تفسير كورنثوس الثانية 4 – الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الثانية 4 - الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الثانية 4 – الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الثانية 4 – الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي
الاصحاح الرابع
الأمانة في الخدمة
إذ تحدث عن علاقات الحب المتبادلة بين الراعي ورعيته (ص٢)، وكشف عن مجد خدمة العهد الجديد التي أؤتمن عليها (ص٣) يحدثنا الآن عن أمانته في الخدمة وسط الآلام والأتعاب.
١. المثابرة في الخدمة ١-٢.
٢. رفض الأشرار للنور ٣-٤.
٣. استقامة الخدمة ٥-٧.
٤. آلام الخدمة والعون الإلهي ٨-١٨.
١. المثابرة في الخدمة
بعد أن أعلن عن مجد الخدمة نراه يبرر نفسه من الاتهام الذي وجهه المعلمون الكذبة ضده وضد العاملين معه، بأنهم مخادعون. ولعلهم قلبوا الموازين حينما استغلوا آلام الرسول ومن معه وضيقاتهم كدليلٍ على عدم رضى اللَّه عليهم، وتخلي النعمة الإلهية عنهم.
“من أجل ذلك إذ لنا هذه الخدمة كما رُحمنا لا نفشل [1].
بينما يتطلع المعلمون الكذبة إلى كثرة آلام الرسول والعاملين معه كعلامة غضبٍ إلهيٍ، يرى الرسول في هذه الآلام رحمة اللَّه الفائقة التي وهبتهم بركة وكرامة قبول الآلام من أجل الخدمة، فدفعت بالأكثر إلى الرجاء المفرح، مؤكدا: “لا نفشل!” وكأنه يقول: “إننا نواجه مصاعب كثيرة، لكننا في هذه كلها نختبر نعمة الإنجيل المفرح، لن يتسلل روح الفشل أو اليأس إلى قلوبنا”.
خلال الرحمة الإلهية والنعمة تسلم بولس العمل الرسولي (رو ٥:١)، وخلالهما تسلم القوة للمثابرة في هذا العمل. “وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا الذي قواني أنه حسبني أمينًا إذ جعلني للخدمة” (١ تي ١٢:١). كثيرون من الأبطال والعظماء يعانون من الشعور بالفشل الداخلي حتى وإن مجَّدهم الملايين من البشر، لأنهم لا يتلامسوا مع رحمة اللَّه ونعمته ويدركوا القوة الداخلية التي تسندهم. أما الرسول بولس فيقول: “ولكن بنعمة اللَّه أنا ما أنا، ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة” (١ كو ١٠:١٥).
- ينسب بولس مثابرته لا لاستحقاقه البشري بل لرحمة اللَّه، التي في البداية تطهر الشخص ثم تجعله بارًا، وتتبنّاه ابنًا للَّه، وتهبه مجدًا كمجد ابنه[1].
أمبروسياستر
- تُنسب هذه المثابرة (في الخدمة) لمحبة اللَّه المترفقة، فإننا ليس فقط لا نسقط تحت ثقل تجاربنا بل ونفرح ونتكلم بجسارة[2].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“بل قد رفضنا خفايا الخزي،
غير سالكين في مكر،
ولا غاشين كلمة اللَّه،
بل باظهار الحقٍ،
مادحين أنفسنا لدى ضمير كل إنسانٍ قدام اللَّه” [2].
أراد الرسول أن يسلك بلا لومٍ، فلم يسمح لنفسه أن يمارس أي خزي أو أي عارٍ يفعله الأشرار ولو خفية في الظلام, يرى البعض أنه يتحدث هنا عن تصرفات بعض المعلمين الكذبة خاصة الذين من أصلٍ يهودي، الذين يمارسون أخطاء جسدية في الخفاء. هذا ما دفع البعض إلى الوقوف في صف ذاك الذي أخطأ مع زوجة أبيه.
لم يسلك الرسول في مكر Panourgia بل في بساطةٍ كاملةٍ وقلبٍ مفتوحٍ، فلا يغطي تصرفاته بمظاهر برَّاقة تخفي وراءها شيئا رديئًا.
- من يقوم بدورٍ قيادي يلزمه أن يكون أكثر بهاءً من أي كوكبٍ منيرٍ، فتكون حياته بلا عيب، يتطلع الكل إليه ويقتدون بسلوكه[3].
- “ويجب أيضًا ان تكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج، لئلا يسقط في تعيير وفخ ابليس” (1 تي 3:7)… حتى الوثنيون يوقرون الإنسان الذي بلا عيب. لذلك ليتنا نحن أيضًا نعيش هكذا حتى لا يقدر عدو أو غير مؤمنٍ أن يتكلم عنا بشرٍ. لأن من كانت حياته صالحة يحترمه حتى هؤلاء، إذ بالحق يغلق أفواه حتى الأعداء[4].
القديس يوحنا الذهبي الفم
لم يغش الرسول ومن معه كلمة اللَّه، بل ينطقون بالحق الإنجيلي في وضوح. يرى البعض إن الرسول يلمح هنا إلى ما يفعله المقامرون المخادعون والمساومون في الأسواق الذين يخلطون الأمور الصالحة بالفاسدة.
يقدم الرسول ومن معه الحق من كل ضمائرهم لكي تتمتع به ضمائر السامعين، إنها خدمة القلب للقلب. كما ينطق الخدام الحقيقيون بالحق لا لهدفٍ أخر غير محبة الحق ذاته، لهذا لا يبالون بحكم الآخرين عليهم إنما يهتمون بشهادة ضمائرهم الخفية حتى وإن ولم يظهروها، أي شهادة أعماقهم التي يراها اللَّه وحده.
- يتحدث بولس هنا عن الختان حيث التزم به سرًا الرسل الكذبة الداخلون حديثًا من الأمم إلى الإيمان[5].
ثيؤدورت أسقف قورش
- إذ نعرف أن المسيح هو النور الحقيقي (يو 9:1)، ليس فيه بطلان (1 تي 16:6)، نتعلم هذا: أنه من الضروري لحياتنا أيضًا أن تستنير بأشعة النور الحقيقي. لكن الفضائل هي أشعة شمس البرّ (ملا 20:3) تنبعث لإنارتنا، خلالها نخلع أعمال الظلمة (رو 12:13) حتى نسلك بلياقة كما في النهار (رو 13:3)، ونرفض خفايا الخزي [2]. إذ نفعل كل شيء في النور نصير النور ذاته، الذي يشرق على الآخرين (مت 15:5-16)، وهو نوع مميز من النور. وإن عرفنا المسيح أنه “تقديس” (1 كو 30:1)، الذي فيه كل عمل يكون راسخًا ونقيًا، فلنبرهن بحياتنا أننا نحن أنفسنا مشاركون حقيقيون في اسمه، نتناغم في الفعل والكلام مع قوة تقديسه[6].
- يلزمنا أن نتعرى من كل هذه الأغطية التي تعرينا، الملابس الجلدية، أي حكمة الجسد. يلزمنا أن نجحد كل الأمور المخزية التي تُصنع في الخفاء ولا نتغطى بأوراق تين هذا العالم المرّ. عندئذ إذ نمزق هذه الاغطية التي لأوراق هذه الحياة القابلة للَّهلاك يليق بنا أن نقف ثانية في نظر خالقنا، ونصد كل خداعات التذوق والنظر، ونأخذ وصايا اللَّه وحدها قائدًا لنا عوض السم الذي تبثه الحية[7].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
- انظروا كيف يضيء نوره قدام الناس فيروا أعماله الصالحة[8].
القديس أغسطينوس
٢. رفض الأشرار للنور
“ولكن إن كان إنجيلنا مكتومًا،
فإنما هو مكتوم في الهالكين” [3].
إن كان الإنجيل الذي يكرز به الرسول مكتومًا Kekalummenon، أي محتجبًا، أو وُضع عليه بُرقع كما على وجه موسى، فهذا بالنسبة للذين بإرادتهم صاروا عميانًا. وإذا ما وُضع برقع على قلب إنسان، فهذا دليل على أنه صار من الهالكين تحت سلطان الخطية، الذين اسلموا أنفسهم للشر. لقد جاء يسوع المسيح لخراف إسرائيل الضالة (مت ٦:١٠ ؛ ١١:١٨ ؛ لو ١٠:٩)، يطلب ويخلص ما قد هلك. إنه الراعي الصالح الذي يترك التسعة وتسعين في البرية ويبحث عن الخروف الضال (مت ٢١:١٨ ؛ لو ٤:١٥).
ما يوضحه الرسول هنا أنه إن كان الإنجيل مكتومًا فليس العيب في الإنجيل ولا في الخدام، بل في الذين أصروا إن تبقى نفوسهم في الضياع والدمار، ولم يستجيبوا للنداء الإلهي.
- إنه مكتوم لغير المؤمنين وحدهم. إنه ليس مخفيًا عن كل أحد كما كان وجه موسى مخفيًا عن كل إسرائيل في العهد القديم[9].
سفيريان أسقف جبالة
“الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين،
لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة اللَّه” [4].
العلة الأخرى لبقاء الإنجيل مكتومًا بالنسبة للبعض هي تجاوبهم مع إله هذا الدهر الذي يعمي بصيرة غير المؤمنين الداخلية، ويظلم فهمهم، ويثير فيهم الإجحاف والعصيان لكي يبقوا تحت سلطان ظلمته في جهالةٍ وتمردٍ، ويحرموا من النور الإلهي.
ماذا يعني بإله هذا الدهر سوى رئيس هذا العالم (يو ١١:١٦)، فقد سقطت ممالك العالم وأمجاده تحت سلطانه (مت ٤: ٨-٩).
ويرى البعض أنه يقصد هنا اللَّه نفسه الذي إذ يرفع نعمته عنهم بسبب إصرارهم على العصيان يحرمهم من النور، وكما قيل: “تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة: تسمعون سمعًا ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون، لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم ثقل سماعها وغمضوا عيونهم، لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم” (مت ١٣: ١٤-١٥ ؛إش ٩:٦). “كما هو مكتوب أعطاهم اللَّه روح سبات وعيونًا حتى لا يبصروا، وآذانا حتى لا يسمعوا إلى هذا اليوم” (رو ٨:١١). وقد جاء في (١ تي ١٧:١) عن اللَّه أنه “ملك الدهور”.
- لا يشير إله هذا العالم إلى الشيطان، ولا إلى خالق آخر كما يقول أتباع ماني، بل إلى إله المسكونة الذي أعمى أذهان غير المؤمنين الذين من هذا العالم. في العالم العتيد لا يوجد غير مؤمنين، إنما هم موجودون في هذا العالم وحده[10].
- إننا نؤكد أن هذه العبارة تتحدث لا عن الشيطان بل عن إله الكل[11].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- انه يعني إله السماء، وليس فقط إله هذا (الدهر)، بل إله ابراهيم واسحق ويعقوب؛ بل وليس إله هؤلاء فقط بل إله الجميع[12].
القديس ثيؤفيولاكت
يرى كل من القديسين إيريناؤس ويوحنا الذهبي الفم وأغسطينوس والعلامة ترتليان والأب ثيؤدورت وغيرهم أن النص يعني: “أعمى اللَّه أذهان غير المؤمنين الذين من هذا الدهر”.
- لو لم يكن الابن وحده هو النور الحقيقي، وكانت المخلوقات تشترك معه في هذه السمة أيضًا… فلماذا يصرخ القديسون بصوتٍ عالٍ، طالبين من اللَّه: “أرسل نورك وحقك” (مز 3:43)؟… إن كان الإنسان غير محتاج إلى الكلمة الذي ينير، فلأي هدف يطلب منه القديسون أن ينيرهم، إن كان لا يستطيع أن يعينهم؟
إذن، الابن الوحيد الجنس مختلف بالطبيعة عن المخلوقات، إذ هو النور الذي يضيء للذين بلا نور…
إذا كنا نحتاج إلى النور من آخر، فنحن بكل وضوح لسنا النور الحقيقي. لذلك ليس لنا نحن ذات طبيعة الكلمة، هذا الذي بالطبيعة يفوقنا بغير قياس[13].
- النور ليس هو المسئول عن مرض غير المستنيرين، لأنه كما يُشرق نور الشمس على الكل، ولا يستفيد منه الأعمى دون أن نلوم الشمس، وإنما نلوم المرض الذي أصاب العينين، هكذا أنار الكلمة، ولكن الخليقة المريضة لم تقبل النور. هكذا النور الحقيقي، الابن الوحيد، الذي ينير الكل، لكن “إله هذا الدهر” كما يقول بولس: “أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا يضيء لهم نور معرفة اللَّه ويشرق عليهم” [4][14].
القديس كيرلس الكبير
- كل غير مؤمنٍ هو من هذا العالم. ليس أحد غلب العالم وصار مستحقًا للعالم العتيد معمي في فهمه، لأن عينيه قد استنارتا[15].
القديس ديديموس الضرير
- يقول بولس أن عدم الإيمان قاصر على هذا العالم، لأن في العالم القادم سيكون الحق واضحًا لكل أحدٍ[16].
ثيؤدورت أسقف قورش
- أيها الأبناء، معلمنا يماثل اللَّه أباه… إنه بلا خطية وبلا لوم… اللَّه الظاهر في شكل بشري يحقق إرادة أبيه. إنه اللَّه الكلمة، الذي في حضن الآب، وأيضًا عن يمين الآب، في ذات طبيعة اللَّه. إنه الصورة التي بلا عيب (2 كو 4:4). يليق بنا أن نتشبه بهذا في الروح قدر المستطاع… لكن يلزمنا أن نجاهد بكل قدرتنا أن نكون بلا خطية قدر الإمكان. ليس شيء أهم لنا من اقتلاع أي انحراف مخطئ اعتدنا عليه.
الكمال العلوي بالطبع هو عدم الخطأ نهائيًا بأية طريقة، هذا لا يُقال إلا عن اللَّه وحده.
السمو الذي يليه هو ألا يرتكب الإنسان الخطأ عن عمد، هذا الحال يليق بالإنسان صاحب الحكمة.
في الدرجة الثالثة لا يأتي عدم الخطأ إلا في ظروف نادرة، وهذه علامة الإنسان المثقف جدًا.
أخيرًا في أدنى الدرجات يلزمنا أن نؤجل الخطأ إلى لحظات قليلة، لكن حتى هذا يخص الذين يُدعون لإصلاح ما أصابهم من خسارة وتوبتهم كخطوة في طريق الخلاص[17].
القديس إكليمنضس السكندري
- إنه الصورة الواحدة معه في ذات الجوهر. ولأنه هو من الآب وليس الآب منه، فإن هذه هي طبيعة الصورة، إنها من نتاج الأصل الذي تحمل اسمه. ولكن هنا يوجد ما هو أكثر من ذلك. ففي اللغة العادية الصورة هي ممثل ساكن لما هو متحرك، أما في هذه الحالة فإنها صدور حي عن الكائن (الواحد) الحي ويشبه بالأكثر صدور شيث عن آدم (تك 3:5)، أو أي ابن عن أبيه[18].
القديس غريغوريوس النزينزي
- بماذا يشبه وجه اللَّه؟ صورته. بالتأكيد كقول الرسول بأنه صورة الآب في ابنه (كو 15:1). بصورته يشرق علينا، بمعنى يشرق صورته، الابن، علينا لكي يشرق هو علينا، لأن نور الآب هو نور الابن. من يرى الآب يرى أيضًا الابن، ومن يرى الابن يرى الآب. حيث لا يوجد اختلاف بين مجدٍ ومجدٍ، فإن المجد هو واحد بعينه[19].
القديس جيروم
- ابن اللَّه هو الكلمة والبرّ. لكن كل خاطئ هو تحت سطوة رئيسٍ هذا الدهر [4] حيث أن كل خاطئ يصير صديقًا للدهر الحاضر الشرير. إذ لا يُسلم نفسه لذاك الذي بذل ذاته عن خطايانا ليخلصنا من الدهر الحاضر الشرير، وينقذنا حسب إرادة إلهنا وأبينا، كما جاء في الرسالة إلى أهل غلاطية (4:1). الشخص الذي بإرادته يخطئ هو تحت طغيان رئيس هذا الدهر، وتحكمه الخطية. لهذا يأمرنا بولس ألا نخضع بعد للخطية التي تريد أن تسيطر علينا. فقد أوصانا بالكلمات التالية: “إذًا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته” (رو 12:6)[20].
العلامة أوريجينوس
٣. استقامة الخدمة
“فإننا لسنا نكرز بأنفسنا،
بل بالمسيح يسوع ربًا،
ولكن بأنفسنا عبيدًا لكم من أجل يسوع” [5].
علامة استقامة خدمته أن يتقدم إليهم عبدًا لهم ليكرز بالمسيح لا بنفسه. ما يشغله تقديم فكر المسيح وحبه وعمله وشخصه الإلهي لا تقديم ذاته. شهوة قلبه أن يخدم العالم لكي يقبل سيده مخلص العالم. لا يخجل الرسول من أن يدعو نفسه عبدًا doulous لهم، فهذا هو إحساسه الحقيقي العميق، وهذه هي الدعوة الإلهية التي وُجهت إليه. لا يشتهي أن يكرز بحكمته ولا بقدرته ولا ببره الذاتي، بل يشهد للمسيا أنه الرب الذي له سلطان على السماء والأرض، الذي يصالح البشرية مع الآب.
- إنه ليس نحن بل هو الذي يمكّن إيماننا، يقبلنا ويديننا به[21].
القديس ديديموس الضرير
- إذ يعبر بولس عن نفسه بتواضعٍ يتحدث بطريقة معينة ليظهر أنه لم يكن يكرز بالإنجيل لصالحه الخاص، وإنما لمجد المسيح الرب، الذي هو مطيع له[22].
أمبروسياستر
- أنا خادم. لست إلا خادمًا للذين يقبلون الإنجيل، أمارس كل شيء من أجل الآخر (المسيح)، وأفعل كل شيء من أجل مجده. فإذ تخاصمونني تهينون من هو للَّه[23].
- إن خدمت هكذا فأنت لست عبدًا، ذلك إن فعلت هذا عن مبدأ، وبنية صالحة، ومن القلب، إن كان ذلك من أجل المسيح. هذه هي العبودية التي يمارسها بولس الحر ويعلن عنها بقوة: “فإننا لسنا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربًا، ولكن بأنفسنا عبيدًا لكم من أجل يسوع“. انظروا كيف يعري عبوديتكم من معناها. فإنه بنفس الطريقة كما لو إن إنسانًا قد سرقه أحد فإن اعطاه أكثر مما أخذ منه، فلا يحسب كمن سُرق، بل بالأحرى بين الذين يعطون بسخاء، وليس بين الذين عانوا من شرٍ بل ممن يصنعون الخير[24].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إذ تدركون ثمار التواضع وعقوبة الغرور تمثلوا بالسيد بأن يحب أحدكم الآخر، ولا تخشوا الموت أو أية عقوبة أخرى من أجل صلاح الغير. لكن الطريق الذي دخله اللَّه من أجلكم أُدخلوا فيه من أجل الغير، عاملين بدون توقف بجسدٍ واحدٍ ونفسٍ واحدة للدعوة العُليا، للَّه المحب ولأجل بعضكم البعض. لأن محبة الرب ومخافته هما الإتمام الأول للناموس[25].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
يعلن بولس الرسول هنا أنه الناطق باسم الرب، لا باسم نفسه، فيشعر كمن هو مع أبناء سيده محتاج معهم إلى عمله الإلهي. وإن كان سيده بمسرةٍ قبل إن يكون عبدًا للبشر لكي يهبهم البنوة للَّه أفلا يحسب الرسول أنه يشارك سيده مسرته حين يقبل أن يكون هو أيضًا عبدًا للبشر؟
- “إن لم يبن الرب البيت فباطلاً يتعب البناءون، وإن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحارس” (مز 127: 1)… إننا نحرسكم في عملنا كوكلاء للَّه: لكننا نحن أيضًا نود أن يحرسنا معكم.
إننا كما لو كنا رعاة بالنسبة لكم، لكننا أيضًا في رعاية اللَّه، إذ نحن خراف زملاء لكم.
إننا معلمون بالنسبة لكم، لكننا بالنسبة للَّه فهو السيد الواحد.
إن أردنا أن يحرسنا اللَّه الذي تواضع من أجلنا وتمَّجد لكي يحفظنا، فلنتواضع نحن أيضًا فلا يحسب أحد نفسه أنه شيء. فإنه ليس لأحدٍ شيء صالح ما لم يكن قد أخذه من اللَّه الذي هو وحده صالح[26].
القديس أغسطينوس
“لأن اللَّه الذي قال أن يشرق نور من ظلمة،
هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد اللَّه،
في وجه يسوع المسيح” [6].
يتطلع الرسول بولس إلى التمتع بالاستنارة الداخلية بأنها عمل خلق لن يحققه أحد سوى اللَّه نفسه. يشير هنا إلى تكوين ٣:١ حيث قال اللَّه “ليكن نور” حين كانت الظلمة تغطي وجه الأرض فكان نور. هكذا يتطلع إلى قلوبنا التي سادتها ظلمة الجهالة ليشرق بنوره الإلهي عليها وتتمتع بالمعرفة السماوية، فتستنير وتنير الآخرين. أما قوله “في وجه يسوع المسيح” فإن هذه الاستنارة تتحقق بالمسيح، وفيه نتمتع بشركة مجده الإلهي، ونحمل بره وقداسته.
- أترون كيف يظهر بولس مجد موسى مشرقًا ببهاءٍ زائدٍ على الذين يريدون أن يروه؟ إنه يشرق في قلوبنا، كما أشرق على وجه موسى كقول بولس (خر 29:34-35). أولاً يُذكرهم بما حدث في بدء الخلقة (تك 3:1)، وبعد ذلك يٍظهر أن هذه الخليقة المتجددة هي أعظم[27].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- حيث أن الطبيعة الإلهية غير منظورة، وباقية على الدوام، تُرى ما هو عليه في ناسوت يسوع المسيح الذي يشرق بنورٍ إلهيٍ وتُرسل أشعتها[28].
ثيؤدورت أسقف قورش
- عندما قال الرسول: “اللَّه الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا” [6] يشير إلى القيامة. لقد أظهر أن هذه القيامة خروج من الحالة القديمة التي كانت على شبه الجحيم Sheol تسجن الشخص حيث لا يشرق نور الإنجيل عليه سريًا. تشرق هذه النسمة من الحياة خلال الرجاء في القيامة. بها يشرق فجر الحكمة الإلهية في القلب، حتى يصير الشخص جديدًا، ليس فيه شيء قديم[29].
القديس مار اسحق السرياني
- “إن لم تعرفي نفسك أيتها الجميلة بين النساء، فأخرجى على أثار الغنم، وارعي جداءك عند خيام الرعاة” (نش 1: 8)… هذا هو الطريق المؤكد لحماية نفسكِ، ويمكن التحقق من أن اللَّه قد وضعنا في مستوى أعلى بكثير من بقية المخلوقات. فلم يصنع السماوات على هيئته ولا القمر أو الشمس أو النجوم الجميلة أو أي شيء آخر تراه في الخليقة.
أنت وحدك قد خُلقت على مثال هذه الطبيعة التى تعلو فوق أي إدراك، على هيئة الجمال الأبدي وصورته، كما استقبلت البركات الإلهية الحقيقية، وختم النور الحقيقي، وستصير مثله عندما تنظر إليه. وعندما تقتدي به، هذا الذي يشرق في داخلك (2 كو 6:4) وينعكس نوره بواسطة طهارتك[30].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
في طقسنا المعاصر، قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد أو الفصح المسيحي، يُقرا الإنجيل الخاص بتفتيح عينيْ الأعمى في أحد التناصير، الأحد السابق لأحد الشعانين. وكأن العماد المقدس (التناصير) في حقيقته تفتيح لبصيرتنا الداخلية لمعاينة أسرار الحب الإلهي، فنقبل دخول المسيح نور العالم إلى أورشليمنا الداخلية لكي ننعم به بسرّ الفصح الحقيقي كسرّ استنارة يمس حياتنا الشخصية[31].
بهذا نفهم كلمات ربنا نفسه عن العماد المقدس، أنه بدونه لا نقدر أن نعاين ملكوت اللَّه (يو 3:3، 5)، أي بدونه لا تكون لنا البصيرة الداخلية المستنيرة التي تدرك ملكوت النور وتنعم به.
- يسمى هذا الاغتسال – أي المعمودية – استنارة، لأن الذين يتعلمون هذه الأمور تستنير افهامهم[32].
القديس يوستين
- تُغفر خطايانا بدواء عظيم، بمعمودية الكلمة.
إننا بالمعمودية نتطهر من جميع خطايانا، ونصير في الحال مُبرئين من الشر. وهي بعينها نعمة الإنارة حتى أننا لا نبقى بعد اهتدائنا (تغيير طريقنا) كما كنا قبل أن نغتسل، نظرًا إلى أن المعرفة تبزغ مع الاستنارة، وتضيء حول العقل، ونحن الذين كنا بلا معرفة أصبحنا على التو متعلمين. هذه المعرفة التي قد أنعم علينا بها…
لأن التعليم البديهي يقود إلى الإيمان، والإيمان يُلقَّن لنا بالروح القدس في المعمودية[33].
القديس اكليمنضس الاسكندري
- إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نُتبنى، وإذ نُتبنى نكمل… ويُدعى هذا الفعل بأسماء كثيرة اعني نعمة واستنارة وكمالاً وحميمًا… فهو استنارة إذ به نرى النور القدوس الخلاصي، أعني أننا به نشخص إلى اللَّه بوضوح[34].
- بثلاث غطسات ودعاء مساوٍ لها في العدد يتم سرّ المعمودية العظيم لكي يتصور رسم الموت وتستنير نفوس المعمدين بتسليم معرفة اللَّه[35].
القديس باسيليوس الكبير
- الاستنارة وهي المعمودية… هي معينة الضعفاء… مساهمة النور… انتفاض الظلمة.
الاستنارة مركب يسير تجاه اللَّه، مسايرة المسيح، أساس الدين، تمام العقل!
الاستنارة مفتاح الملكوت واستعادة الحياة…
نحن ندعوها عطية وموهبة ومعمودية واستنارة ولباس الخلود وعدم الفساد وحميم الميلاد الثاني وخاتمًا وكل ما هو كريم[36].
القديس غريغوريوس النزينزي
- المعمودية هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها!
المعمودية هي الطريق العظيم إلى بيت الملكوت، يدخل الذي يسير فيه إلى بلد النور!
هذا الثوب الذي لبسته يا إنسان داخل المعمودية سداه نور، ولحمته روح، وهو لهيب. لقد أعده لك الآب، ونسجه لك الابن، وأحاكه لك الروح. في داخل المياه نزلت ولبسته إلهيًا. لقد قدم الثالوث النار بالمعمودية ليحرق الإثم ولكي تحيا النفوس مع اللَّه[37].
مار يعقوب السروجي
“ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفيةٍ،
ليكون فضل القوة للَّه لا منّا” [7].
لماذا لا يكرز بولس والعاملون معه بأنفسهم؟ لأنهم مجرد أوانٍ خزفية، لا قيمة لها في ذاتها، إنما في الكنز الذي يحملونه ويكرزون به.
التعبير الأصلي ostrakinois يعني أوان من القواقع (الصدف) وهي هشة للغاية، وكما تحوي القوقعة سمكة في الداخل هكذا نحمل كلمة الحق في أعماقنا. أيضًا تحمل معنى الخزف الذي يصنع من التراب أو الطين وحرقه بالنار.
جاء في الأدب اليهودي إن أميرة ذهبت إلى الحاخام يشوع بن قانانيا Chananiah وقالت له: “يا لعظمة مهارتك في الشريعة! مع هذا يا لبشاعة منظرك! كيف تُلقى الحكمة في أناء دنئ؟” سألها الحاخام عن الأواني التي تحفظ فيها الخمر. أجابت أنها خزفية من التراب، تفعل مثلما يفعل عامة الشعب. قال لها أنه أليق بها كابنة للإمبراطور أن تحتفظ بخمرها في أوانٍ فضيةٍ. فعلت الأميرة هذا ففسد الخمر، وإذ سأل الإمبراطور عمن قدم لها هذه المشورة وعرف أنه الحاخام يشوع استدعاه. أخبره الحاخام بكل ما جرى بينه وبين الأميرة، وقال له بأن الحكمة لا تستودع في شخص وسيم مهتم بمظهره الخارجي فحسب وإنما في إنسان متواضعٍ كإناء ترابي[38].
- إنه الكنز الذي أُعطي لهم في هذه الحياة ليمتلكوه في داخل نفوسهم، الذي “صار لنا حكمة اللَّه وبرًّا وقداسةً وفداءً” [30]. فالذي وجد كنز الروح السماوي وامتلكه يتمم به كل برّ الوصية وكل تتميم الفضائل بنقاوةٍ وبلا لومٍ، بل بسهولة وبدون تغصبٍ.
لذلك فلنتضرع إلى اللَّه، ونسأله ونطلب منه بشعور الاحتياج، أن ينعم علينا بكنز روحه، لكي ما نستطيع أن نسلك في وصاياه كلها بطهارةٍ وبلا لومٍ، ونتمم كل برّ الروح بنقاوة وكمال، بواسطة الكنز السماوي، الذي هو المسيح[39].
القديس مقاريوس الكبير
- هل لانزال نجسر ونفتخر بالإرادة الحرة ونهين بركات اللَّه واهب العطايا إن كان الإناء المختار (بولس) يكتب بوضوح: “ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية ليكون فضل القوة للَّه لا منّا” (2 كو 4: 7)؟[40]
القديس جيروم
يرى القديس جيروم أن أثمن كنز موجود في أوانٍ خزفية هو كلمة اللَّه المخفية في كلمات الكتاب المقدس، أي في حروف اللغات البشرية[41].
- “لنا كنز في أوانٍ خزفية هكذا” (2 كو 4: 7). كثيرون يفسرون هذه العبارة الأخيرة بخصوص الجسد للروح، ليعني بالطبع أننا نقتني كنزًا في أوانٍ أرضية. يوجد هذا التفسير الأكيد، لكنني أظن أن الفهم الأفضل للكنز هو أنه لدينا أثمن كنز في أوانٍ خزفية رمزًا لكلمات الكتاب المقدس البسيطة[42].
- كل كلمة من الكتاب المقدس لها رمزها الخاص. هذه الكلمات البسيطة يتأملها الأشخاص في كل جيلٍ وهي تُغلّف معنى سريًا كاملاً… “ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية” [7]. لنا كنز إلهي من المعاني في كلمات عادية جدًا[43].
القديس جيروم
- يُظهر كل من عظمة الأمور الموهوبة مع ضعف الذين يستلمونها قوة اللَّه، الذي ليس فقط يهب أمورًا عظيمة، وإنما يعطيها أيضًا للضعفاء. يستخدم تعبير “أرضي (خزفي)” (2 كو 4: 7) كتلميحٍ عن ضعف طبيعتنا الميتة ولإعلان ضعف جسدنا. فإنه ليس بأفضل من الآنية التي سرعان ما تتحطم وتتدمر بالموت والمرض، بل وحتى بتغيير درجات الحرارة. تبرز قوة اللَّه جدًا عندما تحقق أعمالاً قديرة باستخدام أشياء تافهة ودنيئة[44].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- هنا نفهم من الكنوز (2 كو 4: 7)، كما في عبارات أخرى، كنز المعرفة والحكمة المخفية، ونفهم الأواني الخزفية أسلوب الكتب المقدسة المتواضع، الذي قد يحتقره اليونانيون، والذي فيه يظهر سمو قوة اللَّه بوضوح[45].
العلامة أوريجينوس
٤. آلام الخدمة والعون الإلهي
“مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين،
متحيرين لكن غير يائسين” [8].
أكد السيد المسيح لتلاميذه أنه في العالم سيكون لهم ضيق (يو ٣٣:١٦). وقد أحاط الضيق بالرسول بولس ومن معه في كل شيء: “مكتئبين في كل شيء” لكن لم يكن لكل هذه الضيقات أن تقف عائقًا أمام الرسول أو تحبس عمله، بل كانت بالنسبة له فرصة لاكتشاف إمكانيات اللَّه إله المستحيلات. فهو قادر أن يسند ويعين ويحول المرارة إلى عذوبة.
عبَّر الرسول عما حلْ به ومن معه هكذا:
أولاً: كانوا مكتئبين في كل شيء.
ثانيًا: متحيرين.
ثالثًا: مضطهدين [٩].
رابعًا: مطرودين.
ثلاثة من هذه التعبيرات كانت تستخدم في الصراعات الأسثموس Isthmus في كورنثوس والتعبير الرابع في سباق الجري.
جاء تعبير: “مكتئب” هنا في اليونانية ليصف من يسقط في يدي خصمه الذي يصارع ضده ولا يقدر أن يقاوم، فيبدو كمن عجز تمامًا عن تكملة المعركة.
وجاء تعبير “متحير” Aporoumenoi يصف من يقف في حيرة أمام قدرة خصمه المصارع ضده ومهارته مغلوبًا على أمره ولا يعرف ماذا يفعل.
هكذا يبدو الرسول بولس كمن في حلبة المصارعة قد سقط في يدي خصمه الذي كاد أن يفتك به، ووقف مذهولاً في حيرة كمن هو بلا خبرة أمام خصم قوي ومُدرب حسنًا. مع هذا كله لم يحل به الضيق ولا سقط في اليأس، لأنه حتمًا بالمسيح يسوع يقوم ويغلب وينال إكليل النصرة.
- هذا معناه أننا لم نسقط تمامًا… هذه الأمور يسمح بها اللَّه لتدريبنا وكنوعٍ من الاختبار[46].
- تحل الأحزان ليس فقط من الأعداء، بل حتى من أهل بيتنا ومن أصدقائنا. يسمح اللَّه بهذه الأمور لا لهزيمتنا بل لتأديبنا[47].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- ذاك الذي يحب المسيح، أي الكلمة، يتمثل به قدر المستطاع. هكذا لم يكف المسيح عن أن يصنع صلاحًا للبشر. إذ عومل بحقارة وجُدف عليه كان طويل الأناة ومات بواسطتهم. لقد احتمل دون أن يفكر شرًا في أحدٍ من الجميع. هذه الأمور الثلاثة هي أعمال محبة القريب. وفي غياب هذه الأمور من يقول أنه يحب المسيح أو يحمل ملكوته إنما يخدع نفسه[48].
الأب مكسيموس المعترف
- إن لم يحدث شيء من هذه الأمور لن تُعلن عظمة قوة اللَّه[49].
ثيؤدورت أسقف قورش
- ينقذنا اللَّه من الأحزان ليس حين لا نعود نصير في حزن (يقول بولس: “مكتئبين في كل شيء” كأنه لا يوجد وقت نكون فيه غير مكتئبين)، ولكننا لا نتحطم ونحن في حزننا، وذلك بمعونة اللَّه. بحسب استخدام اللغة الدارجة لدى العبرانيين “أن نكون مكتئبين” تعني ظروف حرجة تحدث لنا بغير اختيارنا، يغلب عليها الاكتئاب ونسقط تحت سلطتها. هكذا بحق يقول بولس: “مكتئبين في كل شيء ولكن غير محطّمين crushed”[50].
- بسبب هذه العطية الصالحة للمحبة أو الحب، لم يكن القديسون متضايقين في التجارب، ولا متحيرين تمامًا في شكٍ، ولا يهلكون عندما ينطرحوا. وإنما في اللحظات الحاضرة تعمل خفة تجاربهم لحسابهم لثقل المجد الأبدي بغير قياسٍ. هذه التجربة الحاضرة لا تُوصف على أنها إلى لحظات وخفيفة بالنسبة لكل أحدٍ، وإنما لبولس ومن هم على مثاله بنوالهم محبة اللَّه الكاملة في المسيح يسوع منسكبة في قلوبهم بالروح القدس (رو ٥:٥)[51].
العلامة أوريجينوس
- ينبغي علينا أن نعرف أن البشر جميعًا يجرّبون لأسباب ثلاث:
(أ) غالبًا لأجل اختبارهم (تزكيتهم).
(ب) وأحيانًا لأجل إصلاحهم.
(ج) وفى بعض الحالات بسبب خطاياهم.
1- فمن أجل اختبارهم، كما نقرأ عن الطوباويين إبراهيم وأيوب وكثير من القديسين الذين تحملوا تجارب بلا حصر.
2- ومن أجل الإصلاح، وذلك عندما يؤدب أبراره من أجل خطاياهم البسيطة (اللاإرادية) والهفوات، ولكي ما يسمو بهم إلى حال أعظم من النقاء، منقيًا إياهم من الأفكار الدنسة، وذلك كالقول “كثيرة هي بلايا الصديق” (مز19:34)، “يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولاتَخُرْ إذا وبَّخك. لأن الذي يحبُّهُ الربُّ يُؤَدّبهُ ويجلد كل ابنٍ يقبلهُ فأيُّ ابنٍ لا يؤَدبهُ أبوهُ. ولكن إن كنتم بلا تأْديبٍ قد صار الجميع شركاءَ فيهِ فأنتم نغول (أي أولاد زنا) لا بنون” (عب5:12-8)…
3- كعقاب من أجل الخطية وذلك كما هدّد الله بأن يُرسل أوبئة على بني إسرائيل (لشرهم) “أرسل فيهم أنياب الوحوش مع حُمَة زواحف الأرض” (تث24:32). وأيضًا في المزامير: “كثيرة هي نكبات الشرير” (مز10:32)، وفى الإنجيل جاء: “ها أنت قد بَرِئْت. فلا تخطئْ أيضًا لئَلاَّ يكون لك أَشَرُّ” (يو14:5)…
ينبغي للإنسان المستقيم ألا يكون عقله مثل الشمع أو أي مادة رخوة فيسهل تشكيله بما يُضغط عليه، فيُختم آخذًا شكل الختم إلى أن يأخذ شكلاً آخر عندما يُختم بختم آخر. وبهذا لا يبقى ثابتًا على شكله، بل يتغير ويتشكل متأثرًا بما يُضغط عليه. إنما يلزم أن يكون كالختم الحديدي الصلب، فيحتفظ العقل على الدوام بصلاحه وطهارته، خاتمًا شكله على كل شيء، مظهرًا علاماته عليها. وبهذا فإنه مهما حدث من الأمور لا تنزع عنه علاماته[52].
الأب ثيؤدور
“مضطهدين لكن غير متروكين،
مطروحين لكن غير هالكين”” [9].
تعبير “مضطهد” Diookomenoi هنا يشير إلى من فاته السباق وصار في المؤخرة وعاجز عن أن يلحق بالآخرين.
تعبير “مطروح” Kataballomenoi يخص المصارع وقد سقط ملقيًا على الأرض.
إن كان قد صار في مؤخرة سباق الجري عاجز عن اللحاق بمنافسيه أو طرحه العدو المصارع أرضًا، فبالمسيح يسوع يسبق الكل، ويقوم ليغلب ويُكلل.
- كان اللَّه معهم مثل راعٍ عندما كانوا في عوزٍ. كان يتطلع إلى اهتماماتهم حتى لا ينال أعداؤهم منهم شيئًا[53].
أمبروسياستر
- أما رئيس هذا العالم (الشيطان)، المسيطر حيثما وجد الضلال والاضطراب، فيبتعد عن إنسان تسود حياته السلام والترتيب الكامل ويسيطر عليها ابن اللَّه. فعندما ينشأ هذا السلام من الداخل ويثبت، فإن جميع الاضطهادات التي يثيرها رئيس هذا العالم من الخارج، لا تستطيع أن تهز شيئًا من ذلك البناء الداخلي، بل يؤدي قوة البناء من الداخل إلى فشل مكائد إبليس من الخارج. لذا أكمل الرب قائلاً “طوبى للمطرودين من أجل البرّ. لأن لهم ملكوت السماوات”[54].
القديس أغسطينوس
“حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع،
لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا” [10].
يتحدث الرسول عن آلامه المستمرة بكونها تطابق آلام المسيح، وكأن الرسول يشارك السيد المسيح آلامه، وأيضًا آلام المسيح يسوع تعمل في آلام المؤمنين الذين يحملون إماتة الرب يسوع في جسدهم، مقدمين مثلاً رائعًا لقبول آلام المسيح بفرحٍ واعلان قبول حياته فيهم.
من أجل الحق الإنجيلي كان الرسول يتوقع الموت مع كل لحظة من لحظات حياته. وكما أن المصارعين يحملون في أجسادهم أثار الجراحات والكدمات التي تلقوها من المنافسين ويفتخرون بها بعد نوال إكليل النصرة، هكذا يرى الرسول أثار الآلام علامة مجد، لأنها شركة مع المسيح في آلامه.
بحسب الفكر البشري يموت الرسول وتنتهي حياته، لكن إذ يعمل المسيح فيه يهبه حياة جديدة كل يوم، هي حياة المسيح العامل فيه.
- يشترك المسيح نفسه في موت الشهداء. آلامهم هي آلامه. حياته تطهّر أجسامهم. آلامهم هي شهادة للحقيقة أنهم معدون لنوال الحياة العتيدة التي وعد بها المسيح[55].
أمبروسياستر
- ما هو موت يسوع الذي حملوه معهم؟ إنه الميتات اليومية التي ماتوها، والتي بها ظهرت أيضًا القيامة. هذا سبب آخر للتجارب، وهي أن تُعلن حياة المسيح في أجسامنا البشرية. فما يشبه الضعف والعوز في الواقع يعلن قيامته[56].
- لاحظ هذا. تقول: إن هابيل قدم ذبيحة مقبولة (تك4:4)، بهذا كان متميزًا. لكن إن اختبرنا ذبيحة بولس نجدها تفوق تلك التي لهابيل كما تعلو السماوات عن الأرض. تسأل ماذا أعني؟ ببساطة قدم بولس ذاته ذبيحة يومية كاملة، وكانت تقدمته مضاعفة:
أولاً: كان يموت كل يومٍ (1 كو31:15 ).
ثانيًا: كان يحمل في جسده إماتة يسوع على الدوام (2 كو 10:4)، إذ كان دائمًا يواجه أخطارًا، وكان راغبًا في الاستشهاد، بإماتة جسده صار بالفعل تقدمة ذبيحية، بل وبالحق أكثر من ذبيحة! لأنه لم يقدم ذبيحة غنمٍ أو ماشيةٍ، بل تقدمة جسده ودمه كذبيحة يومية مضاعفة. لهذا تجاسر فقال: “أنا الآن اُسكب في ذبيحة” (2 تي 6:4)، داعيًا دمه تقدمة[57].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إذ لم نستعن بحياته الأصلية وسقطنا في الخطية، نزل هو إلى موتنا حتى إذ يموت للخطية نحمل في جسدنا موت يسوع فنتقبل حياته الأبدية. فإن هؤلاء الذين دومًا يحملون في جسدهم موت يسوع سينالون حياة يسوع أيضًا مُعلنة في أجسادهم[58].
- إن كان أحد وهو إنسان يميت الشهوات الإنسانية، فيميت بالروح أعمال الجسد، ويحمل دومًا في الجسد موت يسوع حتى يبلغ إلى مرحلة الطفل الصغير الذي لا يذوق الملذات الحسية ولا يكون له ادراك بالدوافع الخاصة بالبشر، مثل هذا يتحول ويصير طفلاً صغيرًا. وبقدر ما يعظم تقدمه يدخل بالأكثر في مرحلة الأطفال الصغار من جهة العواطف. وذلك إن قورن بالذين لهم تدرب دون تقدم عظيم في مرتفعات ضبط النفس، مثل هذا يكون الأعظم في ملكوت السموات[59].
العلامة أوريجينوس
لأننا نحن الأحياء نسلم دائمًا للموت من أجل يسوع،
لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت” [11].
نحن الذين في خطر الموت الدائم نحيا مقدمين حياتنا ذبيحة حب لحساب السيد المسيح الذي يتمجد فينا إذ يهبنا الحياة المقامة.
يعتقد العلامة أوريجينوس أن السيد المسيح بذاته، رب الشهداء، هو الشهيد الحقيقي الذي يعمل في حياة المؤمنين به. فقد عايش عهودًا عديدة من الاضطهاد، وأعلن أن المسيح، يسمح بالآلام للشهيد، إذ هو يتألم في شهدائه. ويمنح الشهيد النصرة، ويُلبسه الإكليل، ويقبل ذلك الإكليل في ذاته. ويدرك أن الإخلاص المطلق الذي للشهيد المسيحي يحمل في ذاته قوة إقناع قادرة أن تأتي بالوثنيين إلى رؤية الحق[60].
“إذا الموت يعمل فينا، ولكن الحياة فيكم” [12].
يقول: “نحن الرسل في خطر مستمر، نمارس الإماتة على الدوام، كمن هم موتى، أما الشعب فيتقبلون الإنجيل الذي يهبهم الحياة السماوية الجديدة”.
- يقول بولس هذا لأنه كان هو وتيموثاوس مهدّدين بالموت، فبسبب كرازتهما للأمم أثارا كراهية اليهود والأمم، وتعرضا لخطر الموت[61].
أمبروسياستر
- نحتمل موته لكي يظهر قوة حياته[62].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إن كنتم تصدقون أن بولس قد أُختطف إلى السماء الثالثة، وإلى الفردوس، حيث “سمع كلمات لا يُنطق بها، ولا يسوغ لإنسانٍ أن يتكلم عنها” (2 كو 2:12، 4)، فسوف تتيقنوا بالتالي أنكم ستتعرفون على أمورٍ أكثر وأعظم مما كُشف لبولس، والتي هبط بعدها من السماء الثالثة. أما أنتم فلن تهبطوا، إذا ما حملتم الصليب وتبعتم يسوع، رئيس كهنتنا، الذي اجتاز السماوات (عب 14:4). إن كنتم لا ترتدون عن إتباعه، فإنكم تجتازون السماوات، مرتفعين، لا فوق الأرض وأسرارها فحسب، بل وفوق السماوات وأسرارها أيضًا[63].
العلامة أوريجينوس
“فإذ لنا روح الإيمان عينه حسب المكتوب:
آمنت لذلك تكلمت،
نحن أيضًا نؤمن ولذلك نتكلم أيضًا” [13].
كما كتب داود: “آمنت لذلك تكلمت” (مز ١٠:١١٦) هكذا نحن نؤمن بأننا تقبلنا تحقيق الوعود الإلهية، وصار لنا حق التمتع بالخلاص الأبدي وشركة المجد مع المسيح. هذا ما نشهد عنه ونتكلم به.
ما آمن به رجال العهد القديم خلال إعلانات الروح هو ذات إيماننا، لكن ما نرجوه هو تمتعنا نحن به لذا لاق بنا أن نشهد له.
- يذكرنا بولس بالمزمور 10:116 الذي يذكرنا بالحكمة السماوية، ويناسب بالأكثر تشجيعنا أثناء المخاطر. نطق المرتل بهذه الكلمات عندما كان في خطرٍ عظيمٍ، ولم يكن هناك أي احتمال للَّهروب إلا بقوة اللَّه. في ظروف مماثلة يقول بولس إننا نحن الذين لنا ذات الروح سنتعزى أيضًا مثله. هكذا يظهر بولس أنه يوجد تناغم عظيم بين العهدين القديم والجديد. ذات الروح يعمل في كليهما. كان رجال العهد القديم في خطرٍ كما نحن أيضًا. ويليق بنا نحن أيضًا أن نجد مثلهم حلاً خلال الإيمان والرجاء[64].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- علاوة على هذا فإن شفيعنا، إذ أعلن لنا، أراد أن يظهر سرّ تجديدنا، ولكن بالنسبة لأبرار العهد القديم كان الأمر مخفيًا، مع أنهم هم أيضًا يخلصون بذات الإيمان الذي أُعلن في حينه. فإننا لا نجسر أن نفضل مؤمني عصرنا عن أصدقاء اللَّه الذين بهم قُدمت هذه النبوات، حيث أن اللَّه أعلن عن نفسه أنه إله إبراهيم، وإله اسحق، وإله يعقوب، معطيًا لنفسه هذا الاسم أبديًا… فكما أنهم آمنوا بتجسد المسيح الذي كان سيحدث حين كان مخفيًا، هكذا نحن أيضًا نؤمن بأن هذا قد حدث[65].
- قبل مجيئه في الجسد آمنوا أنه سيأتي في الجسد. إيماننا هو بعينه كإيمانهم، حيث آمنوا بأن هذا سيحدث، أما نحن فنؤمن بأن هذا قد حدث[66].
القديس أغسطينوس
“عالمين إن الذي أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضًا بيسوع،
ويحضرنا معكم” [14].
وسط هذه الآلام التي حولت حياة الرسل إلى إماتة دائمة تشرق عليهم قيامة المسيح فيتمتعون بعربون القيامة معه. لم يخفِ الرسل الموت، إذ حسبوه طريق القيامة المفرح، به يعبرون مع المسيح وبالمسيح إلى المجد.
- الذي أقام يسوع من الأموات سيقيمنا نحن أيضًا (2 كو 4: 14) إن فعلنا إرادته وسلكنا في وصاياه وأحببنا ما يحبه، ممتنعين عن كل شرٍ وطمعٍ ومحبة مالٍ وكلامٍ شرير وشهادة زور[67].
القديس بوليكاربوس
- مرة أخرى يملأ بولس أهل كورنثوس بالأفكار السامية حتى لا يشعروا أنهم مدينون بشيء للرسل الكذبة[68].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- اعتقد بولس أنه قد صار خلال عمل المسيح هو والمؤمنون أعظم من الموت، وأنهم جميعًا سيُحضرون أمام كرسي الحكم الرهيب(2 كو 4: 14)[69].
ثيؤدورت أسقف قورش
“لأن جميع الأشياء هي من أجلكم،
لكي تكون النعمة وهي قد كثرت بالأكثرين
تزيد الشكر لمجد اللَّه” [15].
يقصد بجميع الأشياء هنا خبرة الألم والموت اليومي والتمتع بعربون القيامة والحياة الجديدة، كل هذه الخبرات التي يعيشها الرسل مقدمة للشعب. الألم في حياة الخدام هو الطريق الحي لكسب نفوس جديدة وبنيان المؤمنين ونموهم الروحي.
- لا يريد اللَّه أن يُستبعد أحد من عطيته. لكن لأنه ليس كل أحدٍ قد استلم كلمة الإيمان، لهذا فإن رسول اللَّه الذي عرف إرادة اللَّه لم يخفْ من احتمال الاضطهادات والمخاطر مادام يستطيع الكرازة لكل واحدٍ بإيمان حتى يؤمن أناس أكثر[70].
أمبروسياستر
- لم يقم اللَّه المسيح من الأموات من أجل شخصٍ واحدٍ فقط بل لنفعنا نحن جميعًا[71].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لذلك لا نفشل،
بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى،
فالداخل يتجدد يومًا فيومًا” [16].
لن يتسلل اليأس إلى حياتنا، لأنه من الخارج يشيخ الجسد بحواسه ويفنى خاصة خلال الآلام والتجارب، لكن النفس في الداخل التي لا يراها أحد تتجدد طبيعتها، وتتقبل النور الإلهي والحياة الجديدة، فتتمتع بالحياة المقدسة المطوِّبة وتتجدد يومًا فيومًا. بينما يشيخ الجسد تتمتع النفس بالحداثة أكثر فأكثر.
- بدأ تجديد البشرية في جرن المعمودية المقدس، ويتقدم تدريجيًا ويتم بأكثر سرعة في بعض الأفراد وأكثر بطئًا في آخرين. لكن كثيرين يتقدمون نحو الحياة الجديدة، إن لاحظنا الأمر بأكثر دقة وبدون تحيّزٍ. وكما يقول الرسول: “وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيومًا” (2 كو 4: 16). إنه يقول إن الإنسان الداخلي يتجدد يومًا فيومًا حتى يصير كاملاً، لكن يلزمكم أن تسمحوا له بالبدء في الكمال فهل تشتهون بالحق ذلك؟ لكنكم تسعون أن تقودوا الغافلين في ضلال لا أن ترفعوا الضعفاء[72].
- الإنسان ليس جسدًا وحده، وليس نفسًا وحدها، بل هو كائن يتكون من كليهما. هذا بالحق حقيقة، أن النفس ليست هي الإنسان كاملاً ولكنها الجزء الأفضل منه، ولا الجسم هو الإنسان كله، لكنه الجزء الأقل، وعندما يرتبط الاثنان معًا يحملان اسم الإنسان. على العكس عندما يكون الإنسان حيًا والجسم والنفس متحدين يُدعى كل منهما باسم “الإنسان” فنتحدث عن النفس انها “الإنسان الداخلي”، والجسم “الإنسان الخارجي”، كما لو كانا اثنين وإن كانا هما معًا بالحق إنسانًا واحدًا[73].
القديس أغسطينوس
- في أوقات الاضطهاد تتقدم النفس. تضيف في كل يوم شيئًا أكثر إلى خبرتها للإيمان. حتى إن حلّ دمار بالجسم فإنه يبلغ به إلى الخلود خلال استحقاق النفس[74].
أمبروسياستر
- ينحل الجسم بجَلده واضطهاده، ولكن الإنسان الداخلي يتجدد بالإيمان والرجاء والإرادة المتطلعة إلى قدام التي تشجع الذين في شدةٍ. لأن رجاء النفس يتناسب مع آلام الجسم[75].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- لن يدعوها جميلة ما لم يرَ صورتها تتجدد يومًا فيومًا[76].
العلامة أوريجينوس
- الإنسان الذي له اهتمام أفضل في قلبه سيهتم بصفة خاصة بنفسه ولا يكف عن احتمال أية آلام تحفظه بلا دنس ويكون صادقًا مع نفسه.
إن هزل جسمه من الجوع أو بجهاده مع الحر والبرد، أو أصيب بمرضٍ أو عانى من عنفٍ من أحدٍ، فإنه لا يبالي كثيرًا بهذا، بل يتجاوب مع كلمات بولس فيقول في كل مصائبه: “وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدد يومًا فيومًا“…
وإن كان يجب أن يترفق الإنسان بجسمِه كأمرٍ ضروري للنفس، فقط بالقدر الذي يحفظه به ويكون نشيطًا برعاية معتدلة لخدمة النفس[77].
القديس باسيليوس الكبير
“لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبديًا” [17].
يرى الرسول إن الضيق يعمل لحساب تمتعه بالسماء، وأنه حتمًا سيزول لأنه وقتي. لنحرص على استغلاله، لأنه يقدم لنا ثقل مجدٍ أبديٍ. ليس من موازنة بين آلام زمنية أرضية وأمجاد خالدة أبدية سماوية. إن قورنت الآلام بكل ثقلها واستمرارها مع الزمن بالمجد المعد لنا تُحسب وقتية وهينة.
يقابل الرسول الآلام بالأمجاد، الأولى حاضرة والثانية مستقبلية، الأولى مؤقتة والثانية خالدة، الأولى خفيفة للغاية والثانية تمثل ثقلاً عظيمًا.
- لو لم يكن لنا خصوم لما كانت توجد معركة ولا مكافأة مخصصة للمنتصرين، ولًما قُدم لنا ملكوت السماء. “خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبديًا” (2 كو 4: 17). ولَما كان لأحدٍ منّا رجاء في المجد العظيم في الحياة العتيدة نتيجة الصبر في الضيقات المحتملة[78].
- لم يكن بالأمر الهيّن الحزن المؤقت لكل أحدٍ، إذ لهم المحبة الكاملة للَّه في المسيح يسوع بالروح القدس منسكبة في قلوبهم[79].
العلامة أوريجينوس
- يقول بولس أن أحزاننا الحاضرة خفيفة إذ تحدث في حدود زمنٍ ما ومكانٍ معين. مقابل هذا التعب الهيّن نقتني المجد بدرجةٍ تفوق كل قياسٍ[80].
أمبروسياستر
- نرى الرسول المبارك يثبت أنظاره بسهولة على عظمة المكافأة العتيدة، مستهينًا باضطهاداته غير المحصية، قائلاً: “لأن خفَّة ضيقتنا الوقتيَّة تنشئُ لنا أكثر فأكثر ثقلَ مجدٍ أبديًّا” (2 كو 17:4). هذا ما يؤكده في موضع آخر قائلاً: “فإني أحسب آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلَن فينا” (رو 18:8). هكذا مهما بلغ جهاد الضعف الإنساني، لن يبلغ (بذاته) إلى المكافأة المقبلة. ووجود جهاده لا ينفي عن النعمة الإلهية كونها مجانية[81].
الأب شيريمون
- هكذا طريق الصالحين فوق الكل، عندما يحتملون شيئًا من أجله، غير مبالين بمظهر ما يحدث بل يفهمون العلة وراء ذلك، فيحتملون كل شيء برباطة جأش.
هكذا عرف بولس معلم الأمم السجن والمحاكمات والمخاطر اليومية، كل هذه المصاعب الكثيرة التي لا تُحتمل، كأحمالٍ هينّة. ليس لأن هذه كانت هكذا بالحقيقة في طبيعتها، وإنما بسبب ما تنتجه من ورائها من اتجاه فيه لا يعود يرجع لمواجهة هذه التهديدات التي تحل به. لتصغِ بعد هذا كله إلى قوله: “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبديًا” (2 كو 17:4). فتوقع المجد المعين لنا لنواله – كما يقول – بالمتعة غير المنقطعة يجعلنا نحتمل المتاعب واحدة فواحدة بغير صعوبة، ونحسبها كلا شيء. أترون كيف أن حب اللَّه يخفف من كثافة المتاعب وينزع عنّا أي إحساس بها حين تحل بنا؟ حتمًا بسبب هذا احتمل هذا الطوباوي كل شيء برباطة جأش مستندًا على الإيمان والرجاء باللَّه[82].
- كان القديس بولس من أنبل الرجال ومثالاً واضحًا لسمو الطبيعة البشرية وإمكانياتها (خلال النعمة) في الفضيلة. خلال حديثه عن شخص السيد (المسيح) وحثٌنا على الفضيلة أدان (بولس الرسول) المنادين بفساد الطبيعة البشرية، وأبكم أفواه الناطقين بالافتراءات، مؤكدًا أن الفرق بين الملائكة والبشر طفيف جدًا إن أرادوا الوصول إلى درجة الكمال.
لم تكن طبيعة بولس الرسول تختلف عن طبيعتنا؛ ولا نفسه مختلفة، ولا عاش في عالمٍ آخرٍ، بل سكن في نفس العالم والمدينة وخضع لنفس القوانين والعادات، لكنه فاق في الفضيلة كل البشر في الماضي والحاضر. الآن، أين هؤلاء المعترضون على صعوبة الفضيلة وسهولة الخطية؟ فهذا الرجل يدينهم بكلماته: “لأن خفة ضيقاتنا الوقتية تُنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجدٍ أبدىٍ” (2 كو 17:4). فإن كانت ضيقاته محتملة وخفيفة فكم بالأحرى ضيقاتنا التي إن قارنتها بها صارت كلا شيء أو مجرد لذٌات؟[83]
- حجم الأخطار التي واجهها ساعدت على زيادة النقد الموجه ضده، وجعلت النقاد يتشككون أن عظمته نابعة من قوة ما خارقة… سُمح له بالتألم حتى تدرك أنت أن طبيعته كانت مثل أي شخص آخر ولكن قوة إرادته جعلته ليس فقط إنسانًا فوق العادة ولكن صار كواحدٍ من الملائكة. بمثل هذه الروح وهذا الجسد تحمل ميتات كثيرة مستخفًا بالأشياء الحاضرة والمستقبلة وجعلته ينطق بهذه الكلمات الرائعة التي ظنها الكثيرون شبه مستحيلة: ” فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل اخوتي أنسبائي حسب الجسد” (رو3:9)[84].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى،
بل إلى التي لا تُرى،
لأن التي تُرى وقتية،
وأما التي لا تُرى فأبدية” [18].
الآلام زمنية يمكن للحواس إدراكها، فالعين الطبيعية ترى ما يحل بالإنسان من ضيقات، خاصة التي تصيب الجسم، إما الأمجاد فروحية سماوية تخص شركتنا مع اللَّه غير المنظور.
- يقول بولس أن الذين يشتاقون إلى السماويات يحتقرون أمور هذا العالم، لأنه بمقارنته بما يشتهونه تكون هذه كلا شيء[85].
أمبروسياستر
- ستكون أحزاننا الحاضرة تافهة ومستقبلنا مجيدًا إن حوّلنا نظرنا عن المنظورات، وركزنا على الروحيات عوضًا عنها.
أي عذر نقدمه إن اخترنا الأمور الوقتية عوض الأبدية؟
حتى إن كان الحاضر فيه متعة، فإنه لن يدوم، بينما الحزن الذي يسببه يدوم. لا يمكن للذين يتمتعون بعطيةٍ عظيمةٍ هكذا أن يتذللوا ويسقطوا أمام أمور هذه الأرض[86].
- تأملوا أيها الأحباء الأعزاء أن متاعب الحياة، حتى إن كانت قاسية، فإنها لمدة قصيرة الأمد، أما الصالحات التي تحل بنا في الحياة العتيدة فهي أبدية وباقية… لهذا ليتنا نحتمل ما يعبر دون شكوى، ولا نكف عن الجهاد في الفضيلة حتى نتمتع بالصالحات الأبدية والباقية إلى الأبد[87].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إن كنت تطلب الأمور الوقتية تصلي علانية وببابٍ مفتوحٍ.
إن كنت تطلب الأمور الأبدية تكون صلاتك سرية، إذ تشتهي نوال لا الأمور التي تُرى بل التي لا تُرى[88].
قيصريوس أسقف جبالة
- لنحتمل التقدم بجلدٍ كاملٍ واحتمالٍ دون دهشة أو اضطراب، غير مبالين بالضيقة بل ما نقتنيه منها. هذا التحول كما ترون هو روحي.
يميل الناس إلى تحقيق مكاسب المال والانشغال بمعاملات هذه الحياة لزيادة ثروتهم بطريق معرض لخطرٍ عظيم في البر والبحر (فيليق بهم أن يضعوا في اعتبارهم تصرفات قُطّاع الطرق وقراصنة البحر)، ومع ذلك فهم مستعدون أن يقبلوا كل شيء بحماسٍ عظيمٍ، غير مبالين بالمتاعب وذلك خلال توقعهم للمكاسب. بنفس الطريقة يلزمنا أن نحفظ ذهننا على الثروة والغنى الروحي اللذين ننالهما من هذا. يليق بنا أن نفرح ونبتهج، دون اعتبارٍ لما يُمكن أن يُرى، بل مالا يمكن أن يُرى، كنصيحة بولس: “غير ناظرين إلى ما يمكن أن يُرى“[89].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يقول داود في شخص الرب: “اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنكِ وانسَي شعبكِ وبيت أبيكِ” (مز 10:45)، فالذي يقول “اسمعي يا بنت” بالتأكيد هو أب… ذاك الذي يطلب منها أن تترك شعبها (عاداتها القديمة) وبيت أبيها، وهذا يحدث بالموت مع المسيح عن هذا العالم. وكما يقول الرسول: “ونحن غير ناظرين إلى الأشياءِ التي تُرَى بل إلى التي لا تُرَى، لأن التي تُرَى وقتيَّة، وأما التي لا تُرَى فأبديَّة” (2 كو 18:4). محوّلين عيوننا عن هذا المسكن الزمني المنظور، رافعين عيون قلوبنا نحو الأمور الأبدية النافعة لنا. هذا يُمكِّننا النجاح فيه عندما لا نضاد اللَّه ونحن في هذه الحياة، معلنين بتصرفاتنا وأعمالنا عن طريق الحق الذي يقول عنه الرسول الطوباوي: “فإن سيرتنا نحن هي في السموات” (في 20:3).
- إذ ننبذ كل أخطائنا نصعد إلى مرتفعات النوع الثالث أيضًا حيث نسمو لا علي مجرد الأشياء التي في هذا العالم أو التي تخص البشر، بل نسمو علي العالم كله الذي هو حولنا والذي يبدو مجيدًا، ناظرين إليه بقلبنا وروحنا أنه باطل وسريع الزوال، فنتطلع إليه كقول الرسول: “ونحن غير ناظرين إلى الأشياءِ التي تُرَى، بل إلى التي لا تُرَى. لأن التي تُرَى وقتيَّة، وأما التي لا تُرَى فأبديَّة” (2 كو 18:4)[90].
الأب بفنوتيوس
- أبغضهم العالم لأنهم ليسوا من العالم (يو ١٤:١٧). فإنه أبغضنا منذ صرنا لسنا بعد غير ناظرين إلى الأمور التي تُرى بل إلى الأمور التي لا تُرى، بسبب تعليم المسيح، ليس (أننا) لسنا من عالم السماء والأرض وأولئك الذين منهما مندمجين معًا، بل لسنا من البشر الذين على الأرض وهم في رفقتنا[91].
- يعلمنا بولس الرسول أن الأشياء غير المنظورة تُفهم خلال الأمور المنظورة. وأن الأشياء غير المرئية تُري خلال علاقتها وشبهها بالأشياء المرئية. وهكذا يظهر أن العالم المنظور يعلمنا عن العالم غير المنظور، وأن هذا المشهد الأرضي يحوي نموذجًا معينًا للأشياء السماوية. هكذا يمكننا أن نصعد من الأمور السفلية إلى العلوية، وأن ندرك ونفهم مما نراه على الأرض الأمور التي تخص السماء[92].
العلامة أوريجينوس
- أن تقول بأن السماء والأرض وبقية محتويات الخليقة صارت من العدم، أو كما يقول الرسول من الأشياء التي لا تُرى، هذا لا يهين صانع المسكونة، فإننا نعرف من الكتاب المقدس أن كل هذه الأشياء ليست منذ الأزل ولن تبقى إلى الأبد[93].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
من وحي 2 كو 4
هب لي أن استعبد نفسي،
فاقتني بالحب الكثيرين!
- كيف يمكن للضيق أن يحطمني؟
كيف يمكن للفشل أن يطرق بابي؟
صرت يا خالق الكل عبدًا،
وبآلامك وصلبك فتحت الباب للكل.
هب لي وسط آلام أن أشاركك آلامك.
استعبد نفسي بالحب للكثيرين،
واشتهي أن اقتني بنعمتك كل نفسٍ بشرية!
- روحك القدوس يهبني القداسة،
فأسلك بلا لوم!!
ولا يقدر للغش أن يعبر بي.
أنت الحق الحقيقي،
اقتنيك فأفكّر بالحق وانطق به وأشهد له وأحياه.
- ليشرق نورك في داخلي،
فاعكسه على اخوتي،
حتى وإن صار مكتومًا بالنسبة للمقاومين.
عدوّ الخير يفسد أعينهم،
فيظنّوا نورك فيَّ ظلمة.
- أتمتع ببهاء أيقونتك في أعماقي،
فأكرز لحساب ملكوتك لا لمجدي!
أنا عبد لهم ومعهم من أجلك،
لتملك في قلبي وقلوبهم.
تُقيم ملكوت النور في داخلي،
فأنعم بإنارة معرفتك.
لن يحل بي ليل الجهالة،
بل أبقى في نهار معرفتك أبديًا!
- أنا تراب ورماد،
لم تحتقرني، بل أقمت منّي إناءً خزفيًا.
أحملك في داخلي يا أيها الكنز الفريد.
- لأدخل بك ومعك الطريق الضيق،
لتحل الأحزان،
لكنك تحوّل أحزاني إلى أفراح لا تنقطع.
إن طرحني العدو،
تحملني بذراعيك إلى أحضان حبك.
لن تتركني أهلك!
بل تهبني عِوض الموت شركة الحياة الجديدة.
- لأحمل الإماتة معك، فأتمتع ببهجة قيامتك،
لأمت كل يوم فأحيا بك.
اختبر مع اخوتي قوة قيامتك.
- ليُغنّي إنساني الخارجي،
فمع كل إماتة له اختبر تجديدًا في الداخل.
ليعبر جسدي في الضيق الزمني.
سيعبر لينعم جسدي مع نفسي بشركة المجد.
المجد لك يا من رفعت قلبي إلى السماء!
المجد لك يا من حوّلتَ ضيقي إلى خبرة السماء!
[1] CSEL 81:220.
[2] In 2 Cor. Hom. 8:1.
[3] الحب الرعوي، 1965، ص 654.
[4] الحب الرعوي، 1965، ص 655.
[5] PG 82:399.
[6] On Perfection.
[7] On Virginity, 12.
[8] Sermons on New Testament Lessons, 4:1.
[9] Pauline Comm. From the Greek Church.
[10] In 2 Cor. Hom. 8:2.
[11] In 2 Cor. Hom 8:2. PG 61:493.
[12] Theophylact. PG 124:236A.
[13] Comm. On John, book 1, ch. 8.
[14] Comm. On John, book 1, ch. 9:24.
[15] Pauline Comm. From the Greek Church.
[16] PG 82:399.
[17]Paedagogus 2;4.
[18] Theological Orations 4:20.
[19] Homily 6 on Psalm 66 (67) (FC 48:45).
[20] On Prayer 25:1.
[21] Pauline Comm. From the Greek Church.
[22] CSEL 81:222.
[23] In 2 Cor. Hom. 8:3.
[24] In Ephes., hom 22.
[25] On the Christian Model of Life (FC 5:147).
[26] الحب الرعوي، 1965، ص 136-137.
[27] In 2 Cor. Hom. 8:3.
[28] PG 82:402.
[29] Ascetical Homillies, 37.
[30] Commentary on Song of Songs, Homily 2.
[31] راجع كتابنا: الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر، 1981، ص 82-83.
[32] Apology 1:16.
[33] Kay’s Writings of Clement of Alexandria, p437.
القمص باخوم المحرقي (أنبا غريغوريوس حاليا): القيم الروحية.. في سرّ المعمودية، ص 47.
[34] Paed. 1:6.
[35] On The Holy Spirit 15.
[36] للمؤلف: الحب الإلهي ص 855-856.
[37] ميمر عن المعمودية المقدسة.
[38] Adam Clarke Commentary
[39] Sermon 18:1,2.
[40] Against the Pelagius 3:9.
[41] Cf. On. Ps, hom. 11.
[42] Homily 11 on Ps. 77 (78) (FC 48:84).
[43] Homily 20 on Ps. 90 (91) (FC 48:160).
[44] In 2 Cor. Hom. 8:3.
[45] Commentary on John, 4:2
[46] In 2 Cor. hom 9. PG 61:498.
[47] In 2 Cor. Hom. 9:1.
[48] The Four Hundred Chapters on Love, 55.
[49] PG 82:4-2
[50] On Prayer 30:1.
[51] The Song of Songs, Comm. Prologue 2.
[52] للمؤلف: يوحنا كاسيان، 1998، ص 162-164,
[53] CSEL 81:224.
[54] الموعظة على الجبل، 1: 2: 9.
[55] CSEL 81:225.
[56]In 2 Cor. Hom. 9:1.
في مديح القديس بولس، عظة 1.[57]
[58] Commentary on John, 1:35.
[59] Commentary on Matthew, 13:16.
[60] Rowan A. Greer: Origen, Paulist Press, 1979, p.5.
[61] CSEL 81:225.
[62] In 2 Cor. Hom. 9:1.
[63] Exhortation to Martyrdom, 17.
[64]In 2 Cor. Hom. 9:2.
[65] Letters to Dardandus, 186:34 (FC 30:248-49).
[66] Letters to Optatus 190 (FC 30:274).
[67] Ep. To the Philippians, 2.
[68] In 2 Cor. Hom. 9:2.
[69] PG 82:403.
[70] CSEL 81:226.
[71] In 2 Cor. Hom. 9:2.
[72] The Way of Life of the Catholic Church 1:35:80.
[73] The City of God, 13:24.
[74] CSEL 81:227
[75] In 2 Cor. Hom. 9:2.
[76] The Song of Songs, Comm., Book 4:14. (ACW)
[77] Homily 21 on Detachment.
[78] In Num. Hom. 14:2.
[79] Comm. On the Song of Songs.
[80] CSEL 81:227.
[81] Cassian: Conference 13:13.
[82] Homilies on Genesis 25:17.
في مديح القديس بولس، عظة 2.[83]
في مديح القديس بولس، عظة 6.[84]
[85] CSEL 81:228.
[86] In 2 Cor. Hom. 9:3.
[87] Homily on Genesis 25:24 (FC 82:143).
[88] Sermon 146:3. (FC 47: 310-11).
[89] Homily on Genesis 63:20.
[90] Cassian: Conferrencws, 3:6, 10.
[91] Commentary on Matthew, 13:20.
[92] The Song of Songs, Comm., Book 3:12. (ACW)
[93] Against Eunomius, 1:26.