نشأة النص الماسوري للعهد القديم Masoretic Text
نشأة النص الماسوري للعهد القديم Masoretic Text
بعد خراب هيكل أورشليم على يد تيطس الرماني سنة ٧٠م، انهار رمز حكم الله للأمة اليهودية، وانتهوا كشعب ثيئوقراطي يجتمع حول عبادة ومذبح وهيكل وكهنوت. وابتدأت مرحلة جديدة لليهود الباقين بعد هذه الضربة المميتة، حيث تجمع في قرية “يبنه أو يمنيا” على بحيرة طبرية ما تبقى من الفريسيين والربيين، وأنشأوا مدرسة جديدة هدفها تجميع التراث اليهودي الديني، وإقامة السياجات والأسوار، حفاظا على الكيان اليهودي. واستهدفت هذه المدرسة تجميع من بقي من اليهود حول التوراة وأسفار العهد القديم، ليستعيضوا بها عن الهيكل والعبادة والذبائح.
وأول عمل قامت به هو توحيد النص العبري للأسفار، واستبعاد ما عداه من أي نصوص أو كتابات أخرى، حيث كانت هناك نصوص كثيرة متداولة في شبه طبعات شعبية شائعة. وبذلك يحفظون أنفسهم على الأقل من التيار اليوناني الكاسح الذي أثر تأثيرا شديدا على يهود الشتات، وجعلهم يستخدمون ما يسمى “الأسفار المحذوفة” وكتب الأبوكريفا اليهودية الأخرى.
فوضعوا شبه قاعدة قانونية تحدد ما هو مفهوم السفر المقدس، وهي ألا يكون بعد عصر عزرا الكاهن، حيث قالوا إن روح النبوة قد توقف منذ ذلك الحين (10)، وبذلك صارت كل الكتابات المقدسة بعد القرن الرابع قبل الميلاد غير قانونية في نظر الربيين في مدرسة يمنيا. وهكذا دخلت هذه الكتابات في طي النسيان ابتداء من القرن الثاني الميلادي، رغم أن الاكتشافات الحديثة في مخطوطات قمران ووادي المربعات على البحر الميت – وسكانها كانوا بلا شك من الأسينيين وكانوا على صلة بالتيرابيوتا في الإسكندرية، وهم جماعة الأتقياء أو الأبرار – قد أظهرت البعض منها. هذا من جهة الأسفار وتقنينها واستبعاد كل ما عداها.
أما من جهة النصوص ذاتها، فقد كشفت الحفريات والبرديات في قمران عن وجود أكثر من نص واحد بعضها يتقارب مع النص الماسوري الذي أجمعت عليه جماعة العلماء اليهود في يمنيا سنة ٩٠م، وبعضها يتقارب مع الأصل العبري للترجمة السبعينية، وبعضها كذلك يتفق مع التوراة السامرية، والذي ما زالت بقاياها حتى الآن في نابلس حول جبل جرزيم، والتي يرجع تاريخها إلى ما قبل القرن الرابع قبل الميلاد، وهو تاريخ الانشقاق بين اليهود والسامريين. فالواقع أنه لم يوجد هناك نص واحد جامد للأسفار العبرية كما يتبادر لذهن البعض، بل كان هناك نوع من المرونة” في النصوص القديمة، ربما لأنها كانت نصوصا “شعبية، لذلك كانت متحررة من التدقيق العلمي والتحديد المتزمت الذي اشتهر به اليهود بعد ذلك.
أما الشخصية الرئيسية وراء اختيار وتثبيت النص العبري الماسوري كما اصطلح على تسميته بعد ذلك كلمة “ماسورة” في العبرية تعني “تقليد) في القرن الثاني الميلادي فهو (الربي ابن عقيبا)، الذي يعتبر الأب الروحي لثورة ابن كوكب اليهودية (سنة ١٣٢-١٣٥م)، والتي انتهت بمحو مدينة أورشليم من على الأرض، وإقامة مدينة رومانية بدلا منها وسماها الإمبراطور هادريان آليا كابيتولينا”.
وظيفة الكاتب: סופר
الواقع أن السيد المسيح في قوله:
«كل كاتب متعلم في ملكوت السماوات يشبه رجلا رب بيت يخرج من كنزه جددا وعتقاء (مت ١٣: ٥٢)، كان يرفع من وظيفة الكاتب. ولكن الواقع في التقليد اليهودي كان يختلف عن ذلك، فالكلمة في أصلها العبري هي סופר “سوفر من الفعل ספר سفر” أي أحصى.
فكانت مهمة الكاتب ليس فقط نساخة الكتب المقدسة، بل ضبطها ومراجعة نصوصها لئلا يسقط منها شيء بسبب السهو والنسيان، نتيجة الحرص الشديد لدى يهود القرون التالية على كل حرف من الأسفار إلى درجة التقديس والعبادة. فلقد أحصوا، على سبيل المثال عدد حروف التوراة فوجدوا أن حرف “ו” في كلمة גחון جحون أي بطن (لا۱۱: ٤٢) يقع في المنتصف بالنسبة للحروف. وأن كلمتي דרש דרש درش درش” أي طلبه بإلحاج (لا ١٦:١٠) تقعان في المنتصف بالنسبة لكلمات التوراة… وهكذا صارت مهنة الكاتب هنا فنية أكثر منها لاهوتية متعلقة بشروحات وتفاسير الأسفار
وتبع تثبيت النص العبري على يد الربي ابن عقيبا في القرن الثاني الميلادي ضرورة اختراع وتثبيت نظام التشكيل للكلمات العبرية ليمكن ضبط نطقها، وبالتالي تفسيرها الصحيح. مثلا: جاء في التلمود اليهودي عن حوار قام بسبب تشكيل كلمة ٦٦٢ (تث (٢٥: ١٩) هل هي بمعنى ذكر؟ (وهو التشكيل الموجود حاليا، أم 17 بمعنى ذكر أي رجل؟ كذلك ما جاء في (تك ٤٧: ٣١) حيث كلمة המטה همطخ قرأها مترجم السبعينية המטה همطه بمعنى عصا”: «فسجد إسرائيل على رأس عصاه»، بينما شكلها الماسوريون هكذا המטה “همظه” بمعنى “سرير”، فجاءت في البيروتية فسجد إسرائيل على رأس السرير». وقد ذكرها القديس بولس الرسول في (عب ١١: ٢١) بحسب الترجمة السبعينية.