كتاب تجسد الكلمة (كتاب صوتي) للقديس أثناسيوس الرسولي كتاب صوتي
الاستماع للكتاب
كتاب تجسد الكلمة (كتاب صوتي) للقديس أثناسيوس الرسولي كتاب صوتي
رابط الكتاب الصوتي: كتاب تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس صوتيا
تقديم الناشر [1]
أول كتاب من كتابات الآباء، صدر مترجمًا باللغة العربية في القرن العشرين هو كتاب ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” للقديس أثناسيوس الرسولي. وقد ترجمه عن الإنجليزية القس مرقس داود 1942م، وكان وقتها اسمه حافظ داود (قبل الكهنوت)، وقد نشرته جمعية نشر المعارف المسيحية وأعيد طبعه عدّة مرّات. وعلى مدى ستين عامًا استمر الكثيرون ينهلون من فكر القديس أثناسيوس بواسطة أسلوب القس مرقس داود نيح الله نفسه.
لكن بعد مرور أكثر من خمسين عامًا على الترجمة القديمة، وبعد الدراسات الكثيرة التي جرت في العالم كله حول نصوص كتابات وتعاليم القديس أثناسيوس الرسولي اللاهوتية وحول كتابه هذا عن ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” بصفة خاصة، أصبح هناك احتياج لعمل ترجمة جديدة عن اليونانية تكون أكثر وضوحًا في عرض تعاليم القديس أثناسيوس.
وهذا هو العمل الذي انشغل به الدكتور جوزيف موريس فلتس في السنوات الأخيرة، لإعداد هذه الترجمة عن اللغة اليونانية التي كتب بها القديس أثناسيوس، إذ أن كتاب ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” كان أحد النصوص التي قام الدكتور جوزيف بدراساتها في رسالته للدكتوراه عن القديس أثناسيوس والأسقف بولس البوشى، بجامعة أثينا عام 1994م.
هذه الترجمة الجديدة تتميّز بمقدمة وافية، وبملاحظات كثيرة في الهامش، من إعداد الدكتور جوزيف. وألحق بها في نهاية الكتاب فهارس متعددة للكلمات والمصطلحات والأماكن… إلخ. وقد كان لى نصيب من البركة أن أشترك معه في ترجمة النصف الثاني من هذا الكتاب.
هذا الكتاب للقديس أثناسيوس يستحق اهتمامًا كبيرًا ومدققًا من كل مسيحى مثّقف، ويحتاج للقراءة المتأنية، وأن تُعاد قراءته أكثر من مرّة، فهو يعالج قلب الإيمان المسيحى ومحوره ” المسيح الإله المتجسّد “.
فليبارك الرب في هذا العمل، ويعوض الدكتور جوزيف عن المجهود الضخم الذي بذله في ترجمة وإخراج هذا الكتاب بهذه الصورة الجيدة.
بصلوات السيدة العذراء ” ثيئوتوكس ” والدة الكلمة المتجسد وصلوات القديس البابا أثناسيوس الرسولي وجميع الآباء القديسين، وصلوات قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
ولإلهنا القدوس المحب، الآب والابن والروح القدس،
كل مجد وسجود وتسبيح، الآن وإلى الأبد. آمين
19 أغسطس 2002م الموافق 13 مسرى 1817ش عيد تجلي السيد المسيح على جبل طابور |
دكتور نصحي عبد الشهيد مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية |
مقدمة المُترْجِم
الآباء هم أعضاء حيّة في الكنيسة جسد المسيح. والكنيسة عاشت وتعيش تعاليمهم الأرثوذكسية الأصيلة مقتفية آثار تقواهم، إذ أنها رأت فيهم بوعيها العميق استمرارًا وامتدادًا للرسل. فقد سلّم الرسل الاثنا عشر خدمتهم الشخصية وهي التعليم لآباء الكنيسة، كما يقول القديس إيريناؤس[2]. وهذا ما دعا كنيستنا المُلْهَمَة بالروح أن تُلَقِّب أبًا ومعلّمًا عظيمًا فيها، وهو القديس أثناسيوس، بلقب “الرسولي”، أي أنه امتداد للرسل في القول والفعل، فترتل له قائلة: ” أيها الراعى الأمين الذي لقطيع المسيح، البطريرك المُكَرَّم أثناسيوس رئيس الكهنة، الذي بتعاليمه المقدسة مَلأْت العالم كله، الذي صار رسولاً مثل التلاميذ في القول والفعل”[3].
ولقد تنبهت الكنيسة كلها ومنذ وقت مبكر جدًا لقيمة إسهامات القديس أثناسيوس اللاهوتية بكتاباته وتعاليمه، في تحديد وصياغة مضمون الإيمان والمحافظة على ذلك التقليد الرسولي الذي استلمته الكنيسة من تلاميذ الرب نفسه، بل ولترتيبه ” للمعرفة الإلهية ” كما يذكر القديس كيرلس عنه[4]. فلهذا دعته بلسان القديس غريغوريوس اللاهوتي “بعمود الكنيسة”[5].
لقد كانت محبة القديس أثناسيوس للسيد المسيح، ويقينه من صلاح الله ومحبته للبشر، هما المفتاح ليس لكل حياة هذا الأب والمعلّم فقط، بل لكل كتاباته[6]. ولهذا نجد أن شخص السيد المسيح الكلمة المتجسد، يحتل مكان الصدارة في كل تعاليمه، ومعرفته والإيمان به هو ” أسمى من أى شئ آخر على الاطلاق “[7].
فالواقع كان هدف كتابات القديس أثناسيوس إثبات ألوهية السيد المسيح، الكلمة المتجسد. فهو الذي خُلق به العالم وبه جُددت الخليقة كلها ” وهكذا يستطيع المرء أن يدرك أن تجديد الخليقة قد تم بواسطة الكلمة الذي هو خالق الخليقة في البدء”[8]. وفي إيضاحه لهذه الحقيقة، يشرح لماذا اتخذ الكلمة الأزلى طبيعتنا البشرية، ثم أخذ يعدّد أهداف التجسد شارحًا إياها بأسلوب أخضع فيه العقل للإيمان. فقد كان اهتمامه الأساسى هو التعبير عن التقليد الكنسى الذي استلمه، وليس الخوض في أمور ميتافيزيقية افتراضية.
لقد كان شاغله الأول هو النمو الروحى للإنسان المسيحى، وتوضيح أن معرفة الله، تأتى فقط من خلال الإيمان بالمسيح، لهذا كان يركّز في تعاليمه على عقيدة تجسد ابن الله والفداء الذي قدّمه للبشرية، وهذا حسب تعاليم القديس أثناسيوس يستلزم الإيمان السليم بألوهية السيد المسيح وإنسانيته معًا، وذلك في مقابل الفكر الآريوسى الخاطئ الذي كان يحاول أن يلغى حقيقة الفداء وأهميته. فلو لم يكن السيد المسيح هو الله بالحقيقة كما أن الآب هو الله بالحقيقة (بسبب وحدتهما في الجوهر ÑmooÚsioj) لما كان في الإمكان أن يفدى البشرية من الموت والفساد. ولو لم يكن الابن هو الإله الذي تجسد، لما كان ممكنًا أن يؤلّهنا نحن عندما اتحد بطبيعتنا[9]، كما يقول القديس أثناسيوس ” لأن كلمة الله صار إنسانًا لكى يؤلّهنا نحن”[10].
ومن الجدير بالذكر، أن مقالة ” تجسد الكلمة ” تقدم ردًا حاسمًا في مواجهة الهرطقة الآريوسية، بل نستطيع أن نقول إن القديس أثناسيوس لم يُعطِ جوابًا أكثر وضوحًا ضد الآريوسية مثلما أعطى في هذا المقال.
فالقديس أثناسيوس يعلّم عن كلمة الله (LÒgoj) في ملء لاهوته، وأيضًا يقدمه كمخلّص العالم، وذلك فقط وحصرًا لأنه الله، أى أنه هو مخلّص العالم بسبب ألوهيته. بينما علّم آريوس بأن الآب هو مصدر وجود الابن، ولذلك فهو سابق عليه، وأن الابن له بداية زمنية والآب وحده هو بلا بداية. لقد وصل آريوس بتعاليمه الخاطئة إلى القول، بأن الابن من طبيعة مختلفة عن طبيعة الآب، وبالتالى قال إن الابن مخلوق وذلك لأنه فهم آية سفر الأمثال ” الرب خلقنى أول أعماله ” (22:8)، فهمًا خاطئًا.
تُقدّم مقالة ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” في مواجهة مثل هذه البدعة شرحًا واضحًا لتعاليم الكنيسة اللاهوتية، فأولاً يأتى الإعلان الإلهى بتجسُّد الله الكَلِمَة، وفقط بعد ذلك يمكننا أن نحاول صياغة إيماننا بالله مثلث الأقانيم أو إيماننا بالله في ذاته. فليست هناك تعاليم مسيحية عن الله، لا تبدأ بالتعليمٌ عن المسيح يسوع حسب الإنجيل وخبرة الكنيسة، وإلاّ سيكون لدينا مناقشات وتعاليمًا عن الله مثل تعاليم الفلاسفة أو غير المسيحيين.
فمَن يُقدّم تعاليم مسيحية لاهوتية وكنسيّة، ينبغى أن يبدأ بالحديث عن تَجَسُّد الكَلِمَة الابن الوحيد، قبل الخوض في الحديث عن ميلاد الابن أزليًا من الآب.
وبفضل القديس أثناسيوس، أصبح هذا التعليم، هو منهج الكنيسة وتقليدها من القرن الرابع فصاعدًا. فالتجسد الإلهى بالنسبة للقديس أثناسيوس يعنى وقبل كل شئ أن الله قد أتى بذاته إلى عالمنا، كى يعلّمنا كل ما يمكن أن نفهمه عنه وعن خلاصه الإلهى. وليس العقل هو الذي يجعل الكلام عن الله (qeologˆa) أو ما يُسمى علم اللاهوت المسيحى، أمرًا ممكنًا، بل الذي يجعل هذا ممكنًا هو إعلان الله عن نفسه.
فيذكر ق. أثناسيوس: ” لهذا فإن محب البشر ومخلّص الجميع كلمة الله أخذ لنفسه جسدًا ومشى بين الناس، وجذب أحاسيس كل البشر نحو نفسه”[11]. ثم يتابع الشرح فيقول: ” فطالما إن فكر البشر قد انحط كليةً إلى الأمور الحسيّة فالكلمة أيضًا تنازل وأخفى نفسه بظهوره في الجسد، لكى يجذب البشر إلى نفسه، كإنسان ويوجّه إحساساتهم نحوه “[12].
وهكذا فإن التجسد الإلهى يعنى بالنسبة للقديس أثناسيوس إعلانًا جديدًا عن الله، واختبارًا حسيًا لكل المؤمنين به. ومن خلال روايات الإنجيل يمكن أن نبصر كيف يتصرف الكلمة المتجسد، فيمكن للإنسان أن يلمسه، أى يلمس جسده، ويمكن أن يسمع صوت الحق الأبدى، ويمكن أن ينجذب إليه المرء عندما يراه، ويتعامل معه، فينصت إلى رسالته وبالإيمان يقبله ربًا ومخلّصًا، إذ هو الإله المتجسد.
وحقيقة التجسد تُعاش في الكنيسة، فالكنيسة تتيح مجالاً أمام المؤمنين، ليعيشوا حقيقة الإله المتجسد، كما هى معلنة وواضحة في الإنجيل. لهذا فإن القديس أثناسيوس هو أب ليس للتعليم عن ماهية سرّ التجسد الإلهى فقط، بل أيضًا للتعليم عن ماهية الكنيسة إذ أن التعليم عن سرّ التجسُّد الإلهى هو في الوقت نفسه تعليم عن الكنيسة. فالكنيسة بالنسبة له تحقق في كل الأوقات وكل الأزمنة، الإعلان العملى والحسى، إعلان الكلمة المتجسد.
كما أن مقالة ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” تشهد بأن القديس أثناسيوس قد واصل بحق، تقليد الكنيسة الذي استلمه وأيضًا تعاليمها الآبائية، عن خلاص الإنسان. فعندما يتحدّث عن سقوط الإنسان وفدائه، فإنه يتبع تعاليم القديس بولس الرسول بخصوص هذا الموضوع، وأيضًا ما علّم به الآباء الذين سبقوه، وعلى الأخص القديس ايريناؤس. فبداية المقالة ونهايتها تشهدان أن القديس أثناسيوس كان لا يُعلّم إلاّ ما تَعلّمه من الآباء، وأن تعليم الآباء نفسه يفسر الكتاب المقدس بدرجة واضحة للغاية، تجعل أى تفسير آخر هو تفسير غريب ليس له أية أهمية.
تحمل هذه المقالة في بعض المخطوطات عنوان ” عن تَجَسُّد الرّب”[13]، أو ” عن تَجَسُّد كَلِمَة الله “[14]. وبالتالى فهى تتحدّث عمّا يدعوه القديس أثناسيوس نفسه ” ظهوره الإلهى بيننا ” ذلك الذي ” يَسخَر منه اليهود ويهزأ به الأمم “[15].
وتوضح المقالة ما علّم به القديس أثناسيوس عن الحقائق الإيمانية التالية:
الخلق:
الله خالق وصالح، وبكلمته يسوع المسيح ربنا، خَلَق الخليقة كلها من العدم. ولأنه بالحرى هو مصدر الصلاح، خلق الإنسان معطيًا إياه نعمة خلقته على صورة الله ومثاله، مانحًا إياه الحياة الأبدية، إن أبقى الله في معرفته ولم يخالف الوصية.
السقوط ونتائجه:
السقوط هو نتيجة فعل حُرّ للإنسان دون سائر الخليقة عندما خالف الوصية، ومن عواقبه الموت والفساد الذي عمّ البشرية كلها وساد عليها سيادة شرعية. فمع أن البشر قد خُلقوا ليحيوا في سعادة، إلاّ أنهم انتهوا إلى حالة التعاسة، لأنهم أهملوا كل ما هو صالح وانجذبوا إلى كل ما هو مادى. وتنكروا لله ولمحبته، وأسلموا أنفسهم لشهواتهم الذاتية. وهكذا فبابتعادهم عن الله وصلوا إلى الفناء، إذ أن غياب الشركة مع الله تعنى الموت المطلق.
ويصف القديس أثناسيوس الحالة التي وصلت إليها البشرية بعد السقوط، والتي من أجلها نزل كلمة الله إلى عالمنا فيقول: إن الكلمة ” إذ رأى الجنس (البشري) العاقل يهلك، وأن الموت يملك عليهم بالفناء، وإذ رأى أيضًا أن عقوبة التعدي (الموت) قد خلّدت الفناء فينا، وأنه من غير اللائق أن يُبطل الناموس قبل أن ينفذ، وإذ رأى أيضًا عدم اللياقة فيما هو حادث بالفعل؛ وهو أن الخليقة التي خلقها هو بنفسه، قد صارت في طريقها إلى الفناء، وإذ رأى في الوقت نفسه شر البشر المفرط، وأنهم يتزايدون فيه شيئًا فشيئًا إلى درجة لا تطاق وضد أنفسهم، وإذ رأى أن كل البشر تحت سلطان الموت، فإنه رحم جنسنا وأشفق على ضعفنا وتراءف على فسادنا”[16].
الخلق والتَجَسُّد:
لقد كان في علم الله السابق إمكانية سقوط الإنسان ونتائجه، كذلك أيضًا عملية التَجَسُّد وحتميتها. فلقد خلق الله العالم بالكلمة وأيضًا لابد أن يخلّصه بالكلمة، الذي به خلق العالم أولاً، وذلك لأن صفات الله التي لا يمكن أن تتغير أو تتبدل، لا تسمح بأن يؤخذ قرار التَجَسُّد والخلاص بعد أن يكون الإنسان قد سقط.
التَجَسُّد والتدبير الإلهى للخلاص:
إن نتائج السقوط هى موت الإنسان الذي ابتعد عن الله مصدر الحياة، وفقده لكل معرفة عن الله. لهذا كان لائقًا بصلاح الله أن يتدّخل لإصلاح ما أفسده الإنسان ” فلأجل قضيتنا تَجَسَد كي يخلّصنا، وبسبب محبته للبشر قَبِل أن يتأنس ويظهر في جسد بشرى “[17].
لقد صار الموت حتمية والتجسد ضرورة:
فلم يكن ممكنًا لله أن يتراجع عن حُكمِه على الإنسان بالموت إن أخطأ، ولم يكن أيضًا ممكنًا أن يُهمِل الله ولا يبالى بهلاك البشرية وفنائها. فعدم الاهتمام كان سيُظهر الله وكأنه ليس صالحًا، والتراجع كان سَيُبيّن وكأن طبيعة الله غير ثابتة.
فإن كان الأمر هكذا، فقد صار الموت حتميًا، وتجسد كلمة الله وحده ضرورة.
وهنا يوضح القديس أثناسيوس لماذا كان لائقًا أن يتخذ الكلمة جسدًا بشريًا كأداة ليخلّص بها الإنسان، ويستبعد أى وسيلة أو طريق آخر، يمكن أن تكون وسيلة لفداء الإنسان وخلاصه:
فأولاً: يوضح عدم كفاية التوبة كى يعود الإنسان إلى عدم الفساد والخلود فيقول: ” التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله، لأنه لن يكون الله صادقًا إن لم يظل الإنسان في قبضة الموت، (لأنه تَعَدى فحُكم عليه بالموت كقول الله الصادق). ولا تَقْدِر التوبة أن تُغَيّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعهم عن أعمال الخطية “[18].
إن مأساة سقوط الإنسان تَكْمُن في أن ما فعله لم يكن مجرّد عمل خاطئ، بل كان بالحرى عملاً خاطئًا تبعه الموت والفساد، لأنه وكما يقول القديس أثناسيوس: ” لو كان تعدى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد؛ لكانت التوبة كافية “[19]. إن ما جعل التَجَسُّد ضرورة؛ هو أنه بعدما حدث التعدى على وصية الله ” تورط البشر في ذلك الفساد الذي هو طبيعتهم، ونُزِعَت منهم نعمة مماثلة صورة الله “[20]. هذه النعمة التي كانت تمكنهم من أن يَبْقوا في شركة الحياة وعدم الفساد.
ثانيًا: في موضع آخر يُجيب القديس أثناسيوس على الذين لا يرون ضرورة لتَجَسُّد الله الكلمة، بل ويهزأون من ظهوره الإلهى بيننا، ويقولون: لماذا لم يُتمم الله أمر خلاص البشرية بإصدار أمر بدون أن يتخذ كلمته جسدًا، أى بنفس الطريقة التي أَوجَدَ بها البشرية؟ على هؤلاء يَرُّد القديس أثناسيوس قائلاً:
” في البدء لم يكن شئ موجودًا بالمرّة، فكل ما كان مطلوبًا هو مجرّد نطق مع إرادة (إلهية) لإتمام الخلق، ولكن بعد أن خلق الإنسان وصار موجودًا استدعت الضرورة علاج ما هو موجود، وليس ما هو غير موجود “[21].
ثم يستطرد قائلاً:
” لأن الأشياء غير الموجودة لم تكن هى المحتاجة للخلاص (للتجسد)، بل كان يكفيها مجرد كلمة أو صدور أمر، ولكن الإنسان (المخلوق) الموجود فعلاً والمنحدر إلى الفساد، والهلاك هو المحتاج إلى أن يأتى الكلمة “[22].
ثالثًا: يشير القديس أثناسيوس إلى أن لا البشر ولا الملائكة، كانوا قادرين على تجديد خلقة الإنسان على مثال الصورة، وذلك لأن الإنسان هو مجرد مخلوق على مثال تلك الصورة، وليس هو الصورة نفسها، كما أن الملائكة ليسوا هم صورة الله[23].
رابعًا: وأخيرًا يوضّح القديس أثناسيوس أنه كى يصير كلمة الله معروفًا مرة أخرى بين البشر وبه يُعرف الآب، لم يكن التناسق بين أعمال الخليقة كافيًا، ولم تَعُد الخليقة وسيلة مضمونة بعد فيقول: ” لو كانت الخليقة كافية، لما حدثت كل هذه الشرور الفظيعة، لأن الخليقة كانت موجودة بالفعل، ومع ذلك كان البشر يسقطون في نفس الضلالة عن الله “[24]. لقد سبق وأن أعطى الله البشر إمكانية أن يعرفوه عن طريق أعمال الخليقة. أما الآن وبعد السقوط، فإن ” هذه الوسيلة لم تَعُد مضمونة وبالتأكيد هى غير مضمونة لأن البشر أهملوها سابقًا، بل إنهم ما عادوا يرفعون أعينهم إلى فوق بل صاروا يشخصون إلى أسفل “[25].
وبعد أن أوضح القديس أثناسيوس عجز كل من هذه الوسائل عن تحقيق الخلاص للبشرية، يكشف عن قدرة الكلمة وحده الذي ظهر في الجسد على إتمام هذا الفداء العظيم فيقول: ” إنه لم يكن ممكنًا أن يُحوَّل الفاسد إلى عدم فساد إلاّ المخلّص نفسه، الذي خلق منذ البدء كل شئ من العدم، ولم يكن ممكنًا أن يعيد خَلقْ البشر، ليكونوا على صورة الله إلاّ الذي هو صورة الآب، ولم يكن ممكنًا أن يجعل الإنسانَ المائت غير مائت إلاّ ربنا يسوع المسيح الذي هو الحياة ذاتها. ولم يكن ممكنًا أن يُعلّم البشر عن الآب، ويقضى على عبادة الأوثان إلاّ الكلمة الذي يضبط الأشياء، وهو وحده الابن الوحيد الحقيقى “[26].
وفي عبارات رائعة يعطى مفهوم الفداء المعنى العميق حسب ما تُعلّم به الكنيسة الشرقية فيقول: ” ولما كان من الواجب وفاء الدين المستحق على الجميع، إذ كان الجميع مستحقين الموت فلأجل هذا الغرض جاء المسيح بيننا. وبعدما قدّم براهين كثيرة على ألوهيته بواسطة أعماله في الجسد، فإنه قدّم ذبيحته عن الجميع، فأسلَم هيكله للموت عوضًا عن الجميع، أولاً: لكى يبرّرهم ويحرّرهم من المعصية الأولى، ثانيًا: لكى يثبت أنه أقوى من الموت، مُظهرًا جَسَدَه الخاص أنه عديم الفساد، وأنه باكورة لقيامة الجميع”[27].
لمَن كتب القديس أثناسيوس مقالة تجسد الكلمة؟
مقالة ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” هى الجزء الثانى من كتاب كتبه القديس أثناسيوس ليكمل به الجزء الأول الذي يحمل عنوان ” ضد الوثنيين “. المقالتان دفاعيتان كبيرتان ورد ذكرهما معًا في الكتابات الآبائية، فعلى سبيل المثال يذكر القديس جيروم (ق4) أنهما كتاب واحد من فصلين[28] “ Adversus genetes Libri dou “
وفي الواقع، أنه رغم أن كلتا المقالتين تحمل عنوانًا مختلفًا، إلاّ أنه توجد علاقة بين محتوى هاتين المقالتين. ويشير القديس أثناسيوس نفسه إلى هذه العلاقة في بداية هذه المقالة الثانية عندما يقول ” اكتفينا بما أوضحناه في بحثنا السابق مع أنه قليل من كثير، ببيان ضلال الأمم في عبادة الأوثان وخرافاتها … وأيضًا بعد أن أشرنا قليلاً لبعض الأمور عن ألوهية كلمة الآب وتدبيره لكل الأشياء “[29]، كما يقول أيضًا لمَن يكتب له: ” يلزم أن تستحضر للذاكرة كل ما سبق أن قيل (يقصد المقالة ضد الوثنيين)، حتى تستطيع أن تدرك سبب ظهور كلمة الآب، كُلىَّ العظمة والرفعة في الجسد “[30].
يُوجّه القديس أثناسيوس كلامه في مقالة ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” لقارئ ما لا يذكر اسمه بالتحديد بل يدعوه ” بالطوباوى “[31]، و” بالمحّب للمسيح “[32] ويصفه بأن لديه غِيرة للدراسة والتعلّم[33]. ويخصه بالتعاليم التي تضمنتها الفصول من (132)، لذا يدعوه في بداية الفصل الأول قائلاً:” تعال أيها الطوباوى يا محبًا للمسيح بالحقيقة، لنتتبع الإيمان الحقيقى، ونتحدّث عن كل ما يتعلّق بتأنس الكلمة، ونبيّن كل ما يختص بظهوره الإلهى بيننا”[34].
غير أن الظهور الإلهى أو التَجَسُّد الإلهى كان موضوع سخرية واستهزاء لكل من اليهود واليونانيين (الأمميين)، لذا نجد أن القديس أثناسيوس يخصص الفصول (3340) لدحض عدم إيمان اليهود بالمسيح كلمة الله الذي قد جاء في الجسد. والفصول (4155) للرد على دعاوى اليونانيين وهم مَن كان يدعوهم القديس أثناسيوس ” غير المؤمنين “[35] بعدم إمكانية تَجَسُّد كلمة الله باعتباره عملاً غير لائق بالله.
وربما توقع القديس أثناسيوس أن يقرأ كتابه هذا ليس غير المسيحيين فقط، بل والمسيحيون أيضًا، إذ يقول في مطلع الفصل25 [ وهذا يكفى للرّد على الذين هم من خارج الذين يحشدون المجادلات ضدنا، ولكن لو أراد أحد من شعبنا أن يسأل، لا حبًا في الجدل، بل حبًا في التعليم..إلخ ][36].
لذلك يمكننا القول إن هذا العمل لم يوجهه القديس أثناسيوس لأحد بالتحديد، مثلما فعل في رسائله اللاحقة الموجهة إلى أشخاص بعينهم مثل سرابيون ومكسيموس وابكتيتوس وأدلفيوس وغيرهم، بل كان موجهًا لجمهور من الشعب داخل الكنيسة وخارجها. وفي توجيه مقاله إلى كل من المسيحيين واليهود والوثنيين، لم يكن القديس أثناسيوس هو أول مَن وسّع نطاق الدفاع المسيحى التقليدى وتفنيد الوثنية، إذ إنه بعد مرسوم التسامح الصادر عام 313م والمعروف بمرسوم ميلانو، كانت الغالبية العظمى من شعب الإمبراطورية الرومانية مازالت تنتمى للوثنية. فكتب أوسابيوس أسقف قيصرية (260339م) العديد من الكتب، بهدف أن يربح هذا الشعب.
ومن أشهر هذه الكتب ” التمهيد للإنجيل ” و” برهان الإنجيل “، وكان الغرض من هذه الأعمال أن يقرأها مَن قد اعتنق المسيحية. وكان تأثير أوسابيوس على القديس أثناسيوس واضحًا وذلك في تفاصيل معينة، وأيضًا في طريقة مناقشة وعرض الأفكار[37]. لكن الاختلاف في الرأى بينهما كان عنيفًا حول المسائل المتعلّقة بدور الإمبراطور في الكنيسة وأيضًا استقامة آراء آريوس، وتعاليم وقرارات مجمع نيقية. فلقد كان يوسابيوس صديقًا للامبراطور ومؤيدًا لتدخله في الأمور الكنسية ومناصرًا لآريوس في تعاليمه، ورفضه لتعبير هوموسيوس. بل إنه لم يوقع على قرارات مجمع نيقية إلاّ بأمر الإمبراطور نفسه[38].
لذلك يرى بعض المهتمين بالدراسات الآبائية أن القديس أثناسيوس قد تَعَمَّد محاكاة أسلوب كتابات يوسابيوس الواسعة الانتشار، وخصوصًا كتاب ” الظهور الإلهى “[39] الذي عرض فيه يوسابيوس وبشكل دفاعى عمل كلمة الله قبل التَجَسُّد حسب فكره وتعاليمه. ولهذا أراد القديس أثناسيوس من خلال مقاله هذا عرض التعليم الأرثوذكسى عن شخص السيد المسيح ومفهوم الفداء.
متى كتب القديس أثناسيوس مقاله تَجَسُّد الكَلِمَة؟
يعتبر معظم العلماء تقريبًا أن كتاب ” ضد الوثنيين ” و” تجسد الكلمة ” هو أول ما كتبه القديس أثناسيوس، غير أن الآراء تختلف حول زمن كتابته. فبسبب عدم وجود أى ذكر فيه للهرطقة الآريوسية تلك التي دحضها البابا أثناسيوس الرسولي بكل قوة في كتاباته العقيدية الأخرى، فقد افترض الكثيرون أن هذا الكتاب قد كُتب قبل عام 323م. غير أنه توجد شواهد كثيرة تناهض هذا الرأى منها:
أولاً: أن القديس أثناسيوس يشير في كتابه هذا إلى ” أولئك الذين يريدون أن يُقسَّموا الكنيسة “[40]. وقد تشير هذه العبارة إلى الانشقاق الذي حدث قبل مجمع نيقية والذي تَزَعّمه ميليتوس مطران أسيوط، إلاّ أن القديس أثناسيوس كان يستخدم هذه العبارة دائمًا في كتاباته الأخرى مشيرًا بها إلى الآريوسية. وترتبط هذه العبارة في مقالة ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” بمفهوم جسد المسيح غير المنقسم[41]، وهو موضوع نجده فقط في الرسائل الفصحيّة التي كتبت قبل وبعد نفى البابا أثناسيوس لأول مرّة وذلك في عام (335م)[42].
ثانيًا: لقد قَصَدَ القديس أثناسيوس أن تكون طريقة الكتابة ومناقشة الأفكار في كتابه ” ضد الوثنيين ” و” تَجَسُّد الكَلِمَة “، مشابه لكتاب الثيوفانيا الذي كتبه يوسابيوس أسقف قيصرية، كما سبق القول. وكان يوسابيوس قد كتب كتابه هذا قبل عام 335م، وبعد أن كان الإمبراطور قسطنطين قد انفرد بالامبراطورية في عام 323م[43].
وأخيرًا فهناك عبارة ذكرها القديس أثناسيوس في كتابه ” ضد الوثنيين ” و” تَجَسُّد الكَلِمَة “[44]، تدل على أن هذه المقالة قد كُتِبَت قبل وفاة قسطنطين في عام 337م، وكان قسطنطين هو آخر إمبراطور صدر الحكم رسميًا باعتباره إلهًا.
ثالثًا: يَذْكُر القديس أثناسيوس في بداية الجزء الأول من كتابه هذا، أنه لم يكن بين يديه ” في الوقت الحاضر مؤلفات معلّمينا لنبعث إليك كتابة ما تعلّمناه منهم عن الإيمان “[45]. يقود هذا القول إلى التساؤل: إن كان القديس أثناسيوس قد كَتَبَ هذه المقالة وهو شماس للبابا الكسندروس، فكيف لم يكن متاحًا له إمكانية الوصول لمثل هذه الكتب الهامة وهو الشماس الواعد في الكنيسة؟
الأرجح أنه يكون قد كَتَبَ هذه المقالة وهو بطريرك وفي فترة نفيه الأول ما بين عامى 335 إلى 337م، وكان النفى هو السبب في عدم توافر هذه المؤلفات بين يديه عند كتابته لهذه المقالة وهو في المنفى. وهذا الرأى يؤيده ليس العالِم Tillemont في القرن 18، بل أيضًا كثيرون من العلماء المحدثين مثل Schwartz ، Ch. Kannengiesser[46].
النص اليوناني في المخطوطات:
بعد انتقال القديس أثناسيوس، حاول الكثيرون من أتباع الهراطقة استغلال اسمه وكتاباته لترويج أفكارهم المضلّلة[47]. لهذا تداولت بعضًا من كتابات هذا الأب المعلّم في نسختين. النسخة الأصليّة التي تعكس فكره وتعاليمه السليمة، ونسخة أخرى أجريت عليها تعديلات بالزيادة أو الحذف لخدمة أفكار وتعاليم معيّنة. فبالإضافة إلى رسالته إلى ابكتيتوس، والتي تداولت منها نسخة أخرى محرّفة بواسطة الأبوليناريين[48]. نجد أيضًا أن المخطوطات العديدة قد احتفظت لنا بنصين لمقاله عن ” تَجَسُّد الكَلِمَة “. نص مطول وهو المشهور والثابت نَسَبُه للقديس أثناسيوس والذي أجريت عليه دراسات نقدية عديدة، وتمّ نَشرُه وترجمته لكثير من اللغات، ونص آخر مختصر وقصير[49]، بَيّنتْ الأبحاث عدم أصالته، وأنه قد أضيفت له بعض الكلمات والعبارات، وحذفت الأخرى لتعضيد تعاليم لم يعلّم بها القديس أثناسيوس[50].
النص اليوناني المنشور
تمّ نشر النص المطوّل لمقالة ” تَجَسُّد الكَلِمَة ” في عدة طبعات نقدية، وأيضًا تم نشر دراسات وترجمات لها بعدة لغات منها اليونانية الحديثة والإنجليزية والفرنسية والألمانية؛ وذلك بالإضافة إلى النص المنشور في مجموعة باترولوجيا مينى مجلد 25، باللغة اليونانية.
عن هذه الترجمة:
دَبَرَ الله في صلاحه أن يكون عنوان الرسالة التي قدّمتُها وحصلتُ بها على درجة الدكتوراه من كلية اللاهوت بجامعة أثينا عام 1994، هو:
القديس أثناسيوس الرسولي – مصدر التعاليم اللاهوتية للأسقف بولس البوشى أسقف مصر (ق13) (عن التَجَسُّد) [51].
تطلّب الإعداد لهذه الدراسة القراءة الدقيقة لكتابات القديس أثناسيوس باللغة اليونانية، وخصوصًا ما كَتَبَه عن تَجَسُّد الكلمة، بالإضافة إلى الدراسات التي تمّت على هذه النصوص، وحول هذا الموضوع العميق سواء ما جاء باللغة اليونانية أو بلغات أخرى.
ولأن الدراسة اعتمدت في الجزء الثانى منها على مقارنة النصوص وتحليلها لاهوتيًا ولغويًا، لإيضاح تأثير تعاليم القديس أثناسيوس اللاهوتية على تعاليم الأسقف بولس البوشى. فقد كان لزامًا علىَّ أن أنقل إلى اليونانية كل ما كَتَبهُ البوشى باللغة العربية عن التجسد. وهكذا انشغلت لفترة كافية بنص مقالة ” تَجَسُّد الكلمة ” للقديس أثناسيوس ومقالة ” التَجَسُّد ” للبوشى.
كانت الترجمة التي قام بها الأب الموقر المتنيح القمص مرقس داود لمقالة ” تَجَسُّد الكلمة ” للقديس أثناسيوس[52] عن الإنجليزية من ضمن النصوص التي قرأتها أثناء الدراسة. وكان قد سبق لى قراءتها قبل ذلك بسنوات عديدة، غير أن القراءة هذه المرّة كانت مختلفة، فقد كان أمامى النص الأصلى باللغة اليونانية، وليس النص الإنجليزى الذي صدر عام 1891م والذي تَرجَم عنه وبكل إتقانٍ ودقة المتنيح القمص مرقس داود هذه المقالة.
والترجمة التي بين أيدينا هى محاولة أمينة لنقل النص اليوناني المحقق لهذه المقالة الهامة،إلى اللغة العربية. وقد دعّمنا الترجمة بهوامش وتعليقات على النص كنا قد سجلناها أثناء إعداد الرسالة. وقد احتفظنا بمقدّمات الفصول التي جاءت في ترجمة القمص مرقس داود، إذ هى ملخصات جيّدة لفصول المقالة، كما أبقينا أيضًا على تقسيم وترقيم الفقرات بدون تغيير.
الترجمة العربية الحالية:
تمّت ترجمة هذه المقالة عن النص اليوناني المنشور في مجموعة آباء الكنيسة اليونانية (EPE) الصادرة في تسالونيكى 1973 المجلد رقم 1 ص226375.
كما أننا رجعنا لهذه النصوص:
- BEP 30, 75-121. (نص يوناني)
- G. 25,96-197. (نص يوناني)
وأيضًا رجعنا للنصوص والترجمات التالية، كما استعنا بالدراسات المصاحبة لها لكتابة التعليقات على النص المترجم:
- Charles Kannengiesser: Athanase d’ Alexandrie, sur L’ Incarnation Du Verbe, introduction, texte critique, traduction notes et index. Sources Chretiennes, vol. 199. Paris 1973.
- P.Meijering: Athanasius, De incanation verbi,einleitung – ubersetzung – kommentar. Amsterdam 1989.
- P.N.F, second series, vol 4, USA 1994, pp.36-67
- Robert W. Thomson: Athanasius, Contra Gentes and de Incarnatione, Edition, and translation, Oxford
س: الترجمة السبعينية للكتاب المقدس.
م: مقدمة الكتاب.
ف: فهارس.
عرض لمحتويات المقالة:
تشمل المقالة على 57 فصلاً يمكننا تقسيمها حسب مضمونها والعناصر الرئيسية التي جاءت بها إلى مقدمة وخمسة أقسام كالآتى:
مقدّمة النص
وجاءت في الفصل الأول وهى تلخيص لما سبق أن كَتَبَه القديس أثناسيوس في الجزء الأول من الكتاب وهى مقاله ” ضد الوثنيين “. ثم عرض هدف الجزء الثانى الذي هو مقاله ” تَجَسُّد الكلمة “.
I القسم الأول:
الخلق والسقوط
(فصول 2 5)
- دَحضْ الأفكار الكاذبة للأبيكوريين عن الخلق والتعاليم الأفلاطونية الخاطئة عن الخليقة والماركونية عن الخالق (فصل2).
- لقد خَلَقَ الله بسبب صلاحه العالم وخَلَقَ الإنسان على صورته ومثاله، وأعطاه إمكانية الحياة الأبدية، لو أنه أبقى الله في معرفته ولم يخالف الوصية (فصل3).
- بالسقوط فقد الإنسان هبة خلقته على صورة الله ومثاله وصار مصيره إلى الموت والهلاك (فصل4).
- وبعد السقوط تكاثرت الخطية جدًا (فصل5).
II القسم الثانى (القسم الرئيسى)
التَجَسُّد والفداء: موت الكلمة بالجسد على الصليب وقيامته. (فصول 6 32)
1 بالتَجَسُّد هُزم الموت (الفصول 610)
- أ بعد السقوط كان لابد لله أن يتدخل ليس بسبب صلاحه فقط، بل بسبب مسئوليته عن رعاية خليقته، ولو كان الله قد ترك البشر في الموت والهلاك لتعارض هذا مع صلاحه (فصل6).
- ب كأن الله غير صادق، إذا الإنسان لم يمت بعد أن قال الله أنه سيموت إن أخطأ. والتوبة لا تصلح لخلاص الإنسان، فهى لا تغير طبيعته التي فسدت بالموت بعد السقوط. كلمة الله وحده هو القادر أن يأتى بالفاسد إلى عدم فساد، وهو وحده القادر أن يصون صدق الآب من جهة الجميع (فصل7).
- ج لكى يستعيد للإنسان كينونته على صورته ومثاله اتخذ الكلمة جسدًا من العذراء مريم، لكى يقبل الموت فيه نيابة عن الكل وبهذا ينتصر على الموت (فصول 89).
- د الكلمة اتخذ الجسد كأداة لإبطال الموت فيه. البراهين الكتابية على تجسد الكلمة (فصل10).
2 التَجَسُّد جعل الله معروفًا مرّة أخرى بين البشر (فصول 11 19)
- أ فخِلقة البشرية على صورة الله ومثاله، كانت تمكّنها من معرفة الله، لكنها بالسقوط استبدلت معرفة الله وخدمته بخدمة الآلهة الغريبة (فصل11).
- ب وبواسطة التوافق والتناسق الحادث في الطبيعة، وعن طريق الأنبياء، فتح الله طرقًا أخرى تساعد الإنسان على معرفته، غير أن الإنسان لم يستخدم هذه الطرق ولا استغلها لمعرفة الله (فصل12).
- ج فلو لم يستطع الإنسان أن يتعرف على الله، لكانت خلقة الإنسان على صورة الله ومثاله بدون هدف. ولهذا فكلمة الله إذ هو صورة الآب وهو الخالق، كان قادرًا على أن يعيد للإنسان معرفته بالله (فصل13).
- د وكان ذلك مستحيلاً أن يتم لا بواسطة البشر؛ لأنهم هم خُلقوا على مثال تلك الصورة، ولا بواسطة ملائكة لأنهم ليسوا صورًا لله، لهذا أتى كلمة الله بشخصه، كى يستطيع وهو صورة الآب، أن يُجدّد خلقة الإنسان على مثال تلك الصورة (فصل13).
- ه لم تَعُدْ شهادة الخليقة لخالقها ذات نفع للإنسان بعد أن طُمست بصيرته (فصل14).
- و التَجَسُّد هو تنازل الله إلى ضعف البشرية، لكى يستطيع كل مَن يفكر أن الله قد حلّ في جسد مادى أن يُدرك الحق عن طريق الأفعال التي يقوم بها الرب بواسطة جسده الخاص، وعن طريق الابن يُدرِك الآب (فصل15).
- ز كلمة الله حاضر في كل الخليقة (فصل16).
- ح الكلمة عندما اتخذ جسدًا، لم يُحدّ في هذا الجسد، ولم ينتقص بحلوله فيه (فصل17).
- ط الكلمة اتخذ جسدًا حقيقيًا واستخدمه كأداة، وبه ظهر أنه الخالق الحقيقى من خلال الأعمال المعجزية التي أتمّها به (فصول 1819).
- ى تلخيص لما سبق عن أسباب ظهوره في الجسد (فصول20 21أ).
3 ضرورة وحتمية الموت والقيامة في اليوم الثالث (فصول 21ب 26)
- أ الموت علانية (فصل21). جسد المسيح لم يَرَ فسادًا بسبب اتحاد الكلمة به (فصل 21 ب).
- ب السيد المسيح لم يهرب من الموت الذي فرضه عليه اليهود، بل قبل الموت بإرادته لأجل البشرية (فصل22).
- ج ضرورة الموت علانية على الصليب لإعلان حقيقة القيامة (فصل23).
- د ضرورة احتمال الموت بالصليب، حتى يمكن البرهنة على أنه أقوى من كل صور الموت (فصل24).
- ه موت السيد المسيح على الصليب وحّد في شخصه كل من اليهود والأمم … وفَتَحَ لنا الأبواب الدهرية (فصل25).
- و القيامة في اليوم الثالث هو الوقت المناسب؛ لا قبل ذلك ولا بعد ذلك (فصل26).
4 إثباتات من الواقع على نصرة السيد المسيح على الموت بموته على الصليب وبقيامته (فصول 2732).
- أ بصليب السيد المسيح انتهى فزع الموت لدى المسيحيين، وأصبحوا مستعدين للموت إذا لزم الأمر (فصول 2729).
- ب التغيير في حياة المسيحيين نتيجة إيمانهم بالقيامة (فصول 3032).
III القسم الثالث:
أدلة أخرى لحقيقة التَجَسُّد ضد دعاوى اليهود (فصول 33 40).
- نبوات من العهد القديم عن ميلاد المسيح (فصل33).
- نبوات من العهد القديم عن موت المسيح (فصل34).
- نبوات من العهد القديم عن موت المسيح على الصليب (فصل 35أ).
- إثباتات أن النبوات التي جاءت في العهد القديم عن ميلاد الرب كانت تشير إلى ميلاد المسيح (فصول 35ب 36).
- أدلة أن الأعمال التي أتمّها السيد المسيح والتي جعلت الله معروفًا لدى البشر، قد تنبأ عنها العهد القديم (فصل38).
- أدلة بوقائع على أن النبوات قد تمّت، وأنها لم تكن تشير إلى المستقبل. فأورشليم قد خربت، والتنبؤ قد بَطُل، ولا يوجد في إسرائيل اليهود كهنوت ولا مملكة. والأمم قد آمنوا (فصول 3940).
IV القسم الرابع:
إثباتات على حقيقة التجسد ضد دعاوى اليونانيين (فصول 41 55)
1 إثباتات ببراهين معقولة (فصول41 45)
- أ كَون أن الكلمة ظاهر في كل الخليقة يجعل ظهوره في جزء من الخليقة الذي هو الجسم البشرى أمرًا معقولاً (فصول2142).
- ب ظهور كلمة الله في جسد بشرى كان أمرًا حتميًا؛ لأن الإنسان وحده هو الذي أخطأ (فصل43).
- ج لو كان الموت قد أُبعِدَ عن الجسد بمجرّد أمر من الكلمة، لبقى الجسد قابلاً للموت بحسب طبيعة الأجساد (فصل44).
- د تَجَسُّد الكلمة أبطل أعمال الآلهة الكاذبة التي أضلت الإنسان (فصل45).
2 إثباتات مبنيّة على أمور تحدث بالفعل (46 55)
- أ منذ ظهور المسيح فإن عبادة الأوثان بَطُلَت والشياطين طُردت، والسحرة والعرافين فُضحوا والفلسفة اليونانية كُشفت (فصول 4648أ).
- ب المسيح ليس مجرّد إنسان وليس ساحرًا ولا شيطانًا، لكنه بألوهيته قد أبطل تعاليم الشعراء وضلالات الشياطين وحكمة اليونانيين (فصل 48ب).
- ج أعمال السيد المسيح وهو في الجسد فاقت كل أعمال أسكيليبوس وهيرقل (فصل 49).
- د المسيح فعل ما لم يفعله الفلاسفة: فقد أنقذ البشر من الهلاك والضلالات (فصل50).
- ه المسيح وحده هو الذي غيّر طباع البشر الوحشية وميلهم للقتل والحرب، إلى محبة السلام والفضيلة (فصول 5152).
- و أعمال السيد المسيح في الجسد تشهد لألوهيته (فصل53).
- ز كلمة الله صار إنسانًا لكى يؤلهنا نحن وأظهر نفسه في جسد لكى نحصل على معرفة الآب غير المنظور (فصل54).
- ح ملخص لأعمال السيد المسيح القائم (فصل55)
V القسم الخامس
ختام
(فصول 56 57)
1 أهمية الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة والتي منها نتكلّم عن تَجَسُّد المسيح وأيضًا عن ظهوره الثانى المجيد (فصل 56).
2 طهارة النفس والحياة الصالحة تؤهّلنا لدراسة ومعرفة الكتب المقدسة معرفة حقيقية (فصل 57).
[1] للطبعة الأولى سنة 2002م.
[2] إيريناؤسG 3,1 œlegcoj.
[3] ذكصولوجية في يوم تذكار الآية العظيمة التي صنعها الرب مع القديس أثناسيوس يوم 30 توت، أنظر: “كتاب الذكصولوجيات” المخطوط بالكنيسة المرقسية بالأزبكية.
[4] رسائل القديس كيرلس ج2: مركز دراسات الآباء بالقاهرة 1989. الرسالة الأولى، ص9.
[5] P.G 35: 1081.
[6] IeromÒnacoj A…milianÒj N. tsirpan£lhj: `H qe…a ™ns£rkwsh e…j t»n skšyin tÒn A’g…on Aqanas…ou, e„j: ™kklhs…a, Ar…q 24. 20 Dekembr…ou. Aq»nai, 1963 s.572.
[7] ضد الوثنيين 10/7.
[8] تجسد الكلمة فصل 1/4.
[9] يشدّد القديس أثناسيوس على هذا الأمر وبكل وضوح في دفاعه عن ألوهية الابن في مقالاته الثلاثة ضد الآريوسيين. انظر: المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين. ترجمة وإصدار المركز الأرثوذكسى لدراسات الآباء بالقاهرة، مايو 1998م: 1/39 ، 2/47 ، 2/59 ، 2/70 ، 3/33.
[10] تَجَسُّد الكلمة 54/3. وهذا التعبير عند الآباء لا يعنى أن الإنسان يصير بطبيعته إلهًا ، بل يعنى أنه يشترك في الحياة الإلهية، حياة البّر والقداسة.
[11] تجسد الكلمة 15/2.
[12] تجسد الكلمة 16/1.
[13] ‘Adriavoà rèmhj , Mansi 12, 1067.
[14] Fwt…ou, ™gkèmion, P. G. 102, 576.
[15] تجسد الكلمة فصل 1.
[16] تجسد الكلمة فصل 8/2.
[17] تجسد الكلمة فصل 4/3.
[18] تجسد الكلمة فصل 7/3.
[19] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 7/4.
[20] المرجع السابق.
[21] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 44/2.
[22] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 44/3.
[23] انظر تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 13/7.
[24] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 14/5.
[25] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 14/7.
[26] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 20/1.
[27] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 20/2.
[28] De viris illustribus 87.
[29] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 1/1.
[30] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 1/3.
[31] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 1/1.
[32] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 1/1.
[33] تَجَسُّد الكَلِمَة.
[34] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 1/1.
[35] المرجع السابق فصل 2.
[36] فصل 25/1.
[37] M . J . Rondeau, “ une nouvelle preuve de l’influence littéraire d’Eusèbe de Césarée sur Athanase: l’interprétation des psaumes “ Recherches de Science religieuse 56 (1968) 385-434.
[38] معظم محتوى هذا الكتاب هو اعادة لما جاء في الكتابين الدفاعيين ” التمهيد للإنجيل ” و” برهان الإنجيل “.
[39] S . papadÒpoulou, patrolog…a B/. AqÁnai 1990.s.126.
[40] تَجَسُّد الكَلِمَة فصل 24/4.
[41] المرجع السابق.
[42] Ch. Kannengiesser, “ L’témoignage des Lettres Festales de Saint Athanase sur La date de L’apologie Contre les paiens, sur L’incarnation du verbe “, Recherches de science religieuse 52 (1964), 91-100.
[43] R.W. Thomson, Athanasius, Contra Gentes and De Incarnatione. Oxford 1971. P.xxii.
[44] ” ولا تعجب، بل لا تظن أن ما نقوله صعب التصديق، إذا ما قررنا أنه إلى عهد قريب ولو لم تستمر هذه الحالة للآن كان مجلس الشيوخ في الإمبراطورية الرومانية يُصوّت للأباطرة الذين حكموهم من البداية، لكلهم أو لمَن يشاءون ويقرّرون ليعطوهم مكانًا بين الآلهة ويأمرون بعبادتهم ” ضد الوثنيين فصل 5:9.
[45] ضد الوثنيين 3:1.
[46] Bl. P. Cr»stou: Ellhnik» Patrolog…a. tÒmoj G/. qessalonok» 1987. s. 501.
[47] bl: S. papadÒpoulou, patrolog…a b/, Aqhnai 1990, s: 310.
[48] R.W. Thomson. Ibid.p. xxviii.
[49] cf: J. Quasten, Patrology. vol III. P.25.
[50] Ch. Kannengiesser, Athanase d ‘Alexandrie sur L’incarnation du verbe, sources Chrétiennes. Nº.199. Paris 1973.p32.
[51] جوزيف موريس فلتس: القديس أثناسيوس الرسولي مصدر التعاليم اللاهوتية للأسقف بولس البوشى. أسقف مصر (ق13) عن التجسد. رسالة دكتوراه باللغة اليونانية، أثينا 1994م.
[52] تَجَسُّد الكَلِمَة للقديس أثناسيوس الرسولي نقله إلى العربية القمص مرقس داود. صدر عن دار التأليف النشر للكنيسة الأسقفية بالقاهرة. الطبعة الثانية يناير 1960م (الطبعة الأولى كانت سنة 1942).