آبائياتأبحاث

معضلة الألم والمرض والشر – د. أنطون جرجس عبد المسيح

معضلة الألم والمرض والشر - د. أنطون جرجس عبد المسيح

معضلة الألم والمرض والشر – د. أنطون جرجس عبد المسيح

المحتوى

معضلة الألم والمرض والشر - د. أنطون جرجس عبد المسيح
معضلة الألم والمرض والشر – د. أنطون جرجس عبد المسيح

معضلة الألم والمرض والشر – د. أنطون جرجس عبد المسيح

 

إعداد

د. أنطون جرجس عبد المسيح

القاهرة – ابريل 2024م

 

 

الفهرست

مقدمة: معضلة الألم والمرض والشر. 1

الفصل الأول: مقاربة آبائية من معضلة الألم والمرض والشر. 3

ق. يوستينوس الشهيد 3

المسيح هو شافي آلامنا 3

المسيح ينقذنا من نار تجارب إبليس.. 3

ق. ديونيسيوس الإسكندري.. 4

التجربة من أجل خلاصنا وليس هلاكنا 4

الله غير مُجرِّب بالشرور. 5

الله كلي الصلاح ليس علة الشر. 5

ق. أثناسيوس الرسولي. 5

سبب الألم هو ضعف الطبيعة البشرية. 5

الألم هو أحد نتائج السقوط. 6

عدمية الشر. 7

ق. كيرلس الأوورشليمي. 7

الصليب شافي الأمراض وليس مرض… 7

ق. باسيليوس الكبير. 8

الله الشافي ليس علة الأمراض… 8

ق. غريغوريوس النيسي. 9

الله ليس علة الأمراض الجسدية. 9

البشر هم علة آلامهم وليس الله.. 9

ق. غريغوريوس النزينزي اللاهوتي. 10

الشر منا ومن الشرير. 10

ق. يوحنا ذهبي الفم. 10

الأمراض نتيجة ضعف الطبيعة البشرية. 10

الأذى غريبٌ عن طبيعة الله.. 11

الخطية شر وليس مصائب الحياة 11

الله شافي المرض وليس علة المرض… 11

تفسير آية يجرح ويعصب.. 12

البشر هم خالقو الأعمال الشريرة 12

الإنسان هو علة فساد الخليقة. 13

محبة الله الفائقة رغم الشرور. 13

ق. أمبرسيوس أسقف ميلان. 14

إخضاع الضعفات بالصليب.. 14

الصليب هو نصرة على الألم 14

الإيمان بالمسيح هو شافي آلامنا 15

ق. كيرلس الإسكندري.. 15

الله ليس علة بلايا البشر. 15

إعلان العجز أمام معضلة الألم والمرض… 16

ق. ساويروس الأنطاكي. 16

الإنسان هو علة فساد الخليقة. 16

ق. يوحنا كاسيان. 17

عدم سماح الله بالشر. 17

الله كلي الصلاح غير متغير. 18

الله ليس علة الموت.. 19

الفصل الثاني: مفهوم العقوبة الإلهية. 22

ق. إيرينيؤس أسقف ليون. 22

طول أناة الله في إصلاح الإنسان. 22

شفاء الإنسان من مرض الخطية. 22

ق. يوستينوس الشهيد 23

المسيح هو الطبيب الشافي. 23

العلامة كليمندس الإسكندري.. 24

الله لا يعاقب بل يؤدب.. 24

العلامة أوريجينوس الإسكندري.. 24

العقوبة الإلهية التربوية. 24

دحض العقوبة الجزائية الانتقامية. 26

ق. ديونيسيوس الإسكندري.. 27

الانفصال عن الله أعظم عقاب للبشرية. 27

التأديب الإلهي التربوي.. 27

ق. كيرلس الأورشليمي. 28

شفاء مرض الخطية. 28

رحمة الله ورأفته بالخطأة 28

ق. يوحنا ذهبي الفم. 29

الله لا يريد معاقبتنا 29

يليق بالله الخلاص وليس العقوبة. 30

غاية الله هي الخلاص وليس العقوبة. 31

ق. غريغوريوس النيسي. 31

البشر يعاقبون أنفسهم بأنفسهم 31

الإنسان يجلب العقوبة على نفسه. 32

ق. كيرلس الإسكندري.. 33

إحياء الوثنية من جديد 33

العقوبة الإلهية الممزوجة بالمحبة. 33

العقوبة ليست مشورة الله وإرادته. 34

العقوبة نتيجة الفعل نفسه. 35

لا يوجد أذى في طبيعة الله.. 35

ق. إيسيذوروس الفرمي. 36

العقوبة الإلهية للإصلاح والتقويم 36

العقوبة الإلهية التربوية. 36

ق. باسيليوس الكبير. 37

مفهوم الدينونة الإلهية. 37

العقوبة الإلهية الشفائية. 38

ق. غريغوريوس اللاهوتي النزينزي.. 38

العقوبة الإلهية التربوية. 38

الله يعاقب بقياسات التربية. 39

العقوبة عمى روحي وانفصال عن الله.. 39

ق. كبريانوس أسقف قرطاجنة. 40

تأديبات الله للتقويم والإصلاح. 40

ق. يوحنا كاسيان. 40

العقوبة الإلهية الشفائية. 40

الفصل الثالث: مفهوم العدالة الإلهية. 43

ق. إيرينيؤس أسقف ليون. 43

عدل الله هو صلاحه وحكمته. 43

العلامة أوريجينوس الإسكندري.. 44

عدل الله هو صلاحه وقداسته. 44

ق. أثناسيوس الرسولي. 45

عدل الله هو قداسته. 45

العلامة ديديموس الضرير. 45

عدل الله هو صلاحه ورحمته. 45

ق. كيرلس الأورشليمي. 46

الله عادل وصالح في آن واحد 46

عدل الله وصلاحه. 47

ق. غريغوريوس النيسي. 47

عدل الله هو صلاحه وحكمته وقوته. 47

ق. كيرلس الإسكندري.. 49

عدل الله هو صلاحه ورأفته. 49

مار إسحاق السرياني. 49

عدل الله هو صلاحه ورحمته. 49

الأب يوحنا الدمشقي. 50

عدل الله هو صلاحه وحكمته. 50

الفصل الرابع: تعاليم جون كالفن عن صليب المرض والتجارب.. 52

الصليب تجربة وامتحان. 52

ابتلاء الله للبشر. 53

صليب المرض… 53

الله هو مصدر التجارب والبلايا 54

 

 

مقدمة: معضلة الألم والمرض والشر

سوف نحاول في هذا البحث الموجز أن نفحص معضلة الألم والمرض والشر، وما هو سبب هذه المعضلة التي حيَّرت الكثير من الفلاسفة واللاهوتيين العظام، ولكننا في هذا البحث سنقوم بمقاربة حذرة بعض الشيء من هذه المعضلة الكبيرة المحيرة، والتي وقف أمامها كبار الفلاسفة واللاهوتيين عاجزين عن تفسير أعماقها وتعقيداتها الكثيرة.

سبب هذا البحث هو إدعاء البعض عن جهل ودون وعي أن الله هو مصدر التجارب المؤذية المهلكة للبشر، ونسوا أن الله عندما يُعاقِب فهو يُعاقِب من أجل التأديب والإصلاح والتقويم، وليس من أجل هلاك البشر وفنائهم. يدَّعي البعض عن جهل أن مصدر الألم والمرض وغيرها من البلايا والشدائد والضيقات هو الله، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة الكتابية والآبائية المعلَنة لنا. كما يرون أن المرض هو صليب والصليب مرض، وهذا الإدعاء هو تجديف حقيقيّ على الصليب قوة الله للخلاص، فالصليب هو شفاء وقوة، وليس ضعف ومرض وابتلاء من الله.

سنحاول في هذا البحث توضيح أن التجارب مصدرها هو الشيطان الذي يريد هلاك البشرية وإسقاطها في التجارب لهلاكها وفناءها، كما أن البشر هم علة عقاب أنفسهم ويسقطون بإرادتهم الشريرة إلى التجارب الشريرة، ويجلبون العقوبة على أنفسهم، فهم يعاقبون أنفسهم بأنفسهم بشرورهم وشهواتهم الفاسدة. نهدف أيضًا إلى توضيح حقيقة أن الصليب هو قوة ونصرة وليس مرض وضعف وابتلاء كما يدَّعي هؤلاء عن جهل ودون معرفة حقيقية بالله كليّ الصلاح والرحمة والرأفة، شافي الأمراض ومُبدِّد الضعفات والضيقات والآلام التي تواجه البشرية.

 

 

الفصل الأول: مقاربة آبائية من معضلة الألم والمرض والشر

سنُحاوِل في هذا الفصل توضيح وجهة نظر آباء ومُعلِّمي الكنيسة الكبار في معضلة الألم والمرض والشر، وكيف عالج آباء الكنيسة هذه المعضلة الكبيرة والمعقَّدة.

ق. يوستينوس الشهيد

المسيح هو شافي آلامنا

يُؤكِّد ق. يوستينوس الشهيد على أن الكلمة صار إنسانًا لأجلنا وشاركنا آلامنا لكي يشفينا، فالمسيح يشفي الآلام ولا يصيب الإنسان بهذه الآلام، كما يدَّعي البعض عن جهل وضيق أفق كالتالي:

”لأننا نعبد ونحب الكلمة الذي هو من الله الآب غير المولود، غير الموصوف، فالكلمة صار إنسانًا لأجلنا وشاركنا آلامنا لكي يشفينا“.[1]

المسيح ينقذنا من نار تجارب إبليس

يرى ق. يوسينوس أن الله قد انتشلنا وأنقذنا من نار تجارب إبليس وأعوانه، وليس هو مَن يُرسِل هذه التجارب الشريرة لهلاكنا قائلاً:

”فنحن قد انتُشِلَنا كما من نار عندما طهَّرنا الله من خطايانا السابقة، وأنقذنا من نار التجارب التي يُجرِّبنا بها الشيطان وأعوانه. ومِن مثل هذه الأخطار ينتشلنا يسوع ابن الله، فهو قد وعد بأن يُلبِسنا الثياب المعدَّة لنا إنْ حفظنا وصاياه وسيُكافئنا بملكوتٍ أبديّ“.[2]

ق. ديونيسيوس الإسكندري

التجربة من أجل خلاصنا وليس هلاكنا

يرى ق. ديونيسيوس الإسكندريّ، بطريرك الإسكندرية ومُعلِّم المسكونة، أن الله لا يُجرِّب الإنسان بالشرور، فهو يختبر الإنسان، ولكنه لا يدفعه إلى التجربة دفعًا، وإنه عندما يُجرِّبنا ويختبرنا، فهو يُجرِّبنا من أجل خلاصنا وليس هلاكنا كالتالي:

”وهكذا، اُقتِيد المسيح بالروح، ليس لكي يدخل في التجربة، بل ليكون مُجرَّب من الشرير، وهكذا، إبراهيم أيضًا لم يُدخِل [الله] بنفسه إلى التجربة، ولم يقتده الله إليها، لكن قد جرَّبه [اختبره] الله لكنه لم يدفعه فيها. وحتى الربّ نفسه قد اختبر التلاميذ. لكن عندما يُجرِّبنا الشرير يستميلنا إلى التجارب، فينشغل الإنسان في تجارب الشرير. لكن عندما يُجرِّب (يختبر) الله، فإن تجاربه غير مُجرِّبة بالشرور. فقد قيل عن الله إنه ’غير مُجرَّب بالشرور‘. لكن يسحبنا الشيطان للتجربة بعنفٍ، ويُلقِينا في الهلاك، أمَّا الله فيقودنا بيديه ليُدرِّبنا من أجل خلاصنا“.[3]

ويُؤكِّد ق. ديونيسيوس على أن تجارب واختبارات الله لمنفعتنا ولا يصنع شيئًا شريرًا لنا، لأنه غير مُجرِّب بالشرور، فالله عكس الشيطان، الذي يُجرِّب من أجل قتل وإهلاك منقاديه، فالله لا يميت ولا يُهلِك أحدًا كما يدَّعي البعض عن جهل وضيق أفق بطبيعة الله كليّ الصلاح كالتالي:

”عندما يختبر الله، فإنه يمتحن من أجل منفعتنا، وليس لأجل صُنع شيئًا شريرًا؛ إذ قيل إن الله غير مُجرِّب بالشرور. وبعد قليل، مَن يحتمل التجارب يُتوَّج بكرامةٍ، وهناك تجارب أخرى تأتي من الشيطان. هذا يُجرِّب كي يقتل مُنقاديه. [الشيطان] هو أيضًا لا يعرف إلى ماذا يؤول الأمر، أمَّا الربُّ فيعرف، ولذلك، أعطى للبشر أن يفعلوا ما يحلو لهم بكامل إرادتهم“.[4]

الله غير مُجرِّب بالشرور

يُؤكِّد ق. ديونيسيوس على أن الله غير مُجرِّب بالشرور، بل هو يريد أن يعطينا أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر كالتالي:

”لأنه مع الله لا توجد تجربة بالشرِّ، لأنه يُرِيد أن يُعطِينا أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر“.[5]

الله كلي الصلاح ليس علة الشر

ينتقد ق. ديونيسيوس أولئك الذين يزدرون بالله الإله الحقيقيّ، وينسبون الشرَّ إلى الله كليّ الصلاح كالتالي:

”فوجب علينا أن نَعتبره دنسًا كل مَن يزدري بالله الحقيقيّ الواحد الوحيد، خالق وربّ السماء والأرض وكل الأشياء، ويجعله أدنى وأقل توقيرًا مِن بعض الآلهة الأخرى، وينسبون الشرَّ إلى كليِّ الصلاح، أو لا يؤمنون أن [ابنه] المحبوب هو مُخلِّصنا يسوع المسيح“.[6]

ق. أثناسيوس الرسولي

سبب الألم هو ضعف الطبيعة البشرية

يرى ق. أثناسيوس أن علة الموت والانحلال والألم هو ضعف طبيعتنا البشرية، وليس الله هو علة هذه الأمور، بل الله هو القوة والحياة عينها، ومعطي القوة والحياة والشفاء للبشر وليس الألم والمرض والموت، كما يدَّعي البعض عن جهل وضيق أفق كالتالي:

”إن الموت الذي يصيب البشر عادةً يأتيهم بسبب ضعف طبيعتهم، وإذ هم لا يستطيعون البقاء لزمنٍ طويلٍ، فإنهم ينحلون في الزمن (المحدَّد). وبسبب هذا أيضًا تنتابهم الأسقام [الأمراض] فيمرضون ويموتون. أمَّا الربُّ، فإنه ليس ضعيفًا، بل هو قوة الله، وكلمة الله، وهو الحياة عينها“.[7]

الألم هو أحد نتائج السقوط

يشير ق. أثناسيوس إلى أن الألم والحزن والهم هي نتائج سقوط الإنسان، لأن الإنسان في حالته الفردوسية الأولى كان بلا ألم ولا حزن ولا هم، فكيف يُرسِل الله الألم والمرض للإنسان وهو أحد نتائج سقوط الإنسان؟! فالألم والمرض لا يوجدان في الله، فكيف يُرسِلهما للإنسان؟! بل الإنسان هو مَن جلب على نفسه الألم والمرض والموت بسقوطه وليس الله قائلاً:

”وأعطاهم وصيةً حتى إذَا حفظوا النعمة واستمروا صالحين عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم، بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء. أمَّا إذَا تعدوا الوصية وارتدوا (عن الخير) وصاروا أشرارًا، فليعلموا أنهم سيجلبون الموت على أنفسهم حسب طبيعتهم، ولن يحيوا بعد في الفردوس، بل يموتون خارجًا عنه، ويبقون إلى الأبد في الفساد والموت“.[8]

عدمية الشر

يؤكد ق. أثناسيوس على أن كل ما هو شرّ فهو عدم، وكل ما هو خير فهو موجود، فكيف يُرسِل الله للبشر الشر العدميّ في صورة هلاك، أو أمراض، أو آلام، بل الله كليّ الصلاح يُرسِل كل ما هو خير وصالح، أي كل ما هو موجود، وليس عدميّ كالشرّ قائلاً:

”لأن كل ما هو شرٌ فهو عدمٌ، وكل ما هو خيرٌ فهو موجودٌ“.[9]

ق. كيرلس الأوورشليمي

الصليب شافي الأمراض وليس مرض

يؤكد ق. كيرلس الأورشليميّ على أن الصليب يشفي الأمراض إلى اليوم، وبالتالي، يدحض إدعاء البعض عن جهل ودون وعي أن الصليب مرض والمرض صليب، المرض ليس صليبًا، لأن الصليب هو قوة الله للخلاص والشفاء، وليس مرضًا، هذا للأسف تجديف على قوة صليب رب المجد المخلِّصة والشافية للآلام والأمراض كالتالي:

”إنه بالحري شعار حضرة الخلاص، أي صليب يسوع، الذي جمعكم كلكم هنا. هو الذي قهر الفرس، ولجَّم السكيثيين، ووهب المصريين معرفة الله عوض القطط والكلاب، وأضاليلهم العديدة. إنه إلى اليوم يشفي الأمراض، ويطرد الشياطين، ويُفسِد مفعول السموم والسحر“.[10]

ق. باسيليوس الكبير

الله الشافي ليس علة الأمراض

يرفض ق. باسيليوس الكبير أن يكون الله هو علة الأمراض، بل يؤكد على أن الله هو شافي الأمراض كالتالي:

”أننا نعرف جيدًا أنه في حالة إصابة أحد بأيّ مرض، فإنه يُعطَى له علاجًا مُفيدًا ليُشفَ، ولكن عندما يُصاب بمرض لا يقبل الشفاء تصير الحاجة إلى قطع العضو غير القابل للشفاء حتى لا ينتشر المرض في كل أعضائه الحية والنشطة. إذًا، كما أن الطبيب ليس هو السبب في إجراء الجراحة أو الكي، بل المرض نفسه، هكذا فالخطايا هي التي تُسبِّب دمار المدن، وليس الله المنزَّه عن أيّ تهمة“.[11]

ويرفض ق. باسيليوس الكبير أيضًا أن يكون الله هو علة الشر والأمراض والموت كالتالي:

”الواقع إنني أتعجب كيف أن هؤلاء القوم لا تتملكهم الرعدة لمجرَّد تفكيرهم وتصوُّرهم لمثل هذه التجاديف المنفَّرة. كما أنه من الخطأ روحيًا أن يُقَال إن الشرَّ استمده وجوده من الله، لأن الضد لا ينتج مما هو ضده. الحياة لا تلد موتًا، والنور لا ينبثق من الظلام، كما أن الصحة لا تنتج من المرض، إنما هذا يُعتبَر تغيير من حالة إلى عكسها […] ويجب التنويه على أن ما يصيب الإنسان من مرض وفقر وموت، لا يُعتبَر من الشرور. ذلك لأن بعض هذه الأمور التي تُصِيب الإنسان تتحوَّل لفائدته“.[12]

ق. غريغوريوس النيسي

الله ليس علة الأمراض الجسدية

يرفض ق. غريغوريوس النيسيّ أن يكون الله هو سبب الأمراض الجسدية، وأن التفكير في ذلك هو من خصائص الطبيعة غير العاقلة أيّ الطبيعة الحيوانية كالتالي:

”أن يدعو أحد الله بأنه جابل الشرور بسبب الآلام الجسدية التي تصيب بالضرورة طبيعتنا المتقلِبة، أو أن يدَّعي أنه ليس خالق الإنسان بالكلية حتى لا يُظن أنه علة أحزاننا، فهذا يُعتبر الحد الأقصى لضيق الأفق لأولئك الذين يريدون أن يُميِّزوا بين الخير والشر بميزان الحواس، أولئك الذين لا يعرفون أن ما هو وحده صالح بالطبيعة لا يمكن إدراكه بالحواس، أمَّا ما هو وحده شر، فهو المغاير للصلاح. فالحكم بواسطة الألم واللذة على ما هو خير وما هو ليس بخير هو من خصائص الطبيعة غير العاقلة (أي الحيوانات)، إذ لا مجال لها في فهم الخير الحقيقي، لأنها لا تشترك في ملكة الذهن والتفكير“.[13]

البشر هم علة آلامهم وليس الله

يرى ق. غريغوريوس النيسيّ أن الله ليس هو سبب وعلة الآلام التي يُعانِي منها مُستحقوها، بل كل واحد هو لنفسه سبب الشقاء الذي يلم به كالتالي:

”والمهم أن نُدرِك أن السبب الرئيسيّ لجميع هذه الضربات هو حرية المصريين، وأن التنفيذ وحده كان لعدالة الله غير الفاسدة التي تتفق وهذه الحرية. فلا يخطر لنا على الإطلاق، إذَا تقيَّدنا بحرفية التاريخ، إن الله سبب الآلام التي عاناها مَن استحقوها، ولكن كل واحدٍ هو لنفسه سبب الشقاء الذي يُلم به، إذ يبذل قصاراه، وبملء إرادته، لجرِّ ذلك الشقاء عليه، على حد قول الرسول لإنسانٍ من هذا النوع: ’بقساوتك وقلبك غير التائب تُدخِر لنفسك غضبًا ليوم الغضب واعتلان دينونة الله العادلة الذي سيُكافئ كل واحدٍ بحسب أعماله‘ (رو 2: 3-6)“.[14]

ق. غريغوريوس النزينزي اللاهوتي

الشر منا ومن الشرير

يرى ق. غريغوريوس اللاهوتيّ أنه لا يوجد أصل للشرّ من صُنع الله، حاشا! وإنما الشرّ منَّا ومن الشرير، ودخل فينا بسبب إهمالنا وعدم احتراسنا، وليس لله علاقة به قائلاً:

”وآمنوا أنه لا يوجد أصل للشرّ من صُنع الله حاشا! وإنما الشرّ منَّا ومن الشرير. هو ما دخل فينا بسبب إهمالنا وعدم احتراسنا، وليس لله علاقة به“.[15]

ق. يوحنا ذهبي الفم

الأمراض نتيجة ضعف الطبيعة البشرية

يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الأمراض والعاهات والعيوب ناتجة عن ضعف طبيعتنا البشرية كالتالي:

”وحيث إن كل هذه العاهات والعيوب ناتجة عن ضعف طبيعتنا البشرية، فعندما يشفيها فهو يُظهِر قوته“.[16]

الأذى غريبٌ عن طبيعة الله

يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على أن الأذى أمرٌ غريبٌ عن طبيعة الله، وأن وفرة الفوائد والمنافع هي السمة المألوفة والمعروفة في الله، وذلك ردًا على الذين يدَّعون أن الله باعث تجارب الأمراض المهلكة والصعبة، وكأنَّ الله يعمل على أذى الإنسان، حاشا! هذا تجديفٌ على الله، فيقول التالي:

”أمَّا فيما يخص الله، فليس هناك أذى، لأن الأذى أمرٌ غريبٌ عن طبيعة الله، بل إن وفرة الفوائد والمنافع هي الملمح والسمة المألوفة والمعروفة في الله“.[17]

الخطية شر وليس مصائب الحياة

ويرى ذهبيّ الفم أيضًا أن الشرّ ليس في مصائب هذه الحياة، بل الخطية وحدها هي الشرّ قائلاً:

”لذلك ليس الشرّ في مصائب هذه الحياة، ولا الخير في نعمها، بل الخطية وحدها هي الشرّ، والعمى ليس في حقيقته شرًا“.[18]

الله شافي المرض وليس علة المرض

ويُؤكِّد ذهبيّ الفم أن المرض سببه شيء آخر غير الله، بل الله استخدمه لمجد اسمه بأن يشفي من هذا المرض، وليس أن يجلب المرض ويُجرِّب الإنسان بالمرض كما يدَّعي البعض عن جهل وضيق أفق قائلاً:

”لأن المرض نتج من سبب آخر، لكنه [المسيح] استخدمه لمجد الله“.[19]

تفسير آية يجرح ويعصب

يُفسِّر ذهبيّ الفم آية ”يجرح ويعصب“ (أي ٥: ١٨) أن الله يضع حدًا ونهاية للبلايا، ويحولها إلى ما يضادها، ويجعل الإنسان ينعم بسلامٍ عميقٍ، وليس الله هو مُرسِلها ويبتلي بها البشر كالتالي:

”إنْ كان الله هو الذي يضع نهاية البلايا، ويُحوِّلها إلى ما يضادها، ويجعل الإنسان ينعم بسلامٍ عميقٍ، فهذا لا يفعله بفكرٍ مختلفٍ، إنما في الواقع العملي هو الذي يقود في كلا الأمرين“.[20]

وهكذا، نجد حديث ذهبيّ الفم هنا عن تدخُّل الله من أجل وضع نهاية للبلايا التي يتعرض لها الإنسان، وليس هو علة بلايا الإنسان، فيُحوِّل الله الشر إلى خير، ولا يصنع هو بنفسه الشر (حاشا)!

البشر هم خالقو الأعمال الشريرة

يُفرِّق ق. يوحنا ذهبي الفم بين الأمور الإلهية الصالحة التي تحدث مع الإنسان خلال اليوم، وبين الأعمال الشريرة التي يخلقها البشر الأشرار خلال فترة السنة كلها قائلاً:

”فإنْ كان ما يحدث خلال فترات اليوم أعمالاً إلهيةً، فهي أمورٌ صالحةٌ، وتُعتبر شريرةً إنْ كانت مُرتكَبة من أناس أشرارًا. وبناءً على ذلك، فإن البشر هم الذين يخلقون الأعمال الشريرة التي تحدث خلال فترة السنة كلها“.[21]

الإنسان هو علة فساد الخليقة

يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الإنسان بسقوطه في الفساد أفسد الخليقة كلها معه، باعتباره تاج الخليقة، وأخضعها إلى البطل والفساد، ومن ثمَّ، كل الكوارث الحادثة في الخليقة من زلازل وبراكين هي نتاج خضوع الخليقة للبطل والفساد بسبب الإنسان قائلاً:

”إذًا، هذا ما يُوضِّحه بولس الرسول هنا، فيُشخِّصن الخليقة، ويقول كيف أنها تئن وتتمخض، لا لأنه سمع أنينًا يخرج من الأرض ومن السماء، لكن لكي يُشِير إلى خيرات الدهر الآتيّ الوافرة جدًا، ويُعلِن الرغبة في التخلُّص من الشرور التي كانت سائدةً. ’إذ أُخضِعَت الخليقة للبطل، ليس طوعًا، بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء‘. ماذا يعني أن ’الخليقة أُخضِعَت للبطل‘؟ يعني أنها صارت فاسدةً. لأيّ سبب ولماذا صارت فاسدةً؟ حدث هذا من أجلك أنت أيها الإنسان. لأنك أخذت جسدًا فانيًا وضعيفًا، ولأن الأرض قَبِلَت اللعنة وأنبتت شوكًا وحسكًا“.[22]

محبة الله الفائقة رغم الشرور

يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الله غني في الرحمة، لأنه بالرغم من الشرور الكثيرة التي لم تكن تستحق محبته ورحمته، بل تستحق الإدانة الكبرى والغضب، إلا أنه بسبب غنى رحمته كانت محبته الفائقة كالتالي:

”[الله] ليس فقط رحيمًا، بل غنيًا في الرحمة، مثلما يقول في موضع آخر: ’ككثرة مراحمك‘ (مز 69: 16)، وأيضًا ’أرحمنى يا الله […] حسب كثرة رأفتك‘ (مز 51: 1). ثم يقول: ’من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها‘. ومن أين يتَّضح أنه أحبنا؟ لأن تلك الأمور لم تكن مستحقة للمحبة، بل للغضب، ولإدانة كبرى. إذًا، فمحبته هذه هي بسبب غنى رحمته“.[23]

ق. أمبرسيوس أسقف ميلان

إخضاع الضعفات بالصليب

يُبيِّن ق. أمبروسيوس أسقف ميلان قوة الصليب في إخضاع الضعفات البشرية، وليس الصليب هو مرض وضعف بشريّ، كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي كالتالي:

”لذلك، فكما أنه على الصليب، لم يكن هو ملء اللاهوت الذي أُخضِعَ، بل ضعفنا، هكذا أيضًا فإن الابن سيخضع للآب بالطبيعة التي اشترك فيها معنا، حتى أنه حينما يتم إخضاع شهوات جسدنا، لا يكون للقلب أيّ اهتمام بالغنى، أو الطمع، أو اللذات، بل يكون الله هو الكل بالنسبة لنا، إنْ عشنا حسب صورته ومثاله، بأقصى ما يمكننا البلوغ إليه في كل شيء“.[24]

الصليب هو نصرة على الألم

يُؤكِّد ق. أمبروسيوس على أن ميراث الصليب قد منحنا النصرة على الألم، وليس كما يدَّعي البعض عن جهل أن الصليب مرض والمرض صليب كالتالي:

”لقد منحتكم النصرة على الألم، أي ميراث الصليب“.[25]

الإيمان بالمسيح هو شافي آلامنا

يشير ق. أمبروسيوس إلى أن الإيمان بالمسيح هو العلاج الفعَّال لأصل الألم ومصدره، وليس هو مصدر الألم والشدائد، فالإيمان بالمسيح هو الدواء الممتاز والشافي لجراحاتنا وخطايانا كالتالي:

”حقًا إنه علاجٌ فعَّالٌ، لا ينزع فقط ندبة الجرح القديم، بل وأيضًا يقطع أصل الألم ومصدره. أيها الإيمان الأثمن من كل خزائن الجواهر؛ أيها الدواء الممتاز الشافي لجراحتنا وخطايانا!“.[26]

ق. كيرلس الإسكندري

 الله ليس علة بلايا البشر

يُفسِّر ق. كيرلس الإسكندري آية ”هل توجد مصيبة في المدينة لم يصنعها الرب؟“ (عا٣: ٦) مُستنكِرًا أن يكون الله علة بلايا البشر، ويَعتبر التفكير فيه هو انصراف الذهن إلى الفحشاء كالتالي:

”أمَّا من ناحية الأقوال بما يُحدِثه الله في المدينة، فلا يجب أن ينصرف الذهن إلى الفحشاء (ليبتعد هذا الفكر بعيدًا حاشا!)، بل الإساءة فقط، أي الغضب وإعلانه، إذ يُهدِّد الذين يخطئون مقنعًا إياهم أن يرجعوا إلى ما يليق وما يجب“.[27]

إعلان العجز أمام معضلة الألم والمرض

ولكن يُعلِن ق. كيرلس في الأخير عجزه أمام معضلة الألم والمرض المعقدة وصعبة الحل والتفسير قائلاً:

”ولكن ليس من السهل أن نُدرِك ما هو نوع الشرح الذي يمكن أن يُقدِّمه أي أحد بطريقةٍ مقنعةٍ بخصوص أولئك الذين يتألمون بآلامٍ مرعبةٍ منذ ولادتهم وسنوات حياتهم الأولى، أو حتى يُصَابون بأمراضٍ وهم لا يزالون في الرحم. […] حقيقة لا نستطيع أن ندرك بعقولنا تلك الأمور التي تعلو فوقنا جدًا. وأنا أنصح العقلاء وفوق الكل أنصح نفسي، بالابتعاد عن الرغبة في فحص هذه الأمور بطريقةٍ عميقةٍ. […] ينبغي أن نعترف بتقوى أن الله وحده يعرف هذه الأمور بكيفية تخصه هو وممتازة في نفس الوقت، وينبغي أن نُؤكِّد ونُؤمِن أنه بما أنه هو ينبوع كل برّ، فهو لن يفعل شيئًا ولن يُقرِّر شيئًا في شئون البشر أو في أمور باقي الخليقة يكون غير لائق بذاته، أو يتعارض بأيّ حال مع الاستقامة الحقيقية للبرّ“.[28]

ق. ساويروس الأنطاكي

الإنسان هو علة فساد الخليقة

يرى ق. ساويروس الأنطاكيّ أن آدم الإنسان الأول بعصيانه وتعديه الوصية جلب الفساد والموت على نفسه وعلى الخليقة، وهكذا فقدت الخليقة نعمة عدم الفساد وعدم الموت التي كانت من الله، ولذلك حُكِمَ على الإنسان ذاته بالموت وخدمت الخليقة نفسها الفساد وخضعت للبُطْل كالتالي:

”ومرةً أخرى، لو أن الإنسان الأول كان قد حفظ الوصية، ولم يضل بالخطية التي بغواية الحية، لبقيتْ الخليقة ذاتها مُحتفِظةً لنفسها بنعمة عدم الموت من الله. لأنه بموجب الحالة التي نحن فيها كما وُجِدَت من أجلنا، تزول أجزاؤها أيضًا. ولهذا السبب أيضًا حينما حُكِمَ على الإنسان ذاته بالموت، خدمتْ هي ذاتها أيضًا [الخليقة] الفساد، و ’أُخضِعَتْ للبُطْل‘ (رو 8: 20)، كما يقول الرسول، لكنها تأمل أن تكتسب معنا، ما كان لها منذ البدء، وسيكون لها خلودًا بغير فساد، حينما نبلغ القيامة وملكوت السماوات. حيث يقول بولس ذاته الأكثر حكمةً ويصرخ أيضًا: ’لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ‘ (رو 8: 21)“.[29]

ويُؤكِّد ق. ساويروس على أن الله لم يخلق العالم من أجل الفساد، لأن خليقة الله جيدةٌ. ولكن لأن طبيعتها مائعة جدًا فهي قابلة للفساد، ولذا فهي تحتاج إلى تدخل الله لكي ما تشترك في عدم الفساد كالتالي:

”ولكن يا صديقي الصالح، في الواقع، إن الله لم يخلق العالم لكي يفسد، لأن كل خليقة الله جيدةٌ كما قد سمعتَ. ولكن بما أنها من طبيعة مائعة جدًا، فعلى النقيض، قد أوجدها كيما تشترك في عدم الفساد، لأنه في الواقع ’الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ‘ (رو 8: 21)“.[30]

ق. يوحنا كاسيان

عدم سماح الله بالشر

ينقل ق. يوحنا كاسيان شهادة الأب ثيؤدور، أحد الآباء النساك الكبار آنذاك في البرية المصرية، عن أن الله لا يسمح بالشرّ إطلاقًا على قديسيه أو عن طريق آخرين، فلا يفرض أحدٌ شرّ الخطية على آخر قهرًا، إنما يحدث هذا من خلال تراخيه أو شهوات قلبه الفاسدة كالتالي:

”الاحتفاظ بهذا التمييز الواضح الثابت وتلك المعرفة، بأنه ليس شيئًا خيرًا إلا الفضيلة وحدها، ولا يُحسَب شيء شريرًا سوى الخطية وحدها والانفصال عن الله، هذا يجعلنا نُدرِك بكل حرص: هل الله يسمح للشر أن يُفرَض على قديسيه مُباشرةً، أو عن طريق آخرين؟ بالتأكيد، لا يمكن أن يحدث هذا. إذ لا يفرض أحدٌ شر الخطية على آخر قهرًا. إنما يحدث هذا خلال تراخيه أو شهوات قلبه الفاسدة“.[31]

الله كلي الصلاح غير متغير

وينقل ق. يوحنا كاسيان شهادة الأب شيريمون، أحد آباء البرية المصرية العظام آنذاك، عن أن الله لا ينفعل غضبًا بسبب الأخطاء، ولا يتأثر بانفعالات خطايا البشر، إذ هو على الدوام كليّ الصلاح وغير مُتغيِّر كالتالي:

”أمَّا المحبة فتتعلق بالله، وبالذين نالوا في داخلهم أن يكونوا على صورة الله مثاله. لأن الله وحده هو الذي لا يصنع الصلاح خوفًا، ولا ابتغاء كلمة شكر، أو نوال جزاء، إنما يصنع الصلاح ببساطةٍ من أجل محبة الصلاح. وذلك كقول سليمان: ’الربّ صنع الكل لغرضه‘ (أم 16: 4). فبصلاحه يُغدِق بالخير على المستحقين وغير المستحقين، لأنه لا ينفعل غضبًا بسبب الأخطاء، ولا يتأثر بانفعالات خطايا البشر، إذ هو على الدوام كليّ الصلاح وغير مُتغيِّر“.[32]

الله ليس علة الموت

ينقل ق. يوحنا كاسيان شهادة الأب شيريمون عن أن الهالكين يهلكون بغير إرادة الله، لأن الله ليس بصانع الموت كالتالي:

”وإذ الهالكون يهلكون بغير إرادة الله، لهذا يمكننا أن نقول بأن الله ليس بصانع الموت، وذلك كشهادة الكتاب المقدَّس القائل: ’إذ ليس الموت من صُنع الله ولا هلاك الأحياء يسره‘ (حك 1: 13)“.[33]

نستنتج من هنا أن الله ليس علة الأمراض الجسدية، بل الله الصالح هو الشافي والمخلص للآلام، وواضع النهاية لها، ولا يسمح الله بالأمراض كأنه مُشترِك أو مُتورِّط في إصابة البشر بالأمراض، بل الله يُحوِّل الشر إلى خير، ويُحوِّل المرض إلى صحة، وليس العكس، فالله في طبيعته صالح وخيّر وإلى الأبد رحمته، وليس مرض وموت وشر في طبيعته، حاشا!

لا توجد فكرة ما دام الله لا يسمح بالمرض يبقى إله ميت في ذاته، هذا كلام غير منطقي. الله خلق نظام طبيعي فيه علل طبيعية تحدث جميعها في انسجام وتوافق، هل معنى اختلال هذه العلل الطبيعية هو اختلال وخلل في خالقها، أم نقص في طبيعتها يتدخل الله بتدبيره وعنايته ليُصلِّحه؟ المرض والموت والألم والشر وغيرها من مترادفات دخلت بعد السقوط وانفصال الإنسان عن الله مصدر الصحة، والحياة، والسعادة، والخير، ولم يكن المرض والموت والألم والشر في طبيعة الله؟ فهل يرتد مرض، وموت، وألم، وشر الإنسان على الله، ويصبح الله علة هذه الأشياء، لأنه هو خالق ومُوجِد هذا النظام الطبيعيّ؟

أمَّا تدبير وعناية الله بالخليقة، فهذا شيءٌ مفروغٌ منه، أمَّا القول إذَا كان الله لا يسمح بالمرض، فلا يسمح بالشفاء، فهذا مغالطة منطقية، لأنه الأصل هو الصحة، وليس المرض، المرض هو اختلال في النظام الطبيعيّ الذي خلقه الله، لا ترتد علته على الله خالق النظام الطبيعيّ، بل علته في ضعف النظام الطبيعيّ، لذا يتدخل الله بعنايته وقدرته لإصلاح الخلَّل، وليس هو علة الخلَّل من الأساس.

 

 

 

 

الفصل الثاني: مفهوم العقوبة الإلهية

سوف نحاول في هذا الفصل استعراض رؤية آباء الكنيسة وتعاملاته مع البشر في حالة انتشار الفساد والشرّ بصورةٍ مفرطةٍ في العالم، وذلك من خلال مفهوم الآباء ونظرتهم لتأديبات الله للبشرية، وكيف يُؤدِّب الله البشر بسبب شرورهم وفسادهم.

ق. إيرينيؤس أسقف ليون

طول أناة الله في إصلاح الإنسان

يرى ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسيّ، وأسقف ليون بفرنسا، أن الله طويل الأناة في مسألة إصلاح الإنسان كالتالي:

”لكن طالما أن الله لا يُغلَب، وهو طويل الأناة، فقد أظهر نفسه أنه طويل الأناة في مسألة إصلاح الإنسان وامتحان الجميع“[34]

شفاء الإنسان من مرض الخطية

يُؤكِّد ق. إيرينيؤس على أن الخطية هي مرض ينبغي أن يُشفَى الإنسان منه لكي يتمجَّد، وهكذا يستطيع رؤية ربه كالتالي:

”لأن غير المخلوق هو كاملٌ، أي الله. كان ضروريًا أن يُخلَق الإنسان أولاً، وبعد أن يُخلَق يجب أن ينمو، وعندما ينمو يجب أن يتقوى، وبعد أن يتقوى يجب أن يكثر، وبعد أن يكثر يجب أن يُشفَى من مرض الخطية، وبعد أن يُشفَى يتمجَّد، وبعد أن يتمجَّد يجب أن يرى ربه“.[35]

ويستطرد ق. إيرينيؤس مُشِيرًا إلى أن الله الابن قد شفى الإنسان بغفران خطاياه، وهكذا أظهر نفسه مَن يكون هو، لأنه لا يستطيع أحدٌ أن يغفر الخطايا إلا الله وحده، وبينما الرب غفرها، فإنه شفى الناس وأظهر ألوهيته كالتالي:

”لذلك، فهو شفى الإنسان بغفران الخطايا، بينما أظهر نفسه أيضًا مَن يكون هو، لأنه إنْ كان لا يستطيع أحدٌ أن يغفر الخطايا إلا الله وحده، بينما الرب غفرها وشفى الناس، فواضح أنه هو نفسه كلمة الله الصائر ابن الإنسان“.[36]

ق. يوستينوس الشهيد

المسيح هو الطبيب الشافي

يشير ق. يوستينوس الشهيد إلى أن المسيح طبيبنا قد خلَّصنا من شهوات الجسد، فهو يشفي البشر من مرض الشهوات، فالله يهدف إلى شفاء الإنسان وليس معاقبته لإهلاكه كالتالي:

”ولكن إذَا كان طبيبنا وإلهنا المسيح قد خلَّصنا من شهوات الجسد، ونظَّم رغباته من خلال حكمته وناموسه، فهذا دليلٌ دامغٌ على وعد المسيح للجسد بالخلاص، كما هو الحال بالنسبة للطبيب الذي لصالح المريض الذي يأمل في شفائه، لا يدعه يفعل كل ما يشتهيه“.[37]

العلامة كليمندس الإسكندري

الله لا يعاقب بل يؤدب

يُؤكِّد العلامة كليمندس الإسكندريّ على أن الله لا يُعاقِب، لأن العقاب هو قصاص الشرّ، ولكنه يُؤدِّب من أجل خير أولئك الذين يُؤدِّبهم جماعيًا وفرديًا كالتالي:

”لأن هناك تقويمٌ جزئيّ، يُسمَّى التأديب، والذي يتكبده الكثيرون منَّا عندما نبتعد بالمعصية عن شعب الربِّ. ولكن كأطفال يُؤدَّبون من مُعلِّميهم، أو والدهم، هكذا نحن أيضًا من قِبَل العناية الإلهية. ولكن الله لا يُعاقِب، لأن العقاب هو قصاص الشرّ. ومع ذلك، هو يُؤدِّب، من أجل خير أولئك الذين يُؤدِّبهم، جماعيًا وفرديًا“.[38]

العلامة أوريجينوس الإسكندري

العقوبة الإلهية التربوية

يتحدَّث العلامة أوريجينوس عن قيمة العقوبة التربوية من الله، وإنها لتقويم وتصحيح الخطاة، وليس المقصود إهلاكهم وفنائهم، حيث يرد على ادعاءات الغنوسيين بقسوة إله العهد القديم وبصلاح ورأفة إله العهد الجديد بحسب زعمهم الباطل بوجود إلهين في الكتاب المقدَّس بعهديه كالتالي:

”ليتهم يخبرون عن فضيلة ففضيلة مُنكِبين على فحص الكتب، فلا يسعوا إلى التملُّص بقولهم: إنَّ الله الذي يُجازِي كل أحد بحسب أعماله يُجازِي على السوء بسوءٍ حنقًا منه على الأشرار؛ وإنه لا يُبادِر الذين أخطئوا وهم في احتياج إلى العناية بهم بأدويةٍ ناجعةٍ، بعلاجٍ يبدو أنه يحمل الألم إليهم في الآن الحاضر لأجل إصلاحهم. فهم لم يقرأوا ما كُتِبَ عن رجاء الذين لقوا حتفهم في أثناء الطوفان، الرجاء الذي قال عنه بطرس في رسالته الأولى: لقد مات المسيح بحسب الجسد، ولكنه مُحيي بحسب الروح، وبهذا الروح مضى وبشَّر الأرواح المضبوطة في السجن، تلك التي عصت قديمًا إذ كان حلم الله يتأنى، أيام كان نوح يبني الفلك الذي نجا فيه، بالماء، عدد يسير من الناس – ثمانية أنفس بالضبط. وأنتم أيضًا يُخلِّصكم اليوم بالعماد على النحو نفسه. ويا ليتهم يقولون لنا، في موضوع سدوم وعمورة، هل يعتقدون بصدور الأقوال النبوية عن الله، الذي نُقِلَ عنه أنه أمطر عليهم وابلاً من نار وكبريت! ماذا يقول حزقيال عن هاتين المدينتين؟ ستعود سدوم إلى قديم حالها. فإذ إنه اقتصّ من الذين استحقوا القصاص، ألم يفعل ذلك لمنفعتهم؟ فقد قال مُخاطِبًا بنت الكلدانيين: عندك حجر، فاقعدي عليه يُثبِك خيرًا. وفي شأن الذين سقطوا في البرية، ليُصغِي الزنادقة إلى ما جاء خبره في المزمور 77، منسوبًا بعنوانه إلى آساف: إذ كان يقتلهم كانوا يلتمسونه. لم يقل إنّ بعضًا منهم إذ قُتِلوا، كان آخرون يلتمسونه، بل إنّ الذين قُتِلوا قد لقوا حتفهم، بحيث إنهم كانوا يلتمسون الله عندما قضوا نحبهم. فهذا كله يُظهِر أنَّ الله العادل والصالح، إله الناموس والأناجيل، إله واحد هو هو نفسه، وأنه يعمل الخير بعدلٍ، ويُعاقِب بصلاحٍ، إذ ليس الصلاح دون العدل، ولا العدل دون الصلاح، علامة منزلة الطبيعة الإلهية“.[39]

ويستمر العلامة أوريجينوس بالرد على الغنوسيين وادعاءاتهم الفاسدة بإلهين في الكتاب المقدَّس في سياق تفسيره لشفاعة موسى وهارون أمام الله أثناء حادثة تمرد قورح وداثان وأبيرام وانتشار الوباء بين العبرانيين (عد16: 46). حيث يُذكِّر العلامة أوريجينوس بلطف الله الذي تمتع به تلاميذ المسيح، لكيلا يتزعزع أحد بتأثير الهراطقة فهم يقولون إنَّ رب الشريعة ليس مُحبًا لكنه عادل، وإن شريعة موسى لا تُعلِّم المحبة بل العدل. فلينظروا هؤلاء المحارِبون لله، والمحارِبون للشريعة كيف أنَّ موسى نفسه وهارون هذان الرجلان في العهد القديم قد خضعا مُقدَّمًا لتعاليم الإنجيل.

موسى ”أحب أعداءه وصلى لأجل مُضطهِديه“. هذا ما علَّمته بكل دقة تعاليم المسيح في الأناجيل. لنتعلَّم حقًا كيف سجدا ووجههما للأرض، وصليا لأجل الثائرين الذين أرادوا أنْ يقتلوهما. إذًا، نجد قوة الإنجيل في الشريعة، ولا تُفهَم الأناجيل إلا على أساس الشريعة.[40]

دحض العقوبة الجزائية الانتقامية

ويرى العلامة أوريجينوس أن الله يُوقِع التعب والعقوبات على الأشرار كأدوية لهدايتهم، مُشِيرًا إلى العقوبات الشفائية التربوية للأشرار، وليست العقوبات الجزائية الانتقامية قائلاً:

”لماذا لا نُحسِّن نفوس أولئك الذين يُؤمِنون بالإنجيل لتكون أفضل؟ العقيدة المسيحية لا تُعلِّم أن الرجل فاقد الوعي أو فاقد العقل يستحق العقاب لأنه رجل شرير، ولكنها تُظهِر أن الله يُوقِع التعب والعقوبات على الرجال الأشرار كأدوية لهدايتهم. هذا هو رأي المسيحيين الأذكياء، مع أنهم يتقبلون الأفكار البسيطة كما يفعل الآباء مع الأولاد الصغار جدًا“.[41]

ق. ديونيسيوس الإسكندري

الانفصال عن الله أعظم عقاب للبشرية

يرى ق. ديونيسيوس الإسكندريّ، بطريرك الإسكندرية ومُعلِّم المسكونة، أن ترك الإنسان بلا عناية وبلا افتقاد من الله هو أعظم عقاب لذنوبه الجسيمة قائلاً:

”أن يُترَك [الإنسان] بلا عناية وبلا افتقاد من الله، وأن نصير يتامى ومتروكين، فهذا هو أعظم عقاب لذنوبنا الجسيمة التي تجعلنا غرباء في الحال“.[42]

التأديب الإلهي التربوي

يشير ق. ديونيسيوس إلى تأديب الله التربويّ لنا بالتجربة، فهو يؤدبنا ولا يضرنا أو يهلكنا بالتجربة، لأن الله غير مُجرِّب بالشرور، أمَّا عن تجربة إبليس فهي تجربةٌ تؤدي إلى هلاكنا وليس خلاصنا كالتالي:

”وقد علَّمهم أن يصلوا حتى لا يدخلون في تجربةٍ، عندما قال: ’ولا تُدخِلنا في تجربة‘، التي تعني ’أدِّبنا لكن لا تُوقِعنا في التجربة‘، ولأنه لم يقصد أنهم سيكونون بمنأى عن التجارب، بل أنهم سينجون من الشرير، فقد أضاف قائلاً: ’لكن نجنا من الشرير‘، ولعلك تسأل عمَّا الفرق بين أن يكون أحدٌ مُجرَّب وأن يسقط ويبقى في التجربة؟ حسنًا، فإذَا كان أحدٌ منتصرًا على الشرِّ، فهل ينتصر عليه دون أن يُجاهِد ضده، ودون أن يحميه الله بستره، هذا الإنسان يكون قد دخل التجربة ووقع فيها كمَّن اُقتيد إليها مأسورًا. لكن إذَا كان يُقاوِم ويحتمل، فتقول عن هذا الإنسان إنه مُجرَّب، لأنه لم يدخل فيها أو يسقط داخلها [بنفسه]. وهكذا اُقتيد المسيح بالروح، لكن ليس لكي يدخل في التجربة، بل ’ليُجرَّب من إبليس‘ (مت 3: 1)، وهكذا إبراهيم أيضًا لم يدخل بنفسه إلى التجربة، ولم يقتاده الله إليها، لكن الله قد جرَّبه (اختبره) لكنه لم يدفعه فيها. وحتى الربَّ نفسه قد اختبر التلاميذ. ولكن عندما يُجرِّبنا الشرير يستميلنا إلى التجارب، فينشغل الإنسان في تجارب الشرير. لكن عندما يُجرِّب (يختبر) الله، فإن تجاربه غير مُجرِّبة بالشرور. فقد قيل عن الله إنه ’غير مُجرَّب بالشرور‘، لكن الشيطان يسحبنا للتجربة بعنفٍ، ويُلقِينا في الهلاك، أمَّا الله فيقودنا بيديه ليُدرِّبنا من أجل خلاصنا“.[43]

ق. كيرلس الأورشليمي

شفاء مرض الخطية

يرى ق. كيرلس الأورشليميّ إن الخطية هي شر مُرعِب للغاية، لكنها ليست بالمرض المستعصِي شفائه، هي مُرعِبة لمنْ يلتصق بها، لكن مَنْ يتركها بالتوبة يُشفَى منها بسهولة.[44]

رحمة الله ورأفته بالخطأة

يُؤكِّد ق. كيرلس الأورشليميّ على عظم محبة الله للبشر، وترفقه وطول أناته الشديدة عليهم من أجل توبتهم، ويُعدِّد أمثلة رحمة ورأفة الله بالخطاة، وتعامُّله معهم كما يتعامل الطبيب الماهر مع مرضاه، فيذكر طول أناته على جبابرة الأرض الخطاة خمسمائة عامًا يُهدِّدهم بالطوفان لكي يهبهم مُهلة للتوبة، فلو أنهم تابوا لما أخفقوا في التمتُّع بمحبة الله المترفِقة. ونفس الشيء صنعه الله مع راحاب الزانية الوثنية، ومع هارون عندما أخطأ في حق أخيه موسى، وترفُّقه بداود الساقط، ورحمته بسليمان وآخاب ملك السامرة، ويربعام الملك عابد الأوثان، ومع منسى الملك الشرير، ومع حزقيا الملك، ومع نبوخذ نصر الملك وغيرهم الكثيرين.[45]

يُواجِه ق. كيرلس الأورشليميّ هرطقة الغنوسيين القائلين بإلهين في الكتاب المقدَّس، واحد للعهد القديم والآخر للعهد الجديد، إنَّ الأسفار المقدَّسة وتعاليم الحق تُعرِّفنا بإله واحد وحده، مُدبِّر كل الأمور بقدرته، يتحمل كثيرًا بإرادته. إنه صاحب سلطان على الوثنيين، وبطول أناته يحتملهم.

له سلطان على الهراطقة الذين لا يُقِيمونه عليهم إلهًا، وبطول أناته يحتملهم. له سلطان على الشياطين وبطول أناته يحتملهم، ليس لأنه مُحتاج إلى سلطان كمَّن هو ضعيف، لقد سمح للشياطين أن تعيش لغرضين: لكي تُخزِي نفسها بنفسها بالأكثر في حربها، ولكي يتكلّل البشر بالنصرة. يا لعناية الله الحكيمة! التي تستخدم نية الشرير كأساس لخلاص المؤمنين! لا شيء يفلت من سلطان الله الذي يحكم الكل وبطول أناته يحتمل حتى المجرِمين واللصوص والزناة مُحدِّدًا وقتًا مُعيَّنًا لمجازاة كل أحد، لكن إنْ أصرَّ مَنْ يُحذِّرهم على عدم التوبة من القلب ينالون دينونة عظيمة.[46]

ق. يوحنا ذهبي الفم

الله لا يريد معاقبتنا

يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الله لا يريد أن يتركنا أو يُعاقِبنا، وأنه حتى عندما يُعاقِبنا العقوبة الشفائية التأديبية، فإنه يُعاقِبنا كارهًا وعن غير رغبة منه، فالله لا يُسرّ بموت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا كالتالي:

”في الحقيقة نحن عندما نُترَك من الله، نُسلَّم إلى إبليس، وعندما نُسلَّم له نُبتلَى بنتائج مميتة لا تُعدَّ. والكتاب المقدَّس من أجل يخيف سامعيه قال: ’إنه قسي‘، و ’إنه أسلَّمهم‘. وكشهادة على أنه هو نفسه ليس فقط لا يتخلى عنَّا، بل أيضًا لا يتركنا ما لم نرد نحن هذا، اسمع لِمَّا قاله: ’ألم تفصل آثامكم بيني وبينكم‘ (إش 59: 2)، وأيضًا ’هوذا البعداء عنك يبيدون‘ (مز 73: 27). وصرَّح هوشع أيضًا: ’لأنك نسيت شريعة إلهك، أنسى أنا أيضًا بنيك‘ (هو 4: 6). وهو نفسه أعلن في الإنجيل: ’كم مرة أردت أن أجمع أولادك ولم تريدوا‘ (لو 13: 14). ويقول إشعياء أيضًا في موضع آخر: ’لماذا جئت وليس إنسان، ناديت وليس مجيب‘ (إش 50: 2). إنه قال هذه الأشياء ليُظهِر أننا نحن الذين نبدأ عملية الابتعاد، ونصير بذلك مسئولين عن هلاكنا. لأن الله ليس فقط لا يريد أن يتركنا أو يُعاقِبنا، بل حتى عندما يُعاقِبنا، فهو يُعاقِبنا كارهًا وعلى غير رغبة منه. وهو في الواقع يقول: ’إني لا أُسرّ بموت الخاطئ، بل بأن يرجع ويحيا‘ (حز 18: 32). بل إن المسيح بكى على خراب أورشليم كما نبكي نحن في حالة موت أصدقائنا. لذلك حيث إننا نعرف هذه الأمور، فلنبذل كل جهد كيلا ننفصل عن الله، بل على العكس، ليتنا نجتهد في العناية بنفوسنا وخلاصها، وبإظهار الحب لبعضنا البعض“.[47]

يليق بالله الخلاص وليس العقوبة

ويُوضِّح ذهبيّ الفم أنه يليق بالله أن يُخلِّص وليس أن يُعاقِب، لذلك فعل كل هذه الأشياء وفقًا لخطته من جهة خلاص البشرية كالتالي:

”مع الوضع في الاعتبار أن الخطية ليست مثل الهبة، والموت ليس كالحياة، وأيضًا من المستحيل أن يُوضَع الشيطان في مُقارنة مع الله، لأن الفروق غير محدودة ولا تُحصَى. إذًا، هذا قد حدث بالنظر إلى قدرة ذاك الذي فعل كل هذه الأشياء، ووفقًا لخطة الله من جهة خلاص البشرية – لأن ما يليق بالله بالأكثر هو أن يُخلِّص لا أن يُعاقِب – وهنا مكمن التميُّز والانتصار“.[48]

غاية الله هي الخلاص وليس العقوبة

يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الله لم يمت لكي يقف أمامه أناس يستوجبون العقوبة ومحكوم عليهم، بل لكي يُقدِّم لهم العون بموته وقيامته لأجل تبريرهم قائلاً:

”لأنه لم يمت لكي يقف أمامه أناسٌ يستوجبون العقاب ومحكوم عليهم، بل لكي يُقدِّم لهم العون، لهذا مات وقام لأجل تبريرنا“.[49]

ق. غريغوريوس النيسي

البشر يعاقبون أنفسهم بأنفسهم

يستنكر ق. غريغوريوس النيسيّ أولئك الذين ينسبون إنزال الله للشرِّ بالبشر، بل البشر هم الذين يستسلمون لشرورهم بإرادتهم الحرة، وهم الذين يجلبون على أنفسهم الشرور والعقوبة، فهم يعاقبون أنفسهم بأنفسهم جراء شرورهم وأهوائهم الفاسدة كالتالي:

”ولكن إذَا كان صحيحًا أن الكتاب المقدَّس يتكلَّم هذا الكلام، وإذَا كان الله لا يُسلِّم إلى الأهواء الفاسقة إلا مَن يستسلم لها، فليس تصلُّب فرعون بإرادةٍ إلهيةٍ، وليست الحياة الخسيسة من ثمار الفضيلة. فإذَا كانت الألوهة تستطيع أن تريد ذلك وتفعله، توقفت الحرية عن أيّ عمل، وزال كل فرق بين الخير والشرّ. لا، ليس الأمر كذلك، ونحن نرى أناسًا يختارون هذه الحياة، وآخرين يختارون أخرى، ونرى هؤلاء يترقون في الفضيلة، وأولئك ينزلقون في الرذيلة. ومن ثمَّ، فليس من الصحيح أن نُعلِّق بقدرٍ فائقٍ الطبيعة وقائم بإرادةٍ إلهيةٍ، هذه الاختلافات التي هي، عند كل إنسانٍ، من شأن اختياره الحر. […] ولكننا سنُضمِّن الأمر معنى صحيحًا، ونقول إن الحرمان من النور، عند مَن لا يرى هو سبب سقوطه في الحفرة. وهكذا، يجب أن نفهم قول الرسول، عندما يتكلَّم على مَن يغفلون عن معرفة الله، وأن الله يُسلِّمهم إلى أهوائهم الفاسدة، كما يجب أن نفهم تصلُّب قلب فرعون، لا أن الإرادة الإلهية تُحدِث التصلُّب في النفس، ولكن الحرية، بانحرافها إلى الشرِّ، تصد الكلمة التي تعمل على تليين مقاومتها“.[50]

الإنسان يجلب العقوبة على نفسه

يُوضِّح ق. غريغوريوس النيسيّ مفهوم العقوبات الإلهية في سياق تفسيره للضربات العشرة التي حلَّت بالمصريين، إنه يجب ألا نستنتج أنَّ هذه الضربات التي حلَّت بمَّن يستحقونها جاءت مُباشرةً من الله، بل يجب أن نُلاحِظ أنَّ كل إنسان يجلب على نفسه الضربات بإرادته الحرة بسبب ميوله، ويُخاطِب بولس الرسول مذلة هذا الشخص، قائلاً: ”ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تُذخِر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة، الذي يُجازِي كل واحد حسب أعماله“ (رو2: 5)، ويُؤكِّد النيسيّ أيضًا أننا عندما نقول إنَّ الانتقام المباشر يحل من الله على مَّن يسيئون استخدام إرادتهم الحرة، فمِن المنطقيّ أنْ نُلاحِظ أنَّ أصل هذه المعاناة وسببها هو في أنفسنا، حيث لا يُمكِن أنْ يحلَّ بنا شرّ إلا باختيارنا الحر.[51]

ق. كيرلس الإسكندري

إحياء الوثنية من جديد

وينتقد ق. كيرلس الإسكندريّ القدرية والجبرية وإنزال العقوبات من قِبل الله في سياق حديثه عن ادعاء الشعراء الوثنيين الذين ينسبون المتاعب والشرور والانفعالات لآلهتهم الوثنية، حيث يقول هوميروس في أشعاره إن الإله ”ذياس“ يتحدَّث مع آلهة أخرى عن زنا ”إيجيستوس“، وعن الجزاء الذي يستحقه. ويا للأسف، كيف يتهم البشر الزائلون الآلهة باتهامات ثقيلة، ويقولون إن الشرور تأتي من الآلهة، وهكذا فإن أولئك يتألمون بعصيانهم، وليس من القَدَرَ.

فلأيّ سبب ينسب البعض للآلهة متاعبهم، ولا ينسبونها إلى أخطائهم التي تُسبِّب لهم النكبات؟ فإذا اختار المرء أنْ يعيش حياة مُستقِيمة، وتكون حياته مملوءة بالحكمة واللياقة، فإن عليه أن يسلك بثباتٍ مُتخطِيًا الصعاب، وذلك بناءً على قراره الصحيح والمشورة المستقيمة، ولا يترك نفسه أسيرةً للأعمال الشريرة. لأن في مقدورنا أن نرى الاتجاهين، أقصد الخير والشرير. والذين يُقدِّرون الطريق الصحيح سوف يصلون إلى جمال الفضيلة، أمَّا الذين يحبسون أنفسهم في الشر ويُفضِّلون الظلم، هؤلاء يُفسِدون الحياة نفسها، ويكونون هم سبب هلاكٍ لأنفسهم.[52]

العقوبة الإلهية الممزوجة بالمحبة

يتحدَّث ق. كيرلس الإسكندري أيضًا في سياق تفسيره لشريعة القتل في الناموس الموسويّ عن مفهوم العقوبة الإلهية الممزوجة بالمحبة، حيث إذَا حدث وقتل شخص أحد عن غير عمد، فإنَّ الناموس يُحاكِمه بعقوبة الهروب المستمر، إذ يمزج الله هنا العقوبة بمحبته للبشر؛ حيث لا يجعل عقوبة الجريمة التي هي عن غير قصد، في نفس مستوى جرائم العمد، لذلك أمر الناموس أن تُحدَّد ثلاثة مدن اسمَّاها ”مدن الملجأ“ لكي يلجأ إليها الذين يرتكبون أخطاءً غير مقصودة. ويعقد مقارنة بين تلك الشريعة وبين الخطاة الذين أُسِروا بخطاياهم، كأنهم قاتلون لأنفسهم، بالرغم من أنهم انجرفوا إلى هذا الوضع السيء دون إرادتهم، وصاروا مُخالِفين لله، كما يقول الكتاب: ”لأنَّ تصوُّر قلب الإنسان شرير منذ حداثته“ (تك8: 21).

فكمَّا ساد ناموس الشهوة الجسدية غير الملجَّمة على أعضاء الجسد، هكذا تُعاقَب نفس الإنسان التعيسة، بالهرب من العالم ومن الجسد في منفى، كما لو كان في مدينةٍ بعيدةٍ. وهذا يُشِير إلى أقسام الأرض السفلى، أيّ الهاوية التي تنزل إليها النفس بالموت، كما حدث قديمًا، وقضت النفوس أزمنةً هناك، ولكن عندما جاء رئيس الكهنة المسيح ومات من أجل الجميع، نزل إلى الجحيم، وفتح أبوابه، وحرَّر النفوس من القيود.[53]

العقوبة ليست مشورة الله وإرادته

ويرى ق. كيرلس أن العقوبة الإلهية هي النتيجة الفعلية لحماقة البشر، وليست نتيجة عن مشورة الله أو إرادته كالتالي:

”رغم كل ذلك، فإنه أكرمه بنفس درجة إكرامه للباقين، وغسل قدميه أيضًا، مبينًا دائمًا علامات محبته، ولم يعط فرصةً للعقاب إلا بعد أن يكون استنفذ كل محاولات الإصلاح. ويمكنك أن تلاحظ أن هذه الصفة أيضًا هي خاصة بالطبيعة الإلهية. لأنه رغم أن الله يعرف ما سيحدث، إلا أنه لا يُوقِع عقابه قبل الأوان على أي إنسان. بل بالحري، بعد أن يصبر على الخاطئ لأطول مدة لازمة، حينما يرى أنهم لا ينتفعون من صبره عليهم، بل بالحري يظلون مُستمِرين في طريقهم الشريرة التي اختاروها بأنفسهم، فحينئذٍ يُعاقِبهم، مُبينًا أن عقابه لهم هو النتيجة الفعلية لحماقتهم وانحرافهم، وليس ناتجًا عن مشورته أو إرادته، فحزقيال يقول مثلاً: ’حي أنا يقول السيد الرب، إني لا أسر بموت الشرير، بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا‘ (حز 33: 11)“.[54]

العقوبة نتيجة الفعل نفسه

ويدحض ق. كيرلس تعليم القدرية والجبرية مؤكدًا على ضرورة توافر حرية الإرادة في النفس، لأنها لو حادت عن الحق وفي طياشة تعدت مشيئة مُعطِي الناموس، فيقع عقاب تعديها عليها، فالعقوبة هي نتيجة التعدي والعصيان كالتالي:

”لأن كلمة التعليم تتطلب أن تتوفر للنفس الإرادة الحرة والاختيار الحر لكي تسعى لطلب المكافآت العادلة لأعمالها الصالحة، وهي إنْ حادت عن الحق، وفي طياشة تَعدَّت مشيئة مُعطِي الناموس، يقع عليها عقاب تعديها وهذا أمر معقول جدًا“.[55]

لا يوجد أذى في طبيعة الله

ويُؤكِّد ق. كيرلس على أن ”الله لا يؤذي إذ ليس في طبيعته أذى“.[56] وذلك ردًا على مَن يقولون أن الله يرسل الأمراض والآلام والتجارب الشريرة على البشر لإهلاكهم وأذيتهم.

ق. إيسيذوروس الفرمي

العقوبة الإلهية للإصلاح والتقويم

يُوضِّح ق. إيسيذوروس الفرميّ مفهوم العقوبة الإلهية، ويرى أنَّ تقويم وتصحيح الخطايا الذي يقوم به الله لأجل تحسيننا، لا يجب أنْ نسميه ’غضبًا‘ ولا ’سخطًا‘، بل بالحري ’نُصحًا‘ و ’موعظةً‘. لكن لو اعتبره البعض غضبًا، قاصدين بذلك الإعلان عن محبة الله للبشر، فذلك لأنهم يُؤمِنون بأنَّ الله يتنازل إلى مستوى الأهواء والعواطف بسبب البشر، وصار إنسانًا لأجلهم كالتالي:

” تقويم [تصحيح] الخطايا الذي يقوم به الله لأجل تحسيننا، لا يجب أنْ نُسمِّيه ’غضبًا‘ ولا ’سخطًا‘، بل بالحري ’نُصحًا‘ و ’موعظةً‘. لكن لو اَعتبره البعض غضبًا، قاصدين بذلك الإعلان عن محبة الله للبشر، فذلك لأنهم يُؤمِنون بأنَّ الله يتنازل إلى مستوى الأهواء [العواطف] بسبب البشر، وصار إنسانًا لأجلهم“.[57]

العقوبة الإلهية التربوية

ويُؤكِّد ق. إيسيذوروس أيضًا على نفس المفهوم الشفائيّ والتربويّ عن العقوبة الإلهية في موضع آخر، حيث يرى أن الطبيعة الإلهية وغير الدنسة قد أعطتنا كل أمثلة العقوبات مكتوبةً؛ حيث فُرِضَت عن حقٍ للخطايا، حتى بالخوف من الجحيم ذاته، نتجنب الشركة في الأعمال الخاطئة. إذًا، إنْ خاف أحد التأديبات، ليته يُحافِظ على احترام العقائد كالتالي:

”لقد أعطتنا الطبيعة الإلهية وغير الدنسة كل أمثلة العقوبات مكتوبةً؛ حيث فُرِضَت عن حقٍ للخطايا، بهدف تقويمنا، حتى بالخوف من الجحيم ذاته، نتجنب الشركة في الأعمال الخاطئة. إذًا، إنْ خاف أحد التأديبات، ليته يُحافِظ على احترام العقائد.[58]

ق. باسيليوس الكبير

مفهوم الدينونة الإلهية

يُناقِش ق. باسيليوس الكبير موضوع الدينونة الإلهية والعقاب، ويُفسِّرها وكأنه يتحدَّث بلسان حال أيامنا الحاضرة كالتالي:

”الحديث عن الدينونة تكرَّر في مواضع كثيرة من الكتاب المقدَّس، باعتباره أمر مُلزِم، وقادر أن يحفظ أولئك الذين آمنوا بالله في المسيح يسوع في تعليم التقوى. ولأن الكلام عن الدينونة قد كُتِبَ بطرق مُختلفة، فمِن الواضح أنه أحدث التباسًا لدى أولئك الذين لا يُميِّزون المعنى بدقةٍ. […] ولكن من الواضح أن كلمة ’أدان‘ نتقابل معها في الكتاب المقدَّس، تارة بمعنى ’أُجرِّب‘، وتارة أخرى بمعنى ’أحكم على نفسي‘ […] وقيل أيضًا إن الرب سيدين أو سيُجازِي كل إنسان، أو يُحاسِب كل إنسان، أيّ عندما يفحص الله كل إنسان، سيضع ذلك الإنسان نفسه في مواجهة الدينونة أو القضاء، وسيضع الله مقابل وصاياه أعمال أولئك الذين أخطأوا. وسيُبيِّن في دفاعه أن كل ما كان منوط به عمله لأجل خلاص جميع المدانين، فهذا قد عمله وتمَّمه، حتى يقتنع ويثق الخطاة أنهم مُذنِبين، بسبب ما ارتكبوه من خطايا، وبعدما يقبلون بالقضاء الإلهيّ، سيقبلون العقوبة المفروضة عليهم بإرادتهم“.[59]

العقوبة الإلهية الشفائية

ويستطرد ق. باسيليوس الكبير في نفس السياق مُوضِّحًا معنى العقوبة الإلهية، التي يهدف الله من خلالها إلى الخلاص وليس الهلاك كالتالي:

”فالمجاعات والسيول هي نكبات مُشتركة تأتي على المدن والأمم لكي تُوقِف وتُحجِّم فعل الشر المتفاقِم. إذًا، مثلما نصف الطبيب دائمًا بأنه مُحسِن وكريم حتى لو تسبَّب في إيلام الجسد أو النفس (لأنه يُحارِب المرض وليس المريض) هكذا الله هو صالح يُدبِّر الخلاص من خلال مُحصلة بعض الإجراءات“.[60]

ق. غريغوريوس اللاهوتي النزينزي

العقوبة الإلهية التربوية

يُؤكِّد ق. غريغوريوس النزينزيّ على العقوبة الإلهية التربوية والشفائية لنا عندما نخطئ، فهو يرى أن العقوبة الإلهية ليست عقوبة قانونية جزائية تعسفية وانتقامية قائلاً:

”وحق هو الكلام القائل: ’مَنْ يحبه الرب يؤدبه، ويؤدب الرب كل ابنٍ يحبه‘، والذي يهتم به. والله تعالى جعل العصمة من الخطأ فوق الطبيعة البشرية. وأمَّا إذَا أخطأنا وعُوقِبنا حتى شُفِينا، ينبغي علينا أن نستمر في وجدان التربية الإلهية، ومع الله على الخط التربويّ، وأن نتجنب عقوبةً ثانيةً مرتبة على خطيئة ثانية“.[61]

الله يعاقب بقياسات التربية

ويرى ق. غريغوريوس النزينزيّ أن الله الكلمة يُوقِف المصيبة بالعطف والشفقة، ويعاقب بقياسات التربية والتأديب التي يعرفها الله جيدًا كالتالي:

”ذلك تقدير الكلمة الصانع الحكيم، وذلك هو تصرفه في عنايته بنا، وهو خازن أمورنا وشئوننا في مخازن حكمته وتدبيره. أجل هو الذي يعرف أن يُوقِف المصيبة بالعطف والشفقة، وأن يُلجِّم القباحة والوقاحة بالزجر والعقاب، أعني بقياسات التربية والتأديب التي يعرفها جيدًا“.[62]

العقوبة عمى روحي وانفصال عن الله

يشرح النزينزيّ معنى العقاب والدينونة الإلهية كظلمة وعمى روحيين وانفصال عن التنعُّم بمعاينة الله كالتالي:

”فآمن أنت يا هذا بالقيامة والدينونة والمجازاة العادلة من عند الله. وافهم هذه المجازاة على أنها نور للمطهَّرين في أذهانهم أعني أنهم سيرون الله وسيعرفونه كل واحد على قدر الطهارة التي هو فيها، وهو ما نسميه ’الملكوت السماوي‘. وافهم أيضًا أن العقاب إنما هو ظلمة للذين عموا وضلوا عن جادة الحق والصواب. فأي تغرُّب عن الله هو بنسبة ما عندنا هنا من العمى“.[63]

ق. كبريانوس أسقف قرطاجنة

تأديبات الله للتقويم والإصلاح

يرى ق. كبريانوس الشهيد، أسقف قرطاچنة، أن تأديبات الله هي للتقويم والإصلاح، وليس للهلاك قائلاً:

”وأخذنا من سليمان توصيات الحكمة التي تنصحنا قائلةً: ’يا ابني، لا تحتقر تأديب الربِّ، ولا تكره توبيخه. لأن الذي يحبه الربُّ يُؤدِّبه‘ (أم 3: 11، 12). فإنْ كان الله يُؤدِّب الذي يحبه، ويُؤدِّبه لكي يتقوَّم، لذلك على الأخوة، وبالأخص الكهنة، ألا يبغضوا مَن هم يُؤدِّبونهم لكي يتقوَّموا (ينصلح حالهم)، إذ أن الله تنبأ من قبل بفم إرميا، وأشار إلى زماننا بقوله: ’وسأعطيكم رعاةً بحسب قلبي، وسيغذونكم، ويرعونكم بالتأديب‘ (أنظر إر 3: 15)“.[64]

ق. يوحنا كاسيان

العقوبة الإلهية الشفائية

ينقل ق. يوحنا كاسيان رأي الأب ثيؤدور، أحد آباء البرية المصرية، عن مفهوم العقوبة الإلهية كعقوبة تأديبية شفائية كالتالي:

”اعتاد الكتاب المقدَّس أن يستخدم بعض التعبيرات في غير معناها الأصليّ. فيستخدم كلمة ’الشرور‘ عن ’الأحزان والضيقات‘ ليس لأنها شر، أو طبيعتها شريرة، بل لأن مَنْ تحل بهم هذه الأمور لأجل صالحهم يَعتبرونها شرًا. فحينما يتحدَّث الحكم الإلهيّ مع البشر، يتكلم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشرية. فالطبيب يقوم بقطع أو كي الذين يعانون من القروح لأجل سلامة صحتهم، ومع هذا يراه مَنْ لا يقدرون على احتماله أنه شر. والمنخاس أو السوط يكون مُفيدًا للحصان الجموح. والتأديب يُعتبر مرًا بالنسبة للمُؤدِّبين، إذ يقول الرسول: ’ولكن كل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن، وأمَّا أخيرًا فيُعطِي الذين يتدربون به ثمر بر السلام‘ (عب12: 11)، ’الذي يحبه الرب يُؤدِّبه ويجلد كل ابن يقبله فأيّ ابن لا يُؤدِّبه أبوه؟!‘ (عب12: 6، 7)“.[65]

 

 

 

الفصل الثالث: مفهوم العدالة الإلهية

سوف نحاول في هذا الفصل توضيح رؤية ومفهوم آباء الكنيسة عن العدالة الإلهية، وهل يتفق مفهوم العدالة الإلهية مع مفهوم العدالة البشرية؟ وهل الله عادلٌ بنفس المفهوم البشريّ لعدالة المحاكم البشرية، أن يسمو مفهوم العدالة الإلهية السامية والكاملة على العدل البشريّ الناقص والنسبيّ.

ق. إيرينيؤس أسقف ليون

عدل الله هو صلاحه وحكمته

نرى ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسيّ في رده على الهرطقة الماركيونية، يربط بين عدل الله وصلاحه مُؤكِّدًا على أن صلاح الله لا يهجره عندما يُمارِس عدله، بل على العكس، فإن صلاحه يتقدَّم إلى الأمام ويأخذ الصدارة أثناء ممارسته لعدله الصالح الحكيم والرحيم كالتالي:

”لذلك فالآب سيفوق في الحكمة كل حكمة بشرية وملائكية، لأنه هو ربٌّ، قاضي وهو العادل، والحاكم فوق الكل. لأنه صالح، ورحيم، ومتأني، ويُخلِّص الذين يجب أن يخلصهم. كما أن صلاحه لا يهجره عندما يُمارِس العدل، كما أن حكمته لا تنتقص، لأنه يُخلِّص الذين يجب أن يُخلِّصهم، ويدين أولئك الذين يستحقون الدينونة: كما أنه لا يكون عادلاً بطريقةٍ غير رحيمةٍ؛ لأن صلاحه يتقدَّم إلى الأمام بلا شك ويأخذ الأسبقية“.[66]

العلامة أوريجينوس الإسكندري

عدل الله هو صلاحه وقداسته

يُشِير العلامة أوريجينوس إلى أن القداسة والعدل إنما مردها إلى صفة الصلاح، بمعنى أن العدل والقداسة هما الصلاح، ولا اختلاف جوهري أو معنوي بين الكلمات الثلاثة كالتالي:

”ثم يسألون: ماذا إذًا؟ ما طبيعة شجرة الناموس؟ فإن الأمر ظاهر للعيان من ثمارها، أي من أقوال فرائضه. فإن وُجِدَ الناموس صالحًا، يمكن الاعتقاد بلا أدنى ريبة بأن الذي وضعه هو الله الصالح أيضًا؛ ولكن، إن كان الناموس عادلاً أكثر منه صالحًا، فالاعتقاد أن إلهه مُشرِّع عادل. ولم يلتف بولس الرسول على العبارة، عندما قال: إذًا، الناموس صالح، والوصية مقدَّسة وعادلة وصالحة (رو 7: 12). ويتَّضح من هذا أن بولس لم يتلق علومه في كُتب هؤلاء الذين يفصلون بين العادل والصالح، وإنما تعلَّم من الله -واستنار بروح هذا الإله- القدوس، والصالح، والعادل. فإذ تفوه بما ألقى عليه روحه، قال إن وصية الناموس مُقدَّسة، وعادلة، وصالحة. وريثما يجلو جلاءً بيَّنًا أن في الوصية من الصلاح أكثر مما فيها أيضًا من القداسة والعدل، لا يلبث يُردِّد كلامه مقتصرًا به على الصلاح عوض عن هذه الثلاث، ويقول: أ فيكون لي ما هو صالح، إذًا، ميتًا؟ حاشا (رو 7: 13). وذلك إنما لعلمه بأن الصلاح يمثل الجنس، بين الفضائل، والعدل والقداسة نوعي الجنس. لذلك، فيما ذكره أعلاه اسم الجنس والنوعين، ردَّد الجنس فقط حينما فاه ثانيةً بهذه الكلمة. بيد أنه يقول لاحقًا: لقد فعلت الخطيئة الموت، بواسطة ما هو صالح (رو 7: 13). إنه يختم بالجنس ما كان قد بسطه قبلاً بالنوع. ويجب أن تُفهَم هذه الكلمات على المنوال ذاته أيضًا: الإنسان الصالح، من كنز قلبه الصالح يُخرِج الصلاح؛ والإنسان الشرير من كنزه الشرير يُخرِج الشر (لو 6: 45). فقد عمد الكاتب هنا أيضًا إلى الجنس، الصالح والشرير، مظهرًا بلا أدنى ريبة أن العدل والقسط والفطنة والتقوى وكل أمر يُسمَّى صالحًا، أو يُفهَم بأنه صالح، لفي الإنسان الصالح. وتحدَّث كذلك عن الإنسان الشرير الذي هو بالتأكيد إنسان لا عدل فيه، ونجس، وكافر، وكل ما من شأنه أن يصور الإنسان الشرير بعناصره المتنوعة. فكما لا يمكن أحدنا أن يتخيل إنسانًا أنه شرير، بدون هذه الرجاسات، وألا يمكنه أن يكون شريرًا، كذلك من الثابت أنه ليس في وسع أحد أن يُقال فيه إنه صالح بدون هذه الفضائل“.[67]

ق. أثناسيوس الرسولي

عدل الله هو قداسته

يربط ق. أثناسيوس الرسوليّ بين العدل والقداسة في طبيعة الله المحب للفضيلة قائلاً:

”ولكنه لكونه إله وكلمة الآب، فهو قاضٍ عادلٍ ومُحِب للفضيلة، وبالأحرى هو مانح الفضيلة. إذًا، فهو عادل وقدوس بطبيعته. فلهذا يُقَال إنه يحب البر ويبغض الإثم (إش 61: 8). وهذا يعادل القول القائل إنه يحب الصالحين ويعينهم“.[68]

العلامة ديديموس الضرير

عدل الله هو صلاحه ورحمته

يُؤكِّد العلامة الإسكندريّ ديديموس الضرير على ارتباط العدل والصلاح في جوهر الله مُشِيرًا إلى أن رحمة الله هي بنفس قدر عدله، وذلك في سياق مقاومته للهرطقة الماركيونية والمانوية التي تفصل بين إله العهد القديم الإله العادل وإله العهد الجديد الإله الصالح والرحيم كالتالي:

”فربنا ومخلصنا يعاملنا بحسب رحمته بمنحنا كل شيء يُفضِي إلى خلاصنا. كما أنه عندما يعاملنا بحسب رحمته بتوقيع عقوبة علينا، فهي دائمًا ما تكون مشفوعة بصلاح رحمته. ووفق هذا النص (إش 63: 7)، فعلينا أن نواجه خطأ هؤلاء الهراطقة الذين ينزعون الصلاح عن العدل، ويخترعون إلهًا صالحًا وآخر عادلاً. ولتحكم أنت بنفسك في النهاية كيف يُظهِر النص الحالي الله نفسه بكونه صالحًا وعادلاً، ويجازي بحسب رحمته وعدله، وأن رحمته هي بنفس قدر عدله. وعليه، فلا يفيدهم نفعًا دفاعهم عن التعاليم المنحرفة التي ينادون خلالها بأن إله الإنجيل صالح، بينما إله العهد القديم عادل. لأنه في فقرات أخرى عديدة، كما هو الحال في نص النبي الحالي، يُوصَف الله بأنه ’العادل والصالح‘“.[69]

ق. كيرلس الأورشليمي

الله عادل وصالح في آن واحد

يُوضِّح ق. كيرلس الأورشليميّ إن الله عادلٌ وصالحٌ في نفس الوقت في مواجهة الهرطقات الغنوسية والمانوية والماركيونية التي تنادي بإلهين، مؤكدًا على عدم وجود صراع بين صفتي العدل والصلاح في جوهر الله كالتالي:

”إنه صالحٌ وعادلٌ في نفس الوقت، فإنْ سمعت مِن هرطوقيّ يُنادِي بوجود إله عادل وآخر صالح، تذكر في الحال سهام الهراطقة المسمومة. إذ يتجاسر البعض في كفرٍ أن يقسموا الله الواحد. وقال البعض إن واحد خالق للنفس وآخر إله الجسد. وهذا التعليم غامض وشرير. لأنه كيف يمكن لإنسان أن يصير خادمًا للسيدين، بينما يقول ربنا في الإنجيل: ’لا يقدر أحد أن يخدم سيدين؟!‘ (مت 6: 24؛ لو 6: 13). يوجد الله، واحد وحيد، خالق للنفوس والأجساد، واحد هو خالق السماء والأرض، وصانع الملائكة ورؤساء الملائكة. هو خالق لكثيرين، لكنه أب لواحد وحيد قبل كل الدهور، الابن الواحد الوحيد ربنا يسوع المسيح، الذي به خلق كل شيء، ما يُرَى وما لا يُرَى (يو 1: 3؛ لو 1: 16)“.[70]

عدل الله وصلاحه

ويُؤكِّد ق. كيرلس الأورشليميّ على أن الله هو إلهٌ واحدٌ صالحٌ وعادلٌ في نفس الوقت ضد الهراطقة الغنوسيين والمانويين، فيربط بين صلاح الله وعدله في نفس الوقت، فعدله لا ينفصل عن صلاحه، وصلاحه لا ينفصل عن عدله، وعدل الله مرده إلى صلاحه، وصلاح الله مرده إلى عدله كالتالي:

”إنه يوجد طريق الخلاص، إنْ ازدريت بالقيء ومقتهم من قلبك، وانفصلت عنهم بنفسك لا بشفتيك، إنْ تعبدت لأب المسيح إله الشريعة والأنبياء، إنْ عرفت أن الصالح والعادل إلهٌ واحدٌ بنفسه“.[71]

ق. غريغوريوس النيسي

عدل الله هو صلاحه وحكمته وقوته

يربط ق. غريغوريوس النيسيّ بين صفات القوة والعدل والصلاح والحكمة في الله، مؤكدًا على اتحاد هذه الصفات مع بعضها البعض في الجوهر الإلهي، وأن مَرد كل الصفات هو لصلاح الله في تعامله مع الإنسان المتقلب والمتغير الإرادة كالتالي:

”وبناءً عليه يقر الجميع أنه يجب أن نؤمن أن اللاهوت ليس فقط قويًا، بل وأيضًا عادلاً، وصالحًا، وحكيمًا، وفيه كل ما يخطر على الذهن من صفات سامية، وبالتالي، فيما يخص التدبير موضوع حديثنا الحالي، فإن الله لا يمكنه من ناحية أن يرغب في أن تظهر واحدة من صفاته العالية في الخليقة، ومن ناحية أخرى، ألا تظهر إحدى صفاته الأخرى. وبشكلٍ عامٍ، لا تنفصل أي واحدة من الصفات السامية الإلهية عن الصفات الأخرى، فالفضيلة ليست بمفردها، ولا الصلاح يكون صلاحًا حقيقيًا، إن لم يكن مُتَّحِدًا مع العدل والحكمة والقوة، لأن الظلم والحماقة والضعف ليسوا بصلاحٍ، وأيضًا القوة المنفصلة عن الحكمة والحق لا تُعتبر فضيلةً، لأن هذا النوع من القوة يُعتبر توحشًا وطغيانًا. والأمر نفسه ينصرف على باقي الصفات، إن كانت الحكمة خارج العدل، أو لو كان العدل لا يصاحبه القوة والصلاح، فإن تلك الصفات بالأحرى تُسمَّى شرًا، فكيف يُحسَب غياب الخير من ضمن الصالحات؟ فإنْ كانت كل هذه الصفات من اللائق أن تترافق معًا فيما نعتقده عن الله، فعلينا أن نفحص هل في التدبير بالتجسُّد كإنسان، تغيب أيٌ من هذه الصفات التي تليق بالله؟ وما نطلبه في الله دائمًا هو سمات الصلاح، فأية شهادة للصلاح أكثر وضوحًا من استعادة الإنسان الذي هجر الله إلى الخصم، إذ أن طبيعة الله غير المتغيِّرة والراسخة في الصلاح، لم تتأثر بتقلب إرادة الإنسان المتغيِّرة؟ لأنه لم يكن ليأتي ليُخلِّصنا، كما يقول داود (مز 105: 4، 5)، إنْ لم يكن الصلاح يُحرِّك تلك الإرادة“.[72]

ق. كيرلس الإسكندري

عدل الله هو صلاحه ورأفته

يربط ق. كيرلس الإسكندريّ بين العدل والصلاح والرأفة في حادثة شفاء الرب يسوع لمريض بركة بيت حسدا قائلاً:

”لذلك كان حكم المخلص عادلاً وصالحًا ولم يعوقه حتى يوم السبت عن أن يكون رؤوفًا عطوفًا على العليل، لكنه إذ هو الإله يعرف كيف يتمم هذا الأمر؛ لأن الطبيعة الإلهية هي نبع الصلاح، وهذا ما فعله حتى يوم السبت“.[73]

مار إسحاق السرياني

عدل الله هو صلاحه ورحمته

يربط مار إسحاق السريانيّ عدل الله وصلاحه مُؤكِّدًا على أن ابن الله أظهر كيف أن الله صالحٌ وطيبٌ ورحومٌ كالتالي:

”كُن كارزًا بصلاح الله، لأن الله يملك عليك، برغم عدم استحقاقك، وبرغم أنك مدين له بالشيء الكثير جدًا، فهو لا يطالبك بالدفع؛ وعلى الأعمال الصغيرة التي تقوم بها يمنحك مكافآت عظيمة. لا تدعُ الله عادلاً، إذ أن عدله لا يظهر في الأمور التي تخصك. وإذا كان داود دعاه عادلاً ومستقيمًا (مز 25: 8؛ مز 145: 17)، فلقد أظهر ابن الله أن الله صالح وطيب. فهو يقول: ’إنه صالح مع الأشرار والخطاة‘ (لو 6: 35). كيف تدعو الله عادلاً عندما تقرأ ما جاء في الإنجيل عن أجرة الفعلة؟ ’يا صاحب ما ظلمتك! […] فإني أريد أن أُعطِي هذا الأخير مثلك […] أم عينك شريرة لأني أنا صالح‘ (مت 20: 13-15)، كيف يستطيع الإنسان أن يدعو الله عادلاً عندما يقرأ ما جاء عن الابن الضال الذي بدَّد ثروته بعيشٍ مسرفٍ، وأنه لأجل الندم فقط الذي أظهره، ركض الأب وعانقه وسلَّطه على كل غناه (لو 5: 11)؟ لم يقل هذه الأمور بخصوص الله شخص آخر، بل ابنه ذاته، لئلا نشك فيها، وبهذا شهد الابن لله. فأين إذًا عدالة الله، ’لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا‘ (رو 5: 8)، ولكن إذا كان الله رحومًا هنا، فلنؤمن بأنه لن يتغيّر“.[74]

الأب يوحنا الدمشقي

عدل الله هو صلاحه وحكمته

يشرح الأب يوحنا الدمشقيّ عدل الله وصلاحه وحكمته في تدبير خلاص الإنسان من أسر الشيطان، فعدل الله ظهر في انتشال الله للإنسان من الموت، كالتالي:

”ومن ثمَّ، فإن الرب البارئ نفسه قد اتخذ على عاتقه الدفاع عن جبلته الخاصة، فصار بعمله معلمًا. فإن العدو لما كان قد خدع الإنسان بأمل التأله، فقد انخدع هو بظهور جسد، واتضح للحال صلاح الله وحكمته وعدله واقتداره: فقد ظهر صلاحه تعالى بأنه لم يحتقر ضعف جبلته الخاصة، بل انعطف عليها في سقطتها ومدَّ لها يده. وقد ظهر عدله بأن الإنسان لما كان مغلوبًا، لم يترك الله لغيره أن يقهر الطاغي ولا انتشل الإنسان بالقوة، بل إن الصالح والعادل قد جعل ذاك نفسه الذي كان الموت قديمًا قد استعبده بالخطايا يعود اليوم من جديد فينتصر، فخلَّص المثل بمثله. وقد كان الأمر مستعصيًا، وكان من شأن الحكمة أن تجد حلاً لائقًا جدًا للأمور المستعصية“.[75]

 

 

 

الفصل الرابع: تعاليم جون كالفن عن صليب المرض والتجارب

سوف نستعرض في هذا الفصل تعاليم چون كالفن، أحد أهم رجال الإصلاح البروتستانتي عن صليب المرض والتجارب، وسوف نجد أن مصدر هذه التعاليم هو چون كالفن وأتباعه من حركة الإصلاح البروتستانتيّ الذين يرون في التجارب والأمراض أنها صليب، وكأن الصليب صار مرضًا وتجربةً، وليس هو علامة النصرة على التجارب والقوة والشفاء من الأمراض.

الصليب تجربة وامتحان

يرى چون كالفن أن هناك البعض الذين يُمتحَنون بنوعٍ مُعيَّنٍ من الصليب، ويُمتحَن الآخرين بغيره كالتالي:

”من هذا يُرى أن البعض يُمتحون بنوعٍ مُعيَّنٍ من الصليب، فيما يُمتحَن آخرون بغيره. ولما كان الطبيب السماويّ يعالج البعض بمزيدٍ من اللطف، وآخرين بعلاجاتٍ أكثر قساوةً، بينما يشاء الصحة للجميع، فهو لا يترك أحدًا من دون أن يلمسه لأنه يعرف أن الجميع، كلاً بمفرده، في حاجة إلى الدواء“.[76]

ويحث چون كالفن على احتمال البلايا والمهانة من أجل الدفاع عن البرّ، ويدعونا أن نقبل التجارب برضا وسرور من يد الربّ، بحسب إدعائه، حيث يرى أن المؤمنين يتميَّزون بهذا النوع من صليب التجارب والبلايا كالتالي:

”بهذه التحذيرات وما يُشابِهها، يُعطِينا الكتاب المقدَّس وافر العزاء سواء في المهانة أو في البلايا التي نتحملها من أجل الدفاع عن البرّ. لذا نُنكِر الفضل على نحوٍ مُشينٍ، إنْ لم نقبل تلك التجارب برضا وبسرور من يد الربِّ؛ وخصوصًا أن هذا النوع من الصليب يتميَّز به المؤمنون، وبه يشأ المسيح أن يتمجَّد فينا“.[77]

ابتلاء الله للبشر

يُشِير چون كالفن إلى أن الله يبتلينا لا ليُدمِّرنا أو ليُفنينا، بل بالأحرى لكي يُحرِّرنا من الدينونة التي يدين بها العالم، للأسف كيف يبتلينا الله وهو مصدر كل الصالحات؟! فيقول التالي:

”فهو يبتلينا لا يُدمِّرنا أو ليُفنينا، بل بالأحرى لكي يُحرِّرنا من الدينونة التي يدين العالم بها“.[78]

صليب المرض

يرى چون كالفن أنه يمكننا أن نثبت في احتمالنا مهما كان نوع الصليب الذي نُعانِي منه، حتى لو كان ذلك من أشد عذابات النفس، فإذَا ابتُلِينا بالمرض فسوف نئن ونتوجع ونتوق إلى الصحة، ونرزح تحت وطأة الفقر فتخزنا سهام الهمّ والأسى، وهكذا ينتابنا ألم المهانة والاحتقار والظلم كالتالي:

”وهكذا يمكننا أن نثبت في احتمالنا مهما كان نوع الصليب الذي نُعانِي منه، حتى لو كان ذلك من أشد عذابات النفس. هذا لأن الضيقات ذاتها سوف تأتي بمنغصاتها؛ فإن ابتُلِينا بالمرض فسوف نئن ونتوجع ونتوق إلى الصحة؛ ومن ثمَّ، نرزح تحت وطأة الفقر فتَخزنا سهام الهمّ والأسى؛ وهكذا ينتابنا ألم المهانة والاحتقار والظلم“.[79]

الله هو مصدر التجارب والبلايا

يُوضِّح چون كالفن أن العلة الرئيسية لحمل صليبنا من وحي المشيئة الإلهية، ويجب أن نفهم أننا مُجرَّبون بيد الله من خلال شدائدنا، وهكذا ينبغي إطاعة الله في هذه التجارب والشدائد، يا له من منطق بائس ومأساويّ! فالله هو مصدر كل الصالحات. وهكذا يرى چون كالفن إننا إذَا كنا نعاني من الفقر أو المنفى أو السجن أو الإهانة أو المرض أو الحزن أو غير ذلك، ينبغي أن نعتقد بأنه لا يحدث شيء من دون مشيئة الله وعنايته، وأنه لا يفعل شيئًا إلا من قِبَل نظام عدالته. وهكذا يُرجِع چون كالفن كافة البلايا والشدائد التي يتعرض لها الإنسان إلى مشيئة الله ونظام عدالته.

الله غير المجرِّب بالشرور، والذي لا يُسقِط البشر في التجارب والشدائد، بل إبليس هو الذي يُسقِط البشر في التجارب، ويجعلهم ينشغلون بها، حتى لا يخرجوا منها إلا هالكين، صار الله، بحسب منطق چون كالفن، يفعل كل هذه البلايا للبشر بحسب مشيئته ونظام عدالته. وهذا عكس ما رأيناه في تعاليم آباء الكنيسة العظام، بل هو تشويه مُتعمِّد لصلاح الله ومحاولة لتقديم صورة مُشوَّهة عن الله كليّ الصلاح والرحمة والرأفة. فيقول كالفن التالي:

”أمَّا الآن، وقد اتَّخذنا العلة الرئيسية لحمل صليبنا من وحي المشيئة الإلهية، فقد لزم أن نُميِّز في بضع كلمات الفرق بين المفهوم الفلسفيّ للصبر والمفهوم المسيحيّ له. مما لا ريب فيه أن القليلين من الفلاسفة ارتقوا إلى مستوى رفيع كهذا من المنطق، حتى يفهموا أننا مُجرَّبون بيد الله من خلال شدائدنا، وأن يحسبوا أنه من هذا المنطلق ينبغي أن نُطيع الله. ولكنهم، علاوة على ذلك، لا يُقدِّمون لها سببًا سوى أنه هكذا كان ينبغي أن يكون. […] فسواء كنا نُعانِي الفقر أو المنفى أو السجن أو الإهانة أو المرض أو الحزن أو غير ذلك، ينبغي أن نعتقد بأنه لا يحدث شيءٌ من دون مشيئة الله وعنايته، وأنه لا يفعل شيئًا إلا من قِبَل نظام عدالته. ماذا إذًا؟ ألا تستحق تعدياتنا اليومية العديدة أن تُعاقَب بقضبانٍ أكثر قساوةً من الشدائد التي يُوقِعها [الله] علينا من فرط لطفه؟ […] ألا يحق عدل الرب وحقه ما يُصِيبنا من مصاعب؟ لكن لمَّا كان عدل الله المؤكَّد يظهر في الشدائد، فلن يمكننا أن نتذمر أو نُقاوِمه من دون أن نخطئ. […] وحيث إننا نُسرّ بما ندرك أنه لخلاصنا ولمصلحتنا، يعزينا أبونا العظيم المراحم في هذا المجال أيضًا، إذ يُؤكِّد لنا أنه يعمل لخلاصنا في كل صليب يُجرِّبنا [الله] به“.[80]

 

[1] يوسينيوس (قديس)، القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ترجمة: أ. آمال فؤاد، (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي، 2012)، الدفاع الثاني : 13، ص 120.

[2] المرجع السابق، الحوار مع تريفون اليهودي : 116، ص 287.

[3] ديونيسيوس الإسكندري (قديس)، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017)، شذرات تفسير إنجيل (لوقا 22: 42-48)، ص 212.

[4] المرجع السابق، شذرات من تفسير رسالة يعقوب، ص 232.

[5] المرجع السابق، شذرات تفسير إنجيل (لو 22: 42 وما بعده)، ص 215.

[6] المرجع السابق، الخطاب الثالث إلى زيستوس رئيس أساقفة روما، ص 120.

[7] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس فلتس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 21: 4، ص 61.

[8] المرجع السابق، 3: 4، ص 9.

[9] المرجع السابق، 4: 5، ص 11.

[10] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006)، مقالة 13: 40، ص 198.

[11] باسيليوس الكبير (قديس)، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٢)، ص ٢٣.

[12] باسيليوس الكبير (قديس)، أيام الخليقة الستة، ترجمة: القمص بيشوي الأنطوني، مراجعة: نيافة الأنبا بطرس الأسقف العام، (القاهرة: دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، 1996)، عظة 2: 5، ص 29.

[13] غريغوريوس النيسي (قديس)، تعليم الموعوظين، ترجمة: د. چورچ فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٢٢)، ٨: ١٥، ص ١٤٥.

[14] غريغوريوس النيسي (قديس)، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1996)، القسم الثاني، ص 67.

[15] غريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية والمعمدون، ص 164.

[16] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 56، ص 101.

[17] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 12: 2، ص 197.

[18] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 56، ص 101.

[19] المرجع السابق، عظة 62، ص 174.

[20] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير سفر أيوب، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، ٢٠٠٨)، تعليق على (أي ٥: ١٨)، ص ٨١.

[21] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 19: 1، ص 267.

[22] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013)، عظة 15: 5، ص 357، 358.

[23] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 4: 2، ص 78.

[24] أمبروسيوس (قديس)، شرح الإيمان المسيحي، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 5: 14: 174، ص 337.

[25] المرجع السابق، 5: 6: 80، ص 303.

[26] المرجع السابق، 2: 11: 92، ص 137.

[27] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح سفر عاموس، ترجمة: د. چورچ عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٢٢)، تعليق على (عا٣: ٦)، ص ٩٠.

[28] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 6: 1، ص 664، 665.

[29] ساويروس الأنطاكي (قديس)، رسائل ساويروس الأنطاكي، ترجمة: الراهب جرجس الأنطوني، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2016)، رسالة إلى يوحنا وثيؤدور ويوحنا الكهنة والأرشمندريتين، ص 143.

[30] المرجع السابق.

[31] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس يوحنا كاسيان (حياته – كتاباته – أفكاره)، (القاهرة: مطبعة الأنبا رويس، 1997)، مناظرة 6: 4، ص 156.

[32] المرجع السابق، مناظرة 11، ص 237.

[33] المرجع السابق، مناظرة 13، ص 255.

[34] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، 3: 23: 1، ص 112.

[35] المرجع السابق، 4: 38: 3، ص 261.

[36] المرجع السابق، 5: 17: 3، ص 316.

[37] يوسينيوس (قديس)، القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ترجمة: أ. آمال فؤاد، (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي، 2012)، شذرات من كتاب ’عن القيامة‘ : 10، ص 422.

[38] كليمندس الإسكندري (علامة)، المتفرقات (نسخة إليكترونية)، ترجمة: الأب د. بولا ساويروس، (القاهرة: موقع الكنوز القبطية)، 7: 16: 31، ص 1367.

[39] أوريجينوس (علامة)، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 2002)، 2: 5: 3، ص 190.

[40] أوريجينوس (علامة)، عظات على سفر العدد ج1، ترجمة: القس برسوم عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2006)، عظة 9: 4، ص 103.

[41] أوريجينوس (علامة)، ضد كلسوس ج 2، ترجمة: القس بولا رأفت، مراجعة: الأنبا سيداروس الأسقف العام، (القاهرة، 2022)، 3: 75، ص 84.

[42] القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة وتقديم: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2016)، شذرة إلى أفروديسيوس، ص 233.

[43] المرجع السابق، شذرات تفسير إنجيل (لوقا 22: 46)، ص 221، 222.

[44] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006)، مقالة 2: 1، ص 57.

[45] المرجع السابق، المقالة 2: 6- 20، ص 60- 67.

[46] المرجع السابق، المقالة 8: 4، 5، ص 133، 134.

[47] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 68، ص 245.

[48] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013)، عظة 11: 1، ص 248.

[49] المرجع السابق، عظة 10: 1، ص 229.

[50] غريغوريوس النيسي (قديس)، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1996)، القسم الثاني، ص 63، 64.

[51] غريغوريوس النيسي (قديس)، حياة موسى، ترجمة: د. فهيم حنا، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2021)، 2: 85- 88، ص 62، 63.

[52] كيرلس الإسكندري (قديس)، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. چورچ عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، مقالة 6، ص 254.

[53] المرجع السابق، مقالة 8، ص 339.

[54] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ص 99.

[55] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ص 396.

[56] المرجع السابق، ص 116.

[57] إيسيذوروس الفرمي (قديس)، رسائل القديس إيسيذوروس الفرمي مج1، ترجمة: د. چورچ عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، رسالة 344 إلى سلوانس، ص 273.

[58] المرجع السابق، رسالة 467 إلى الدياكون إيسيذوروس، ص 335.

[59] باسيليوس الكبير (قديس)، تفسير سفر المزامير ج1، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، عظة 2: 4، ص 83- 85.

[60] باسيليوس الكبير (قديس)، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012)، ص 22.

[61] غريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، الخطاب الثاني ضد يوليان الجاحد، ص 89.

[62] المرجع السابق، ص 75.

[63] غريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية والمعمدون، ص 164.

[64] كبريانوس (قديس)، مقالات روحية للقديس كبريانوس، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 201)، مقالة رداء العذارى : 1، ص 11، 12.

[65] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس يوحنا كاسيان (حياته -كتاباته- أفكاره)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1997)، المناظرات 6: 6، ص 156، 157.

[66] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، 3: 25: 3، ص 121.

[67] أوريجينوس (علامة)، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 2002)، 2: 5: 4، ص 190-192.

[68] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 1: 12: 52، ص 128.

[69] ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، 4: 202-204، ص 97، 98.

[70] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006)، مقالة 4: 4، ص 79.

[71] المرجع السابق، مقالة 6: 36، ص 123.

[72] غريغوريوس النيسي (قديس)، تعليم الموعوظين، ترجمة: د. چورچ فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2022)، 3: 20: 1-3، ص 172، 173.

[73] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ص 287.

[74] إسحاق السرياني (مار)، الميامر النسكية، ترجمة: الانبا سارافيم أسقف الإسماعيلية، (وادي النطرون: دير العذراء البراموس، 2017)، الميمر 51، ص 480.

[75] يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، ترجمة: الأرشمندريت أدريانوس شكور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1984)، 3: 45: 1، ص 151، 152.

[76] چون كالفن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، (لبنان: دار منهل الحياة، 2018)، 3: 8: 5، ص 652.

[77] المرجع السابق، 3: 8: 8، ص 653.

[78] المرجع السابق، 3: 8: 6، ص 652.

[79] المرجع السابق، 3: 8: 10، ص 655، 656.

[80] المرجع السابق، 3: 8: 11، ص 656.

 

 

معضلة الألم والمرض والشر – د. أنطون جرجس عبد المسيح