التجسد قصد الله منذ الأزل – د. أنطون جرجس عبد المسيح
القاهرة – ديسمبر 2024
الفهرست
الفصل الأول: التجسد تدبير الله الأزلي. 4
الفصل الثاني: حالة الإنسان قبل السقوط. 8
الفصل الثالث: التأله غاية خلق الإنسان. 18
العلامة أثيناغوراس الأثيني. 22
الفصل الرابع: التأله غاية التجسد الإلهي. 39
الفصل الخامس: استعلان الثالوث القدوس في التجسد الإلهي. 62
الفصل السادس: المسيح هو شجرة الحياة 74
الفصل السابع: تفسير عبارة قانون الإيمان ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“. 79
الفصل الثامن: التجسد غير المشروط في الدراسات اللاهوتية الأكاديمية. 85
التجسد قصد الله منذ الأزل
سوف نُناقِش في هذا البحث كيف أن التجسُّد الإلهيّ هو قصد الله منذ الأزل، وذلك في سياق عقيدة التأله، أو الخلود، أو شركة الطبيعة الإلهية، وعلاقة التأله بخلق الإنسان، وبالتجسُّد، وارتباط التأله بالتجسُّد غير المشروط بخطية آدم، وذلك من خلال دراسة عدة محاور رئيسية، أهمها:
التجسُّد هو تدبير الله الأزليّ قبل إنشاء العالم، فالتجسُّد موجودٌ في فكر وخطة الله منذ الأزل، وبالتالي، التجسُّد لم يكن مشروطًا بالسقوط في الخطية، بل كان التجسُّد سيتمُّ حتى لو لم يخطئ آدم، لأن تدبير الله للتجسُّد نابعٌ من صلاحه ومحبته وليس عن اضطرار.
المحور الثاني هو توصيف حالة الإنسان قبل السقوط وحاجته إلى الاتحاد بالله من أجل التأله والخلود، فالتأله هو غاية خلق الإنسان من البدء، وهذا هو المحور الثالث، حيث قصد الله للإنسان أن يتأله منذ أن خلقه، وكانت هذه الغاية النهائية للإنسان أن يتأله ويتَّحد بالله من خلال التجسُّد الإلهيّ، فالاتحاد بالله لا يكون بدون التجسُّد. والمحور الرابع سيكون التأله هو غاية التجسُّد الإلهيّ كتأكيد على المحور السابق، من أن تجسُّد الكلمة واتحاد بالطبيعة البشرية نفسًا وجسدًا، كان القصد منه هو تأليه الإنسان من خلال الاتحاد بالله في المسيح عن طريق التجسُّد الإلهيّ لأقنوم الكلمة، الذي وحَّد الاثنين معًا، الله والإنسان، وذلك من خلال تجسُّده وتأنُّسه.
أمَّا عن المحور الخامس فهو استعلان الثالوث القدوس في التجسُّد الإلهيّ، وذلك من أجل التأكيد على أنه بدون التجسُّد الإلهيّ لا يمكن للبشرية أن تتعرَّف على طبيعة وجوهر الله كثالوث مبارك في ثلاثة أقانيم، لذا كان من الضروريّ أن يتجسَّد الله من أجل أن يُعلِن عن طبيعته وجوهره كثالوثٍ مُباركٍ في ثلاثة أقانيم مُتساوية في الجوهر والطبيعة والألوهة.
بينما يهدف المحور السادس من هذا البحث إلى التأكيد على أن المسيح هو شجرة الحياة التي كانت موجودة في جنة عدن، وكان الإنسان مدعو للأكل من شجرة الحياة وهو في الجنة، لكي ينال الحياة الأبدية والخلود من شجرة الحياة، التي هي المسيح نفسه، وبالتالي، كان ينبغي للإنسان الأول أن يتَّحد بالمسيح شجرة الحياة في الفردوس لكي ينال الخلود والحياة الأبدية، وهذا الاتحاد بين الإلهيّ والإنسانيّ هو التجسُّد الإلهيّ عينه، وليس أيّ شيء آخر، لذا كان من الضروريّ للإنسان أن يتجسَّد الله لينال بواسطته ومن خلال الاتحاد به بالأكل من شجرة الحياة، التأله، والخلود، وعدم الموت، وشركة الطبيعة الإلهية.
ويأتي المحور السابع في نفس السياق وهو تفسير عبارة ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“ في الجزء الخاص بالتجسُّد في قانون الإيمان النيقاويّ القسطنطينيّ، الذي تتلوه كنيستنا في كل قداس، مُؤكِّدةً على حقيقة أن الله الكلمة تجسَّد من أجلنا، وليس فقط من أجل خلاصنا، وتحمل عبارة ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“ الكثير من المعاني والمفاهيم اللاهوتية التي سوف نستعرضها في هذا البحث، وكيف فهم آباء الكنيسة وفسَّروا عبارة ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“ في قانون الإيمان الأرثوذكسيّ، وتأكيدهم على حتمية التجسُّد الإلهيّ من أجل استعلان الله للبشرية، واتحاد الإنسان بالله في المسيح، وتأليه الإنسان، ونواله الحياة الأبدية والخلود وحياة عدم الفساد وعدم الموت. ثم سوف نستعرض في المحور الثامن الآراء اللاهوتية الأكاديمية من كبار الأساتذة والباحثين اللاهوتيين حول التجسُّد غير المشروط بخطية آدم.
د. أنطون جرجس عبد المسيح
القاهرة – ديسمبر 2024
الفصل الأول
التجسد تدبير الله الأزلي
الفصل الأول: التجسد تدبير الله الأزلي
تدبير التجسُّد هو تدبير أزليّ حتميّ بشهادة آيات الكتاب المقدس التالية:
- يُشِير بولس الرسول إلى تدبير ملء الأزمنة في المسيح الجامع في ذاته كل الأشياء مما في السماء ومما على الأرض، وهذا التدبير هو تدبير تجسُّده الإلهي العجيب قائلاً: ”لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ فِي ذَاكَ“ (أف10:1).
- يتحدَّث بولس الرسول عن السر المكتوم منذ الدهور في الله بالمسيح يسوع، قاصدًا سر تجسُّده الإلهيّ غير المشروط بسقوط آدم أو خطيئته، بل هو تدبير أزليّ كائن في الله قبل كل الدهور قائلاً: ”وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ“ (أف9:3).
- يتحدَّث بولس الرسول عن سر حكمة الله المكتومة، أي سر التجسُّد الإلهيّ واتحاد الله بالبشرية في المسيح يسوع الذي عيَّنه الله قبل كل الدهور والأزمنة من أجل البشرية قائلاً: ”بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا“ (1كو 7:2).
- يتحدَّث بولس الرسول عن السر المكتوم منذ الدهور، أي سر التجسد الإلهيّ الذي كان في فكر الله وتدبيره قبل كل الدهور، وغير المشروط بالسقوط والعصيان، بل نابع من صلاح الله ومحبته للبشرية قائلاً: ”السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ“ (كو ١: ٢٦).
- يتحدَّث بولس الرسول أيضًا عن إعلان السر المكتوم في المسيح منذ الأزمنة الأزلية، أي سر التجسُّد قائلاً: ”وَلِلْقَادِرِ أَنْ يُثَبِّتَكُمْ، حَسَبَ إِنْجِيلِي وَالْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، حَسَبَ إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَلكِنْ ظَهَرَ الآنَ، وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ الأُمَمِ بِالْكُتُبِ النَّبَوِيَّةِ حَسَبَ أَمْرِ الإِلهِ الأَزَلِيِّ، لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ، للهِ الْحَكِيمِ وَحْدَهُ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ“ (رو 16: 25-27).
- يُشِير بولس الرسول إلى أزلية تدبير التجسُّد الإلهيّ الذي أُعطِيَ لنا في المسيح قبل الأزمنة الأزلية، وغير المشروط بخطية آدم وسقوطه، بل بمقتضى قصد ونعمة الله التي أُعطِيَت لنا في المسيح يسوع قائلاً: ”[الله] الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ“ (2تي 1: 9).
- يتحدَّث بولس الرسول أيضًا عن رجاء الحياة الأبدية الذي وعد به الله البشرية قبل الأزمنة الأزلية، وهو غير مشروط بسقوط الإنسان أو خطيئته، بل مرتبط ومشروط بصلاح الله المنزَّه عن الكذب، والذي لا يرجع في وعوده الأزلية قائلاً: ”عَلَى رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، الَّتِي وَعَدَ بِهَا اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ، قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ“ (تي 1: 2).
جميع هذه الآيات كانت إشارات كتابية واضحة إلى أزلية وحتمية تدبير سر التجسُّد الإلهيّ، ولكن يدَّعي البعض أن هذا التدبير الإلهيّ الأزليّ كان من أجل علاج نتائج سقوط الإنسان، أي مشروط بسقوط الإنسان، بمعنى لو لم يسقط الإنسان في التعدي، لما حدث سر التجسُّد الإلهيّ. وهنا نتساءل: كيف يكون تدبير أزليّ حتميّ، ويكون مشروطًا في نفس الوقت بالسقوط؟ هل الله مُقيَّد بضرورة وحتمية السقوط ليُعلِن تدبيره وسره الأزليّ؟ هل الله يُدبِّر أموره وفقًا لمتغيرات المخلوقات؟ هل تدبير الله يتغيَّر وفقًا لمشيئة وإرادة مخلوقاته؟ هل يوجد في مشيئة الله وإرادته تغيُّر وتبدُّل وتحوُّل، ذاك الذي قيل عنه: ’الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ‘ (يع 1: 17)؟ بالتأكيد، لا، حاشا!
ق. أثناسيوس الرسولي
يُؤكِّد ق. أثناسيوس على أزلية إرادة التجسُّد الإلهي عند الله، وليس بسبب سقوط الإنسان تفاجأ الله فدبَّر التجسُّد، أو دبَّر التجسُّد أزليًا وأنتظر سقوط الإنسان، أو دبَّر التجسُّد أزليًا وكان سيتراجع عنه لو لم يخطئ الإنسان، فالتجسُّد تدبير أزلي حتمي من أجل تكميل الخلق واستمرار الخليقة كالتالي:
”كما أن تجديد خلاصنا قد تأسَّس في المسيح قبلنا، لكي يمكن إعادة خلقتنا من جديد فيه، فالإرادة والتخطيط قد أُعِدَ منذ الأزل، أما العمل فقد تحقَّق عندما استدعت الحاجة وجاء المخلِّص إلى العالم“.[1]
الفصل الثاني
حالة الإنسان قبل السقوط
الفصل الثاني: حالة الإنسان قبل السقوط
سوف نتحدَّث في هذا الفصل عن طبيعة آدم قبل السقوط وما هو مصير الإنسان قبل السقوط بحسب تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، لندرك مدى العلاقة الوثيقة بين التجسُّد غير المشروط وحالة آدم قبل السقوط، حيث لم يكن آدم كاملاً منذ خلقته، بل كان في مرحلة طفولة ومرحلة متوسطة بين العظمة والوضاعة، وكان في حالة نمو نحو الكمال والتأله والخلود، فالإنسان لم يكن خالدًا ومتألهًا بطبيعته، بل كان سيترقى ويتأله ويخلد بنعمة خالقه، لو أنه أبقى الله في معرفته وحفظ الوصية. لذلك كان الإنسان في احتياج للتجسُّد قبل السقوط من أجل الوصول إلى غايته وهي الكمال والتأله والخلود من خلال الاتحاد بالله في التجسُّد الإلهيّ، أعمق درجات الاتحاد والشركة مع الله.
ق. يوستينوس الشهيد
نبدأ بالقديس يوستينوس الشهيد الذي يرى أن الإنسان قبل السقوط كان مدعو للاشتراك في الخلود لو أنه حفظ الوصية، فالإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة، بل كان سينال الخلود كنعمة ومكافأة إلهية على طاعته للوصية كالتالي:
”عندما شكل الله الإنسان في البداية، فقد أرجأ أمور الطبيعة بإرادته، وجرَّب بوصية واحدة. لأنه قضى بأنه، إذا حفظ هذه الوصية، فإنه سوف يشترك في الخلود“.[2]
ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي
ويتحدَّث ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي أن آدم كان في مرحلة الطفولة والنمو عند خلقته قائلاً:
”كان آدم في عمر رضيع. ومن ثمَّ، لم يكن قادرًا بعد على اكتساب المعرفة بشكل صحيح. […] لذلك، لم يكن الله يشعر بالغيرة، كما يفترض البعض في أمره لآدم بألا يأكل من شجرة المعرفة. كذلك أراد الله أن يختبره ليرى هل سيظل بسيطًا ومخلصًا لوقت أطول محافظًا على طفولته“.[3]
ويُوضِّح ق. ثيؤفيلوس أن الإنسان لم يُخلق خالدًا أو فانيًا، بل في حالة وسطية بين الفناء والخلود كالتالي:
”لذا لم يخلقه الله خالدًا أو فانيًا. لكن كما قلنا في السابق، قادرًا على كليهما. فإنْ توجَّه إلى حياة الخلود بحفظه وصايا الله، ربح الخلود كمكافأةٍ منه وصار إلهيًا. ولكن إنْ توجَّه إلى أعمال الموت عاصيًا الله، صار مسئولاً عن موته“.[4]
ق. إيرينيؤس أسقف ليون
ويُؤكِّد ق. إيرينيؤس الليونيّ أن الله لم يخلق الإنسان كاملاً في البدء، بل كان الإنسان في مرحلة طفولة ونمو نحو الكمال قائلاً:
”ماذا إذًا ألم يكن يستطيع الله أن يُظهر الإنسان كاملاً من البدء؟ […] أما المخلوقات فيجب أن تكون أقل منه هو الذي خلقها […] ولكن بقدر أنها ليست غير مخلوقة، فلهذا السبب بالذات تقصر عن أن تكون كاملةً. لأنه بسبب أن هذه الأشياء هي من تاريخ متأخر، لذلك، فهي طفولية، وهي لم تتعود على النظام الكامل ولم تتدرب عليه“.[5]
ويُؤكِّد ق. إيرينيؤس أن الإنسان سيد الخليقة عند خلقته، كان لا يزال صغيرًا، وكان عليه أن ينمو ليُحقِّق كماله قائلاً:
”ولكن بينما كانت هذه الكائنات الأخيرة في قمة قوتها، كان سيدها، أيّ الإنسان، لا يزال صغيرًا، كان طفلاً عليه أن ينمو لكي يُحقِّق كماله“.[6]
ويشير ق. إيرينيؤس إلى أن الله لم يخلق الإنسان كاملاً من الأول، لكونه لا يزال طفلاً، لم يكن يستطيع أن ينال هذا الكمال كالتالي:
”كان ممكنًا لله نفسه أن يخلق الإنسان كاملاً من الأول، ولكن الإنسان لم يكن يستطيع أن ينال هذا الكمال، لكونه لا يزال طفلاً“.[7]
ق. كليمندس الإسكندري
ويُؤكِّد ق. كليمندس الإسكندريّ في نفس السياق أن الإنسان لم يكن كاملاً في خلقته، بل كان مهياءً لقبول الفضيلة كالتالي:
”هل خُلِقَ آدم كاملاً أم ناقصًا؟ حسنًا، إذا كان ناقصًا، فكيف يمكن أن يكون عمل الله الكامل […] وإذا كان كاملاً، فكيف تعدى الوصايا؟ لأنهم سوف يسمعون منا أنه لم يكن كاملاً في خلقته، بل مهياءً لقبول الفضيلة“.[8]
العلامة ترتليان الأفريقي
ويرى العلامة ترتليان القرطاچني في الغرب أن الإنسان كان عرَّضةً للموت بسبب حالته، ولكن كان رجاء التأله محفوظًا له في المستقبل كالتالي:
”والآن، على الرغم من أن آدم كان عرضةً للموت بسبب حالته تحت الناموس، إلا أن الرجاء كان محفوظًا له بقول الرب: هوذا آدم يصير كواحدٍ منا (تك ٣: ٢٢)، أيّ نتيجة اتخاذ الإنسان إلى الطبيعة الإلهية في المستقبل“.[9]
ق. ميثوديوس الأوليمبي
وهكذا يُؤكِّد ق. ميثوديوس الأوليمبي أن الإنسان لم يكن كاملاً، لذلك لم يكن مستعدًا لتقبل فكرة الكمال، أي البتولية كالتالي:
”ولأن الإنسان في الأزمنة القديمة لم يكن كاملاً، لذلك لم يكن مستعدًا لتقبل فكرة الكمال، التي هي البتولية“.[10]
ق. ديونيسيوس الإسكندري
ويرى ق. ديونيسيوس الإسكندري أن آدم خُدع في بداية خلقته لأنه لم يكن إنسانًا كاملاً كالتالي:
”خُدِعَ آدم لأنه لم يكن إنسانًا كاملاً، كان نفسًا حيةً (تك ٢: ٧)، ولم يصر بعد روحًا محييًا (١كو ١٥: ٤٥)“.[11]
ق. أثناسيوس الرسولي
ويُوضِّح ق. أثناسيوس أن الإنسان فانٍ بطبيعته لأنه مخلوقٌ عدميٌّ، وكان مدعو لأن يقاوم قوة فنائه الطبيعي ويبقى في عدم فناء، لو أنه أبقى الله في معرفته كالتالي:
”فالإنسان فانٍ بطبيعته لأنه خُلِقَ من العدم، إلا أنه بسبب خلقته على صورة الله الكائن كان ممكنًا أن يقاوم قوة الفناء الطبيعي، ويبقى في عدم فناء، لو أنه أبقى الله في معرفته“.[12]
ويُؤكِّد ق. أثناسيوس أن البشر كانوا بالطبيعة فاسدين، لكن كانت لديهم إمكانية الإفلات من الفساد الطبيعيّ بنعمة اشتراكهم في الكلمة لو أنهم بقوا صالحين، مما يُوضِّح أن نعمة الاشتراك في الكلمة هي شرطٌ أساسيٌّ وضروريٌّ للإفلات من الفساد الطبيعيّ، الذي كان من طبيعة الإنسان قبل السقوط، مما يُؤكِّد على ضرورة تجسُّد الكلمة من أجل أن يشترك الإنسان في نعمته قبل السقوط لكي ما يفلت من الفساد الطبيعيّ الذي كان في طبيعته قبل السقوط كالتالي:
”لأنهم كانوا – كما ذكرت سابقًا – بالطبيعة فاسدين لكنهم بنعمة اشتراكهم في الكلمة كان يمكنهم أن يفلتوا من الفساد الطبيعيّ لو أنهم بقوا صالحين“.[13]
ق. غريغوريوس النزينزي
ويُقرِّر ق. غريغوريوس النزينزيّ الحالة الوسطية للإنسان عند خلقته بين العظمة والوضاعة، وبين العدمية والخلود، مما يؤكد احتياجه للاتحاد بالله من أجل نوال الخلود والحياة الأبدية، وذلك لا يمكن أن يحدث بدون تجسُّد الكلمة قبل السقوط ليُؤمِّن للإنسان الخلود وعدم الموت كالتالي:
”لذلك خلق الإنسان. […] ولكنه في نفس الوقت تحت سلطان الملك السمائيّ، أرضيّ وسماويّ، زمنيّ وخالد، منظور وعقليّ، موجود في منزلة بين العظمة والوضاعة“.[14]
ق. غريغوريوس النيسي
ويُؤكِّد ق. غريغوريوس النيسيّ أن الطبيعة البشرية منذ خلقتها تحتل الوسط بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الحيوانية غير العاقلة كالتالي:
”الطبيعة البشرية تحتل الوسط بين طرفين متناقضين: أعني بين الطبيعة الإلهية التي لا جسد لها وبين حياة الحيوانات غير العاقلة“.[15]
ق. كيرلس الإسكندري
ويُوضِّح ق. كيرلس الإسكندريّ أن الإنسان لم يُخلَق في حالة عدم فساد وعدم فناء مثل الله كالتالي:
”وعندما خلق الله الإنسان، أتى به من العدم إلى الوجود، دون أن يكون في طبيعة الإنسان عدم فساد وعدم فناء؛ لأن هاتين الصفتين من صفات الله وحده“.[16]
أوغسطينوس أسقف هيبو
وهذا هو ما يُؤكِّده أوغسطينوس أسقف هيبو في الغرب، فيرى أن الله لم يخلق الإنسان في البدء مساويًا للملاك، بل لو أطاع وظل أمينًا، كان سينتقل ويترقى كالملاك إلى حالة عدم الموت والخلود والسعادة الأبدية، فلم يكن الإنسان خالدًا بالطبيعة بل بالنعمة كالتالي:
”علمًا بأن الله لم يخلق الإنسان في البدء مُساويًا للملاك الذي لم تقدر الخطيئة أن توجهه إلى الموت، لو أطاع وبقي أمينًا، لانتقل، كالملاك، إلى حالة لا يعرف فيها الموت، شبيهةٍ بحالة الملاك، ومن ثم، إلى الخلود والسعادة الأبدية. لكنه عصى فأنزل به قرار الموت“.[17]
الأب يوحنا الدمشقي
ويشير يوحنا الدمشقيّ إلى حالة الإنسان الوسطية عند خلقته بين العظمة والضعة قائلاً:
”إذًا، لقد خلق الله الإنسان خاليًا من الشرِّ […] أرضيًا وسماويًا، وقتيًا وخالدًا، منظورًا ومعقولاً، وسطًا بين العظمة والضعة“[18]
مار يعقوب الرهاوي
ويستشهد مار يعقوب الرهاوي، الأب السرياني الكبير، بكلمات ق. غريغوريوس النزينزي عن حالة الإنسان المتوسطة وانتقاله بعد ذلك وارتقائه إلى التأله بجنوحه نحو الله قائلاً:
”خلق [الله] الإنسان، إذ أخذ الجسد من المادة الموجودة من قبل، ووضع من ذاته الحياة التي تُعرف بالنفس العاقلة وصورة الله كعالمٍ ثانٍ […] يستمد سلطانه من فوق، أرضي وسماوي، زمني وغير مائت، منظور وعاقل، يتوسط العظمة والوضاعة […] حيوان يوجد وينتقل إلى مكان آخر، وختام السر، إنه يتأله بجنوحه نحو الله“.[19]
مار ديونيسيوس بن الصليبي
ويُؤكِّد مار ديونيسيوس بن الصليبي، الأب السرياني المعروف، أن آدم خُلق مائتًا في طبيعته لكنه لو حفظ الوصية لكان الله سينعم عليه بامتياز الخلود كالتالي:
”خُلِقَ آدم مائتًا قابلاً للموت في طبيعته لكنه لو حفظ الوصية لكان تعالى أنعم عليه بامتياز الخلود. ونحن نتبع هذا المذهب لأننا نعتقده صحيحًا“.[20]
مار غريغوريوس بن العبري
وهذا عين ما يُؤكِّده مار غريغوريوس بن العبري، مفريان المشرق، داحضًا رأي الزاعمين بأن آدم خُلِق غير قابل للموت كالتالي:
”ونقول ضد الزاعمين أن آدم خُلِقَ غير قابل للموت، أن الموت يُقال بنوعين، كما سبق فقلنا أعلاه، الموت الطبيعي وهو انفصال النفس عن الجسد، وموت الخطية، وهو انفصال النفس عن الله. فآدم إذًا خُلِقَ قابل للموت بحسب النوع الأول. لأنه خُلق إنسانًا، وكل إنسان مائت، وغير قابل للموت بحسب النوع الثاني [موت الخطية]، لأن الخطية لا تُخلق بالطبيعة، بل الإرادة تتسلط على الأهواء بقدر استطاعتها ليخطئ، وهكذا يمكنه أن لا يخطئ“.[21]
مار سويروس يعقوب البرطلي
وأخيرًا، يُشدِّد مار سويروس يعقوب البرطلي، الأب السرياني الكبير، أن آدم خُلق مائتًا بطبعه، وإنه كان سيُمنح عدم الموت لا في طبيعته، بل بنعمة خالقه، لو حفظ الوصية كالتالي:
”اتَّضح إذًا من خلال هذه كلها أن آدم خُلِقَ مائتًا بطبعه، ولكننا نقول: أنه كان سيُمنح عدم الموت لا بطبعه، بل بنعمة خالقه، لو أنه حفظ الوصية“.[22]
الفصل الثالث
التأله غاية خلق الإنسان
الفصل الثالث: التأله غاية خلق الإنسان
ينبغي أن نضع نصب أعيننا بعض الحقائق الكتابية قبل أن نناقش حقيقة أن التألُّه هو غاية خلق الإنسان.
- يتحدَّث بولس الرسول عن أن الله فقط الذي له عدم الموت وحده، والخلود وعدم الموت في حالة المخلوقات هو مُجرَّد هبة أو عطية ممنوحة من الله الذي له عدم الموت وحده قائلاً: ”الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ“ (1تي 6: 15، 16).
- يتحدَّث سفر الحكمة عن أن الله خلق الإنسان من أجل أن يحيا حياةً أبديةً، وصنعه على صورته الخالدة، ولكن الخلود في الإنسان ليس بالطبيعة، بل هو نعمة وعطية من الله كالتالي: ”خلق الله الإنسان لحياةٍ أبديةٍ، وصنعه على صورته الخالدة“ (حك 2: 23 مشتركة).
- يتحدَّث يشوع ابن سيراخ عن أنه لا يوجد كمال في البشر، وأن الإنسان لا يخلد بدون الشركة مع الله قائلاً: ”ما من كمال عند البشر، لأن الإنسان لا يخلد“ (سي 17: 30 مشتركة).
- يتحدَّث بولس الرسول أيضًا عن رجاء الحياة الأبدية الذي وعد به الله البشرية قبل الأزمنة الأزلية، وهو غير مشروط بسقوط الإنسان أو خطيئته، بل مُرتبط ومشروط بصلاح الله المنزَّه عن الكذب، والذي لا يرجع في وعوده الأزلية قائلاً: ”عَلَى رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، الَّتِي وَعَدَ بِهَا اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ، قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ“ (تي 1: 2).
- ويُصرِّح المسيح نفسه له كل المجد أن الحياة الأبدية ما هي إلا معرفة الإنسان لله الآب الإله الحقيقيّ ويسوع المسيح ابنه الوحيد الذي أرسله لأجل البشرية ليمنحها الحياة الأبدية، وبالتالي، الحياة الأبدية مشروطة ومُرتبِطة بالاتحاد بالمسيح، والاتحاد بالمسيح غير مشروط بخطية آدم، بل هو قصد الله الأزليّ للبشرية كالتالي: ”وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ“ (يو 17: 3).
- يُؤكِّد يوحنا الرسول أن المسيح هو وحده الإله الحق والحياة الأبدية، لذا بدون الاتحاد بالمسيح في سرّ التجسُّد الإلهيّ، لا يمكن للمخلوقات أن تحيا للأبد قائلاً: ”وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ“ (1يو 5: 20).
- يُوضِّح يوحنا الرسول أن المسيح هو الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهِرت لنا قائلاً: ”فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ [المسيح] الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا“ (1يو 1: 2).
ق. يوستينوس الشهيد
يشير ق. يوستينوس إلى أن البشر قبل السقوط حُسِبوا مُستحقين أن يصيروا آلهةً، وأن يكون لهم السلطان أن يصيروا أبناء العليّ، إلا أنهم سقطوا تحت الحكم والدينونة، كما حدث مع آدم وحواء، فالإنسان كان مدعو للتأله والتبني منذ البدء، ولا يمكن حدوث ذلك إلا من خلال الاتحاد بالله في التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”لقد بيَّن لنا المزمور (مز 82: 1-8) أنهم حُسِبوا مُستحِقين أن يصيروا آلهةً، ويكون لهم السلطان أن يصيروا أبناء العليّ (يو 1: 12)، إلا أنهم سقطوا تحت الحكم والديونة كما حدث مع آدم وحواء“.[23]
كما يُؤكِّد ق. يوستينوس أن تأليه البشر يحدث فقط من خلال قوة الكلمة [اللوغوس]، فهو الوحيد القادر على أن يهبنا الخلود ويجعل منَّا آلهةً، ويمنحنا الارتقاء من الأرض إلى الأماكن العليا، وهذا لا يمكن حدوثه بدون اتحاد اللوغوس بنَّا في التجسُّد، مما يُؤكِّد على حقيقة التجسُّد غير المشروط بخطية آدم كالتالي:
”إن قوة الكلمة [اللوغوس] هذه لا تصنع منَّا شعراءً أو فلاسفةً مُثقَّفين، أو خطباءً فصحاءً، ولكنها تُعطِينا الخلود، وتجعل منَّا آلهةً، وتنقلنا من الأرض إلى أماكن أعلى من أولمبوس“.[24]
ق. إيرينيؤس أسقف ليون
يتحدَّث ق. إيرينيؤس، أسقف ليون بفرنسا والملقَّب بـ ”أبي التقليد الكنسيّ“، عن أن غاية الله من خلق الإنسان هي تأليه الإنسان بالنعمة، وأنه كان سينال ذلك بعد وقت طويل من خلقته، وليس أنه قد خُلِقَ مُتألهًا وخالدًا، بل كان مُجرَّد بشر ثم يتدرج بعد وقت ليصير إلهًا كالتالي:
”لأن هذه الحيوانات العجماوات، لا تتهم خالقها لأنهم لم يُخلَقوا بشرًا، بل كل منها بحسب ما خُلِقَ يُقدِّم الشكر؛ لأنه قد خُلِقَ. حيث أننا نحن نُوجِّه اللوم لله، لأننا لم نُخلَق آلهةً من البداية، ولكن خُلِقنا أولاً مُجرَّد بشر، ثم بعد وقت طويل آلهةً“.[25]
يتحدَّث ق. إيرينيؤس عن أن تألُّه الإنسان يحدث فقط من خلال اتحاد الله بالإنسان، وبالتالي يُؤكِّد على حقيقة التجسُّد غير المشروط بخطية آدم، لأنها جميعًا أمور مرتبطة ببعضها البعض، فتكميل خلق الإنسان ليصير إلهًا بالنعمة، لا يمكن حدوثه من دون اتحاد الله بالإنسان عن طريق سر التجسُّد الإلهيّ، ليجعل الله الإنسان شريكًا في عدم الفساد وعدم الموت (التألُّه)، وهذا لا يُمكِن حدوثه بدون الوسيط بين الله والناس، أيّ الإنسان يسوع المسيح. حيث يقول التالي:
”ولو لم يكن الإنسان قد اتَّحد بالله، لما صار شريكًا في عدم الفساد إطلاقًا، لأنه كان إلزامًا على الوسيط بين الله والناس، من خلال علاقته بكل منهما أن يُحضِر كليهما إلى الصداقة، والوئام، ويُقدِّم الإنسان إلى الله، بينما يصير الله مُعلَنًا للإنسان“.[26]
ونستنتج مما سبق تأكيد ق. إيرينيؤس على أن التألُّه، أيّ حياة عدم الفساد، والخلود، وعدم الموت، كان الغاية من خلق الإنسان منذ البدء. كما أكَّد ق. إيرينيؤس أيضًا على أنه لا يوجد وسيلة أخرى لنوال الاتحاد بالله والشركة معه، ومن ثم نوال حياة عدم الفساد وعدم الموت والتألُّه إلا عن طريق تجسُّد الكلمة الابن الوحيد، مُؤكِّدًا على حقيقة التجسُّد غير المشروط للابن قبل السقوط ليُعطِي للإنسان الذي خُلِقَ ناقصًا منذ البدء وغير كامل كماله، وخلوده، وتألُّهه.
ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي
يتحدَّث ق. ثيؤفيلوس الأنطاكيّ، وهو أحد الآباء المعلِّمين في كنيسة أنطاكية في القرن الثاني، عن خلق الله للإنسان في حالة متوسطة بين الفناء والخلود، وكان عليه أن يسلك بحكمة حسب الوصية ليصير خالدًا وإلهيًا، وبالطبع لا يمكن أن يتم ذلك بدون الاتحاد بالله عن طريق التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”لكن قد يقول أحدهم لنا: هل خُلِقَ الإنسان فانيًا بالطبيعة؟ لا على الإطلاق. هل خُلِقَ الإنسان إذًا خالدًا؟ ولا نقول هذا أيضًا. ولكن سيقول أحدهم: هل خُلِقَ إذًا كلا شيء على الإطلاق؟ نحن لا نقول هذا أيضًا. في واقع الأمر، لم يكن الإنسان فانيًا أو خالدًا بالطبيعة. لأنه لو خلقه الله خالدًا من البداية، لكان جعله إلهًا. مرةً أخرى، لو خلقه فانيًا، كان سيبدو أن الله مسئول عن موته. لذا لم يخلقه الله خالدًا أو فانيًا. لكن كما قلنا في السابق، قادرًا على كليهما. فإن توجه إلى حياة الخلود بحفظه وصايا الله، ربح الخلود كمكافأة منه وصار إلهيًا. ولكن إنْ توجه إلى أعمال الموت عاصيًا الله، صار مسئولاً عن موته“.[27]
العلامة أثيناغوراس الأثيني
يتحدَّث الفيلسوف المسيحيّ أثيناغوراس الأثينيّ، والذي يُقَال إنه كان أحد مُديري مدرسة الإسكندرية اللاهوتية في عصره، عن أن الإنسان لم يكن خالدًا بطبيعته، وأن الخلود كان سيُمنَح له كعطية لو عاش بالشريعة والعدالة كالتالي:
”ولذلك فإنْ كان الإنسان قد خُلِقَ لا بدون سبب ولا هباءً (إذ ليس أيٍّ من أعمال الله هباءً، على الأقل على حد علم غاية صانعهم)، ولا لمنفعة الصانع، أو أيّ من الأعمال الخارجة عنه، فمِن الواضح بحسب الرؤية الأولى والأشمل للموضوع، أنه على الرغم من أن الله جبل الإنسان لنفسه وخلقه في سعي للخير والحكمة المتجلين في الخليقة، إلا أنه بحسب الرؤية المتلامسة مع الكائنات المخلوقة بشكل أقرب، فهو جبلهم لأجل حياة تلك المخلوقات […] لكن هؤلاء الحاملين في أنفسهم صورة الخالق ذاته، والمزوَّدة بعقل، ومُباركةٌ بتفكير عقلاني، فقد عيَّن الخالق لها وجودًا أبديًا، ذلك لكي يتعرفوا على صانعهم، وقوته، وقدرته، مُرشَدين بالشريعة والعدالة، لعلهم يتخطون وجودهم كله بلا معاناة حائزين تلك الصفات التي بها قد عاشوا بشجاعة حياتهم السابقة، على الرغم من أنهم عاشوا في أجساد مادية وقابلة للفساد“.[28]
العلامة ترتليان الأفريقي
يُؤكِّد العلامة ترتليان على أن التألُّه هو غاية خلق الإنسان، وإن الإنسان لو لم يسقط، كان سيُؤخَذ في المستقبل إلى الطبيعة الإلهية كالتالي:
”والآن، على الرغم من أن آدم كان عُرضةً للموت بسبب حالته تحت الناموس، إلا أن الرجاء كان محفوظًا له بقول الرب: ’هوذا آدم يصير كواحد منا‘ (تك٣: ٢٢)، أي نتيجة اتخاذ الإنسان إلى الطبيعة الإلهية في المستقبل. إذًا، ما الذي يلي ذلك؟ ’والآن، لئلا يمد يده، ويأخذ أيضًا من شجرة الحياة، (ويأكل)، ويحيا إلى الأبد‘. وبالتالي، يُظهِر بإضافة الجزء عن الوقت الحاضر ’والآن‘، أنه قد خلقه للوقت، وللحاضر، ولاستمرار حياة الإنسان“.[29]
نوفاتيان الأفريقي
يُؤكِّد نوفاتيان الأفريقيّ، أحد الآباء اللاتين، أن كل إنسان مُقيَّد بقوانين الفناء، ولا يمكنه أن يجعل نفسه حيًا إلى الأبد، ولكن المسيح فقط هو الذي يُعطِي الخلاص إلى الأبد كالتالي:
”وبالتالي، فكل إنسان مُقيَّد بقوانين الفناء، وبالتالي، لا يمكنه أن يجعل نفسه حيًا إلى الأبد. غير أن المسيح يعد أن يُعطِي الخلاص إلى الأبد“.[30]
ق. أثناسيوس الرسولي
يرى ق. أثناسيوس أن الإنسان لو حفظ الوصية والنعمة في الفردوس كان سينال وعد الله له بالخلود في السماء، فالإنسان لم يُخلَق خالدًا بالطبيعة في بداية الخلق وقبل السقوط، بل خُلِقَ في مسيرة نمو وتقدم نحو الخلود والتألُّه، كما قال الآباء السالف ذكرهم، وهذا أيضًا ما سوف يذكره ق. غريغوريوس اللاهوتيّ أيضًا في عظته الفصحية الثانية عن أن الإنسان كان مدعو ليصير إلهًا وينتقل لعالم آخر، وهنا نتساءل: كيف كان سيحدث هذا الخلود، سوى باتحاد الإلهيّ مع الإنسانيّ في التجسُّد الإلهيّ، لكي يُؤلِّه الإنسان مانحًا إياه الخلود، وهذا هو ببساطة تعليم التجسُّد غير المشروط بخطية آدم كالتالي:
”ولكن لعلمه أيضًا أن إرادة البشر يمكن أن تميل إلى أحد الاتجاهين (الخير أو الشر) سبق فأمَّن النعمة المعطَاة لهم بوصية ومكان، فأدخلهم في فردوسه وأعطاهم وصية حتى إذَا حفظوا النعمة واستمروا صالحين، عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء“.[31]
يُؤكِّد ق. أثناسيوس على ضرورة التجسُّد الإلهيّ وذلك من أجل تكميل الخليقة، فالبعض يعتقد عن دون وعي أن الله خلق الإنسان قبل السقوط كاملاً دون النمو في هذا الكمال، ولكن الإنسان خُلِقَ منذ البدء في مسيرة نمو وتقدم نحو الكمال والتأله، ولا يمكن أن يصل الإنسان إلى الكمال والتأله بدون الاتحاد بالله والشركة معه في سر التجسُّد الإلهيّ، فالإنسان حتى قبل السقوط، وحتى بعد القيامة من الأموات ودخوله للملكوت، يظلّ في مسيرة تأله ونمو وتقدم نحو الكمال بصورة لا نهائية وغير مُنقطِعة، بل حتى الملائكة أنفسهم في نفس هذه المسيرة والرحلة من التأله والتقدم نحو الكمال بصورة لا نهائية ودائمة وبدون انقطاع كالتالي:
”إنَّ الأعمال التي يتحدَّث عنها هنا أن الآب قد أعطاها له ليُكمِّلها، هي تلك التي خُلِقَ من أجلها كما يقول في الأمثال: الرب خلقني أول طرقه لأجل أعماله“.[32]
يُشدِّد ق. أثناسيوس على حتمية وضرورة التجسُّد الإلهيّ من أجل الاتحاد بالله، لأنه بدون الاتحاد بالله لا يمكن للإنسان أن ينال الخلود والتأله والحياة الأبدية، ولم يكن الإنسان قبل السقوط يمتلك كل هذه الأمور، بل كان مدعو لذلك إنْ ثبت على محبة الله والشركة معه وإطاعة الوصية، والاستمرار في معية الله، فكان سينال كل هذه الأمور كمكافأة له على طاعته للوصية، ولم يكن يمتلك كل هذه الأمور قبل ذلك كالتالي:
”هذا لأن كلمة الله الذاتيّ عينه، الذي من الآب، قد لَبِسَ الجسد وصار إنسانًا، لأنه لو كان مخلوقًا ثم صار إنسانًا، فإن الإنسان يبقى كما كان دون أن يتَّحد بالله“.[33]
يُؤكِّد ق. أثناسيوس على حقيقة التجسُّد غير المشروط بخطية آدم وسقوطه، لأن حالة الإنسان في الجنة قبل العصيان، كان يلزمها تجسُّد الكلمة واتحاده بالجسد لكيلا تصير النعمة فقط من الخارج، بل مُتَّحِدةً بالجسد أيضًا من الداخل كالتالي:
”ولو أن الله قال كلمة واحدة – بسبب قدرته – وأبطل بها اللعنة، لظهرت قوة الذي أعطى الأمر، ولكن الإنسان كان سيظل كما كان آدم قبل العصيان، لأنه كان سيحصل على النعمة من الخارج دون أن تكون متَّحِدةً مع الجسد – فهذه كانت الحالة عندما وُضِعَ في الجنة – بل ربما صارت حالته الآن أسوأ مما كان في الجنة بسبب أنه قد تعلَّم كيف يعصي“.[34]
ويُؤكِّد ق. أثناسيوس على حقيقة التجسُّد غير المشروط بخطية آدم من أجل ضمان النعمة وعدم ضياعها أو فقدانها مثلما أخذ آدم وفقد النعمة كالتالي:
”فهو رغم أنه ليس مُحتاجًا إلا أنه يُقَال عنه إن ما أخذه، قد أخذه إنسانيًا، وأيضًا لكي تبقى هذه النعمة مضمونة ما دام الرب نفسه قد أخذ، لأن الإنسان المجرَّد حينما يأخذ، فهو مُعرَّض لأن يفقد أيضًا كما ظهر في حالة (آدم)، لأنه أخذ وفَقَدَ. ولكن لكي تبقى النعمة غير مُتغيَّرة وغير قابلة للضياع وتظل محفوظة للبشر بشكلٍ أكيد، لذلك فهو يمتلك العطية لنفسه، ولهذا يقول إنه أخذ سلطانًا كإنسان، وهو السلطان الذي كان له دائمًا كإله“.[35]
ق. كيرلس الأورشليمي
يُؤكِّد ق. كيرلس الأورشليميّ على أن الخلود وعدم الفساد هما عطية من الله للنفس، وأنها ليست خالدةً بالطبيعة، لذا تحتاج للاتحاد بالله من خلال التجسُّد لتنال الخلود وعدم الفساد كالتالي:
”وعلاوة على ذلك، اعلم أن لك نفسًا حرةً هي أجمل صنائع الله، خلقها الله على صورته، إنها خالدةٌ لأن الله يمنحها الخلود. إنها كائن عاقل غير فاسد، لأن الله يمنحها عدم الفساد“.[36]
ق. أمبروسيوس أسقف ميلان
يُفرِّق ق. أمبروسيوس بين عدم الموت الخاص بطبيعة الله، وبين عدم الموت الخاص بنا، ويؤكد على أن النفس البشرية تموت، وأن الملاك ليس خالدًا بصورةٍ مطلقةٍ، بل خلودهما يعتمد على مشيئة الخالق، فكل مخلوق في داخله إمكانية الفساد والموت، حتى لو لم يرتكب خطية، وبالتالي الخلود هو هبة من الله يهبها للإنسان والملاك، ولا يمكن أن يحدث الخلود في حالة الإنسان بدون اتحاده بالله من خلال التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”ولكن عدم الموت الخاص بطبيعته [أي بطبيعة الله] شيء، وعدم الموت الخاص بنا شيء آخر، لأن الأشياء القابلة للفناء لا يمكن مقارنتها بالطبيعة الإلهية. إن الألوهية هي الجوهر الوحيد الذي لا يمكن أن يلحقه الموت، ولذلك، فإنه الرسول مع أنه يعلم أن أرواح البشر والملائكة لا تموت، فإنه يُعلِن أن الله وحده هو الذي له عدم الموت (بطبيعته)، لأنه في الحقيقة حتى النفس يمكن أن تموت بحسب المكتوب: ’النفس التي تخطئ تموت‘ (حز 18: 20)، والملاك ليس خالدًا بصفةٍ مطلقةٍ، فخلوده يعتمد على مشيئة الخالق. […] فكل مخلوق، إذًا، يوجد في داخله إمكانية الفساد [الاضمحلال] والموت، حتى ولو كان في الوقت الحاضر لا يموت، أو لا يرتكب خطيةً، وحتى لو أنه لم يُسلِّم ذاته إلى الخطية، فإن هذا لا يكون بسبب طبيعته الخالدة، ولكن بسبب الجهاد النسكيّ أو النعمة. إذًا، فالخلود الناتج عن الهبة هو شيء، والخلود الذي ليست فيه أي قابلية للتغيير هو شيء آخر“.[37]
ق. غريغوريوس اللاهوتي
يُؤكِّد ق. غريغوريوس اللاهوتي أيضًا على حقيقة أن التأله هو غاية خلق الإنسان، ويشير إلى انتقال الإنسان الأول قبل السقوط إلى عالم آخر في نهاية المطاف، ليصير إلهًا بشوقه لله كالتالي:
”هو نفسه [الإنسان] روح وجسد: روح بحسب النعمة، وجسد لكي يستطيع أن يسمو به. [بالروح] ليحيا ويُمجِّد [الله] المحسِن إليه، و[بالجسد] لكي يتألم ويُؤدَّب بوجعه، راميًا إلى الارتقاء نحو العظمة. كائن حيّ يُقِيم في الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفي نهاية المطاف، يصير إلهًا بشوقه إلى الله. لأنه حسب رأيي: إن نور الحق المعتدِل الذي يظهر لنا على الأرض يقودنا لنرى ونختبر بهاء الله، الذي كوَّننا [من الروح والمادة]، ولذي سيحلّ مُركَّبنا ثم يُعِيد تكوينه على وجه أبهى وأمجد“.[38]
ق. غريغوريوس النيسي
ويشير ق. غريغوريوس النيسيّ إلى أن الإنسان خُلِقَ مهيئًا كي يتمتع بالصالحات الإلهية، ومن ثم كان يجب أن يكون في حال قرابة بطبيعته مع ما دُعِيَ لأن يشترك فيه، أي الأبدية الإلهية، وبالتالي، لم يكن الإنسان خالدًا بطبيعته منذ خلقته، بل كان مدعوًا لأن ينال الأبدية والتأله فيما بعد من خلال اتحاده بالله في المسيح كالتالي:
”وبالمثل فالإنسان قد خُلِقَ مهيئًا كي يتمتع بالصالحات الإلهية، ومن ثمَّ، كان يجب أن يكون في حال قرابة بطبيعته مع ما دُعِيَ لأن يشترك فيه. لذلك، فإنه قد تزين بالحياة وبالكلمة وبالحكمة، وبكل ما يليق بصلاح الله حتى ما يستطيع بواسطة كل هذا أن يكون له الرغبة نحو ما له صلة بالصلاح الإلهيّ. وواحدة من تلك الصالحات التي تخص الطبيعة الإلهية هي الأبدية، فينبغي على كل حال ألا يكون تكوين طبيعتنا المخلوقة بلا نصيب من تلك الصالحات، بل أن تملك عدم الموت في ذاتها، حتى أنه بسبب القوة الكامنة تستطيع أن تتعرف على ما هو سامٍ، وأن تبغي الأبدية الإلهية“.[39]
ق. يوحنا ذهبي الفم
يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم أنه كما دُعِيَ المسيح ابن الله وإلهًا، كان ينبغي أن يصير الإنسان ابن لله وإلهًا كالتالي:
”حيث إن المسيح دُعِيَ ابن الله ودُعِيَ أيضًا إلهًا، فالإنسان الذي دُعِيَ أيضًا ابن لله ينبغي أن يكون إلهًا، لأن الكتاب يقول: ’أنا قُلتُ إنكم آلهةٌ وبنو العليّ كلكم‘ (مز 82: 6)“.[40]
ق. مكاريوس الكبير
يرى ق. مكاريوس الكبير، أحد الآباء النساك العظام، أن النفس رغم خلقتها على صورة الله، إلا أنها لا تملك النور الإلهيّ، لأنه هكذا دبَّر الله لها وسُرَّ بأن تنال الحياة الأبدية، ولكن ليس من طبيعتها الخاصة، بل من لاهوته ومن روحه القدوس ومن نوره الخاص، وبالتالي، يؤكد ق. مكاريوس الكبير على حقيقة أن النفس البشرية لا تنال الحياة الأبدية بدون الاتحاد باللاهوت من خلال التجسُّد الإلهيّ، الذي هو أسمى وأعلى درجات الاتحاد بين الله والإنسان كالتالي:
”على نفس المنوال النفس أيضًا، فرغم خلقتها على صورة الله، إلا أنها لا تملك النور الإلهيّ، لأنه هكذا قد دبَّر الله لها وسُرَّ بأن تنال الحياة الأبدية، لكن ليس من طبيعتها الخاصة؛ بل من لاهوته هو ومن روحه ومن نوره الخاص تنال طعامًا وشرابًا روحانيًا ولباسًا سماويًا – الأمور التي هي حياة النفس بالحقيقة. فكما أن حياة الجسد – كما سبق وقلنا – لا تكون من ذاته، بل من خارجه، أي من الأرض، وبدون الأشياء الخارجة عنه لا يستطيع هذا الجسد أن يحيا؛ كذلك النفس أيضًا بدون أن تُولَد منذ الآن لأرض الأحياء تلك (مز 27: 13)، وتغتذي روحيًا من هناك، وتنمو وتتقدَّم في الربِّ، وتكتسي من اللاهوت بثياب البهاء السماويّ التي تفوق الوصف – بدون ذلك الغذاء لا تستطيع النفس أن تحيا في تمتُّع وراحة بغير فساد […] الويل كذلك للنفس إنْ هي اكتفت بطبيعتها وحدها، واتكلت على أعمالها فقط، ولم تقتن شركة الروح القدس، فسوف تموت لأنها لن تُحسَب أهلاً لحياة اللاهوت الأبدية“.[41]
ق. كيرلس الإسكندري
يشير ق. كيرلس الإسكندريّ إلى أن الخلود لم يكن من طبيعة الإنسان عند خلقته، لأن عدم الفساد وعدم الفناء ليسا من طبيعة الإنسان، بل هما صفتان لله وحده، يمنحهما الله للإنسان بالنعمة، لذا كان من الضروريّ أن يتجسَّد الله لكي ما يتَّحد الإنسان به فينال الخلود والحياة الأبدية كالتالي:
”الإنسان مخلوق عاقل، ومُركَّب من النفس، ومن جسد ترابيّ قابل للفناء. وعندما خلق الله الإنسان، أتى به من العدم إلى الوجود، دون أن يكون في طبيعة الإنسان عدم فساد وعدم فناء؛ لأن هاتين الصفتين من صفات الله وحده. ولكن الإنسان خُتِمَ بروح الحياة، أي الاشتراك في الحياة الإلهية، فنال الإنسان بذلك الصلاح الذي يفوق الطبيعة الإنسانية، ولذلك قيل إن الله نفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفسًا حيةً (تك 2: 7). وعندما عُوقِب الإنسان على معصيته، قيل له بالحق: ’لأنك تراب وإلى ترابٍ تعود‘ (تك 3: 19). فتعرى من النعمة أي نسمة الحياة، أي روح ذاك الذي يقول: ’أنا هو الحياة‘، ففارق الروح القدس الجسد الترابيّ، وسقط الإنسان فريسةً للموت، أي موت الجسد وحده. أما النفس فلم تمت. لأنه قيل عن الجسد وحده: ’أنت تراب وإلى التراب تعود‘“.[42]
يُوضِّح ق. كيرلس الإسكندريّ أن أقنوم الكلمة وحده هو مَن يعطي المخلوقات نعمة الوجود، ونعمة البقاء، ويمنحها الأبدية من عنده، لأن الكائنات بطبيعتها غير أبدية، لذا كان ينبغي أن يتَّحد الله بها من خلال التجسُّد لكي تنال الخلود والحياة الأبدية كالتالي:
”فليس من الكائنات جميعًا كائن واحد دُعِيَ للوجود من العدم بدون الكلمة. وحيث إنه يمنح الخليقة نعمة الوجود، فهو يُعطِي أيضًا نعمة البقاء، ويمنح من عنده الأبدية، لكل الكائنات التي بطبيعتها ليست أبديةً، فيصبح بذلك هو الحياة لكل مَن جاء إلى الوجود لكي يبقى في الحياة حسب حدود طبيعته“.[43]
ويُؤكِّد ق. كيرلس على أن كل ما دُعِيَ من العدم إلى الوجود، فإنه بالضرورة يتداعى وينحلّ، وكل ما له بداية يُسرِع نحو النهاية ماعدا الواحد وحده، أيّ الطبيعة الإلهية الفائقة التي لم تسبقها بداية، وهي حرةٌ تمامًا من النهاية، لذلك بحكمة الخالق الذي يعلم ضعف المخلوقات يصنع لهم أبديةً، فيبدو أن حكمة الخالق التي تصنع أبديةً للمخلوقات الضعيفة كانت تجسُّد الكلمة غير المشروط بخطية آدم من أجل تأبيد المخلوقات ومنحها الحياة الأبدية من خلال تجسُّده واتحاده بها كالتالي:
”وحيث إن كل ما دُعِيَ من العدم إلى الوجود بالضرورة يتداعى وينحلّ، وكل ما له بداية، يُسرِع نحو النهاية، ما عدا الواحد وحده، أيّ الطبيعة الفائقة التي لم تسبقها بداية، وهي حرةٌ تمامًا من النهاية، وبحكمة الخالق الذي يعلم ضعف المخلوقات يصنع لهم أبديةً“.[44]
يُفرِّق ق. كيرلس الإسكندريّ بين صورة الله ومثاله في الإنسان، حيث يرى أن لصورة الله معاني كثيرة، بينما المثال هو حياة عدم الفساد وعدم الاضمحلال، كما يؤكِّد على أن الإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة منذ خلقته، بل كان سينال الخلود بعد ذلك كعطية من الله على طاعته للوصية وثباته في الله كالتالي:
”ورغم أن حديثي أقل من المستوى اللازم، إلا أنني يجب أن أُواصِل مُوضِّحًا الحالة الأولى لطبيعتنا. فإني أعرف أننا إذ نقصد بإخلاص أن نُدرِك معنى الكلمات التي أمامنا، فإننا سنتجنب الأخطار الناتجة عن الكسل. إذًا، فهذا المخلوق العاقل أي الإنسان، قد خُلِقَ من البداية على صورة ذاك الذي خلقه حسب المكتوب (أنظر كو٣: ١٠). وصورة لها معاني مُتعدّدة. فيمكن أن تكون الصورة ليس حسب معنى واحد، بل حسب معاني كثيرة، أمَّا عنصر مُماثلة الله الذي خلقه، الذي يعلو الكل، فهو عدم الفساد وعدم الاضمحلال. فنحن نعرف أن المخلوق لا يمكن أن يكون كفوًا في ذاته أن يكون هكذا كالله بمُجرَّد قانون طبيعته الخاصة، لأنه كيف يمكن لذاك الذي هو من الأرض بحسب طبيعته الخاصة، أن يملك مجد عدم الفساد، إنْ لم يحصل على ذلك من الله الذي هو بالطبيعة عديم الفساد، وعديم الفناء، وهو دائم هكذا كما هو إلى الأبد، والله هو الذي يُغنِي الإنسان بهذه الهبة كما يهبه كل العطايا الأخرى؟“.[45]
يُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندريّ على حقيقة أن التألُّه هو غاية خلق الإنسان من البدء، لو لم يسقط في التعدي والعصيان، فالله كان سيجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، كما يؤكِّد أيضًا على أن النفخة التي نفخها الله في الإنسان هي الروح القدس، روح الابن، وليس كما يُنكِر البعض بأن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس كالتالي:
”فكما يقول بولس الملهم بكل عقل وحكمة: وأيّ شيء لك لم تأخذه (١كو٤: ٧). لذلك، فلكي لا يتلاشى ذلك الذي خُلِقَ من العدم، ويعود إلى العدم مرةً أخرى، بل بالحري يُحفَظ على الدوام -كما كان قصد الذي خلقه- لذلك فإن الله يجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، لأنه ’نفخ في أنفه نسمة حياة‘ (تك٢: ٧)، أي روح الابن، لأن الابن نفسه مع الآب هو الحياة، وهو يضبط كل الأشياء معًا في الوجود. لأن كل الكائنات التي تنال الحياة ’به تحيا وتتحرك‘ حسب كلمات بولس الرسول (أنظر أع١٧: ٢٨)“.[46]
ويُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندريّ على أن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس، ويقول إنه مَنْ يفترض أن نفخة الله في بداية الخلق صارت نفسًا مخلوقة هو إنسان لا يملك تفكيرًا سليمًا، ويشرح ذلك كالتالي:
”فإننا يجب أن نُكرِّر مرةً أخرى ونقول – لا يوجد أيّ إنسان ذو تفكير سليم، يمكن أن يفترض أن النسمة التي صدرت من الجوهر الإلهيّ صارت نفسًا مخلوقةً، بل إنه بعد أن صار للمخلوق نفسًا، أو بالحري بعد أن بلغ إلى كمال طبيعته بوجود النفس والجسد معًا، فإن الخالق طبع عليه ختم الروح القدس أي ختم طبيعته الخاصة أي نسمة الحياة، والتي بواسطتها صار المخلوق مُشكَّلاً بحسب الجمال الأصليّ، واكتمل على صورة ذاك الذي خلقه. وهكذا وُهِبت له الإمكانية لكل شكل من أشكال السمو بفضل الروح الذي أُعطِي له ليسكن فيه“.[47]
ويُؤكِّد ق. كيرلس على أن كل شيء له بداية، يُسرِع نحو النهاية، ما عدا الله الخالق وحده الذي لا تسبقه بداية، وهو حر تمامًا من النهاية، ولأنه يعلم ضعف المخلوقات يصنع لهم أبدية كالتالي:
”ولأنه واحد فقط هو الحياة، فهو الذي يُقدِّم الحياة للكل بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة كل كائن وبالشكل الذي يليق به للاشتراك في حياة الكلمة. وحيث إن كل ما دُعِيَ من العدم إلى الوجود بالضرورة يتداعى وينحَّل، وكل ما له بداية، يُسرِع نحو النهاية، ما عدا الواحد وحده، أي الطبيعة الفائقة التي لم تسبقها بداية، وهي حرةٌ تمامًا من النهاية، وبحكمة الخالق الذي يعلم ضعف المخلوقات يصنع لهم أبدية“.[48]
يتضَّح من هنا تأكيد ق. كيرلس الإسكندري على أن التألُّه هو غاية خلق الإنسان كما قصد الله، أي أن يصير شريكًا للطبيعة الإلهية، ويُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندريّ على أن نفخة الله في بداية الخلق لم تكن نسمة الحياة المخلوقة في الإنسان، بل ختم الروح القدس أي ختم طبيعته الخاصة في الإنسان، وليس كما ينكر البعض ويدَّعون أن نسمة الله في بداية الخلق هي مُجرَّد نسمة الحياة أو النفس المخلوقة في الإنسان.
أوغسطينوس أسقف هيبو
يتحدَّث أوغسطينوس أسقف هيبو بشمال أفريقيا، مثله مثل الآباء السابقين، عن أن التألُّه هو غاية الله من خلق الإنسان منذ البدء، وإنه كان سيصير إلهًا لو لم يسقط بالتعدي والعصيان، وذلك لو لم نجحد نعمته، ولم نتخلف عن الاتحاد به، ويُؤكِّد أوغسطينوس هنا على أن الوسيلة الوحيدة لتأليه الإنسان هي الاتحاد بالله، وأن هذا الاتحاد لا يمكن أن يحدث بدون الاتحاد الحميم جدًا بين الله والإنسان في سر التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”هنالك في الراحة سوف ترى أنه هو الله، طبيعة سامية ادَّعيناها لنا حينما هبطنا من أعالي عهده على صوت الشيطان الذي أغوانا قائلاً: ’تصيران كآلهة‘، لم نحفظ الأمانة لهذا الإله الذي كان قادرًا على أن يجعل منا آلهةً، لو لم نجحد نعمه، ونتخلف عن الاتحاد به“.[49]
ويشير أوغسطينوس إلى أن الإنسان المخلوق بطبيعته ليس إلهًا، لكنه يصير إلهًا بدخوله شريكًا فيمَّن هو وحده الإله الحق، وهذا لا يمكن تحقيقه بدون التجسُّد الإلهي كالتالي:
”والحال إن الإنسان المخلوق ليس بطبيعته إلهًا، لكنه يصير إلهًا بدخوله شريكًا فيمَّن هو وحده الإله الحق. فإما أن يكون الربّ نصيبنا على نحو ما يختار البشر أنصبتهم، أو يتفق أن يحظى هذا أو ذاك بما يُبقِيه على قيد الحياة؛ أو أن يكون الربُّ نصيب الأبرار الذي يهبهم الحياة الأبدية“.[50]
الأب مكسيموس المعترف
يرى الأب مكسيموس المعترف أن غاية خلق الله للإنسان هي أن يصير شريكًا للطبيعة الإلهية، وأن يشترك مع الله في الأبدية، وبذلك يمكن أن يكون الإنسان مثله من خلال التأله بالنعمة كالتالي:
”لقد خلقنا الله حتى يمكن أن نُصبح ’شركاء الطبيعة الإلهية‘ (2بط 1: 4)، ونُشارِكه في الأبدية، وبذلك يمكن أن ننكون مثله (1يو 3: 2) من خلال التأله بالنعمة. من خلال هذا التأله كُل الأشياء يُعَاد تشكيلها وتُحقِّق دوامها؛ ومن أجله ما هو غير موجود يأتي للوجود ويُعطَى وجودًا“.[51]
الأب يوحنا الدمشقي
يُؤكِّد الأب يوحنا الدمشقيّ، مثلما أكَّد الآباء السابقين عليه، على خلقة الإنسان في حالة وسطية بين الأرض والسماء، الزمن والخلود، العظمة والضعة، ويشير إلى حقيقة أن التأله هو غاية خلق الإنسان منذ البدء، ولا يمكن أن يحدث ذلك بدون اتحاد الإنسان بالله من خلال التجسُّد الإلهيّ قائلاً:
”إذًا، لقد صنع الله الإنسان خاليًا من الشرّ، مُستقِيمًا فاضلاً، لا غم ولا هم، زاهيًا بكل فضيلة، مُزدانًا بالصالحات كلها […] أرضيًا وسماويًا، وقتيًا وخالدًا، منظورًا ومعقولاً، وسطًا بين العظمة والضِعة، روحًا وجسدًا معًا، روحًا بالنعمة وجسدًا بالأصل، ذاك ليبقى ويُمجِّد المبدِع، وهذا ليشقى، وبشقائه يفطن ويرتدع عن الطموح إلى العظمة هنا – أي في الحياة الحاضرة – حيوانًا خاضعًا للتدبير، وهناك، في الدهر الآتيّ حيث المكافأة، ونهاية السرّ، يتألَّه بانقطاعه إلى الله بإشارة رضى منه تعالى. وتألهه اشتراك في الضياء الإلهيّ، لا انتقال إلى الجوهر الإلهيّ“.[52]
ويُؤكِّد المتروبوليت إيروثيؤس فلاخوس أن التأله هو الغاية الأخيرة لخلق الإنسان كالتالي:
”في التعليم الآبائيّ أنه في التجسُّد اتَّحد ابن الله وكلمته أقنوميًا بالطبيعة البشرية وهكذا تألهت هذه الطبيعة وصار الدواء الحقيقيّ والوحيد لخلاص الإنسان وتألهه. يستطيع الإنسان من خلال المعمودية المقدَّسة أن يصير عضوًا في جسد المسيح ويستطيع من خلال المناولة المقدَّسة أن يشترك في الجسد المؤله للمسيح، الجسد الذي أخذه من والدته السيدة. لو لم تتمَّ هذه الوحدة الأقنومية بين الطبيعتين الإلهية والبشرية، لما كان التأله ممكنًا. لهذا السبب، كان التجسُّد الغاية الأخيرة لخلق الإنسان. إن آلام المسيح وصليبه هي الأمور التي أضافها سقوط آدم. يقول الأب مكسيموس [المعترف] أن التجسُّد كان لخلاص الطبيعة، والآلام كانت بهدف تحرير أولئك الذين بالخطيئة امتلكهم الموت“.[53]
ويتَّضح مما سبق إجماع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا على أن التأله هو الغاية الأخيرة للإنسان عندما خلقه الله، فقد أراد الله له أن يستمر في مسيرته الطبيعية نحو التأله والخلود من خلال الاتحاد به في التجسُّد الإلهيّ. فالتجسد الإلهيّ هو الوسيلة الوحيدة التي أعلن الله عنها من أجل الاتحاد به، وهذا ما سنراه في الفصل التالي.
الفصل الرابع
التأله غاية التجسد الإلهي
الفصل الرابع: التأله غاية التجسد الإلهي
يلزمنا قبل أن نُناقِش حقيقة أن تأليه الإنسان هو غاية التجسُّد الإلهيّ، أن ننتبه إلى بعض الحقائق الكتابية التي تُشِير إلى أن تأليه الإنسان كان في قصد الله منذ الأزل، وأعلنه عبر الكتاب المقدَّس من خلال عدة إشارات كتابية في العهدين القديم والجديد، وأن هذا التأليه أو مشتقاته من مصطلحات كالخلود وعدم الموت والحياة الأبدية وشركة الطبيعة الإلهية، لا يمكن أن يحدث بدون التجسُّد الإلهيّ واتحاد الله بالبشرية في هذا السر العظيم.
- يدعو الله البشر صراحةً في المزمور بأنهم آلهة، وهنا لا يجب الخلط بين تأله الله بالطبيعة، وهذا شيء خاص وحصريّ بالله الثالوث القدوس وحده، وبين تأليه البشر والملائكة الأبرار بالنعمة الممنوحة من الله لهم، وبين التأله الباطل والكاذب للأصنام والشياطين، فينبغي عدم الخلط بينهم، وتوخي الحذر عند الحديث عنهم. التأله الكاذب والباطل هو التأله بمعزل عن الله، أمَّا تأليه الإنسان فهو نعمة إلهية ممنوحة من الله للإنسان بمسرته من خلال تجسُّده واتحاده بالبشرية في المسيح، ولا يجب الخلط بينه وبين تأله الله بالطبيعة والتأله الكاذب للشياطين والأصنام كالتالي: ”أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ“ (مز 82: 6).
- ويُلقِّب الله موسى النبيّ بلقب ”الإله“ لأخيه هارون، ولا يجد الله غضاضة في ذلك، ولم يشعر الله بانتقاص لمجد ألوهيته عندما دعا موسى إلهًا لأخيه هارون، فلا يوجد مثل هذه الأمور في الله، حاشا! قائلاً: ”أَلَيْسَ هَارُونُ اللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضًا هَا هُوَ خَارِجٌ لاسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ، فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ الْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ. وَهُوَ يُكَلِّمُ الشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلهًا“ (خر 4: 14-16)
- ويُلقِّب الله نفسه موسى النبيّ بلقب ”الإله“ لفرعون، فلا ينتقص هذا من مجد ألوهية الله في شيء، حاشا! بل بمسرته ونعمته أعطى هذا اللقب ”إله“ لموسى النبيّ كالتالي: ”فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: انْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلهًا لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ. أَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ، وَهَارُونُ أَخُوكَ يُكَلِّمُ فِرْعَوْنَ لِيُطْلِقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِهِ“ (خر 7: 1، 2).
- يتحدَّث بطرس الرسول عن نعمة الله المعطاة لنا من خلال تجسُّده وتأنُّسه لكي نكون شركاء الطبيعة الإلهية دون أيّ انتقاص من ألوهيته أو مجده الإلهيّ على الإطلاق قائلاً: ”كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ“ (2بط 1: 3، 4).
- ويرى يوحنا الرسول أن الله الآب سُرَّ أن يمنحنا عطية التبني، وأن نُدعَى أولاده، بل ويعدنا أننا نصير مثله، أي نتأله بنعمته، متى أُظهِر، لأننا سنراه كما هو في مجده وبهائه في المسيح يسوع ربنا كالتالي: ”اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ. أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ“ (1يو 3: 1، 2)
- يشير بولس الرسول إلى غايتنا جميعًا نحن البشر وهي أن ننتهي إلى الإنسان الكامل، أي إلى قامة ملء المسيح، وهذا لا يحدث بدون الاتحاد بالله في التجسُّد الإلهيّ بواسطة المسيح كالتالي: ”لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ“ (أف 4: 12، 13)
- يُؤكِّد بولس الرسول على حقيقة نمونا اللانهائيّ نحو رأسنا يسوع المسيح، لأنه ينبغي علينا أن يصير كل واحد منَّا مسيحًا من خلال الاتحاد بالمسيح في سر تجسُّده الإلهيّ غير المشروط بخطية آدم أو سقوطه قائلاً: ”صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ“ (أف 4: 15، 16)
- ويحثنا بولس الرسول على معرفة محبة المسيح الفائقة المعرفة التي يمكن من خلالها أن نمتلئ إلى كُل ملء الله، وهذا الملء هو ملء لانهائيّ وغير محدود بالنسبة لنا، فنحن مدعوين إلى الامتلاء بكل ملء الله، وهذا بالطبع لن ينتقص من ملئه غير المحدود، لأننا لا نمتلئ بمعزل عنه، بل بنعمته ومسرته ومشيئته الصالحة لنا كالتالي: ”وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ“ (أف 3: 19)
- يُعلِن المسيح علانيةً للآب أنه مُمجَّد فينا وذلك من فيض وغنى نعمته، ولم ينتقص هذا الإعلان من مجد وكرامة المسيح، بل هو من فيض محبته وصلاحه نحونا قائلاً: ”وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ“ (يو 17: 10)
- يُؤكِّد المسيح له المجد أنه كائنٌ فينا ويطلب من الآب أن يكون فينا الحب الذي أحبه الله الآب له، وهنا لم يجد المسيح أي غضاضة في أن يمنحنا هذا الحب اللانهائيّ الذي يحبه الآب له، ولم ينتقص هذا من مقدار الحب الأزليّ واللانهائيّ بينه وبين الآب، بل بمشيئته سُرَّ أن يهبنا ويمنحنا ويُشرِكنا في هذا الحب اللانهائيّ وغير المحدود قائلاً: ”وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ“ (يو 17: 26)
- يُصرِّح بولس الرسول بل ويترجى أن يتصوَّر ويتشكَّل المسيح في داخلنا، ويأتي مَن يرفض هذا الفيض الجزيل من النعمة والحب، ويُزِايد على بولس الرسول وعلى المسيح نفسه، وكأنه يرفض هبة المسيح، أو لا يقبل ولا يصدق كلام بولس الرسول، أو يتجرأ ليُجاهِر أنه يعلم أكثر منهما كالتالي: ”يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ“ (غلا 4: 19) المسيح بنفسه مُتصوِّر فينا نحن البشر.
- يُصرِّح بولس الرسول أن المسيح الرأس يملأ كليًا الكنيسة جسده من ملء نعمته وفيضه الجزيل قائلاً: ”وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ“ (أف 1: 22، 23).
- يطلب الابن الوحيد من الآب أن تصير وحدتهما فينا، ونصير نحن واحدًا مثلهما قائلاً: ”أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ“ (يو 17: 11).
- يُصرِّح المسيح نفسه أنه يُقدِّس ذاته، أي بشريته، لأجلنا، لكي ما يُقدِّس بشريتنا نحن المتَّحِدة به، ونصير مُقدَّسين في الحق، الذي هو المسيح نفسه قائلاً: ”وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ“ (يو 17: 19).
- يطلب الابن الوحيد من الآب لأجلنا لكي ما نصير واحدًا ومُتَّحِدين في شركة حقيقة مع الثالوث القدوس، شركة الوحدة والتأله بالنعمة، قائلاً: ”لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا“ (يو 17: 21).
- لا يمكننا أن نتَّحد بالله الذي هو رأس المسيح بدون الاتحاد بالمسيح نفسه، ولا يمكن أن نتَّحد بالمسيح نفسه بدون التجسُّد الإلهيّ، وبالتالي، التجسُّد الإلهيّ غير مشروط بخطية آدم، بل مشروط ومرتبط بحقيقة وضرورة ارتباطنا واتحادنا بالله من خلال المسيح في تجسُّده وتأنُّسه قائلاً: ”وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ“ (1كو 11: 3)
- لم يستح المسيح أن يُعطِينا مجده الذي أعطاه له الآب، أي التأله بالنعمة، ولم ينتقص هذا من مجده الإلهيّ غير المحدود وغير المتناهي قائلاً: ”وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ“ (يو 17: 22). فالمسيح قد أعطانا بنفسه المجد الذي أعطاه الآب له، وهذا المجد هو مجد التألُّه، فالمسيح هو الابن الوحيد للآب بالطبيعة، وله المجد بالولادة الأزلية من الآب، أمَّا نحن فقد سُرَّ المسيح أن يمنحنا ويهبنا هذا المجد الذي له بالطبيعة كهبة وعطية لنا من أجل تأليهنا وتمجيدنا فيه وبه من خلال اتحاده بنا في تجسُّده وتأنُّسه، والذي لولاه لما حصلنا على أيّ شيء مما نحن فيه لا قبل السقوط ولا بعد السقوط.
- يُصرِّح بولس الرسول أن حياتنا نحن البشر مُستترة ومخفية ومكنونة مع المسيح في الله، حياتنا البشرية التي تألهت وتمجَّدت بالاتحاد بالله من خلال المسيح في تجسُّده وتأنُّسه كالتالي: ”لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ“ (كو 3: 3، 4). حياتنا نحن البشر رغم الموت مخفية ومُستترة ومحفوظة مع المسيح في الله نفسه، لذا حينما سيظهر المسيح سنتمجَّد معه، ونظهر معه وفيه وبه مُمجَّدين.
- يُعلِن بولس الرسول أن الله لم يستح، ولم يغير، ولم ينتقص هذا من مجده، أن يُقِيمنا معه، وأن يُجلِسنا معه في السماويات في المجد في المسيح يسوع قائلاً: ”وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ“ (أف 2: 6) وهكذا يُجلِسنا الله معه في المجد في السماويات، ويا لا عظم هذا المجد الذي يمنحه الله لنا في المسيح يسوع، نحن المتَّحِدين به وفيه!
جميع الأمور السابقة هي بركات ونعم تأليه الإنسان التي صارت من خلال تجسُّد الابن الوحيد، والتي لا يمكن أن تحدث بدون التجسُّد الإلهيّ، سواء قبل السقوط أو بعده.
ق. إيرينيؤس أسقف ليون
يُؤكِّد ق. إيرينيؤس على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان، وبدون التجسُّد لا يُمكِن أن يصير الإنسان في حياة عدم الفساد والخلود والتأله، وبالتالي، كان لا بد لله أن يتجسَّد سواء قبل السقوط أو بعده، لكي يتَّحد الإنسان بالله وينال الخلود والتأله وشركة الطبيعة الإلهية، فالتجسُّد الإلهيّ هو أعلى درجات الاتحاد بالله، ولا يضاهيه أي اتحاد، وهناك حقيقة واضحة أن الاتحاد بالله هو درجات ومراتب يصعدها الإنسان إلى ما لانهاية دون انقطاع، وأعظم وأسمى درجات الاتحاد بالله هي في تجسُّد الكلمة الذي اتَّحد بالطبيعة البشرية ليهبها التأله والخلود كالتالي:
”لأنه لهذا الهدف، قد صار الكلمة إنسانًا، الذي هو ابن الله صار ابن الإنسان، ذلك الإنسان الذي إذ قد أُخِذَ في داخل الكلمة، وإذ نال التبني، يصير ابن الله، لأنه لم يكن ممكنًا أن نبلغ إلى عدم الفساد والخلود بأية وسيلة أخرى، لو لم نتَّحد بعدم الفساد. ولكن كيف كان ممكنًا أن نتَّحد بعدم الفساد وعدم الموت. لو لم يصر عدم الفساد وعدم الموت أولاً، هما ذلك الذي هو نحن أيضًا، حتى أن الفاسد يُبتلَع في عدم الفساد، والمائت يُبتلَع في عدم الموت لكي ننال تبني البنين“.[54]
يُؤكِّد ق. إيرينيؤس أيضًا أنه لا يوجد طريق آخر لنصير في شركة مع الله ونتأله سوى تجسُّد الابن الوحيد، مما يُؤكِّد حتمية التجسُّد غير المشروط بخطية آدم كالتالي:
”فبأية طريقة كان يُمكِننا أن نصير شركاء تبني البنين، لو لم نكن قد نلنا منه تلك الشركة معه هو نفسه من خلال الابن، لو لم يكن الكلمة الذي صار جسدًا قد دخل في شركة معنا؟“.[55]
نوفاتيان الأفريقي
يرى نوفاتيان الأفريقيّ، أحد الآباء اللاتين، أنه كان على الكلمة أن يصير جسدًا لكيما يُوحِّد في اتحاد الأرضيات مع السماويات، وبناءً على ذلك، يمكن لابن الله أن يصير ابن الإنسان، وأن يصير ابن الإنسان ابنًا لله، مؤكدًا على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان ونواله التبني، وأنه لا توجد وسيلة أخرى ممكنة لحدوث ذلك إلا التجسُّد الإلهيّ، وبالتالي، لا يمكن أن يكون التجسُّد الإلهيّ مشروطًا بخطية آدم، بل من أجل تأليه الإنسان كغاية نهائية له، لأن التجسُّد هو تدبير أزليّ من الله للبشرية قبل الأزمنة، بلغ تمامه في الربِّ يسوع المسيح، الذي هو الله والإنسان، لكي ما يُحضِر الجنس البشريّ إلى التمتُّع بالخلاص الأبديّ كالتالي:
”كان على الكلمة أن يصير جسدًا لكيما يُوحِّد في نفسه اتحاد الأرضيات والسمائيات بدمج تعهدات كلا الطرفين في ذاته، وهكذا يتَّحد الله بالإنسان والإنسان بالله. وبناءً على ذلك، يمكن لابن الله أن يصير ابن الإنسان بأخذه جسدًا، ويصير ابن الإنسان ابنًا لله بقبول كلمة الله. هذا السرّ العميق والعويص، والذي تعيَّن لخلاص الجنس البشريّ قبل الأزمنة، بلغ تمامه في الربِّ يسوع المسيح، الذي هو الله والإنسان، لكيما يُحضِر الجنس البشريّ بواسطته إلى التمتُّع بالخلاص الأبديّ“.[56]
ق. أثناسيوس الرسولي
يُؤكِّد ق. أثناسيوس على أن غاية التأنُّس والتجسُّد هي تأليه الإنسان في عبارته الشهيرة التي تقف حجرة عثرة أمام كثيرين كالتالي:
”لأن كلمة الله صار إنسانًا لكي يُؤلِّهنا نحن، وأظهر نفسه في جسد لكي نحصل على معرفة الآب غير المنظور“.[57]
ويُكرِّر ق. أثناسيوس نفس الأمر في موضع آخر مُؤكِّدًا على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان كالتالي:
”فإن هذا الأمر لا يُسبِّب لنا عارًا، بل على العكس مجدًا ونعمةً عظمى. لأنه قد صار إنسانًا لكي يُؤلِّهنا في ذاته“.[58]
ويُؤكِّد ق. أثناسيوس أن الوسيلة الوحيدة لتأليه الإنسان هي اتحاد الكلمة بالإنسان المخلوق في التجسُّد، فلا يمكن أن يدخل الإنسان المخلوق إلى ملكوت السموات بدون اتحاد الله به وتأليهه ليكون على مثال صورته كالتالي:
”ولذلك، فقد لبس الجسد البشريّ المخلوق، لكي بعد أن يُجدِّده كخالقٍ، فإنه يُؤلِّه هذا الجسد في ذاته هو نفسه، وهكذا يُدخِلنا جميعًا إلى ملكوت السموات على مثال صورته. لأنه ما كان للإنسان أن يتأله لو أنه اتَّحد بمخلوقٍ أو لو أن الابن لم يكن إلهًا حقيقيًا. وما كان للإنسان أن يقف في حضرة الآب لو لم يكن الذي لبس الجسد هو بالطبيعة كلمته الحقيقيّ“.[59]
ويرى ق. أثناسيوس أن الكلمة أخذ الإنسان في داخله وكانت هذه الرفعة والارتقاء من أجل تأليه الإنسان، فلا يمكن أن يتأله الإنسان بدون الاتحاد بالمسيح في التجسُّد كالتالي:
”وبحسب هذه الرفعة، إذًا، أخذ الإنسان في داخله، وكانت هذه الرفعة من أجل تأليه الإنسان، أمَّا اللوغوس فله خاصية التأليه هذه بحسب الألوهية والكمال الأبويّ الخاصين به“.[60]
ويُؤكِّد ق. أثناسيوس أننا نتألَّه بواسطة الاتحاد بالكلمة ولهذا فنحن نرث الحياة الأبدية وبدون اتحادنا بالكلمة في التجسُّد لا يمكننا أن نتألَّه ولا أن نرث الحياة الأبدية، وهذا كان وضع آدم أيضًا قبل السقوط، فلو لم يكن المسيح قد اتحد به لما كان سيتأله ويرث الحياة الأبدية، لأنه لم يكن خالدًا ومتألهًا بطبعه عند خلقته كالتالي:
”لأنه كما أن الربَّ بلبسه الجسد قد صار إنسانًا، هكذا نحن البشر فإننا نتأله بالكلمة باتحادنا به بواسطة جسده، ولهذا فنحن سنرث الحياة الأبدية“.[61]
ويُوضِّح ق. أثناسيوس أنه كان من المستحيل بالنسبة للإنسان الاتحاد بالله بدون التجسُّد الإلهيّ، مما يُؤكِّد على حتمية التجسُّد الإلهيّ من أجل اتحاد الإنسان بالله، وأنه بدون التجسُّد الإلهيّ يستحيل على الإنسان الاتحاد بالله، وبالتالي، فقد كان التجسُّد الإلهيّ ضرورةٌ حتميةٌ سواء قبل السقوط أو بعده من أجل توحيد الإنسان بالله في شخص الكلمة المتجسِّد كالتالي:
”وإنْ كان من المستحيل أن يتَّحد الإنسان بالله، إلا أنه هو [الكلمة] الذي جعل هذا ممكنًا أن يحدث، بأن صار هو إنسانًا“.[62]
ويُؤكِّد ق. أثناسيوس، في حضه للعذارى على البتولية، أنه لو لم يصر اللوغوس جسدًا لما اتَّحدن به والتصقن به، ولكن لما لبس الربُّ جسد البشرية، صار الجسد مستودعًا للوغوس، ولذلك، فقد صارت العذارى عرائس للمسيح باتحاد الكلمة بالجسد البشريّ، مما يُؤكِّد على ضرورة تجسُّد الكلمة سواء قبل السقوط أو بعده من أجل الاتحاد والالتصاق بالله كالتالي:
”فلو لم يصر اللوغوس [الكلمة] جسدًا، كيف كُنتن ستتَّحدن به وتلتصقن به الآن؟ لكن لمَّا لَبِسَ الربُّ جسد الناسوت، صار الجسد مستودعًا للوغوس. من أجل ذلك، قد صرتن الآن عذارى وعرائس للمسيح“.[63]
ق. كيرلس الأورشليمي
يرى ق. كيرلس الأورشليميّ أن البشر ينبغي أن يشتركوا في جسد الحمل الروحيّ، أيّ المسيح، لا بد من أن يشتركوا في الرأس، الذي هو الألوهية، وأن يشتركوا في القدمين، أيّ الطبيعة البشرية التي اتَّخذها، مما يُؤكِّد على ضرورة التجسُّد الإلهي من أجل اشتراك الإنسان في المسيح كله لاهوتًا وناسوتًا، ومن ثمَّ، ينال التأله من خلال التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”ونحن الذين أُهِّلنا للاشتراك في جسد الحمل الروحيّ، لنشترك في الرأس والقدمين (خر 12: 9): يعني الرأس الألوهية والقدمان الطبيعة البشرية التي اتَّخذها“.[64]
ق. هيلاري أسقف بواتييه
يسير ق. هيلاري أسقف بواتييه، الملقَّب بـ ”أثناسيوس الغرب“، على نفس النهج الذي نهجه الآباء السابقون عليه، في أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان، وأنه لا يمكن تأليه الإنسان بدون اتحاد الله بالإنسان في التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”فالخطية الموجَّهة ضد الروح هي إنكار كمال قوة الله، ونقض للجوهر الأزلي في المسيح، الذي صار من خلاله الله في الإنسان، ليصير الإنسان إلهًا“.[65]
يُؤكِّد ق. هيلاري في نفس السياق على الحقيقة السابقة بأن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان، ولا يمكن أن يحدث هذا التأليه بدون اتحاد الله بالطبيعة البشرية في سر التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”فإنه حينما وُلِدَ الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية، يجب على الإنسان أن يُولَد ليصير إلهًا“.[66]
يُشدِّد ق. هيلاري أيضًا على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان، وأنه لا يمكن حدوث تأليه الإنسان بدون التجسُّد الإلهي، واتحاد الله بالإنسان في التجسُّد كالتالي:
”فإنه حينما وُلِدَ الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية يُولَد إنسانًا كي يكون إلهًا. فمِن ثم إن اسمه هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت١: ٢٣)، كي لا يُقلِّل من شأن الله إلى مستوى الإنسان، بل يُرفَع من شأن الإنسان إلى الاتحاد بالله. وعندما طلب [المسيح] أن يتمجَّد، لم يكن هذا تمجيدًا لطبيعته الإلهية بأيّ شكل، بل للطبيعة الأقل التي اتَّخذها؛ فإنه يطلب هذا المجد، الذي كان له قبل تأسيس العالم“.[67]
ق. أمبروسيوس أسقف ميلان
يرى ق. أمبروسيوس أسقف ميلان أن المسيح هو الوحيد الذي يمكنه أن يمنحنا شركة الطبيعة الإلهية، أي التأله، لأنه بواسطة الابن فقط يمكننا أن نمضي في شركة الطبيعة الإلهية، مما يجعل من الضروريّ أن يتجسَّد الله سواء قبل السقوط أو بعده كالتالي:
”حسنًا، طالما بواسطة الابن نمضي في شركة الطبيعة الإلهية، ربما يمكنه أن يمنح هذا الذي لا يملكه؟ إذًا، لا يوجد شك في أنه يمنح مما له، وهكذا لديه الطبيعة الإلهية، هذا الذي يمنحنا الشركة في الطبيعة الإلهية، وأن نكون شركاء الطبيعة الإلهية“.[68]
ويستخدم ق. أمبروسيوس صيغة التأله التبادلية الشهيرة، أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له، ليؤكِّد على حتمية وضرورة التجسُّد الإلهيّ من أجل تأليه الإنسان قائلاً:
”لك أن تُميِّز ما هو خاصٌ بي، ولك أن تُميِّز ما هو خاص باللوغوس [الكلمة]. فما كان لذاك، لم يكن لديَّ، وما كان خاصًا بيّ لم يكن لديه. أخذ ما هو خاصٌ بي [البشرية]، لكي يمكنه أن يُوزِّع ما هو خاصٌ به [الألوهة]. لم يأخذ لكي يمزج، بل ليُكمِّل“.[69]
ق. غريغوريوس اللاهوتي
يُؤكِّد ق. غريغوريوس اللاهوتيّ على نفس كلام الآباء السابقين عليه أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان قائلاً:
”والإنسان الأرضيّ الذي اتَّحد بالجسد بوساطة روح، صار إلهًا عندما امتزج بالله، وصار واحدًا يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أُصبِح أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا“.[70]
ويُشدِّد ق. غريغوريوس اللاهوتيّ في موضع آخر على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان، ولا يمكن أن يحدث تأليه الإنسان بدون اتحاد الله بالطبيعة الإنسانية في التجسُّد الإلهيّ قائلاً:
”وكما تشبَّه المسيح بنا، فلنتشبَّه نحن أيضًا به؛ صار إنسانًا لكي يُؤلِّهنا، قَبِلَ كل ما هو قابل للفساد حتى يهبنا الأسمى“.[71]
ويستخدم ق. غريغوريوس نفس صيغة التأله الشهيرة ليُؤكِّد على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان، حيث تنازل أقنوم الابن إلى درجة البشرية حتى ترتفع البشرية إلى عتبات الألوهة قائلاً:
”تنازل [الابن] إلى درجة البشرية حتى ترتفع أنت إلى عتبات الألوهة“.[72]
ق. غريغوريوس النيسي
يُؤكِّد ق. غريغوريوس النيسي أيضًا على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان، وأنه لا يمكن تأليه الإنسان بدون التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”وبما أن هذا الجسد الذي صار وعاءً للألوهة، قد نال ذلك أيضًا لكي يستمر في الحفاظ على وجوده، كما أن الله الذي أظهر ذاته، قد مزج نفسه بطبيعتنا المائتة حتى بهذه الشركة مع اللاهوت، يتيسر للبشرية أن تصير مُؤلَّهةً في نفس الوقت“.[73]
ق. يوحنا ذهبي الفم
يستخدم ق. يوحنا ذهبي الفم الصيغة التبادلية الشهيرة، التي استخدمها من قبله ق. إيرينيؤس وق. أثناسيوس الرسوليّ، ليُؤكِّدوا على أن هدف التجسُّد الإلهيّ هو تأليه البشر ونوالهم التبني لله الآب كالتالي:
”إن الإنجيليَّ قال: ’والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا‘، وإذ قد أعلن أن الذين قبلوه وُلِدوا من الله، وصاروا أولادًا لله، فهو أقام العلة والسبب لهذا الشرف الذي لا يُنطَق به. إن السبب هو ’إن الكلمة صار جسدًا‘، والسيد أخذ شكل العبد وصار ابن الإنسان، مع أنه هو الابن الحقيقيّ لله [الآب]؛ لكي يجعل أبناء البشر أولادًا لله. وبالحق إذَا خلطنا العالي مع الوضيع، فهذا الأمر لا يُسبِّب أي نقصان لكرامة العالي، بل يرتفع بالوضيع من حالته المنحطة. بناءً على ذلك، فهذا الأمر حقيقيّ أيضًا في حالة المسيح. إنه بهذا النزول لم يحط أبدًا من قدر طبيعته [الإلهية]، بل رفعنا نحن الذين كُنَّا في حالة ظلمة وخزي إلى مجدٍ لا يُنطَق به“.[74]
ويدحض ق. يوحنا ذهبيّ الفم إنكار الهراطقة لألوهية الابن الوحيد مُستخدِمًا عقيدة التأله، حيث يتعجب كيف لا يكون إلهًا حقيقيًا، ذاك الذي يجعلنا آلهةً وأبناءً لله الآب، وهكذا يربط أيضًا بين التبني لله الآب وبين عقيدة التأله كغاية لتأنس الابن الوحيد. ويدحض ق. يوحنا ذهبيّ الفم مُنكِري عقيدة تأليه الإنسان في العصر الحديث بنفس الحجة التي استخدمها ق. أثناسيوس الرسوليّ مع الآريوسيين والمنحرِفين الهراطقة في دفاعه عن ألوهية الكلمة والروح القدس، وهي حجة تأليه الإنسان بواسطة اتحاد الكلمة الإلهيّ بطبيعتنا البشرية وسُّكنى الروح القدس فينا أقنوميًا كالتالي:
”لعلني أتساءل: ومَن هو ليس إنسانًا حقيقيًا، فماذا نُسمِّيه؟ بالطبع، لن نُسمِّيه إنسانًا. وهكذا لو أن الابن ليس إلهًا حقيقيًا، فكيف يكون إلهًا؟ علاوة على ذلك، كيف يجعلنا هو آلهةً وأبناءً، إنْ كان هو ليس إلهًا حقيقيًا؟ لكن أنا قد ناقشت هذه الأمور بتفصيلٍ أكثر في موضع آخر، لذلك فلنكمِل الحديث مع النص الذي يلي ذلك“.[75]
مار أفرام السرياني
يتحدَّث مار أفرام السريانيّ أيضًا عن حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان، فالله في تجسُّده صنع معنا مُبادلةً، حيث وهب لنا اللاهوت، ووهبنا نحن له الناسوت كالتالي:
”الشكر لمَّن آتى بالبركة، وأخذ منا الصلاة، المسجود له نزل إلينا، أصعد منا السجود، وهب لنا اللاهوت، فوهبنا له الناسوت، آتى إلينا بالمواعيد، فوهبنا له إيمان ابراهيم حبيبه، اقترضنا منه الصدقات، نقود أيضًا وبطلبها منه“.[76]
ق. كيرلس الإسكندري
يُردِّد ق. كيرلس الإسكندريّ، نفس كلمات ق. أثناسيوس، وصيغة التأله التبادلية الشهيرة، مُشِيرًا إلى أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان كالتالي:
”إنه عندما صار واحدًا منَّا كإنسانٍ، لكي يجعلنا نحن أيضًا نصير مثله، أيّ آلهةً وأبناءً“.[77]
ويُؤكِّد ق. كيرلس أنه لا يستطيع أحدٌ إطلاقًا أن يتَّحد بالله الآب إلا عن طريق وساطة المسيح، لأنه هو الوسيط بين الله والناس، فمن خلاله وفي نفسه يُوحِّد البشرية بالله، وهذه حقيقةٌ لا تتغيَّر قبل سقوط الإنسان أو بعده كالتالي:
”ولن يستطيع أحدٌ إطلاقًا أن يتَّحد بالله الآب إلا عن طريق وساطة المسيح. لأنه هو الوسيط بين الله والناس، فهو من خلال نفسه وفي نفسه يُوحِّد البشرية بالله“.[78]
ويُوضِّح ق. كيرلس أنه باتحاد البشر بالمسيح يصيرون آلهةً لأن المسيح هو الله، فالوسيلة الوحيدة للتأله هي الاتحاد بالمسيح في التجسُّد، سواء قبل السقوط أو بعده كالتالي:
”عندما لَبِسَ الكلمة وضاعتنا لكي يُصعِدنا إلى علوه، لا لكي يظلَّ هو أسفل مثلنا نحن على الجانب الآخر، بينما نحن من جهة الطبيعة بشرٌ، صرنا آلهةً (1يو 3: 1)؛ لأننا باتحادنا بالمسيح نكون آلهةً؛ لأن المسيح هو الله“.[79]
ويؤكد ق. كيرلس أن كلمة الله وحَّد ذاته بنا بسبب محبته العظيمة والفائقة لا لكي يصير مثلنا، بل اتَّحد بنا بذاته لكي يُغيِّرنا نحن إلى ما هو عليه، فعندما سكن داخل الجسد دُعِيَنا أبناءً وآلهةً بحسب النعمة وليس بحسب الطبيعة كالتالي:
”بسبب محبته العظيمة والفائقة اتَّحد كلمة الله ذاته بنَّا، لا لكي يصير مثلنا؛ لأنه هو غير المتحوِّل ولا يعرف التغيير، لكنه اتَّحد بنَّا بذاته لكي يُغيِّرنا نحن إلى ما هو عليه. لأنه مثلما أصبح لدينا – نحن الذين قَبِلَناه – كل ما يخصه؛ لأنه سكن في داخل الجسد إذ قد دُعِيَنا ’أبناءً‘ (1يو 3: 1) و ’آلهةً‘ (مز 82: 6؛ يو 10: 34)، ليس بحسب الطبيعة مثله، بل بحسب النعمة“.[80]
أوغسطينوس أسقف هيبو
ويُردِّد أوغسطينوس، أسقف هيبو بشمال أفريقيا، نفس الصيغة الشهيرة التبادلية لتأليه الإنسان بواسطة تجسُّد الله، مُؤكِّدًا على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان قائلاً:
”لأنه صُلِبَ بحسب صورة العبد، ولكنه رب المجد المصلوب؛ لأن هذا الاتخاذ [أيّ التجسُّد] قد جعل الإله إنسانًا، والإنسان إلهًا“.[81]
يتحدَّث أوغسطينوس عن حقيقة أن تأليه الإنسان والشركة في اللاهوت هي غاية الإخلاء والتجسُّد الإلهيّ، مُستخدِمًا صيغة التألُّه التبادلية الشهيرة كالتالي:
”لكن المسيح، مُعلِّم التواضع، الذي جعل نفسه شريكًا لنا في سقمنا، ليجعلنا شركاءً في لاهوته، ونزل من السماء ليُعلِّمنا الطريق، ويكون هو طريقنا (يو١٤: ٦)“.[82]
ويُؤكِّد أوغسطينوس على حقيقة أن تأليه الإنسان لا يمكن أن يحدث بدون التجسد الإلهيّ، حيث ينفي إمكانية أن نُشارِك الله في ألوهته، لو لم يُشارِكنا هو في بشريتنا كالتالي:
”والحال أننا ما كُنَّا لنُشارِكه ألوهته، لو لم يُشارِكنا بشريتنا. وفي الإنجيل أننا دُعِينا لنُشارِكه في الألوهة: ’والذين يُؤمنون باسمه أعطاهم سلطانًا أن يكونوا أولاد الله، الذين لا من دم ولا من مشيئة لحم ولا من مشيئة رجل، بل من الله وُلِدوا‘ (يو 1: 12، 13)“.[83]
مار فيلوكسينوس المنبجي
يستخدم مار فلوكسينوس المنبجيّ صيغة التألُّه التبادلية الشهيرة مُوضِّحًا معاني تأليه الإنسان من إعادة خلق الطبيعة البشرية من جديد في المسيح، ونوال التبني لله الآب، ويُؤكِّد على حقيقة أن تأليه الإنسان هو غاية التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”لأن الكلمة، الذي هو الله، رغب أن يجعل البشر أبناء الله، فنعترف بأنه أخلى ذاته، وصار جسدًا، ولَبِسَ طبيعة إنسانية كاملة لكي يُعِيد خلق الكيان الإنسانيّ بالكامل في نفسه، ولأنه أصبح إنسانًا فينا، نحن أيضًا تألَّهنا وأصبحنا أبناء الآب“.[84]
يتحدَّث مار فلوكسينوس المنبجيّ أيضًا عن أننا صِرنا أبناءً للآب في الابن، وصِرنا مُتألِّهين في الله الذي صار إنسانًا لأجلنا، مُؤكِّدًا على حقيقة أن تأليه الإنسان هو غاية سر التجسُّد الإلهيّ، وأنه لا يمكن أن يتألَّه الإنسان بدون الاتحاد بالله والشركة معه في التجسُّد الإلهيّ كالتالي:
”لقد أصبحنا جميعًا أولادًا في الابن الذي صار إنسانًا، لقد تألَّهنا جميعًا في الله الواحد الذي أصبح إنسانًا“.[85]
مار يعقوب السروجي
يتحدَّث مار يعقوب السروجيّ، الملقَّب بـ ”كنارة الروح القدس وقيثارة السريان“، بنفس صيغة التأله الشهيرة الخاصة بالقديس أثناسيوس ”صار كلمة الله إنسانًا لكي يُؤلِّهنا نحن“، مُؤكِّدًا بذلك على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهي هي تأليه الإنسان كالتالي:
”لما نزل، أنزل معه من العلويين، ولما صعد، أصعد معه من السفليين، أنزل الروح وأصعد الجسد، وكمَّل الأمرين: صار إنسانًا، وجعل الكثيرين آلهةً“.[86]
ويستخدم مار يعقوب السروجيّ مُجدَّدًا صيغة التأله التبادلية المشهورة للتأكيد على أن غاية التجسُّد الإلهيّ وهدفه هو تأليه الإنسان، ولا يمكن حدوث تأليه الإنسان بدون التجسُّد الإلهيّ قائلاً:
”ولهذا آتى الكلمة الذي شاء أن يصير لحمًا، لينتمي إلى جنس الناس ويُخلِّصهم، هو صار منَّا من بطن الممجَّدة، وجعلنا منه من ميلاد المعمودية، صار ابن الإنسان وجعل البشر آلهةً، وأصعدهم ليدعوا السماويّ: أبانا“.[87]
الأب مكسيموس المعترف
ويُؤكِّد الأب مكسيموس المعترف أن كلمة الله الآب صار إنسانًا وابنًا للإنسان لكي ما يجعل البشر آلهةً وأبناءً لله، مشيرًا إلى حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان كالتالي:
”إذَا أصبح كلمة الله الآب ابنًا للإنسان وإنسانًا، فهو قادرٌ على أن يجعل الناس آلهةً وأبناءً لله“.[88]
يُشِير الأب مكسيموس المعترف إلى حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ واتحاد اللوغوس بالطبيعة البشرية هو تأليه الإنسان، ولا توجد وسيلة أخرى لتأليه الإنسان سوى عن طريق تجسُّد الكلمة واتحاده بطبيعتنا البشرية كالتالي:
”لأنه يصبح حقًا إنسانًا حتى يجعلنا بالنعمة آلهةً“.[89]
ويُوضِّح الأب مكسيموس المعترف أن هدف الإخلاء غير المدرَك للابن الوحيد هو من أجل تأليه طبيعتنا البشرية، وأن هدف المشورة الإلهية هو تأليه طبيعتنا البشرية، مُؤكِّدًا على حقيقة أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه طبيعتنا البشرية، وأنه لا يمكن تأليه الإنسان قبل أو بعد السقوط بمعزل عن تجسُّد ابن الله الوحيد كالتالي:
”يقول داود: ’وأفكار قلبه من جيلٍ إلى جيل‘ (مز 33: 11). ربما تكون مشورة الله الآب التي يُشير إليها داود هنا هي إخلاء الذات غير المدرَك الذي للابن الوحيد الذي قام به من أجل تأليه طبيعتنا [البشرية]، والذي وضع حدًا للدهور؛ […] إذَا كان هدف المشورة الإلهية هو تأليه طبيعتنا [البشرية]، وغاية الأفكار الإلهية هي إمداد حياتنا بالمتطلبات الأساسية، فبناءً على ذلك، يجب أن نعرف ونُنفِذ قوة الصلاة الربانية والكتابة عنها بطريقةٍ لائقةٍ“.[90]
ويُشدِّد المتروبوليت إيروثيوس فلاخوس على استقلالية سر التجسُّد عن سقوط الإنسان قائلاً:
”هذه النظرة اللاهوتية مقبولةٌ إذَا افتكرنا أن المسيح هو بداية خلق العالم وتأله الإنسان ووسطهما ونهايتهما. فقط من هذا المنظار يمكننا أن نرى أن سرَّ التجسُّد مستقلٌ عن سقوط الإنسان. يقول الأب مكسيموس المعترف أن ربنا يسوع المسيح هو ’بداية الأجيال ووسطها ونهايتها، الماضية والحاضرة والمستقبلة‘. وفي تفسير هذا الكلام يقول الأب نيقوديموس الآثوسيّ أن هذا السرّ هو بداية الخلائق، لأن هدف هذا السرّ كان بداية المعرفة السابقة لخلق كل الخلائق وسبب هذه المعرفة وهذا الخلق. إنه الوسط لأنه منح الملء لمعرفة الله المسبقة وبالتالي، الثبات للملائكة وعدم الموت وعدم الفساد والخلاص للبشر. إنه أيضًا النهاية لأن هذا السرّ صار الكمال والتأله والمجد والبركة للملائكة والبشر ولكل الخليقة“.[91]
يتضَّح من أقوال مُعلِّمي الكنيسة المقدَّسة شرقًا وغربًا أن غاية التجسُّد الإلهيّ هي تأليه الإنسان سواء قبل السقوط أو بعده، وبالتالي، كان التجسُّد سيحدث حتى لو لم يخطئ آدم، لكي يُؤلِّه الله الإنسان باتحاده به في التجسُّد ليهبه الخلود والحياة الأبدية أي حياة الله، لأنه يجعلني اشترك فيها معه باتحادي به في المسيح الكلمة المتجسِّد، ولا يوجد وسيلة أخرى أعلنها الله من أجل تحقيق ذلك سوى التجسُّد الإلهيّ.
الفصل الخامس
استعلان الثالوث القدوس في التجسد الإلهي
الفصل الخامس: استعلان الثالوث القدوس في التجسد الإلهي
ينبغي أن نضع نصب أعيننا بعض الحقائق الكتابية التي يُقرها الكتاب المقدَّس بخصوص استعلان الله الثالوث القدوس للبشرية، فالطريقة الوحيدة والأكمل والأوضح لاستعلان الثالوث القدوس للبشرية كانت من خلال تجسُّد الكلمة واتحاده بالطبيعة البشرية. وبالتالي، يُؤكِّد ذلك على حقيقة التجسُّد الإلهيّ غير المشروط بخطية آدم وسقوطه من أجل استعلان الثالوث القدوس للإنسان، فبدون التجسُّد الإلهيّ لا يمكن للإنسان أن يعرف أن الله ثالوث.
- يُقرِّر يوحنا الرسول في افتتاحية إنجيله أن الوحيد الذي يمكنه أن يُعرِّف البشر بالله الآب ويُخبِّر عنه هو الابن الوحيد نفسه الكائن في حضن الآب، وهذا لم يحدث إلا من خلال تجسُّده وتأنُّسه قائلاً: ”اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ“ (يو 1: 18).
- ويُؤكِّد يوحنا الرسول على نفس الحقيقة أنه لا أحد يمكن أن يرى ويعرف الله الآب إلا الذي من الله الآب، أي الابن نفسه، الذي رأى وعَرِف الآب ويُخبِّر عنه للبشر في تجسُّده وتأنُّسه كالتالي: ”لَيْسَ أَنَّ أَحَدًا رَأَى الآبَ إِلاَّ الَّذِي مِنَ اللهِ. هذَا قَدْ رَأَى الآبَ“ (يو 6: 46).
- ويحصر البشير متى معرفة الآب في الابن فقط، فلا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومَن أراد الابن أن يُعلِن له، وهذا الإعلان من قِبَل الابن لم يتمَّ إلا من خلال تجسُّده وتأنسه فقط، ولا توجد وسيلة أخرى للإعلان عن الآب إلا بتجسُّد ابنه كالتالي: ”وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ“ (مت 11: 27).
- يُصرِّح المسيح له المجد بكل وضوح أنه لا يستطيع أحد أن يأتي ويتَّحد بالله الآب إلا من خلاله، وهذا لا يمكن حدوثه إلا من خلال تجسُّد الابن نفسه واتحاده بالبشرية في التجسُّد سواء قبل السقوط أو بعده، فذلك حقيقة أزلية سواء قبل السقوط أو بعده كالتالي: ”قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي“ (يو 14: 6).
- يُقرِّر المسيح نفسه حقيقة الاحتواء المتبادل بينه وبين أبيه، لأنه في الآب والآب فيه منذ الأزل، وبالتالي، الطريق الوحيد للاتحاد بالله هو من خلال الاتحاد بالمسيح، وحيد الآب، وذلك لا يمكن إلا من خلال تجسُّده سواء قبل السقوط أو بعده، لأن هذا الأمر حقيقة واقعة أزلية سواء قبل السقوط أو بعده، ولا تتوقف على سقوط الإنسان من عدمه كالتالي: ”وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ“ (يو 10: 38).
- يُؤكِّد المسيح له كل المجد على حقيقة أن رؤية ومعاينة الله الآب لا تتمّ إلا من خلاله لأنه مَن يرى الابن فقد رأى الآب، ولا يمكن معاينة الآب ورؤيته إلا من خلال الابن، وذلك لا يتمّ إلا من خلال تجسُّده وتأنُّسه، وهذا الأمر حقيقة واقعة مُرتبِطة بالله سواء قبل السقوط أو بعده، وبالتالي، يصير تجسُّد الابن أمرًا ضروريًا وحتميًا من أجل معاينة ورؤية الآب كالتالي: ”قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟“ (يو 14: 9).
- يُقرِّر المسيح له المجد حقيقة الاحتواء المتبادل بينه وبين أبيه، لأنه في الآب والآب فيه منذ الأزل وقبل كل الدهور، وبالتالي، الطريق الوحيد للاتحاد بالله هو من خلال الاتحاد بالمسيح، وذلك لا يمكن إلا من خلال تجسُّده سواء قبل السقوط أو بعده، لأن هذا الأمر حقيقة واقعة أزلية سواء قبل السقوط أو بعده، ولا تتوقف على سقوط الإنسان من عدمه كالتالي: ”أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟“ (يو 14: 10).
- يُؤكِّد المسيح له كل المجد على نفس الأمر السابق، ويُشدِّد على حقيقة الاحتواء المتبادل بينه وبين أبيه، لأنه في الآب والآب فيه منذ الأزل، وبالتالي، الطريق الوحيد للاتحاد بالله هو من خلال الاتحاد بالمسيح، وحيد الآب، وذلك لا يمكن إلا من خلال تجسُّده سواء قبل السقوط أو بعده، لأن هذا الأمر حقيقة واقعة أزلية سواء قبل السقوط أو بعده، ولا تتوقف على سقوط الإنسان من عدمه قائلاً: ”لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ“ (يو 14: 10، 11).
ق. أثناسيوس الرسولي
يُشِير ق. أثناسيوس إلى ضرورة تجسُّد الكلمة من أجل أن تعرف الخليقة الآب، وذلك من خلال الكلمة في تجسُّده، لذا كان التجسُّد حتميّ وضروريّ قبل السقوط وبعده من أجل استعلان جوهر وطبيعة الثالوث القدوس في ثلاثة أقانيم كالتالي:
”ولكن إنْ اعترفوا بوجود كلمة الله، وأنه المهيمن على الكون، وأن الآب خلق به الخليقة كلها، وأن الكل ينالون النور والحياة والوجود بعنايته، وأنه يملك على الكل، ولهذا فلأنه يُعرَف من أعمال عنايته، وبواسطته يُعرَف الآب“.[92]
يُوضِّح ق. أثناسيوس أن الله الآب بسبب صلاحه خلق البشر على صورته ومثاله، أيّ يسوع المسيح ابنه الوحيد، فهكذا عندما يرون تلك الصورة، أيّ كلمة الآب، يمكنهم عن طريقه أن يصلوا إلى معرفة الآب، وهكذا يعرفون خالقهم، فيحيون حياةً حقيقيةً مغبوطةً، مما يُؤكِّد على أنه بدون تجسُّد الكلمة لا يمكن للبشر معرفة الله الآب، فالابن الوحيد هو الوسيلة الوحيدة من أجل إدراك ومعرفة الآب، ولا يمكن أن تصل البشرية إلى معرفة الآب خالقهم بدون الاتحاد بالكلمة صورته، وذلك لا يمكن أن يحدث بأيّ طريقة بدون تجسُّده واتحاده بالبشرية في التجسُّد كالتالي:
”ولأنه صالحٌ في ذاته، فقد جعل لهم نصيبًا في صورته الذاتيّ [الذي هو] ربنا يسوع المسيح، وخلقهم على صورته ومثاله، حتى أنه – بسبب تلك النعمة – فإنهم عندما يرون تلك الصورة، أيّ كلمة الآب، يمكنهم عن طريقه أن يصلوا إلى معرفة الآب، وإذ يعرفون خالقهم، فإنهم يحيون حياةً سعيدةً مغبوطةً“.[93]
ويُشدِّد ق. أثناسيوس على حاجة البشرية إلى تجسُّد كلمة الله الذي يعرف النفس والعقل، وهو المحرِّك لكل ما في الخليقة التي يجعل الآب من خلالها معروفًا، فهو الذي يُجدِّد التعليم والمعرفة عن الآب فينا بتجسُّده واتحاده بنا كالتالي:
”فإلى مَن، إذًا، كانت الحاجة إلا إلى كلمة الله الذي يُبصِر ويعرف النفس والعقل، وهو المحرِّك لكل ما في الخليقة، والتي من خلالها يجعل الآب معروفًا؟ لأن ذلك الذي – بأعمال عنايته وتدبيره لكل الأشياء – يُعلِّم عن الآب، هو الذي يستطيع أيضًا أن يُجدِّد ذلك التعليم عينه“.[94]
ويُؤكِّد ق. أثناسيوس على حقيقة وضرورة التجسُّد غير المشروط بخطية آدم، وضرورة التجسُّد الإلهيّ قبل وبعد السقوط، حيث استخدم الكلمة الجسد كأداة ليُعلِن الآب به للإنسان، ومن ثم، يُعلِن عن طبيعة الله وجوهره كثالوث كالتالي:
”وبنفس الطريقة، لا يمكن أن يكون أمرًا غير معقول – إنْ كان الكلمة وهو الذي يضبط كل الأشياء ويُعطِيها الحياة وأراد أن يجعل نفسه معروفًا للبشر – قد استخدم جسدًا بشريًا كأداةٍ له يُظهِر فيه الحق ويُعلِن الآب، لأن البشرية أيضًا هي جزء حقيقي من الكل“.[95]
ويُوضِّح ق. أثناسيوس أن غاية تجسُّد الكلمة هي تأليه الإنسان وحصول البشر على معرفة الآب غير المنظور، فلا توجد وسيلة أخرى لكي يعرف البشر أن الله ثالوث بدون تجسُّد الابن واتحاده بالجسد لكي يُعلِن الآب غير المنظور، الذي لم يره أحدٌ قط، ولا يقدر أحد أن يراه إلا من خلال تجسُّد الابن الوحيد صورة الله غير المنظور، لأن الابن في الآب، والآب في الابن، ومَن رأى الابن فقد رأى الآب، والابن يُعلِن الآب غير المنظور في تجسُّده للبشرية قائلاً:
”لأن كلمة الله صار إنسانًا لكي يُؤلِّهنا نحن، وأظهر نفسه في جسد لكي نحصل على معرفة الآب غير المنظور“.[96]
ويُؤكِّد ق. أثناسيوس على احتياج البشر إلى تجسُّد الكلمة قبل السقوط أو بعده كالتالي:
”لأنه حتى وإنْ لم تكن الأعمال قد خُلِقَت، إلا أن كلمة الله كان كائنًا، و ’كان الكلمة الله‘. أمَّا صيرورته إنسانًا فما كانت لتحدث لو لم تكن حاجة البشر هي السبب“.[97]
يرى البروفيسور توماس تورانس أنه كان لابد من التجسُّد سواء قبل أو بعد سقوط آدم لكي يمكن للجنس البشريّ أن يدخل إلى معرفة الله بطريقة عملية من خلال التجسُّد الإلهيّ، أي من خلال معرفة ذاته كثالوث من خلال نقطة في ذاته وفي كياننا كمخلوقات، حيث يقول التالي: ”الأمر الأول: أنه إذَّا أرادنا حقًا أن نعرف الله فلابد أن يكون قد أُعطِيت لنا نقطة للدخول إليه، بحيث تكون هذه النقطة في كل من الله ذاته، وفي كياننا نحن كمخلوقات. وهذا هو بالتحديد ما حصلنا عليه في التجسُّد، حيث إعلان الله عن ذاته ’كآب‘ يتم من خلال إعطائه ذاته لنا في يسوع المسيح ابنه، وعندما يُعطِينا الله أن نصل إلى معرفته بهذه الصورة فهو يفعل هذا في إطار ظروف المكان والزمان؛ أي داخل حدود ما يمكن أن نفهمه نحن البشر. وفي نفس الوقت، فإن المعرفة التي يُعطِيها لنا الله عن ذاته في ابنه المتجسِّد يكون مركزها في الله ذاته، وبالتالي، يكون كل فهمنا البشريّ لله، وكل تصوراتنا عنه يمكن فحصها وضبطها وفقًا لطبيعته الإلهية. لذلك عندما نقترب إلى الله ’كآب‘ من خلال الابن، فإن معرفتنا للآب في الابن يكون أساسًا قائمًا في صميم كيان الله، كما أن هذه المعرفة تتحدَّد بما هو الله بالحقيقة في طبيعته الذاتية. وبما أننا في يسوع المسيح، نستطيع بالحقيقة أن نعرف الله وفقًا لطبيعته الذاتية كآب وابن، فإننا من الممكن أن نعرفه بطريقة تقوية ودقيقة معًا“.[98]
كما يُؤكِّد الأب چورچ فلوروفسكي على أن هناك الكثير من اللاهوتيين الكاثوليك المدرسيين، مثل: روبرت من دويتش، وأونوريوس أسقف أوتون، ودنس سكوتس؛ الذين تحدَّثوا عن التجسُّد غير المشروط، حيث يقول التالي: ”يبدو أن روبرت من دويتش[99] Rupert of Deutz (توفي عام 1135 القرن الثاني عشر) هو الأول من بين اللاهوتيين في العصر الوسيط الذي أثار وبشكلٍ رسمي السؤال عن دافع التجسُّد الإلهيّ، وكانت نظريته أو قناعته أن التجسُّد الإلهيَّ يخص التصميم الأصيل للخلق، ومن ثم كان مُستقلاً عن السقوط، كان التجسُّد الإلهيّ بحسب تفسيره ورؤيته، هو تمام وكمال تحقيق غاية الله الأولى من الخلق أصلاً، وهو هدف في حد ذاته، وليس مُجرَّد علاج بالفداء والخلاص للفشل البشريّ. وكان أونوريوس أسقف أوتون[100] Honorius of Autun (توفي عام 1152 في القرن الثاني عشر) يتبع نفس القناعة. أما علماء القرن الثالث عشر العظماء، مثل: ألكسندر أسقف هيلز[101]، وألبرت ماجنوس[102]، فقد تبنيا فكرة التجسُّد مُستقلاً عن السقوط كأكثر الحلول إقناعًا ومُوائمةً للمشكلة. أمَّا دنس سكوتس[103] (Duns Scotus 1266-1308) فقد شرح وفسَّر المفهوم بأكمله بمنتهى الحيطة والحذر والرصانة المنطقية“.[104]
ثم يستطرد الأب چورچ فلوروفسكي شارحًا مفهوم التجسُّد غير المشروط عند دنس سكوتس كالتالي: ”فإن التجسُّد الإلهيّ بالنسبة له وبمعزل عن السقوط، لم يكن مُجرَّد افتراض موائم ومناسب، بل تجسُّد ابن الله كان بالنسبة له هو السبب ذاته لظهور فعل وتدبير الخلق. وإلا كما فكَّر هو؛ فإن هذا الفعل الفائق الذي أتمَّمه الله يُفترض أنه كان مُجرَّد شيء ما عارض، أو حادث، أو ظرفي. مرةً أخرى، فإنْ كان السقوط هو علة وسبب ما سبق أن عيَّنه الله لمجيء المسيح، لنجم تبعًا لذلك، إنْ كان العمل الأعظم لله هو مُجرَّد فعل عارض، أو حادث، أو ظرفي، أو طارئ، فإن مجد الكل لن يكون بهذه الكثافة التي لمجد المسيح، ولبدا الأمر غير معقول، وغير منطقيّ التفكير فيه أن الله قد سبق وأتَّم مثل هذا العمل بسبب خير آدم أو عمله الصالح، إنْ لم يكن آدم قد أخطأ. إن السؤال بأكمله بالنسبة للباحث دنس سكوتس كان وبالضبط حول أمر ’سبق التعيين‘، أو الهدف الإلهيّ أي ترتيب وفق الأفكار التي في المشورة الإلهية للخلق. وكان المسيح، ذلك المتجسِّد هو أول موضوع وهدف مشيئة الله الخالقة، ولكان لأجل المسيح أيّ شيء آخر قد تم خلقه لأجل الجميع“.[105]
ويقتبس الأب فلوروفسكي فكرة دنس سكوتس عن أسباب التجسُّد غير المشروط كالتالي: ”إن تجسُّد المسيح لم يكن قد تمَّ النظر فيه هكذا عرضيًا أو بشكلٍ طارئ، بل قد تمَّ النظر إليه كغايةٍ فورية وحاسمة بواسطة الله منذ الأزل، هكذا، وحين نتحدَّث عن أمور قد سبق، وأن عيَّنها الله، فإن المسيح بالطبيعة البشرية، كان قد سبق وعَيَّن مثل الآخرين، إذ هو الأقرب إلى نهاية وقصد ما“.[106]
ويُؤكِّد الأب فلوروفسكي أن توما الأكوينيّ تبنَّى فكرة التجسُّد غير المشروط مُعتمِدًا على أوغسطينوس كالتالي: ”وقد ناقش الأكويني أيضًا (1224- 1274) تلك المشكلة بإفاضة طويلة. وقد رأى الثقل كله للمجادلات لصالح الرأس بأنه، حتى بمعزل عن السقوط: ’فإنَّ الله رغم ذلك سيتجسَّد‘، وقد اقتبس عبارة أوغسطينوس: ’في تجسُّد المسيح، لابد من اعتبار أمور أخرى إلى جانب غفران الخطايا ورفعها‘ (الثالوث13: 17)“.[107]
يُعطِي الأب فلوروفسكي تقريرًا عن حرص بونافنتورا وذلك عند مناقشة التجسُّد غير المشروط أو التجسُّد المشروط بالسقوط كالتالي: ”وقد اتبع بونافنتورا (1221-1274م) نفس الحرص؛ مُقارِنًا الرأيين – أحدهما لصالح التجسُّد بمعزل عن السقوط، والآخر مُعتمِدًا عليه، وخَلُصَ إلى أن: كلا الرأيين يُحفِّز النفس على التكريس بعدة اعتبارات مختلفة: الأول [أي التجسُّد غير المشروط]، رغم ذلك، والأكثر توافقًا مع حُكم المنطق والعقل، ومع ذلك يبدو أن الأمر الثاني أكثر قبولاً لتقوى الإيمان“.[108]
يسرد الأب فلوروفسكي العديد من اللاهوتيين الكاثوليك (خاصةً الرهبان الفرنسيسكان) والبروتستانت المؤمنين بالتجسُّد غير المشروط كالتالي:
”وبالإجمال، فإن دنس سكوتس قد تبعته الأغلبية من اللاهوتيين في النظام الفرنسيسكانيِّ، بل وبواسطة عدد ليس بالقليل خارجه، على سبيل المثال: يوتيسيوس كارتوسيانوس، وجابرييل بييل، وچون فيسيل، وفي عصر مجمع ترنت بواسطة چياكومو ناتشيانتي أسقف تشيوزان، وچاكوبوس ناكلانتوس، وأيضًا بواسطة بعض المصلحين الأوائل، على سبيل المثال: بواسطة أندرياس أوسياندر […] ومن بين الأبطال الكاثوليك الغربيين عن القانون المطلق للتجسُّد الإلهيّ [أيّ التجسُّد غير المشروط]، على المرء أن يذكر وبصفة خاصة فرانسوا دو سال، ومالبرانش، ولقد أصرَّ مالبرانش وبشدة على الضرورة الميتافزيقية لسر التجسُّد بمعزل نهائيّ عن السقوط، وإلا هكذا يزعم، لما صار هنا من سبب مقبول ومضبوط أو هدف لفعل الخلق ذاته […] ومن بين الأنجليكان، وفي القرن الأخير، فإن الأسقف ديسكوت يتذرع وبقوة بما يُسمَى ’الدافع المطلق‘ في مقاله الرائع المثير للإعجاب حول ’إنجيل الحق‘. أما الأب الراحل سيرچي بولجاكوف، فقد كان من المؤيِّدين بشدة للرأي القائل بأن سر التجسُّد الإلهيّ لابد أن نعتبره قانونًا مُطلقًا وضعه الله، حتى قبل كارثة ومأساة السقوط“.[109]
الفصل السادس
المسيح هو شجرة الحياة
الفصل السادس: المسيح هو شجرة الحياة
لا بد أن نضع في أذهاننا بعض الإشارات الكتابية التي تُؤكِّد على حقيقة أن المسيح هو شجرة الحياة في الفردوس، التي كان ينبغي أن يأكل الإنسان منها، بمعنى أن يتَّحد بالمسيح، لكي يحيا إلى الأبد. وهذا يُؤكِّد على حقيقة التجسُّد الإلهيّ غير المشروط بخطية آدم وسقوطه، لأن غاية الإنسان أن يأكل من شجرة الحياة لكي يحيا إلى الأبد، أي أن يتَّحد بالمسيح شجرة الحياة، سواء قبل السقوط أو بعده.
- يشير سفر التكوين إلى أن الله وضع شجرة الحياة في وسط الجنة قائلاً: ”وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ“ (تك 2: 9)
- يُوضِّح سفر التكوين حقيقة أن الأكل من شجرة الحياة يمنح الحياة الأبدية، وما الحياة الأبدية إلا المسيح نفسه، الطريق والحق والحياة كالتالي: ”وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ“ (تك 3: 22).
- لذا عندما طرد الله الإنسان من الجنة وضع الكروبيم ولهيب سيف مُتقلِّب لحراسة الطريق إلى شجرة الحياة، لئلا يأكل الإنسان منها ويحيا إلى الأبد في الشرّ والخطية كالتالي: ”فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ“ (تك 3: 24).
- ويظهر في سفر الرؤيا وعد الله للبشر الغالبين بأن يأكلوا من شجرة الحياة الموجودة في وسط أو مركز فردوس الله، ليحيوا إلى الأبد، وما شجرة الحياة الكائنة في وسط فردوس الله إلا المسيح نفسه كالتالي: ”مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ“ (رؤ 2: 7).
ق. أثناسيوس الرسولي
يُشِير ق. أثناسيوس إلى أن المسيح ابن الآب بالحقيقة هو شجرة الحياة مثلما قيل عنه أنه الكرمة والطريق والباب كالتالي:
”أمَّا مَن هو ابن بالحقيقة، فيقولون عنه إنه كلمة بالاسم فقط، مثلما قيل إنه كرمةٌ، وطريقٌ، وبابٌ، وشجرة حياة“.[110]
ق. كيرلس الإسكندري
يُشِير ق. كيرلس الإسكندريّ أيضًا إلى أن المسيح هو شجرة الحياة التي كانت موجودةً في الجنة قبل السقوط كالتالي:
”المسيح هو الذي دُعِيَ شجرة الحياة. […] إذًا، فبالمسيح شجرة الحياة يصير كل ما هو مرٌ حلوًا“.[111]
ق. مكاريوس الكبير
يُؤكِّد ق. مكاريوس الكبير على أن المسيح هو شجرة الحياة والفردوس، وهكذا كان الإنسان مدعو في الفردوس للاتحاد بالمسيح من خلال الأكل من شجرة الحياة ليحيا إلى الأبد قائلاً:
”يُعلِّمك [المسيح] هكذا ويُعطِيك الصلاة الحقيقية، والمحبة الحقيقية التي هي هو نفسه صائرًا فيك كل شيء: الفردوس، وشجرة الحياة (رؤ 2: 7؛ 22: 14)، الجوهر والإكليل، البنَّاء والفلاح، المتألم والمنزَّه عن الألم، الإنسان والإله، الخمر والماء الحيّ، الحمل والعريس، رجل الحرب والسلاح، المسيح الكل في الكل“.[112]
ق. غريغوريوس النيسي
يشير ق. غريغوريوس النيسيّ إلى أن سليمان يدعو الربَّ يسوع المسيح، الذي هو أقنوم الحكمة، بشجرة الحياة كالتالي:
”فداود يقول: ’ولتنعم بالربِّ نفسك‘ (مز 36: 4)، وسليمان يدعو الحكمة التي هي الربّ ’شجرة الحياة‘ (أم 3: 18)“.[113]
مار أوغريس البنطي
يشير مار أوغريس أو إيفاجريوس البنطيّ إلى أن المسيح هو شجرة الحياة، التي كان ينبغي على آدم أن يأكل منها لكي ينال الخلود والحياة الأبدية قائلاً:
”الثالوث المبارك هو علامة المياه المباركة، وشجرة الحياة هي المسيح الذي يشربه“.[114]
ويطلب مار أوغريس منَّا أن نستشير المسيح شجرة الحياة ولن نموت أبدًا، في إشارة إلى أن شجرة الحياة هي مصدر الحياة الأبدية في الفردوس، وشجرة الحياة هي المسيح كالتالي:
”يسوع المسيح هو شجرة الحياة (أم 3: 18)، استشره كما يجب، ولن تموت أبدًا“.[115]
مار غريغوريوس بن العبري
يستعرض مار غريغوريوس بن العبريّ مصير الإنسانين الأولين قبل السقوط في تعدي الوصية، حيث يرى أنهما كانا سيعيشان حياةً بعيدةً عن الشقاء والضيق والعذاب والحاجات الضرورية، وكان سينجبان بلا زواج وهكذا يمتلئ الفراغ الحاصل بين الملائكة بسقوط الشيطان، ويصلان إلى الملكوت شيئًا فشيئًا، ويرتفعان بجسديهما إلى الملكوت مثل الروحانيين الذين كانوا سعداء مع الذي تجسَّد كالتالي:
”لو لم يتعد أبونا آدم الوصية بل حفظها لعاشا حياةً بعيدةً عن الشقاء والضيق والحاجات الضرورية، وينعم بأطايب مزارع الفردوس دون تعب وعذاب مقتاتين من شجرة المعرفة بترخيصٍ من الشريعة، ومن شجرة الحياة متسامين عن موت الخطيئة، ولأنجبا من دون زواج ولامتلأ الفراغ الحاصل بين الملائكة بسقوط الشيطان، ووصلا إلى الملكوت شيئًا فشيئًا، وبذلك يكونان قد ارتفعا بجسديهما إلى الملكوت حتى الآن، مثل الروحانيين الذين كانوا سعداء مع الذي تجسَّد، وكما كانا بحاجة إلى القيامة مع الأموات، ولا ذاقا الموت بنوعيه الجسديّ والروحيّ. وبعد القيامة صارا في وسط ملكوت الله. لا يمكن خوض أعماق الله لكي يحصلا على الدرجة المناسبة. وقد أشار الابن إلى أن الفردوس قد يكون أحد هذه“.[116]
الفصل السابع
تفسير عبارة قانون الإيمان ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“
الفصل السابع: تفسير عبارة قانون الإيمان ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“
نرى في هذا الجزء من قانون الإيمان الأرثوذكسيّ: ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“، أن الله لم يتجسَّد فقط من أجل الخلاص، بل من أجلنا أولاً نحن البشر، وهذا يضعنا أمام حقيقة واضحة، وهي أن التجسُّد والتأنُّس هو من أجل الإنسان قبل كل شيء، وبالتالي، لا يتوقف التجسُّد على الخلاص من خطية آدم فقط، بل التجسُّد هو تدبير من أجل الإنسان أولاً وأخيرًا.
ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس
يرى ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص، والملقَّب بـ ”صائد الهرطقات“، أن أقنوم الكلمة صار في جسدٍ له نفس لأجلنا، وهذا يتفق مع الحقيقة المعلَنة في قول قانون الإيمان: ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“ كالتالي:
”فإن أولى طرق الاستقامة بحسب الإنجيل هي أن الكلمة لأجلنا قد صار جسدًا له نفس، في جسد مريم، لكي يُظهِر الأمور الأعلى لاحقًا“.[117]
يُشِير ق. إبيفانيوس إلى أن المسيح هو ”الطريق“ لأننا نسير من خلاله نحو الملكوت وإلى الآب، وهو ”الباب“ لأننا ندخل من خلاله، فلا يوجد وسيلة أخرى للوصول إلى الملكوت وإلى الآب إلا بالمسيح، سواء قبل السقوط أو بعده. فلا يوجد عند الله مثل هذه التقسيمات، فالله ليس ردة فعل لشيء، ولم يتفاجئ بشيء، بل كل الأمور مكشوفة أمامه منذ الأزل، وهكذا بدون التجسُّد الإلهيّ في المسيح لا يمكننا أن نصل إلى الملكوت وإلى الآب كالتالي:
”فنحن نعرف سبب كتابة تلك الأشياء: ’الطريق‘ لأننا نسير من خلاله [المسيح] نحو الملكوت، إليه وإلى الآب؛ ’الباب‘ لأننا ندخل من خلاله“.[118]
ق. كيرلس الإسكندري
يُفسِّر ق. كيرلس الإسكندريّ عبارة قانون الإيمان ”هذا الذي من أجلنا نحن البشر“، بأن الابن تجسَّد من أجل إعلان أن الربَّ هو فوق الكل بالطبيعة والمجد، وتجسَّد من أجلنا، بمعنى أنه أراد أن يأتي إلى مشابهتنا ويُضِيء على العالم بالجسد، فالابن هو الوحيد المخبِر عن الآب الذي لم يره أحد قط، فكان لا بد أن يتجسَّد الابن سواء قبل السقوط أو بعده من أجل إعلان الله الثالوث القدوس في شخصه كالتالي:
”وبسبب هذا قالوا [آباء مجمع نيقية]: ’الذي لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا نزل وتجسَّد وتأنس‘. لاحظوا كيف تصير هذه العبارة بنظامٍ وترتيبٍ مناسبٍ جدًا. قد قالوا إنه نزل لكي نعرف بهذا أن الربَّ هو فوق الكل بالطبيعة وبالمجد، ونزل أيضًا من أجلنا، وأنا أعني أنه كانت له الرغبة في أن يأتي إلى مُشابهتنا، ويُضِيء على العالم بالجسد. لأنه مكتوب في سفر المزامير: ’سيأتي الله إلهنا ظاهرًا ولن يصمت‘ (مز 49: 3 سبعينية)“.[119]
لذا يُناقِش الأب سرجيوس بولجاكوف Sergius Bulgakov موضوع التجسُّد غير المشروط، مُستخدمًا نص قانون الإيمان النيقاوي القسطنطينيّ للتأكيد على تعليم التجسُّد غير المشروط كالتالي: ”السؤال الأعم والأكثر استباقية الذي ينشأ هنا هو هل التجسُّد هو وسيلة فقط للفداء ومصالحة الله مع الإنسان؛ أي هل بهذا المعنى هو نتيجة السقوط: ’فيا لا ذنب آدم السعيد‘، وفعل سوتيريولوچيّ [خلاصيّ]، أم هل بمعنى مُحدَّد هو مستقل عن السوتيريولوچيّ، وفعل مُحدَّد مسبقًا في حد ذاته. بمعنى آخر، كيف يُطرَح هذا السؤال عادةً في علم اللاهوت والآبائيات، ويتمُّ الإجابة عليه بالطريقتين، بالرغم من هيمنة التفسير السوتيريولوچيّ [الخلاصيِّ] للتجسُّد (خاصةً في علم الآبائيات). كما يُقدَّم التجسُّد عادةً أيضًا في الكتاب المقدَّس بعيدًا عن النصوص المقدَّمة أعلاه،[120] على أنه لخلاص الإنسان من الخطية، ورفع حمل الله خطايا العالم على نفسه على نحوٍ ذبائحيّ. ويتفق ذلك مع التحقيق الحقيقيّ والثابت للتجسُّد: ’من أجلنا، ومن أجل خلاصنا‘. ولكن الجزء الأول من صيغة قانون إيمان نيقية: ’من أجلنا‘ له معنى عام أكثر من استعماله المحدَّد في الجزء الثاني: ’من أجل خلاصنا‘. علاوة على ذلك، لا تشير النصوص المعروضة أعلاه إلى الهدف المباشر والفدائيّ [الخلاصيّ] للتجسُّد، بل إلى غايته النهائية والعالمية: غاية اتحاد وانجماع كل شيء سماويّ وأرضيّ في المسيح“.[121]
كما يُناقِش الأب سرجيوس بولجاكوف موضوع هل كان تدبير التجسُّد الأزليّ لسبق علم الله بسقوط الإنسان، فأعدَّ له التجسُّد أم أنه كان سيحدث سواء أخطأ أو لم يخطئ؛ حيث يرى أن القائلين أنه بسبب علم الله السابق بالسقوط فأعدَّ التجسُّد بأنهم يُقحِمون تصوراتهم البشرية، ويفرضونها على الله، ما يَعتبره أنثروبومورفيزم Anthropomorphism [أنسنة اللاهوت أو إقحام تصوُّرات بشرية على اللاهوت] كالتالي: ”ولا يوجد إما/أو بمحاذاة هاتين الغايتين، بل يوجد فقط كلاهما/و. فعلى وجه التحديد أكثر، المعضلة السوتيريولوچية [الخلاصية] مُتضمَنة في المعضلة الأسخاتولوچية [الأخروية] كالوسيلة في الغاية: فالفداء هو الطريق إلى ’مجدنا‘. لذلك ربما أفضل طريقة للإجابة على سؤال: هل كان من الممكن حدوث التجسُّد دون السقوط هي الاعتراض على السؤال نفسه كسبب غير منطقيّ، أو كأنثروبومورفيزيم Anthropomorphism [أنسنة اللاهوت] غير لائق من جهة أعمال الله“.[122]
يشرح الأب سرجيوس بولجاكوف عدم منطقية السبب أي أن السقوط فقط هو علة تجسُّد الله، حيث يقول التالي: ”يتشكَّل السبب غير المنطقيّ هنا في الاعتقاد بأنه لو لم يخطئ الإنسان، فكان من الممكن أن يترك الله نفسه بدون تجسُّد. وهكذا صار التجسُّد مُعتمِدًا على الإنسان، وبالأخص على سقوطه، وعلى خطيته الأولى، وبالتحليل النهائيّ، حتى على الحية [أي الشيطان]. ولكن تُشِير شهادات الكتاب المقدَّس المقتبَسة أعلاه إلى العكس، حيث كان سر التجسُّد مُعَدَّ ’قبل إنشاء العالم‘، أي أنه يُعبِّر عن العلاقة المقرَّرة والضرورية أكثر بين الله والعالم، وليس فقط بحدث مُعيَّن في حياة العالم، حتى لو كان حدثًا له أهمية ضرورية لأجلنا. فلم يستخدم العالم سقوط الإنسان لإجبار الله على أن يجعل نفسه مُتجسِّدًا (لأنه كيف يمكن للعالم أن يضطر الله على فعل أي شيء؟)، بل بالأحرى خلق الله العالم من أجل التجسُّد“.[123]
يُشِير الأب كاليستوس وير Kallistus Ware إلى تعليم الآباء الشرقيين بالتجسُّد غير المشروط كالتالي: ”التجسُّد هو فعل محبة الله للبشر. ويدَّعي العديد من المؤلفين الشرقيين بأنه حتى لو لم يكن الإنسان قد تعرَّض للسقوط، فإن الله في محبته للبشر، كان سيصير إنسانًا. ويقولون أيضًا إنه يقتضي فهم التجسُّد على أنه جزء من قصد الله الأزليّ، وليس مُجرَّد رد فعل على السقوط. تلك كانت وجهة نظر مكسيموس المعترف ومار اسحاق السريانيّ، وكذلك آراء بعض اللاهوتيين الغربيين، ولا سيما دنس سكوتس (1265-1038)“.[124]
الفصل الثامن
التجسد غير المشروط في الدراسات اللاهوتية الأكاديمية
الفصل الثامن: التجسد غير المشروط في الدراسات اللاهوتية الأكاديمية
سوف نستعرض في هذا الفصل موضوع التجسد غير المشروط بخطية آدم كما جاء في الدراسات الحديثة والمعاصرة لنرى موقف العالم الأكاديميّ من هذا الأمر.
جوهانس كواستن
يُؤكِّد عالم الآبائيات المعروف چوهانس كواستن على أن أساس التعليم اللاهوتي للقديس أثناسيوس المتعلِّق بعقيدة الفداء والخلاص يرتبط بالتأله كالتالي:
”إن أساس ما كان يدافع عنه ق. أثناسيوس فيما يخص اللوغوس هو عقيدة الفداء والعبارات التالية تعبر عن التعليم اللاهوتي للقديس أثناسيوس: ’لقد صار (كلمة الله) إنسانًا لكي ما يؤلهنا θεοποιηθώμεν […]‘ (تجسد الكلمة: ٥٤) […] لذلك يستدل ق. أثناسيوس على ضرورة تجسد الكلمة وموته من مشيئة الله لفداء البشر، فلم يكن ممكنًا أن نحصل على الفداء، إذا لم يكن الله نفسه قد صار إنسانًا، وإذا لم يكن المسيح هو الله، ولذا فإن اللوغوس باتخاذه الطبيعة البشرية، قد آلّه البشر، وقد غلب الموت ليس من أجل نفسه، بل من أجلنا كلنا“.[125]
توماس تورانس
يستفيض أكثر عالم الآبائيات المعروف توماس تورانس في التأكيد على حقيقة التعليم بالتجسد غير المشروط عند القديس أثناسيوس، وارتباطه بتكميل عقيدة الخلق من العدم عند الآباء، حيث يقول:
”لقد لعبت عقيدة التجسد دورًا إضافيًا في عقيدة (الخلق من العدم) عند الآباء، إذ كشفت أن العالم كان في وضع غير مستقر وغير ثابت تمامًا، مما استدعى من الله الابن أن يوحده بذاته لكي يحفظه وينقذه […] وهكذا بالنظر إلى التجسد بهذه الطريقة، فإنه ينبغي أن يُفهم على أنه (أي التجسد) يكمل عمل الخلق ويُتمِّم علاقة الخليقة (الاعتمادية) بالله، إذًا، فبصورة ما يجب اعتبار أن الخليقة من البداية كانت متوقفة على (أو مشروطة بـ) التجسُّد“.[126]
وبالتالي، يؤكد البروفيسور توماس تورانس على أن التعليم بالتجسد غير المشروط هو تعليمٌ أصيلٌ عند ق. أثناسيوس.
وهكذا يُفرِّق توماس تورانس بين أمرين هما قانون الموت وحكم الموت، فيرى أن:
- قانون الموت؛ أيّ أننا مخلوقون من العدم وإننا نؤول إلى العدم والفناء بحسب طبيعتنا العرضية الاعتمادية؛ التي تعتمد على الحياة المأخوذة من الله، وبدون الله نصير عدمًا كما كنا قبل الخلق، وآدم حتى وهو في الفردوس كان مُعرَّضًا لهذا الموت الطبيعيّ بحسب القانون الطبيعيّ لطبيعته العدمية.
- حُكم الموت أي ”يوم أن تأكل منها موتًا تموت“؛ وهنا المقصود هو رفض معية الله والإبحار في الله، وأستبدل الإنسان ذلك بالإبحار في ذاته بعيدًا عن معية وشركة الله، فأوقع نفسه بإرادته تحت حكم الموت؛ كما قال ق. غريغوريوس اللاهوتي: ”أنا اجتذبت لي قضية الموت“.
يشرح القديس أثناسيوس هذه المسألة في واحدة من أهم فقرات كتاب ”تجسد الكلمة“، فيقول:
”الله صالح، بل هو بالحري مصدر الصلاح. والصالح لا يمكن أن يبخل بأي شيء وهو لا يحسد أحدًا حتى على الوجود. ولذلك خلق كل الأشياء من العدم بكلمته يسوع المسيح ربنا، وبنوع خاص تحنن على جنس البشر. ولأنه رأى عدم قدرة الإنسان أن يبقى دائمًا على الحالة التي خُلق فيها، أعطاه نعمة إضافية، فلم يكتف بخلق البشر مثل باقي الكائنات غير العاقلة على الأرض، بل خلقهم على صورته، وأعطاهم شركة في قوة كلمته حتى يستطيعوا بطريقة ما – ولهم بعض من (ظل الكلمة) وقد صاروا عقلاء – أن يبقوا في سعادة ويحيوا الحياة الحقيقية، حياة القديسين في الفردوس“. [127]
يُؤكِّد ق. أثناسيوس هنا، في سياق شرحه لطبيعة آدم عند خلقه وقبل السقوط، على عدة أمور:
- خلقة الإنسان من العدم بواسطة اللوغوس أي يسوع المسيح ربنا.
- أعطى الله الإنسان نعمة إضافية وليس كما خلق الحيوانات العجماوات، بل خلقه على صورته في البر والقداسة والحكمة وإلخ.
- أعطاه شركة في قوة الكلمة، وأسماها أيضًا ظل الكلمة، وأسماها أيضًا بذرة اللوغوس Σπερματικός λόγος في كتابه ”ضد الوثنيين“، حيث يقول:
”لا أقصد باللوغوس (الأقنوم) تلك القوة الغريزية المودعة في كل الأشياء المخلوقة – التي أعتاد البعض أن يدعوها ببذرة الكلمة – والعديمة النفس والتي لا تملك المنطق والتفكير، لكنها تعمل من الظاهر حسب فطنة مَن يستخدمها“. [128]
- لو حفظ هذه النعمة الإضافية سيبقى في سعادة وحياة حقيقية وحياة القديسين في الفردوس، كلها مرادفات لمفهوم الشركة والمعية مع الله في الفردوس. ثم يكمّل ق. أثناسيوس قائلاً:
”ولكن لعلمه إن إرادة البشر يمكن أن تميل إلى أحد الاتجاهين (الخير أو الشر). سبق فأمَّن النعمة المعطاة لهم بوصية ومكان، فأدخلهم في فردوسه وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين عاشوا في الفردوس بدون حزن أو ألم أو هّم، بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء“.[129]
ويؤكد ق. أثناسيوس هنا أيضًا على عدة أمور:
- حرية الإرادة الإنسانية في اختيار الخير أي اختيار المعية والشركة الإلهية أو الشر الانفصال عن الله.
- تأمين النعمة السابقة المعطاة لهم (قوة/ظل/بذرة اللوغوس) بوصية ومكان.
- لو حافظوا على النعمة يستمرون صالحين في الفردوس بدون نتائج السقوط والعصيان (الحزن والألم والهم؛ وهي آلام نفسية صعبة أختبرها الإنسان بعد السقوط، لم تكن من قبل في طبيعته).
- ويشير ق. أثناسيوس هنا لنقطة محورية وهي ”الوعد بالخلود في السماء“، هل لو كان الإنسان مخلوق خالد بطبيعته هل يسمي ق. أثناسيوس هذا ”وعدًا“ أم يسميه حقيقة أصيلة في طبيعة الإنسان؟ ولكنه يسميه وعدًا؛ والوعد هو ما سيتحقق في المستقبل وليس في الحاضر، مما يؤكد أن الإنسان لم يكن خالدًا في الفردوس، بل كان مُعرضًا لقانون الموت الطبيعي؛ كما أسمَّاه توماس تورانس في الفقرة أعلاه.
ثم يكمّل ق. أثناسيوس في نفس السياق قائلاً:
”أمَّا إذا تعدوا الوصية وارتدوا (عن الخير) وصاروا أشرارًا فليعلموا أنهم سيجلبون الموت على أنفسهم بحسب طبيعتهم ولن يحيوا بعد في الفردوس، بل يموتون خارجًا عنه ويبقون إلى الأبد في الفساد والموت“. [130]
ويفرق ق. أثناسيوس هنا بين نوعين من الموت وهما:
- أ- الموت الطبيعي الذي اسماه ق. أثناسيوس ”بحسب طبيعتهم“، وأسماه تورانس ”قانون الموت“، بمعنى أن موت الإنسان كان سيحدث حتى لو لم يكن قد أخطأ لأنه بطبيعته مائت وعدمي وعرضي واعتمادي الوجود.
- ب- الموت الأبدي وهو الانفصال التام والنهائي عن الشركة الإلهية، والبقاء الأبدي في ذلك الموت خارج الفردوس؛ أي معية الله وشركته.
يكمل ق. أثناسيوس أيضًا في نفس السياق قائلاً:
”وهذا ما سبق وحذرنا منه الكتاب المقدس بفم الله قائلاً ’من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت‘ و ’موتًا تموت‘ لا تعني بالقطع مجرد الموت فقط، بل البقاء في فساد الموت إلى الأبد“. [131]
ويفرق ق. أثناسيوس هنا أيضًا بين نوعين من الموت هما:
- الأول اسمَّاه ”الموت فقط“ وهو قانون الموت الطبيعي مما يؤكد موت الإنسان الأول في الفردوس بسبب طبيعته العدمية العرضية الاعتمادية.
- الثاني اسماه ”البقاء في الموت إلى الأبد“ وهو حكم الموت الأبدي بالانفصال عن الله بتعدي الإنسان وعصيانه.
أخيرًا، يؤكِّد ق. أثناسيوس على حتمية التجسد غير المشروط بعصيان وخطية آدم -والذي قال عنه تورانس: ”أن الخليقة من البداية متوقفة على أو مشروطة بالتجسد“- في قوله:
”ولو أن الله قال كلمة واحدة – بسبب قدرته – وأبطل اللعنة، لظهرت قوة الذي أعطى الأمر ولكن الإنسان كان سيظل كما كان قبل العصيان لأنه سيحصل على النعمة من الخارج دون أن تكون متحدة مع الجسد – فهذه كانت الحالة عندما وُضِعَ في الجنة – بل ربما صارت حالته الآن أسوأ مما كان في الجنة بسبب أنه قد تعلم كيف يعصي. فلو كانت حالته هكذا وأغوي مرة أخرى بواسطة الحية لصارت هناك حاجة أخرى أن يأمر الله ويبطل اللعنة وهكذا تستمر الحاجة إلى ما لانهاية. وتظل البشر تحت الذنب بسبب استعبادهم للخطية إذ هم يقترفون الآثم. ولظلوا على الدوام لمَن يعفو عنهم ولما خلصوا قط. ولكونهم أجسادًا بحسب طبيعتهم فإنهم يظلون مقهورين دائمًا بالناموس بسبب ضعف الجسد“. [132]
ويُؤكِّد ق. أثناسيوس هنا على قانون الموت الطبيعي الذي خُلِق الإنسان به في الفردوس، حيث كانت له وهو في الجنة نعمة خارجية (ظل اللوغوس أو بذرة اللوغوس أو قوة اللوغوس)، ولكنه كان محتاجًا للتجسد الإلهي ليعطيه النعمة داخليًا ويتَّحد بها، وإنه كان سيموت بحسب القانون الطبيعي (قانون الموت) حتى لو لم يخطأ، ولم يأكل من الشجرة، ويتعدى على الوصية (حكم الموت)، وهكذا بتجسُّد الكلمة أزال كل من قانون الموت، وحكم الموت عن البشرية كلها في جسده، وضفَّر نعمة الحياة الأبدية والخلود والتأله بالنعمة بطبيعة جسدنا؛ وهكذا نلنا الشركة الأبدية مع الله في الكلمة المتجسِّد.
جوستاف ألين
يتحدَّث بروفيسور جوستاف ألين أيضًا عن تعليم التجسد غير المشروط عند ق. أثناسيوس كالتالي:
”لذلك يتساءل [أثناسيوس] في موضع ما (تجسد الكلمة: ٧) هل كان من الممكن أن يتخذ الله طريق آخر غير طريق التجسد، ويجيب [أثناسيوس] أنه من أجل الحصول على الخلاص، كان من الممكن أن يكفي جدًا أن يتوب الإنسان، إن كانت المشكلة الوحيدة هي مشكلة الخطية، وليس مشكلة الفساد والموت كنتيجة للخطية، ولكن بما أنه عن طريق الخطية، قد فقد البشر الصورة الإلهية، وصاروا خاضعين للموت، فلهذا السبب، كان ينبغي على الكلمة أن يأتي ويخلصهم من سلطان الفساد. يبدو أنه من مثل هذه الفقرات أن الحاجة إلى مجيء المسيح وعمله الفدائيّ قد نشأت بشكل خاص وحصريّ من نتائج الخطية، وليست من الخطية نفسها، وبالتالي، كان عمل المسيح له فقط علاقة غير مباشرة بالخطية. أما مثل هذا التفسير لم يكن فقط سواء لأثناسيوس، أو للآباء اليونانيين الآخرين. حيث لم يعتبر ق. أثناسيوس الخطية في الحقيقة هي السبب بشكل مجرّد للفساد، الذي أحتاج البشر الخلاص منه، بل لأنهم متجانسون ومتَّحِدون معه. وربما يمكن القول بأن عمل المسيح له علاقة مباشرة بالخطية، بحيث أنه جاء لكي ما يحطّم سلطان الخطية على الحياة البشرية. لقد جاء ’لكي ما يحرر الجميع من الخطية ولعنة الخطية، ولكي ما يحيا الجميع في الحق إلى الأبد أحرارًا من الموت، وليلبسوا عدم الفساد وعدم الموت‘ [ضد الآريوسيين ٢: ٦٩]، ويمكن القول حقًا أن غفران الخطايا لم يتمَّ التأكيد عليه بنفس القوة كما بواسطة المصلحين، فلم يتعمق اللاهوتيون اليونانيون مثل لوثر في ذلك. ولكن لا يبرر هذا الزعم بأن فكرة الخطية تأخذ مرتبة أدنى فقط، حيث أن مفهومه [أي أثناسيوس] عن الخلاص هو ببساطة ’مادي‘ و ’طبيعي‘، وهبة عدم الموت في الطبيعة البشرية هي من خلال طبيعة المسيح اللاهوتية“. [133]
لورانس جرينستيد
يوضح البروفيسور لورانس جرينستيد التقارب بين تعليم أثناسيوس بالتجسد غير المشروط وبين تعليم جون دانس سكوتس اللاهوتي اللاتيني عن نفس الموضوع، حيث يقول التالي:
”يبدأ الاختلاف بين النظامين [أيّ الأكوينيّ والسكوتيّ] من رأيهما عن التجسُّد، حيث يجادل سكوتس ضد أي صلة بين التجسد وسقوط الإنسان. حيث الرأي القديم للآباء اللاتين أن المسيح أخذ ناسوتًا لكي ما يسدّد دَّين الإنسان [أيّ التعليم اللاتينيّ الغربيّ]، فهو [دنس سكوتس] هنا يعطي مكانًا للرأي الذي يشبه كثيرًا جدًا رأي بعض الآباء اليونانيين الأوائل، وبشكلٍ دقيق رأي ق. أثناسيوس. ولكنه بالرغم من ذلك، لم يكن سكوتس مستيكيًا بالكفاية ليجعل رأيه الخاص هو المفهوم اليوناني للاتحاد الأبديّ بين الكلمة وخليقته. ولكن بالنسبة له أيضًا، التجسد هو حقيقة أزلية. على كل حال، كان ينبغي أن يأتي [الكلمة] ليكون الرأس الثاني للجنس البشري. حيث سبق تعيين واختيار طبيعته البشرية منذ كل الأزل، وكانت بشكل ما سابقة على السقوط“. [134]
هستنجس راشدال
يؤكد البروفيسور هستنجس راشدال على تعليم القديس أثناسيوس بعقيدة التجسد غير المشروط من أجل إعطاء الإنسان هبة عدم الفساد وعدم الموت كالتالي:
”يحاول ق. أثناسيوس أن يبين أن القابلية للفساد ليست عقوبةً جزائيةً فرضها الله، بل هي نتيجةٌ طبيعيةٌ وحتميةٌ للخطية. لم يكن الإنسان بالطبيعة غير قابل للفساد أو غير قابل للموت، بل كان جسده، وكما يبدو بوضوحٍ حتى نفسه العاقلة، قابلين للموت بالطبيعة. ولكن خُلق الإنسان فقط بين الحيوانات على ’صورة الله‘، وينبغي القول بأنه هو الوحيد الممنوح هبة العقل، التي تحمل معها فرصة الفوز بعدم الفساد من خلال الفعل الحر بحسب العقل، وكانت هذه الهبة بسبب الشركة مع اللوغوس (تجسد الكلمة ٣: ٣)“. [135]
ويُعلِّق راشدال على الفقرة السابقة في حاشية رقم (3) ومفهوم ق. أثناسيوس عن حالة الإنسان قبل السقوط وبعده قائلاً:
”يبدو أن الفقرات التالية تفترض أن أثناسيوس ظن أنه بعد السقوط، توقف الإنسان بالفعل عن أن يكون خالدًا، وأن نفوس البشر ماتت مع أجسادها، وظلت مائتةً حتى أعاد عمل المسيح عدم الموت (الخلود) إلى النفس والجسد على حد السواء، بينما لا يدعم أثناسيوس (مثل أوغسطينوس) إنه لن يكون هناك موت جسدي إلا بسبب السقوط (تجسد الكلمة ٣: ٤)“. [136]
يُؤكِّد البروفيسور راشدال في الحاشية السابقة على أن ق. أثناسيوس يختلف في تعليمه عن ق. أوغسطينوس، حيث يعلم الأخير بأنه لا يوجد أي موت سواء جسدي أو روحي قبل السقوط، وأن الموت الجسدي والروحي بسبب السقوط، بينما يعلم ق. أثناسيوس أن الموت الجسدي كان موجود قبل السقوط، طالما أخذ الإنسان جسد مُتغيِّر طبيعي يأكل ويشرب وينمو ويتكاثر ويثمر، فهو بالتالي قابل للفساد الطبيعي، وبالتالي قابل للموت الطبيعيّ (البيولوجيّ الإكلينيكيّ)، وإلا كان جسد غير طبيعي أو فوق الطبيعي، وهذا لا يتفق مع كونه خاضعًا للاحتياجات البشرية العادية، وقابل للموت البيولوجي الطبيعي، حيث يؤكد أثناسيوس والآباء السابقين واللاحقين له أن الإنسان لم يكن خالد بالطبيعة، بل كان سيُعطى نعمة الخلود وعدم الموت باتحاد الكلمة به لكي يهبه الحياة الأبدية وعدم الموت.
[1] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، ٢: ٢٢: ٧٧، ص 272، 273.
[2] Justin Martyr, Fragment 5, Otto, Corpus Apologet. Christian. Vol. III, p. 250ff & see Clark, ANF03, p. 358
[3] ثيؤفيلوس الأنطاكي (قديس)، الرد على أتوليكوس، ترجمة: عادل ذكري، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، ٢٠١٩)، ٢: ٢٥، ص ٨٠.
[4] المرجع السابق، ٢: ٢٧، ص ٨٢.
[5] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٩)، ٤: ٣٨: ١، ص ٢٥٨-٢٥٩.
[6] إيرينيؤس (قديس)، برهان الكرازة الرسولية، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. چورچ عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٠٩)، فصل ١٢، ص ٧٨.
[7] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٩)، ٤: ٣٨: ١، ص ٢٥٩.
[8] Clement of Alexandria, ANF02, trans. by Alexander Roberts & James Donaldson, ed. Philip Schaff, CCEL, Stromata 6: 12, p. 1069.
[9] Tertullian, ANF03, trans. by Dr. Holmes, Ed. by Philip Schaff, CCEL, Against Marcion 2: 25, p. 444.
[10] ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، الكتابات النسكية المسيحية الأولى (وليمة العشر عذراى)، ترجمة: الراهب تيموثاوس المحرقي، (القاهرة، ٢٠٠٩)، ١: ٤، ص ٩٨.
[11] ديونيسيوس الإسكندري (قديس)، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير: معلم الكنيسة الجامعة، ترجمة وإعداد: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017)، شذرات على سفر أيوب، ص ٢٢٩.
[12] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٠٣)، ٤: ٦، ص 11-12.
[13] المرجع السابق، 5: 1، ص 13.
[14] غريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز القبطي الأرثوذكسي، ٢٠١٥)، العظة الفصحية الثانية : 7، ص ٢٣.
[15] غريغوريوس النيسي (قديس)، خلق الإنسان، ترجمة: المطران كيرلس بسترس والأب نقولا بسترس، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٢١)، فصل ١٦، ص ٨٦-٨٧.
[16] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج١، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص ١٣١-١٣٢.
[17] أوغسطينوس أسقف هيبو، مدينة الله مج٢، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، (لبنان: دار المشرق، ٢٠١٥)، ١٣: ١، ص ١٠٩.
[18] يوحنا الدمشقي (أب)، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، ترجمة: الأرشمندريت أدريانوس شكور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ١٩٨٤)، ٢: ٢٦: ١٢، ص ١١٥-١١٦.
[19] يعقوب الرهاوي (مار)، الأيام الستة، ترجمة: متروبوليت غريغوريوس صليبا، ١٩٩٠، مقالة ٧، ص ٢٢٨-٢٢٩.
[20] ديونيسيوس بن الصليبي (مار)، الدر الفريد في تفسير العهد الجديد ج٢، ترجمة: الراهب عبد المسيح الدولباني السرياني، (لبنان، ٢٠١٧)، تعليق على (يو ٣: ١٣)، ص ٣٦٣.
[21] غريغوريوس بن العبري (مار)، منارة الأقداس، ترجمة: مار ديونيسيوس بهنام، (سوريا: دار ماردين للنشر، ١٩٩٦)، ٣: ١، ص ٣٦٣.
[22] سويروس يعقوب البرطلي (مار)، الكنوز، ترجمة: الشماس بهنام دانيال، (سوريا: دار ماردين للنشر، ٢٠٠٧)، فصل ٣٢، ص ٢٤٢.
[23] يوستينوس الشهيد (قديس)، القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد (الدفاعان والحوار مع تريفون ونصوص أخرى)، ترجمة: أ. آمال فؤاد، (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي، 2012)، الحوار مع تريفون اليهودي : 124، ص 299.
[24] المرجع السابق، خطاب إلى اليونانيين : 5، ص 387.
[25] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، ٤: ٣٨: ٤، ص 261.
[26] المرجع السابق، ٣: ١٨: ٧، ص ٩٤.
[27] ثيؤفيلوس الأنطاكي (قديس)، الرد على أتوليكوس، ترجمة: عادل ذكري، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2019)، ٢: ٢٧، ص 82.
[28] أثيناغوراس الأثيني (فيلسوف)، أثيناغوراس الفيلسوف الأثيني، ترجمة: مارك ألفونس، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017)، مقالة عن قيامة الأموات، الفصل ١٢، ص 143، 144.
[29] Tertullian, ANF03 (Against Marcion), Trans. by Dr. Holmes, Edit. By Phillip Schaff, (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library, 1845- 1916), 2: 25, p. 444.
[30] نوفاتيان (الأفريقي)، عن الثالوث، ترجمة: د. عادل ذكري، (القاهرة: دار رسالتنا للنشر والتوزيع، 2022)، 15: 9، ص 76.
[31] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، ٣: ٤، ص 8، 9.
[32] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، ٢: ٢١: ٦٦، ص 256.
[33] المرجع السابق، ٢: ٢١: ٦٧، ص 257.
[34] المرجع السابق، 2: 21: 68، ص 259.
[35] المرجع السابق، ٣: ٢٧: ٣٨، ص 344.
[36] كيرلس الأورشليمي (قديس)، العظات للموعوظين، ترجمة: الأب چورچ نصور، (لبنان: جامعة الكسليك، 1982)، عظة 4: 18، ص 63.
[37] أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، شرح الإيمان المسيحي، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 3: 3: 19، 20، ص 164، 165.
[38] غريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة (العظة الفصحية الثانية)، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2015)، عظة 45: ٧، ص 23.
[39] غريغوريوس النيسي (قديس)، تعليم الموعوظين، ترجمة: د. چورچ فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2022)، 2: 5: 5-6، ص 124، 125.
[40] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 3، ص 36.
[41] مكاريوس الكبير (قديس)، العظات الخمسون، ترجمة: الراهب يونان المقاري، إشراف: نيافة الانبا إبيفانيوس المقاري، (وادي النطرون: دير القديس أبو مقار، 2019)، عظة 1: 10-12، ص 133، 134.
[42] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص 131، 132.
[43] المرجع السابق، ص 83.
[44] المرجع السابق، تعليق على (يو 1: 4)، ص 83-84.
[45] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص ٢١٤.
[46] المرجع السابق.
[47] المرجع السابق، ص ٢١٥.
[48] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص 83، 84.
[49] أوغسطينوس أسقف هيبو، مدينة الله ج٣، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، (لبنان: دار المشرق، ٢٠١٤)، ٢٢: ٣٠، ص ٤١٣.
[50] أوغسطينوس أسقف هيبو، العظات على المزامير ج5، ترجمة: سعد الله سميح جحا، (لبنان: دار المشرق، 2018)، عظة 16 على (مز 118) : 1، ص 399.
[51] مكسيموس المعترف (أب)، الفيلوكاليا مج2، ترجمة: الراهب أغاثون الأنطوني، مراجعة: نيافة الأنبا يسطس، (القاهرة، 2017)، نصوص متنوعة في علم معرفة الله والتدبير الإلهي والفضيلة والرذيلة 1: 42، ص 167.
[52] يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، ترجمة: الأرشمندريت أدريانوس شكور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1984)، 2: 26: 12، ص 115، 116.
[53] إيروثيوس فلاخوس (متروبوليت)، الأعياد السيدية، ترجمة: الأب أنطوان ملكي، (لبنان: مكتبة البشارة، بانياس، 2017)، القسم الثاني، ص 362.
[54] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، ٣: ١٩: ١، ص ٩٥، ٩٦.
[55] المرجع السابق، ٣: ١٨: ٦، ص ٩٤.
[56] نوفاتيان (الأفريقي)، عن الثالوث، ترجمة: د. عادل ذكري، (القاهرة: دار رسالتنا للنشر والتوزيع، 2022)، 23: 6-8، ص 111.
[57] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، ٥٤: ٣، ص 159.
[58] أثناسيوس (قديس)، المسيح في رسائل القديس أثناسيوس، ترجمة: أ. صموئيل كامل ود. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، الرسالة إلى أدلفيوس المعترف : 4، ص 27.
[59] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 2: 21: 70، ص 261-262.
[60] المرجع السابق، 1: 11: 45، ص 116.
[61] المرجع السابق، 3: 26: 34، ص 338.
[62] أثناسيوس الرسولي (قديس)، إطلالات على تراث الأدب القبطيّ ج1 (الرسالة إلى العذارى)، ترجمة: د. صموئيل قزمان معوض، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2022)، مقطع 40، ص 165.
[63] المرجع السابق، مقطع 43، ص 166-167.
[64] كيرلس الأورشليمي (قديس)، العظات للموعوظين، ترجمة: الأب چورچ نصور، (لبنان: جامعة الكسليك، 1982)، عظة 12: 1، ص 182.
[65] Hilary of Poitiers, The fathers of the church vol. 125 (Commentary on Mathew), Trans. By D. H. Williams, Edit. By David G. Hunter, (Washington DC: The catholic University of America Press, 2012), on Mt 5: 15, p. 84.
[66] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير أنبا أنطونيوس، 2017)، ١٠: ٧، ص 690.
[67] المرجع السابق، ١٠: ٧، ص ٦٩٠.
[68] أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، سر تجسد الرب، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، 8: 85، ص 106.
[69] المرجع السابق، 4: 23، ص 53، 54.
[70] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، خطبة ٢٩: ١٩، ص 100.
[71] غريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات على عيد القيامة (العظة الفصحية الأولى)، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2015) 44: 5، ص 15.
[72] غريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس غريغوريوس النزينزي اللاهوتي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية والمعمدين، ص 164.
[73] Gregory of Nyssa, Or. Cat: 37, PG 45.97b.
[74] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 11، ص 107.
[75] يوحنا ذهبي الفم (قديس، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 80، ص 128.
[76] أفرام السرياني (مار)، أناشيد الإيمان ج١ (١- ٤٠)، ترجمة: الخوري بولس الفغالي، (لبنان: منشورات الجامعة الأنطونية، ٢٠٠٧)، نشيد ٥: ١٧، ص ٤٣.
[77] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، تعليق على (يو 20: 17)، ص 497.
[78] المرجع السابق، تعليق على (يو 14: 5-6)، ص 150.
[79] كيرلس الإسكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 23: 11، ص 356.
[80] المرجع السابق، مقالة 24: 13، ص 370.
[81] أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، ١: ١٣: ٢٨، ص 153.
[82] أوغسطينوس أسقف هيبو، عظات في المزامير ج٢، ترجمة: سعد الله سميح جحا، (لبنان: دار المشرق، ٢٠١٤)، عظة ٥٨: ٧، ص ٥٥٨.
[83] أوغسطينوس أسقف هيبو، العظات على المزامير ج5، ترجمة: سعد الله سميح جحا، (لبنان: دار المشرق، 2018)، عظة 16 على (مز 118) : 6، ص 402.
[84] Tractatus tres de trinitate et incarnatione, 299: 15 = 15- 129: 2.
[85] Ibid, 8- 243. 7.
[86] يعقوب السروجي (مار)، ميامر مار يعقوب السروجي مج١، ترجمة: الأب د. بهنام سوني، (بغداد، ٢٠٠٣)، ميمر ٦: ٤٨٦، ٤٨٧، ص ٤٨٦.
[87] المرجع السابق، ميمر ٩٤: ١٦٥- ١٦٧، ص ١٤٩٨.
[88] مكسيموس المعترف (أب)، الفيلوكاليا مج2، ترجمة: الراهب أغاثون الأنطوني، مراجعة: نيافة الأنبا يسطس، (القاهرة، 2017)، مئتا نص في علم معرفة الله والتدبير الإلهي لتجسد ابن الله كُتِبَت إلى طلاسيوس، 2: 25، ص 138، 139.
[89] المرجع السابق، نصوص متنوعة في علم معرفة الله والتدبير الإلهي والفضيلة والرذيلة، 2: 26، ص 187.
[90] مكسيموس المعترف (أب)، الفيلوكاليا مج2، ترجمة: الراهب أغاثون الأنطوني، مراجعة: نيافة الأنبا يسطس، (القاهرة، 2017)، في الصلاة الربانية (تفسير مختصر مرسل إلى مسيحي ورع)، ص 278.
[91] إيروثيوس فلاخوس (متروبوليت)، الأعياد السيدية، ترجمة: الأب أنطوان ملكي، (لبنان: مكتبة البشارة، بانياس، 2017)، القسم الثاني، ص 369.
[92] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس فلتس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 41: 4، ص 119.
[93] المرجع السابق، 11: 3، ص 29.
[94] المرجع السابق، 14: 6، ص 42.
[95] المرجع السابق، 42: 6، ص 122، 123.
[96] المرجع السابق، 54: 3، ص 159، 160.
[97] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 2: 20: 56، ص 242.
[98] توماس ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، (القاهرة: باناريون للتراث الآبائي، 2010)، ص75، 76.
[99] يناقش روبرت من دويتش قضية التجسُّد غير المشروط على النحو التالي: ”هنا من المناسب أولاً أن نسأل هل كان ابن الله، الذي يتناوله الخطاب، سيصير إنسانًا أم لا، حتى لو لم تدخل الخطيئة التي يموت بسببها الجميع. لا شك أنه لم يكن ليصير مائتًا ويتَّخذ جسدًا مائتًا لو لم تحدث الخطيئة وتسبَّبت في أن يصبح الإنسان مائتًا؛ فلا يمكن إلا لغير المؤمن أن يجهل هذا الأمر. والسؤال هو: هل كان هذا ليحدث؟ وهل كان من الضروريّ بطريقةٍ ما للبشرية أن يصير الله إنسانًا، رأسًا وملكًا للجميع، كما هو الآن؟ وما هي الإجابة؟“. ثم يقتبس روبرت من أوغسطينوس بخصوص سبق التعيين الأزليّ للقديسين (مدينة الله 14: 23)، ويتابع قائلاً: ”بما أنه فيما يتعلَّق بالقديسين وجميع المختارين، فلا شك أنهم سيوجدون جميعًا حتى العدد المعيَّن في خطة الله، الذي يقول عنه في البركة قبل الخطيئة: ’اثمروا وأكثروا‘، فمن السخافة أن نعتقد أن الخطيئة كانت ضروريةً للوصول إلى هذا العدد، فما ينبغي أن نفكر في رأس وملك كل المختارين، الملائكة والبشر، إلا أنه لم يكن لديه حقًا سببًا ضروريًا ليصير إنسانًا، ولكن ’لذات محبته ستكون مع بني البشر‘ (أم 8: 31). لذلك، نقول على الأرجح، وليس أكثر، أن الإنسان [خُلِقَ] ليُشكِّل عدد الملائكة [أيّ هؤلاء الساقطون]، ولكن الملائكة والبشر قد خُلِقوا بسبب إنسان واحد، يسوع المسيح، حتى أنه، كما وُلِدَ هو نفسه إلهًا من إله، وكان لا بد أن يوجد إنسانًا، وكان لديه عائلةً مُعدّةً من كلا الجانبين […] فمنذ البداية، قبل أن يخلق الله أيّ شيء، كان في خطته أن يتجسَّد كلمة الله [اللوغوس]، الله الكلمة [اللوغوس]، ويسكن بين البشر بحبٍ عظيمٍ وأعمق اتضاع، وهما مسراته الحقيقية (أم 8: 31)“.
See Rupertus Tuitensis, De Gloria et honore Filii hominis super Matthaeum, lib. 13, (M., P.L. 148, col. 1628); Cf. also Glorijicatione Trinitatis, lib. 3, 20 (M., P.L. 169, col. 72).
[100] يرفض أونوريوس من أوتون أن تكون خطيئة آدم هي سبب تجسد المسيح، ويرى أن سبب تجسد المسيح هو تحديد الله مسبقًا منذ الأزل أن يتأله الإنسان من خلال التجسد الإلهيّ قائلاً: ”ولذلك، فإن خطيئة الإنسان الأول لم تكن سبب تجسد المسيح، بل كانت سبب الموت والدينونة. كان سبب تجسد المسيح هو تحديد تأليه الإنسان مسبقًا. لقد كان الله قد حدَّد مسبقًا منذ الأزل أن يتأله الإنسان، لأن الربَّ قال: ’أيها الآب، لقد أحببتهم قبل إنشاء العالم‘ (يو 17: 24)، أيّ أولئك الذين يتألهون بواسطتي […] كان من الضروريّ، إذًا، أن يتجسَّد، حتى يمكن تأليه الإنسان، وبالتالي، لا يتبع ذلك أن الخطيئة كانت سبب تجسُّده، ولكن يتبع ذلك بشكلٍ أكثر منطقيةً أن الخطيئة لا يمكن أن تُغيِّر خطة الله لتأليه الإنسان؛ لأن سلطة الكتاب المقدس والمنطق الواضح يعلنان في الواقع أن الله كان ليتَّخذ إنسانًا حتى لو لم يخطئ الإنسان أبدًا“.
See Honorius of Autun, Libellus Octo quaestionum de angelis et bomine, Cap. 2 (M., P.L. 172, col. 72).
[101] Alexander Halensis, Summa Theologica, ed. ad. Claras Aquas, dist. 3, q. 3, m. 3.
[102] يقول ألبرتوس ماجنوس التالي: ”وفيما يتعلَّق بهذا السؤال، لا بد من القول أن الحل غير مؤكَّد، ولكن بقدر ما أستطيع التعبير عن رأيي، فأنا أعتقد أن ابن الله كان ليصير إنسانًا حتى لو لم تكن الخطيئة موجودةً أبدًا“.
See Albertus Magnus, In 3, 1. Sententtarum, dist. 20, art. 4, ed. Borgnet, t. 28, 361.
[103] يناقش دنس سكوتس قضية التجسد غير المشروط بخطية آدم في سياق عقيدة سبق التعيين والاختيار الأزلي كالتالي: ”ولكني أقول مع ذلك إن السقوط ليس سببًا في سبق تعيين المسيح. فحتى لو لم يسقط ملاكٌ واحدٌ أو إنسانٌ واحدٌ، لكان الله قد اختار المسيح مسبقًا على هذا النحو – حتى لو لم يخلق غيره بل المسيح فقط. وأنا أثبت ذلك على هذا النحو: إن كل مَن يريد بنظامٍ يريد أولاً غايةً، ثم يريد على الفور تلك الأشياء التي تؤدي إلى الغاية فورًا. ولكن الله يريد بنظامٍ أكثر؛ ولذلك فهو يريد على هذا النحو: فهو أولاً يريد ذاته وكل ما هو جوهريّ بالنسبة له؛ وبصورةٍ مباشرةً أكثر، فيما يخص الأمور الخارجية، فهي روح المسيح. ولذلك، فإنه فيما يتعلَّق بأيّ استحقاق وقبل أيّ استحقاق متوقع، فإنه يرى مسبقًا أن المسيح لا بد وأن يتَّحد به في اتحادٍ جوهريّ […] فيكون التدبير وسبق التعيين كاملين أولاً فيما يتعلَّق بالمختارين، ثم يتمُّ عمل شيءٌ ما من ناحية المرفوضين كعملٍ ثانويّ، لئلا يفرح أحدٌ كما لو كان فقدان آخر مكافأةً لنفسه؛ لذلك، قبل السقوط المتوقع، وقبل أيّ خلل، كانت العملية برمتها الخاصة بالمسيح متوقعةً […] لذا أقول هذا: أولاً، يحب الله ذاته؛ ثانيًا، يحب ذاته من خلال الآخرين، وهذا الحب نقيّ؛ ثالثًا، يريد أن يحبه شخصٌ آخر، شخصٌ يمكنه أن يحبه لأقصى درجة (عند الحديث عن محبة شخص خارجيّ)؛ رابعًا، يرى اتحاد تلك الطبيعة التي ينبغي أن تحبه إلى أقصى درجة، على الرغم من عدم سقوط أحد (أيّ حتى لو لم يسقط أحدٌ) […] وبالتالي، في الحالة الخامسة، يرى وسيطًا قادمًا سيتألم ويفدي شعبه؛ لم يكن ليأت وسيطًا ليتألم ويفدي، لو لم يخطئ أحدٌ أولاً، ولو لم ينتفخ مجد الجسد بالكبرياء، ولو لم يكن هناك شيءٌ يحتاج إلى الفداء؛ وإلا لكان على الفور هو المسيح الممجَّد بالكامل“.
See John Duns Scotus, Opus Oxoniense 13, dist. 19, ed. Wadding, t. 7, p. 415; Cf. Reportata Parisiensia, lib. 3, dist. 7, q. 4, Schol. 2, ed. Wadding, t. 11. 1, p. 451.
[104] چورچ فلوروفسكي (أب)، التجسد والفداء (مقالات لاهوتية)، ترجمة: د. جرجس كامل يوسف، (القاهرة: جذور للنشر، 2016)، ص 105، 106.
[105] المرجع السابق، ص 106.
[106] المرجع السابق، ص106، 107.
[107] المرجع السابق، ص 107.
[108] المرجع السابق، ص108.
[109] المرجع السابق، ص 108، 109.
[110] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 2: 18: 37، ص 211.
[111] كيرلس الإسكندري (قديس)، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، مقالة 5، ص 202-203.
[112] مكاريوس الكبير (قديس)، العظات الخمسون، ترجمة: الراهب يونان المقاري، إشراف: نيافة الأنبا إبيفانيوس المقاري، (وداي النطرون: دير القديس أبو مقار، 2019)، عظة 31: 4، ص 470.
[113] غريغوريوس النيسي (قديس)، خلق الإنسان، ترجمة: المطران كيرلس سليم بسترس والأب نقولا بسترس، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 2021)، الفصل 19، ص 104.
[114] أوغريس البنطي (مار)، مار أوغريس البنطي، إعداد: الراهب أوغريس البنطي، مراجعة: نيافة الأنبا إيسيذورس، (وادي النطرون: دير السيدة العذراء البرموس، 2021)، كيفالايا غنوستيكا أو فصول غنوسية، 5: 69، ص 214.
[115] المرجع السابق، أقوال روحية 3: 17، ص 594.
[116] غريغوريوس بن العبري (مار)، الأشعة، ترجمة: المطران صليبا شمعون، (سوريا، 2016)، 7: 10: 4، ص 209.
[117] إبيفانيوس أسقف سلاميس (قديس)، أنكوراتوس (المثبَّت بالمرساة)، ترجمة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، تقديم: نيافة الأنبا يسطس، (البحر الأحمر: دير أنبا أنطونيوس، 2018)، 43: 9، ص 249.
[118] المرجع السابق، 45: 5، ص 253.
[119] كيرلس الإسكندري (قديس)، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، ترجمة: د. موريس تاوضروس ود. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، الرسالة رقم 55 في شرح قانون الإيمان : 19، ص 244.
[120] يقصد النصوص التالية: (1بط1: 19-20؛ 1كو2: 7؛ أف1: 4؛ أف1: 5، 6؛ يو3: 16-17؛ 1يو4: 9، 19).
[121] Sergius Bulgakov, The Lamb of God, Trans. by Boris Jakim, (USA & U.K: Grand Rapids, Michigan/Cambridge, 2008), p.180.
[122] Ibid.
[123] Ibid.
[124] كالستوس وير (أب)، الكنيسة الأرثوذكسية: إيمان وعقيدة، (القاهرة: جذور للنشر، 2016)، ص35.
[125] چوهانس كواستن، علم الآبائيات ”باترولوجيا“ مج٣، ترجمة: الراهب غريغوريوس البرموسي ود. نارد مدحت، (القاهرة: إصدار باناريون للتراث الآبائي، 2022)، ص ٩٢، ٩٣.
[126] توماس تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، (القاهرة: إصدار باناريون، ٢٠١٠)، ص ١٤٥، ١٤٧.
[127] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس فلتس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، ٣: ٣.
[128] أثناسيوس (قديس)، ضد الوثنيين، ترجمة: د. جوزيف موريس فلتس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، ٤٠: ٤.
[129] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس فلتس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، ٣: ٤.
[130] المرجع السابق، ٣: ٤.
[131] المرجع السابق، 3: 6.
[132] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، ٢: ٦٥.
[133] Aulén, Gustaf, Christus Victor, trans. by A. G. Hebert, (London: S. P. C. K, 1975), p. 43 & 44.
[134] Grensted, L. W., A short History of The Doctrine of Atonement, (London & New York: Manchester University Press, 1920), p. 158.
[135] Rashdal, Hastings, The Idea of Atonement in Christian Theology, (London: MACMILLAN & CO., 1919), Lect 4, p. 296.
[136] Ibid, p.296, n.3.