التدبير الالهي الأزلي للفداء ونبوات الأنبياء عن المسيح في الفكر اليهودي قبل الميلاد
التدبير الالهي الأزلي للفداء ونبوات الأنبياء عن المسيح في الفكر اليهودي قبل الميلاد
التدبير الالهي الأزلي للفداء ونبوات الأنبياء عن المسيح في الفكر اليهودي قبل الميلاد
1 – تدبير الله ومشورته الأزلية وعلمه السابق:
الله هو الكائن الوحيد المطلق في الكون، كلي الوجود، ولذ يصفه الكتاب بـ ” الرب الإله العلي مالك السماء والأرض ” (تك14 :22)، والسرمدي ” الرب الإله السرمدي ” (تك21: 33). والسرمدي هنا (~l'(A[ – عولام)، وتساوي في اليونانية السبعينية؛ (aivw,nioj = Everlasting= أبدي)، وتعني هنا بالنسبة لله القدم المطلق، الأزلي، والمستقبل الأبدي (أي الدائم بلا بداية ولا نهاية)، فهو الموجود المطلق سبب وأصل وعلة الوجود ” أكون الذي أكون = أنا هو الكائن ” (خر3 :13)…
واسمه في العهد القديم ” يهوه ” ويعني الكائن الموجود الدائم الوجود أصل ومصدر كل وجود ” الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء ” (رؤِ1 :8). ولذا يقول الكتاب عنه: ” هوذا الله عظيم ولا نعرفه وعدد سنيه لا يفحص ” (أي36 :26).
ويعبر عن جوهره بكلمة لاهوت ” qeo,thtoj – theotēs” التي تعني جوهر الذات الإلهية. ويقول لنا الكتاب أنه روح ” الله روح ” (يو4 :24)، ” الرب الروح ” (2كو3 :18).
وأنه نور ” الله نور وليس فيه ظلمة البتة ” (1يو1 :5)، وأنه وحده الحي الذي لا يموت ” الإله الحي القيوم إلى الأبد ” (دا6 :26)، ” الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي لم يره احد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية ” (1تي6 :16). ” وملك الدهور الذي لا يفنى ولا يرى الإله الحكيم وحده له الكرامة والمجد إلى دهر الدهور ” (1تي1 :17).
وكما أنه كلي الوجود فهو كلي العلم والمعرفة، العالم بكل شيء: ” أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد مسلكي ومربضي ذريت وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها. من خلف ومن قدام حاصرتني وجعلت عليّ يدك. عجيبة هذه المعرفة فوقي ارتفعت لا أستطيعها. أين اذهب من روحك ومن وجهك أين اهرب. أن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وان فرشت في الهاوية فها أنت. أن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضا تهديني يدك وتمسكني يمينك.
فقلت إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضيء حولي. الظلمة أيضا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور لأنك أنت اقتنيت كليتيّ. نسجتني في بطن أمي. أحمدك من اجل أني قد امتزت عجبا. عجيبة هي أعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا. لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء ورقمت في أعماق الأرض.
رأت عيناك أعضائي وفي سفرك (أي كتابك) كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها ” (مز139 :2-15)، ” لان طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله ” (ام5 :21)، ” لان الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار ” (1اي28 :9)، ” فان فاحص القلوب والكلى الله البار ” (مز7 :9)، ” لأنه هو يعرف خفيّات القلب ” (مز44 :21(.
ولأن الله كلي الوجود والعلم والقدرة لذا لا يمكن لأحد ما أن يدرك فكره لأن المحدود لا يمكن أن يدرك غير المحدود: ” يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما ابعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا. أو من سبق فأعطاه فيكافأ. لأن منه وبه وله كل الأشياء ” (رو11: 33-36)، ” أإلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي. هو أعلى من السموات فماذا عساك أن تفعل. أعمق من الهاوية فماذا تدري. أطول من الأرض طوله واعرض من البحر ” (أي11 :7-9)، ” ما أعظم أعمالك يا رب وأعمق جدا أفكارك ” (مز92 :5).
ولأن الله كلي العلم والحكمة والمعرفة، كما أنه خالق وموجد كل شيء ” الذي منه جميع الأشياء ونحن له ” و ” الذي به جميع الأشياء ونحن به ” (1كو8 :6)، و ” الكل به وله قد خلق ” (كو1 :16)، فقد دبر لكل شيء في الكون تدبيراً سابقاً أبديا كما يقول في سفر اشعياء: ” اذكروا الأوليات منذ القديم لأني أنا الله وليس آخر الإله وليس مثلى. مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلاً رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي 000 قد تكلمت فأجريه. قضيت فأفعله ” (اش46 :9و10).
ولأن الله كلي المعرفة والحكمة والعلم فكل شيء معروف سابقا عنده كما يقول الكتاب: ” لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكر بين أخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضا ” (رو8 :29و30). ويقول الله لارميا ” قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبياً للشعوب ” (ار1 :5).
ومن ثم فهو لا يخضع للظروف ولا يفاجأ بالأحداث بل كل شيء عنده له تدبيره الأزلي الأبدي كما يقول الكتاب: ” معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله ” (أع15 :18). فكل شيء مكشوف قدامه وعريان كقول الكتاب: ” وليس خليقة غير ظاهرة قدامه بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا ” (عب4 :13). ويعلن عن تدبيره وقصده الأزلي ومشورته الإلهية لأنبيائه في الوقت الذي يراه ” السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء ” (عا3 :7).
“سر الله لخائفيه ” (مز25 :14)، فيقول لاشعياء النبي: ” تعال الآن اكتب عندهم على لوح وارسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور ” (اش30 :8).
وقد كشف الله عن تدبيره الأزلي للبشرية بصورة أكبر وأعمق في بعد التجسد حيث يقول الروح بلسان المسيح: ” سأفتح فمي بأمثال وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم ” (مت13 :35)، والرب يسوع المسيح يؤكد هذه الحقيقة بقوله، بعد أن وصف للتلاميذ كل ما سيحدث عند مجيئه الثاني وانتهاء العالم والدينونة: ” ها أنا قد سبقت وأخبرتكم ” (مت24 :25 ؛مر13: 23)، وأيضاً ” أقول لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو ” (يو13: 19)، ” وقلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون ” (يو14 :29).
وكان هذا الأمر واضحا للتلاميذ خاصة بعد حلول الروح القدس، فعندما صلوا مسبحين الله على نجاة القديسين بطرس ويوحنا وخروجهما من السجن الذي وضعهما فيه رؤساء اليهود قالوا: ” لأنه بالحقيقة أجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل ليفعلوا كل ما سبقت فعينت يدك ومشورتك أن يكون ” (أع4 :27و28). أي أن ما حدث ويحدث لهم ما هو إلا ما سبق الله أن دبره و”عينّه ” حسب مشورته الأزلية.
وقال القديس بولس بالروح لليونانيين الفلاسفة في آريوس باغوس أن الله ” أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدماً للجميع ” (أع17 :31)، وقال لأهل كورنثوس أنه يتكلم ” بحكمة الله في سر. الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا ” (1كو2 :7). وقال لأهل أفسس أن الله ” سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته ” (أف1 :5).
2 – تدبير الله الأزلي للتجسد والفداء:
وعندما نأتي لسر التجسد والفداء نجد أنفسنا أمام تدبير إلهي مقرر ومرتب ومكتوم قبل الأزل، كما يقول الكتاب ” قبل الأزمنة الأزلية “؛ ” الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية ” (2تي1 :9)..
” والقادر أن يثبتكم حسب إنجيلي والكرازة بيسوع المسيح حسب إعلان السر الذي كان مكتوماً في الأزمنة الأزلية ولكن ظهر الآن وأعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية حسب أمر الإله الأزلي لإطاعة الإيمان ” (رو16 :25و26)..
” إذ سبق (الله) فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه. لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض في ذاك الذي فيه أيضا ذلنا نصيباً معينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شئ حسب رأى مشيئته ” (اف1 :5-7).
ويقول أيضا ” إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لي لأجلكم. أنه بإعلان عرفني بالسر 000 سر المسيح. الذي في أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر كما أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح 000 وأنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح. لكي يعرّف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا ” (أف3 :3-5و9-11)..
” السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال لكنه الآن قد أظهر لقديسيه الذين أراد الله أن يعرّفهم ما هو غنى مجد هذا السر في الأمم الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد ” (كو1 :26و27).
وأخيرا يقول القديس بطرس بالروح: “عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفا سابقا قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم ” (1بط1 :18-20).
3 – الإعلان عن تدبير التجسد والفداء:
وقد رتب الله للإعلان تدبير التجسد والفداء، من خلال محورين هما؛
(1) النبوّات التي تتكلم عن مجيء الفادي الذي سيقدم الفداء والخلاص الأبدي للبشرية؛ ويعطينا وصفا كاملا ودقيقا لكل صفاته وأعماله وجوهر تعليمه، فيحدد مجيئه من نسل المرأة ونسل إبراهيم واسحق ويعقوب وسبط يهوذا فرع يسى ويكون ابنا لداود ويجلس على كرسيه…
وحدد مكان تجسده وميلاده في بيت لحم وزمن مجيئه ووقت زوال الحكم من يهوذا وميلاده من أم عذراء وذهابه إلى مصر وعودته منها وكونه سيتربي كإنسان في الناصرة وعن جوهر الآيات والمعجزات التي سيصنعها وجوهر تعليمه ولاهوته وكونه الإله القدير الأزلي الذي لا بداية له والرب الجالس عن يمين الله الآب.
كما تنبأ عن تفصيلات القبض عليه ومحاكمته وآلامه وصلبه وموته على الصليب، عمله الفدائي وتحمله الآلام نيابة عن البشرية، وعن حفظ جسده من الفساد وقيامته من الأموات في اليوم الثالث وصعوده إلى السموات، والكرازة باسمه في كل المسكونة.
والخلاصة هي أن العهد القديم قدم لنا صورة تفصيلية لشخص المسيح وعمله وتعليمه وفدائه للبشرية حسب التدبير الإلهي ومشورة الله الأزلية قبل التجسد وقبل الخليقة والذي رآه دانيال النبي في رؤياه كالمعبود من جميع القبائل والشعوب والأمم والألسنة: ” كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ” (دا7 :13و14).
4 – علماء اليهود وتفسيرهم للنبوّات الخاصة بالمسيح المنتظر:
أمتلأ العهد القديم، التوراة، كما بينّا أعلاه، بالنبوّات والإشارات والتلميحات والرموز عن شخص المسيح الآتي الذي سيأتي في ملء الزمان ليقيم ملكوت الله، ملكوت السموات، ويعيد الإنسان إلى الفردوس الذي طرد منه، هذا المسيح الآتي دعاه أنبياء العهد القديم بالروح القدس ووصفوه بألقاب عديدة أهمها؛ النسل الآتي، نسل المرأة، ونسل إبراهيم ونسل إسحق ونسل يعقوب، والقضيب ” شيلوه ” الآتي من سبط يهوذا…
والكوكب الذي يبرز من يعقوب، ونسل داود، وغصن داود، وغصن البر، والإله القدير، وعمانوئيل، والرب برنا، والمخلص، والمسيح، والمسيح الرب، والمسيح الرئيس، وشبه ابن إنسان، وقدوس القدوسين …الخ
والسؤال الآن ماذا عن تفسير علماء اليهود، الرابيين، قديماً وحديثاً، لهذه النبوّات؟ وماذا فهموا منها؟ وماذا كانت نظرتهم لها ولهذا الشخص الذي تنبأ عنه الأنبياء؟ هل آمنوا أنه المسيح المنتظر؟ وكيف طبقوها عبر تاريخهم؟
والإجابة كما جاءت في أهم كتبهم وأقوال علمائهم (الربيين – رباي – Rabbi)، وأهمها التلمود[1] والترجمات والمدراش[2] والزوهار[3]، هي الإجماع على أن هذه النبوّات تتحدث عن
1 ” التلمود ” كلمة مشتقة من الجذر العبري ” لامد ” الذي يعني الدراسة والتعلم كما في عبارة ” تلمود توراه “، أي ” دراسة الشريعة “. ويعود كل من كلمة ” تلمود ” العبرية وكلمة ” تلميذ ” العربية إلى أصل سامي واحد. والتلمود من أهم الكتب الدينية عند اليهود، وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية، أي تفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة). ويخلع التلمود القداسة على نفسه باعتبار أن كلمات علماء التلمود كان يوحي بها الروح القدس نفسه (روح هقودش) باعتبار أن الشريعة الشفوية مساوية في المنزلة للشريعة المكتوبة.
والتلمود مُصنَّف للأحكام الشرعية أو مجموعة القوانين الفقهية اليهودية، وسجل للمناقشات التي دارت في الحلقات التلمودية الفقهية اليهودية حول المواضيع القانونية (هالاخاه) والوعظية (أجاداه). وقد أصبح التلمود مرادفاً للتعليم القائم على أساس الشريعة الشفوية (السماعية). ومن هنا، يطلق المسعودي (المؤرخ العربي الإسلامي) على سعيد بن يوسف اسم ” السمعاتي ” (مقابل ” القرائي ” أو من يرفض التراث السماعي ويحصر اهتمامه في قراءة التوراة المكتوبة).
2 ” مدراش ” من الكلمة العبرية ” درش “، أي ” استطلع ” أو ” بحث ” أو ” درس ” أو ” فحص ” أو «محص». والكلمة تُستخدَم للإشارة إلى ما يلي:
1 ـ منهـج في تفسير العهـد القديم يحاول التعمق في بعض آياته وكلماته، والتوسع في تخريج النصوص والألفاظ، والتوسع في الإضافات والتعليقات، وصولاً إلى المعاني الخفية التي قد تصل إلى سبعين أحياناً. وهناك قواعد مدراشية للوصول إلى هذه المعاني. ومثل هذه المعاني الخفية، تُذكَر دائماً مقابل الـ ” بيشات ” أي ” التفسير الحرفي”.
2 ـ ثمرة هذا المنهج من الدراسات والشروح، فالتلمود مثلاً يتضمن دراسات مدراشية عديدة، بمعنى أنها اتبعت المنهج المدراشي. ولكن هناك كتباً لا تتضمن سوى الأحكام والدراسات والتفسيرات المدراشية المختلفة ويُطلَق عليها أيضاً اسم ” مدراش “.
ويُفترَض أن مثل هذه الكتب المدراشية تعود إلى تواريخ قديمة شأنها في هذا شأن كل فروع الشريعة الشفوية. ويبدو أن العلماء المعروفين باسـم الكتبة (سـوفريم)، بدأوا بعد العـودة من بابل بزعامة عزرا، في دراسة التفسيرات التقليدية للشريعة المكتوبة، وأخذوا يطبقونها على الاحتياجات اليومية للجماعة اليهودية، واستمروا في ذلك حتى بداية ظهور معلمي المشناه (تنائيم).
وقد ازدهر الأدب المدراشي في عصر معلمي المشناه (تنائيم)، لكن البدء في تدوين كتب المدراش لم يحدث إلا بعد عدة قرون من إلقاء المواعظ. وهناك نحو أربع وعشرين مجموعة مدراشية يمكن تقسيمها إلى عدة أقسام حسب المرحلة التاريخية:
1 ـ الكتب المدراشية المبكرة (وتم جمعها في الفترة 400 ـ 600).
2 ـ كتب المرحلة الوسطى (640 ـ 1000).
3 ـ كتب المرحلة المتأخرة (1000 ـ 1200).
وهناك مختارات مدراشية من القرن الثالث عشر، إلى جانب مواعظ مدراشية يمكن أن ترد في مجموعات مدراشية مختلفة أو في الجماراه.
3 ” زوهار ” كلمة عبرية تعني ” الإشراق ” أو ” الضياء “. وكتاب الزوهار أهم كتب التراث القبَّالي، وهو تعليق صوفي مكتوب بالآرامية على المعنى الباطني للعهد القديم، ويعود تاريخه الافتراضي، حسب بعض الروايات، إلى ما قبل الإسلام والمسيحية، وهو ما يحقق الاستقلال الفكري (الوهمي) لليهود، وكتابته بلغة غريبة، تحقق العزلة لأعضاء الجماعات اليهودية الوظيفية.
ويُنسَب الكتاب أيضاً إلى أحد معلمي المشناه (تنائيم) الحاخام شمعون بن يوحاي (القرن الثاني)، وإلى زملائه، ولكن يُقال إن موسى دي ليون (مكتشف الكتاب في القرن الثالث عشر) هو مؤلفه الحقيقي أو مؤلف أهم أجزائه، وأنه كتبه بين عامي 1280 و1285، مع بدايات أزمة يهود إسبانيا. والزوهار، في أسلوبه، يشبه المواعظ اليهودية الإسبانية في ذلك الوقت.
وبعد مرور مائة عام على ظهوره، أصبح الزوهار بالنسبة إلى المتصوفة في منزلة التلمود بالنسبة إلى الحاخاميين. وقد شاع الزوهار بعد ذلك بين اليهود، حتى احتل مكانة أعلى من مكانة التلمود، وخصوصاً بعد ظهور الحركة الحسيدية.
ويتضمن الزوهار ثلاثة أقسام هي: الزوهار الأساسي، وكتاب الزوهار نفسه، ثم كتاب الزوهار الجديد. ومعظم الزوهار يأخذ شكل تعليق أو شرح على نصوص من الكتاب المقدَّس، وخصوصاً أسفار موسى الخمسة، ونشيد الأنشاد، وراعوث، والمراثي. وهو عدة كتب غير مترابطة تفتقر إلى التناسق وإلى تحديد العقائد. ويضم الزوهار مجموعة من الأفكار المتناقضة والمتوازية عن الإله وقوى الشر والكون.
المسيح[1]، المسيا، المنتظر، لدرجة أنهم قالوا، كما يسجل التلمود: ” أن كل الأنبياء تنبئوا عن المسيح فقط “[2]، بل وقالوا: ” أن العالم لم يخلق إلا لأجل المسيح “[3].
وقد جمع العالم الكتابي الفريد أيدرزهايم (Alfred Edersheim – 1825 -1889م)، اليهودي السابق، والذي تربي في مدرسة التلمود والتوراة العبرية، والذي كان عالماً فيما يختص بالعلاقة بين العهد الجديد وخلفياته اليهودية، 456 نبوّة طبقها علماء اليهود على المسيح المنتظر (المسيا)…
منها 75 في أسفار موسى الخمسة و243 في أسفار الأنبياء و138 في أسفار الكتابات (أيوب والمزامير وكتابات سليمان وسفر دانيال وعزرا ونحميا و1و2 أخبار الأيام)، وقد دعم أقواله بأكثر من 558 اقتباساً لعلماء مختلفين من اليهود وأن كان قد ركز على المراجع اليهودية الأكثر قدماً وخاصة الترجومات والتلمود الأورشليمي والتلمود البابلي والمدراش الأقدم، ولم يعتمد لا على المدراش أو أي من الكتابات الرابية المتأخرة[4].
4 كلمة ” مسيح ” أو ” مسيا ” في اللغة العبرية هي ” ماشيح – מּשּׁיּח – Mashiakh ” من الفعل العبري ” مشح ” أي ” مسح ” وتنطق بالآرامية ” ماشيحا ” ويقابلها في اللغة العربية ” مسيح ” ومعناها، في العهد القديم، الممسوح ” بالدهن المقدس “، فقد كان الكهنة (خر30:30) والملوك (1صم 16:9) والأنبياء (1مل 16:19) يدهنون بـ ” الدهن المقدس. ونقلت كلمة ” ماشيح ” إلى اللغة اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية ” ميسياس – Messias – Мεσσίας “، وعن اليونانية نقلت إلى اللغات الأوربية ” ميسايا – Messiah ” …
كما ترجمت الكلمة إلى اليونانية، أيضاً، ترجمة فعلية ” خريستوس – christos – Хριτός” أي المسيح أو الممسوح، من الفعل اليوناني ” خريو – chriw ” أي يمسح والذي يقابل الفعل العبري ” مشح ” والعربي ” مسح “، وجاءت في اللاتينية ” كريستوس – christos ” وعنها في اللغات الأوربية ” Christ”.
ولكن الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم يؤكد لنا أن هؤلاء ” المسحاء ” جميعاً، سواء من الكهنة أو الأنبياء أو الملوك، كانوا ظلاً ورمزاً ” للنسل الآتي ” والذي دعي منذ عصر داود فصاعداً بـ ” المسيح “، وكانوا جميعاً متعلقين بهذا المسيح ” مسيح المستقبل ” الذي سوف يأتي في ” ملء الزمان” والذي وصفه الروح القدس في سفر دانيال النبي بـ ” المسيح الرئيس ” (دا 24:9)، و ” المسيح ” و ” قدوس القدويسين ” (دا 25:9)، والذي سوف يكون له وظائف الكاهن والنبي والملك؛ الكاهن الكامل والنبي الكامل والملك الكامل.
______________________
[3]Sanhedrin 98b. p. 667.
7Alfred Edersheim Life and Times of Jesus the Messiah, Appendix 9. List of Old Testament Passages Messianically Applied in Ancient Rabbinic Writings
http://philologos.org/__eb-lat/
وكان علماء اليهود قبل الميلاد ينتظرون المسيا ويعرفون زمن مجيئه، خاصة من نبوتي يعقوب عن شيلوه الذي سيأتي من نسل يهوذا ونبوَة دانيال النبي الذي حدد مجيئه وصلبه.
وظلوا منتظرين لمجيئه، ولما تجسد الرب يسوع المسيح، آمن به الكثير من اليهود، خاصة بعد القيامة والصعود وحلول الروح القدس، ولكن فريق منهم كان ينتظر منه أن يطرد الرومان ويسود على العالم ويحكمه عن طريق اليهود لمدة ألف سنة، ولما وجدوه ينادي بملكوت روحي سمائي، ملكوت الله، ملكوت السموات، يضم الناس من جميع الشعوب والأمم والألسنة، رأوا أنه يفقدهم أمالهم وتميزهم كشعب الله المختار، فرفضوه وقرروا التخلص منه، اعتقادا منهم أنه ليس هو المسيح المنتظر!! يقول الكتاب:
” فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعا وقالوا ماذا نصنع فان هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. أن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وامّتنا. فقال لهم واحد منهم. وهو قيافا. كان رئيسا للكهنة في تلك السنة. انتم لستم تعرفون شيئا. ولا تفكرون انه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها ” (يو11 :47-50).
والسؤال هنا هو؛ هل غير هؤلاء رأيهم وتفسيرهم لهذه النبوّات والإجابة؛ لا، لأنهم لا يزالون ينتظرونه حتى اليوم، ولكنهم فقط قالوا: ” ملعون الإنسان الذي يحسب أزمنة النهاية “!! وقال بعضهم: ” لقد أخر المسيح موعد مجيئه بسبب خطايانا “!! ولكنهم لا يزالوا ينتظرون مجيئه. قال موسى بن ميمون في القرن الثاني عشر (1135-1204): ” أنا أؤمن إيماناً كاملاً بمجيء المسيح، وعلى الرغم من أنه قد تأخر فسوف أنتظره يومأ بعد يوم حتى يأتي “[1].
5 – ما كتبه علماء اليهود في فترة ما بين العهدين:
وما كتبه علماء اليهود في فترة ما بين العهدين، بناء على ما فهموه وفسروه لنبوّات الأنبياء عن المسيح الآتي والمنتظر فهو كثير، فقد امتلأت كتب اليهود سواء الأبوكريفية أو ما جاء في الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية التي تمت قبل الميلاد وكتب الربيين
والترجوم والمشناه[2] والتلمود وغيرها؛ وسنكتفي هنا بفقرات منها توضح لنا صورة المسيح كما كان ينتظره اليهود قبل الميلاد. ومن أهم ما جاء في هذه الكتب هي أوصاف المسيح المنتظر وخاصة ألقاب ابن الإنسان وابن الله والممسوح والمختار والديان الجالس عن يمين العظمة والذي ستخضع له جميع الأمم والشعوب، بل وكلمة الله الذي يعمل أعمال الله ويمثل الله والذي مع الله وفي ذات الله. والكثير مما جاء فيها يتطابق مع ما جاء عن الرب يسوع المسيح في العهد الجديد!! وفيما يلي نماذج لما جاء فيها من أوصاف للمسيح المنتظر:
_____________________
8 THE Messiah, The prophecies and the Talmud
http://koti.phnet.fi/elohim/Messiah_prophesies_Talmud
9 ” مشناه ” كلمة عبرية مشتقة من الفعل العبري ” شنَّاه ” ومعناه ” يُثنِّي ” أو ” يكرر “. ولكن، تحت تأثير الفعل
لآرامي ” تانا “، صار معناها ” يدرس “. ثم أصبحت الكلمة تشير بشكلٍّ محدد إلى دراسة الشريعة الشفوية، وخصوصاً حفظها وتكرارها وتلخيصها. والمشناه مجموعة موسوعية من الشروح والتفاسير تتناول أسفار العهد القديم، وتتضمن مجموعة من الشرائع اليهودية التي وضعها معلمو المشناه (تنائيم) على مدى ستة أجيال (10ـ 220). وتُعَدُّ المشناه مصدراً من المصادر الأساسية للشريعة، وتأتي في المقام الثاني بعد العهد القديم الذي يُطلَق عليه لفظ ” مقرا ” (من ” قرأ “) باعتبار أن العهد القديم هو الشريعة المكتوبة التي تُقرأ.
أما المشناه، فهي الشريعة الشفوية، أو التثنية الشفوية، التي تتناقلها الألسن، فهي إذن تكرار شفوي لشريعة موسى مع توضيح وتفسير ما التبس منها، ولابد من دراسـته (وتسـمية العهد القديم بالمقرا حدثت في العهد الإسلامي، وهي صدى للتفرقة بين القرآن والسنة، فظهرت التفرقة بين المقرا والمشناه). ولهذا، فإن المشناه تُسمَّى ” الشريعة الثانية “. وتتضارب الآراء المتصلة بمدلول كلمة ” مشناه “، فيذهب البعض إلى أنها تشير إلى الشريعة الشفوية بكاملها (مدراش وهالاخاه وأجاداه).
ولكن الرأي الآن مستقر على أن المشناه تعني الهالاخاه فقط، حتى أن كلمتي ” مشناه ” و ” هالاخاه ” أصبحتا مترادفتين تقريباً. ومع هذا، فإن هناك فقرات أجادية في نهاية كل قسم من أقسام المشناه. وعلى أية حال، فإن فقرة واحدة تتضمن سنة واحدة في الفقهيات التشريعية يُسمَّى ” مشناه ” وجمعها ” مشنايوت “. أما كتاب المشناه ككل فيشار إليه أحياناً بأنه ” هالاخاه ” وجمعها ” هالاخوت “.
وقد دوِّنت المشناه نتيجة تراكم فتاوى الحاخامات اليهود (معلمي المشناه) وتفسيراتهم وتضاعفها كمياً بحيث أصبح من المستحيل استظهارها، فبدأ تصنيفها على يد الحاخام هليل (القرن الأول الميلادي)، وبعده الحاخام عقيبا ثم مائير. أما الذي قيدها في وضعها الحالي كتابةً، فهو الحاخام يهودا الناسي (عام 189م) الذي دونها بعد أن زاد عليها إضافات من عنده (ولكن هناك من يقول إنه لم يدونها رغم اقترانها باسـمه، وقد ظـلت الأجيـال تتناقـلها حتى القرن الثامن الميلادي).
ويتكون كل من التلمود الفلسطيني والتلمود البابلي من المشناه والجماراه. ووجه الاختلاف بينهما في الجماراه، أما المشناه فهي مشتركة بين التلمودين. والواقع أن لغة المشناه هي تلك اللغة العبرية التي أصبحت تحتوي على كلمات يونانية ولاتينية وعلى صيغ لغوية يظهر فيها تأثر عميق بقواعد الآرامية ومفرداتها، وتُسمَّى عبرية المشناه. ويصل حجم المشناه في الترجمة الإنجليزية إلى 789 صفحة.
ولذا، ورغم أنها تعليق على العهد القديم، فإنها أكبر منه حجماً. ويجب التمييز بين المشناه والمدراش، فالمدراش (حتى التشريعي الهالاخي) تعليق على النصوص التوراتية نفسها، أما المشناه فتهدف إلى تقديم المضمون القانوني للشريعة الشفوية بشكل مجرد ودون العودة إلى النصوص التوراتية.
(1) الكلمة، كلمة الله: يقول المرنم بالروح في سفر المزامير: ” بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها ” (مز33 :6). وكلمة الرب هنا ” hw”hy>â rb:åd>Bii- dâbâr yhwh “، أي كلمه يهوه.
وقد فهم منها علماء اليهود قبل الميلاد أن الله يخلق ويعمل في الكون بكلمته، وأن كلمته هو كيان ذاتي في ذاته بل هو الله ذاته، ولذا فقد ترجم العلماء اليهود الكلمة هنا، منذ أيام عزرا الكاهن والكاتب (في القرن الخامس قبل الميلاد) في الترجوم إلى ” ميمرا – מימרא – Memra أو ma’amar ” في الآرامية والتي تساوي في اليونانية ” لوجوس – logos – λογος “.
ونظراً لأن اليهود بعد عودتهم من السبي كانوا يخشون من نطق اسم الله ” يهوه – יהוה ” وذلك بسبب قداسة الاسم الشديدة وعظمته ورهبته بالنسبة لهم، وكذلك بسبب الخوف من تحذير الوصية الثالثة القائلة: ” لا تنطق باسم يهوه إلهك باطلاً لأن يهوه لا يُبرى من نطق باسمه باطلاً ” (خر20 :7). وأيضاً بسبب الخوف من الوقوع تحت عقوبة التجديف التي هي الموت رجماً: ” ومن جدف على أسم يهوه فإنه يقتل. يرجمه كل الجماعة رجماً. الغريب كالوطني عندما يجدف على الاسم يقتل ” (لا 16:24).
ولذا فقد أمتنع اليهود عن النطق به نهائياً منذ ذلك الوقت، وبالغوا في ذلك كثيراً، ودعوه ” بالاسم الذي لا ينطق به ولا يصح ذكره “[1]. وكانوا عند قراءة
10 Theo. Dic. OT Vol. 5 P. 500.
ويعقب الفيلسوف اليهودي فيلون Philo (20ق.م-40م) على لاويين (15:24) ” كل من سب إلهه يحمل خطيئته “، بقوله ” إذا كان هناك أحد، لا أقول أنه يجدف على رب الناس والآلهة، بل يجرؤ فقط على أن ينطق باسمه في وقت غير مناسب فليتوقع الموت ” (” أنت المسيح ابن الله الحي” جـ 90:5).
وقال أيضاً ” الاسم يهوه لا يجوز أن ينطق به إلا الذين تطهرت بالحكمة آذانهم وألسنتهم، وبشرط أن يسمعوه وينطقوا به في مكان طاهر ” (السابق ص 90). وجاء في القاموس الدولي للدين ” هذا الاسم (يهوه) مقدس لدرجة أن اليهود لم ينطقوه عالياً قط ودائماً يستبدلونه بلقب آخر ” (The Int. Dic. Of Religion P. 99.)، ويقول التلمود البابيلوني ” أن اليهود امتنعوا أن يلفظوا الاسم، بل والكهنة أيضاً لم يعودوا ينطقون به حتى في تلاوة البركة ” (أنت المسيح جـ 91:5.).
ويقول التلمود الأورشليمي أنه كان مشروعاً لرئيس الكهنة أن ينطق بالاسم في احتفالات يوم الكفارة (السابق). وكان ينطق به بصوت خفيض في قدس الأقداس حتى لا يسمعه أحد خارجاً. وبلغت المبالغة في الخوف من نطق الاسم أن يقول أحد الربيين، كما ينقل د.ت. بيرسون D. T. Pierson، أن من يجرؤ على النطق
بهذا الاسم (يهوه) سيفقد مكانه في العالم الآتي (All D. Names P. 18 .)، أي يحرم من السعادة الأبدية. ومن ثم فقد دعوه بـ ” الاسم – Ha Shem” و ” الاسم العظيم المهوب ” و ” الاسم الخاص ” و “الاسم المنفصل” و “الاسم الذي لا ينطق به” و ” الاسم الذي لا يوصف ” و ” الاسم المحفوظ، و ” الاسم المقدس ” و ” الاسم المتميز ” و ” الاسم الذي من أربعة أحرف ( ى . ه. و . هـ Y H W H) ” (Ibid 17.).
وغالباً ما يسمى بالكلمة اليونانية ” تتراجراماتون – Tetragrammaton – τετραγράμματον ” أي الاسم ذو الحروف الأربعة (YHWH, JHVH) (The Levicon Web. Dic. Vol. 2. P. 1017).
وكانوا عند قراءة يهوه يستبدلونه بـ ” أدوناي – Adonai” والذي يعنى ” ربى – My Lord “، ويضعون التشكيل والحركات التي للاسم “ادوناى” على الحروف الأربعة “ى.هـ.و.هـ” للاسم الذي لا ينطق به، وينطقون ” أدوناي “. وهكذا تركوا الحروف الساكنة الأربعة ليهوه، في النص، ووضعوا معهم الحروف المتحركة أدوناي (a – o – a).
ومن هذا جاء الاسم الهجين ” جيهوفاه – Jehovah ” المستخدم في الانجليزية والفرنسية والألمانية، وهو الشائع الآن. كانت اللغة العبرية تتكون من 22 حرفاً ساكناً وليس بها حركات أو حروف متحركة. وكان القارئ يدرك النطق الصحيح ويضع الحروف المتحركة من الذاكرة تقليدياً، ومع عدم نطق اسم يهوه فقد ضاع النطق الصحيح له. وبدأت الحركات والحروف المتحركة تدخل اللغة العبرية، حتى تم ذلك على أيدى المأسوريين، أى حملة التقليد (ماسورا) فيما بين 500 إلى 950م (كتاب التوراه كيف كتب وكيف وصلت إلينا) للمؤلف ص 29 و 73.
وقد فقد النطق الصحيح للاسم من التقليد اليهودي أثناء العصور الوسطى (Theo. Dic. OT Vol. 5 P. 500). وصار ينطق بأشكال مختلفة أهمها: ” ياهفيه أو يهفيه – Yahveh, Yeheveh ” أو ” ياهفي – Yahve ” أو “جيهوفا – Jehova” (The Pulpit Com. Vol. 1 Ex. 57. See also Clarke’s Com. Vol. 1 P. 475.).
يقول المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس (36 – 100م) أنه غير مشروع له أن يقول شئ عن هذا الاسم المقدس ونطقه (Ant. B. 2:4).
قوله: ” وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة “. وقد ورد تعبير ” وسمعا صوت الرب الإله ” في العبرية: ” وسمعا صوت كلمة الرب “. ويظهر تعبير ” ميمرا – מימרא – Memra أو ma’amar ” كتعبير عن الظهور الإلهي وعمل الله في الخليقة 596 مرة في الترجومات، ويستخدم ترجوم أونكيلوس هذا التعبير 179 مرة، وترجوم يروشاليمي 99 مرة، وترجوم يوناثان 321 مرة. وعلى سبيل المثال فقد ترجم قوله: ” فخلق الله الإنسان على صورته.
على صورة الله خلقه ” (تك1 :27)، ” فخلق كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra) الإنسان “. وقوله: ” فدعت (أي هاجر) اسم الرب الذي تكلم معها أنت إيل رئي ” (تك16 :13)، إلى ” فدعت كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra) “. وقوله: ” فقال إبراهيم الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني ” (تك22 :8)، إلى ” فقال إبراهيم كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra) يرى له الخروف للمحرقة يا ابني “.
وقوله: ” ونذر يعقوب نذرا قائلا أن كان الله معي وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه وأعطاني خبزا لآكل وثيابا لألبس ورجعت بسلام إلى بيت أبي يكون الرب لي ألها ” (تك28 :20و21)، إلى ” أن كان الله (ميمرا – מימרא – Memra) معي 000 يكون كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra) لي إلها ” 00 الخ
أي أنهم ميزوا كلمة الرب أو كلمة الله في الذات الإلهية ونسبوا له الظهورات الإلهية وكل أعمال الله وعلى رأسها الخلق. وبالرغم من ذلك كان خاص بالذات الإلهية والتعدد في الذات الإلهية للإله الواحد، إلا أنه كان الطريق المؤدي لمعرفة لاهوت المسيح وكونه كلمه الله الذاتي: ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان، فيه كانت الحياة ” (يو1 :1-4).
(2) ابن الإنسان المعبود والرب الجالس عن يمين الآب: ومن أهم الألقاب التي وردت في هذه الكتب عن هذا الآتي؛ المسيح المنتظر والنسل الموعود، هو لقب ابن الإنسان الذي أعلن في سفر دانيال النبي، والذي تأثر به الأدب اليهودي في فترة ما بين العهدين بشدة وصار ملهما لكتاب هذه الفترة وتأثروا به كثيرا في كتباتهم الأبوكريفية وغيرها، فقد تنبأ دانيال النبي في رؤياه التي رآها عن شبه ابن الإنسان المعبود الذي تتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة فقال:
” كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ” (دا7 :13و14). وكذلك نبوة داود النبي عن المسيح الرب الجالس عن يمين الله الآب: ” قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك ” (مز110 :1).
وكان لهاتين النبوتين تأثيرا كبيرا على كتاب فترة ما بين العهدين كما كانتا مصدرا لإلهامهم ولذا نجد صداهما في الكثير من هذه الكتابات، وعلى سبيل المثال فقد ورد لقب ابن الإنسان في هذه الكتابات مرات كثيرة…
وكذلك وصف المسيح بابن الله الذي يمثل الله والذي من ذات الله وله نفس صفات وألقاب الله، وكونه الجالس على عرش المجد، عن يمين الله، وابن العلي، الكائن في ذات الله قبل الخليقة، والديان، والذي يسجد له جميع سكان الأرض، والذي يأمر ويمارس السلطان على الأرض وبفمه تُعلَن كلُّ أسرار الحكمة، وسيحكم على كثير من الأمم وسينتشر ملكوته كل يوم وسيرتفع في العلي، وسيكون ملكوته ملكوت أبدي.
وقد ورد لقب ابن الإنسان في ثلاثة مراجع أخرى خارج الكتاب المقدس، في التقليد اليهودي المعاصر للمسيح، وهي سفر أخنوخ الأول الأبوكريفي وسفر عزرا الرابع الأبوكريفي وكتابات فيلو الفيلسوف اليهودي الإسكندري المعاصر للمسيح. ويبدو أنها كلها كانت متأثرة بما جاء في نبوّة مزمور 110 وما جاء في سفر دانيال النبي. وعلى الرغم من أن عبارة ” ابن الإنسان ” لم ترد في التلمود اليهودي والذي كتب بعد المسيح بمئات السنين إلا أن كثيرين من الربيين اليهود فسروا نبوة دانيال النبي عن ابن الإنسان على أنها خاصة بالمسيح الآتي والمنتظر:
(أ) سفر أخنوخ الأول: استخدم هذا السفر المكتوب في القرنين الأول قبل الميلاد والأول بعد الميلاد، في جزئه الثاني المعروف بالخطب الأخروية أو أمثال أخنوخ ( في الإصحاحات من 37 إلى71)، عبارة ولقب ” ابن الإنسان ” مرات عديدة عن كائن أسمى من الملائكة والبشر دعاه أيضا بـ ” المختار Elect – “، وقد وصفه بصفات تتطابق كثيرا مع صفات ” مثل ابن الإنسان ” في سفر دانيال النبي:
1 – فقال في الإصحاح 39 ” رأت عيناي مختار الحق والإخلاص، العدالة ستسود في زمنه، والأبرار والمختارون، الذين لا يحصى عددهم (سيمتثلون) أمامه 000 والأبرار والمختارون كانوا كلهم أمامه بمثل جمال نور النار 000 بحضوره لن تهلك العدالة أبداً، ولن يفنى الحق بوجوده ” (6و7).
2 – هذا المختار سيجلس على عرش المجد: ” سيجلس مختاري على عرش المجد وسيصنف أعمالهم ” (3:45).
ويقول أيضاً: ” نصفهم ينظر إلى النصف الآخر فيُرتج عليهم، ويخفضون الرؤوس من العذاب حين يرون ابن الإنسان هذا يجلس على عرش مجده. فمنذ البدء ظلّ ابن الإنسان مخفياً. احتفظ به العليّ داخل قدرته 000 ربّ الأرواح يقيم فيهم ومع ابن الإنسان يأكلون وينامون ويقومون، على الدوام ” (62 :5- 7و 14).
3 – كما يصفه أيضا بالذي ينتمي إليه الحق: ” هناك رأيت ذاك القابض على رأس الأيام. رأسه كالصوف الأبيض، ومعه آخر، له وجه ذا شكل بشريّ، والنعمة تفيض منه مثل أحد الملائكة القديسين. سألت عن ابن الإنسان هذا، أحد الملائكة القديسين الذي كان يرافقني ويريني جميع الأسرار: ” من هو هذا؟ ومن أين يأتي؟ ولماذا يرافق رأس الأيام؟ “، فأجابني: ” هو ابن الإنسان الذي له البرّ. البرّ يقيم معه. وهو من يكشف كلَّ كنز الأسرار. فهو من اختاره ربّ الأرواح ونال نصيبه نصراً أمام ربّ الأرواح، بحسب الحقّ، إلى الأبد.
وابن الإنسان هذا الذي رأيته يقيم الملوك والمقتدرين عن مضاجعهم، والأقوياء عن مقاعدهم. يحلّ رباط الأقوياء ويحطّم أسنان الخطاة. يطرد الملوك عن عروشهم ومن مملكتهم، لأنهم لم يعظّموه ولم يمجدوه ولم يقرّوا من أين جاء ملْكهم يحطّ وجه الأقوياء، يملأهم خزياً، فتكون الظلمة مسكنهم، والدود مضجعهم، ولا أمل لهم بقيام،
لأنهم لم يعظّموا اسم ربّ الأرواح. وجود ابن الإنسان منذ الأزل ” (1:46-6).
4 – وجوده قبل الخليقة: فيقول: ” ورأيتُ في هذا الموضع عين البرّ التي لا تجفّ، تحيط بها عيون عديدة من الحكمة حيث يشرب العطاش فيمتلئون حكمة ويكون مسكنهم مع الأبرار والقديسين والمختارين. في هذه الساعة دعي ابن الإنسان هذا إلى ربّ الأرواح ونُودي باسمه أمام رأس الأيام. قبل أن تُخلق الشمسُ والعلامات قبل أن تُصنع كواكب السماء، أُعلن اسمه أمام ربّ الأرض. يكون عصا للأبرار، يستندون إليها ولا يعثرون.
يكون نور الأمم، يكون رجاء المتألمين في قلوبهم. أمامه ينحني ويسجد كل سكّان اليابسة. يمجّدون، يباركون، ينشدون ربّ الأرواح. لهذا صار المختارَ، وذاك الذي كان خفياً لديه قبل خلق العالم وحتى مجيء الدهر ولكن حكمة ربّ الأرواح كشفته للقديسين والأبرار. فقد حفظ نصيبَ الأبرار، لأنهم أبغضوا واحتقروا عالم العنف هذا وأبغضوا كلَّ عمله وكلَّ طرقه باسم ربّ الأرواح. باسمه يخلَّصون، وبمشيئته صار هو حياتهم ” (48 :1-7).
وأيضاً: ” باطلاً يُخفض ملوكُ الأرض وجهَهم في ذلك الوقت، والمقتدرون أسيادُ اليابسة، بسبب عمل أيديهم. ففي اليوم الذي يحلّ بهم الضيق والوجع لن يخلّصوا أنفسهم. ولكن أسلّمهم إلى أيدي مختاريّ. كالعشب في النار يحترقون أمام القديسين، كالرصاص في النار يبتلعون أمام الأبرار ولا يتركون أثراً. في يوم عذابه يكون الهدوء على الأرض. يسقطون أمام الأبرار (أو: أمامه) ولا يقومون. لا يمدّ إليهم أحدُ يداً ليقيمهم لأنهم أنكروا ربّ الأرواح ومسيحه. ليكن اسم ربّ الأرواح مباركاً ” (8 -10).
5 – ثم يصفه في بقية الإصحاحات كنور الأمم الموجود قبل الخليقة والذي سيسجد له جميع سكان الأرض: ” و(لفظ) اسمه بحضور مبدأ الأيام. قبل أن تُخلق الشمس والإشارات، قبل أن تصنع نجوم السماء، كان اسمه قد أعلن بحضور رب الأرواح. سيكون عصا للأبرار، وسيتكئون عليه بلا خوف من التعثر. سيكون نوراً للأمم، سيكون أملاً للذين يتألمون في قلبهم. أمامه سينحني ويسجد جميع سكان الأرض ” (2:48-5). ثم يؤكد بعد ذلك أنه أُعطي ابن الإنسان هذا كل الدينونة (27:69-29)، وأنه سيجلس
على عرش الله (1:51-3؛6:61-8)[1].
________________________
11 أنظر ” مخطوطات قمران – البحر الميت ” جـ 2 : 45-56 . مع H.F.D.Sparks The Apocryphal O T p. 221-257.
6 – ثم يصفه كالديان: ” في ذلك الوقت تُعيد الأرض ما أُودع فيها ويردّ مثوى الأموات ما تقبّل، والهلاك يعيد ما عليه من واجب يتميّز وسط (الموتى) الأبرار والقديسين لأن يوم الخلاص قد جاء لهم في ذلك الوقت يجلس المختار على عرشي، بفمه تُعلَن كلُّ أسرار الحكمة لأن ربّ الأرواح أعطاه (إياها) ومجّده جبال من المعادن لمجيء المختار ” (51 :1-3).
7 – سلطان المسيح على الأرض: ” بعد هذا الوقت، وفي الموضع الذي فيه رأيت كل الرؤى السرية، فقد كنت اختُطفت في إعصار وحُملت إلى الغرب، رأيت بعينيّ جميع أسرار السماء المقبلة: جبل من حديد، جبل من نحاس، جبل من فضّة، جبل من ذهب، جبل من قصدير، جبل من رصاص. فسألت الملاك الذي كان يرافقني: ” ما هذه الرؤية السرّية التي رأيتها؟ “، فأجابني: ” كل ما رأيتَه يخدم سلطان مسيحه، فيأمر ويمارس السلطان على الأرض ” (52 :1-3).
8 – مديح ابن الإنسان: ” أحَسّوا بفرح عظيم، باركوا، مجّدوا، عظَّموا، لأن اسم ابن الإنسان هذا كُشف لهم. جلس على عرش مجده ومجمل الدينونة أعطيت لابن الإنسان هذا. يزيل الخطاة من على وجه الأرض ويسلّمهم إلى الفساد مع الذين أضلّوا العالم. يقيّدون ويُسجَنون في حبس الفساد وكل عملهم يزول من على وجه الأرض عند ذاك لن يكون شيء فاسداً لأن ابن الإنسان هذا قد ظهر وجلس على عرش مجده. زال كل شرّ من على وجه الأرض ومضى. يتحدّثون إلى ابن الإنسان هذا فيقوم أمام ربّ الأرواح ” (69 :26-29).
9 – ارتفاع ابن الإنسان: ” ثم حصل أن اسم ابن الإنسان هذا رُفع حياً إلى ربّ الأرواح، من بين سكّان اليابسة. رُفع على مركبة الريح وأخذ اسمه من بينهم ” (70 :1و2).
(2) وجاء في مزامير سليمان: ” أنظر، يا ربّ، وأقم لهم ملكهم، ابنَ داود، يوم تعرف، يا الله، ليملكَ على إسرائيل عبدك. لا يضعف طوال حياته، أنه استند إلى إلهه. فالله منحه القوّة، بالروح القدس، والحكمةَ بمشورة الفهم، القدرةَ والبرّ 000 ذاك هو بهاء ملك إسرائيل الذي هيّأه الله، وأقامه على بيت إسرائيل وأدّبه ” (17:21و37و42).
(3) وجاء في باروخ الثاني: ” عندئذ حين يتمّ ما يجب أن يحصل في هذه الأجزاء، يبدأ المسيح فيكشف عن نفسه. ويكشف بالموت عن نفسه في موضعه 000 والأرض أيضًا تعطي ثمارها، كل واحد بعشرة آلاف. وعلى جفنة واحدة يكون عشرة آلاف غصن، ويعطي كل غصن ألف عنقود عنب، وكل عنقود يعطي ألف حبّة. والحبّة تعطي من النبيذ. والذين جاعوا سيكونون في الفرح، بل يرون كل يوم معجزات لأن رياحًا ستخرج من عندي، فتحمل كلّ صباح رائحة الثمار العطرة، وفي نهاية النهار، تقطر الغيوم ندى الشفاء ” (29 :3-7).
ويقول أيضاً: ” وبعد هذا، وحين يتمّ زمنُ مجيء المسيح فيعود لمجده، يقوم جميع الذين رقدوا في رجائه ” (30:1). ” الرئيس العظيم الذي يظلّ في ذلك الوقت على قيد الحياة، ساعة يدمَّر جمهور جماعاته، يُقيَّد ويؤخذ إلى جبل صهيون. فيتهمه مسيحي بكل كفره، ويجمع أمامه كل أعمال جماعاته ” (40:1). وأيضاً: ” بعد أن تأتي الآيات التي سبق وقلتها لك، تضلّ الأمم ويأتي زمن مسيحي. فيدعو إليه كل الأمم، فيحيي بعضًا ويقتل بعضًا، وهذا ما يحصل للأمم التي ستحيا به ” (72:2).
(4) وجاء في كتاب عهد لاوي: ” وبعد أن يتمّ عقابهم من الربّ، يزول الكهنوت. فيقيم الربّ كاهناً جديداً تُكشف له كلُّ أقوال الرب، فيمارس دينونة الحقّ على الأرض خلال العديد من الأيام. يطلع كوكبه في السماء ككوكب ملك، ويُشعّ بنور المعرفة كما الشمس في وضح النهار، فيعظَّم في العالم كله. يُشع كما الشمس على الأرض فيزيل كل ظلمة من تحت السماء، ويملك السلام على الأرض كلها.
في أيامه تهلّل السماء، والأرض تفرح والغمام يبتهج. وتنتشر معرفة الربّ على الأرض كمياه البحار، ويبتهج من أجله ملائكة مجد وجه الرب. تنفتح السماء، ومن هيكل المجد يأتي عليه التقديس، وصوت أبويّ مثل صوت إبراهيم لإسحاق. فمجد العليّ يُعلن عليه، ويحل عليه في الماء روحُ الفهم والتقديس ” (18 :1-7).
(5) وجاء في كتاب عهد يهوذا: وصف المسيح ككوكب يعقوب: ” بعد هذا يطلع لكم
كوكب من يعقوب، في السلام. يطلع رجل من ذرّيتي كشمس البرّ، يسلك مع البشر في الوداعة والبرّ، ولا تُوجد فيه خطيئة. تنفتح السماوات له لتُفيض الروح، بركة الآب القدوس، وهو يفيض روح النعمة عليكم تصيرون أبناءه في الحقيقة، وتسلكون في أوامره الأولى والأخيرة. هو نبت العلي، وهو الينبوع المحيي الجميع. فيشعّ صولجان ملكي، ومن جذركم ينبت جذع منه يخرج صولجان البرّ للأمم ليدين جميع الداعين للرب ويخلّصهم ” (24 :1-5).
(6) وجاء في مخطوطات قمران الكثير من النماذج نختار منها ما يلي:
(أ) ما جاء قي 4QAramaic Apocalypse (4Q246), col. II: ” وسيدعى ابن الله، وسيدعونه ابن العلي 000 وسيكون ملكوته ملكوت أبدي 000 ويعم الأرض السلام والحق ويتوقف السيف في الأرض وستبايعه كل المدن. وهو إله عظيم بين الآلهة 000 وسيكون ملكوته ملكوتا أبدياً “.
(ب) وجاء في 4Q252 frag 1, col5): [on Gen 49.10]:: ” لن تزول السيادة من سبط يهوذا، وبينما يكون لإسرائيل السيادة فلن يعدم أحد من الجلوس على عرش داود 000 حتى يأتي مسيح العدالة، فرع داود “.
(7) أما فيلو اليهودي فيقول في كتابه حياة موسى (The Life of Moses I:289-290): ” سيأتي إنسان، وسيحكم على كثير من الأمم وسينتشر ملكوته كل يوم وسيرتفع في العلى “.
ويقول في (On Rewards and Punishments 95): ” سيأتي إنسان يقول أقوال الله “. وقد وصف ابن الإنسان بنفس الصفات المذكورة في سفر دانيال النبي ويقترب كثيرا مما جاء عن ابن الإنسان على لسان الرب يسوع المسيح، ولكنه لا يعترف أنه يسوع الناصري[1].
(8) وجاء في سفر عزرا الرابع: والذي كتب قبل الميلاد، ويتكلم عن ابن الإنسان المهيب الرهيب الخارج من البحر، والذي يصفه بقوله ” ونظرت [ وإذا بهذه الريح تُصعد من قلب البحر كائناً كان مثل إنسان ونظرت وإذا ] بهذا الإنسان يطير مع سحب السماء وحيث كان يدير وجهه لينظر كان كل ما يقع عليه نظره يرتجف “. ثم يصفه بالجبار المهيب الذي يبيد الأشرار بنفخة فمه ويضم إليه الأبرار (1:13-13)[2].
وهناك الكثير مما جاء في الترجومات وبقية كتب اليهود مما سنفرد له بحث خاص فيما بعد.
(2) والنبوّات الرمزية وخاصة التي ركزت على عمله الفدائي من خلال الذبائح التي كانت تقدم كفارة عن الخطايا والمذبح الذي كانت تقدم عليه والكهنة الذين كانوا يقدمونها، لكونه سيكون هو نفسه الكاهن الأعظم والذبيح الأعظم الذي سيقدم نفسه كذبيحة أثم وكفارة لكل خطايا العالم على المذبح الذي حمله والذي هو خشبة الصليب. وهذه ما شرحه الوحي الإلهي تفصيليا في الرسالة إلى العبرانيين، وكما سنوضح لاحقاً.
6 – فكرة اليهود وما توقعوه في المسيح المنتظر:
كان اليهود يؤمنون بالمسيح المنتظر ويتوقعون مجيئه في تلك الأيام، الأولى من القرن الأول الميلادي، ولكنهم كانوا يتوقعون مسيحا ملكا يملك على العالم لمدة ألف سنة يكون كل شيء فيها ألفي!! فقد فهموا معظم النبوات الخاصة بتجسد المسيح فهما حرفيا! وتوقعوا أنه سيأتي ليحكم الأرض من خلالهم ويجعل أورشليم عاصمة للعالم ” أمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب ” (مز72: 9)..
” ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مرضعاتك بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك فتعلمين أنى أنا الرب الذي لا يخزي منتظروه ” (إش49: 23).
وكان الدافع الأول لهذا الفكر الغريب هو حالة العبودية التي عاش تحتها هذا الشعب اليهودي مشتتا وطريدا على وجه الأرض ابتدأ من العبودية في مصر، ثم السبي الآشوري والبابلي والفارسي، ثم تحت وقوعهم تحت الحكم اليوناني والسوري والروماني.
وقد تطور هذا الفكر بدرجة كبيرة في فترة ما بين العهدين؛ ومن ثم امتلأت الكتب الأبوكريفية والمنحولة من أمثال رؤيا عزدراس وسفر اخنوخ وكتاب اليوبيلات ورؤيا باروخ وغيرها، وذلك إلى جانب أقوال الربيين التي وردت في أجزاء كثيرة من التلمود، بالأفكار التي تتحدث عن ظهور الملك المسيا الذي سيملك على العالم مدة ألف سنة.
ومن ثم أخذوا يفسرون نبوات العهد القديم عن مجيء المسيح، مسيحهم المنتظر، تفسيرا ماديا خياليا لا يتناسب مع فكر المسيح الذي قال ” مملكتي ليست من هذا العالم “، وإنما بما يتناسب مع فكرهم المادي، فقد أدى فشلهم الديني وفهمهم القاصر لحقيقة ملكوت الله إلى طلب ملكوت مادي أرضى، دنيوي.
ويتحدث كتاب رؤيا اسدراس (عزدراس26:7 – 28) عن الملكوت، الذي يرى أنه سيمتد 400 سنة في العالم كالآتي: ” سيأتي الوقت عندما تُرى العلامات التي أنبأت بها، وستظهر المدينة المخفية الآن (أورشليم السمائية)، والمختومة ستكون مرئية، وسيرى كل الذين خلصوا من الشرور (أي الذين تم جمعهم من الشتات) أعمالي العجيبة التي سبق أن أنبأت بها، وسيظهر ابني المسيا مع رفقائه، ويجلب 400 سنة من السلام لكل الأحياء 000 “.
ويقول كتاب رؤيا باروخ المترجم عن السريانية والذي يرجع لما بين سنة 100إلى سنة 50 ق. م ” بعد العلامات التي ظهرت والتي أخبرتك بها عندما تثور الأمم وتتآمر الشعوب ويأتي زمن المسيا، يدعو كل قبائل الأرض ويعفو عن بعضهم ويقدم البعض للذبح. فكل أمة لم تعرف إسرائيل ولم تطأ قدامها نسل يعقوب يعفي عنها، ولابد، لكي تكون هناك فرصة للبعض من كل أمة أن يدينوا لإسرائيل. أما أولئك الذين سادوا علي إسرائيل وعرفوه، سيدينون جميعهم للسيف.
ويحدث انه، إذ يُخضع (المسيا) كل ما في العالم، ويجلس علي عرش ملكه في سلام إلى الأبد، يحدث أن الفرح يبدو والراحة تظهر. وينزل الشفاء كالندى، وتختفي الأمراض، ولا يكون هناك قلق ولا تعب ولا مراثي من إنسان، وتنتشر السعادة في كل الأرض. ولن يموت إنسان قبل وقته 000 وتأتى وحوش البرية من الأحراش وتخدم الناس. ويلعب الرضيع علي سرب الصل ويمد الفطيم يده علي جحر الأفعوان فتخرج الأفاعي من جحورها وتقدم له كل ولاء وخضوع تام. وتزول أتعاب الحبل عن النساء وتنقطع آلام الولادة عندهن وتتبارك ثمرة البطن.
لويكون في تلك الأيام، أن الحاصدين لا يعيون وان البنائين لا يكلون ولا يشقون. إذ أن الأعمال، من ذاتها، تتم بسرعة ونجاح. والقائمون بها يعملون في قسط وافر من الهدوء والارتياح. ويتمتع الناس بأعمار مديدة، وحياة سديدة، خالية من كل مرض وشقاء ومن كل تعب وعناء ومن شر الحروب والأوبئة.
وما أبهى تلك الوليمة الفاخرة التي يتصورونها عندما يكمل كل شيء في تلك الفصول، حيث يبدأ إستعلان المسيا. ويخرج بهيموث من مكانه ويصعد لوياثان من البحر. هذان الوحشان الهائلان[3] اللذان خلقا في اليوم الخامس وأبقيا إلى تلك الساعة. ليكونا طعاما لكل من بقي في ذلك الزمان. والأرض أيضا تخرج ثمرها آلافا مضاعفة وسيكون علي كل كرمة ألف غصن. وفي كل غصن ألف عنقود. وفي كل عنقود ألف عنبة.
وكل عنبة تنتج ألف كر من الخمر فيفرح الجياع بل يرون عجائب كل يوم. فإن الرياح ستخرج من قبل الله في كل صباح محملة بالأثمار ذات الروائح العطرية الذكية. وفي آخر النهار تمتلئ السحب بقطرات الندي البلورية الصحية. وفي ذات الوقت يحدث أن خزائن المن تنزل من السماء فيأكل منها في تلك السنين أولئك الذين انتهي إليهم ملء الزمان. وإذ تصير هذه كلها ويكمل زمن مجيء المسيا، يحدث انه يعود في مجد “
كما جاء في كتاب اخنوخ الأول الذي كتب فيما بين سنة 150 وسنة 100 ق. م
” ويزرعون بفرح إلى الأبد وحينئذ ينجو الأبرار ويعيشون حتى يلدوا آلافا من الأولاد ويكملون كل أيام شبابهم وسبوتهم في سلام. حينئذ تفلح الأرض بالبر.
وتغرس كلها بالأشجار وتمتلئ بالبركة. وتغرس بها كل شجرة شهية. ويغرسون فيها كروما. و الكرمة التي يغرسونها فيها تنتج عصيرا فائضا. وكل مكيال من البذور التي تزرع فيها يحمل ألفا. وكل مكيال من الزيتون ينتج عشر معاصر من الزيت. وتطهر الأرض من كل خطأ ومن كل أثم ومن كل دنس ومن كل ما جاء ليغير طهارة الأرض، أزلهم من الأرض. وكل أبناء البشر سيكونون أبرار، وكل الأمم تخدمني وتباركني، والكل يعبدني.. “.
12 Theological Dictionary of the N T . vol. 8 p.410-411.
13 السابق جـ 3 : 347 . مع The New English Bible. 2 Esdras ch. 13.
0
14 بهيموث (= وحيد القرن) ولوياثان حيوانات اقرب للأسطورية تمثل الشر في الكتاب المقدس حيث جاء في سفر أيوب: ” هوذا بهيموث الذي صنعته معك. يأكل العشب مثل البقر 000 أتصطاد لوياثان بشص أو تضغط لسانه بحبل ” (أي40 :15 :؛41 :1)، وسفر اشعياء ” في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية الهاربة.لوياثان الحية المتحوّية ويقتل التنين الذي في البحر ” (اش27 :1).