تفسير كورنثوس الثانية 2 – الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الثانية 2 – الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي
الباب الثاني
مفهوم الخدمة
ص 2 – ص 5
مفهوم الخدمة
قدم لنا الرسول في هذه الإصحاحات المفهوم الإنجيلي للخدمة وطبيعتها:
أ. يطلب توبة الخطاة لا حزنهم (ص 2). لقد أجّل الرسول زيارته لهم لكي لا يراهم حزانى. كما أظهر الحب لمن سبق فأدبّه (5:2-11). كان في رسالته الأولى حازمًا بالنسبة لمن أراد الزواج بامرأة أبيه. الآن إذ قدم الشاب توبة صادقه بعد عزله من الكنيسة طلب الرسول عودته بمحبةٍ شديدةٍ حتى لا يبتلعه الحزن المفرط (7:2). اتسم بحزمه الشديد ضد الخطية، وحبه الفائق للتائبين مهما كانت خطاياهم. لقد أظهر رائحة المسيح للجميع (12:2-17).
ب. يقدم خدمة العهد الجديد (ص 3). خدمته ليست شكليات، يقدمها معلم لتلاميذه، إنما هى خدمة حب. يحمل تلاميذه في قلبه، فيصيرون رسالته المقروءة من جميع الناس. يقرأ الكل قلب بولس، فيجدون النفوس التي خدمها المسيح منقوشة بالروح القدس الحي في أعماقه! لا فضل للرسول فيها، إنما هى انعكاس لمجد الله الذى يسكب بره في مجدٍ على مخدوميه. خدمة العهد الجديد هى دخول في المجد الأبدي، ولا وجه للمقارنة بين بهاء مجد برّ المسيح ومجد وجه موسى الزائل.
- خدمة الروح لا الحرف (1:3-3). لم نعد تحت ظلال الناموس ولا نترقب الرموز والنبوات (18:3).
- خدمة مجيدة (4:3-11).
- خدمة بلا برقع (12:3-17).
ج. خدمة الرجاء بروح القوة بلا فشل (ص 4): “كما رُحمنا لا نفشل” (4 :1). يقدم خبرة مراحم الله معه، فقد كان قبلاً أعمى الذهن، فأناره إنجيل مجد المسيح. هكذا لا يقدم الرسول نفسه بل نور معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح (6:4).
إنها خدمة الضيق حتى الموت لكن بلا يأس: “حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا”. (10:4)
يقدم للموتى خدمة القيامة المستمرة التي اختبرها ولا يزال يذوقها كل يوم. “وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدد يومًا فيومًا”. (16:4)
د. خدمة سماوية (1:5-10): “لنا في السموات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيدٍ، أبدي”. (1:5)
ه. خدمة تجديد خلال الإماتة: “إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا”. (17:5)
و. خدمة مصالحة: “إذا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله”. (20:5)
الإصحاح الثاني
الرعاية والاصلاح
في هذا الإصحاح يفتح الرسول قلبه أمام أهل كورنثوس ليدركوا مدى حبه لهم [١-٤]. قدم أحد أسباب تأجيل زيارته لهم وهو أنه قد لمس حزن الجميع على الشخص الساقط في الزنا. في محبته لم يرد أن يزورهم في هذا الجو المحزن، لكن إذ تاب الرجل يفرح الكل به ويحضر هو ليشارك فرحهم بتوبته.
يعتصر قلب الرسول حقًا، ويطلب أن تشاركه كل الكنيسة هذه المشاعر فيتوسل إليهم أن يمَّكنوا له المحبة حتى يدرك الساقط أن حزنهم لم يكن نابعًا عن انتقام أو كراهية بل هو حب لخلاص نفسه [٥-١١].
ها هو قادم ليبشرهم بأعمال الله العجيبة معه، فقد فُتح أمامه باب للعمل الكرازي، وفاحت رائحة المسيح الذكية لخلاص الكثيرين [١٢-١٧].
١. فرحي هو فرح جميعكم ١-٤.
٢. شفاعته في الساقط التائب ٥-١١.
٣. انفتح لي باب في الرب ١٢-١٧.
١. فرحي هو فرح جميعكم
شهوة قلب الرسول ألا يزورهم وقت حزنهم، لأن حزنهم هو حزن له، وفرحهم هو فرح له. وأيضًا ما يحل به من فرحٍ أو حزنٍ إنما يحل بجميعهم. لقد أحزنهم حين وبخهم على تهاونهم مع القائد الساقط في الزنا، وإذ استجابوا إلى طلبته وحزنوا يود أن يحضر إليهم بعد أن يفرحوا بتوبته، ويتهللوا بعمل الله معه، فتصير الكنيسة أيقونة السماء المتهللة برجوع الخطاة.
في أبوته يعلن عن عجزه عن الحضور إليهم بينما هم وهو أيضًا في حزن، إذ يقول:
“ولكني جزمت بهذا في نفسي،
أن لا آتي إليكم أيضًا في حزنٍ” [1].
ولعل الرسول هنا يكشف عن مشاعر حبه، فقد سجل رسالته الأولى في الكثير من الحزم مما سبب حزنًا ولو لقليلين، وربما تعثر بعض الضعفاء فيه بسبب حزمه. الآن يود إن يكشف عن حنوه الأبوي ولطفه حتى إن وبخ وأدب، وأنه لا يحتمل أن يراهم في حزنٍ.
- كان بولس يخشى لئلا إذ ينتهر قلة يسبب ألمًا لكثيرين، لأن كل أعضاء الجسم تتألم مع ألم واحدٍ منها[1].
أمبروسياستر
“لأنه إن كنت أحزنكم أنا،
فمن هو الذي يفرحني إلا الذي أحزنته؟!” [2]
لم يرد أن يزورهم قبل التوبة لئلا يستخدم سلطانه الرسولي لتأديب العصاة مما يسبب حزنًا جماعيًا، بينما يود أن يسود الكنيسة روح التعزيات والفرح.
- اترك صلواتك وانتهره، فإنك تصلح من أمره وأنت أيضًا تنتفع. هكذا نحن نسند الكل لكي يخلصوا ويبلغوا ملكوت السماوات بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح[2].
- الاهتمام الخاطئ في استرضاء الغير فحسب هو خيانة ضد خلاص الراعي وخلاصهم[3].
- إني أفضل أن أكون في أعينكم إنسانًا متكبرًا لا يمكن التفاهم معه عن أن أترككم تفعلون ما لا يرضي الله[4].
- إني ملتزم بوعظكم وعلى وجه الخصوص استخدام التوبيخ معكم. فكما تذيب النار الشمع هكذا يلين الخوف من العقوبات قلوب الخطاة[5].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إنه لأمر مخجل أن المرضى جسديًا يثقون ثقة عظيمة في الأطباء حتى إذا قطعوا أو حرقوا أو سبّبوا آلامًا سبب أدويتهم المرة، ويتطلعون إلى هذه الأمور كإحسانات، بينما لا نحمل ذات الاتجاه نحو أطباء نفوسنا عندما يقدمون صونًا لخلاصنا بالتأديب الشاق. على أي الأحوال يقول الرسول: “لأنه إن كنت أحزنكم أنا، فمن هو الذي يفرحني إلا الذي أحزنته؟!” [2]… هذا يليق بمن ينظر إلى النهاية، فيحسب ذاك الذي يسبب لنا ألمًا حسب الرب مُحسنًا[6].
القديس باسيليوس الكبير
سبق فأعلن الرسول بولس في رسالته الأولى عن ضرورة حزن الكنيسة من أجل الخطاة. تظل الكنيسة، مع رأسها ربنا يسوع، في حزنٍ حتى يعود الخطاة إلى إلههم ويخضعوا للآب. ويعلق العلامة أوريجينوس على الكلمات، “وأقول لكم إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي” (مت29:26)، بقوله إن الخمر في الكتاب المقدس يرمز إلى الفرح الروحي. لقد وعد الله شعبه أنه سوف يبارك في خمرهم، أي سيمنحهم وفرة من الفرح الروحي. لهذا يمنع الكهنة من شرب الخمر عند دخولهم الهيكل، إذ يريدهم أن يكونوا في حزنٍ، بينما تُقدم القرابين عن الخطاة. فإذا تمت مصالحة الخطاة مع الله، عندئذ يكتمل فرحهم. يعتقد أوريجينوس أن المسيح نفسه مع قديسيه في انتظار توبة الخطاة، ففرحهم إذًا لا يزال غير كاملٍ.
- يليق بنا ألا نظن أن بولس يحزن من أجل الخطاة ويبكي لتجاوزاتهم، بينما يكف المسيح عن البكاء، حين يدنو من الآب، ويقف عند المذبح ليُقدم ذبيحة التكفير عنّا. هذا عدم شرب خمر الفرح “حين يصعد إلى المذبح”، إذ أنه لا يزال يحمل بعد مرارة خطايانا. لذلك فهو غير راغبٍ أن يشرب وحده من الخمر في ملكوت أبيه، بل ينتظرنا، وكما قال: “حتى أشربه معكم”. فنحن إذًا نؤخر فرحته بالتهاون في حياتنا[7].
العلامة أوريجينوس
“وكتبت لكم هذا عينه،
حتى إذا جئت لا يكون لي حزن من الذين كان يجب إن أفرح بهم،
واثقًا بجميعكم أن فرحي هو فرح جميعكم” [3].
كأنه يقول: “أنا أعرف تمامًا أنكم تطلبون مسرتي، هذه التي تتحقق بقداستكم. وإذ تتهلل نفسي بكم تتهللون أنتم أيضًا، لأن فرحي هو فرح جميعكم. إني لا أستطيع أن أصمت على الخطية والعصيان، وفي نفس الوقت ملتزم أن آتي بروح الوداعة وأترفق بكل التائبين”. إنه يود أن يكون ينبوع فرح للكل ما استطاع.
- لقد قال بولس أنه يُسر بحزنهم. ربما يبدو هذا عجرفة وعنفًا، فلكي يهدئ من الصدمة أضاف هذا. لقد عرف أنه متى كان سعيدًا سيكونون هم سعداء؛ وإن كان حزينًا يصيرون هم أيضًا حزانى… فهو يعني: إنني لم آتِ إليكم ليس لأني أشعر بكراهية أو بغضة بل بالأحرى أشعر بحبٍ عظيمٍ[8].
- يظهر بولس هنا أنه ليس أقل تأثرًا من أولئك الذين أخطأوا، بل هو متأثر أكثر منهم. بالكاد يستطيع أن يحتمل الألم الذي سببه الكورنثيون له[9].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لأني من حزن كثير وكابة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة،
لا لكي تحزنوا،
بل لكي تعرفوا المحبة التي عندي،
ولا سيما من نحوكم” [4].
يكشف هذا القول عن أن المقاومين للرسول قد شوهوا صورته تمامًا بأنه رجل عنيف ومستبد، يُسر بجراحات الآخرين ومرارتهم. ويبرر الرسول نفسه من هذا الاتهام بتأكيد التكلفة التي دفعها وهو يكتب الرسالة الأولى الحازمة وهي الدموع الكثيرة والحزن الشديد وكآبة القلب! دوره كرسولٍ الزمه بالكتابة، لكنه سجلها بتنهدات قلبه الداخلية ومرارة نفسه ودموعه الغزيرة.
- من الذي يكتب في القلوب؟ الله هو الذي يكتب بإصبعه في كل الضمائر الناموس الطبيعي الذي أعطاه للجنس البشري. فيه نبدأ ونأخذ بذور الحق للدخول به إلى العمق. هذه البذور التي إن اعتنينا بزراعتها تأتي فينا بثمارٍ جيدة بالمسيح يسوع[10].
العلامة أوريجينوس
- لنحزن في أذهاننا ليس من أجل تلك الأمور التي للترف التي يحزن عليها الملوك، وإنما من أجل تلك التي لنا فيها نفع عظيم. فإن “الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاصٍ بلا ندامة” (٢ كو ١٠:٧).
لنحزن على أمور كهذه، لأجل هذه الأمور نتألم، من أجل هذه الأمور يُنخس قلبنا.
هكذا حزن بولس على الخطاة، وهكذا بكى: “من حزن كثير وكآبة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة“.
فإذ لم يجد علة ليحزن على نفسه فعل ذلك لحساب الآخرين، أو بالأحرى حسب هذه الأمور خاصة به، على الأقل حتى ينتهي الحزن.
آخرون تعثروا، وهو احترق؛ آخرون كانوا ضعفاء، وهو كان ضعيفًا. مثل هذا الحزن صالح يفوق كل فرح عالمي.
إني أفضل ذاك الذي يحزن هكذا عن كل البشر، بل بالأحرى يعلن الرب نفسه أن الذين يحزنون مطوبون، هؤلاء الذين يتعاطفون مع الآخرين.
لست أعجب من هذا ففي اخطاره يتعرض للموت يوميًا، ولا يزال هذا يأسرني. فإن هذا يصدر عن نفسٍ مكرسةٍ لله، مملوءة حنوًا صادرًا عن حب يطلبه المسيح نفسه، به حب أخوي وأبوي، أو بالأحرى، ما هو أعظم من هذا. هكذا يليق بنا أن نحزن، وهكذا ننتحب، ونسكب دموعًا كهذه، إذ تحمل هذه بهجة عظيمة. إن حبًا كهذا هو أساس للفرح[11].
القديس يوحنا الذهبي الفم
٢. شفاعته في الساقط التائب
عالج الرسول بولس موضوع قبول هذا الساقط التائب بفكرٍ إنجيليٍ روحيٍ حي. بدأ بالحديث أنه وإن حزن عليه بسبب سقوطه، فإن الجماعة ككل حزنت عليه. حزنه يعتبر جزئيًا بالنسبة لحزن الكنيسة كلها عليه. فإن كان الرسول قد حزن فليس لأنه فوق الجماعة، بل كواحدٍ منهم يشاركهم حزنهم عليه. أما من جهته هو فإنه لا يريد أن يثقل عليهم بعدما تحركوا كجماعة في حزنٍ عليه، إذ حان الوقت ليفرحوا بتوبته، ولا يعيشوا بعد في مرارة.
“ولكن إن كان أحد قد أحزن،
فإنه لم يُحزنّي،
بل أحزن جميعكم بعض الحزن لكي لا أثقل” [5].
يرى أمبروسياستر أنه يقصد بالجميع هنا القديسين من أهل كورنثوس الذين يتألمون بسبب ارتكاب أحدٍ ما خطية. فالكنيست، رعاة ورعية، لن تستريح متى أخطأ شخص واحد.
- إذ وُضع العالم بين يديه لم يهتم بالأمم ككلٍ فحسب، بل وبالأفراد. فيبعث برسالةٍ لصالح أنسيمُس وأخرى من أجل الشخص الزاني من أهل كورنثوس… ناظرًا إليه كإنسانٍ له تقديره في عيني الله، فمن أجله لم يضن الآب عليه بابنه الوحيد.
لا تقل هذا عبد هارب، أو ذاك لص، أو قاتل، أو إنسان مثقل بخطايا غير محدودة، أو متسول أو حقير… بل تأمل أنه لأجله مات المسيح. أما يكفي هذا ليكون أساسًا لنعطيه كل اهتمام؟![12]
- كان كل الكورنثيين يشاركون بولس غضَبه وسخطه على الإنسان الذي ارتكب الزنا. بقوله هذا يُهدأ من غضبهم ضد بولس بإعلانه أنهم هم أيضًا عانوا من ذات سخطه.
- لاحظوا أن بولس لم يعد يشير إلى الجريمة في أي موضع، لأن الوقت قد حان للمغفرة[13].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين” [6].
لقد تواضع الساقط وقدم توبة، وأطاعت الجماعة وقامت بتأديبه. هذا يكفي له ولهم. في أبوته الحانية قدم الرسول شفاعةً وتوسلاً من أجل هذا الساقط التائب أمام الكنيسة في كورنثوس.
- يشير بولس إلى غيرة الكورنثيين، إذ تحوّلوا جميعًا إلى ضد هذا الرجل بمجرد أن طلب منهم ذلك[14].
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
- تقدم الحياة الجماعية بركات أكثر من أن يُعلن عنها بالكامل وبسهولة.
إنها أكثر فائدة من حياة الوحدة وذلك من أجل الحفاظ على الأمور الصالحة التي يهبها الله لنا، ومن أجل المكافأة عن هجمات العدو الخارجية…
فبالنسبة للخاطي الانسحاب من الخطية أسهل بكثير إن خشي عار توجيه اللوم إليه من كثيرين يعملون معًا. حقًا ينطبق القول: “مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين.” [6]. وبالنسبة للإنسان التقي، يجد كفاية عظيمة وكاملة في تقدير الجماعة وتذكية سلوكه[15].
القديس باسيليوس الكبير
“حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه،
لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط” [7].
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على تعبير”تسامحون بلطفٍ graciously وتعزونه” قائلاً: [إن ما يقوله هو أنه ليس لأنه يستحق ذلك (تسامحونه)، ولا لأنه أظهر بوضوح ندامة كافية وإنما لأنه ضعيف، من أجل هذا أسأل… لئلا ييأس[16].]
نال ما فيه الكفاية وبلغ التأديب غايته، وصار الأمر في غاية الخطورة، فإن لم يجد التائب أحضان الكنيسة الحانية يستعبده اليأس وتهلك نفسه. كما كانوا ملزمين بتأديبه بالعزل الآن ملزمون بتمكين المحبة له وتجديدها لكي تتهلل نفسه بالخلاص.
- على أي الأحوال، تذكر هذا، إن صرت كسلانًا وغير مكترثٍ ستمسك بك الخطية في وقتٍ أو آخر. لهذا اظهر اهتمامًا، إن لم يكن من أجل أخيك فعلى الأقل من أجل نفسك.
قاوم المرض، تغّلب على الفساد، اقطع انتشار البلاء السرطاني.
يتحدث بولس عن هذه الأشياء وعن أكثر من هذا. إذ أمر المسيحيين في كورنثوس أن يسلموا الزاني بينهم للشيطان، عاد بعد ذلك يقول: “لقد تغيّر الزاني”. صار إلى حالٍ أفضل “مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين… حتى تُمكّنوا له المحبة” [6-8].
فمع أن بولس جعله عدوًا عامًا، وخصمًا للكل، واستبعده عن الجمهور، وقطعه من الجسم. انظروا كيف أظهر اهتمامًا لكي يربطه من جديدٍ برباط لا ينحل، ويضمّه إلى الكنيسة. إذ لم يقل مجرد “حِبّوه” بل “أعيدوا تثبيت المحبة له“.
بمعنى آخر: اعلنوا صداقتكم إنها صادقة وثابتة ومملوءة غيرة ومتقدة ونارية. قدموا محبتكم بنفس القوة التي للكراهية (للخطية) السابقة. ماذا حدث؟ اخبرني! ألم تسلمه للشيطان؟ يقول: “نعم، لكن ليس ليبقى في يدي الشيطان، بل لكي يتخلص سريعًا من سلطانه الطاغي”.
لاحظوا باهتمام كيف أنه لنفس الأمر كما قلت يخشى بولس من الإحباط كسلاح قوي للشيطان. يقول: “مكّنوا له المحبة“، ويضيف السبب: “لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط” [7][17].
- أعتقد أن الذي سقط في الخطيئة الخطيرة في كورنثوس، قد استأهل الرحمة. إذ عندما وُجه إليه اللوم، بل وطُرد من الكنيسة، لم يكره من اتهمه، بل تقَّبل النقد بصبرٍ، وتحمله بثباتٍ وجلدٍ. وفي اعتقادي أن الأمر انتهي به إلى محبة أعظم لبولس ولمن وجهوا إليه اللوم طاعة لأحكام بولس. لذلك سحب بولس اتهامه، وحكم بإعادته إلى الكنيسة[18].
العلامة أوريجينوس
- لم يعد بعد بولس يأمر وإنما يتوسل، ليس كمعلم،ٍ بل كمن هو مساوٍ لهم. يضع الكورنثيين على كرسي الحكم ويقف هو في مركز المدافع، سائلاً إيّاهم أن يمكّنوا له المحبة[19].
- يسأل بولس الكورنثيين ليس فقط أن يكفّوا عن لومه، وإنما أن يستعيدوا الرجل إلى مركزه الأول، لأن معاقبة الإنسان دون معالجته لا يعني شيئًا.
لاحظوا كيف يحفظ بولس الرجل نفسه في تواضعٍ حتى لا يصير إلى حال أردأ نتيجة العفو عنه. فإنه وإن كان قد اعترف وتاب، فقد أظهر بولس بوضوح أنه نال المغفرة لا بتوبته قدر ما نالها خلال عطية الله المجانية[20].
- كان التدقيق الشديد مطلوبًا في هذه المواقف أيضًا حتى لا يصير ما هو نافع سببًا لخسارة أعظم. فمهما ارتكب ذاك من أخطاء بعد قطعة، ينبغي على الطبيب الذي يُحسن استخدام مبضعه في علاج مريضه أن يشترك معه في العواقب[21].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- الشخص الذي يُبتلع في حزنٍ مفرطٍ يعود إلى ارتكاب الخطايا في يأس. التوبة الصادقة، من الجانب الآخر، هي البعد عن الخطية. إن تاب هذا الشخص يؤكد أنه حزين عما يفعله[22].
أمبروسياستر
- طلب بولس الآن أن يوحّدوا العضو في الجسم، ويردوا الحمل إلى القطيع، ويظهروا حبهم وحنوّهم الكلي الاخلاص[23].
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
- بهذه الطريقة تؤدب كلمات بولس الرجل الذي انتهك السرير الزوجي لأبيه مادام غير مدرك لخطيته. ولكن إذ كان لدواء التصحيح فاعليته بدأ يهبه راحة، كمن قد صار مطّوبًا بحزنه. وكما يقول “لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط“. هكذا ليتنا نحن أيضًا نفكر في هذا عندما نحسب أن التطويب أمامنا، فإنه ليس بدون نفع للحياة الفاضلة، متطلعين إلى أن الطبيعة البشرية إلى حدٍ ما مرتبطة بالخطية والعلاج لها يظهر خلال حزن التوبة[24].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
“لذلك أطلب أن تُمكّنوا له المحبة” [8].
لم يتشك الرسول في محبتهم للخاطي، لكن الموقف حساس للغاية، ويحتاج هذا التائب إلى فيض من الحب وتأكيدات لنفسه إن الكنيسة قد نست خطأه وأعادته إلى مركزه الأول.
- بولس نفسه الذي كان قد طرده من بينهم كأنه أحد الأوبئة، والذي أوصد في وجهه كل الأبواب، وأسلمه إلى حكومة الشيطان، وأعلن له مثل هذا القصاص، لما رأى أن المسكين غرق في الألم، متأسفًا على خطيئته، ومغيّرًا سلوكه، وجه إلى الكورنثيين تعليمات مضادة للتعليمات الأولى…
وأنتِ تدركين الآن معي أننا حين نغتم فوق ما يجب نعمل لحساب إبليس. كما تدركين حيلة الشيطان، وهي أن يدفعنا إلى التطرف. بهذا نحول الدواء الذي يخلصنا إلى سمٍ قاتلٍ. فالتطرف هو سُم فعلي يجعلنا في يدي الشيطان[25].
- وكما ينوح الخاطئ على خطاياه، هكذا بكى بولس على الرجل الذي ارتكب الزنا، مؤكدًا له: “لذلك أطلب أن تمكنوا له المحبة” (2 كو 8:2). وحتى حين حرمه فعل هذا آسفًا بدموع: “لأني من حزن كثير وكآبة قلب كتبت إليكم بدموعٍ كثيرة، لا لكي تحزنوا، بل لكي تعرفوا المحبة التي عندي ولا سيما من نحوكم” (2 كو 4:2). وأيضًا: “فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود، وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس، وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس لأربح الذين بلا ناموس، صرت للضعفاء كضعيفٍ لأربح الضعفاء؛ صرت للكل كل شيئًا لأخلص على كل حالٍ قومًا” (2 كو 20:9-22). وفي موضع آخر يقول: “لكي يُحضر كل إنسانٍ كاملاً في المسيح يسوع” (كو 28:1) [26].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لأني لهذا كتبت لكي أعرف تزكيتكم
هل أنتم طائعون في كل شيء” [9].
بعد أن قدم شفاعة في الخاطي أراد أن يثيرهم للتصرف السريع بالحب، فحسب ذلك الطلب مقياسًا يدرك به مدى طاعتهم له. يرى البعض أنه يسهل على الإنسان (أو الكنيسة) أن يؤدب، لكن يصعب عليه أن يرد الساقط إلى موضعه الأول داخل القلب وفي الكنيسة.
- يحتاج بولس أن يرى أن الكورنثيين مطيعون في إعادة الخاطي كما كانوا مطيعين في معاقبته. لأن العقوبة يمكن أن تحمل شيئًا من الحسد والحقد، أما إن عملوا على إعادته في حبٍ فإنهم يظهرون طاعتهم أنها نقية. هذا هو اختبار التلاميذ الحقيقيين، إن كانوا يطيعون ليس فقط حينما يؤمرون بفعل شيءٍ ما، وإنما يتمّمونه من جانبهم أيضًا[27].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“والذي تسامحونه بشيء فأنا أيضًا،
لأني أنا ما سامحت به إن كنت قد سامحت بشيء،
فمن أجلكم بحضرة المسيح” [10].
ما يحمله من حبٍ غافر به ينسى ما سبق ففعله هذا التائب إنما يتحقق خلال حب الرسول للكنيسة كلها، إذ يريدها العروس الطاهرة. وأن ما يمارسه من نسيان إنما من أجل المسيح الذي هو في حضرته. وكأن هذا التائب عزيز جدًا لدى الكنيسة وعريسها المسيح، وليس لدى بولس وحده! ما يفعله الرسول وما يحمله من مشاعر ليس ضد الكنيسة في كورنثوس ولا ضد فكر المسيح، إنما هذا كله متناغم مع فكر الكنيسة والتي تحمل فكر المسيح.
- كان بولس يمارس ما يكرز به. كان من حقه أن يصدر أوامر، لكنه لا يستطيع أن يمتنع عن أن يفعل بنفسه ما يطلب من الآخرين أن يفعلوه. في رسالته الأولى أدان جريمة هذا الشخص على رجاء أن كل واحدٍ يشمئز منها (1 كو 1:5-13). وأما الآن فيريدهم أن يرجعوا ويطلب ألا يظهروا له غضبًا. بلاشك لم يكن لدى الكورنثيين حكمة الرسول، ولم يدركوا أن هذا يجب أن يتم فورًا[28].
أمبروسياستر
- يعطي بولس الكورنثيين مركز القيادة ويخبرهم أن سيتابع ذلك. هذه هي أفضل وسيلة لتلطيف روحٍ ساخطةٍ محبةٍ للنزاع. فلئلا يصيروا مهملين ويرفضوا الصفح عنه ضيَّق عليهم ثانية بقوله أنه هو نفسه قد صفح بالفعل عن هذا الإنسان[29].
- يمكن للشيطان أن يحطم حتى تحت مظهر التقوى. فإنه يقدر أن يحطم ليس فقط بأن يقود الشخص إلى الزنا بل وأحيانًا بالعكس بالحزن المفرط الذي يجعل اليأس يتبع التوبة. أن يقتنصنا بالخطية هذا عمله المناسب له، وأما أن يقتنصنا في توبتنا فهذا عار مهذب، إذ يقاتلنا بسلاحنا لا بسلاحه[30].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- المشكلة ليس أن تعرف حيل إبليس فحسب، وإنما أن تلعب بها. فبولس يعرف ديناميكيتها لا لينشغل بها، وإنما لكي لا يسقط في حبائلها[31].
القديس ديديموس الضرير
“لئلا يطمع فينا الشيطان،
لأننا لا نجهل أفكاره” [11].
يقدم الرسول تعليلاً أخر بجانب تناغم فكره مع فكر الكنيسة والمسيح، إلا وهو لئلا يستغل إبليس الفرصة ويحطمه بروح اليأس. وكما يقول القديس مار فيلوكسينوس أنه إن سقط إنسان في اليأس تدخله كل الشياطين.
- لا تيأسوا من أنفسكم. أنتم أناس خُلقتم على صورة الله. ذاك الذي خلقكم أناسًا صار هو نفسه إنسانًا: لقد سُفك دم الابن الوحيد من أجلكم[32].
القديس أغسطينوس
٣. انفتح لي باب في الرب
بعد معالجته موضوع تأجيل زيارته لهم وتشفعه في الساقط التائب، استطرد يحدثهم عن عمل الله معه، إذ فتح له الرب بابًا للخدمة والكرازة. وهو بهذا يهدف إلى خلق جوٍ من الفرح بالأخبار السارة، ولكي يكشف لهم عن شعوره بالصداقة القوية معهم فيحدثهم في أمورٍ خاصة به لا تمس الكنيسة في كورنثوس مباشرة. كما تحدث معهم عن مشاعره الشخصية نحو تلميذه المحبوب لديه تيطس. فمن جانب أنه لا يكف عن العمل المستمر في بلاد كثيرة، ويد الرب معه تنجح طريقه، ومن جانب آخر أن انشغاله المستمر بالخدمة وأتعابه لن تنزع عنه عواطفه ومشاعره نحو أحبائه.
“ولكن لما جئت إلى ترواس لأجل إنجيل المسيح،
وانفتح لي باب في الرب” [12].
بعد كتابته للرسالة الأولى وسط دموعه الغزيرة وحزنه الكثير وكآبة قلبه [٤] لم يرد الله أن يتركه في هذه المرارة، بل أبهج قلبه بانفتاح بابٍ جديدٍ للخدمة والكرازة.
“لم تكن لي راحة في روحي،
لأني لم أجد تيطس أخي،
لكن ودّعتهم،
فخرجت إلى مكدونية” [13].
كان يترقب مجيء تيطس بفارغ الصبر ليخبره عن أحوالهم، فاضطر أن يذهب إلى مكدونية متوقعًا أن يجده هناك، وبالفعل جاء تيطس يبشره بالأخبار المفرحة [٦-٧].
- في سفر الأعمال (9:16) يُقال أن إنسانًا من مكدونية ظهر لبولس في حلمٍ وسأله أن يذهب ويعينهم. لم يشر بولس إلى هذا الحدث في رسالته، لأنه من الواضح أنه لم يكن الوقت مناسبًا ليخبر بمثل هذه الأمور عن نفسه[33].
القديس ديديموس الضرير
- أشار بولس إلى تيطس هنا لهدفٍ، وهو أنه كان حامل الرسالة إلى كورنثوس. أراد بولس من الكنيسة هناك أن تقدر استحقاقه[34].
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
- كان بولس متعريًا – إن جاز لنا القول – من اللحم والدم. كان كأنه أنكر جسده، حتى يُمكن أن يُقال أنه لم يكن سوى نفسًا تتردد في العالم، وقلبًا خاليًا من كل شهوة وهوى.
في مثل هدوء الأرواح الملائكية، كان يحيا على الأرض حياة سماوية. وكان يعيش في رفقة الشاروبيم، يشاركهم أنغامهم السرية.
كان يحتمل كل الاضطهادات. كأن جسده لا يخصّه: السجن والقيود والنفي والتشريد والتهديد وخوض البحار والضرب والرجم والموت، وما كان يتأثر من شيء أو يخشى شيئًا.
كان يتحمل كل هذا ولكن انفصاله عن عزيز عليه كان كافيًا لأن يقلقه ويعذبه إلى حد أنه لم يستطع البقاء في مدينة جاء ليكرز بالإنجيل بين أهلها، فإذا هو مُلزم على مغادرتها حالاً [12-13]…
“أجل!” يجيب الرسول: “إن حزنًا قد استولى عليّ لعدم وجود تيطس الحبيب. وما أجبرت على المغادرة إلا حين وجدت نفسي مغلوبًا لا أستطيع أن احتمل ما بي من الشوق[35].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين،
ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان” [14].
كأنه يقول: “مجيء تيطس نزع عني مخاوفي، وأشبع أعماقي، وتحولت حياتي إلى ذبيحة شكر لله مصدر كل صلاح الذي وهبكم ووهبني إن ننضم إلى موكب نصرته تحت قيادته”.
كان من عادة الرومان كما اليونان قبلهم متى غلب القائد في معركة يدخل العاصمة في موكبٍ مهيبٍ حيث يخرج الشعب كله يكرم الجيش الغالب. وكان القائد غالبًا ما يرتدي ثوبًا من الأرجوان الثمين مُوشى بالذهب، ويرتدي تاجًا على رأسه، ويحمل في يده إكليلاً علامة النصرة، وباليد الأخرى صولجانه. يركب مركبة عظيمة مزينة بالعاج وطبقات من الذهب، غالبًا ما يجرها فرسان بيض، وأحيانًا تجرها فيلة كما حدث مع بومباي Pompey عندما هزم أفريقيا، أو أسود كما حدث مع مرقس أنطونيوس، أو نمورٍ كما مع Helisgabalus، أو غزلان كما مع أوريليوس Aurelius. وكان أبناؤه يجلسون عند قدميه في المركبة أو يركبون فرسان مركبة. وفي وسط هذه العظمة الفائقة يقف عبد خلفه ممسكًا بحجاب وذلك حتى لا ينتفخ القائد ويتعجرف.
يقود الموكب فرق موسيقية تعزف للقائد أناشيد النصرة، خلفها مجموعة من الشباب يحملون ذبائح لتقديمها للآلهة، وقد طلوا قرون الذبائح بالذهب، وزينوا رؤوسها بأشرطة جميلة وأكاليل.
يلي ذلك مركبات تحمل الغنائم التي استولى عليها الجيش من العدو وفرسانهم ومركباتهم الخ. يتبع ذلك الملوك والأمراء والقادة الذين أسروا في المعركة وقد ربطوا بسلاسل حديدية.
بعد هذا كله تظهر مركبة القائد المنتصر حيث يلقي عليه الشعب الورود، ويصرخون بتهليلات النصرة.
يلي ذلك موكب الأشراف المتهللون بنصرة جيشهم وقائدهم.
يُختم الموكب بالكهنة ومساعديهم الذين يقدمون ثورًا أبيض كأعظم ذبيحة مع ذبائح أخرى. أثناء هذا الموكب تُفتح المعابد ويُقدم بخور وذبائح على المذابح.
كان أهل كورنثوس يعرفون كل هذا، لكنهم منذ قرنين سقطت مقاطعة أخائية، ودُمرت كورنثوس بواسطة القنصل الروماني Lucius Mummius.
شتان ما بين موكب النصرة الذي كان القائد الروماني يحلم به وبين موكب النصرة الذي يعيشه الرسول بولس حيث يسقط إبليس في الأسر، ويتمجد الرسول بولس مع كل العاملين معه، وكل الشعب، وتفوح رائحة بخور سمائية، هي رائحة المسيح الذكية.
المؤمن الحقيقي إذ يختفي في الصليب يشعر دومًا بنصرته في المسيح يسوع وتحت قيادته على كل قوات الظلمة: على شهوات الجسد الشريرة والخطية واغراءات العالم الشرير وابليس وكل قواته. وكما يقول القديس أغسطينوس [لقد غلب العالم كله كما نرى أيها الأحباء… لقد قهر لا بقوة عسكرية بل بجهالة الصليب… لقد رُفع جسده على الصليب فخضعت له الأرواح.]
- يعرف الله سعيكم وإرادتكم الصالحة، وينتظر جهادكم، ويسند ضعفكم، ويكلل نصرتكم[36].
القديس أغسطينوس
السيد المسيح السماوي نزل إلينا لكي يصير قائد نصرتنا الذي يعبر بنا إلى السماء، إذ هو وحده قادر أن يحملنا فيه ويفتح أبواب السماء أمامنا.
- لا تعجب أن العالم كله يخلص، فإنه ليس مجرد إنسان بل هو ابن الله الوحيد، الذي مات عن العالم.
حقًا إنه بخطية واحد، أي آدم، ملك الموت على العالم، فإنه إن كان بمعصية واحد ملك على العالم، فكم بالأحرى تملك الحياة ببر واحد؟!
إن كانوا قد طردوا من الفردوس بسبب الشجرة التي أكلوا منها أليس من الأسهل أن يدخل المؤمنون الفردوس بسبب شجرة يسوع؟!
إن كان الإنسان الأول، الذي وجد من الأرض، جلب العالم للموت أليس بالأولى يجلب خالقه الحياة الأبدية إذ هو نفسه الحياة؟! إن كان فينحاس في غيرته رد غضب الله بقتله فاعليّ الشر (عد6:25-12)، كم بالأحرى يسوع الذي لم يقتل آخر بل “أسلم نفسه فدية” ينزع غضب الله عن الإنسان؟![37]
القديس كيرلس الأورشليمي
- تأملوا هذا التقدم العجيب! إنه يرسل ملائكة إلى البشر، ويقود الناس إلى السماويات. هوذا سماء تقام على الأرض لكي تلتزم السماء بقبول الأرضيين[38].
القديس يوحنا ذهبي الفم
“لأننا رائحة المسيح الذكية لله،
في الذين يخلصون،
وفي الذين يهلكون” [15].
- لماذا تسكبين عطورًا بسخاء على جسدٍ دنسٍ في الداخل يا امرأة؟ لماذا تنفقين على ما هو عاصٍ، كمن يبدد العطور على قاذورات أو من يقطر سمًا على قرميد (طوب). يوجد – إن أردتِ – دهنًا ثمينًا وعطور بها تطيبين نفسك، ليست من العربية ولا من أأثيوبيا ولا من فارس بل من السماء عينها، تُشترى لا بذهبٍ بل بإرادةٍ فاضلةٍ، وبإيمانٍ غير مزيفٍ. اشترِ هذا العطر، الذي رائحته يمكن أن تملأ العالم. هذا اشتمه الرسل “لأننا رائحة المسيح الذكية… رائحة موت للبعض، وللآخرين رائحة حياة“. ماذا يعني هذا؟ يُقال أن الخنزير تختنق من رائحة العطور. لكن هذا العطر الروحي يخرج ليس فقط من الأجسام بل وحتى من ثياب الرسل، فقد كانت ثياب بولس مشَّربة به حتى كانت تُخرج شياطين.
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إذ توجد علاقة بين ناردين الإنجيل وعطر العروس (نش 4 : 10)، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الناردين الأصيل الغالي الثمن الذي سُكب على رأس السيد (يو 3:12)، وهكذا فاحت رائحته الذكية، وملأت المنزل كله. وبالمثل فإن هذا العطر لا يختلف عن عطر العروس الذي أفاح رائحة العريس.
جاء في الإنجيل أنَّ سَكبْ الطيب على رأس ربنا قد فاح رائحة ذكية في أرجاء المنزل حيث أقيمت المأدبة، وكأن المرأة ساكبة الطيب قد تنبأت بسرّ موت المسيح. وقد شهد الرب لعملها هذا قائلاً: “إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني” (مت 12:26).
المنزل الذي امتلأ بهذه الرائحة يمثل الكون بأكمله، العالم كله: “حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم” تنتشر رائحة عملها هذا مع الكرازة بالإنجيل، ويصير الإنجيل “تذكارًا لها”، إذًا الناردين في نص نشيد الأناشيد يفيح رائحة العريس لعروسه (نش 1 : 12)، وفي الإنجيل أيضًا تصير رائحة المسيح الذكية التي ملأت كل المنزل كطيبٍ يطَّيب كل جسد الكنيسة في كل المسكونة والعالم أجمع[39].
- حين تقول العروس لأصدقاء عريسها: “أفاح نارديني رائحته” (نش 1 : 12) تأخذ (النفس) من كل زهرة من مختلف مروج الفضيلة، وتصير حياة الإنسان عطرة خلال رائحة سلوكه الذكية، وهكذا يصير كاملاً إلى حدٍ ما. مثل هذا الشخص لن يكون من طبيعته أن ينظر بثبات على كلمة الله كما على الشمس، لكنه بالأحرى يراها بداخله كما في مرآة. لأن شعاع هذه الفضيلة الحقة المقدسة يشع في الحياة الطاهرة بافراز، ويجعل الغير منظور منظورًا لنا، والغير مدرك مدركًا، بتصوير الشمس في مرآة نفوسنا.
عندما نتفهم النص نجد أنه لا فرق بين أن نتحدث عن أشعة الشمس، وتدفق الفضيلة أو رائحة العطور الذكية. أيًا كان التعبير الذي نختاره، فهناك فكرة عامة واحدة للكل، أَلاَ وهى أننا نكتسب معرفة الصلاح من الفضيلة، ذلك الصلاح الذي يتجاوز كل فهمً، تمامًا مثلما نستدل على جمال أي نموذج من صورته.
هكذا تشبَّه بولس العروس بالعريس في فضائله، وصور بعطره الجمال الذي لا يُدنى منه، وذلك من ثمار الروح: الحب، الفرح، السلام وما شابه ذلك. صنع عطره، واستحق أن يصير “رائحة المسيح الذكية” (2 كو 15:2). لقد استنشق القديس بولس هذه النعمة غير المدركة التي تجاوزت كل نعمة، وأعطى نفسه لآخرين كرائحة ذكية ليأخذوا منها على قدر طاقتهم، حسب تدبير كل إنسان. صار بولس الرسول عطرًا إما لحياةٍ أو موتٍ، فإنه إذا ما وضعنا العطر ذاته أمام خنفس وأمام حمامة، فلن يكون له تأثير مماثل على الاثنين: فبينما تصير الحمامة أكثر قوة حين تستنشقه إذا بالخنفس يموت[40].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
إذ يعيش الرسول في سلسلة لا تنقطع من مواكب النصرة يشتم الآب فيه وفي الكنيسة كلها رائحة المسيح الذكية، حيث يرى فيهم أن إرادته الإلهية قد تحققت.
“لهؤلاء رائحة موت لموت،
ولأولئك رائحة حياة لحياة،
ومن هو كفوء لهذه الأمور؟” [16]
كانت مواكب النصرة تحمل فريقين، فريق غاية في الفرح والتهليل وعلى رأسهم القائد الغالب وجنوده، وفريق غاية في البؤس والمرارة وهم الملوك المأسورون وأبناؤهم وقادتهم، هؤلاء الذين أظهروا ثورةً وعصيانًا.
وفي موكب النصرة المستمر يتهلل المؤمنون الغالبون حاملين رائحة الحياة، بينما ينهار غير المؤمنين المصممون على العصيان والتمرد في عدم إيمان.
يهب المسيح، شمس البرّ، حياةً ونموًا للأشجار المغروسة في كرمه، المرتوية بمياه الروح، ويجفف تلك التي قُطعت وألقيت على سطح الأرض ولا تتمتع بينابيع المياه الحية.
بقوله: “ومن هو كفوء لهذه الأمور” يعني من هو مستحق أن يقوم بهذا العمل العظيم الذي له أثره الفائق: حياة أو موت؟ إنه عمل إلهي فائق ليس في قدرة إنسان ما أن يحققه أو يقاومه. إنه عمل الله نفسه، لن يستطيع الرسل الكذبة مقاومته.
سبق فأدرك إشعياء هذا العمل الإلهي فقال: “أتمجد في عيني الرب، وإلهي يصير قوتي” (إش ٥:٤٩). هكذا يتمتع المؤمن بالمجد لا في أعين الناس والملائكة فحسب، بل وفي عيني الرب نفسه، ويحمل المؤمن في داخله الرب إلهه قوته.
- لمن إذن “رائحة موت لموتٍ” إلا للذين لا يؤمنون، والذين لا يخضعون لكلمة (لوغوس) الله؟… مرة أخرى، من هم أولئك الذين يخلصون وينالون الميراث؟ بلا شك إنهم الذين يؤمنون بالله ويستمرون في محبته كما فعل كالب بن يفنة ويشوع بن نون (عد ٣٠:١٤) والأطفال الأبرياء (يونان ١١:٤) الذين ليس لهم احساس بالشر. لكن من هم اولئك الذين يخلصون الآن، ويتمتعون بالحياة الأبدية؟ أليس الذين يحبون الله، ويؤمنون بوعوده، ويصيرون أطفالاً في الخبث (١ كو ٢٠:١٤)؟[41]
القديس إيريناؤس
- ضعْ مذبح بخور في أعماق قلبك. كنْ رائحة المسيح الذكية[42].
العلامة أوريجينوس
- تصدر رائحة معرفة الله عن المسيح وبه. يقول بولس: “رائحة“، لأن بعض الأشياء تُعرف برائحتها حتى إن كانت غير منظورة. الله غير المنظور يود أن يُدرك بالمسيح. الكرازة بالمسيح تبلغ آذاننا كما تبلغ الرائحة أُنوفنا، فتجلب الله وابنه الوحيد إلى أعماق خليقته. من ينطق بالحق عن المسيح يصير مجرد رائحة صادرة عن الله، يتأهل للمديح ممن يؤمنون به. أما الذي يقدم تأكيدات خاطئة عن المسيح فله رائحة سيئة لدى المؤمنين وغير المؤمنين على السواء[43].
أمبروسياستر
- “من هو كفوء لهذه الأمور؟” إذ يرى أنه نطق بهذه الأمور العظيمة عاد ينطق بتواضعٍ، مشيرًا إلى أن كل شيء هو من الله. فإن كل شيء هو من المسيح وليس شيء من ذواتنا… فإن كان لا يوجد أحد كفوء، فإن ما يُفعل هو من النعمة[44].
- “كما من الله” بمعنى أننا لسنا نقول أننا نهبكم شيئًا من ذواتنا، وإنما من الله الذي يعطي الكل. بقوله “من الله” تعني أننا لسنا نتمجد في شيء كأننا نفعل أمرًا من ذواتنا، بل ننسب كل شيء لله[45].
القديس يوحنا الذهبي الفم
يدعو الرسول بولس معرفة الله رائحة، تُشتم أكثر منها تُرى.
- سواء خلص الإنسان أم هلك فإن الإنجيل يبقى في قوته. النور حتى وإن أعمى أحدًا فهو نور. والعسل وإن كان مرًا بالنسبة للمرضى لا يزال حلوًا. هكذا الإنجيل له رائحة ذكية للكل حتى إن هلك الذين لم يؤمنوا به[46].
- إن ضاع إنسان لا يلوم إلا نفسه. فالطيب الملطف يُقال أنه يخنق الخنازير. النور يعمى الضعفاء. ففي طبيعة الأمور الصالحة ليس فقط أن تُصلح من يلتصق بها، بل وتحطم المقاوم لها، هكذا تعمل قوتها[47].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- الآن يُدعى الناموس “خدمة الموت” لليهود الذين كُتب لهم على حجر كرمز لقسوة قلوبهم. لكنه لا ينطبق هذا على الذين ينفذون الناموس بالحب، لأن المحبة تكمل الناموس[48].
- كل محنة إما هي عقاب للأشرار أو اختبار للأبرار… هكذا السلام والهدوء في أوقات المشاحنات يمكن أن ينتفع بهما الصالحون بينما يفسد الأشرار[49].
القديس أغسطينوس
- هكذا سلك بولس الرسول في فضائل العريس، وأخذ نموذجًا لحياته من الجمال الأبدي، وأصبح له رائحة الناردين من مجموعة الفضائل التي يمارسها الذهن: “محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف” (غل 22:5). ثم قال بعد ذلك أنه “رائحة المسيح الذكية” [15]. وهو بذلك يستنشق رائحة ذاك الذي لا يمكن إدراكه، ويأخذ النعمة الفائقة، ويقدم نفسه للآخرين كرائحة بخورٍ، ويصير رائحة حياة للبعض، ورائحة موت لآخرين، حسب سعي كل منهم للخلاص[50].
- الروح القدس هو الذي يملأ حياتنا برائحة القداسة، والبخور هو الفضائل المختلفة التي يشتمها العريس كرائحة طيب أفضل من الأطياب الأخرى[51].
- لا تدع أي شخص شهواني أو جسداني تنبعث منه رائحة الإنسان العتيق الكريهة (2 كو 16:2) أن يقلل من أهمية الأفكار والكلمات المقدسة، ويستبدلها بأخرى شهوانية حيوانية، بل بالأحرى ليخرج كل إنسان من الأنا، ويعتزل العالم المادي. ليصعد إلى الفردوس خلال قطع رباطات العالم، إذ صار مثل الله خلال النقاوة. ثم نقول ليدخل كل منا إلى قدس أقداس الأسرار المعلنة في هذا الكتاب (سفر نشيد الأناشيد)[52].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
- بالنسبة لغير المؤمنين الكرازة بالصليب هي رائحة موت. عند سماعهم كلمة الله يتقبلونها كأنها وباء خلاله يقرع الموت على الباب. وأما لآخرين فهي رائحة حياة. فبالنسبة للمؤمنين كلمة الله هي رسول الحياة الأبدية، تعمل معهم حسب إيمانهم[53].
أمبروسياستر
“لأننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله،
لكن كما من إخلاص،
بل كما من الله،
نتكلم أمام الله في المسيح” [17].
إذ يشهد له ضميره عن إخلاصه وبساطته لا يخلط مفاهيم المسيح وتعاليمه بمفاهيمه الخاصة وتعاليمه. بولس الرسول بذاته غير كفوء لهذا العمل لكنه خلال إخلاصه يعمل الله به ويتمم رسالة المصالحة في المسيح يسوع.
إنه لن يسمع ذلك القول الموجه للرسل والأنبياء الكذبة: “صارت فضتك زغلاً، وخمرك مغشوشة بماء” (إش ٢٢:١). وجاءت الترجمة السبعينية “تاجر خمورك يمزج خمرك بماء”، حيث كان الأنبياء الكذبة والكهنة الأشرار يفسدون كلمة الله بأفكارهم الذاتية الخاصة.
أكد الرسول أنه مرسل من الله، وينطق بما يتحدث به معه مباشرة كسفيرٍ له، وأنه يتحدث أمامه وفي حضرته. إنه يطلب تحقيق رسالة المسيح: “تصالحوا مع الله” (٢ كو ٢٠:٥).
- يتكلم بولس في المسيح، ليس بحكمته الذاتية، بل بالقوة الصادرة عنه[54].
القديس يوحنا الذهبي الفم
من وحي 2 كو 2
فرِّح قلوبنا معًا فيك!
- نزلت إلينا يا مصدر الفرح والتطويب الحق.
شاركتنا آلامنا لنشاركك بهجتك الفريدة.
تئن مع أنّاتنا، وتتهلل بأفراحنا.
هب لنا هذه الشركة معًا.
- لأفرح حين يفرح الكل بك.
ولتتحول بهجة خلاصي بهجة لكل المحيطين بي.
لأتغنّى مع بولس الطوباوي:
فرحي هو فرح جميعكم.
- أقمتني من سقوطي،
ووهبتني القيامة من الموت.
كيف لا أفرح بقيام الساقطين؟
كيف لا يتسع قلبي للتائبين؟
لا تعود تذكر خطاياي،
فكيف أذكر خطايا اخوتي؟
- لست أتحدث عن أشخاصٍ معينين.
افتح لي بابًا للشهادة لعملك الخلاصي أمام الكثيرين.
متى أرى كل البشرية تنعم ببهجة خلاصك؟
[1] CSEL 81:205.
[2] In Acts, homily 24..
[3] In Joan. PG 59:115.
[4] In Hebrews. PG 62:46.
[5] الحب الرعوي، ص 616.
[6] The Long Rules, 52.
[7] Homilies on Leviticus, 7:2.
[8] In 2 Cor. Hom. 4:2.
[9] In 2 Cor. Hom. 4:3.
[10]In Num. Hom 10:2.
[11] In Philip., hom. 15.
[12] الحب الرعوي، ص 678.
[13] In 2 Cor. Hom. 4:4.
[14] PG 82:387.
[15] The Long Rules, 7.
[16] PG 61: 459
[17] On Repentance and Almsgiving 1:3:22.
[18] In Psalmum 37 Homilia 1:1 PG 12:1370.
[19] In 2 Cor. Hom. 4:4.
[20] In 2 Cor. Hom. 4:4.
[21] On Priesthood, book 3:17.
[22] CSEL 81:207.
[23] PG 82:387.
[24] The Beatitudes, sermon 3, (ACW)
[25] To Olympias, 8.
في مديح القديس بولس، عظة 3.[26]
[27] In 2 Cor. Hom. 4:5.
[28] CSEL 81:207-8.
[29] In 2 Cor. Hom. In 2Cor. Hom. 4:5.
[30] In 2 Cor. Hom. 4:5.
[31] Pauline Commentary from the Greece Church.
[32] Robert Llewelyn, The Joy of the Saints, Spiritual Readings throughout the Year, Springfield, Illinois, 1989, p. 56.
[33] Pauline Commentary from the Greece Church.
[34] PG 82:390.
[35] To Olympias,8.
[36] Robert Llewelyn, The Joy of the Saints, Spiritual Readings throughout the Year, Springfield, Illinois, 1989, p. 56.
[37] Catechetical Lectures, 13 :2
[38] Sunday Sermons of the Great Fathers, vol. 1, p. 113.
[39] Commentary on Song of Songs, Homily 3.
[40] Commentary on Song of Songs, Homily 3.
[41] Adv. Haer. 4:28:3
[42] In Exod. Hom. 9.
[43] CSEL 81:210.
[44] PG 61: 468
[45] In 2 Cor. Hom 5, PG 61:469.
[46] In 2 Cor. Hom. 5:2.
[47] In 2 Cor. Hom. In 2Cor. Hom. 5:3.
[48] To Simplinian – On Various Questions, 1:17.
[49] Eighty Three Different Questions, 27.
[50] من مجدٍ إلى مجدٍ فصل 4:3.
[51] من مجدٍ إلى مجدٍ، فصل 31:3.
[52] Commentary on Song of Songs, Homily 1.
[53] CSEL 81:211.
[54] In 2 Cor. Hom. In 2Cor. Hom. 5:3.