تفسير كورنثوس الثانية 6 – الأصحاح السادس – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الثانية 6 – الأصحاح السادس – القمص تادرس يعقوب ملطي
الباب الثالث
عمله الرسولي
ص 6 – ص 7
الإصحاح السادس
الخدمة وسمات الخادم
يحدثنا بولس الرسول عن الخادم نفسه وسلوكه في حياته وتصرفاته مع الغير:
- الوقت مقبول 1-2.
- بلا عثرة 3.
- جهاده 4 – 10.
- متسع القلب 11 – 13.
- بلا شركة مع الظلمة 14 – 18.
1. الوقت مقبول
“فإذ نحن عاملون معه
نطلب إن لا تقبلوا نعمة اللَّه باطلاً” [1].
يليق بالخادم أن تتناغم رسالته مع الفكر الإنجيلي، فيكون هدفها “المصالحة مع اللَّه”. بهذا يتقبل غنى نعمة اللَّه عاملة فيه وبه، ولا يكون عمله باطلاً.
حين يعمل الخادم على سحب قلوب مخدوميه لنعمة اللَّه وعمله الخلاصي يستحق هذا اللقب “العامل مع اللَّه“. هذا ما يعتز به الرسول قائلاً: “نحن عاملون مع اللَّه“. نعمل معه تحت قيادته، ولحساب ملكوته ومجده السماوي. وقد جاء النص الأرمني: “نحن العاملون معًا مع اللَّه“.
يقول الرسول: “تقبلوا نعمة اللَّه“، وليس “تستخدموا أو تنتفعوا بنعمة اللَّه”، فالمؤمن يجد في قبوله النعمة ما يشبع أعماقه؛ هي في ذاتها غنى لا يقدر، لأنها تعني التمتع باللَّه نفسه ساكنًا فينا. ماذا يعني ألا نقبل نعمة الله باطلا سوى عدم الرغبة في تنفيذ الأعمال الصالحة بعون نعمته.
- يخبر بولس سامعيه ألا يتراخوا لمجرد أن اللَّه يبحث عنهم ويرسلهم كسفراء. على العكس لذات السبب يلزمنا أن نسره وأن نحصد بركاتنا الروحية[1]
القديس يوحنا الذهبي الفم
- بالحقيقة الإنسان الذي لا يضع أمامه إرادة اللَّه كهدفٍ له في حياته يصير تحت الخطر، فإنه إذ يكون في صحة يظهر عمل المحبة في غيرة لأعمال الرب. وعندما يكون مريضًا يحتمل ويمارس الصبر بفرح.
الخطر الاول والعظيم هو أنه بعدم ممارسة إرادة اللَّه يفصل الإنسان نفسه عن الرب، ويقطع نفسه عن شركة اخوته.
ثانيًا أنه مع عدم استحقاقه يخاطر فيشترك في البركات المعدة للمستحقين لها. هنا يلزمنا أن نتذكر كلمات الرسول: “ونحن نعينكم ونحثكم ألا تقبلوا نعمة اللَّه باطلاً”. يلزم أولئك الذين يدعون اخوة الرب ألا يقبلوا نعمة إلهية عظيمة كهذه بروح التهاون، ولا أن يسقطوا من كرامة عظيمة كهذه، بالإهمال في تحقيق إرادة اللَّه. إنما يلزمهم أن يطيعوا ذات الرسول القائل: “أنا الأسير في الرب، أسألكم أن تسلكوا بما يليق بالدعوة التي دعيتم إليها” (أف 1:4)[2].
القديس باسيليوس الكبير
“لأنه يقول في وقت مقبول سمعتك،
وفي يوم خلاص أعنتك.
هوذا الآن وقت مقبول.
هوذا الآن يوم خلاص” [2].
يقول اللَّه في إشعياء النبي: “في وقت القبول استحيتك، وفي يوم الخلاص أعدتك، فأحفظك، وأجعلك عهدًا للشعب لإقامة الأرض، لتمليك أملاك البراري” (إش ٨:٤٩). وقد اقتبسها الرسول عن الترجمة السبعينية.
ما هو الوقت القبول؟ مجىء المسيا هو وقت مسرة اللَّه ومراحمه الذي يتوقعه كل المؤمنين. ويوم الخلاص هو اليوم الذي فيه يقبل الإنسان خلاص اللَّه بالصليب ويتجاوب معه.
كأن الرسول يقول ما قد تنبأ عنه إشعياء النبي واشتهاه مؤمنو العهد القديم قد تحقق الآن. لقد صالحنا مع الآب، وسلم التلاميذ والرسل كلمة المصالحة خلال ذبيحة المسيح، إذ به تمت المغفرة عن الخطايا ونلنا فيضًا من النعمة الإلهية. بهذا صار الرسل يعملون معًا مع اللَّه، ويقبلون نعمة اللَّه ليس باطلاً.
“الآن” هو ملكنا، هو وقت مقبول ويوم خلاص، إما “غدًا” فليس في أيدينا ولسنا ندرك ما سنكون عليه إن أجّلنا قبول عمل اللَّه الخلاصي.
اليوم وقت لقبول الروح القدس الذي يكشف جراحاتنا الخفية، وينير أعيننا لإدراك خطورة مرضنا الروحي، لكي يحملنا إلى الطبيب السماوي، فيهبنا غنى نعمته المجّانية الواهبة برّه الإلهي العجيب عِوض ضعفنا. ويقدم لنا خبرة عربون عدم الفساد، ونتمتع بقيامة النفس لكي يشاركها الجسد فيما بعد قيامتها ومجدها الأبدي. هذا هو يوم الخلاص، الوقت المقبول قبل أن تعبر من هذه الحياة فنجد الباب مغلقًا.
- يقول الرسول: “الآن وقت مقبول، الآن يوم الخلاص“.
هذا هو وقت التوبة، أما الحياة المقبلة فهي للمكافأة.
الآن هو وقت للاحتمال، وعندئذ سيكون يوم التعزية.
الآن اللََّه هو المعين للرجوع عن الطريق الشرير، عندئذ سيسأل بمهابة دون أن يخطئ عن الأفكار والكلمات والأعمال التي للبشرية.
الآن نتمتع بطول أناة، عندئذ سنعرف قضاءه العادل عندما نقوم، البعض في عقوبة لا تنتهي، والآخرون إلى حياة أبدية، فيتقبل كل واحدٍٍ جزاءً حسب أعماله[3].
القديس باسيليوس الكبير
إذ يلتقي الإنسان باللَّه مخلصه يتأسف على الزمن الذي ضاع منه.
- تأخرت كثيرًا في حبي لك يا أيها الجمال الكلي القِدم والجديد على الدوام.
تأخرت كثيرًا في حبك[4].
- لنسبح الآن يا إخوتي لا لكي نفرح بالراحة بل بتعبنا. وذلك كالمسافرين الذين يغنون ويسبحون وهم سائرون في رحلتهم…
إن كنت تحقق تقدمًا فأنت تسير إلى الأمام، ليكن لك تقدم في الصلاح، تقدم في الإيمان الحق، تقدم في الحياة المستقيمة… لتغني وتكمل رحلتك.
القديس أغسطينوس
2. بلا عثرة
“ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تُلام الخدمة” [3].
إيمان الرسول بولس وغيرته المتقدة وعمله الدائم من أجل خلاص نفسه والآخرين لم تدع مجالاً قط للعثرة. فقد كان الرسول بولس حريصًا كل الحرص ألا يعثر اليهود أو الأمم، فقد مات المسيح من أجل الكل. حينما يتحدث عن الناموس يحرص على تأكيد إنه صالح، وأنه لا يأخذ موقف المقاومة للناموس وإنما للحرف القاتل. وفي نفس الوقت لكي يربح الأمم يؤكد إنه لا حاجة للفرائض والتطهيرات الحرفية والرمزية.
- قدم ثلاثة سمات للكرازة بالكلمة: غيرة متقدة مغامرة، ونفس مستعدة لاحتمال أية مخاطر مُحتمل حدوثها، ومعرفة وحكمة مرتبطان معًا. فإن حبه للمغامرة (في كرازته)، وحياته التي بلا لوم ما كانت تنفعه في شيء لو لم يتقبل قوة الروح. تطلع إليه إذ تظهر فيه هو أولاً، أو بالأحرى اسمع كلماته: “لئلا تُلام خدمتنا“[5].
- تأمل، أي نوع من الرجال ينبغي أن يكون من يواجه أعاصير كهذه ويتصدى بمهارة لمعوقات عظيمة للصالح العام.
يلزم أن يكون مبجلاً في غير زهو، مهوبًا لكنه مترفق، إداريًا لكنه اجتماعي، متواضعًا لكنه مجامل، متواضعًا لكنه غير خانع، صارمًا ورقيقًا في نفس الآن… حتى يقدر أن يتغلب على هذه المصاعب جميعها[6].
- يليق بالكاهن أن يتلألأ، فيضئ بسيرته الحسنة علي جميع الناس ليقتدوا بمثاله. أما إذا استحال هذا النور إلى ظلام، فماذا يحل بالعالم؟! أما يصير خرابًا؟[7]
- لقد تركنا (الرب) هنا لنكون أنوارًا، لنعلم الآخرين، لنكون خميرة، نسلك كملائكة بين البشر، كرجالٍ مع أولادهم، كروحيين مع أناس طبيعيين فينتفعون منا، ونكون بذار تخرج ثمارًا.
لا حاجة للكلمات مادامت حياتنا تضئ!
لا حاجة للمعلمين ما دمنا نظهر أعمالاً!
ما كان يوجد وثني لو كنا مسيحيين بحق!
لو أننا نحفظ وصايا المسيح، ونحتمل الألم، ونسمح للغير أن يستفيدوا منا، إذ نشتم فنبارك، نعامل معاملة سيئة فنصنع خيرًا، لما بقي أحد بعد متوحشًا ولا يرجع إلى الصلاح[8].
- ما أسوأ أن نكون فلاسفة في الكلمات لا في الاعمال![9]
- لماذا هذا الكبرياء؟ لأنك تعلم بالكلام!
ما أسهل ترديد الكلمات! علمني بحياتك هذا أفضل[10].
- نحن محتاجون الي سلوك حسن لا إلي لغة منمقة الي الفضيلة لا الي الخطابة الفذة، الي الأعمال لا إلي الكلام![11]
القديس يوحنا الذهبي الفم
- ماذا أنتفع إذا كنت شاغلاً للمكان الأول في الجماعة، وأملك شرف الرئاسة، إن لم يكن لي من الأعمال ما يجعلني مستحقًا لهذه الكرامة؟![12]
العلامة أوريجينوس
- بالرغم من أنه قد يحفظ الإنسان نفسه نقية من الخطية ولو في درجاتٍ ساميةٍ، لكنني أعرف أن من كان هذا حاله لا يقدر أن يقود الآخرين إلى الفضيلة. فمن تسلم رعاية شعبٍ لا يكفيه التحرر من الخطية… بل يلزمه أن يرتفع إلى صنع الخير كقول الوصية: “حد عن الشر وافعل الخير” (مز 37: 27).
ينبغي عليه ليس فقط أن تُمسح آثار الخطية من روحه، بل وتكون مزودة بالفضائل، حتى يفوقهم بالأحرى في الفضيلة أكثر من سموه عليهم من جهة الكرامة.
يلزمه ألا يعرف حدودًا لصنع الخير أو النمو الروحي… ولا يحسب تفوقه على العلمانيين ربحًا عظيمًا…
يجب ألا يقيس نفسه بالآخرين، أشرارًا كانوا أو إلى حدٍ ما متقدمين روحيًا، بل يقيس نفسه على ضوء الوصايا[13],
القديس غريغوريوس النزينزي
3. جهاده
“بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام اللَّه،
في صبر كثير،
في شدائد،
في ضرورات،
في ضيقات” [4].
يكمل الرسول حديثه مظهرًا أنه هو وشركاءه في الخدمة يبذلون كل الجهد من أجل تحقيق خدمة المصالحة، مهما كلفتهم من ثمنٍ أو جهدٍ. ليس فقط يتحاشون أية عثرة، وإنما يعملون كي يظهروا خدامًا حقيقيين للَّه.
يمدح القديس يوحنا الذهبي الفم الرسول بولس فيقول:
[آه لو أعطيت أن ألقى بنفسي على جسد بولس، والتصق بقبره وأتطلع إلى تراب ذلك الجسد الذي أكمل نقائص (شدائد) المسيح، وحمل السمات وبذر الانجيل في كل موضع؟! نعم! تراب ذلك الجسد الذي تكلم المسيح خلاله!
يا لسرورى أن أنظر تراب العينين اللتين عميتا بالمجد ثم استردتا بصيرتهما مرة أخري من أجل خلاص العالم ! هاتان العينان اللتان وهما بعد في الجسد استحقتا معاينة المسيح! رأتا الأمور الأرضية وفي نفسي لم تنظراها رأتا الأمور التي لا ترى…
أود لو أتطلع إلى تراب قدميه اللتين جابتا المسكونة بلا كلل[14].]
يعملون “في صبرٍ كثير وشدائد“، فقد حلت الاضطهادات على الرسول بولس من كل جانب، من بني جنسه ومن الأمم، مع أسفارٍ كثيرة وأتعابٍ لاحد لها.
في “ضرورات” حيث تعرض للجوع والعطش والعري، ليس لديه حتى التزامات الحياة الضرورية. كثيرًا ما اضطر للعمل بيديه ليعيش هو ومن كانوا يخدمون معه.
في “ضيقات” حتى كاد لا يعرف ماذا يفعل.
هذا هو نصيب الخادم الأمين أن يشارك مسيحه صليبه، ويدخل معه في الطريق الضيق، ويواجه مصاعب كثيرة. وفي هذا كله يبقى أمينًا لرسالته، ليس فقط يعمل عمل الرب باجتهاد وإنما يقبل كل ما يحل به بشكر وبهجة قلب.
يجد لذته فى احتمال كل تعب من أجل الخدمة، ممارسًا كل فضيلة، متخليًا عن كل شيءٍ بفرح.
ما يشغل الخدام الكذبة هو أن يرضوا سامعيهم، أما الخدام الحقيقيون فيخدمون اللََّه ليرضوه لا الناس، يشاركون السيد آلامه، ولا يطلبون كرامة زمنية أو مديحًا من أحدٍ.
- هذه هي نعمة الروح القدس التي تملأ النفس كلها والمسكن بالبهجة والقوة، فتعطي للنفس عذوبة لاحتمال آلام الرب، ولا يكون للألم الحاضر أثر جسماني، وذلك بسبب الرجاء في الأمور المقبلة.
لتدبروا حياتكم هكذا وأنتم تقتربون إلى الصعود إلى القوة العلوية والمجد خلال تعاونكم مع الروح، تحتملون كل ألمٍ وتجربة بفرحٍ، ولكي تظهروا مستحقين لسُكنى الروح فيكم، ومؤهلين لميراث المسيح. لا تنتفخوا ولا تضعفوا بعدم المبالاة إلى الدرجة التي فيها تسقطون أو تصيرون علّة خطية آخرين[15].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
- نحن نسمع الرسول وهو تحت ذاك النير الهين والحمل الخفيف يقول: “في كل شئ نظهر أنفسنا كخدام الله، في صبرٍ كثيرٍ، في شدائدٍ، في ضروراتٍ، في ضيقاتٍ، في ضرباتٍ” الخ. وفي موضع آخر في نفس الرسالة يقول: “من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة …” وغير ذلك من المخاطر التي يمكن أن تُعلن حقيقةً، لكن لا يمكن احتمالها إلا بمعونة الروح القدس[16].
القديس أغسطينوس
- دعى الرسول الطوباوي ذلك عطية علانية متى كان الإنسان مستعدًا في الإيمان أن يتألم من أجل رجائه في اللََّه. إنه يقول: “لقد وُهب لكم من اللََّه لا أن تؤمنوا بالمسيح فحسب، وإنما أن تتألموا أيضًا من أجله” (في 29:1).كما كتب القديس بطرس في رسالته: “إن كنتم تتألمون من أجل البر فطوباكم فإنكم تصيرون شركاء في آلام المسيح” (1 بط 14:3؛ 13:4). لذلك عندما تكون في طريق سهل ومتعة لا تفرح، وعندما تحل ضيقة عليك لا تكن متجهّم الوجه، ولا تحسب هذا كأمرٍ غريب عن طريق اللََّه. لأن طريق اللََّه قد طُرق بواسطة كل الأعمار وخلال كل الأجيال، خلال الصليب والموت. من أين أتيت بفكرة أن الأحزان التي بالطريق لا تخص الطريق؟ ألا ترغب في أن تتبع خطوات القديسين؟ أتودّ أن تسافر بطريق خاص من عندك ليس فيه ألم؟
الطريق إلى اللََّه هو صليب يومي. لا يصعد أحد إلى السماء بالطريق السهل. نحن نعلم إلى أين يقود الطريق السهل[17].
القديس مار اسحق السرياني
“في ضربات، في سجون،
في اضطرابات، في أتعاب،
في أسهار، في أصوام” [5].
“في ضربات، في سجون“: إن كان سفر الأعمال قد قدم شهادة حية عما تعرض له الرسول من ضربات وسجون، إلا أنه بلاشك لم يسجل لنا كل ما تعرض له الرسول.
“في اضطرابات akatastasiais” حيث حدث أكثر من هياج مسلح ضد الرسول بسبب كرازته بالإنجيل وشهادته للسيد المسيح. ولعله يقصد اضطرار الرسول إلى التنقل من موضع إلى آخر بسبب الاضطهادات التي كانت تلاحقه.
“في أتعاب“: لم يكف عن العمل المستمر في كل مدينة أو دولة قدرما يستطيع لنشر كلمة اللَّه.
“في اسهار“: فقد قضى ليالٍ كثيرة لا يعرف فيها النوم أو راحة الجسد، يسهر لرعاية شعب اللَّه والصلاة من أجلهم. كان رجل صلاة، يساعد شعبه بصلواته على هزيمة عدوهم غير المنظور.
- ليت كاهن الكنيسة يصلي على الدوام حتى يصير لشعبه الذي تحت رعايته الغلبة على قوات عماليق غير المنظورة، الذين هم الشياطين التي تهاجم من ينشد حياة التقوى في المسيح[18].
العلامة أوريجينوس
- مع أن المجاهدين من أجل الإيمان الحق لم ينالوا بعد مكافأة، فالحق وحده يحث محبيه على مواجهة أي خطر من أجل هذا الإيمان الحق. يشهد القديس بولس بذلك فيقول: “إني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة… يستطيع أن يفصلني عن محبة المسيح”.
لترى يا صديقي لهيب هذه المشاعر! لتنظر شعلة الحب! فإن بولس لا يشتهي ما للمسيح بل يشتهي المسيح نفسه فقط كما يقول. حبه هذا لا يرتوي. إنه مستعد أن يترك بفرح كل متعة وقتية أو مستقبلية، نعم وأيضًا أن يحتمل كل أنواع الألم حتى يظل هذا اللهيب مشتعلاً فيه بكل قوته.
ضرب لنا بولس الرسول مثلاً بالعمل كما بالكلام، فقد ترك لنا ذكريات معاناته وراءه.
عندما أتذكره وأتذكر الآباء البطاركة والأنبياء والرسل والشهداء والكهنة لا يسعني إلا أن أبتهج بما نعتبره عادة بؤسًا.
إنني أخجل عندما أتذكر كيف أن الذين لم يتلقوا قط ذات الدروس التي تلقنّاها إنما بالطبيعة الفطرية فقط كسبوا مواقع مرموقة في سباق الفضيلة[19].
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
“في أصوامٍ“: ربما بعضها بسبب عدم وجود طعامٍ، وأخرى بإرادته لكي تعمل نعمة اللَّه فيه وفي خدمته.
“في طهارة، في علم،
في أناة، في لطف،
في الروح القدس،
في محبة بلا رياء” [6].
“في طهارة“: hagnoteeti ويعني بها طهارة الفكر أو بساطته مع طهارة العواطف والوجدان، مع الحياة العفيفة المقدسة التي يتطلبها الإنجيل. إذ لا يمكن الشهادة للمخلص والحنو على النفوس لتمتعها بالعمل الخلاصي دون طهارة الكارز ونقاوته. هذا ولا يمكن قبول الخلاص والتمتع بالشركة مع اللَّه في ابنه بالروح القدس ما لم يتطهر الإنسان من محبة شهوات العالم.
- يليق بالكاهن الذي يخدم المذابح الإلهية قبل كل شيء أن يتمنطق بالطهارة، فإنه لن يصير في وسعه تطهير القديم وإرساء ما هو جديدٍ ما لم يلبس الكتان (البوص المبروم). كثيرًا ما تحدثنا عن الثياب الكتانية، خاصة في معالجتنا للملابس الكهنوتية، بأن هذا النوع يحمل شكل الطهارة، على أن الكتان يعود أصله إلى الأرض حيث يُدرك دون مزجه بشيء آخر[20].
العلامة أوريجينوس
“في علم أو معرفة“: فإن أية غيرة للعمل بدون معرفة للأسرار الإلهية وخطة اللَّه نحو الإنسان يتحول إلى جنون.
“في أناةٍ“: مهما بدت الظروف مثيرة.
“في لطفٍ“: لا يقف الكارز عند طول الأناة محتملاً من يحاولوا إثارته، وإنما بلطفه يقبل ما يصدر عنهم في حنو كأب يترفق بابنه المريض والفاقد وعيه، سالكًا هكذا مع كل إنسان خاصة مضطهديه.
“في الروح القدس“، يعمل بالروح القدس واهب المحبة والفرح والسلام الخ. (غلا ٥: ٢٢، ٢٣)، مدركًا أنه يعجز عن ممارسته خدمته وشهادته دون نعمة الروح الساكن فيه.
“في محبة بلا رياء“، التي كثيرًا ما عبّر عنها الرسول بولس بوضع الإنسان حياته من أجل أخيه، أن يُنفق من أجل خلاص الناس وامتداد ملكوت اللَّه.
- هذه الفضيلة تجعل الإنسان متشبهًا باللَّه.
لاحظ كمّ الفضائل الأخرى التي تقل في أهميتها عن المحبة، هذه التي يرتكز محورها حول جهاد الإنسان ذاته ضد الشهوات، ومقاومته للنهم، والجهاد ضد محبة المال والغضب. أما المحبة فهي فضيلة يشترك فيها الإنسان مع اللَّه ذاته. لهذا يقول المسيح: “صلوا من أجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات” (مت44:5، 45).
اكتشف بولس أن المحبة هي تاج الفضائل، فسعى إلى غرسها بعناية فائقة.
لا يمكن لأحدٍ أن يحب أعداءه، ولا أن يحسن إلى مبغضيه، ولا أن يتألم من أجل المسيئين إليه. لكنه إن تذكر الطبيعة البشرية المشتركة بينهم لا يبالي بالآلام التي يسببونها له، فكلما ازدادوا قسوة عليه ترفق بهم. فالأب يحزن بالأكثر ويكتئب على ابنه المختل كلما ازداد جنون الابن وعنفه.
لقد شخّص بولس المرض الذي يسبب تلك الهجمات الشرسة ضده، فازداد اهتمامه بهم ورعايته لهم كمرضى.
نسمعه وهو يخاطبنا بلطفٍ وحنانٍ فائق عن الذين جلدوه خمس مرات (2 كو 24:11)، ورجموه وقيدوه وسفكوا دمه، واشتهوا تقطيعه إربًا، فيقول عنهم: “لأني أشهد لهم أن لهم غيرة اللَّه، ولكن ليس حسب المعرفة” (رو 2:10). وأيضًا ضيّق على الذين يُسيئون إليهم، قائلاً: “لا تستكبر بل خف، لأنه إن كان اللَّه لم يُشفق على الأغصان الطبيعية، فلعله لا يُشفق عليك أيضًا” (رو 20:11، 21). وحينما رأى الدينونة الواقعة عليهم لم يسعه إلا أن يعمل ما يقدر عليه، وهو أنه بكى وناح من أجلهم بلا توقف[21].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يشير بالأكثر إلى ما لا تقدر بثمن مضيفًا “في طهارة“، وبجانبها كل ثمار الروح المعروفة … إذا قبل إنسان نصيحة سليمان واتخذ الحكمة الحقيقية معينة وشريكة الحياة، إذ يقول: “لتحبها فتحفظك، كرِّمها فتحتضنك”، عندئذ يظهر بطريقة أنه مستحق لهذه المحبة، ويحتفل مع بقية المدعوين للعرس المفرح في ثوبٍ بلا دنسٍ، ولا يُطرد خارجًا، عندما يُدعى ليجلس في تلك الوليمة لأنه ليس غير مرتدٍ ثوب العرس[22].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
“في كلام الحق،
في قوة اللَّه،
بسلاح البر لليمين ولليسار” [7].
“في كلام الحق“: أي الشهادة بكلمة اللَّه، الحق الإلهي المقدم من قبل اللَّه.
“في قوة اللَّه“: يتكلم الشخص كمن له سلطان من قبل اللَّه؛ فتنطلق الكلمة من القلب إلى القلب لتحرك كل كيانه بالقوة الإلهية. لا يعني بقوة اللَّه هنا مجرد المعجزات، وإنما العمل الإلهي في تجديد إرادة السامع وأفكاره وعواطفه، أي شوقه لقبول الكلمة.
“بسلاح البر لليمين ولليسار” تحدث الرسول بولس عن سلاح اللَّه في (أف ٦: ١٣-١٧)، الذي يحوي منطقة الحق ودرع البرّ وحذاء إنجيل السلام وترس الإيمان وخوذة الخلاص وسيف الروح. بسلاح اللَّه الكامل نغلب العدو الشرير تحت كل الظروف.
بقوله “لليمين ولليسار“، يعني أننا نغلب في وقت الفرح كما في وقت الأحزان، أو في مقاومة الشر والفساد كما في مقاومة البرّ الذاتي.
- يدعو هذه الأمور “يسارا” التي تبدو كأنها محزنة، كأن مثل هذه لها مكافأة. لماذا يدعوها هكذا؟ إما حسب فهم الكثيرين لها، أو لأن اللَّه أمرنا أن نصلي ألا ندخل في تجربة[23].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- تعمل الفضيلة في اتجاهين مختلفين: أولهما الإيمان، وثانيهما السلوك وفقًا لضميرنا. ونحن هنا ننمي أنفسنا في كلا الاتجاهين، فلا يمسنا العدو بتجاربه ونحن لابسين درع الإيمان “في كلام الحق في قوة اللَّه، بسلاح البرّ لليمين واليسار” (2 كو 6: 7)[24].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
- الإنسان الذي بحقٍ يبحث عن البرّ بحسب الفهم البشري يتزود بأذرع البرّ لليسار. والإنسان الذي يفعل ذات الأمر حسب تعاليم الحق والذي يبحث في هذا العمل عن الابن “البرّ” يحمل سلاح اليمين[25].
القديس ديديموس الضرير
- أسلحة البرّ التي لليمين هي تلك التي تسر الذهن، وأما التي لليسار فهي لا تفعل ذلك[26].
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
- بالنسبة لمن يرتفع فكره تبدو له كل الأشياء متساوية في الكرامة، ولا يُفضّل شيئًا عن الآخر، لأن فترة الحياة تجري بالمتناقضات على قدم المساواة. وفي مصير كل شخص توجد قوة للحياة إما صالحة أو شريرة. كما يقول الرسول: “بأسلحة اليمين واليسار، بكرامة أو هوان“. لذلك فالشخص الذي يطهّر ذهنه وبحق يمتحن حقيقة الوجود يسير في طريقه من الميلاد إلى الموت، لا يفسده بالملذات أو يحطمه بالعنف، ولكن بحسب عادة المسافرين يتأثر قليلاً بما هو يلاقيه.
فإنه عادة ما يسرع المسافرون عند نهاية الرحلة سواء كانوا يسيرون عبر المروج والحقول المخصبة أو عبر البراري والأماكن القاسية، فالمسرّات لا تعطلهم، والأمور المحزنة لا تعوق سبيلهم. لذلك فإنه هو نفسه يُسرع دون ارتباك عن الهدف الموضوع أمامه، غير منحرفٍ عن الطريق. إنه يعبر هذه الحياة متطلعًا إلى السماء وحدها، وذلك مثل قائدٍ صالحٍ يوجّه سفينته إلى موقع الوصول العلوي[27].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
“بمجدٍ وهوانٍ،
بصيتٍ رديءٍ وصيتٍ حسن،
كمضلّين ونحن صادقون” [8].
“بمجد وهوان“: تكريم الناس له أو إهانتهم له لن يؤثر على رسالته وغيرته ومحبته لخلاص اخوته. يليق بالكارز أن يتوقع حربًا من الجانبين، بالتكريم الزائد حتى ينسى رسالته ويهتم بكرامته الشخصية، أو بالإهانة والتجريح حتى ينشغل بالدفاع عن نفسه وتبرير تصرفاته وينسى خلاص نفسه وخلاص أخوته.
“بصيت ردىء وصيت حسن“: إن نالته إهانات يحسب ذلك ضرورة لكي يتمجد اللَّه فيه حتى بصيته الردىء، ويدرك إن كل نجاح هو من قبل اللَّه. وبصيت حسن حيث يحسب إن اللَّه يستر على ضعفاته من أجل بنيان ملكوت اللَّه.
“كمضلين ونحن صادقون“: لم يضطرب الرسول حين أُتهم بأنه يقدم تعاليم باطلة مضللة، إذ هو واثق من الحق الذي قبله من الرب.
- لا تمل نحو المديح، لئلا وأنت تربح المديح تُهين اللََّه. يقول الرسول: “إن كنت أُرضي الناس فلست عبدًا للمسيح” (غلا 10:1). لقد كفَّ عن إرضاء الناس عندما صار عبدًا للمسيح. يسير جندي المسيح بصيت حسن أو صيت رديء، الواحد عن يمينه والآخر عن يساره. ليس من مديحٍ يجعله في تيه وبهجة، وليس من توبيخ يحطمه. إنه لا ينتفخ بالغنى ولا يتحطم بالفقر. الفرح والحزن (الزمنيين) يمقتهما على قدم المساواة. الشمس لا تحرقه بالنهار ولا القمر بالليل (مز 6:121) [28].
القديس جيروم
- إن كنا نعيش حياة تستحق “الصيت الحسن” وقيل عنّا حسنًا، فدعنا الآن نحتمل “الصيت الرديء” من الأشرار. أضف إلى هذا إن كان الذين يحبّون الحق يعجبون بنا حقًا، فلنضحك إذًا عندما نُدعى دجّالين. عندما خلصنا من مخاطر كثيرة قال كثيرون عنّا إننا معروفون لدى اللََّه. الآن دع الذين يريدون أن يدعوننا أننا مجهولون بينما نحن معروفون أكثر. هكذا إذ نحتمل ما يحدث لنا نُعاقب لكننا “لا نٌقتل“، وإذ نحن فرحون فإننا نشبه الحزانى[29].
العلامة أوريجينوس
- يوجد كثيرون يمدحون حياة الصالحين أكثر مما ينبغي. فلئلا يتسلل أي تيه لدى الصالحين بسبب هذا المديح يسمح اللَّه القدير للأشرار أن يقذفوا بسمعتهم ويوبخوهم بعنف، حتى إذا ما نبعت خطية ما في القلب بسبب كلام المديح تُصد بواسطة من يسبهم. لهذا يشهد معلم الأمم بأنه يستمر في الكرازة “بصيت ردئ وصيت حسن” قائلا أيضًا: “كمضلين ونحن صادقون“.
إن كان قد وُضع تقرير ردىء عن بولس ودُعي مضلاً، فكيف يحسب المسيحي أن أمر صعب إن سمع كلمات جارحة من أجل المسيح؟ ولماذا ننطق بهذه الكلمات ضد قديسين؟ لنتحدث عن قدوس القديسين نفسه، فإن كان اللَّه الذي صار إنسانًا من أجلنا سمع اتهامًا جارحًا بأنه شيطان وذلك قبل موته، ودُعي مضللا بعد موته بواسطة مضطهديه (مت ٦٣:٢٧)[30].
البابا غريغوريوس (الكبير)
- “ليضحك من يضحك! وليتهكم من يتهكم! هذا لن يشغل ذهني فإني لم أشغل هذا الموضع إلا لأكون مرفوضًا وأضحوكة!
إني مستعد أن أحتمل كل شيء.
من يصر على تصرفاته ولم يسمع لتحذيري أمنعه من الدخول في الكنيسة كما بصوت بوقٍ، حتى إن كان أميرًا أو إمبراطورًا.
أعفوني من عملي وإلا فلا تلزموني أن أكون تحت اللعنة.
كيف أجلس على هذا الكرسي إن لن أفعل ما يليق به؟ خير لي أن أنزل عنه، لأنه ليس أمَّرْ من وجود أسقف لا يفيد شعبه[31].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“كمجهولين ونحن معروفون،
كمائتين وها نحن نحيا،
كمؤدَّبين ونحن غير مقتولين” [9].
كان الذين يَبغضون الرسول بولس ومن معه يحسبون أن ما يحل بهم من ضيقات يومية هو ثمرة شرورهم، لكن هؤلاء الخدام إذ يكرزون بالكلمة يختبرون كل يوم قوة قيامة المسيح المبهجة في الضيقات.
“كمجهولين ونحن معروفون“: قد يستخف الناس بالكارز ويحسبونه مجهولاً لا كيان له. بلا مركز مرموق في المجتمع، بينما السماء عينها تمجده. كان الرسول بولس ورفقاؤه غير معروفين للأشرار بينما كانوا معروفين تمامًا للمؤمنين المقدسين في الرب.
كأننا نكرز خفية في خوف وخجل بينما نحن نشهد لخلاصنا علانية أينما وُجدنا، لا نفعل شيئًا في الخفاء.
“كمائتين وها نحن نحيا” وذلك خلال المخاطر المستمرة والاضطهادات والأتعاب حيث نعاني من ميتات كثيرة، لكننا في هذا كله نختبر الحياة الجديدة المقامة كعطية توهب لنا خلال الشركة مع المسيح غالب الموت.
“كمؤدبين ونحن غير مقتولين” كأننا أبناء متمردون وعصاة نستحق التأديب حتى الموت، لكننا نحيا غير مقتولين وذلك حسب مسرة أبينا السماوي.
“كحزانى، ونحن دائمًا فرحون،
كفقراء، ونحن نُغني كثيرين،
كأن لا شيء لنا، ونحن نملك كل شيء” [10].
“كحزانى ونحن دائما فرحون“: في كل الظروف وبالرغم من كل الاضطهادات والشدائد نبدو كحزانى لكن الفرح لا يفارقنا، لأننا نتمتع بتهليل الغلبة والنصرة: فقد غلبنا ونغلب ونبقى بالنعمة الإلهية غالبون. تعزيات الروح القدس وسط الضيق لا تفارقنا.
- ما دام “في هذه الخيمة” المعلنة للموت ويتثقل بهذا الوجود فإنه يحزن طوال رحلته كما يقول المرتل في أغنيته السماوية. بالحق إنهم كانوا يعيشون في الظلمة هؤلاء الذين يرحلون في هذه الخيام الحية، بينما كان المبشر يئن باستمرار خلال هذه الرحلة[32].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
“كفقراء ونحن نغني كثيرين“: يُحتقر الكارز كفقيرٍ لا يقتني شيئًا من هذا العالم بينما يقدم للقلوب الفارغة من فيض غنى مخازن المسيح. ليس له فضة ولا ذهب، ولا بيوت وأراضٍ لكنه يقدم ملك السماء والأرض الذي في أعماقه ليتمتع الكثيرون به ويشبعون.
“كأن لا شئ لنا، ونحن نملك كل شئ“: في المظهر لا نملك شيئًا، في الأعماق نتمتع بكنوز النعمة الفائقة، وشركة المجد الداخلي، وعربون ميراث الملكوت الأبدي!
- قد يحدث أن قائدًا أو صاحب مركز شعبي يقول للمسيحي: “إما أن تكف عن أن تكون مسيحيًا أو إذا ما قاومت فلن يكون لك بيت أو أية ممتلكات”. إنه في وقت ما كان الأغنياء الذين يقررون أن يحفظوا غناهم ليتأهلوا بواسطة اللََّه أن يستخدموا هذا الغنى لأعمال صالحة، هؤلاء يختاروا أن يسلموا هذه الممتلكات من أجل المسيح عن أن ينكروا المسيح من أجل الممتلكات. هكذا صاروا كأناسٍ “ليس لهم شيء وهم يملكون كل شيء“، يملكون الحياة الأبدية في الدهر الآتي، لئلا بتسليم المسيح من أجل الغنى يسقطون في الموت الأبدي[33].
- كان الرسول غنيًا في العالم الآخر هذا الذي قال: “كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيءٍ”[34].
القديس أغسطينوس
4. متسع القلب
“فمُنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون،
قلبنا متسع” [11].
يقدم الرسول نفسه لأهل كورنثوس كأبٍ مهتم بأبنائه، مظهرًا لهم مشاعره الملتهبة نحوهم. إنه يحمل قلبًا متسعًا يمكن لكل أهل كورنثوس أن يجدوا لهم فيه مواضع. بهذا القلب المتسع المفتوح أمامهم يتحدث معهم في صراحة كاملة مع حنو وترفق. كأنه يقول لهم: “حديثي معكم ليس نابعًا عن رغبة في التعليم، إنما عن فيض حب نابع من قلبٍ متسعٍ منشغلٍ بكل واحدٍ منكم، يمكن أن يحفظكم في دفء الحب”.
- هذا الدفء من عادته أن يهب اتساعًا، والاتساع هو عمل الحب. فإن الدفء فضيلة وغيرة… ليس شيء أكثر اتساعًا من قلب بولس الذي أحب كل المؤمنين بكل نقاوةٍ ليحتمل كل شيءٍ من أجل تحقيق حنوه. يقول: “فمنا مفتوح، قلبنا متسع“. إننا نحملكم جميعًا في داخله، ليس هذا فقط، وإنما كما بموضع متسع للغاية[35].
- لم يقل “انتم لا تحبوننا”، وإنما “ليس بذات المقدار” حتى لا يجرحهم بعمق… إنه يحمل في رسائله شهادة أنه يُحِب ويُحَب، ولكن ليس بالتساوي… أنتم تستقبلون شخصًا، أما أنا فأستقبل المدينة بأكملها بشعبها الضخم[36].
- كان لأيوب الباب المفتوح أمام الزائرين الذين استضافهم في بيته، أما بولس فكان له القلب المفتوح ليسع العالم كله، اتسم كرم ضيافته بالمسكونية. هذا دفعه للقول: “لستم متضايقين فينا بل متضايقين في أحشائكم” (2 كو12:6) [37].
- بسبب هذا أنا أحتضنكم في قلبي علي الدوام.
ولهذا السبب أيضًا لا أعود أشعر بأتعاب التعليم، بل يصير الحمل سهلاً مادام المستمعون ينتفعون!
بحق أن هذه المكافأة لكافية لتجديد قوتي، تهبني أجنحة وترفعني،
تحثنى بالأكثر أن أحتمل الأتعاب القاسية لأجلكم!”
القديس يوحنا الذهبي الفم
- بالرغم من عظمة اللَّه هذه فإنكِ تستطيعين أيتها النفس أن تقبليه، وهو يسكن فيكِ ويقودك بالتمام.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
“لستم متضيقين فينا،
بل متضيقين في أحشائكم” [12]
إن كنتم تظنون أنكم لا تجدون طريقًا متسعًا بالحب تسيرون فيه، فذلك ليس لضيقٍ في قلوبنا ولا لنقص في محبتنا، إنما هو انعكاس لضيق قلوبكم علينا، فتنعتوننا بما هو لكم. إنكم لا تفتحون قلوبكم لنا كم نفتح قلوبنا لكم.
- يرتبط القوي بالضعيف فيسنده، ولا يسمح بهلاكه.
مرة أخرى إن ارتبط بشخص متكاسل يقيمه ويدفعه للعمل. قيل: “أخ يعينه أخ هو مدينة قوية”. هذه لا يفوقها بعد المسافة ولا السماء ولا الأرض ولا الموت، ولا أي أمر آخر، إنما هي أقوى وأكثر فاعلية من كل الأشياء. هذه وإن صدرت عن نفسٍ واحدةٍ، قادرة أن تحتضن كثيرين دفعة واحدة.
اسمع ما يقوله بولس: “لستم متضايقين فينا بل متضايقين في أحشائكم. كونوا أنتم أيضًا متسعين“[38].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فجزاء لذلك أقول كما لأولادي:
كونوا أنتم أيضًا متّسعين” [13].
كما يفتح الأب قلبه لأبنائه يليق بالأبناء أن يفتحوا له قلوبهم فيختبروا عذوبة الحب المتبادل. فتح قلوبهم يفتح بصيرتهم لإدراك اتساع قلب أبيهم. وكأن الرسول يتوسل إليهم: “حبوني كما أني أحبكم، فتختبرون حبي الذي لم تدركوه بعد.”
- لقد رأيتم إنسانًا جاب الأرض كلها، لأن طموحه وهدفه هما أن يقود كل إنسانٍ إلى اللَّه. وقد حقق هذا الطموح بكل ما ادخره من قوة، وكأن العالم كله قد صاروا أبناءه، لهذا كان على عجلة من أمره.
كان دائم التجوال، كان دائم الحماس لدعوة كل البشرية لملكوت السماوات، مقدمًا الرعاية والنصح والوعود والصلاة والمعونة وانتهار الشياطين، طاردًا الأرواح المصرة على التحطيم.
استخدم إمكانياته الشخصية ومظهره والرسائل والوعظ والأعمال والتلاميذ وإقامة الساقطين بجهده الشخصي. فكان يسند المجاهدين ليثبتوا في جهادهم، ويقيم كل من طُرح ساقطًا على الأرض.
كان يرشد التائبين، ويعزي المتألمين، ويحذر المعتدين، ويراقب بشدة المقاومين والمعارضين.
شارك القائد والطبيب الشافي في الصراع، فمدّ يد المعونة ليهاجم أو يدافع أو يرشد حسب الحاجة في ساحة العمل، فكان كل شيءٍ للمنشغلين بالصراع…
في عظمته كان أكثر توهجًا وغيرة من أية شعلة نارٍ. ومن جهة إكليل كل الفضائل فقد فاق في المحبة (كل الفضائل). وكما ينصهر الحديد في النار فيصير الكل نارًا ملتهبة، هكذا انصهر بولس في المحبة، حتى صار هو نفسه محبة متجسدة.
صار كأنه أب عام للعالم كله. نافست محبته محبة الآباء بالجسد، أو بالأحرى فاقهم جميعًا في المحبة الجسدية والروحية، وفي الاهتمام والرعاية باذلاً كل ماله وكلماته وجسده وروحه، بل وكل كيانه من أجل الذين يحبهم[39].
القديس يوحنا الذهبي الفم
5. بلا شركة مع الظلمة
“لا تكونوا تحت نيرٍ مع غير المؤمنين،
لأنه أيّة خلطة للبرّ والإثم؟
وأيّة شركة للنور مع الظلمة؟” [14]
يحذرهم الرسول من الشركة مع الأشرار غير المؤمنين. يعتبر “الصداقة مع غير المؤمنين” نيرًا، خلالها يثقل المؤمن أذنيه بنير كلمات معثرة، وعينيه بنير مناظر تفسد أعماقه، وهكذا كل حواسه تنحني لتحمل ما لا يليق بها كحواسٍ مقدسة للرب.
هنا يطلب رفض الشركة معهم في عبادتهم وفي السلوك في الإثم وأعمال الظلمة.
“لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين” هذا تعبير عسكري يشير إلى التزام الشخص ألا يترك رتبته وموضعه ويذهب إلى موضع آخر أو يمارس عملاً ليس في حدود التزاماته.
يبدو أن بعض المسيحيين كانوا في صداقتهم مع الوثنيين يذهبون معهم إلى الهياكل ويشاركونهم ولائمهم وحفلاتهم التي لا تخلو من المفاسد الأخلاقية.
هذا وبالأكثر يقصد الرسول أيضا الزواج بغير المؤمنين، حيث لا يقدر الطرف المؤمن أن يختبر في بيته الحياة الكنسية السماوية، ولا أن يتمتع بعطية الروح القدس واهب التقديس.
مثل هؤلاء لا يقدرون أن يمارسوا الصلاة الربانية قائلين: “لا تدخلنا في تجربة”، لأنهم بكامل إرادتهم انحنوا ليحملوا تجربة ونيرًا يحطم إيمانهم العملي.
في العهد القديم لم يكن يسمح أن يوضع النير على حيوانين مختلفين مثل الثور والحمار معًا، لا أن تزرع بذور متنوعة ممتزجة معًا في حقل واحد، فكيف يختلط البر مع الإثم ويشترك النور مع الظلمة؟
- يقول الرسول: “أية شركة بين النور والظلمة“؟ حيث يوجد تناقض فاصل، ولا يمكن المصالحة بين النور والظلمة. فالشخص الذي يشترك في الاثنين معًا لا يساهم في شيءٍ، لأجل تعارضهما، وتناقض الواحد للآخر في نفس الوقت في حياته المشتركة. إيمانه يمد الجانب المنير، لكن عاداته المظلمة تطفئ مصباح العقل.
حيث أنه من الاستحالة ومن غير المعقول أن يتوافق النور والظلمة، فالشخص الذي يضم الاثنين معًا يصير عدوًا لنفسه، إذ ينقسم إلى طريقين بين الفضيلة والشر.
إنه يقيم معركة معادية في داخله. وذلك أنه إذ يوجد عدوان غير ممكن أن ينتصر الاثنان كل على الآخر (لأن نصرة أحدهما تسبب موتًا للثاني)، هكذا أيضًا تحدث الحرب الداخلية بالارتباك في حياته، ليس ممكنًا للعنصر القوي أن يغلب دون أن يتحطم الطرف الآخر تمامًا. كيف يمكن للجيش الموقر أن يكون أقوى من الشر، عندما تهاجمه كتيبة الشر المقاومة؟
إن كان يليق بالأقوى في طريق للنصرة أن يقتل العدو تمامًا، هكذا فإن الفضيلة سيكون لها النصرة على الشر فقط عندما يفسح لها العدو كله الطريق خلال اتحاد العناصر المعقولة ضد العناصر غير السليمة… إذ لا يمكن للصالح أن يوجد فيّ ما لم يحيا خلال موت عدوّي.
يصير استحالة علينا أن نحتفظ بالمضادات التي نمسك بها بكلى اليدين، إذ لا توجد شركة بين كلا العنصرين في ذات الكائن. إن كنا نقتني الشر نفقد القوة لاقتناء الفضيلة[40].
- لا توجد شركة للنور مع الظلمة، كما يقول القديس بولس (2 كو 14:6)، ولكن إذا انسحب كل الظلام يلزم للنور أن يأخذ مكانه، وأيضًا متى أُزيل الشرّ فإن الفضيلة تأخذ مكانه. وعند ما يتم هذا فإن قوة الجسد لا تتمكن من مقاومة الروح القدس (فإماتة الجسد تفقده معارضة الروح). فيصبح الجسد وديع الطباع فى جميع الظروف وخادمًا مطيعًا لحكم الروح القدس. فعندما ما يختفى الجندي الخبيث القاسي وشره، يحل محله الجندي المسلح بالفضيلة وهو يلبس درع البرّ على صدره، ويحمل سيف الروح القدس، ويحميه سلاح اللَّه الكامل وخوّذة الخلاص وترس الإيمان وسيف الروح (أف 14:6-17). لذلك يسلك الجسد كخادم للسيد وهو العقل، ويستجيب لكل أوامره فى الفضيلة التي تعمل لخدمة الجسد[41].
- يبدو لي أن الله يقول لمثل هذا الإنسان (الفاسد) أمرًا كهذا: يا من حياتك فاسدة هل تدعو مصدر عدم الفساد، الآب؟ لماذا تدنس الاسم الطاهر بكلمتك الدنسة؟ لماذا تناقض هذه الكلمة وتهين الطبيعة غير الدنسة؟ إن كنت أبًا لك يليق بحياتك أن تتسم بسماتي الصالحة. انني لست أتعرف على صورة طبيعتي فيك. سماتك مناقضة لسماتي على خط مستقيم. أية شركة بين النور والظلمة؟ أية قرابة بين الموت والحياة؟ كيف يمكن أن توجد ألفة بين الطهارة والنجاسة؟[42]
- ليس من طريقٍ نكتشفه نقيم به تناغمًا بين أشياء طبائعها متضادة وليس بينها شيء مشترك. يخبرنا الرسول بأنه ليست شركة بين النور والظلمة، أو بين البرّ والشر، وباختصار بين كل الصفات التي ندركها والاسم الخاص بجوهر طبيعة الله وبين كل ما يضاد ذلك الذي ندركه في الشر. إذ ترون استحالة أي اتحاد بين الأمور المتناقضة، نفهم أن النفس الفاسدة متغربة عن البلوغ إلى أصحاب الصلاح[43].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
- إن راعينا فكر الرسل عن الهراطقة نجد في كل رسائلهم أنهم يمقتوا الدنس الرجس ويبغضوه… يقولون أنه لا توجد شركة بين العدل والظلم، ولا بين النور والظلمة، إذ كيف يمكن للظلمة أن تنير أو للظلم أن يقدم عدالة؟ إنهم ليسوا من اللََّه بل من روح ضد المسيح فكيف يمكن لأعداء اللََّه وقد ملأ روح ضد المسيح صدورهم أن يسلكوا في الأمور الروحية الإلهية؟[44]
القديس كبريانوس
- لا يمكن أن يوجد نوعان من الحب متناقضان في إنسانٍ واحدٍ. فكما لا يوجد اتفاق بين المسيح وبليعال، وبين العدالة والظلم، يستحيل لنفس واحدة أن تحب كل من الصلاح والشر. يا من تحب الرب اكره الشرير إبليس. في كل عملٍ يوجد حب لواحدٍ وكراهية للآخر… يا من تحب الأشياء الصالحة لتكره الأشياء الشريرة، إذ لا تقدر أن تحبها ما لم تكره الشر[45].
القديس جيروم
“وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟
وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟” [15]
للمسيح خطته واهتماماته ورسالته التي تختلف تمامًا عما لبليعال، فكيف يمكن للإنسان أن يخدم الاثنين معًا أو يرضيهما معًا.
- الروح القدس هو عمادنا الحقيقي، لهذا السبب نبقى دومًا معمّدين، إذ هو دائمًا فينا، ولا يقدر شيء ما أن يحرمنا من عمادنا بإنكار اللََّه والانسجام مع الشياطين. في مثل هذه الحالات بالحق يعتزل الروح القدس، لأنه لا يقدر أن يقبل البقاء في موضع حيث يسكن الشيطان[46].
القديس مار فيلوكسينوس أسقف منبج
“وأيّة موافقة لهيكل اللَّه مع الأوثان؟
فإنكم أنتم هيكل اللَّه الحي.
كما قال اللَّه: إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم،
وأكون لهم إلهًا، وهم يكونون لي شعبًا” [16].
المؤمن هيكل اللَّه قد تخصص وتكرس لخدمة اللَّه الذي وعد أن يسكن في أعماقه ويسير معه، ويقبله ابنًا له. فكيف يمكن أن تتحقق موافقة بين هيكل اللَّه وهيكل الوثن؟ اللَّه إله غيور لن يقبل أن يعطي مجده لآخر، ولا أن يشترك مع آخر في ذات القلب. ليس شيء أكثر دنسًا ونجاسة في عيني اليهودي من إقامة وثن في هيكل الرب، هكذا لا يليق الشركة بين العبادتين، فالوثني لن يعبد اللَّه خالقه، والمسيحي لن يعبد وثن. فإن اشترك الاثنان في عبادة واحدة، أو تزوج الاثنان ليعيشا في بيت واحد، كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟
يؤكد الرسول اشتياق اللَّه لإقامة بيته المقدس في قلب المؤمن كهيكلٍ خاص به. إنه ليس بعابر طريق يبيت ليلة أو أكثر في قلب المؤمن إنما هو مالك للقلب وساكن دائم فيه، يسير في أعماقه. يعلن أنه إلهه، لا يشاركه أحد معه وهو يكون من شعبه يتقبل عمله الإلهي من تعليم واستنارة وعون وحماية وقيادة وشبع، يتقبل بركات إلهية لا حصر لها.
- بسبب سكناه ننال كل ما يخص اللَّه الآب، وما يخص بالمثل ابنه الوحيد[47].
- هكذا كانت مسرة اللَّه أن يأتي من السماء المقدسة، ويأخذ طبيعتك العاقلة. فقد أخذ جسدًا من الأرض ووّحده بروحه الإلهي، حتى تستطيع أنت (الأرضي) أن تنال الروح السماوي. وحينما تصير لنفسك شركة مع الروح ويدخل الروح السماوي في نفسك حينئذ تكون إنسانًا كاملاً في اللَّه، ووارثًا وابنًا[48].
- يليق بالهيكل الإلهي البخور الذي يكون من أطيب رائحة. كل فضيلة هي بخور عقلي، مقبول تمامًا عند إله الكل[49].
القديس كيرلس الكبير
- رأى يوحنا المدينة المقدسة نازلة من السماء مبنية على أسس من حجارة كريمة ولها اثنا عشر بابًا (رؤ 10:21-21)… في هذه المدينة يملك المسيح؛ وسكانها أنفسهم هم سكان وأبواب، بيوت وسكان. المسيح ساكن فيهم، المسيح يتحرك فيهم. يقول: “أنا أسكن وأتحرك فيهم“.
فكروا في النفس القديسة كيف أنها أقدس من أن تُوصف. إنها تضم المسيح الذي السماء ليست متسعة لتحويه!… يتحرك فيها! فبالتأكيد هي بيت متسع فيه يسير.
قيل: “أنتم هيكل اللَّه، والروح القدس يسكن فيكم” (راجع 1 كو 16:3). لنعد هيكلنا حتى يأتي المسيح ويجد مسكنه فينا، وتصير نفوسنا صهيون، وتكون برجًا يُقام في الأعالي، فتكون دومًا إلى فوق وليس إلى أسفل[50].
القديس جيروم
“لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا،
يقول الرب،
ولا تمسّوا نجسًا فأقبلكم” [17].
نظرًا لخطورة الموقف يطالبهم الرسول بالاعتزال كمن يهرب من البرص أو أي من وباءٍ معدٍ.
“وأكون لكم أبًا وأتم تكونون لي بنين وبنات،
يقول الرب القادر على كل شيء” [18].
باعتزالهم الأشرار لن يخسروا شيئًا، إذ تنفتح أعينهم ليروا اللَّه أبًا لهم؛ أية كرامة أو سعادة أعظم من هذه؟ يدخل المؤمن في الانتساب إلى الآسرة الإلهية، فيحمل سمات الأسرة من حياة سماوية مقدسة متهللة آمنة.
“يقول الرب القادر على كل شيءٍ” أو ضابط الكل. مهما بلغ حنو الآباء الأرضيين وحبهم كثيرًا ما يعجزوا عن إشباع احتياجات أبنائهم، إذ قد تنقصهم القوة أو الإمكانيات، أما الرب فقادر على كل شيءٍ، يعد ويفي، يقدم لأولاده أكثر مما يسألوا وفوق ما يحتاجوا.
اللََّه يريدنا أن نعتزل كل دنس وتلوث لكي يقبلنا كأبناء له. لهذا يحثنا الرسول بولس نحو الطهارة.
- بولس نبوي في إخبارنا أن نصنع حاجزًا ليس بين أنفسنا والمتزوجين، وإنما بين أنفسنا والأمم الذين لازالوا يعيشون في اللاأخلاقيات، وأيضًا من الهراطقة الذين لا يعتقدون في الطهارة ولا في اللََّه[51].
القديس إكليمنضس السكندري
من وحي 2 كو 6
لنعمل معك بقلبٍ متسعٍ!
- نعمتك فائقة تجتذبني للعمل معك.
أية كرامة أنالها أن أعمل بك ومعك!
إنه وقت مقبول ويوم خلاص.
مراحمك تنتظر لتحتضن كل نفسٍ.
- قدسني فأتأهل لخدمة أولادك يا أيها القدوس.
أوجد بلا لومٍ في أفكاري كما في كلماتي وسلوكي.
أكرز بحياتي التي هي من عمل نعمتك.
ليس من يتعثر بسببي،
ولا من يجدف عليك بسببي.
- هب لي أن أقتدي برسولك بولس.
أجد فرحي المستمر في الآلام من أجل خدمتك.
أسهاري أعذب من لذة النوم.
أصوامي أفضل من أي طعامٍ.
خدمة أولادك أشهى ما في حياتي.
- هب لي القلب المتسع،
فيجد كل إنسان له موضعًا فيه.
لن يضيق قط مادمت أنت فيه.
لن يطلب جزاءً للحب المتفجر بلا توقف,
الحب عينه هو المكافأة التي أنتظرها.
لأن من يسكب حبًا يقتنيك فيه.
- أخدمك يا أيها النور الحقيقى.
فلن أقبل الشركة مع الظلمة.
[1] In 2 Cor. Hom .121..
[2] The Long Rules, 34.
[3] The Long Rules, Fathers of Church, vol. 9:224.
[4] Robert Llewelyn, The Joy of the Saints, Spiritual Readings throughout the Year, Springfield, Illinois, 1989, p. 1.
[5] In Ephes., hom. 6.
[6] De Sacer. 3:15.
[7] الحب الرعوي، ص 178.
[8] In 1 Tim. Hom. 10
[9] In 1 Tim. PG 62:552
[10] In Act. PG 60: 225.
[11] In Eph. PG 62: 159.
[12] In Ezek. Hom. 5:4. PG 13:707.
[13] الحب الرعوي، ص 656.
[14] In Rom. Hom. 32.
[15] On the Christian Mode of Life.
[16] Sermons on New Testament Lessons, 20:1.
[17] A. J. Wensinck: Mystic Treatises by Isaac of Nineveh, 1923, p 288.
Dana Miller: The Ascetical Homilies of St. Isaac the Syrian, 1984, p.279.
[18] Homilies on Leviticus, 6:6.
[19] Letter 21
[20] Homilies on Leviticus, 4:6.
في مديح القديس بولس، عظة 3.[21]
[22] On Virginity, 20.
[23] In 2 Cor. hom 12. PG 61: 525.
[24] من مجدٍ إلى مجدٍ، فصل 4:34.
[25] Pauline Comm. From the Greek Church.
[26] PG 82:414.
[27] On Virginity, 4.
[28] Letter 52.
[29] An Exhortation to Martyrdom, 43.
[30] Epistle 11:5 to Theoctista, Patrican.
[31] De mut Nom. PG 51:135-138.
[32] On Virginity, 4.
[33] Letter 157 to Hilarius.
[34] Sermons on New Testament Lessons, 35:3.
[35] In 2 Cor. hom 13. PG 60: 531.
[36] In 2 Cor. hom 13. PG 60: 531.
في مديح القديس بولس، عظة 1.[37]
[38] In Ephes., hom. 9.
في مديح القديس بولس، عظة 3.[39]
[40] On Perfection.
[41] Commentary on Song of Songs, Homily 10.
[42] The Lord’s Prayer, sermon 2. (ACW)
[43] On Virginity, 15.
[44] Letter 73:15 to Jubian.
[45] Hom. 73 on Psalms.
[46] On the Indwelling of the Holy Spirit.
[47] Comm on John Book 1, ch. 9:24.
[48] Sermon 32:6.
[49] Sermon 57 on Luke 57:9-58.
[50] On Ps. Hom. 46.
[51] Stromata 3:73:4.