Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا – د. أنطون جرجس عبد المسيح

تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا – د. أنطون جرجس عبد المسيح

تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا – د. أنطون جرجس عبد المسيح

تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا – د. أنطون جرجس عبد المسيح

 

إعداد

د. أنطون جرجس عبد المسيح

القاهرة – مايو 2024م

 

 

الفهرست

المقدمة. 1

الفصل الأول: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في الكتاب المقدس… 4

العهد القديم. 4

العهد الجديد 4

رواية إنجيل لوقا 4

رواية إنجيل يوحنا 5

الفصل الثاني: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد الإسكندري.. 8

العلامة أوريجينوس 185-253م 8

ق. كيرلس الإسكندري 376-444م 9

ق. إيسيذوروس الفرمي 450م 13

الفصل الثالث: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد الأورشليمي. 16

ق. كيرلس الأورشليمي 314-387م 16

الفصل الرابع: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الأفخارستيا في التقليد الأنطاكي. 19

ق. يوحنا ذهبي الفم 347-407م 19

الفصل الخامس: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد الكبادوكي. 26

ق. غريغوريوس اللاهوتي 329-390م 26

ق. باسيليوس الكبير 330-379م 27

ديونيسيوس الأريوباغي 485م 27

الفصل السادس: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد اللاتيني. 30

العلامة ترتليان الأفريقي 160-240م 30

ق. أمبروسيوس أسقف ميلان 339- 397م 31

أوغسطينوس أسقف هيبو 354-430م 32

ق. جيروم 342-420م 34

توما الأكويني 1225-1274م 34

الفصل السابع: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد السرياني. 39

مار أفرام السرياني 306-373م 39

مار ساويروس موسى بن كيفا 813- 903م 40

مار ديونيسيوس بن الصليبي 1166- 1171م 41

مار غريغوريوس بن العبري 1226-1286م 42

الخلاصة. 44

 

 

المقدمة

سوف نحاول في هذا البحث الموجز توضيح الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ، أحد تلاميذ السيد المسيح الأثنى عشر، من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير، الذي أقامه الربُّ يسوع مع تلاميذه الأثنى عشر ليله آلامه وصلبه. وسوف نستعرض الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العهدين القديم والجديد، ثم سوف نستعرض الإشارات إلى هذا الحدث في كتابات آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا في مختلف الكنائس ومن مختلف التقاليد الكنسية، سواء إسكندريّ، أنطاكيّ، أورشليميّ، سريانيّ، كبادوكيّ، لاتينيّ، وذلك لتقديم صورة كاملة وشاملة عن تأكيدات آباء الكنيسة الجامعة من مختلف الكنائس والتقاليد المختلفة عبر العصور والأزمنة على حدث تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا.

حيث كان يستخدم آباء الكنيسة شرقًا وغربًا هذه الحادثة للتأكيد على ضرورة تناول الخاطئ المتقدِّم إلى سر الإفخارستيا، مهما كانت حالته، وذلك كفرصة للتوبة والرجوع عن خطاياه، ولذا كان آباء الكنيسة يستشهدون عادةً بحادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ، تلميذ المسيح الخائن، الذي خانه وسلَّمه إلى اليهود والرومان بقبلةٍ في بستان جثسيماني ليلة خميس العهد، وذلك في مقابل ثلاثين من الفضة كثمن الخيانة.

حيث يرى آباء الكنيسة الجامعة أن السيد المسيح كان طويل الأناة ورحوم على يهوذا الإسخريوطيّ إلى أخر فرصة، ولم ييأس أبدًا في رجوعه حتى وهو عازم على تسليمه إلى قادة اليهود والرومان، حى وهو عازم على خيانته وقد قبض ثمن خيانته، بل قام الرب بمنحه سر الإفخارستيا في العشاء الأخير لعله يتراجع عن خيانته، وهكذا منحه فرصة للتوبة والرجوع عن خطيته لأخر وقت ولأخر فرصة، لكي يؤكد على أنه يستمر إلى أخر وقت يطلب خلاص الخاطئ ولا يسرُّ أبدًا بهلاكه وفنائه حتى لو أراد هو نفسه ذلك.

ولكن للأسف لم يستفد يهوذا الإسخريوطيّ من هذه المحاولة وغيرها من المحاولات السابقة من قِبَل الرب يسوع لكي يتوب ويرجع عن خطيتئه، وأسلَّم عقله وقلبه وفكره وإرادته للشيطان وصمَّم على خيانة سيده وتسليمه إلى اليهود والرومان مقابل ثلاثين من الفضة.

 

الفصل الأول: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في الكتاب المقدس

سوف نستعرض في هذا الفصل الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ، أحد تلاميذ السيد المسيح الأثنى عشر، من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير، وذلك في العهدين القديم والجديد، وذلك للتأكيد على أن هذه الحادثة لها جذور في نبوات العهد القديم تحقَّقت في العهد الجديد كما سنرى.

العهد القديم

هناك إشارة واضحة إلى تناول يهوذا من خبز الإفخارستيا وذلك في نبوة (مز 41: 9)، حيث استخدم آباء الكنيسة هذا الشاهد في التأكيد على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا ”رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!“ (مز 41: 9 فاندايك).

العهد الجديد

رواية إنجيل لوقا

نجد إشارة واضحة إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير بعد أن أسَّس السيد المسيح سر الإفخارستيا حين ”وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: ’هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي‘“ (لو 22: 19 فاندايك). ”وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلاً: ’هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ‘“ (لو 22: 20 فاندايك).

يشير لوقا البشير إلى حضور يهوذا الإسخريوطيّ أثناء تأسيس السيد المسيح لسر الإفخارستيا حيث يقول المسيح نفسه إن يد مُسلِّمه هي معه على المائدة كالتالي: ”وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ“ (لو 22: 21 فاندايك)، ويستطرد السيد المسيح مؤكدًا على حضور يهوذا لسر الإفخارستيا وتحدَّث عن يهوذا الإنسان الذي سوف يُسلِّمه قائلاً: ”وَابْنُ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ!“. (لو 22: 22 فاندايك). وهنا يروي البشير لوقا حيرة التلاميذ وتساؤلهم فيما بينهم حول مَن هو هذا الإنسان الذي أخبر السيد المسيح أنه سوف يُسلِّمه، مما يؤكد أن يهوذا كان لا يزال موجودًا وحضر تأسيس سر الإفخارستيا وتناول من السرِّ كالتالي: ”فَابْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: ’مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هذَا؟‘“ (لو 22: 23 فاندايك).

رواية إنجيل يوحنا

ويستخدم البشير يوحنا نبوة (مز 41: 9) في التأكيد على أن يهوذا قد حضر تأسيس سر الإفخارستيا، وهي النبوة التي أعتمد عليها آباء الكنيسة فيما بعد للتأكيد على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، حيث يقول المسيح نفسه التالي: ”’لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ‘“ (يو 13: 18 فاندايك). ثم أعلن السيد المسيح أن هناك واحد من التلاميذ سوف يقوم بتسليمه كالتالي: ”لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ: ’الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي!‘“ (يو 13: 21 فاندايك).

وهنا تساءل التلاميذ فيمت بينهم وهم متحيرون عن هوية الخائن مُسلِّم المسيح كالتالي: ”فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ“ (يو 13: 22 فاندايك). وكان البشير يوحنا صاحب الرواية الإنجيلية شاهد عيان على الحدث ”وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ“ (يو 13: 23 فاندايك). وهنا أشار ق. بطرس إليه أن يسأل المسيح عن هوية الخائن كالتالي: ”فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ“ (يو 13: 24 فاندايك).

وهنا سأل ق. يوحنا الحبيب المسيح عن هوية الخائن قائلاً: ”فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: ’يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟‘“ (يو 13: 25 فاندايك)، فكانت إجابة المسيح وإشارته إلى الشخص الذي سوف يغمس اللقمة ويعطيه إياها كالتالي: ”أَجَابَ يَسُوعُ: ’هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ!‘. فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ“ (يو 13: 26 فاندايك)، وهنا يشير البشير يوحنا إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وهكذا بعدما تناول يهوذا من السر دخله الشيطان وذهب ليسلِّم المخلص كالتالي: ”فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ’مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ‘“ (يو 13: 27 فاندايك).

ويُقرِّر البشير يوحنا أن التلاميذ لم يفهموا ما حدث بين المسيح ويهوذا في وقتها، وأعتقدوا أن المسيح أرسله إلى يشتري حاجة العيد ويعطيها للفقراء، لأن يهوذا كان معه صندوق المال المدخَر لمثل هذه الأمور كالتالي: ”وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ“ (يو 13: 28، 29 فاندايك).

 

 

الفصل الثاني: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد الإسكندري

سوف نستعرض في هذا الفصل إشارات آباء كنيسة الإسكندرية عبر العصور المختلفة إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير، للتأكيد على وجود اتفاق في التقليد الإسكندريّ على هذه الحادثة، وكيف استخدم آباء كنيسة الإسكندرية هذه الحادثة من أجل أمور رعوية وكنسية تختص بالموقف من مُناولة الخاطئ المتقدِّم إلى سر الإفخارستيا.

العلامة أوريجينوس 185-253م

يُؤكِّد العلامة الإسكندريّ أوريجينوس، الذي كان على دراية بالتقاليد والطقوس اليهودية في عيد الفصح، على تناول يهوذا من الإفخارستيا، ويُعتبر التقليد الذي ينقله العلامة أوريجينوس هو من أقدم التقاليد التي تؤكِّد على تناول من سر الإفخارستيا في العالم المسيحيّ عامةً وفي التقليد الإسكندريّ خاصةً كالتالي:

”لأن مَن يأكل بدون استحقاق خبز الربِّ أو يشرب كأسه، يأكل ويشرب دينونة، لأن القوة العظيمة الموجودة في الخبز والكأس، تثمر صلاحًا في النفوس الصالحة، وينتج عنها أمور شريرة في النفوس الرديئة! اللقمة التي أخذها يهوذا من يسوع كانت هي نفس اللقمة، التي أعطاها لباقي الرسل الآخرين قائلاً: خذوا كلوا، كانت خلاصًا لهم ودينونةً ليهوذا، لذلك بعد اللقمة، دخله الشيطان“.[1]

ق. كيرلس الإسكندري 376-444م

يُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندريّ على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا في تفسيره لإنجيل لوقا، حيث تلطف الرب وأدخله إلى المائدة المقدَّسة، وإلى أعلى الكرامات، ولكنه صار الواسطة والوسيلة لقتل المسيح بخيانته كالتالي:

”كما أنه يضيف إلى ذلك أنه أحد الأثنى عشر، وهذا أيضًا أمرٌ له أهمية عظيمة ليُظهِر بوضوحٍ تامٍ شناعة جريمة الخائن. لقد كان معادلاً في الكرامة للباقين، وكان مُزيَّنًا بكل الكرامات الرسولية، ولكن هذا المختار والمحبوب، والذي تلطَّف الربُّ وأدخله إلى المائدة المقدَّسة، وإلى أعلى الكرامات، صار الواسطة والوسيلة لقتل المسيح، […] لأن واحدًا من البشيرين القديسين يقول بخصوصه إنه بينما كان المخلِّص متكئًا على المائدة مع باقي التلاميذ، فإنه أعطاه لقمةً بعد أن غمسها في الصفحة: ’فبعد اللقمة دخله الشيطان‘ (يو 13: 27)“.[2]

ويُوضِّح ق. كيرلس الإسكندريّ في سياق تأكيده على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا أن الربَّ سمح ليهوذا، وتنازل، ودعاه إلى المائدة، وقد حُسِبَ أهلاً للطف اﻹلهي حتى النهاية، لكن بهذا صارت عقوبته أكثر شدةً قائلاً:

”أمَّا يهوذا الخائن الذي كان يأكل معه فقد توبخ بتلك الكلمات التى قالها المسيح: ’ولكن هوذا يد الذي يسلِّمني هي معي على المائدة‘. ﻷنه ربما تخيل في حماقته العظيمة، أو ربما باﻷحرى لكونه امتلأ بكبرياء إبليس أنه يمكنه أن يخدع المسيح مع أنه اﻹله، لكن كما قلتُ، إنه أُدين لكونه باﻹجمال شريرًا ومبغضًا لله وخائنًا. ومع هذا فقد سمح له الرب وتنازل ودعاه إلى المائدة، وقد حُسِب أهلاً للطف اﻹلهي حتى النهاية، لكن بهذا صارت عقوبته أكثر شدةً“.[3]

ويشير ق. كيرلس الإسكندريّ إلى اشتراك يهوذا في المائدة المقدَّسة مع المسيح مثله مثل باقي التلاميذ، وهكذا يؤكِّد ق. كيرلس على تناول يهوذا من عشاء الفصح واشتراكه أيضًا في التناول من المائدة المقدَّسة، في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي:

”لأن ذاك الذي كان يتعشى مع المسيح منذ قليل، وأكل معه، واشترك في المائدة المقدَّسة، ومثل بقية التلاميذ كانت له فرصة الانتفاع بكلماته التي تحث على البرِّ، وقد سمعه وهو يعلن بوضوحٍ إن ’واحدًا منكم يُسلِّمني‘، وكأنه إذ سمع هذا القول، قفز من مكانه على نفس المائدة، وبعد أن كان متكئًا معه، أسرع في الحال إلى اليهود ليأخذ أجرة خيانته منهم، فهو لم يهتم بكلمات المسيح الملهمة، ولم يُفكِّر في المجد الآتيّ، ولم يُبالِ بالكرامة المعطَاة له، وباختصارٍ، فإنه فضَّل مبلغًا ضئيلاً وخسيسًا من المال على السعادة الكاملة التي لا نهاية لها، وبرهَّن أنه هو الشبكة أو الفخ الذي اصطاد به الشيطان المسيح، هذا الشيطان الذي هو المحرِّك والعامل مع اليهود في شرهم ضد الله“.[4]

ويستخدم ق. كيرلس الإسكندريّ نبوة (مز 41: 9) ”الذي يأكل خبزي رفع عليَّ عقبه“، وما خبز الربِّ الذي أكله يهوذا سوى جسده المقدَّس، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا قائلاً:

”ولكن المخلِّص لم يُعطِه أي توضيح أكثر عن الأمر سوى ما سبق أن أنبأ به الأنبياء قديمًا بالقول: ’الذي يأكل خبزي رفع عليَّ عقبه‘ (مز 41: 9). فحينما غمس اللقمة، أعطاها ليهوذا، مبينًا أنه هو الذي كان يأكل خبزه. وهكذا أزال الخوف الذي شعر به التلاميذ القديسون، كما يبدو أيضًا إنه يُذكِّرهم بنبوةٍ أخرى، وهي التي تقول: ’بل أنت إنسان عديلي إلفي وصديقي. الذي معه كانت تحلو لنا العشرة: إلى بيت الله كُنَّا نذهب في الجمهور‘ (مز 55: 13-14). ففي وقت ما كان الخائن نفسه رفيقًا وصديقًا للمخلِّص، يأكل معه على نفس المائدة، ويشترك في كل شيء مما يُحسَب علامة مُميَّزة للتلمذة؛ إذ إنه كان له نصيب بين التلاميذ الآخرين، الذين كرَّسوا كل حياتهم للمخلِّص“.[5]

ويستطرد ق. كيرلس في نفس السياق مُطبِّقًا نبوة (مز 41: 9) على تناول يهوذا من الإفخارستيا، حيث يؤكِّد على أن اللقمة التي أخذها يهوذا لم تكن هي سبب امتلاك الشيطان عليه، ويستنكر أن تكون لقمة البركة التي أخذها يهوذا، أي الإفخارستيا، هي التي أعطت فرصة للشرير أن يدخل فيه كالتالي:

”لأنه حينما غمس اللقمة أعطاها له، مبينًا بذلك مَن هو الذي أكل خبزه، وكان على وشك أن يرفع عليه عقبه. ولكن الإنجيليّ الحكيم جدًا يخبرنا أن الذي قاده وغرس فيه عدم تقواه والقسوة الملعونة ضد المسيح، والمخترع لكل الخطة، قد دخل قلب الخائن، أي الشيطان بكل قوته الشريرة قد سكن في داخله بعد أن أخذ اللقمة. ولا ينبغي أن يظن أحدٌ أن اللقمة التي أخذها الخائن كانت هي سبب امتلاك الشيطان له، فنحن لم نصل إلى حدّ الجنون، ولن نكون فاقدين لكل ذكاء حتى نظن أن مثل هذه البركة هي التي أعطت الفرصة للشرير أن يدخل فيه، بل بالحري نقول – بحسب ما يتفق مع الحق من جهة الخائن – رغم المحبة الكاملة التي عُومِلَ بها، ورغم الكرامة التي أُعطِيَت له، فإنه ظلَّ متعلقًا بشدةٍ بنفس الأفكار الشريرة، ولم يحاول أن يصلح أفكاره بالتوبة، ولم يحول قلبه بعيدًا عن خططه المضادة التقوى“.[6]

ويرى ق. كيرلس الإسكندريّ أن يهوذا لم يُقدِّر موهبة الإفخارستيا التي نالها من المسيح، بل أسرع للخيانة دون تريث أو تفكير أو مراجعة نفسه للحظةٍ واحدةٍ، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلاً:

”لذلك، فما حدث هو أن الخائن لم يفزع من التوبيخات التي قيلت سرًا وبهدوء، ولم يقدِّر قوة المحبة غير المغلوبة، ولا الكرامة والمجد والنعمة، ولا قدَّر موهبة الإفخارستيا التي نالها من المسيح. بل أسرع دون تريث ليفكِّر أو يراجع نفسه لحظة واحدة، بل إذ كانت عيناه مثبتةً على ذلك وحده، الذي ثبُت أن له تأثير قوي عليه، وأعني بذلك لعنة الطمع، فإنه وقع في الشرك في نهاية الأمر، وهوى إلى الدمار التام“.[7]

ويُوضِّح ق. كيرلس الإسكندريّ أن يهوذا لم ينتفع بهبة البركة التي أخذها من المسيح، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي:

”هو [يهوذا] يمضي مسرعًا طاعةً لإرادة الشيطان، ومثل إنسان أصابه جنون يخرج من المنزل. وهو لا يرى أي شيء يمكن أن يتغلب على حبه للربح، وكم هو أمرٌ غريبٌ إننا سنلاحظ إنه لم ينتفع بالمرة من هبة البركة [الإفخارستيا] التي نالها من المسيح، وهذا بسبب ميله الشديد للحصول على المال“.[8]

ويشير ق. كيرلس الإسكندريّ أيضًا إلى مقاومة الشيطان لاحتمالية توبة يهوذا بسبب القوة الفعَّالة للقمة البركة التي تناولها يهوذا من المسيح، وذلك في إطار تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي:

”فمثلاً هو [الشيطان] يجبر يهوذا، بعد أن أخذ اللقمة مباشرةً، إذ أصبح الآن تحت سلطانه، أن يُسرِع في الحال إلى إتمام الفعل الشرير؛ إذ ربما كان خائفًا – بالإضافة إلى احتمال توبة يهوذا، من القوة الفعَّالة التي لهبة بركة المسيح [أي الإفخارستيا]، لئلا تضيء هذه النعمة كنورٍ في قلب يهوذا، وتحثه بالحري أن يفكر بتروٍ ويختار العمل الصالح، أو على الأقل تولد طبعًا مخلصًا أصيلاً في شخص كان قد دُفِعَ ضد مشاعره الطيبة، أن يفكِّر في الخيانة“.[9]

ق. إيسيذوروس الفرمي 450م

يُؤكِّد ق. إيسيذوروس الفرميّ، أحد آباء كنيسة الإسكندرية، مثله مثل الآباء السابقين عليه، على أن تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا، حيث يقارن بين مَن يتهاون بالسر ويمد يده باستمرارٍ على الأسرار الإلهية، ويتناول بوقاحةٍ من الأسرار التي لا يُسمَح له بالاقتراب منها ولمسها، وبين طلب يهوذا الإسخريوطيّ للتناول من سر الإفخارستيا، وهو يُخطِّط للخيانة في داخله قائلاً:

”أشخاصٌ يقولون عنك إنك تفعل ما هو ممنوع وغير مسموح أن تفعله، ومراتٍ كثيرةٍ ترتكب أفعالاً مخالفةً، وأنت تستمر في مد يدك على الأسرار الإلهية، وتتناول بوقاحةٍ من الأسرار التي لا يُسمَح لك أن تقترب منها وتلمسها. وأنا أندهش من غرورك، بينما تجلس وتشبع على مائدة الشياطين، لا تخاف من المشاركة في مائدة الربِّ (1كو 10: 21). إذًا، توقَّف حتى لا يضيق عليك الخناق (أع 1: 18) مثل يهوذا الذي سقط في اليأس بسبب وقاحته، الذي طلب التناول، بينما كان يُخطِّط للخيانة في داخله (يو 13: 27)“.[10]

وهنا يُشدِّد ق. إيسيذوروس ويُحذِّر الخطأة المستشرين في خطيئتهم من التهاون بالأسرار الإلهية، فهم يتناولون بكل سهولة ويسر وعدم توبة حقيقية من الأسرار الإلهية دون التوقف عن ارتكاب المخالفات والمحرَّمات.

 

تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا – د. أنطون جرجس عبد المسيح

الفصل الثالث: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد الأورشليمي

سوف نستعرض في هذا الفصل الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في التقليد الأورشليميّ، وذلك في إطار تأكيد التقليد الأورشليميّ على هذه الحادثة من أجل أمور رعوية وكنسية آنذاك تتعلق بتقدُّم الخاطئ إلى سر الإفخارستيا وقبول مناولته من عدمه.

ق. كيرلس الأورشليمي 314-387م

يرى ق. كيرلس الأورشليميّ أن يهوذا قد خان السيد المسيح إذ قد كفر بنعمة رب البيت، لأنه بعد أن جلس إلى مائدته وشرب كأس البركة، فأراد مقابل كأس الخلاص أن يسفك دمًا ذكيًا: ’الآكل خبزه قد داسه بالأقدام‘ (مز 40: 10)؛ وبينما لم تتلق بعد يداه خبز البركة حتى أسرع ليسلِّمه إلى الموت، ويستخدم ق. كيرلس أيضًا، مثل ق. كيرلس الإسكندريّ، نبوة (مز 40: 10) كنبوة مُسبَقة عن تناول يهوذا من سر الافخارستيا كالتالي:

”هل تريد أن تعرف بوضوحٍ أن مجد يسوع هو الصليب؟ فاسمع إذًا ما يقوله يسوع نفسه وليس أنا: كان يهوذا قد خانه إذ كفر بنعمة رب البيت، بعد أن جلس إلى مائدته وشرب كأس البركة، وأراد مقابل كأس الخلاص أن يسفك دمًا ذكيًا: ’الآكل خبزه قد داسه بالأقدام‘ (مز 40: 10)؛ لم تتلق بعد يداه خبز البركة حتى أسرع ليسلِّمه إلى الموت، حبًا بمال الخيانة. لقد أضطر أن يؤمن إذ هو سمع: ’أنت قلت‘ (مت 26: 25)، ومع ذلك خرج ليسلِّمه“.[11]

 

 

الفصل الرابع: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الأفخارستيا في التقليد الأنطاكي

سوف نستعرض في هذا الفصل الإشارات إلى تناول التقليد الأنطاكيّ لحادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير الذي أقامه الرب يسوع ليلة آلامه وصلبه، وذلك في إطار التأكيد على أهمية هذه الحادثة من الناحية الرعوية والكنسية آنذاك.

ق. يوحنا ذهبي الفم 347-407م

يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم على أن المسيح له المجد لم يطرد يهوذا الخائن من المائدة المقدَّسة، بل باشتراكه مع بقية التلاميذ، جعله شريكًا في الأسرار، أي الإفخارستيا، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلاً:

”إذًا، فالمكان الواحد يسعكم جميعًا، وتتحدوا معًا في شركة واحدة، لكن المائدة ليست واحدة في هذا الاجتماع. ولم يقل، فحين تجتمعون ولا تأكلون معًا، أو لا تأكلون في شركةٍ واحدةٍ، لكنه تكلَّم بأسلوبٍ آخر، وأدانهم بصورةٍ مخيفةٍ، بأن قال: ’ليس هو لأكل عشاء الرب‘. وأحالهم – إنطلاقًا من هذا الكلام – إلى تلك الليلة التي فيها سلَّم المسيح الأسرار المهيبة. لذلك فقد دعا إلى العشاء الأفضل، لأن العشاء الأخير يشترك فيه الجميع على نفس المائدة كل يوم. وإنْ كان الفارق بين الأغنياء والفقراء ليس بالقدر الذي عليه الفارق بين المعلِّم والتلاميذ، لأن ذلك الفارق كان بلا حدود. ولماذا أتحدَّث عمَّا كان من فارق بين المعلِّم والتلاميذ؟ فكَّر في المسافة التي تفصل بين المعلِّم والخائن [يهوذا]، ومع هذا فإن هذا الخائن جلس مع التلاميذ، ولم يطرده المسيح له المجد، بل باشتراكه مع بقية التلاميذ، جعله شريكًا في الأسرار“.[12]

يشير ق. يوحنا ذهبيّ الفم إلى أن يهوذا بعدما تناول الإفخارستيا في العشاء الأخير في تلك الليلة الأخيرة، فإنه ذهب مسرعًا بينما بقى الآخرون على مائدة الإفخارستيا كالتالي:

يهوذا بعدما تناول في العشاء الأخير في تلك الليلة الأخيرة، ذهب مسرعًا بينما بقا الآخرون على المائدة“.[13]

ويُحذِّرنا ق. يوحنا ذهبيّ الفم من التقدُّم إلى مائدة الإفخارستيا الرهيبة مثل يهوذا الشرير الذي بعدما تناول خبز الإفخارستيا، دخله الشيطان فسلَّم الربَّ، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلاً:

”هذا هو يوم التقدُّم إلى المائدة الرهيبة. فلنتقدَّم كلنا إليها بطهارةٍ، ولا يكُن أحدُنا شريرًا مثل يهوذا، لأنه مكتوبٌ: لما تناول الخبز دخله الشيطان فسلَّم ربَّ المجد. وليفحص كلٍّ واحد منا ذاته قبل أن يتقدَّم إلى جسد ودم المسيح لكيلا يكون له دينونة، لأنه ليس إنسان الذي يُناوِل الخبز والدم، ولكن هو المسيح الذي صُلِبَ عنا، وهو القائم على هذه المائدة بسرٍّ، هذا الذي له القوة والنعمة يقول: ’هذا هو جسدي‘“.[14]

يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم على حضور يهوذا أثناء تأسيس السيد المسيح لسر الإفخارستيا عندما قال: ”هذا هو جسدي“ و ”هذا هو دمي“، وإنه اشترك في المائدة المقدَّسة، مثله مثل باقي الرسل، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلاً:

”وبينما هم يأكلون ويشربون أخذ يسوع الخبز وكسر، وقال: ’هذا هو جسدي الذي يُكسَر لأجلكم لمغفرة الخطايا‘. والذين انضموا إلي الكنيسة يعرفون هذه الكلمات. وأيضًا قائلاً عن الكأس: ’هذا هو دمي الذي يُسفَك عن كثيرين لمغفرة الخطايا‘. وكان يهوذا حاضرًا عندما قال المسيح هذه الكلمات. هذا هو الجسد الذي بعته أنت بثلاثين قطعة من الفضة […] يا لمحبة المسيح الفائقة للجنس البشري، ويا لعظم جنون وانعدام العقل ليهوذا، لأنه باع المسيح بثلاثين دينارًا، ولكن المسيح رغم هذا لم يرفض أن يعطي له غفران الخطايا، أي الدم نفسه الذي باعه يهوذا، لأن يهوذا كان هناك حقًا واشترك في المائدة المقدَّسة. وكما أن يسوع غسل قدمي يهوذا مع باقي الرسل، هكذا أيضًا مع باقي الرسل، كان مشتركاً في المائدة المقدَّسة، لكيلا يكون له عذرًا في الدفاع عن خيانته“.[15]

يتحدَّث ق. يوحنا ذهبيّ الفم عن الذين يتناولون بغير استحقاق من الأسرار الإلهية، أن هؤلاء علي وجه الخصوص هم الذين يغزوهم الشرير، ويدخل فيهم أيضًا، مثلما فعل الشيطان مع يهوذا قديمًا عندما تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي:

”لتكونوا غير مخادعين، غير ممتلئين بالشر، غير حاملين للحقد في عقولكم، لئلا تناولكم يؤدي إلي دينونة. لأنه بعد أن تناول يهوذا مما قُدِّمَ، دخل الشرير فيه، ليس لأن الشرير يزدري بجسد الربِّ، ولكن يزدري بيهوذا وخزيه. ولهذا فيمكنكم أن تتعلَّموا أنه فيما يتعلق بمَّن يتناولون بغير استحقاق من الأسرار الإلهية، أن هؤلاء على وجه الخصوص هم الذين يغزوهم الشرير، ويدخل فيهم أيضًا، مثلما فعل الشيطان مع يهوذا قديمًا“.[16]

ويُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم على دينونة يهوذا الخائن بسبب مشاركته في مائدة المسيح وفي الأسرار وفي الطعام، وذلك لكي يؤكد على حادثة تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلاً:

”’وعند حلول المساء اتكأ [المسيح] مع الاثنى عشر‘ (مت 26: 20). يا لخزي يهوذا! لأنه هو أيضًا كان حاضرًا أيضًا هناك، وأتى ليشارك في الأسرار والطعام معًا، وقد أُدِينَ عند نفس المائدة، حيث كان سيُروَّض لو كن وحشًا ضاريًا. لهذا السبب يشير الإنجيليّ أيضًا إلى أن المسيح تحدَّث عن خيانته بينما كانوا يأكلون، لكي يُظهِر شرَّ الخائن بواسطة وقت الحديث وبالمائدة معًا“.[17]

ويُوضِّح ق. يوحنا ذهبيّ الفم أيضًا أن يهوذا الخائن ظلَّ على حاله بالرغم من مشاركته في الأسرار، ورغم أن المسيح سمح له بالمجيء إلى المائدة الأكثر رهبةً، إلا أنه لم يتغيَّر، وذلك في سياق تأكيده على على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي:

”آهٍ! ما أعظم عمى الخائن [يهوذا]! حتى بعد المشاركة في الأسرار، بقي على حاله؛ وبعد أن سمح له بالمجيء إلى المائدة الأكثر رهبةً لم يتغيَّر!“.[18]

ويستطرد ق. يوحنا ذهبيّ الفم في نفس السياق، مؤكدًا على أن خطية يهوذا صارت أبشع حقًا لسببين، لأنه أتى إلى الأسرار في موقف الخيانة، ولأنه لم يصر أفضل بعد الاقتراب من الأسرار كالتالي:

”ويُظهِر لوقا هذا بالقول إنه [يهوذا] بعد هذا دخل إبليس فيه (لو 22: 3؛ يو 13: 27)، ولا يقصد لوقا أن يحتقر جسد الربِّ، بل ضحك ازدراءً منه على خزي الخائن من الآن فصاعدًا. لأن خطيئته صارت أبشع حقًا لسببين: لأنه أتى إلى الأسرار بموقف كهذا، ولأنه لم يصر أفضل بعد أن اقترب منها، لا من الخوف، ولا من الفائدة، ولا من الكرامة. لكن المسيح لم يمنعه رغم أنه كان يعرف كل شيء، لكي تتعلَّموا أنه لا يُغفِل أيّ شيء من الأشياء التي تخص الإصلاح“.[19]

ويُوضِّح ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن المسيح أراد تخجيل الخائن، ولكنه بعد المشاركة في الخبز، أهان المائدة، وبالرغم من مشاركته في كرم المسيح، لم يُردِعه هذا، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا كالتالي:

”وحتى الطريقة التي استخدمها المسيح كان مُقدَّرًا لها أن تُخجِّل الخائن. لأن بعد المشاركة في نفس الخبز، أهان المائدة. وبفرض أن مشاركته في كَرَم المسيح لم يُردِعه، فمَّن هو الشخص الذي لا تستميله المحبة نحو المسيح لنوال اللقمة منه؟ لكنها لم تستمل يهوذا. لذلك، ’فبعد اللقمة دخله الشيطان‘ (يو 13: 27) مستهزئًا به لوقاحته“.[20]

 

 

الفصل الخامس: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد الكبادوكي

سوف نستعرض في هذا الفصل أهم الإشارات إلى حادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في التقليد الكبادوكيّ، وذلك في إطار التأكيد على الإجماع الآبائي من مختلف التقاليد الكنسية على هذه الحادثة وأبعادها الرعوية والكنسية.

ق. غريغوريوس اللاهوتي 329-390م

يشير ق. غريغوريوس النزينزيّ الملقَّب بـ ”اللاهوتي“ إلى أن المسيح لم يمانع في مناولة يهوذا جزءًا من الإفخارستيا، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من  سر الإفخارستيا قائلاً:

”أصغ، يا يهوذا، إلى كل الخير الذي صنعه إليك. أخرجك من ظلمات الجهل، خلَّصك، أراك نور الخلاص؛ أنعم عليك برؤية معجزات كثيرة، وقال إنك ستجلس مع رسله لتدينوا جميع أسباط إسرائيل. وبجعله المال كله بين يديك جنّبك عذر الفقر. لقد كنت سارقًا، ولا تظن أنه كان على غفلةٍ من ذلك. ولكنه هو، في رحمته العظمى، لم يوجِّه إليك أي تأنيب؛ لم يكن ليتأثر بموقفك. وإنه، وإنْ كان على علم تام بحالك، قبل جريمتك، لم يتردَّد في غسل رجليك المجرمتين، ومناولتك جزءًا من خبز الإفخارستيا. وبعدما نلت منه هذه الحسنات، يا أقبح البشر، خُنته، وقبلت ثمن الدم حين لم تكن بحاجةٍ إلى مال“.[21]

ق. باسيليوس الكبير 330-379م

يُؤكِّد ق. باسيليوس الكبير في الليتورچية بحسب تسليم كنيسة الروم الأرثوذكس في يوم خميس العهد (التريودي باللحن السادس) على أن يهوذا سلَّم المخلِّص على الرغم من وجود الخبز السماويّ، أي الإفخارستيا في فمه، مشيرًا إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي:

”إنَّ يهوذا، بالحقيقة، هو ابن الأفاعي الآكلين المنَّ في القفر والمتذمرين على المغذِّي، لأن غير الشكورين، إذ كان الطعام في أفواههم، كانوا يتذمرون على الله. وكذلك هذا الرديء العبادة، إذ كان الخبز السماويّ في فمه، صنع التسليم على المخلِّص. فيا له من عزم فاقد الشبع، ويا لها من جسارة وحشية، لأنه باع المغذِّي، وأسلَّم إلى الموت، السيد الذي كان يحبه“.[22]

ديونيسيوس الأريوباغي 485م

يشير ديونيسيوس الأريوباغيّ أو المنحول في كتابه الطغمات الكنسية إلى أن مُؤسِّس الأسرار الإلهية، أي المسيح، يستبعد مَن يتناول العشاء الإفخارستيّ معه، مثل يهوذا بطريقةٍ غير تقوية وغير مناسبة لشخصه قائلاً:

”هنا أيضًا، يا بُنيَّ الرائع، بحسب الصور، آتي بالترتيب والإجلال الواجبين إلى الواقع الإلهيّ للنماذج الأصلية، قائلاً هنا لأولئك الذين صاروا أهلاً، من أجل التوجيه المتناغم لأرواحهم، أن التكوين المتنوع والمقدَّس للرموز لا يخلو من التأمل الروحيّ لهم، كما يُقدَّمون بشكلٍ ظاهريّ. لأن أقدس الترانيم والقراءات النبوية تعلِّمهم نظام الحياة الفضلى، ويسبق ذلك، التطهير الكامل من الشر المدمِّر؛ والتوزيع الأكثر ألوهةً والأعم والأسلم لنفس الشيء، أي الخبز والكأس، الذي يربطهم بشركةٍ تقويةٍ في الشخص، مثل الشركة في الطعام، ويُذكِّرهم بالعشاء الإلهيّ الكامل، وممارسة الرموز الأصلية للطقوس، والتي بموجبها يستبعد مُؤسِّس الرموز نفسه [أي المسيح]، بكل عدل، مَن تناول [أي يهوذا] في العشاء معه من القُدسات بطريقةٍ غير تقويةٍ (يو 13: 11) وغير لائقةٍ بشخصه؛ ويُعلِّم في الحال، بطريقةٍ واضحةٍ وإلهيةٍ، أن الاقتراب من الأسرار الإلهية بعقلٍ صادقٍ يمنح أولئك الذين يقتربون الشركة في العطية بحسب شخصيتهم“.[23]

 

 

الفصل السادس: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد اللاتيني

سوف نستعرض في هذا الفصل الإشارات المتنوعة في كتابات آباء الكنيسة اللاتينية الغربية عبر العصور إلى حادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير وتداعيات ذلك الحدث من الناحية الرعوية والكنسية في مسألة قبول الخاطئ المتقدِّم إلى التناول من سر الإفخارستيا من عدمه.

العلامة ترتليان الأفريقي 160-240م

نجد عند العلامة ترتليان الأفريقيّ أقدم تقليد كنسيّ في الغرب اللاتينيّ يتحدَّث عن تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الشكر، أي الإفخارستيا، حيث يستخدم نبوة (مز 41: 9) للإشارة إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من الإفخارستيا تحقيقًا لهذه النبوة كالتالي:

”حتى أنه أراد بشدةٍ أن يُتمِّم رمز دمه الفادي، ربما يكون قد خانه أي غريب، ألا أجد أنه تمَّم حتى هذا المزمور: ’أيضًا رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي. رفع عليَّ عقبه!‘ (مز 41: 9)، وتعرض للخيانة بلا ثمن، لأنه لا يوجد حاجة إلى خائن في حالة شخص قد قدَّم نفسه علانيةً للشعب، وكان من الممكن أن يُؤخَذ بالقوة وبنفس السهولة التي أُؤخِذَ بها عن طريق الخيانة؟ ربما كان هذا بلا شك جيدًا وكافيًا لمسيحٍ آخر، لكنه لم يكن مناسبًا لمَّن كان يُحقِّق النبوات. لأنه مكتوب: ’باعوا البار بالفضة‘ (عا 2: 6)، المبلغ نفسه والجهة التي خُصِّصَ لها المال الذي تمَّ استرداده بسبب ندم يهوذا عن الغرض الأول من المال، والمخصَّص لشراء حقل الفخاريّ، كما ورد في إنجيل متى، حيث تنبأ إرميا عنها بوضوحٍ: ’ثلاثين من الفضة. ألقها إلى الفخاريّ الثمن الكريم الذي ثمَّنوني به‘ (زك 11: 12-13)، عندما أعرب بكل جدية عن رغبته في أكل الفصح، أَعتبره عيدًا خاصًا به؛ لأنه كان من غير المستحق أن يرغب الله في أن يشترك فيما ليس له. ثم أخذ الخبز وأعطى تلاميذه، وجعله جسدًا خاصًا به، قائلاً: ’هذا هو جسدي‘ (لو 22: 19)“.[24]

ق. أمبروسيوس أسقف ميلان 339- 397م

يتحدَّث ق. أمبروسيوس أسقف عن تناول يهوذا خبز الإفخارستيا من المسيح، وكان يتغذَّى مع المسيح ويشرب معه، ولكن دخل الشيطان في قلبه، وخان المسيح، ففارقه المسيح، لأن يهوذا تركه وأتبَّع الشيطان، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي:

”ولنا مثال على ذلك، لأنه عندما أخذ يهوذا الخبز من المسيح، دخل الشيطان في قلبه كأنه يطالب بما له، كأنه يحتفظ بحقه في نصيبه، كأنه يقول: ليس لك بل ليَّ. من الواضح أنه خادمي، خائنك، ومن الواضح أنه ليَّ. يجلس معك ويخدمني. يتغذَّى معك ولكنني أُغذِّيه. يتناول منك الخبز ومني المال. يشرب معك، ويبيع ليَّ دمك. وأثبت مدى صدق كلامه. ومن ثمَّ، فارقه المسيح، ويهوذا نفسه أيضًا ترك يسوع وتَبِعَ الشيطان“.[25]

أوغسطينوس أسقف هيبو 354-430م

يُؤكِّد أوغسطينوس أسقف هيبو على أن تناول بطرس من الإفخارستيا كان للحياة، أمَّا تناول يهوذا من الافخارستيا فكان للموت، في سياق تأكيده على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلاً:

”اشترك بطرس ويهوذا في خبزٍ واحدٍ، ولكن أية شركة للمؤمن مع غير المؤمن؟ كانت شركة بطرس للحياة، أمَّا شركة يهوذا فكانت للموت. لأن الخبز الجيد كان كالمذاق الشهي. لأنه كالمذاق الشهي، كذلك أيضًا الخبز الجيد يحيي الأبرار ويميت الأشرار. ’لأنه مَن يأكل بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه‘ (1كو 11: 29)“.[26]

ويشير أوغسطينوس إلى اشتراك يهوذا مع باقي التلاميذ في العشاء المقدَّس، مؤكدًا على تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي:

”لأن بولس نفسه لم يشترك في خطايا الآخرين، لأنه احتمل الأخوة الكذبة الذين يئن لأجلهم في وحدة الجسد. كما أن الرسل الذين سبقوه لم يشتركوا في سرقة يهوذا وجريمته، لأنهم اشتركوا معه في العشاء المقدَّس، عندما قد باع ربه بالفعل، وأشار إليه الربُّ على أنه خائنٌ“.[27]

يرى أوغسطينوس أن يهوذا، الذي أعطاه الرب لقمة الإفخارستيا، هو الذي أعطي مكانًا للشرير في داخله، لأنه لم يتناول ما هو سيء، بل تناوله بطريقةٍ سيئةٍ، كذلك كل مَن يتناول سرّ الربّ، لا يتسبَّب في أن يكون التناول سيئًا، بل لأنه هو نفسه سيء، فإنه لم يأخذ شيئًا، لأنه لم يأخذ المناولة لخلاصه، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي:

كما أن يهوذا، الذي أعطاه الرب ’لقمةً‘، أعطي مكانًا للشيطان في نفسه، لم يتناول ما هو سيء، بل تناوله بطريقةٍ سيئةٍ (يو13: 27)، لذلك، كل مَن يتناول سرّ الربّ، لا يتسبَّب في أن يكون [التناول] سيئًا، بل لأنه هو نفسه سيء، أو أنه لم يتناول شيئًا، لأنه لم يتناول للخلاص. فهو ليس إلا جسد الرب ودم الرب، حتي فيمَّن قال لهم الرسول: ’مَن يأكل بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونةً لنفسه‘ (1كو 11: 29)“.[28]

يتحدَّث أوغسطينوس عن تناول بطرس من الأسرار المقدَّسة للخلاص، وتناول يهوذا من نفس الأسرار المقدَّسة للدينونة، وذلك في إطار تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي:

”فمَّن منَّا يقول إنه ثمة شركة بين البر والإثم، حتى إنْ كان البار والأثيم، كما في حالة يهوذا وبطرس، يشتركون في الأسرار على حد سواء؟ لأنهما من نفس الشئ المقدَّس [أي الإفخارستيا]، تناول يهوذا دينونةً لنفسه، وتناول بطرس الخلاص، كما تتناول أنت القربان مع أوبتاتوس Optatus فإنْ كُنت لا تشبهه، فلِمَ تشترك إذًا في سرقاته“.[29]

ق. جيروم 342-420م

يناقش ق. چيروم قضية الاستحقاق للتناول من جسد الرب ودمه، ويرى ق. چيروم اختلاف الاستحقاق حسب استحقاق المتناولين، فمَّن يتناول ويشرب بدون استحقاق يكون مذنبًا في جسد الربِّ ودمه. يتساءل ق. چيروم هل لأنَّ يهوذا شرب من نفس الكأس مثل بقية الرسل، يكون هو وهم بنفس الاستحقاق؟ تناول يهوذا من الافخارستيا قائلاً:

”في الأسرار المسيحية، هناك وسيلة واحدة لتقديس السيد والعبد، النبيل والوضيع، الملك وجنوده، ولكن كُلٍّ يختلف حسب استحقاق المتناولين منه. فمَّن يتناول ويشرب بدون استحقاق، يكون مذنبًا في جسد الربِّ ودمه (1كو 11: 27). هل لأنَّ يهوذا شرب نفس الكأس مثل بقية الرسل، فيكون هو وهم بنفس الاستحقاق؟! لكن لنفترض أننا لم نختر تناول السرِّ، ففي جميع الأحوال، لدينا جميعًا نفس الحياة، ونتنفس نفس الهواء، ولدينا نفس الدم في عروقنا، ونتغذَّى على نفس الطعام“.[30]

توما الأكويني 1225-1274م

يناقش الأب توما الأكوينيّ، أحد أهم اللاهوتيين المدرسيين في العصر الوسيط، قضية تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا، وذلك في سياق إجابته على سؤال: هل أعطى المسيح جسده ليهوذا؟ ويخلص الأكوينيّ، بعد مناقشة طويلة لكافة الاعتراضات على عدم تناول يهوذا، إلى أن يهوذا قد تناول جسد الرب ودمه مع التلاميذ الآخرين، كما يقول ديونيسيوس [المنحول] في كتابه (الطغمات الكنسية : 3)، وأوغسطينوس أسقف هيبو في (مقالة 73 على إنجيل يوحنا). ويؤكد الأكوينيّ على أن المسيح لم يطرد يهوذا من المناولة؛ وذلك لتقديم مثال على أنه لا ينبغي أن يصد الكهنة الآخرون هؤلاء الخطأة المتخفين، وهكذا يجب أن نفهم أن ربنا قد وزَّع بالفعل سر جسده ودمه على جميع تلاميذه، بما فيهم يهوذا أيضًا، كالتالي:

”الاعتراض الأول، يبدو أن المسيح لم يعطِ جسده ليهوذا. لأنه كما نقرأ في (مت 26: 29)، قال ربنا لهم، بعد أن أعطى جسده ودمه للتلاميذ: ’لا أشرب من الآن من ثمر الكرمة هذا إلى ذلك اليوم عندما أشربه معكم من جديد في ملكوت أبي‘. ويتَّضح من هنا أن الذين أعطاهم جسده ودمه كان عليهم أن يشربوا منه أيضًا. ولكن يهوذا لم يشرب منه بعد ذلك معه. لذلك، لم يتناول [يهوذا] جسد المسيح ودمه مع التلاميذ الآخرين. الاعتراض الثاني، علاوة على ذلك، فإن ما أوصى به الرب قد أتمَّه بنفسه، كما جاء في (أع 1: 1): ’وابتدأ يسوع يعمل ويُعلِّم‘. ولكنه أعطى وصية في (مت 7: 6): ’لا تعطوا القدس للكلاب‘. لذلك، بسبب معرفته بأن يهوذا خاطئ، يبدو أنه لم يعطه جسده ودمه. الاعتراض الثالث، علاوة على ذلك، إن هذا يتعلق بآية (يو 13: 26) حيث أعطى المسيح يهوذا خبزًا مغموسًا. وبالتالي، إنْ كان قد أعطاه جسده، فواضح أنه أعطاه إياه في اللقمة، خاصةً أننا نقرأ في (يو 13: 26): ’بعد اللقمة دخله الشيطان‘. ويقول أوغسطينوس في هذا المقطع (مقالة 112 على إنجيل يوحنا): ’نتعلَّم من هذا كيف يجب علينا توخي الحذر من تلقي الخير بطريقةٍ شريرةٍ […] لأنه إذَا ’توبَّخ‘ مَن ’لا يُميِّز‘، أي يُميِّز جسد الرب عن اللحوم الأخرى، فكيف ينبغي أن ’يدين‘ مَن يتظاهر بأنه صديق، ويأتي إلى مائدته عدوًا‘؟ لكن [يهوذا] لم يتناول جسد ربنا باللقمة المغموسة؛ وهكذا علَّق أوغسطينوس على (يو 13: 26)، ’فلما غمس وأعطى ليهوذا سمعان الإسخريوطيّ‘، [نسخة الفولوجاتا: ليهوذا بن سمعان الإسخريوطيّ] (مقالة 62 على إنجيل يوحنا): ’لم يتناول يهوذا جسد المسيح وقتها، كما يظن البعض الذين يقرأون بدون اهتمام‘. لذلك، يبدو أن يهوذا لم يتناول جسد المسيح. ولكن على العكس من ذلك، يقول فم الذهب في (عظة 82 على إنجيل متى): ’لم يتغيَّر يهوذا عند تناوله من الأسرار المقدَّسة: لذلك أصبحت جريمته أشنع من كلا الجانبين، لأنه مُشبَّع بهذه الغاية واقترب من الأسرار، ولأنه لم يصبح أفضل بالاقتراب، ولا من الخوف، ولا من المنفعة التي تلقاها، ولا من الشرف الممنوح له‘. فأجيبُ على ذلك، إن هيلاري، في تعليقه على (مت 26: 17)، رأى أن المسيح لم يعطِ جسده ودمه ليهوذا. وكان من الممكن أن يكون هذا صحيح تمامًا، إذَا أخذنا في الاعتبار خبث يهوذا. ولكن بما أن المسيح ينبغي أن يخدمنا كنموذج للعدل، فلا يتفق مع سلطانه للتعليم أن يقطع يهوذا، الخاطئ المستتر، عن الشركة مع الآخرين بدون تهمة ودليل واضح لئلا يكون قدوةً لأساقفة الكنيسة في فعل ذلك، ولئلا يغتاظ يهوذا نفسه وينتهز الفرصة لارتكاب الخطيئة. لذلك، يبقى أن نقول إن يهوذا قد تناول جسد الرب ودمه مع التلاميذ الآخرين، كما يقول ديونيسيوس [المنحول] في كتابه (الطغمات الكنسية : 3)، وأوغسطينوس في (مقالة 73 على إنجيل يوحنا). الرد على الاعتراض الأول، هذه حجة هيلاري لإثبات أن يهوذا لم يتناول جسد المسيح، ولكنها حجة غير مقنعة، لأن المسيح يتكلَّم مع التلاميذ الذين انفصل يهوذا عن شركتهم، ولم يكن المسيح هو الذي استبعده. لذلك، فالمسيح من جانبه يشرب الخمر حتى مع يهوذا في ملكوت الله، ولكن يهوذا نفسه رفض هذه المائدة. الرد على الاعتراض الثاني، كان المسيح يعرف شر يهوذا لأنه الله؛ ولكنه لم يعرفه بالطريقة التي يعرفه بها البشر. وبالتالي، لم يطرد المسيح يهوذا من المناولة؛ وذلك لتقديم مثال على أنه لا ينبغي أن يصد الكهنة الآخرون هؤلاء الخطأة المتخفين. الرد على الاعتراض الثالث، بدون أدنى شك، لم يتناول يهوذا جسد المسيح في الخبز المغموس؛ لقد تناول خبزًا فقط. ومع ذلك، كما يلاحظ أوغسطينوس (مقالة 62 على إنجيل يوحنا): ’ربما تظاهر يهوذا بغمس الخبز؛ تمامًا كما يتمُّ غمس بعض الأشياء من أجل صباغتها‘. ولكن إذَا كان الغمس يعني هنا أي شيء جيد (على سبيل المثال، حلاوة الصلاح الإلهيّ، حيث أن الخبز يصبح أشهى عن طريق غمسه)، ’فهل تبعت الدينونة جحوده للخير نفسه بدون استحقاق‘. وبسبب هذا الجحود ’صار الخير بالنسبة له شرًا، كما يحدث للذين يتناولون جسد المسيح بدون استحقاق‘. وكما يقول أوغسطينوس في (مقالة 12 على إنجيل يوحنا): ’يجب أن نفهم أن ربنا قد وزَّع بالفعل سر جسده ودمه على جميع تلاميذه، بما فيهم يهوذا أيضًا، كما يروي لوقا: وبعد ذلك، نصل إلى هذا، حيث يعلن ربنا بوضوحٍ أنه خائنه من خلال غمس اللقمة وتسليمها إليه، وفقًا لرواية يوحنا“.[31]

 

تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا – د. أنطون جرجس عبد المسيح

الفصل السابع: الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا في التقليد السرياني

سوف نتتبع في هذا الفصل الإشارات إلى حادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في كتابات آباء الكنيسة السريانية، وذلك في إطار التأكيد على الإجماع الآبائيّ على هذه الحادثة المهمة وتداعيات ذلك الأمر من الناحية الرعوية والكنسية في مسألة قبول مناولة الخاطئ المتقدِّم إلى سر الإفخارستيا من عدمه.

مار أفرام السرياني 306-373م

يتحدَّث مار أفرام السريانيّ في شذرات تفسيره على الدياطسرون [الإنجيل الرباعيّ لتاتيان السوريّ] عن تناول يهوذا الإسخريوطيّ من الخبز المقدَّس، وإنه ورث الحياة الأبدية به، لذا يبتكر نظرية نزع القداسة من العناصر عن طريق غمس الخبز في الماء،[32] وهذا ما سوف يُؤكِّده مار ساويروس موسى بن كيفا في شهادته عن مار أفرام السريانيّ فيما يلي، حيث يقول مار أفرام التالي:

”وكذلك فصل الربُّ بالماء يهوذا عن تلاميذه عندما أعطاه خبزًا مغموسًا في الماء، لأنه لم يكن مستحقًا لذلك الخبز الذي وزَّع مع الخمر على الرسل الأثنى عشر. لأنه لا يجوز أن الذي أسلَّمه إلى الموت [يهوذا]، أن يأخذ في شكل خبز، ذاك الذي يُخلِّص من الموت [المسيح]“.[33]

مار ساويروس موسى بن كيفا 813- 903م

يشير مار ساويرس موسى بن كيفا إلى شهادة كُلٍّ من مار ايوانيس ومار سويريوس الأنطاكيّ ومار أفرام السريانيّ ومار يعقوب السروجيّ ومار يعقوب الرهاويّ وآخرون كثيرون عن مشاركة يهوذا الإسخريوطيّ فى الأسرار، ويستعرض شواهد كل أب من هؤلاء الآباء الذين أكَّدوا على تناول يهوذا في كتاباتهم. حيث قال مار ايوانيس ذلك فى ميمره على خيانة يهوذا، وفى الميمر الحادى والثمانين من تفسير إنجيل متى، وقال مار سويريوس ذلك فى المعنيث الثانى، وقال مار أفرام السريانيّ ذلك فى تفسير الإنجيل، وقال يعقوب السروجيّ أيضًا ذلك فى الميمر على الآلام وقال مار يعقوب الرهاويّ ذلك الأمر فى قوانينه كالتالي:

”إذَا ما شارك يهوذا فى الأسرار أم لا؟ نقول: يقول مار ايوانيس ومار سويريوس ومار أفرام ويعقوب السروجيّ ويعقوب الرهاويّ وآخرون كثيرون أنه شاركه فى الأسرار، كذلك قال ايوانيس فى ميمره على خيانة يهوذا، وفى الميمر الحادى والثمانين من تفسير إنجيل متى، وسويريوس فى المعنيث الثانى، ومار أفرام فى تفسير الإنجيل ويعقوب السروجيّ فى الميمر على الآلام ويعقوب الرهاويّ فى قوانينه. أمَّا القديس مار فيلكسينوس فى تفسير إنجيل متى فقد قال إنه لم يشاركه فى الأسرار وذلك لأن الشيطان قد دخله منذ زمن بعيد، ومن تسليم مار فيلكسينوس جرت الكنيسة ألا يُعطَى القربان للذين يتخبطون من الشياطين. قال مار افرام ويعقوب السروجيّ إنه شاركه فى الأسرار، ولكن يضيفون أنه بغمسة الخبز بالماء نزع عنه طُهره (أي قُدسه) وأنه أعطاه خبزًا بسيطًا“.[34]

مار ديونيسيوس بن الصليبي 1166- 1171م

يشهد مار ديونيسيوس بن الصليبيّ بتناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا، ويستعرض أسماء الآباء الذين قالوا بتناول يهوذا من سر الإفخارستيا، ويحدِّد المواضع التي قالوا فيها بتناول يهوذا الإسخريوطيّ في كتاباتهم كالتالي:

”وقد اختلف المعلِّمون في هل أشرك السيد يهوذا بالأسرار أم لا؟ فالذهبيّ الفم في مقالته عن خيانة يهوذا وفي مقالته الحادية والثمانين من تفسير انجيل متى، وساويرس في المغيث الثاني، والقديس أفرام في تفسير الانجيل، ويعقوب السروجيّ في ميمر الآلام، ويعقوب الرهاويّ في كتاب القوانين، وغيرهم، يقولون إن المسيح أشرك يهوذا في الاسرار. أمَّا القديس فيلوكسينوس في تفسيره بشارة متى فيقول إنه لم يُشرِكه لأن الشيطان كان قد سبق واستولى على يهوذا ومن فيلكسينوس هذا قد جرت العادة في الكنيسة ألا يُعطَى القربان للممسوسين من الشياطين. أمَّا القديس أفرام ويعقوب السروجيّ فقالا بأن السيد أشرك يهوذا في الأسرار ولكنه بلَّ الجسد بالماء فزالت منه القداسة غير أن مُعلِّمين آخرين يقولون إن الجسد المبلول بالماء لا تزول منه القداسة، وإن الماء لا يقدر أن يزيل القداسة والروح الذي فيه، قال داود الراهب ابن بولص الموصليّ محب موسى ابن الحجر إن سيدنا وإنْ لم يبل جسده الذي ناوله ليهوذا بالماء، لكنه أزال قداسته خفيةً لعدم استحقاق يهوذا الخائن له، ولا يخفى إن الحنفي إذَا أكل القداس يأكله خبزًا بسيطًا لأنه يأكله بدون ايمان، ويعقوب الرهاويّ يقول إن السيد ناول يهوذا خبزًا يابسًا كانوا يغمسونه في الأطعمة ويأكلونه، فمن هذا الخبز غمس غمس سيدنا وناوله لا من خبز الأسرار الذي قدَّس جسده منه“.[35]

مار غريغوريوس بن العبري 1226-1286م

يُؤكِّد مار غريغوريوس بن العبريّ، مثله مثل الآباء السريان السابقين عليه، على أن مار يعقوب السروجيّ، ومار أفرام السريانيّ، وق. يوحنا ذهبيّ الفم، وق. ساويروس الأنطاكيّ، وداود الراهب بن بولس، قالوا بتناول يهوذا من الأسرار المقدَّسة في كتابه ”التعليقات على الأناجيل“ كالتالي:

”يقول مار أفرام [السريانيّ] ومار يعقوب [السروجيّ] أن ربنا اشترك مع يهوذا في الأسرار، ولكن بعدما قد نزع القداسة من الخبز بغمسه في الماء. ويقول الآخرون إن الأسرار لا تُنزَع من القداسة حتى لو غُمِسَت في الماء. ويقول ق. يوحنا [ذهبيّ الفم] وساويروس [الأنطاكيّ] أنه اشترك في الخبز، بالرغم من أنه لم يكن مُجرَّدًا من القداسة […] ويقول داود الراهب، ابن بولس، إنه [أي يهوذا] اشترك فيه، أي في العناصر غير منزوعة القداسة، ولكن يهوذا أكل منه كخبزٍ عاديّ بدون إيمان“.[36]

 

 

الخلاصة

نستخلص مما سبق أن هناك نبوة (مز 41: 9) تشير نبويًا وسريًا إلى الرجل الذي أكل من الخبز وسلَّم المخلص، أي تناول يهوذا من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير الذي أسَّسه السيد المسيح ليلة آلامه وصلبه، ولقد استخدم ق. يوحنا في إنجيله هذه النبوة وكذلك استخدمها أغلب آباء الكنيسة للتأكيد على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا. وهناك رواية إنجيلي لوقا ويوحنا تشير إلى حضور يهوذا الإسخريوطيّ لتأسيس سر الإفخارستيا وتناول يهوذا من سر الإفخارستيا.

هناك شهادات عديدة من تقاليد كنسية مبكرة مختلفة عن تقليد يقول بتناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا، فنجد العلامة أوريجينوس الإسكندريّ، وق. كيرلس الإسكندريّ، وق. إيسيذوروس الفرميّ، يشيرون إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وهذا تقليد كنيسة الإسكندرية.

هناك تقليد مبكر في كنيسة أورشليم بفلسطين يشير فيه ق. كيرلس الأورشليميّ إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا.

نجد ق. يوحنا ذهبي الفم يشير بوضوحٍ في مواضع عدة من كتاباته إلى تقليد كنيسة أنطاكية الذي يؤكد تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وكان يستخدم هذا الأمر في أمور رعوية، حيث كان يدعوة الخطأة إلى التناول من سر الإفخارستيا لكي يكون ذلك سببًا في بداية توبتهم واستمرارهم في حياة البر.

نجد ق. غريغوريوس النزينزيّ اللاهوتيّ، وق. باسيليوس الكبير، وديونيسيوس الأريوباغيّ، يؤكدون على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وهذا يُعبِّر عن تقليد كنيسة كبادوكية بآسيا الصغرى (تركيا حاليًا) الذي يؤكد على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا.

هناك تقليد غربيّ لاتينيّ مبكر عند العلامة ترتليان الأفريقيّ، وق. أمبروسيوس أسقف ميلان، وأوغسطينوس أسقف هيبو بشمال أفريقيا، وق. چيروم، وحتى عصر الأب توما الأكوينيّ في العصر الوسيط يشير إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا.

نجد أيضًا تقليد سريانيّ مبكر عند مار أفرام السريانيّ، ومار ساويروس موسى بن كيفا، ومار ديونيسيوس الصليبيّ، ومار غريغوريوس بن العبريّ، يشير إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا.

نستخلص مما سبق أن هناك إجماع كبير من تقاليد كنسية مختلفة على مر العصور أن يهوذا الإسخريوطيّ قد تناول من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير الذي أسَّسه الرب يسوع ليلة آلامه وموته.

سوف أقوم بعرض قائمة آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا الذين يؤكدون على تقليد تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي:

[1] Origen of Alexandria, In Johannem, 32, 24 GCS, 4, 468.

[2] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل لوقا، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 148، ص 720.

[3] المرجع السابق، عظة 142، ص 694.

[4] كيرلس الإسكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، تعليق على (يو 18: 3)، ص 422.

[5] المرجع السابق، تعليق على (يو 13: 23-26)، ص 111.

[6] المرجع السابق، تعليق على (يو 13: 26-27)، ص 112.

[7] المرجع السابق، ص 113.

[8] المرجع السابق، تعليق على (يو 13: 30)، ص 118.

[9] المرجع السابق، ص 119.

[10] إيسيذوروس الفرمي (قديس)، رسائل القديس إيسيذوروس الفرمي مج1، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الرسالة 170 إلى شيريموناس، ص 186.

[11] كيرلس الأورشليمي (قديس)، العظات، ترجمة: الأب چورچ نصور، (لبنان: رابطة معاهد اللاهوت في الشر الأوسط – جامعة الكسليك، 1982)، عظة 13: 6، ص 214.

[12] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ج٢، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٧)، عظة ٢٧: ٣، ص ١٥٠، ١٥١.

[13] John Chrysostom (St.), On the Feast of the Epiphany, Reflection 26-2, Synaxarion Orthodoxia.

[14] النص اليوناني للعظة: PG XLIX, 389-390؛ والنص القبطي للعظة: MS Copto Vat. XCVIII fol. 232v-233.

[15] Daniel J. Sheerin, The Eucharist (Message of the Fathers of the Church Series, Vol. 7), (M. Glazier, 1986), pp. 144-145.

[16] John Chrysostom (St.), On the Betrayal by Judas 1.6, ACC IV b, CIII.

[17] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح إنجيل متى ج4، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 2008)، عظة 81: 1، ص 125.

[18] المرجع السابق، عظة 82: 1، ص 131.

[19] المرجع السابق، ص 131.

[20] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 72، ص 32.

[21] غريغوريوس النزينزي (قديس)، رسائل لاهوتية وفصلان من مسرحية المسيح المتألم، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٠)، ص ٥٨.

[22] قداس ق. باسيليوس الكبير بحسب تسليم كنيسة الروم الارثوذوكس، يوم الخميس العظيم.

[23] Dionysius the Areopagite, the Works of Dionysius the Areopagite, Trans. by John Parker, (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library, 1897), Ecclesiastical Hierarchy, 3: 3: 1, pp. 192-93.

[24] ترتليان (علامة)، ضد ماركيون، ترجمة: القس بولا رأفت، (القاهرة، 2023)، 4: 40، ص 341، 342.

[25] Ambrose of Milan (St.), Selected Works & Letters, NPNF, Ser. II, Vol. 10, Trans. by H. De Romestin, E. De Romestin & H. T. F. Duckworth, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Letter to the Church at Vercellae LXIII: 95, p. 990.

[26] Augustine of Hippo, NPNF Ser. I, Vol. 7, Tractates on John, Trans. by John Gibb & James Innes, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1818-1893), Tract. L., Ch. 11: 10, p. 467.

[27] Augustine of Hippo, NPNF Ser. I, Vol. 4, Answer to the Letters of Petilian, the Donatist, Trans. by J. R. King, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Book II, Ch. 107-243, p. 1177.

[28] Augustine of Hippo, NPNF Ser. I, Vol. 4, On Baptism, Against the Donatists, Trans. by J. R. King, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Bk. V, Ch. 8-9, p. 832.

[29] Augustine of Hippo, NPNF Ser. I, Vol. 4, Answer to the Letters of Petilian, the Donatist, Trans. by J. R. King, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Bk. II, Ch. 40-96, p. 1076.

[30] Jerome (St.), NPNF Ser. II, Vol. 6, Against Jovinianus, Trans. by W. H. Fremantle, G. Lewis & W. G. Martley, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Bk. II: 25, p. 890.

[31] Thomas Aquinas, Summa Theologiae, III, Q 81, Art. 2.

[32] J. Rendel Harris, Fragments of The Commentary of Ephrem Syrus upon the Diatessaron, (London: C. J. Clay & Sons, Cambridge University Press, 1895), pp. 84-85.

[33] The Venerable Ephraim the Syrian, Works (Russian Version, 1995), p. 279.

[34] ساويرس موسى بن كيفا (مار)، المواعظ، نقله إلى العربية: الشماس الإنجيلى بهنام دانيال البرطلى، (العراق: دار المشرق الثقافية، ٢٠١٣)، عظة في خميس الأسرار، فصل ١٤، ص. ٢٢٨.

[35] ديونيسيوس يعقوب بن الصليبى السريانى (مار)، الدرّ الفريد فى تفسير العهد الجديد ج1، أعاد طبعه وكتب مقدمته مار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان، (لبنان: جبل لبنان، ٢٠١٧)، تفسير إنجيل متى، الاصحاح ٢٦، ص ٥٢٠-٥٢١.

[36] BAR-HEBRAEUS, Commentary on the Gospels, Trans. & Edit. By Wilmot Eardley, (London: Society for promoting Christian knowledge, 1925), p. 63.

 

تناول يهوذا الإسخريوطي من سر الإفخارستيا – د. أنطون جرجس عبد المسيح

Exit mobile version