :41و42). وكانوا يميلون لمعرفة الحقيقة منه هو ” فاحتاط به اليهود وقالوا له إلى متى تعلّق أنفسنا. أن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا ” (يو10 :41). وكانوا يتساءلون عند سكوت الرؤساء عنه: ” ألعل الرؤساء عرفوا يقينا أن هذا هو المسيح حقا ” (يو7 :26). ولما سأل تلاميذه عن إيمان الناس بشخصه قال القديس بطرس بالروح القدس: ” أنت هو المسيح ابن الله الحي ” (مت16 :16). وأكد ذلك في مناسبة أخرى بقوله: ” ونحن قد آمنّا وعرفنا انك أنت المسيح ابن الله الحي ” (يو9 :69). وكذلك مرثا أخت لعازر: ” قالت له نعم يا سيد. أنا قد آمنت انك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم ” (يو11 :27). ولما المح لموته وقيامته وصعوده: ” أجابه الجمع نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد. فكيف تقول أنت انه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان ” (يو12 :34). ولما سأل هو رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين: ” قائلا ماذا تظنون في المسيح. ابن من هو. قالوا له ابن داود ” (مت22 :42). كما سأله رئيس الكهنة وقت المحاكمة: ” وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ” (مت26 :63). فقد كان الجميع وقتها ينتظرون المسيح المنتظر ويعرفون الوقت بالتحديد ومكان ولادته بل ونسبه من داود النبي والملك.
والسؤال الآن هو: كيف عرف هؤلاء زمن مجيء المسيح؟ وكيف تأكدوا من حتمية مجيئه، في أيامهم، وبالتحديد في النصف الأول من القرن الأول للميلاد؟
والإجابة هي من نبوتي أبونا يعقوب (تك49 :10) ودانيال النبي (دا9 :24-27) تحديداً!! فالأولى حددت زمن مجيئه بنهاية حكم سبط يهوذا وحرمان اليهود من تطبيق كامل شريعتهم على شعبهم. أي حتمت أن يكون المسيح قد جاء قبل زوال الحكم من يهوذا. فعند زوال هذا الحكم والتشريع كان لابد أن يعرف اليهود أن المسيح قد جاء. والثانية حددت لقبه وأعماله الكفارية وقطعه، أي صلبه فدية، ودمار الهيكل الثاني نهائياً بعلامتين؛ الأولى هي تحديد عدد سنوات معينة لميلاده وعماده وصلبه، والثانية هي دمار الهيكل الثاني لأورشليم بعد مجيئه وصلبه. وقد زال الحكم من يهوذا سنة 6/7 ميلادية وتم دمار الهيكل سنة 70 ميلادية، وهذا يعني أن المسيح لابد وأن يكون قد تجسد قبل سنة 7م وصلب قبل سنة 70م. وقد عرف هذه الحقيقة علماء اليهود فآمن عدد كبير منهم، من الشعب والكهنة: ” وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان ” (أع6 :7). وحزن الذين لم يؤمنوا بأن يسوع الناصري هو المسيح المنتظر، جدا، ولكنهم ظلوا متمسكين بهذه النبوات زاعمين أن الله أجل مجيئه من أجل خطاياهم، ولكنه سيأتي ولابد أن يأتي!!
(1) النبوة الأولى: نسل يهوذا الذي تخضع له الشعوب:
النبوّة |
” لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلوه (hl{yvi – شيلوه (ومعناه: من له الأمر) وله يكون خضوع شعوب ” (تك49 :10). |
التحقيق |
” ربنا قد طلع من سبط يهوذا ” (عب7:14)، ووصف في سفر الرؤيا بـ ” الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ” (رؤ5 :5). |
وكلمة ” شيلون ” الموجودة في الترجمة البيروتية (فاندايك)، حرفيا هي ” شيلوه – hl{yvi – Shiloh ” وترجمت في جميع الترجمات، عدا الفاندايك: ” حتى يأتي شيلوه “، ومعناها ” الذي له الأمر “، أي الذي سيكون له الصولجان وخضوع شعوب كقول النبوة ” وله يكون خضوع شعوب ” أو ” وتطيعه الشعوب “.
وكلمة قضيب هنا هي الصولجان ” لا يَزولُ الصَّولَجانُ “، أو قضيب السلطة (The scepter – The rod of authority)، وكلمة مشترع تعني ” عصا السلطان من صلبه، عصا القيادة من بين قدميه ” ولا عَصا القِيادةِ مِن بَينِ قَدَميه ” – the ruler’s staff from between his feet – a lawgiver from between his feet “. والمعنى هو أنه لن يزول الصولجان من يهوذا إلا بعد مجيء شيلوه، الذي له الصولجان والحكم، أي يأتي شيلوه أولاً، ثم بعد ذلك يزول الحكم والصولجان من يهوذا. ولذا تترجم الآية ” لا يزول الصولجان من يهوذا ولا عصا القيادة من بين قدميه إلى أن يأتي صاحبها وتطيعه الشعوب “، و ” لا يزول صولجان الملك من يهوذا ولا مشترع من صلبه حتى يأتي شيلوه (ومعناه: من له الأمر) فتطيعه الشعوب “، وترجمت في الترجمة الدولية الحديثة (NIV): ” The scepter will not depart from Judah, nor the ruler’s staff from between his feet, until he comes to whom it belongs and the obedience of the nations is his. “.
وهذا ما أشار إليه الروح القدس في سفر حزقيال النبي قائلا: ” منقلبا منقلبا منقلبا اجعله هذا أيضا لا يكون حتى يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه ” (حز27:21).
كما أن كلمة ” قضيب ” أو ” صولجان ” كانت تعني في فكر العلماء (الربيون) اليهود ” الهوية السبطية ” أو ” العصا السبطية ” لأسباط إسرائيل الأثنى عشر، وقد ارتبطت هذه الهوية السبطية في أذهانهم بأنها حقهم في تطبيق وفرض الشريعة الموسوية على الشعب بما في ذلك حق القضاء في الأمور الكبرى وتوقيع العقوبات الكبرى، أي السلطان القانوني لإصدار الأحكام الكبرى مثل حكم الموت[1].
وقد فهم كل اليهود وأدركوا في كل عصورهم، قبل المسيح وفي أثناء وجوده على الأرض، بالجسد، وبعد ذلك، وسجلوا ذلك في أهم كتبهم، أن كلمة ” hl{yv – Shiloh – شيلوه ” هي مصطلح خاص بالمسيح الآتي والمنتظر (المسيا). وأن مجيء شيلوه أو المسيا سيكون قبل زوال الحكم من سبط يهوذا مباشرة.
(1) يقول ترجوم أونكيلوس Targum Onkelos[2] ” أن انتقال الحكم من يهوذا لن يتوقف من بيت يهوذا ولا الكاتب من أبناء أبنائهم حتى يأتي المسيا “[3].
(2) وجاء في ترجوم يوناثان المنحول [4]Pseudo Jonathan ” الملك والحكام لن يتوقفوا من بيت يهوذا 000 حتى يأتي الملك المسيا “[5].
(3) ويقول ترجوم (Yerushalmi) ” لن يتوقف الملوك من بيت يهوذا 000 حتى مجيء الملك المسيا 000 الذي ستخضع له كل سيادات الأرض “[6].
(4) وجاء في التلمود البابلي (Sanhedrin 98b)؛ قال Johanan ” لقد خُلق العالم لأجل المسيا، فما هو اسم المسيا ؟ تقول مدرسة الرابي شيلا (Rabbi Shila) اسمه شيلوه لأنه مكتوب؛ حتى يأتي شيلوه .[7]
(5) ويقول رابي راشي RaShi ” إلى أن يأتي المسيا، الذي سيعطى له كل الملك، فأن كل الشعوب ستترجى قدومه “[8].
(6) ويقول مدراش[9] راباه Midrash Rabbah 97 ” في تعليقه على هذه النبوة: [ المسيا الملك سيأتي من سبط يهوذا كما هو مكتوب في إشعياء11 :10 ” ويكون في ذلك اليوم أنّ أصل يسّى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ومحله يكون مجداً “. وكما جاء سليمان من سبط يهوذا، الذي بنى الهيكل الأول، وزربابل الذي بنى الهيكل الثاني، هكذا سيجيء المسيا الملك من سبط يهوذا ليُعيد بناء الهيكل، هذا المسيا كُتب عنه في (المزمور 34:89-37) ” لا أنقض عهدي ولا أُغير ما خرج من شفتي. مرة حلفت بقدسي إني لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامي. مثل القمر يثبت إلى الدهر. والشاهد في السماء أمين “][10].
(7) ويقول مدراش راباه Midrash Rabbah 98 [ التلميح بالملك المسيا، في قوله ” وستخضع الشعوب له “. فالمسيا سيأتي ويجلس ليحاكم شعوب العالم ][11].
ومعنى هذا فأن الهوية السبطية وصولجان سبط يهوذا لن يزولا من يهوذا إلا بعد مجيء المسيح المنتظر، شيلوه، أي يأتي المسيا، شيلوه، أولاً ثم يلي مجيئه زوال الحكم من يهوذا. ولم يكن سبط يهوذا مجرد سبط من الأسباط الأثنى عشر فحسب إنما صار اسماً للمملكة الجنوبية، مملكة يهوذا، عند انقسام إسرائيل إلى مملكتين بعد وفاة سليمان الحكيم والملك، والتي أتخذ اليهود، كل بني إسرائيل، منها أسمهم ” يهود ” من ” يهوذا “[12].
ولذا فالتفسير الدقيق للنبوة هو؛ أن الهوية القومية ليهوذا كسبط وكمملكة والتي تتضمن الحق في تطبيق الشريعة الموسوية وتوقيع العقوبات الكبرى ومنها حكم الموت على الشعب، كما هو مكتوب في شريعة موسى، لن تزول من مملكة يهوذا، اليهود، ولا المشرع من بين رجليه إلا بعد أن يأتي شيلوه أي المسيح (المسيا) وله يكون خضوع شعوب.
كما تؤكد هذه النبوّة على أن شيلوه أو المسيا سيأتي قبل أن يُحصر الحق في تطبيق الشريعة الموسوية بما فيها توقيع العقوبات الكبرى، قبل أن تنتهي الهوية القومية ليهوذا مباشرة.
ويسجل لنا التاريخ الكتابي أن مملكة يهوذا فقدت سلطانها القومي لمدة 70 سنة أثناء السبي البابلي (من سنة 606 إلى 537 ق م)، ولكنها احتفظت بالعصا السبطية أو الهوية القومية، ولم يزول القضيب من يهوذا أثناء السبي في بابل. فقد ظل اليهود يحتفظون بقضائهم وسلطانهم القضائي وتطبيق شريعتهم على شعبهم حتى وهم في السبي[13].
وفي خلال القرون الخمسة السابقة للميلاد وقع اليهود تحت نير الإمبراطوريات البابلية والفارسية واليونانية والرومانية، مثلهم مثل بقية بلاد الشرق الأوسط، ولكنهم ظلوا محتفظين بهويتهم السبطية وحقهم في تطبيق شريعتهم، خاصة بعد العودة من السبي، بما فيها توقيع عقوبة الموت حتى سنة 6/7 ميلادية، كما يسجل المؤرخ والكاهن والعلامة اليهودي يوسيفوس المعاصر لتلاميذ المسيح (36 – 100م) في كتاباته، فبعد موت هيرودس الكبير (ما بين سنة 4 – 2 ق م) ملك عرش اليهودية بدلا عنه أبنه أرخيلاوس من قبل أغسطس قيصر، ولكن اليهود لم يقبلوه مطلقاً فعزل من وظيفته سنة 6 أو 7 ميلادية ونفي إلى فيّنا بالغال ولم يحل محله أي ملك يهودي بل تحولت اليهودية في هذا التاريخ إلى ولاية رومانية وحكمها أول والي روماني اسمهCoponius من قبل الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر ” وانحصرت منطقة أرخيلاوس إلى ولاية رومانية وأُرسل كابينوس كوالي روماني وقد وضع الإمبراطور في يديه سلطان الحياة والموت “[14].
ومنذ ذلك التاريخ ” كان الوالي (الروماني) هو الممثل المباشر لقيصر ومسئولا عن حكم الولاية 000 وكان هو أيضا الحاكم المحلي والقاضي. وكان رئيس الكهنة تابعاً له ومسئولاً أمامه عن سلوك اليهود. وكان للوالي حق تعيين رئيس الكهنة كما كان يحق له عزله. وخلال عصر الولاة استمر اليهود خاضعين لقادتهم كما استمرت المحاكم اليهودية المسماة بالسنهدرين تؤدي أعمالها. ولكن دائما تحت سيطرة الوالي الذي جرد هذه المحاكم من سلطة الحكم على شخص بالإعدام “[15].
فقد زال الحكم وزالت الهوية السبطية من اليهود على أيدي الوالي الروماني. ويسجل الكاهن والمؤرخ اليهودي يوسيفوس حادثة قتل يعقوب أخو الرب، الحادثة التي تؤكد أن السنهدرين لم يكن له، في وجود الوالي الروماني، سلطة أن يحكم على أحد بالموت؛ ” والآن عند سماع قيصر بموت فستوس أرسل البينوس (Albinus) إلى اليهودية والياً 000 وكان حنان رئيس الكهنة مندفعا في سلوكه وظن أن أمامه الفرصة الآن مواتية لممارسة سلطانه. فقد صار فستوس الآن ميتا وكان البينوس لا يزال في الطريق. ولذلك فأنه استدعي مجلس قضاة السنهدرين وأحضر أمامهم أخا يسوع الذي يدعى المسيح والذي اسمه يعقوب وبعض الآخرين. وعندما قدم اتهاما عليهم كخارجين عن القانون أسلمهم ليرجموا. أما الذين بدت عليهم العدالة بين المواطنين وغير المرتاحين للتعدي على القانون فقد اعتبروا هذا عملاً كريهاً. ولذلك أرسلوا إلى الملك أغريباس مجندين له أن يُرسل إلى حنانيا يعزله لأن ما فعله مؤخراً لا يمكن تبريره، بل أن بعضهم ذهب لمقابلة ألبينوس عندما كان في رحلته من الإسكندرية وأبلغوه أنه لم يكن مخول لحنان قانونا أن يعقد السنهدرين بدون موافقته. وقد أقتنع ألبينوس بما ذكروه وكتب إلى حنان في غضب متوعداً بأن يستدعيه لمعاقبته على ما فعل، ولنفس ذلك السبب خلعه الملك أغريباس من رآسة الكهنة بالرغم من أنه لم يحكم أكثر من ثلاثة شهور وجعل يشوع بن دايميوس رئيساً للكهنة “[16].
كما سجل التلمود رد فعل اليهود وحزنهم لتأكدهم من زوال الهوية السبطية من يهوذا واعتقادهم أن المسيا لم يأت بعد، يقول Augustin Leman في كتابه ” يسوع أمام السنهدرين مسجلاً قول الرابي راشمان Rabbi Rashman ” عندما وجد أعضاء السنهدرين أنفسهم محرومين من حقهم على الحياة والموت تملكهم رعب عام وغطوا رؤوسهم بالمسوح صائحين: ويل لنا لأن القضيب (الصولجان زال من يهوذا ولم يأت المسيا “[17].
ويقول الراباي رامون (Rabbi Rahmon – أي موسى ابن ميمون): ” لقد كانت صدمة لأعضاء السنهدرين (Sanhedrin) أن يدركوا أن حق السيطرة على الحياة والموت خرج من أيديهم، فغطوا رؤوسهم بالرماد وغطوا أجسادهم بالملابس البالية صائحين: يا لفقر أمورنا لقد فقدنا صولجان يهوذا ولم يأت المسيا بعد “.
كانوا يصيحون في يأس وحزن في أورشليم بينما كان المسيا، شيلوه، الذي له القضيب والصولجان يقيم في مدينة الناصرة، يسوع الناصري، وكان يظن أنه ابن يوسف النجار (لو23:3). فقد جاء شيلوه وزال الصولجان من يهوذا بعد ميلاه بالجسد بسبع سنوات. وهكذا تحققت النبوة بحزافيرها.
1Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space , Until Shiloh Come.
2 ترجوم كلمة آرامية من الأصل الفارسي تورجمان وهي تعني ترجم. ويُطلَق هذا المصطلح على الترجمات الآرامية للكتاب المقدَّس. وقد وُضعت هذه الترجمات في الفترة الواقعة بين أوائل القرن الثاني وأواخر القرن الخامس قبل الميلاد. وقد أصبحت مثل هذه الترجمة أمراً مهماً وحيوياً بالنسبة إلى اليهود ، نظراً لأن الآرامية حلَّت محل العبرية بعد التهجير البابلي. فمنذ أيام عزرا ، كانت تُضاف ترجمة آرامية بعد قراءة أجزاء من العهد القديم ، وقد صار هذا تقليداً ثابتاً. ومن أشهر الترجمات الآرامية للكتاب المقدَّس : ترجوم أونكيلوس لأسفار موسى الخمسة وحدها، وترجوم يوناثان لبقية أسفار العهد القديم ” (اليهود واليهودية والصهيونية د.عبد الوهاب المسيري جـ 5).
3 Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space , Until Shiloh Come.
4 كلمة سودو من (Pseudepigrapha) سودو إبيجرفا اليونانية ، وتعني المنسوبة خطأ لغير مؤلفه.
5 Chuck Missler, The Creator Beyond Time and Space , Until Shiloh Come.
7 Ibid. & Jerusalem Talmud, Sanhedrin, filoi 24.
8 عن كتاب ” أما إسرائيل فلا يعرف ” للقمص روفائيل البراموسي ص 54و55.
9 مدراش من الكلمة العبرية درش، أي استطلع أو بحث أو درس أو فحص أو محص والكلمة تُستخدَم للإشارة إلى تفسير العهد القديم.
10 أما إسرائيل فلا يعرف ” ص 55.
12 أنظر (2مل16 :6؛25 :25؛عز4 :12؛4 :23؛5 :5 00الخ).
[13] Chuck Missler, Until Shiloh Come.
[14] Josephus. Jewish Wars 2:8.
15 عن كتاب ” محاكمة يسوع المسيح ” للفقيه الإنجليزي فرنك ج باول ترجمة إبراهيم سلامة . ص33.
[16] Josephus Antiquity of The Jews. 23:9.
[17] Chuck Missler, Until Shiloh Come.& Jerusalem Talmud, Sanhedrin, filoi 24.