تفسير انجيل متى 21 – الأصحاح الحادي والعشرين – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير انجيل متى 21 – الأصحاح الحادي والعشرين – القمص تادرس يعقوب ملطي
الأصحاح الحادي والعشرون
دخول الملك أورشليم
تقدّم لنا الأصحاحات الثمانية الأخيرة (21-28) صورة حيّة للأسبوع الأخير لحياة السيِّد المسيح على الأرض الذي قدّم لنا فيه نفسه فِصحًا ليعبُر بنا من ملكوت الظلمة إلى ملكوته الأبدي. وقد حرص الإنجيليّون أن يسجّلوا لنا صورة تفصيليّة عن هذا الأسبوع الذي غيّر مجرى حياة البشريّة.
- دخوله أورشليم 1-11.
- تطهير الهيكل 12-14.
- تسبيح الأطفال 15-16.
- في بيت عنيا 17.
- شجرة التين العقيمة 18-22.
- جدال الرؤساء معه 23-26.
- مثل الابنين والكرم 27-32.
- مثل الكرّامين الأشرار 33 -44.
- إدراك الرؤساء أمثلته 45-46.
- دخوله أورشليم
“ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون،
حينئذ أرسل يسوع تلميذين. قائلاً لهما:
اذهبا إلى القرية التي أمامكما،
فللوقت تجدان أتانًا مربوطة وجحشًا معها،
فحلاّهما وأتياني بهما.
وإن قال لكما أحد شيئًا، فقولا:
الرب محتاج إليهما،
فللوقت يرسلهما” [1-3].
كانت أورشليم تكتظ بالملايين في ذلك الوقت، جاءوا يشترون خرافًا يحتفظون بها لتقديمها فِصحًا عنهم، أمّا السيِّد المسيح – حمل الله – فتقدّم بنفسه متَّجهًا نحو أورشليم ليقدّم نفسه فِصحًا عن البشريّة بإرادته. إنه ليس كبقيّة الحملان التي تُذبح فتؤكل وتُستهلك، إنّما يقدّم جسده ذبيحة حب قادرة أن تقيم من الموت وتهب حياة أبديّة لمن ينعم بها. إنه الكاهن والذبيحة في نفس الوقت الذي يتقدّم إلى الصليب، كما إلى المذبح لكي يرفع البشريّة المؤمنة إلى الحياة الجديدة التي فيه، ويحملها معه إلى سماواته.
لقد “جاءوا إلى بيت فاجي”، وهي قرية صغيرة جنوب شرقي جبل الزيتون، يسكنها الكهنة ليكونوا قريبين من الهيكل بأورشليم. يرى البعض أن “بيت فاجي” تعني بالعبريّة “بيت التين”، وقد سبق فرأينا في “التينة” رمزًا للكنيسة من جهة وحدتها حيث تضم بذورًا كثيرة داخل غلاف الروح القدس الحلو، خلاله يكون للكل طعمًا شهيًا، وبدونه تصير البذور بلا قيمة لا يمكن أكلها. هذه هي الكنيسة الواحدة المملوءة حلاوة خلالها يرسل السيِّد تلميذيْه ليحلاّ باسمه المربوطين، ويدخلا بالقلوب إلى أورشليم العُليا، أي رؤية السلام.
ويرى العلاّمة أوريجينوس[1] أن “بيت فاجي” تعني “بيت الفَكْ”، وكأنها تذكرنا بالفكْ الذي يُلطم عليه المؤمن الحقيقي (الخد الأيمن) فيُحوّل الآخر لمن يلطمه، مقدّمًا له الحب ليكسر شرّه. كما يذكِّرنا بالفكْ الذي ضرب به شمشون الأعداء فأهلكهم، وقد أفاض ماءً أنعشه وقت عطشه (قض 15: 19). هكذا لا نستطيع أن نلتقي بالمسيّا المخلّص كفاتح لأورشليمنا الداخليّة ما لم نقدّم خدِّنا الأيمن وأيضًا الأيسر بالحب لمضايقينا، محتملين شرّهم بصبرٍ حقيقيٍ.
هذا هو باب التمتّع بمسيحنا – الفِصح الحقيقي – الذي أفاض علينا ينبوع مياه حيّة كما مع شمشون (قض 15: 19) هو ينبوع ماء روحه القدّوس الذي يروي القلب ليحوِّله من بريَّة مقفرة إلى جنّة الله المثمرة.
يقول الإنجيلي: “ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون” [1]... ما هو جبل الزيتون الذي جاء إليه السيِّد قبيل دخوله أورشليم الذي اكتظّ بأشجار الزيتون، إلا السيِّد المسيح نفسه، الذي هو نفسه “الطريق”، هو بدايته وهو نهايته. به يدخل إلينا، وفيه يستقر! وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [لعلّ المسيح نفسه هو الجبل، فمن هو ذاك الجبل إلا الذي يقدر أن يقدّم أشجار زيتون مثمرة، لا كالأشجار التي تنحني بسبب ثِقل ثمارها، وإنما تذخر بالأمم خلال كمال الروح؟! إنه ذاك الذي خلاله نصعد وإليه نبلغ. إنه الباب وهو الطريق؛ هو الذي ينفتح لنا، وهو الذي يفتح[2].]
يقول أيضًا القدّيس أمبروسيوس: [لقد جاء إلى جبل الزيتون لكي يغرس الزيتون الصغير بقوّته السماويّة… إنه الزارع السماوي؛ وكل غرس يغرسه في بيت الله يعلن: “أمّا أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله، توكّلت على رحمة الله إلى الدهر والأبد[3]” (مز 52: 8).]
عند جبل الزيتون أرسل السيِّد تلميذين، قائلاً لهما: “اذهبا إلى القرية التي أمامكما”. بعث بتلميذيه إلى قرية ليأتيا بالأتان والجحش المربوطين بعد حلّهما، ليستخدمهما في دخوله أورشليم. معلنًا احتياجه إليهما، وقد رأى آباء الكنيسة أن كل كلمة وردت بخصوص هذا الحدث تحمل معنى يمس خلاص البشريّة، نذكر على سبيل المثال:
أولاً: الأتان والجحش يمثّلان رمزيًا العالم في ذلك الحين وقد انقسم إلى اليهود والأمم… فالرب محتاج إلى كل البشريّة حتى وإن انحطّت في فكرها إلى الأتان والجحش من جهة معرفتهم لله وسلوكهم الروحي. وكما يقول المرتّل: “صرتُ كبهيمة عندك، ولكنّني دائمًا معك” (مز 73: 22-23). في تواضع إذ يشعر الإنسان بعجزه عن إدراك أسرار الله يرى نفسه وقد صار كبهيمة عاجزة عن التفكير، فيحمل كلمة الله داخله، ويصير هو نفسه كأورشليم الداخليّة. إنه يتقبّل عمل السيِّد في حياته كما من خلال تلميذيه، يحلانه من الرباطات الأولى بالروح القدس ويقدّمانه للسيِّد كمركبة إلهيّة تنطلق في حرّية، نحو أورشليم العُليا (غل 4: 26) عِوض قريته الأولى وأعمال العبوديّة الحقيرة.
يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [لقد شبّه البشر بهذين الحيوانين لوجود مشابهات معهما… فالحمار حيوان دنس (حسب الشريعة) وأكثر الحيوانات المستخدمة للحمل غباءً، فهو غبي وضعيف ودنيء ومثقّل بالأحمال. هكذا كان البشر قبل مجيء المسيح إذ تلوّثوا بكل شهوة وعدم تعقل، كلماتهم لا تحمل رقّة، أغبياء بسبب تجاهلهم لله، فإنه أيّة غباوة أكثر من احتقار الشخص للخالق وتعبُّده لعمل يديه كما لو كان خالقه؟! كانوا ضعفاء في الروح، أدنياء، إذ نسبوا أصلهم السماوي وصاروا عبيدًا للشهوات والشيّاطين. كانوا مثقّلين بالأحمال، يئنّون تحت ثقل ظلمة الوثنيّة وخرافاتها[4].]
ويقول القدّيس كيرلّس الكبير في هذا: [لقد خلق إله الكل الإنسان على الأرض بعقلٍ قادرٍ على الحكمة، له قُوى الفهم، لكن الشيطان خدعه؛ ومع أنه مخلوق على صورة الله أضلَّه، فلم تعد له معرفة بالخالق صانع الكل. انحدر الشيطان بسكان الأرض إلى أدنى درجات عدم التعقّل والجهل. وإذ عرف الطوباوي داود ذلك، أقول بكى بمرارة قائلاً: “والإنسان في كرامة لم يفهم، يشبه البهائم بلا فهم” (مز 49: 12). من المحتمل أن الأتان الأكبر سنًا ترمز لمجمع اليهود إذ صار بهيميًّا، لم يعطِ للناموس اهتمامًا إلا القليل، مستخفًا بالأنبياء والقدّيسين، وقد أضاف إلى ذلك عصيانه للمسيح الذي دعاه للإيمان ولتفتيح عينيّه، قائلاً: “أنا هو نور العالم، من يؤمن بي فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة” (يو 8: 12). الظلمة التي يتحدّث عنها هنا بلا شك تخص الذهن وتعني الجهل والعُمى وداء عدم التعقّل الشديد. أمّا الجحش الذي لم يكن بعد قد اُستخدم للركوب فيمثِّل الشعب الجديد الذي دُعيَ من بين الوثنيّين. فهذا أيضًا قد حُرم بالطبيعة من العقل؛ كان هائمًا في الخطأ، لكن المسيح صار حكمته “المذخَّر فيه جميع كنوز الحكمة (وأسرار) العلم” (كو 2: 3). لذلك أُحضر الجحش بواسطة تلميذين أرسلهما المسيح لهذا الغرض. ماذا يعني هذا؟ إنه يعني أن المسيح دعا الوثنيّين بإشراق نور الحق عليهم، يخدمه في ذلك نظامان: الأنبياء والرسل. فقد رُبح الوثنيّون للإيمان بكرازة الرسل الذي يستخدمون كلمات مقتبسة من الناموس والأنبياء. يقول أحدهم للذين دُعوا بالإيمان لمعرفة مجيء المسيح: “وعندنا الكلمة النبويّة وهي أثبت، التي تفعلون حسنًا إن اِنتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضعٍ مظلمٍ، إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم” (2 بط 1: 19)… فإذ تفجّر النهار بإشراق نور الحق لم تعد الكلمة النبويّة سراجًا صغيرًا بل صار يضاهي أشعة كوكب الصبح.
لقد أُحضر الجحش من قرية، مشيرًا بذلك إلى حال فكر الوثنيّين غير المتمدِّن، إذ لم يكن كمن تعلَّم في مدينة، وإنما كمن عاش بطريقة ريفيّة خشنة وفَظّة… هؤلاء لا يستمرّون على هذا الحال بخصوص الذهن غير المتمدِّن، وإنما يتغيّرون إلى حالة من السلام والحكمة بخضوعهم للمسيح معلّم هذه الأمور. إذن، لقد أُهملت الأتان، إذ لم يركبها المسيح مع أنها سبق فاُستخدمت للركوب ومارست الخضوع لراكبيها، مستخدمًا الجحش الذي كان بلا مران سابق ولم يستخدمه أحد… وكما سبق فقلت لقد رفض المجمع اليهودي الذي سبق فامتطاه الناموس، وقبل الجحش، الشعب الذي أُخذ من الأمم[5].]
هذا التفسير الرمزي للقدّيس كيرلّس الكبير أخذه عن العلاّمة أوريجينوس القائل: [رَمَزَ للمجمع اليهودي القديم بالأتان، إذ كان مقيَّدًا بخطاياه. وكان أيضًا معها الجحش مقيَّدًا، كرمز للشعب الحديث الولادة من الأمم. وإذ اقترب المخلّص وصار الطريق لأورشليم السماويّة مفتوحًا أمر بحلِّها خلال تعاليم تلاميذه الذين أعطاهم الروح القدس، قائلاً: “اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تُغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت” (يو 20: 22-23). كما يقول: [كان احتياجه هكذا أنه إذ يجلس عليهما يحرّرهما من الأتعاب، مصلحًا من أمْر من يجلس عليهما، لا بمعنى أنه هو الذي يستريح بواسطتهما[6].]
ويقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [يعني بالجحش الكنيسة والشعب الجديد الذي كان قبلاً غير طاهر وقد صار طاهرًا، إذ استقرّ يسوع عليه[7].]
ثانيًا: يتحدّث القدّيس جيروم عن التلميذين اللذين أرسلهما السيِّد، قائلاً: [أرسل تلميذيه، أحدهما لأهل الختان والآخر للأمم[8].] أمّا القدّيس هيلاري أسقف بواتييه فيرى أن التلميذين قد أرسلا إلى الأمم، أحدهما إلى السامرة التي كانت لها بعض المعرفة عن الله والآخر لبقيّة الأمم، قائلاً: [الأتان والجحش يشيران إلى دعوة الأمم المزدوجة. فالسامريّون عبدوا الله خلال طقوسهم، وقد أُشير إليهم بالأتان، أمّا الأمم فيُشار إليهم بالجحش إذ لم يكونوا بعد قد تدرّبوا على الحمل. هكذا أرسل (السيِّد) اثنين لتحرير من كانوا تحت رباطات الخزعبلات. فآمنت السامرة بواسطة فيلبس، وآمن كرنيليوس بالمسيح كبكر عن الأمم بواسطة بطرس[9].]
لاحظ القدّيس جيروم في إنجيل لوقا البشير أن للجحش أصحاب كثيرون، وكأن هذا الشعب خاضع ليس لخطيّةٍ واحدٍ أو لشيطانٍ واحدٍ بل لكثيرين، هؤلاء الذين اِستسلموا خلال كرازة الرسل، تاركين إيّاه لسيِّده الحقيقي يسوع المسيح.
ثالثًا: يتحدّث القدّيس أمبروسيوس عن السلطان الإلهي الذي وُهب للتلميذين ليحلاّ الأتان والجحش، قائلاً: [ما كان يمكن حلهما إلا بأمر الرب، فاليد الرسوليّة التي من قبل الرب تحلِّهما[10].] ويقول العلاّمة أوريجينوس: [هذه الأتان كانت حاملة أولاً بلعام (عد 22)، والآن تحمل المسيح، هذه التي حلّها التلاميذ، فتحرّرت من الرباطات التي كانت تقيّدها، ذلك لأن ابن الله صعد عليها ودخل بها في المدينة المقدّسة أورشليم السماويّة[11].]
ويقول القدّيس جيروم: [كما أرسل (السيِّد) تلميذيه ليحلاّ الجحش ابن الأتان ليمتطيه، هكذا يرسلهما إليك ليحلاّك من اهتمامات العالم وتركك للّّبْْن والقش الذي لمصر فتتبعه بكونه موسى الحقيقي، وتدخل إلى أرض الموعد خلال البرّيّة[12].]
رابعًا: طلب السيِّد من تلميذيه أن يقولا لصاحب الأتان والجحش: “الرب محتاج إليهما”. حقًا إنه يتطلّع إلى البشريّة كلها لا كمن يتعالى عليها، بل كمن هو محتاج إلى الجميع، يطلب قلوبنا مسكنًا له، وحياتنا مركَّبة سماويّة تحمله.
لاحظ القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن السيِّد لم يطلب منهما أن يقولا: “ربَّك محتاج إليهما”، ولا أن يقولا “ربّنا محتاج إليهما”، بل قال “الرب”، وذلك [لكي يُدركون أنه رب البشريّة كلها، حتى الخطاة منتمون إليه، وإن كانوا بكامل حرّيتهم قد اِنتموا إلى الشيطان[13].]
والعجيب أن صاحب الأتان والجحش لم يجادلهما بل سلَّم بملكِه للسيِّد، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [إن كان الذي لم يعرف المسيح خضع له، فكم بالأحرى يليق بتلاميذه أن يقدّموا له كل شيء[14].]
خامسًا: يُعلن الإنجيلي متّى أن ما يحدث قد سبق فأنبأ به زكريّا النبي: “فكان هذا كلّه لكي يتمّ ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعًا راكبًا على أتان وجحش ابن أتان” [4]. وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [إذ عرف النبي، أعني زكريّا، حقد اليهود ومقاومتهم للمسيح عند صعوده للهيكل، سبق فحذَّرهم، معطيًا لهم هذه العلامة لكي يعرفوه[15].]
لقد أعلن السيِّد المسيح حبّه لعروسه فتصاغر أمامها لكي يخدمها، فعند دخوله إلى أورشليم ليمد يده للنفس البشريّة كعروس له، لم يتَّخذ لنفسه مركبًا وخيلاً ورجالاً يجرون أمامه، كما فعل أبشالوم بن داود عند دخوله مدينة أبيه (2 صم 5: 1)، ولا اِتخذ لنفسه عجلات وفرسانًا كما فعل أدونيا (1 مل 1: 5)، ولم يبوِّق قدَّامه بالبوق والناي كما حدث مع سليمان (1 مل 1: 38-40). الجالس في سماء السماوات سبق فأرسل إلى إيليّا مركبة ناريّة، أمّا هو فركب أتانًا وجحش ابن أتان، مع أنه هو الذي رآه إشعياء جالسًا على كرسي عظمته على مركبة الكاروبيم على كرسي عال مرتفع وأذياله تملأ الهيكل (إش 6: 1) وكما ينشد القدّيس يعقوب السروجي قائلاً:
[حبَّك أنزلك من المركبة إلى الجحش العادي.
عِوض جنود الكاروبيم غير المفحوصين، يبجِّلك جحش متواضع في بلدنا!
أنزلتْكَ المراحم من بين العجل والوجوه وأجنحة اللهب، لكي يبجّلك ابن الأتان في المركبة. يجاهر السمائيّون ببهائك، وهنا الجحش الحقير المزدرى به يحملك بين السمائيّين.
كاروبيم النار يباركونك طائرين، وهنا الأطفال يمجّدونك بتسابيحهم.
ملائكة النور… يهيّئون طريقه، والتلاميذ هنا يلقون قدامه ثيابهم.
نزل الجبار من عند أبيه ليفتقد مكاننا، وبإرادته بلغ إلى منتهى التواضع.
ركب الجحش ليفتقد بالتواضع شعبه.
زكريّا النبي حمل قيثارة الروح، وأسرع قدّامه بترتيل نبوّته بابتهاج، شدّ أوتاره وحرَّك صوته وقال: “افرحي يا ابنة صهيون واهتفي واصرخي، لأن ملكك يأتي، وها يبلغ راكبًا جحشًا ابن أتان” (زك 9:9)[16].]
ويُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على استخدام السيِّد للأتان والجحش، قائلاً: [إن كان النبي قد عاش قبل مجيئه بزمان طويل يقول “هوذا” (زك 9:9)، ليوضّح أن من يتكلَّم عنه هو ملكهم حتى قبل أن يولد. متى رأيتموه لا تقولوا: ليس لنا ملك إلا قيصر، فقد جاء إليكم ليخلّصكم إن فهمتموه، أمّا إن لم تفهموه فيأتي ضدَّكم. جاء “وديعًا” حتى لا تهابوا عظمته، بل تُحبُّون رقَّتِه. لا يأتي جالسًا على مركبة ذهبيَّة، ولا ملتحفًا بالأرجوان، ولا راكبًا على فرس ناري، كمن يشتاق إلى الخصام والصراع، وإنما يأتي على أتان صديقًا للهدوء والسلام[17].]
سادسًا: إلقاء الثياب تحته، “فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع. وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس عليهما. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق” [6-8].
سبق فقلنا[18] أن تقديم الثوب إلى شخص يُشير إلى ترشيحه للرئاسة (إش 3: 6)، وهنا تقدّم التلاميذ نيابة عن الكنيسة يُعلنون قبولهم العريس رأسًا ورئيسًا.
ألقوا بالثوب القديم ليتمتّعوا بالسيِّد المسيح نفسه كثوب البرّ الذي يلتحفون به ويختفون فيه. نزعوا ثوب السجن مع يهوياكين (إر 52: 33) حتى يقدروا أن يجالسوا العريس ملك الملوك، فيسمعوا مناجاته: “ما أحسن حبِّك يا أختي العروس… رائحة ثيابِك كرائحة لبنان” (نش 4: 11). أمّا هم فيردّدون: “فرحًا أفرح بالرب، تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، كساني رداء البرّ، مثل عريس يتزيَّن بعمامة ومثل عروس تتزيّن بحليّها” (إش 61: 10).
يتحدّث القدّيس جيروم عن هذه الثياب، قائلاً: [ثياب التلميذين التي وضعاها على الحيوان تُشير إلى تعليم الفضيلة أو تفسير الكتاب المقدّس وإلى الحق الذي للكنيسة، فإن لم تتزيّن النفس بهذه الأمور وتلتحف بها لا تستحق أن تحمل الرب[19].]
سابعًا: استخدموا سعف النخيل وأغصان الزيتون، “وآخرون قطعوا أغصانًا من الشجر وفرشوها في الطريق” [8]. جاء في إنجيل يوحنا “فأخذوا سعوف النخل، وخرجوا للقائه” (يو 12: 13).
أعلن الشعب عن فرحة الكنيسة بنصرتها بالرب. وقد اختلط سعف النخل بأغصان الزيتون، وكأن روح النصرة قد امتزجت بروح السلام، إذ دخل الأسد ليرقد في القبر، فيفزع الموت، ويفجِّر أبواب الجحيم، مقدّمًا سلامًا فائقًا للنفس بارتفاعها فوق الموت، ودخولها إلى حضن الآب في مصالحة أبديّة. يقول القدّيس أغسطينوس: [سعف النخيل شعار للمدح، يعني النصرة، فقد كان الرب قادمًا للنصرة على الموت بالموت، وهزيمة الشيطان رئيس الموت بصليبه الغالب[20].]
ولعلّ أغصان الشجر هنا تُشير إلى نبوّات العهد القديم التي تقتطعها لكي تفرش لنا طريق دخول المسيّا المخلّص إلى قلبنا، فإنه ما كان يمكن للعالم أن يتقبّل ربّنا يسوع بكونه المسيّا المخلّص لو لم تُفرش هذه النبوّات أمامه في أذهاننا وقلوبنا تُعلن عن شخصه.
ثامنًا: صرخات الجموع “والجموع الذين تقدّموا والذين تبعوا، كانوا يصرخون، قائلين: أوصانا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب، أوصنا في الأعالي” [9].
استقبلته الجماهير بفرح وتهليل كملك “ابن داود”، إذ وحده يقدر أن يخلّصهم، ويرتفع بهم إلى الأعالي. لكن ماذا يعني بالجموع التي تقدّمته والتي تبعته. يقول القدّيس جيروم: [جموع الذين آمنوا بالرب قبل الإنجيل (التي تقدّمته)، والذين آمنوا به بعد الإنجيل (تبعته)، فالكل يسبّح معًا بصوت واحد ويشهدون له.] هذا التفسير الرمزي التقطه القدّيس جيروم عن العلاّمة أوريجينوس القائل: [يمكننا القول بأن الذين تقدّموه هم الأنبياء القدّيسون الذين عاشوا قبل مجيئه، أمّا الذين تبعوه، فهم الرسل الذين التصقوا به بعد مجيء الله الكلمة. أعلن الكل نفس الشيء، متّحدين معًا بصوت واحد: إن المخلّص قد تأنّس.] ويقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [السابقون أعلنوا بالنبوّة عن المسيح الآتي، والآخرون سبَّحوا معلنين أن مجيئه قد تحقّق.]
هكذا استقبلته الجماهير، تقدّمته جماعة بالتهليل ممثّلة رجال العهد القديم الذين رأوه بعينيّ الإيمان خلال النبوّة، وتبعته جماعة خلفه تسبِّحه كممثّلة لرجال العهد الجديد الذين تمتّعوا بما اشتهاه الأنبياء.
أما تسابيحهم فتركّزت في إعلان الخلاص، قائلين: “أوصنا” أو “هوشعنا”، وهي كلمة عبريّة تركت في أغلب الترجمات كما هي، لذلك يراها القدّيس أغسطينوس أداة تعجّب تكشف عن حالة ذهنيّة أكثر منها معنى خاص، وإن كان أغلب الآباء والدارسين يرون فيها معنى “خلصنا”. وكما يقول القدّيس جيروم: [أنها تعني أن مجيء المسيح هو خلاص العالم.]
أما قوله “أوصنا لابن داود… أوصنا في الأعالي” فكما يقول العلاّمة أوريجينوس: [مدحوا ناسوتيتّه بصراخهم: “هوشعنا يا ابن داود”، ومدحوا إصلاحه، هذا يعني أن الخلاص هو في الأعالي، مشيرًا بوضوح إلى أن مجيء المسيح يعني الخلاص الذي لا يمس البشر وحدهم بل المسكونة كلها، رابطًا الأرضيّات بالسماويات (في 2: 10).] ويُعلّق القدّيس أغسطينوس على قوله “مبارك الآتي باسم الرب قائلاً: [لنفهم من قوله “باسم الرب” بالأكثر “اسم الله الآب”، وإن كان يمكن أن يُفهم على أنه باسمه هو بكونه الرب… لقد قال بنفسه: “أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني، إن أتى أحد باسم آخر فذلك تقبلونه“ (يو 5: 43). فإن المعلّم الحقيقي للتواضع هو المسيح الذي أخلى نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب (في 2: 8)، لكنّه لم يفقد لاهوته بتعليمه التواضع. فبالواحد هو مساوٍ للآب، وبالآخر هو مشابه لنا نحن. بذاك الذي هو مساوي للآب دعانا إلى الوجود، وبالذي صار به مشابهًا لنا، خلَّصنا من الهلاك[21].]
تاسعًا: “ولما دخل أورشليم اِرتجَّت المدينة كلها قائلة: من هذا؟. فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل” [10-11]. هكذا إذ دخل يسوعنا الحيّ إلى أورشليمنا الداخليّة ليُقيم ملكوته فينا بالصليب يرتج القلب كلّه مقدّمًا كل مشاعره وأحاسيسه وحبّه للملك الجديد، فيستعيد سلامه ويدخل إلى المصالحة مع السماء، بل ويصير سماءً جديدة!
- تطهير الهيكل
إذ يدخل الرب أورشليمنا الداخليّة إنّما يدخل إلى مقدسه، يقوم بنفسه بتطيره، فيصنع سوطًا يطرد به باعة الحمام ويقلب موائد الصيارفة وهو يقول: “مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص” [13].
ما هو هذا السوط إلا الروح القدس الذي يرسله الابن من عند الآب ليبكِّت على خطيّة، ويهب التوبة الداخليّة، ويعطي حِلاً من الخطيّة خلال الكنيسة؟!
بالروح القدس الناري يعيد الرب لمقدسه فينا قدسيَّته التي فقدها، بتحويل حياتنا الداخليّة عن “حياة الصلاة” إلى عمل تجاري حتى في الأمور الروحيّة. عِوض أن يكون القلب خزانة إلهيّة تضم في داخلها السيِّد المسيح نفسه كنزًا سماويًا لا يفنى يرتبك بحسابات الصيارفة وتجارة الحمام، فينزع عنه سلام الله الفائق ليقتني لنفسه ارتباكات زمنيّة خانقة للنفس.
يرى القدّيس جيروم أن الكهنة اليهود كانوا يستغلِّون عيد الفِصح حيث يأتي اليهود من العالم كلّه لتقديم الذبائح، فحوَّلوا الهيكل إلى مركز تجاري، أقاموا فيه موائد الصيارفة ليقدّموا القروض للناس لشراء الذبائح، يقدّمونها لا بالربا إذ تمنعه الشريعة، وإنما مقابل هدايا عينيّة، هي في حقيقتها ربا مستتر.
هذه صورة مؤلمة فيها يتحوّل هيكل الرب عن غايته، ويفقد الكهنة عملهم الروحي، ويحوِّلون رسالتهم إلى جمع المال. وكما يقول العلاّمة أوريجينوس: [ليُطرد كل إنسان يبيع في الهيكل، خاصة إن كان بائع حمام… أي يبيع ما يكشفه له الروح القدس (الحمامة) بمالٍ ولا يُعلّم مجَّانًا، يبيع عمل الروح فيُطرد من مذبح الرب[22].] يفقد الرعاة عملهم الروحي ويحوِّلون كلمة الله ومواهب الروح القدس وعطاياه إلى تجارة. وكما يقول القدّيس جيروم: [يدخل يسوع كل يوم إلى هيكل أبيه ويطرد من كنيسته في كل العالم أساقفة وكهنة وشمامسة وشعبًا موجِّهًا إليهم ذات الاتهام، أنهم يبيعون ويشترون. وما أقوله عن الكنائس يطبِّقه كل واحد على نفسه، إذ يقول الرسول “أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم”. ليخلوا بيت قلبنا من كل تجارة ومقر للبائعين والمشترين ومن كل رغبة للحصول على هدايا، لئلا يدخل الرب ثائرًا ويُطهّر هيكله بلا تراخٍ بطريقة أخرى غير السوط، فيُقيم من مغارة اللصوص وبيت التجارة بيتًا للصلاة.]
يُعلّق القدّيس جيروم على طرد باعة الحمام وقلب موائد الصيارفة هكذا: [يظن معظم الناس أن أعظم معجزاته هي إقامة لعازر من الأموات أو تفتيح عينيّ المولود أعمى… وفي نظري أن أعجَبَها هي أن شخصًا واحدًا منبوذًا بلا اعتبار (ليس له مركز ديني معيَّن) قُدِّم للصلب استطاع أن يضرب بسوط الكتبة والفرّيسيّين الثائرين ضدّه، والذين يشاهدون بأعينهم دمار مكاسبهم، فيطرد الجمع الكبير ويقلب الموائد ويحطَّم الكراسي، فإن لهيبًا ناريًا ملتهبًا كان يخرج من عينيّه، وعظمة لاهوته تشعْ على وجهه، فلم يتجاسر الكهنة أن يمدُّوا أيديهم عليه.]
على أي الأحوال، بحسب الحسابات البشريّة خسر الهيكل في نظر القادة الدينيّين في ذلك الوقت الكثير، إذ طرْد الباعة والمشترين وقلبْ موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، لكن بمنطق الإيمان نال الهيكل قدسيَّته بحلول السيِّد نفسه فيه، الأمر الذي لا يهمهم في شيء. عِوض التجارة الزمنيّة حلّ الكنز السماوي نفسه يملأ الهيكل سلامًا ومجدًا، واهبًا نورًا لعيون العمي وإمكانيّة للعرج أن يمشوا، إذ قيل “وتقدّم إليه عًمي وعرج في الهيكل فشفاهم” [14]. وكما يقول القدّيس جيروم: [لو لم يقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام ما كان يستحق العمي والعرج أن يستردّوا النور، ويصيروا سريعين في المشي.]
إذ يحلّ الرب في القلب يحطَّم الشرّ وكل ما يتعلق به، لتحل بركة الرب فينا، فعِوض العمى الروحي تنفتح أعيننا الداخليّة لمعاينة السماويّات، وتشفي أرجلنا الداخليّة لتنطلق النفس بقوة الروح نحو الأبديّة، بعد أن توقَّفت زمانًا طويلاً لا تقدر على السير في الطريق الملوكي.
- تسبيح الأطفال [15-17]
بينما انفتحت ألسنة الأطفال والرُضَّع بالتسبيح [16] غضب رؤساء الكهنة والكتبة. الأطفال الصغار لم يقرأوا النبوّات ولا رأوا المعجزات، لكن قلوبهم البسيطة انفتحت للملك فطفقت ألسنتهم العاجزة تنطق بالفرح الداخلي والمجيد. أمّا رؤساء الكهنة والكتبة فقد أُؤتُمنوا على النبوّات وقاموا بشرحها، وجاء المجوس يؤكّدونها، ونظروا المعجزات، لكن قلوبهم المتحجِرة أُغلقت أمام الملك، فامتلت غمًا، وعِوض التسبيح صرخوا غاضبين: “أتسمع ما يقول هؤلاء؟” [16]. حقًا لقد أعلن الأطفال ملكوت الله المُفرح بينما كشف رؤساء الكهنة بضيقهم عن ملكوت الشرّ فاقد السلام. يقول الأب موسى: [أينما وُجد ملكوت السماوات فبالتأكيد تكون الحياة الأبديّة بفرح، وحيثما وُجد ملكوت الشيطان فبلا شك يوجد الموت والقبر، ومن يكون في ملكوت الشيطان لن يقدر أن يحمد الله، إذ يخبرّنا النبي، قائلاً: “ليس الأموات يسبّحون الرب، ولا من ينحدر إلى أرض السكوت، أمّا نحن الأحياء الذين نعيش لله وليس للخطيّة أو للعالم فنُبارك الرب من الآن وإلى الدهر. هليلويا (مز 115: 17-18)[23].]
- في بيت عنيا
“ثم تركهم وخرج خارج المدينة إلى بيت عنيا،
وبات هناك” [17].
إن رجعنا إلى سفر حزقيال نجد الله يهتمّ بمن يسمِّيهم “البقيَّة” وهم جماعة قليلة أطاعت الرب وسمعت له، يهتمّ الله بها حتى وسط التأديبات القاسية التي خضع لها الشعب بكهنته ورؤسائه. هنا أيضًا إن كانت أورشليم قد ثارت ضدّ السيِّد خلال الكتبة والفرّيسيين والصدّوقيّين مع الكهنة ورؤساء الكهنة، لكنّه وجد موضع راحة في قرية قريبة تُسمى “بيت عنيا“، إنه يهتمّ أن يذهب إلى هذا البيت الذي هو بيت لعازر ومريم ومرثا ليستريح فيه.
“بيت عنيا” يعني “بيت العناء أو الألم”. فإن كان العالم يجري وراء الترف واللذّة الزمنيّة فلا يجد الرب راحته إلا في القلب الذي يصير “بيت عنيا”، محتملاً الآلام من أجل الملكوت. لقد خرجت الألوف في أورشليم تستقبل السيِّد، لكنّه لم يجد قلوبًا منفتحة لاستقباله مثل أصحاب هذا البيت!
يُعلّق القدّيس جيروم على ذهاب السيِّد إلى بيت عنيا قائلاً: [كان شديد الفقر بعيدًا كل البعد عن التملُّق فلم يجد في المدينة الكبيرة (أورشليم) مأوى أو مسكنًا، إنّما سكن عند لعازر وأختيْه في بيت صغير جدًا في بيت عنيا.]
- شجرة التين العقيمة
ما كان يمكن أن تقوم مملكة السيِّد إلا بهدم مملكة الظلمة، لهذا إذ أراد غرس كرمه المقدّس التزم أن يحطَّم التينة العقيمة. حقًا لقد كان للتينة ورقها الجذّاب، يأتي إليها الجائع ظنًا أنه يجد ثمرًا، لكنّه يرجع جائعًا. هكذا كان لليهود ورقهم الأخضر من معرفة عن الله وحفظ للشريعة وتسجيل للنبوّات. لكن مع هذا كلّه لم تكن لهم الحياة الداخليّة التي تقدّم ثمرًا. لقد ارتبطوا بالشكل الخارجي البرّاق دون التمتّع بالأعماق الحيّة، اهتموا بالحرف دون الروح. لذلك فإن ما فعله السيِّد، هو هدم للحرف لإقامة الروح الواهب الحياة.
وقف السيِّد أمام شجرة التين العقيمة فجفَّت بكلمةٍ من فيهِ، وكما يقول القدّيس جيروم: [تبدَّدت ظلمة الليل بأشعة ضوء الصباح.]
ويُعلّق القدّيس أغسطينوس على لَعن شجرة التين، بقوله:
[أدرك الرب يسوع أن شجرة معيّنة تستحق أن تصير يابسة، إذ لها الورق دون الثمر. هذه الشجرة هي مجمع اليهود… كان لديهم كل كتابات الأنبياء التي لم تكون إلا أوراقًا، والمسيح جائع يطلب ثمرًا فيهم فلا يجد، إذ لم يجد نفسه بينهم. فمن ليس له المسيح ليس له ثمر. من لا يتمسَّك بوحدة المسيح لا يكون له المسيح، وأيضًا من ليس له المحبّة… اسمع الرسول يقول: “وأما ثمر الروح فهو محبّة“ (غل 5: 22) مظهرًا عظمة هذا العنقود خلال هذه الثمرة[24].]
[إننا نجد شجرة التين تُلعن لأن لها ورق بلا ثمر، ففي بداية الجنس البشري لذ أخطأ آدم وحواء صنعا لنفسيهما إزاريْن من أوراق التين (تك3: 7)، هذه التي تُشير إلى الخطايا. نثنائيل أيضًا كان تحت شجرة التين كمن هو تحت ظل الموت، هذا الذي رآه الرب الذي يهتمّ بمن قيل عنهم: “الجالسون في أرض ظلال الموت أشرّق عليهم نور” (إش 9: 2)[25].]
إذ يبست الشجرة تعجّب التلاميذ لهذا، فقال لهم السيِّد: “الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكّون فلا تفعلون أمر التينة فقط، بل إن قلتم أيضًا لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون” [21]. وكما يقول القدّيس أغسطينوس[26]: [إنه قد جفَّت تينة اليهود التي رفضت أن تحمل المسيح فيها ثمرًا حيًا، لهذا يقول الرب “أوصَى الغَيْم أن لا يُمطر عليها مطرًا” (إش 5: 6)، لكن بالإيمان انطلق السيِّد المسيح الجبل الحقيقي وانطرح في بحر الأمم، ليتحقّق القول النبوي “جعلتُك نورًا للأمم ليكون خلاص إلى أقصى الأرض“ (إش 49: 6).]
إن كان لنا الإيمان بالمسيح يسوع ربَّنا، فإنه ليس فقط يجفِّف تينتنا العقيمة التي اِحتلَّت مقدِسه في قلوبنا، وإنما يدخل بنفسه إلينا كما ينطرح الجبل في البحر ليكون سرّ خلاص لنا. بالإيمان ننعم بكل شيء في المسيح يسوع مادمنا نناله فينا، وكما يقول القدّيس مار فيلوكسينوس: [الإيمان يعطي الإنسان قوّة إلهيّة فيه، حيث يؤمن أن كل شيء يريده يفعله!]
- جدال الرؤساء معه
إذ وجَّه السيِّد ضربة لتحطيم مملكة الخطيّة، خاصة الرياء مقيمًا مملكة البرّ، ثار رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب، وكأنهم قاموا يدافعون عن الظلمة، إذ سألوه: “بأي سلطان تفعل هذا؟ ومن أعطاك هذا السلطان؟” [23]. ولم يكن هذا التساؤل بقصد التمتّع بالمعرفة الروحيّة لبنيانهم، وإنما بقصد اقتناص الفرصة لمهاجمته، لهذا لم يُجب سؤالهم، إنّما ردّ عليه بسؤال، إذ قال لهم: “وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة، فإن قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضًا بأي سلطان أفعل هذا. معموديّة يوحنا من أين كانت: من السماء أم من الناس؟” [24-25].
لقد سألوه بمكرٍ: بأي سلطان تفعل هذا؟ وكما يقول القدّيس كيرلّس الكبير[27]: [إنهم ظنّوا بهذا يجرحون مشاعره ككاسر للناموس الموسوي، إذ لم يكن من سبط لاوي بل من سبط يهوذا، ليس له حق التعليم وشرح الناموس الخ. ولم يُدركوا أنه هو نفسه واضع الناموس.]
أجابهم السيِّد بحكمة، فكتم مكرهم بسؤالهم عن القدّيس يوحنا المعمدان، إذ “فكّروا في أنفسهم قائلين: إن قلنا من السماء، يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قلنا من الناس، نخاف من الشعب، لأن يوحنا عند الجميع مثل نبي” [26].
بقدر ما نتقدّم للسيِّد بقلبٍ بسيطٍ ندخل إلى أسراره، إذ يفرح بنا ويقودنا بروحه القدّوس إلى معرفة أسراره غير المُدركة. أمّا من يستخدم مكر العالم فلا يقدر أن يدخل إليه، بل يبقى خارجًا محرومًا من معرفته. لقد فقد الفرّيسيّون والكهنة وشيوخ الشعب بساطتهم، إذ طلبوا مجدهم الذاتي، ممّا دفعهم إلى الخوف من الناس فلم يدخلوا إلى الحق. وكما يقول القدّيس كيرلّس الكبير: [لاحظ مكر الفرّيسيّين الشديد فقد هربوا من الحق، رفضوا النور، ولم يشعروا بخوف عند اِرتكاب الخطيّة[28].]
- مثل الابنين والكرْم
إذ يهدم السيِّد الشرّ يقدّم تبريرًا وتوضيحًا لتصرُّفه، والآن إذ دخل أورشليم وقد هاج الرؤساء الدينيّون عليه قام بتوضيح ضرورة طردهم من الكرم ليقيم غيرهم، قادرين على الرعاية بمفهوم جديد يليق بملكوته.
في المثل الذي بين أيدينا يَظهر رب المجد كرب بيت يسأل ابنيه أن يعملا في كرْمه – أي كنيسته – لحساب ملكوت السماوات، والأول يمثّل الأمم، الذين بدءوا حياتهم برفض العمل، لكنهم ندِموا أخيرًا ومضوا يعملون في الكرْم، أمّا الثاني فيُشير لليهود الذين قالوا “ها أنا يا سيّد” [30]، لكنهم لم يمضوا. حقًا لقد قبل اليهود العمل في الملكوت لكنهم قبلوه بالكلام دون العمل، لذلك طَردوا أنفسهم بأنفسهم من الكرْم، ليتركوا مكانهم للأمم الذين لم يسمعوا لله أولاً لكنهم عادوا ليُطيعوه. ما أصعب على نفس هؤلاء المؤتمنين على كلمة الله أن يتركوا الكراسي – بسبب عدم إيمانهم بالحق – للعشّارين والزواني الذين سبقوهم إلى ملكوت الله بالإيمان.
- مثل الكرّامين الأشرار
لخّص السيِّد تاريخ الخلاص كلّه في هذا المثل، فيه أوضح محبّة الله المترفّقة، إذ غرس كرمًا وأحاطه بسياج، وحفر فيه معصرة، وبنى برجًا، وسلّمه إلى كرّامين، وسافر. لقد ائتمنهم على الكرم بعد أن قدّم لهم كل الإمكانيّات للعمل، لكن إذ أرسل عبيده يطلب ثمرًا، جلَد الكرّامون بعضهم، وقتلوا بعضًا، ورجموا بعضًا. وتكرّر الأمر في دفعة أخرى، وأخيرًا “أرسل إليهم ابنه قائلاً: يهابون ابني. وأما الكرّامون فلما رأوا الابن قالوا بينهم: هذا هو الوراث، هلمّوا نقتله، ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه” [37-39].
في المثل السابق ظهر اليهود كأصحاب كلام بلا عمل، ففقدوا مركزهم ليحل محلَّهم من بالعمل أعلنوا ندمِهم على ماضيهم. أمّا هنا فالسيِّد يكشف لهم أنهم عبر التاريخ كلّه لم يكونوا فقط غير عاملين، وإنما مضطهِدين لرجال الله في أعنف صورة، حتى متى جاء ابن الله نفسه الوارث يُخرجونه خارج أورشليم ليقتلوه!
لقد أصدر الحكم عليهم من أفواههم، إذ سألهم: “فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرّامين؟” قالوا له “أولئك الأردياء يهلكهم هلاكًا رديًا، ويسلّم الكرْم إلى كرّامين آخرين، يعطونه الأثمار في أوقاتها” [40-41] وختم السيِّد على الحكم بقوله: “أمَا قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البنّاؤون هو قد صار رأس الزاوية، من قِِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. لذلك أقول لكن إن ملكوت الله يُنزع منكم ويعطي لأُمَّة تعمل أثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضَّض، ومن سقط هو عليه يسحقه” [42-44]. هكذا بلغ بهم السيِّد إلى النتيجة، ألا وهي الحاجة إلى هدْم البناء القديم ليقوم ملكوت الله على أساس جديد.
ما هو الحجر المرفوض؟ قيل أنه عند بناء هيكل سليمان وَجد البنّاؤون حجرًا ضخمًا، فظنّوا أنه لا يصلح لشيءٍ فاحتقروه، ولكن إذ احتاجوا إلى حجر في رأس الزاوية لم يجدوا حجرًا يصلح مثل ذلك الحجر المُحتقر. وكان ذلك رمزًا للسيِّد المسيح الذي احتقره رجال الدين اليهودي، ولم يعلموا أن الحجر الذي يربط بين الحائطين في الهيكل الجديد، يضم فيه من هم من اليهود ومن هم من الأمم، ليصير الكل أعضاء في الملكوت الجديد.
شرح القدّيس كيرلّس الكبير هذا المثل في شيء من التفصيل، إذ قال: [إن كان أحد يفحص مدلول ما قيل هنا بعينيّ الذهن الفاحصين يجد كل تاريخ بني إسرائيل مختصرًا في هذه الكلمات. فمن هو الذي غرس الكرم، وماذا يُفهم بالكرم المغروس قد أوضحه المرتّل بقوله عن الإسرائيليّين… “كرمَة من مصر نُقلت، طَردت أُممًا وغرستْها، هيَّأت قدامها فأصَّلت أصولها فملأت الأرض” (مز 80: 8-9). ويُعلن النبي الطوباوي إشعياء ذات الأمر بقوله: “كان لحبيبي كرْم على أَكَََمَة خصبة“ (إش 5: 1)، ويتحدّث بأكثر قوّة موضّحًا ما سبق أن قيل بطريقة غامضة: “إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل وغرس لذّته رجال يهوذا“ (إش 5: 7). إذن الله هو غارس الكرم، سافر لمدة طويلة. إن كان الله يملأ الكل وليس غائبًا عن أي كائن بل هو موجود، فكيف سافر صاحب الكرم زمانًا طويلاً؟ هذا يعني أنهم بعد أن رأوه في شكل نار عند نزوله على جبل سيناء مع موسى الذي تكلم معهم بالشريعة كوسيطٍ، لم يعد يهبهم حضرته بطريقة منظورة، وإنما استخدم التشبيهات مأخوذة عن الأعمال البشريّة، فكانت علاقته بهم علاقة من هو سافر عنهم في رحلة بعيدة.
إذن كما قلت، لقد سافر ومع هذا كان مهتمّا بكرْمه، يشغِل ذهنه. وإذ أرسل لهم خدّامًا أمناء على مراحل ثلاث مختلفة ليطلب المحصول أو الفاكهة من مخازن كرْمه. لم يترك فترة فاصلة بين هذه المراحل لم يُرسل الله فيها أنبياء أو أبرارًا ينصحون إسرائيل ويَحثّونه على تقديم ثمار حسب الشريعة لأمجاد الحياة. لكنهم كانوا أشرّارًا وعصاه ومتحجّري القلب، وكانت قلوبهم قاسية لا تقبل النصيحة حتى أنهم لم يصغوا للكلمة التي تنفعهم. فنرى إشعياء النبي وهو شخص يمكن القول إنه ذاب من كثرة الأتعاب والمشقّات بلا نفع، قائلاً: “يا رب من صدّق خبرّنا” (إش 53: 1). فبتجاهلهم للمرسلين إليهم “أرسلوهم فارغين” (لو 20: 10)، إذ لم يكن لهم من شيء صالح يقدّمونه لله مُرسلهم. وقد وبّخ إرميا أيضًا جموع اليهود مع حكّامهم بسبب عجرفتهم، وأنذره قائلاً: “من أُكلِّمه وأُنذره فيسمع؟! ها إن أُذنهم غلْفاء فلا يقدرون أن يَصغوا. ها إن كلمة الرب قد صارت لهم عارًا لا يُسرُّون بها” (إر6: 10). وفي موضع آخر يحدّث أورشليم هكذا: “داويْنا بابل فلم تُشفَ، دعوهما ولنذهب كل واحد إلى أرضه، لأن قضاءها وصل إلى السماء” (إر 51: 9). وكما قلت أنه يدعو أورشليم بابل، لأنها لا تختلف عن فارس (عاصمتها بابل) في عصيانها وارتدادها، ولأنها لم ترد أن تخضع للشرائع المقدّسة. وأيضًا ربّما لأنها صارت محتقرة، لأن ليس لها معرفة الله، إذ اختارت أن تتعبّد للخليقة دون الخالق ولعمل يديها، لأن إسرائيل كان مخطئًا بالارتداد عن الإيمان وعبادة الأوثان. هذا هو الطريق الذي به يطردون المرسلين إليهم بخزي.
إذ تأمّل رب الكرْم مع نفسه قال: “ماذا أفعل؟!” (لو 20: 13). ويليق بنا أن نفحص بدقّة معنى هذا القول. هل يستخدم صاحب الكرْم هذه الكلمات، لأنه لم يعد له خدّام آخرين؟ بالتأكيد لا، فإن الله لا ينقصه خدّام لتحقيق إرادته المقدّسة. لكنّه كطبيب يقول للمريض: ماذا أفعل؟ من هذا نفهم أن الطبيب قد استخدم كل مصدر للفن الطبّي ولكن بلا نفع. لهذا نؤكد أن رب الكرْم قد مارس كل رقَّة ورعاية مع كرْمه، لكنّه دون أن ينتفع الكرْم بشيء، لهذا يقول: ماذا أفعل؟ وما هي النتيجة؟ لقد أراد أن يحقّق هدفًا أعظم إذ قال “أرسل ابني الحبيب، لعلّهم إذ رأوه يهابونه”. فبعد إرساله الخدّام أرسل الابن كواحد لا يُحصى بين الخدّام إذ هو الرب والابن الحقيقي. إن كان قد أخذ شكل العبد من أجل التدبير لكنّه هو الله، ابن الله الآب نفسه، له سلطان طبيعي. فهل كرّم هؤلاء ذاك الذي جاء بكونه الابن والرب والمالك، بكونه وارثًا كل ما يخصّ الله الآب؟! لا، بل قتلوه خارج الكرْم، وقد دبّروا فيما بينهم عملاً غبيًا مملوء جهالة وشرًا، قائلين: “هلمّوا نقتله لكي يصير لنا الميراث”. لكن اخبرني، كيف نقبل هذا؟ هل أنت ابن الله الآب؟ هل يكون لك الميراث طبيعيًا؟ إن كنت تطرد الوارث بعيدًا عن الطريق، فكيف تصير أنت ربًا تطمع في الميراث؟! كيف لا يكون هذا أمرًا مضحكًا وسخيفًا؟! فالرب بكونه الابن وكوارثٍ حقيقيٍ له السلطان لدى الآب قد صار إنسانًا، دعا الذين آمنوا به إلى شركة مملكته فيكون مالكًا معهم، أمّا هؤلاء فقد أرادوا نوال المملكة بمفردهم دونه، مغتصبين لأنفسهم الميراث الربّاني. هذا الهدف كان مستحيلاً ومملوء جهالة، لذلك يقول عنهم الطوباوي داود في المزامير: “الساكن في السموات يضحك بهم والرب يستهزئ بهم” (مز 2: 4). ولهذا طرد رؤساء مجمع اليهود بسبب مقاومتهم إرادة الله، مطالبًا إيّاهم بتسليم الكرْم الذي أُؤتُمنوا عليه ولم يُثمر. لقد قال الله في موضع آخر: “رعاة كثيرون أفسدوا كرمي، داسوا (دنّسوا) نصيبي، جعلوا نصيبي المشتهَى برّيّة خربة، جعلوه خرابًا” (إر 12: 10). وقيل على لسان إشعياء: “قد اِنتصب الرب للمخاصمة وهو قائم لدينونة الشعوب، الرب يدخل في المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم، وأنتم قد أكلتم (حرقتم) الكرم” (إش 3: 13-14). فإذ ردُّوا الأرض بلا ثمر كأشرار، فإنهم بعدلٍ يسقطون تحت ضيقات قاسية بسبب إهمالهم وقتلهم للرب.
“ويعطي الكرم لآخرين”، من هم هؤلاء الآخرون؟ أجيب إنهم جماعة الرسل القدّيسين، والمبشّرون بالوصايا الإنجيليّة وخدّام العهد الجديد. الذين يعرفون كيف يهذّبون الناس بطريقةٍ لائقةٍ بلا لومٍ، ويقودونهم في كل شيء بما يَسُر الله بطريقة رائعة. هذا ما تتعلَّمه من قول الله على لسان إشعياء لأُمَّة اليهود أي مجمعهم: “وأرُد يدي عليكِ… وابحث عنك لأُنقّيكِ والذين لا يطيعونني يهلكون، وأنزع عنكِ فاعلي الشرّ وأخضع المتعجرفين، وأعيد قُضاتك كما في الأول ومشيريكِ كما في البداءة“ (إش 1: 25) الخ. وكما قلت يُشير بهذا إلى مبشري العهد الجديد الذين قيل عنهم في موضع آخر في إشعياء: “أمّا أنتم فتُدعون كهنة الرب، تُسمُّون خدّام الله” (61: 6). أما كون الكرْم قد أُعطيَ لكرّامين آخرين، ليس فقط للرسل القدّيسين، وإنما أيضًا للذين جاءوا بعدهم، وإن كانوا ليسوا من دم إسرائيلي، فهذا يعلنه إله الجميع بقوله على لسان إشعياء عن كنيسة الأمم وعن بقيّة إسرائيل: “ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حُرَّاثيكم وكرَّاميكم“ (إش 61: 5). فإنه بحق كثير من الأمم حُسِبوا كقدّيسين، وقد صاروا معلِّمين ومدرِّبين، وإلى الآن يوجد رجال من أصل أممي يحتلُّون مراكز كبرى في الكنائس يبذرون بذار التقوى التي للمسيح في قلوب المؤمنين ويردُّون الأمم الذين أُؤتُمنوا عليهم ككروم جميلة في نظر الله[29].]
ويُعلّق القدّيس كيرلّس أيضًا على كلمات السيِّد عن نفسه أنه الحجر المرفوض، هكذا: [المخلّص هو الحجر المختار وقد رذَله هؤلاء الذين كان يجب عليهم بناء مجمع اليهود، وقد صار رأس الزاوية. يشبِّهَه الكتاب المقدّس بحجر زاوية، لأنه يجمع الشعبين معًا: إسرائيل والأمم في إيمان واحد وحب واحد (أف2: 15)[30].]
- إدراك الرؤساء أمثلته
“ولما سمع رؤساء الكهنة والفرّيسيّون أمثاله
عرفوا أنه تكلَّم عليهم.
وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه،
خافوا من الجموع،
لأنه كان عندهم مثل نبي” [45-46].
لقد أدرك رؤساء الكهنة والفرّيسيّون كلمات الرب بعقولهم لكنهم لم يقبلوها بروح الحب والبنيان، وعِوض أن يقدّموا توبة عما ارتكبوه فكّروا في الانتقام منه.
[1] In Matt. tr 14.
[2] PL 15:1795.
[3] PL 15:1795.
[4] Op Imperf. hom 37.
[5] In Luc. Ser. 130.
[6] In Matt tr. 14.
[7] In Matt. hom 67.
[8] PL 26.
[9] Catena Aurea.
[10] PL 15:1795.
[11] In Num. hom 13.
[12] Ep. 22:24.
[13] Op Imper.
[14] In Matt. hom 67.
[15] Op Imper.
[16] الحب الإلهي، 1967، ص 324.
[17] Op. Imperf.
[18] الحب الإلهي، 1967، ص 29.
[19] PL 26.
[20] In Ioan tr 51:2.
[21] In Ioan tr 51:3.
[22] In Luc. hom 38:5.
[23] Cassian: Conf. 1:14.
[24] Ser. on N. T. 39:1.
[25] In Ioan tr. 7:55.
[26] Ser. on N. T. 39:2.
[27] In Luc. Ser. 133.
[28] In Luc. Ser. 131
[29] In Luc. Ser. 134.
[30] In Luc. Ser. 134.