تفسير انجيل متى 19 – الأصحاح التاسع عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير انجيل متى 19 - الأصحاح التاسع عشر - القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير انجيل متى 19 – الأصحاح التاسع عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير انجيل متى 19 – الأصحاح التاسع عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
الأصحاح التاسع عشر
مدعُوُّو الملكوت
يقدّم لنا الإنجيلي متّى عيِّنات من المدعوِّين للملكوت من متزوّجين وبتوليّين وأطفال وأغنياء ورعاة:
- الملكوت والحياة الزوجيّة 1-9.
- الملكوت والبتوليّة 10-12.
- الملكوت والأولاد 13-15.
- الملكوت والغِنى 16-26.
- الملكوت والرعاة 27-30.
- الملكوت والحياة الزوجيّة
باب الملكوت ضيق وقليلون هم الذين يجدونه، لكنّه في جوهره هو شخص السيِّد نفسه الذي يحملنا فيه، ويدخل بنا إلى حضن أبيه، فنكون معه شركاء في مجده. هذا الباب مفتوح للمتزوّجين كما للبتوليّين، للأطفال كما للناضجين، للفقراء كما للأغنياء، للرعاة والرعيّة. إنه يمس حياة كل من يقبله فيجعلها حياة فردوسيّة أبديّة.
فمن جهة المتزوّجين، يقدّم لنا السيِّد مفهومًا جديدًا للحياة الزوجيّة خلاله نتفهم لقاء المتزوّجين مع التمتّع بالملكوت.
“وجاء إليه الفرّيسيّون ليجرّبوه، قائلين له:
هل يحلّ للرجل أن يطلِّق امرأته لكل سبب؟
فأجاب وقال لهم: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى.
وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته،
ويكون الاثنان جسدًا واحدًا.
إذًا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد،
فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان” [3-6].
أراد الفرّيسيّون أن يجرّبوه ربّما لأنهم سمعوا ما قاله بخصوص التطليق في الموعظة على الجبل، فقدّموا له سؤالاً لعلّه يجيب بخلاف ما ورد في شريعة موسى رافضًا التطليق (إلا لعلّة الزنا)، فيُحسب في أعينهم كاسرًا للشريعة. أمّا هو فاستغلّ الفرصة ليقدّم لهم “الحياة الزوجيّة” في مفهوم روحي عميق ومن منظار إلهي كحياة فردوسيّة، وليس عقدًا اجتماعيًا مجرّدًا، خلالها يختبر الزوجان اتّحاد النفس بالله، فينجذِبا خلال هذه الحياة المقدّسة إلى تذوّق الملكوت الداخلي. ويلتهب قلباهما نحو الحياة السماويّة الأخرويّة ليدخلا إلى عرس أبدي، وكأن الزواج ليس عائقًا عن الملكوت وإنما هو ظلُّه، خلاله يختبر المؤمنون بحق الانطلاق نحو زواج روحي مع العريس الأبدي بفعل الروح القدس.
والعجيب أن السيِّد المسيح قد بارك البشريّة وقدّس أعمالها، فجاء ابنًا للإنسان ليقدّس بنيّ البشر، ويقدّس الحياة البشريّة ويرفع من شأنها. بطفولته قدّس الطفولة التي احتقرها البشر زمانًا طويلاً، وبمشاركته للقدّيس يوسف أعماله اليوميّة قدّس العمل اليومي، بصلواته وأصوامه قدّس عبادتنا، ببتوليّته قدّس الحياة البتوليّة، فما هو موقفه من الحياة الزوجيّة؟ لقد قدّس السيِّد المسيح الحياة الزوجيّة بأن قدّمها فيه بطريقة فائقة كعريس يمد يده للبشريّة كلها ويتقبّلها عروسًا له، دافعًا حياته مهرًا لها وواهبًا إيّاها روحه القدّوس عطيّته المجّانيّة للعروس الواحدة. إنه كعريس واحد للعروس الواحدة، يقدّم لنا صورة حيّة للحياة الزوجيّة خلالها استمدّت الأسرة المسيحيّة كيانها وتقديسها. إن كان السيِّد يقول: “أما قرأتم أن الذي خلق منذ البدء خلقهما ذكرًا وأنثى” [4]. إنما يدخل بنا إلى آدم الأول وحواء، فنفهم الحياة الزوجيّة خلال آدم الثاني وحواء الجديدة التي هي عروسه الكنيسة.
لقد خلق الله الرجل أولاً ثم المرأة من جنبه، صورة حيّة للعريس الأبدي الواحد الذي فيه أوجدت الكنيسة مقدّسة خلال جنبه المطعون. يرى المتزوّجون في آدم الأول وحواء الأولى مثالاً حيًا للحياة الزوجيّة الأمينة والوحدة الأسريّة، يعرف آدم حواء كمعينة تسنده في وحدته وسط الفردوس يحبّها كجسده ويعرف موضعها الحقيقي أنها في جنبه، تشاركه كل شيءٍ. أمّا هي، فتعرف آدم رأسًا لها ليس متعاليًا، لأنها ليست من قدميه، ولا بغريبة عنه لأنها واحد معه من جسده! ويرى المتزوّجون في آدم الثاني العريس الحقيقي الذي فَتح جنبه بالحب، لا لتخرج منه حواء، بل لتدخل فيه جموع البشريّة المؤمنة عروسًا واحدة، جسده المقدّس! هذا ما تؤكّده الكنيسة في ليتورجيّة الزواج فتركّز في صلواتها وطلباتها وألحانها على الكشف عن هذه العلاقة الروحيّة التي تربط العريس الملك الأبدي بعروسه الكنيسة المقدّسة . لقد تلقَّفت الكنيسة هذا الفكر عن الرسول بولس أثناء حديثه عن العلاقات الأسريّة، إذ يقول: “أيها النساء اِخضعْن لرجالكُن كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة وهو مخلّص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء. أيها الرجال أحبُّوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها.”
إن كان السيِّد قد قدّس الحياة الزوجيّة بتقديم حياة عُرْسيّة ملكوتيّة فائقة، فيه يقبل البشريّة عروسًا له، فإنه أيضًا قدّس الزواج الذي يتمّ هنا على الأرض بين الرجل والمرأة، بحضوره عرس قانا الجليل كأول عمل له بعد عماده. هذا هو الطريق الثاني لمباركته هذه الحياة. يقول القدّيس أغسطينوس: [بحضور الرب العرس الذي دُعي إليه أراد بطريقة رمزيّة أن يؤكّد لنا أنه مؤسِّس سرّ الزواج، لأنه يظهر قوم قال عنهم الرسول أنهم مانعون عن الزواج (1 تي 4: 3)، حاسبين الزواج شرًا من صنع الشيطان[1].]
يكشف لنا السيِّد هذه الحياة الزوجيّة بقوله: “من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. إذًا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لا يفرِّقه إنسان” [5-6].
لقد تمّم السيِّد هذا العمل أيضًا، وكما يقول القدّيس أغسطينوس: [ترَك أباه إذ أظهر ذاته كمن هو غير مساوٍٍ للآب بإخلاء نفسه وأخذ شكل العبد (في 2: 7) وترك أمُّه المجمع الذي منه وُلد حسب الجسد، ملتصقًا بامرأته أي كنيسته[2].]
خلال هذا العرس الأبدي يتمتّع المتزوّجون بهذا الحب الذي به يلتصق كل منهما بالآخر، وكما يقول الرسول: “هذا السرّ عظيم، ولكني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة، وأمّا أنتم الأفراد فليُحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه، وأما المرأة فلتهب رجلها” (أف 32:5-33).
يقول الآب يوحنا من كرونستادت: [لنفهم العبارة يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته إمّا بالمعنى الحرفي للكلمات أو المعنى الرمزي، إذ يلتصق الإنسان بالمسيح حيث الحب الأسمى والأقدس، الذي هو أعظم من الحب للزوجة[3].]
إذ حدّ السيِّد التطليق حتى كاد أن يمنعه تمامًا إلا في حالة الزنا (مت 5: 31-32)، ظنّوا أنه يكسر الوصيّة الموسويّة، قائلين: “فلماذا أوصى موسى أن يُعطي كتاب طلاق فتطلَّق؟ قال لهم: إن موسى من أجل قسوة قلوبكم أذن لكم أن تطلِّقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم إن من طلَّق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوَّج بأخرى يزني، والذي يتزوَّج بمطلَّقة يزني” [7-9].
في هذا يقول القدّيس أغسطينوس: [لم تأمر الشريعة الموسويّة بالطلاق بل أمرت من يطلق امرأته أن يعطيها كتاب طلاق، لأن في إعطائها كتاب طلاق ما يهدِّئ من ثورة غضب الإنسان. فالرب الذي أمر قساة القلوب بإعطاء كتاب طلاق أشار إلى عدم رغبته في الطلاق ما أمكن. لذلك عندما سُئل الرب نفسه عن هذا الأمر أجاب قائلاً: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذِن لكم، لأنه مهما بلغت قسوة قلب الراغب في طلاق زوجته، إذ يعرف أنه بواسطة كتاب الطلاق تستطيع أن تتزوّج من آخر، يهدأ غضبه ولا يطلّقها. ولكي ما يؤكّد رب المجد هذا المبدأ، وهو عدم طلاق الزوجة باستهتار جعل الاِستثناء الوحيد هو علّة الزنا. فقد أمر بضرورة احتمال جميع المتاعب الأخرى (غير الزنا) بثبات، من أجل المحبّة الزوجيّة ولأجل العفّة. وقد أكّد رب المجد نفس المبدأ بدعوته من يتزوّج بمطلَّقة زانيًا[4].]
ارتباط الزوجين معًا صورة حيّة للوحدة بين المخلّص وكنيسته إلى الأبد، فإن كان الرسول البتول يقول: “وأما المتزوّجون فأوصيهم لا أنا بل الرب، أن لا تُفارق المرأة رجلها، ولا يترك الرجل امرأته” (رو7: 2-3)، فكم بالأحرى يهتمّ الله ألا يفارق كنيسته ولا ينزعها من أحضانه الأبديّة، مقدّمًا كل إمكانيّاته الإلهيّة لثباتها فيه إلى الأبد.
- الملكوت والبتوليّة
إذ سمع التلاميذ كلمات السيِّد رأوا في الرباط الزوجي الذي لا ينحل إلا بالزنا أمرًا غاية في الصعوبة، فقالوا له: “إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوَّج” [10]. لم يكن التلاميذ قد أدركوا بعد سرّ الملكوت كما يليق ولا فهموا “الاتّحاد”، لهذا رأوا في الحياة الزوجيّة كما عرضها السيِّد تكاد تكون مستحيلة. أمّا المؤمن فإذ يتذوّق الملكوت السماوي في قلبه ويختبر ثباته في عرسه الأبدي وحلول عريسه في داخله يتقبّل زوجته من يديه، فيرى في اتّحاده معها عملاً إلهيًّا فائقًا يقوم به الروح القدس نفسه.
لقد ظنّ التلاميذ البتوليّة أسهل من الزواج، لكن السيِّد صحَّح لهم مفهومهم معلنًا أنه كما الاتّحاد الزوجي هو صورة للحياة الملكوتيّة الأبديّة، فإن البتوليّة أيضًا تقدّم صورة حيّة لهذه الحياة وبشكلٍ أعمق. إنه يقول: “ليس الجميع يقبلون هذا الكلام، بل الذين أُعطى لهم. لأنه يوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أمَّهاتهم. يوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خَصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات من استطاع أن يقبل فليقبل” [11-12].
ليست البتوليّة الحقّة هروبًا من الزواج بسبب صعوبة الحياة الزوجيّة، لكنها دخول في الحياة الملكوتيّة الأبديّة. إن كان طريق الزواج المسيحي يبدو صعبًا، فإن الحياة البتوليّة الحقيقية هي هبة ليست للجميع، إذ يقول: “ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطيَ لهم” [11].
ليست كل بتوليّة حسب الجسد هي بتوليّة حقَّة، فقد ميّز السيِّد بين ثلاثة أنواع من البتوليّة:
أولاً: يوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أمّهاتهم، يقصد بهم غير القادرين على الحياة الزوجيّة بسبب مرض جسدي. هؤلاء تُحسب بتوليّتهم – إن صح التعبير – ليست إلا عجزًا عن الزواج، يحمل الجانب السلبي، فلا تُقدّم شيئًا كبتوليّة.
ثانيًا: يوجد خصيان خصاهم الناس، هؤلاء غالبًا ما كانوا نوعًا من العبيد اِئْتمنهم السادة على ممتلكاتهم، فخصُوهم لخدمة الرجال والنساء معًا في بيوت سادتهم. فيُحرم هؤلاء الخصيان من حياتهم الزوجيّة لأجل خدمة سادتهم! هذه صورة مرّة للحياة البتوليّة – إن صح التعبير – التي لا تُقدَّم عن عجز كالفئة السابقة وإنما يتقبّلونها إرضاءً للناس. إنهم يحملون صورة التقوى والعفّة لا من أجل الملكوت، وإنما من أجل كرامةٍ زمنيّةٍ ومجدٍ باطلٍ، وهذه أخطر صورة للحياة المسيحيّة الشكليّة.
ثالثًا: يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات، وهذه فئة روحيّة رائعة تضم في الحقيقة جميع المؤمنين العاملين بالحب لله بكونهم بتوليّين روحيّين، عذارى ينتظرون العريس، وعلى وجه الخصوص جماعة البتوليّين روحًا وجسدًا من أجل الرب.
البتوليّون من أجل الملكوت السماوي هم الذين تقدّموا لصليب ربّنا يسوع المسيح، لا ليُحرموا من الحياة الزوجيّة عن عجز ولا من أجل الناس، وإنما اشتياقًا للتكريس الكامل روحًا وجسدًا للعريس الأبدي. هؤلاء يناجيهم السيِّد، قائلاً: “أختي العروس جنّة مُغْلقة، عين مُقْفلة، ينبوع مختوم” (نش 4: 12). أنها ليست عاجزة ولا مقفرة، إنّما هي جنّة تكتظ بكل أنواع الأشجار وعين ماء وينبوع لا ينضب، لكنها لا تترك هذا كلّه لآخر غير عريسها. إنها بتول لا تعاني حرمانًا، كما لا تُسلّم ذاتها إلا لمن قدّم حياته لها.
هذا ويلاحظ أن الحياة البتوليّة ليست إلزاميّة إذ يختم السيِّد حديثه هكذا: “من استطاع أن يقبل فليقبل” [12]. يقول القدّيس جيروم: [لا يوجد إلزام ترتبط به، فإن أردت أن تنال المكافأة إنّما يكون ذلك بكامل حريتك[5].] ويقول القدّيس أمبروسيوس: [أن ما يعلنه السيِّد هنا ليس بوصيّة ملزِمة لكنها مشورة يقبلها الراغبون في درجات الكمال[6].]
يحذّرنا القدّيس كبريانوس لئلا نعتمد على بتوليّة الجسد وحدها حتى وإن كانت من أجل الرب، إنّما يلزم الجهاد في بتوليّة النفس خلال التمتّع بالحياة الكنسيّة المقدّمة. لقد خشَىَ َعلى البتوليّين من الكبرياء خلال بتوليّتهم الجسديّة، إذ يقول: [ليت الذين صاروا خصيانًا من أجل ملكوت السماوات مرّة يُرضون الله في كل شيء، ولا يضادّون كهنة الله ولا رب الكنيسة خلال عثرة شرّهم[7].]
- الملكوت والأولاد
رأينا التلاميذ يسألون السيِّد عمَّن هو أعظم في ملكوت السماوات فقدّم لهم ولدًا، قائلاً: “الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات” (مت 18: 3). والآن نرى الأولاد يُقدّمون إليه ليضع يديه عليهم ويصلّي. حقًا لقد انتهرهم التلاميذ، “أمّا يسوع فقال: دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات. فوضع يديه عليهم ومضى من هناك” [14-15].
إن كان المتزوّج يتلمَّس مفهوم الملكوت السماوي خلال حياته الزوجيّة المقدّسة والاتّحاد الزوجي الفائق، والبتول يلتهب قلبه حنينًا نحو الملكوت كعذارى تترقَّب عريسها، فإن الأولاد الصغار هم المَثل الحيّ الذي يُقدّم لكل مؤمن ليكون له حق العضويّة في هذا الملكوت. لم يقدّم الأولاد كفئة بين فئات كثيرة تتمتّع بالملكوت، وإنما هي الفئة الوحيدة التي يلتزم الكل أن يدخل إليها لينعم بالملكوت، فالملكوت إنّما هو ملكوت البسطاء! إذن لنرجع ونصر مثلهم، نحيا ببساطتهم فنكون بحق أبناء الملكوت.
يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [هذه هي حدود الحكمة الحقيقيّة: أن تكون بسيطًا بفهم. هذه هي الحياة الملائكيّة، نعم لأن نفس الطفل الصغير نقيّة من كل الشهوات[8].]
لنقف قليلاً عند حديث السيِّد مع تلاميذه بخصوص الأولاد: “دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات”، ففي هذا الحديث نكتشف أمرين:
أولاً: ليس هناك طريق وُسطى، إمّا ندعو الأولاد للتمتّع بالسيِّد المسيح، أو نقف أمامهم عثرة فنمنعهم. إمّا نعمل لحساب الملكوت، فنجمع أبناء الملكوت، أو لحساب مملكة الظلمة، فنعوق الآخرين عن الحياة مع الله. هذا هو ما أعلنه السيِّد بقوله: “من لا يجمع معي فهو يفرّق”.
ثانيًا: إن عملنا لحساب الملكوت، فندعو الأولاد، يتحقّق هذا بإقتدائنا بالأولاد. لنحمل فينا روح البساطة كأولاد لله البسيط، حتى نقدر أن نلتقي بالأولاد فنحملهم بالحب إلى السيِّد المسيح محب البشر!
- الملكوت والغِنى
يروي الإنجيلي عن لقاء بين السيِّد المسيح وشاب غني:
“وإذا واحد تقدّم وقال له:
أيها المعلّم الصالح،
أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبديّة؟” [16].
جاء هذا الشاب وكأنه يمثّل الأغنياء، وجاءت إجابة السيِّد تكشف عن إمكانيّة دخول الأغنياء الملكوت خلال الباب الضيق. ولكن قبل أن يجيبه على سؤاله قال له: “لماذا تدعوني صالحًا؟! ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله” [17]. إنه لم يقل “لا تدعوني صالحًا”، إنّما رفض أن يدعوه هكذا كمجرد لقب، ما لم يؤمن بحق أنه الصالح وحده. فقد اِعتاد اليهود على دعوة رجال الدين بألقابٍ لا تليق إلا بالله وحده، وقد أراد السيِّد تحذيرهم بطريقة غير مباشرة. وكأنه السيِّد يقول له: إن آمنت بي أنا الله فلتقبلني هكذا وإلا فلا. هذا وقد أكّد السيِّد نفسه أنه صالح، فيقول: “أنا هو الراعي الصالح” (يو 10: 11)، كما يقول: “من منكم يبكِّتني على خطيّة؟” (يو 8: 46)
لقد عُرف الأغنياء بالمظاهر الخارجيّة وحب الكرامات، وكأن السيِّد المسيح بإجابته هذه أراد أن يوجِّه الأغنياء إلى تنقية قلوبهم من محبّة الغنى بطريق غير مباشر، مع رفض محبّة الكرامات والألقاب المبالغ فيها.
لقد أظهر هذا الشاب شوقه للحياة، لذلك قدّم له السيِّد إجابة عن اشتياقه، وكما يقول القدّيس كيرلّس الكبير: [الذين ينحنون أمامه بعنق عقولهم للطاعة يهبهم وصايا ويعطيهم نواميس. ويوزِّع عليهم الميراث السماوي، ويقدّم لهم البركات الروحيّة، فيكون بالنسبة لهم مخزنًا لعطايا لا تسقط[9].]
لقد أجابه السيِّد: “إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا” [17]. وكما يقول القدّيس أغسطينوس: [إن كنت لا تريد أن تحفظ الوصايا، فلماذا تبحث عن الحياة؟ إن كنت تتباطأ في العمل، فلماذا تُسرع نحو الجزاء[10]؟]
دخل السيِّد مع الشاب في حوار حول حفظ الوصايا، حتى يكشف له نقطة ضعفه، ألا وهي محبّة المال. وجاءت النصيحة: “إن أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبع أملاكك، وأِعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني” [21].
يقول القدّيس جيروم: [هذه هي ذروة الفضيلة الكاملة الرسوليّة أن يبيع الإنسان كل ما يملك ويوزِّعه على الفقراء (لو 18: 22)، متحرّرًا من كل عائق ليعبر إلى الممالك السماويّة مع المسيح[11]ٍٍٍ.] [خادم المسيح الكامل ليس له شيء بجانب المسيح[12].] [ترْجِم كلماته إلى عمل، فإنك إذ تتعرى تتبع الصليب حيث العرس، وتصعد سلّم يعقوب الذي يسهل صعوده لمن لا يحمل شيئًا[13].] كما يقول: [يَََعد الشيطان بمملكة وغنى ليُحطم الحياة، أمّا الرب فيَعدْ بالفقر ليحفظ الحياة[14].]
يقول القدّيس كبريانوس: [إن كان الكنز في السماء، فيكون القلب والعقل والمشاعر في السماء، ولا يستطيع العالم أن يغلب الإنسان الذي ليس فيه شيء يمكن أن يُغلب. إنك تستطيع أن تتبع الرب حرًا بلا قيود كما فعل الرسول – وكثيرون في أيامهم، الذين تركوا مالهم وأقرباءهم والتصقوا بالمسيح برباطات لا تنفك[15].]
يقول القدّيس أغسطينوس: [إن كانت لديهم الإرادة أن يرفعوا قلوبهم إلى فوق، فليدّخروا ما يحبّونه هناك. فإنهم وإن كانوا على الأرض بالجسد فليسكنوا بقلبهم مع المسيح. لقد ذهب رأس الكنيسة أمامهم، ليت قلب المسيحي أيضًا يسبقه إلى هناك… فإن كل مسيحي يذهب في القيامة إلى حيث ذهب قلبه الآن. لنذهب إلى هناك بذاك العضو (القلب) الذي يمكنه الآن أن يذهب. فإن إنساننا بكلّيته سيتبع قلبه ويذهب إلى حيث ذهب القلب… لنرسل أمتعتنا مقدّمًا إلى حيث نستعد للرحيل[16].]
كثيرون نَفَّذوا هذه الوصيّة بطريقة حرفيّة، فمن أجل الدخول إلى الكمال باعوا كل شيء وأعطوا الفقراء، ليكون السيِّد المسيح نفسه كنزهم. لكن فيما هم يبيعون بطريقة حرفيّة باعوا ما في القلب فلم يعد للعالم مكان فيه. فالبيع الخارجي يلزم أن يرافقه بيع داخلي وشراء، أي بيع من القلب مع اقتناء للسيّد المسيح ليملأ القلب، الذي سبق فأسره حب الغنى واهتمامات بالحياة.
هذا ما أكّده الآب موسى، قائلاً: [إننا نرى بعضًا ممن زهدوا أمور هذا العالم، ليس فقط الذهب والفضة، بل والممتلكات الضخمة يتضايقون ويضطربون من أجل سكِّينة أو قلم أو دبُّوس أو ريشة، بينما لو وجَّهوا أنظارهم نحو نقاوة القلب بلا شك ما كانوا يضطربون من أجل الأمور التافهة، فكما لا يبالون بالغنى العظيم، يتركون أيضًا كل شيء[17].]
ويقدّم لنا الكتاب المقدّس أبانا إبراهيم مثالاً حيًا للغني الذي باع من قلبه من أجل الرب، مع أنه لم يعش كفقير. ففي الظهيرة كان يترقَّب مجيء غريب يشاركه الطعام، ويطلب من زوجته أن تهيئ الطعام بيديها ولا تتركه لجاريتها وخَدَمها. إنه يعيش كمن لا يملك شيئًا، فقد باع كل شيء، ليس في القلب موضع للغنى أو الهمّ. يظهر ذلك بوضوح في أكثر من موقف، فعندما حدثت مخاصمة بين رعاة مواشيه ورعاة مواشي لوط في محبّة سأل ابن أخيه أن يختار الأرض التي تروق له دون أن يضع قلبه على موضع معيّن، قائلاً له: “لا تكن مخاصَمة بيني وبينك، وبين رعاتي ورعاتك، لأننا نحن أخَوان. أليست كل الأرض أمامك، اعتزل عنّي، إن ذهبت شمالاً فأنا يمينًا وإن يمينًا فأنا شمالاً” (تك 13: 8-9). وعندما أُنقذ لوط والملوك الخمسة والنساء وكل ممتلكاتهم في كسرة كدرلعومر، إذ أراد أن يترك ملك سدوم لإبراهيم الممتلكات مكتفيًا بأخذ النفوس، أصرّ إبراهيم ألاّ يأخذ خيطًا ولا شِراك نعْل، ولا من كل ما هو له (تك14: 23).
إذ نعود إلى الشاب نراه غير قادرٍ على تنفيذ الوصيّة وقد مضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة. هنا وجّه السيِّد حديثه لتلاميذه: “الحق أقول لكم أنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السماوات. وأقول لكم أيضًا أن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله” [24]. لم يقل السيِّد “أنه يستحيل”، وإنما “يعسُر”، ومع هذا فإنه إذ بُهت التلاميذ جدًا قائلين: “إذًا من يستطيع أن يخلُص؟” نظر إليهم يسوع ربّما نظرة عتاب مملوءة ترفُّقًا، وقال لهم: “هذا عند الناس غير مستطاع، ولكن عند الله كل شيء مستطاع” [26]. إنه يعاتب تلاميذه الذين لم يُدركوا بعد أنه ليس شيء غير مستطاع لدي الله. حقًا إن الله قادر أن يعبُر بالجمل من ثقب إبرة، بتفريغ قلب الغَني من حب الغِنى وإلهاب قلبه بحب الكنز السماوي.
وللقدّيس جيروم تعليق جميل على ذلك، إذ يقول: [لكن ما هو مستحيل لدى البشر ممكن لدى الله” (مر 10: 27). هذا ما نتعلّمه من المشورة التي قدّمها الرسول لتيموثاوس: “أوْصِ الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يُلقوا رجاءهم على غير يقينيّة الغِنى، بل على الله الحيّ الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتّع، وأن يصنعوا صلاحًا، وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة، وأن يكونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع، مدّخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الحقيقيّة (الأبديّة)” (1 تي 6: 17-19). ها نحن نتعلّم كيف يمكن للجمل أن يعبُر من ثقب إبرة، وكيف أن حيوانًا بسنام على ظهره إذ يُلقي عنه أحماله يمكن أن يصير له جناحيّ حمامة (مز 55: 6)، يستريح في أغصان الشجرة التي نمت من حبّة الخردل (مت 13: 31-32). وفي إشعياء نسمع عن الجِمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبًا ولبانًا لمدينة الرب (إش 60: 6). على هذه الجِمال الرمزيّة أحضر التجَّار الإسماعيليّون (تك 37: 25) روائح وبخور وبلْسم الذي ينمو في جلعاد لشفاء الجروح (إر 8: 22) ولسعادتهم اشتروا يوسف وباعوه، فكان مخلّص العالم هو تجارتهم[18].]
يحذّر القدّيس أغسطينوس الفقراء لئلا يتّكلوا على فقرهم في ذاته كجواز لهم بالدخول إلى الملكوت، قائلاً: [ِاستمعوا أيها الفقراء إلى المسيح… من كان منكم يفتخر بفقره ليَحْذر من الكبرياء لئلا يسبقه الغَني بتواضعه. اِحذروا من عدم الشفقة لئلا يفوق عليكم الأغنياء بورعهم. اِحذروا من السُكر لئلا يفوق عليكم الأغنياء بوقارهم. إن كان ينبغي عليهم ألا يفتخروا بغناهم، فلا تفتخروا أنتم بفقركم[19].] وفي نفس المقال يحذِّر أيضًا الأغنياء قائلاً: [الكبرياء هو الحشرة الأولى للغِنى، إنه العُثْ المُفسد الذي يتعرّض للكل ويجعله ترابًا[20].] مرّة أخرى يحدّث الاثنين معًا فيقول: [أيها الأغنياء اُتركوا أموالكم، أيها الفقراء كُفُّوا عن السلب! أيها الأغنياء وزّعوا إيراداتكم، أيها الفقراء لجِّموا شهواتكم. استمعوا أيها الفقراء إلى الرسول نفسه: “وأمّا التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة” (1 تي 6:6)… ليس لكم منزلاً مشتركًا مع الأغنياء، لكن تشاركونهم في السماء وفي النور. اطلبوا القناعة والكفاف ولا ترغبوا فيما هو أكثر[21].]
- الملكوت والرعاة
ختم الإنجيلي هذا الأصحاح بالرعاة بعد أن عرض بطريقٍ أو آخر المدعوّين للملكوت من متزوّجين وبتوليّين وأطفال وأغنياء. لقد قال بطرس: “ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فماذا يكون لنا؟”
لماذا ترك الحديث عن التلاميذ أو الرعاة كمدعوّين للملكوت حتى النهاية؟
أولاً: لأن الراعي الحكيم وهو يقود شعب الله بالروح القدس في مراعي الملكوت يبقى وراء القطيع، يحتل آخر الصفوف، فيطمئن على كل شخص أنه لم ينحرف عن الطريق الملوكي. إنه ينتظر حتى النهاية لكي يحمل على منكبيْه كل ضعيف قد تخلَّف عن موكب إخوته الأقوياء. هكذا يمتثل الراعي بمسيحه الراعي الصالح الذي احتلّ آخر الصفوف ليحتضن كل بشر ويحملهم إلى حضن أبيه.
ثانيًا: ربّما أراد الوحي أن يؤكّد للرعاة أن يهتمّوا بخلاص أنفسهم أثناء رعايتهم للآخرين. فالراعي أكثر عرضة لضربات العدوّ من الشعب، يلزمه أن يجاهد مهتمًّا بأبديته. أمّا علامة اهتمامه بخلاص نفسه فهي تركه كل شيء، قائلاً مع الرسول بطرس: “ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك” [27].
ويُعلّق الأنبا بفنوتيوس على هذه العبارة الرسوليّة، قائلاً: [لم يتركوا شيئًا سوى الشِباك البالية، لذلك فإن عبارة “تركنا كل شيء” يُفهم منها ترك الخطايا التي هي بالحقيقة أهم وأخطر… فإن ترك التلاميذ لممتلكاتهم الأرضيّة المنظورة تركًا تمامًا ليس سببًا كافيًا لينعموا بالمحبّة الرسوليّة، ويتسلّقوا بشوق واجتهاد المرحلة الثالثة[22] التي هي شاهقة وتخص قليلين[23].]
يقول القدّيس جيروم: [خادم المسيح الكامل لا يطلب شيئًا بجانب المسيح وإلاَّ فهو ليس بكامل[24].]
سأل القدّيس بطرس السيِّد المسيح: ماذا يكون لنا؟
أجاب: “الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضًا على إثني عشر كرسيًا، تدينون أسباط إسرائيل الإثني عشر. وكل من ترك بيوتًا أو اِخوة أو أخوات أو أبًا أو أمّا أو امرأة أولادًا أو حقولاً من أجل اسمي، يأخذ مائة ضعف، ويرث الحياة الأبديّة. ولكن كثيرون أوَّلون يكونون آخرين، وآخرون أوَّلين” [28-30].
سيقف التلاميذ في يوم الرب العظيم كديّانين للأسباط الإثني عشر، لأن ما كان ينبغي لهؤلاء أن يفعلوه، أي الكرازة بالمسيّا الملك قد تخلّوا عنه ليقوم التلاميذ البسطاء به، تاركين كل شيء من أجل الملكوت.
هذه المكافأة الأبديّة يرافقها مكافأة في هذا العالم “مائة ضعف”. يُعلّق الآب ثيوناس على ذلك، قائلاً: [بالأحرى إن جزاء المكافأة التي وعد بها الرب هو مائة ضعف في العالم لمن كان زهدهم كاملاً…. ويتحقّق هذا بحقٍ وصدقٍ. لا يضطرب إيماننا، لأن كثيرين استغلّوا هذا النص كفرصة لبلبلة الأفهام، قائلين بأن هذه الأمور (مائة ضعف) تتحقّق جسديًا في الألف سنة… لكن الأمر المعقول جدًا، والواضح وضوحًا تامًا أن من يتبع المسيح تخِِفْ عنه الآلام العالميّة والملذّات الأرضيّة، متقبِّلاً اخوة وشركاء له في الحياة، يرتبط بهم رباطًا روحيًا، فيقتني حتى في هذه الحياة حبًا أفضل، في هذه الحياة مئة مرّة عن (الحب المتأسِّس على الرباط الدموي[25])…]
لتوضيح ذلك تقول بأن الله يهب المؤمن في هذه الحياة مائة ضعف مقابل ما تركه من أجل المسيح، بجانب الحياة الأبديّة. فالراهب الذي يرفض الزواج يُحرَم من وجود زوجة وأولاد له، فإذا به في حياته الرهبانيّة يتقبّل سلامًا فائقًا، ولذّة روحيّة خلال اتّحاده مع عريس نفسه تفوق كل راحة يقتنيها زوج خلال علاقته الأسريّة.
الراهب الذي يترك بيته بقلبٍ محبٍ بحق يجد البرّيّة كلها بيته، وكما نعلم عن راهب معاصر جاء من أثيوبيا بعد أن باع كل شيء من أجل المسيح، فردّ له الله عطاياه مضاعفة، إذ صارت تستأنِس له الوحوش المفترسة والضارة، فيعيش في البرّيّة في طمأنينة أكثر أمانًا ممن يعيشون في القصور. إنه يملك في قلبه مئات الأضعاف ممّا يملكه الأغنياء وعلى مستوى أعظم!
يقول القدّيس كيرلّس الكبير: [هل يصير الإنسان زوجًا لزوجات كثيرات أو يجد على الأرض آباء كثيرين عِوض الآب الواحد، وهكذا بالنسبة للقرابات الأرضيّة؟! لسنا نقول هذا، إنّما بالأحرى إذ نترك الجسديّات والزمنيّات نتقبّل ما هو أعظم، أقول نتقبّل أضعافًا مضاعفة لأمور كنّا نهملها… إن ترك بيتًا يتقبّل المواضع التي هي فوق، وإن ترك أبًا يقتني الآب السماوي. إن ترك اخوته يجد المسيح يضمُّه إليه في أخوة له. إن ترك زوجة يجد له بيت الحكمة النازل من فوق من عند الله، إذ كتب: “قل للحكمة أنتِ أختي واِدع الفهم ذا قرابة” (أم 7: 4). فبالحكمة تجلب ثمارًا روحيّة جميلة، بها تكون شريكًا في رجاء القدّيسين، وتُضَمْ إلى صحبة الملائكة. وإذ تترك أُمّك تجد أمًّا لا تقارن، أكثر سمُوًّا “أورشليم العُليا التي هي أمّنا (جميعًا) فهي حُرَّة” (غل 4: 26)… فإن من يُحسب مستحقًا لنوال هذه الأمور يُحسب وهو في العالم سامٍٍ وموضع إعجاب، إذ يكون مزيَّنًا بمجد من قبل الله والناموس[26].]
[1] In Ioan 9:2.
[2] PL 15:1639.
[3] My Life in Christ, v2, p. 98.
[4] Ser. on Mount 1:39.
[5] Ep. 66:8.
[6] Conc. Widows 12.
[7] Ep. 61:5.
[8] In Matt. hom 62:4.
[9] In Luc. Ser. 89.
[10] Ser. on N. T. 35:1.
[11] Ep. 130:4.
[12] Ep. 14:6.
[13] Ep. 58:2.
[14] On Ps. hom 58:7.
[15] On the lapsed 11.
[16] Ser. on N. T. 36:1.
[17] Cassian Conf. 1:6.
[18] Ep. 79:3.
[19] Ser. on N. T. 35:2.
[20] Ser. on N. T. 35:3.
[21] Ser. on N. T. 35:6.
[22] المراحل الثلاث: ترك الممتلكات، ترك العادات، قبول بيت الآب السماوي.
[23] Cassian: Conf.
[24] Ep. 14:6.
[25] Cassian: Conf. 23:26.
[26] In Luc. Ser. 124.