تفسير كورنثوس الثانية 1 – الأصحاح الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الثانية 1 - الأصحاح الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الثانية 1 – الأصحاح الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الثانية 1 – الأصحاح الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي
الباب الأول
مقدمة في الحب المتبادل بين الراعي والرعية
الإصحاح الأول
مقدمة
يكشف هذا الاصحاح عن قلب الراعي الذي لا يطلب ما لنفسه بل ما لكنيسة اللَّه. ففي وسط ضيقته التي أصابته حتى كاد أن ييأس من الحياة (8:1) وصار كمن في حكم الموت، كان ما يشغله هو الحب المتبادل والعملي بينه وبين شعبه. كشف عن حبه العجيب لهم خلال الآتي:
- إن تألم أو تعزى فمن أجل خلاصهم (6:1، 7).
- محتاج إلى صلواتهم (11:1).
- هم فخره، وهو فخرهم في يوم الرب يسوع (14:1).
- مشتاق إلى زيارتهم (15:1-24).
- لم يأتِ إليهم وهم في حزنٍ، إنما سيأتي ليؤازرهم سرورهم (24:1)، يراهم فرحين، فيفرح بهم، ويحسبون فرحه هو فرحهم جميعًا! سلسلة من الحب المتبادل لا تنقطع. “فرحي هو فرح جميعكم” (3:2).
- البركة الرسولية 1 – 3.
- احتماله الآلام في المسيح لأجلهم 4 – 10.
- صلاتهم عنه وهو متألم 11.
- افتخاره بهم، وهم به 12 – 14.
- شوقه للحضور إليهم 15 – 24.
1. البركة الرسولية
“بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة اللَّه وتيموثاوس الأخ،
إلى كنيسة اللَّه في كورنثوس،
مع القديسين أجمعين الذين في جميع آخائية” [1].
لم يبدأ باسم المرسل إليهم كما كانت العادة في ذلك الوقت، بل بالراسل، لكنه كرسولٍ يكتب لشعبه يبدأ باسمه، وذلك كما كانت عادة الحكام والقضاة.
ضم الرسول بولس تيموثاوس إليه ليس لأنه في حاجة إلى معونته، وإنما لأنه على فم شاهدين تتحقق الكلمة، وقد دعاه “الأخ” ليكرمه في أعين شعب كورنثوس كأخٍ معه في ذات الإيمان، أو كشريك معه في الخدمة، وإن كان ليس رسولاً. إذ لم يقل: “بولس وتيموثاوس الرسولان”. أما في رسالته إلى أهل فيلبي فضمه إليه دون ذكر كلمة “رسول“، لأنه لم تكن توجد حاجة إلى تأكيد رسوليته لشعب فيلبي.
تواضع عجيب! إذ دعا الشاب الصغير أخاه، لأنه يقَّدر إيمانه وعمله الكرازي والرعوي.
في الرسالة الأولي دَعي نفسه “المدعو رسولاً“، أما وقد أكد لهم رسوليته جاء حديثه هنا في الرسالة الثانية: “بولس رسول المسيح يسوع بمشيئة اللَّه”. يتحدث معهم في يقينٍ، وكأنه يلزمهم أن يقبلوا ذلك، فإن إرساليته لن تتوقف على إرادتهم أو أية إرادة بشرية، بل هي حسب مشيئة اللَّه الذي دعاه، وقد قبل بولس الدعوة فتثبّتت. دعاه الرب يسوع نفسه مباشرة للعمل الكرازي بين الأمم حسب مشيئة الآب التي هي واحدة مع مشيئة الرب يسوع.
- مرة أخري يدعو بولس الكورنثيين كنيسة لكي يجمع الكل معًا، ودعاهم “القديسين” حتى إذا كان أحد منهم دنسًا يُستبعد من هذه التحيّة[1].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- تعبير “مع كل القديسين” غامض، فإما يعني كل القديسين الذين كانوا مع بولس، أو يعني كل القديسين الذين في كورنثوس[2].
القديس ديديموس الضرير
- اثنان يصنعان سيمفونية (حب متبادل مفرح): بولس وسوستانيس عند كتابة الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس (١ كو ١:١)، وبعد هذا بولس وتيموثاوس عند ارسال الرسالة الثانية إلى نفس (الجماعة)[3].
العلامة أوريجينوس
يري القديس يوحنا الذهبي الفم أنه يشير هنا إلى مسيحيّي كل مقاطعة آخائية ولم يكتفِ بمسيحيي المدينة، لأن الكل كانوا يعانون من ذات المشكلة، والكل كانوا في حاجة إلى ذات العلاج[4].
مع ما اتسم به بعض أعضاء الكنيسة في كورنثوس من مشاكل روحية وعقيدية وسلوكية وتنظيمية فإن عيني الرسول تتطلعان إلى هذه الكنيسة كعروسٍ مقدسة للعريس القدوس، تسعى نحو القداسة، فيُحسب شعبها قديسين.
الكنيسة في اقتدائها بعريسها القدوس هي نور العالم. ففي كتابه “ضد صلسس” يدعو أوريجينوس معارضيه إلى عقد مقارنة بين البلاد الوثنية والكنائس المسيحية التي نشأت فيها، خاصة تلك التي في كورنثوس والإسكندرية.
- إذا قورنت الكنائس التي شكَّلها المسيح بتجمعات المدن التي توجد بها، فسوف تظهر كمشاعلٍ مضيئة في العالم. فمن منا لا يعترف بأن عدد الأعضاء القليل من الكنائس غالبًا ما يكون أفضل من كثيرين الذين يظهرون في التجمعات المدنية؟!…
إذ ما قارنا مجلس كنيسة اللَّه بمجلس المدينة، نجد أن بعضًا من أعضاء مجالس الكنائس جديرون أن يكونوا أشرافًا لمدينة إلهية، إذا ما وجدت مثل هذه المدينة في العالم. في حين نجد الأعضاء المدنيين غير أهلٍ بأخلاقياتهم للمراكز البارزة التي يشغلونها بين مواطنيهم.
لتقارن على نفس هذا النمط رأس كل كنيسة برؤوس تلك المدن، فستجد أن الشاغلين، حتى لأدنى الدرجات في كنيسة اللَّه، متفوقين على كل الحكام المدنيين، إذا ما وضعنا فضائل الفئتين جنبًا إلى جنبٍ[5].
العلامة أوريجينوس
“نعمة لكم وسلام من اللَّه أبينا
والرب يسوع المسيح” [2].
إذ يتحدث الرسول بكل قوةٍ عن أبوته لهم الحانية وبذله من أجل الكل يطلب إليهم أن يتطلعوا إلى أبوة الآب وإلي عمل المسيح الخلاصي ليدركوا أن أبوة الرسول وحبه لخلاصهم إنما هما ظل وثمرة لأبوة الآب وبذل الابن.
- الأعمال التي يصنعها الآب يفعلها الابن أيضًا، والعطايا التي يقدمها الآب يهبها الابن أيضًا. يُُفهم من هذا أنه وإن كنا نعرف اللَّه بكونه الآب، فإننا لا نزال نُحسب خدامًا ليسوع المسيح. لسنا ندعوه “أخًا” بل “الرب”. لأنه هو الابن الوحيد الجنس بالطبيعة، وليس بالتبني، وهو رب كل الذين جعلهم أبناء اللَّه[6].
القديس ديديموس الضرير
“مبارك اللَّه أبو ربنا يسوع المسيح
أبو الرأفة وإله كل تعزية” [3].
إذ يتحدث عن الآلام التي يجتازها هو، وتلك التي يتعرض لها بعض الكورنثيين يبدأ بالحديث عن التعزيات الصادرة عن اللَّه، حتى لا يركز أحد فكره في الألم بل في التعزيات الإلهية، وقد قدم لنا الآب هنا بثلاثة ألقاب:
أولاً: أبو ربنا يسوع المسيح.
ثانيًا: أب الرأفات (المراحم)، يترفق بالنفس كما بالجسد، في هذا الزمان الحاضر كما في الأبدية.
ثالثًا: إله كل تعزية.
اعتاد العهد القديم تقديم اللَّه بكونه “إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب” (خر ١٥:٣، ١٦ ؛ ٥:٤ ،١٥:٧) ليؤكد أنه إله العهد مع الآباء ونسلهم. أما هنا فيشير إلى الابن لتأكيد العهد الجديد بين الآب والمؤمنين خلال دم ربنا يسوع. وكما يقول الرسول نفسه: “وأما المواعيد فقُبلت في إبراهيم وفي نسله، لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين، بل كأنه عن واحدٍ، وفي نسلك الذي هو المسيح” (غلا ١٦:٣).
يدعوه أيضًا “أبو الرآفات“، فإنه يسر بالرأفة ويبتهج بتقديم الرحمة. وكما يقول ميخا النبي: “من هو مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه، لا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه يسر بالرأفة” (مي ١٨:٧). كما يدعوه “إله كل تعزية“، إذ ينبثق منه المعزي الروح القدس (يو ٢٦:١٥)، مصدر كل تعزية وينبوع راحتنا.
إن كان عنف بعض الكورنثيين لم ينزع عن الرسول حنوه الشديد نحوهم إنما لأنه يتمتع معهم برآفات اللَّه وتعزياته الإلهية بالرغم من الأخطاء الصادرة عن الكل. هذه التعزيات هي سند لنا وسط أتعاب العالم وآلامه.
- يتحدث هنا عن “إله الرآفات” ليبث فيهم روح الرجاء بأن اللَّه يترقب توبتهم ليهبهم مراحمه ويُصلح من حياتهم. أراد الرسول أن يهبهم شيئًا من الراحة حتى لا يحطمهم التوبيخ أو الحزم. أما استخدامه صيغة الجمع فلتأكيد أنه مهما كثرت آثامهم فإن مراحم اللَّه ورأفاته أعظم وأقوى.
اللَّه وحده قدوس وصالح، يقدس الآخرين ويجعلهم صالحين. هو وحده الطوباوي، إذ يهب البركة ولا ينقلها من أحدٍ غيره. بالمثل هو أب المراحم بالطبيعة، لأنه مصدر كل رحمة وليس لأنه يطلبها من أحدٍ سواه[7].
القديس ديديموس الضرير
- لم يبدأ بولس بذكر الألم بل الراحة، مقدمًا الشكر علي ذلك قبل حدوثها، وموضحًا أن الراحة تحل خلال الألم[8].
ثيؤدور أسقف المصيصة
- إننا نؤمن “بالمعزي“، لكنني علَّمت بأن هذا اللقب ينطبق أيضًا على الآب والابن والروح القدس مشابهة وذلك كشهادة الكتاب المقدس الموحى به. أعطى الابن هذا الاسم “المعزي” لنفسه كما للروح القدس والآب بالتساوي…
يقول داود للآب: “أنت يارب اعنتني وعزيتني”. والرسول العظيم طبق ذلك على الآب بنفس الأسلوب، إذ يقول: “فبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية.
ويوحنا في إحدى رسائله الجامعة يستخدم بوضوح هذا الاسم “المعزي” للابن. بالأحرى الرب نفسه يقول انه سيرسل معزيًا آخر وذلك عندما تحدث عن الروح القدس[9].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
2. احتماله الآلام في المسيح لأجلهم
“الذي يعزينا في كل ضيقتنا،
حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة
بالتعزية التي نتعزى نحن بها من اللَّه” [4].
يفيض قلب الرسول بولس بالشكر الدائم للَّه واهب التعزيات وسط الضيقات. يشير الرسول بولس في هذه الرسالة إلى تعزيات اللَّه الفائقة في كل الظروف. فيتحدث عن تعزية اللَّه للمتألمين ظلمًا من أجل إيمانهم بالسيد المسيح، وعن تعزية الخطاة الراجعين إلى اللَّه بالتوبة ليتمتعوا بالشركة معه.
ربما وجَّههم الرسول إلى التعزيات فيدركوا أنهم نافعون للآخرين حتى في وسط آلامهم، فلا يقف الأمر عند تمتعهم بالتعزيات بل يفيضون بها على إخوتهم المتألمين مثلهم. ولعله كتب هذا لكي يرفعهم من حالة الإحباط التي حلّت بهم بسبب عدم زيارته لهم.
- كان الكورنثيون محبطين جدًا لأن الرسول لم يأتِ إليهم بالرغم من وعده لهم بذلك. فقد قضى كل الوقت في مكدونية، فظنوا أنه فضّلهم عنهم. لذلك يهيئ بولس نفوسهم ويعالج هذه المشاعر التي كانت ضده بإعلانه عن سبب غيابه دون الحديث عن ذلك مباشرة[10].
- الإنسان المحب الملتصق باللَّه على الدوام لا تؤذيه الأمواج مهما كثرت، بل على العكس يخرج منها بقوةٍ جديدةٍ. أما الإنسان الضعيف المتخاذل فإنه يسقط كثيرًا حتى ولو لم يوجد ما يضايقه[11]
القديس يوحنا الذهبي الفم
ذكرهم أيضًا بتعزيات اللَّه لهم حتى يشتاقوا ألا يُحرم أحد منها، مقدمين الفرصة للساقط التائب أن يختبرها فلا يسقط في اليأس.
- كتب بولس ذلك مقدمًا لأنه سيتحدث عن الإنسان الذي أُدين بسبب خطيته بأنه يجب أن يتصالح مع قوة اللَّه المعزّية[12].
سفيريان أسقف جبالة
يرى القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن هذه التعزيات هي عربون بهجة الحياة الأبدية، نختبرها في أعماقنا هنا لننعم بكمالها في الأبدية.
- ماذا يعني القول بأن ملكوت اللَّه داخلنا؟ سوى البهجة الصادرة من الأعالي للنفوس بالروح؟ فإن هذا يشبه صورة أو وديعة أو نموذجًا للنعمة الأبدية التي تتمتع بها نفوس القديسين في الحياة العتيدة. هكذا يدعونا اللَّه بعمل الروح للخلاص خلال آلامنا للشركة في صلاح الروح ونعمه[13].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
“لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا،
كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا” [5].
كأن الرسول يعلن أن من يتعرف على الإيمان من خلال دراسة الكتب والوعظ فقط مسكين وبائس، فإنه لا ينال من فيض تعزيات اللَّه خلال الشركة العملية مع المسيح المتألم.
يقدم لنا الرسول بولس خبرته بأن كثرة آلامه تزيده قوة، لأنها تفتح بالأكثر باب التعزيات الإلهية. عوض الشكوى مما أصابه من آلام يحث الكل أن يختبروا بركات طريق الآلام فينالوا أمجادًا سماوية.
- لم يرد بولس أن يُحزن تلاميذه بتقديم حساب مُبالغ فيه عن آلامه، عِوض ذلك يعلن عن عظمة التعزية التي تقبّلها، مذكرًا إيّاهم بالمسيح[14].
- إنه يسمو بنفوسنا حاسبًا هذه الآلام خاصة به، فأي فرحٍ يشملنا أن نكون شركاء المسيح، ومن أجله نتألم؟
- ما أمجد الآلام! بها نتشبه بموته!
كما يُلقى ممحص الذهب بقطعة الذهب في الفرن لتحتمل النار إلى حين حتى يراها قد تنقت، هكذا يسمح اللَّه بامتحان البشرية بالضيقات حتى تتنقى وتحصل على نفعٍ عظيمٍ… فليتنا لا نضطرب ولا نيأس عندما تحل بنا التجارب. لأنه كما أن ممحص الذهب يعلم الزمن الذي ينبغي أن يترك فيه الذهب في الفرن، فيخرجه في الوقت المعين ولا يتركه بعد في النار حتى لا يفسد ولا يحترق، هكذا كم بالأكثر يعلم اللَّه ذلك. فعندما يرانا قد تنقينا بالأكثر، يعتقنا من تجاربنا حتى لا ننطرح ونطرد بسبب تزايد شرورنا.
عندما يحل بنا أمر ما لم نكن نتوقعه، لا نتذمر ولا تخور قلوبنا، بل نتحمل اللَّه الذي يعرف هذه الأمور بدقةٍ، حتى يمتحن قلوبنا بالنار كيفما يُسر، إذا يفعل هذا بهدف وبقصد فائدة المجربين، لذلك يوصينا الحكيم قائلاً بأن نخضع لله في كل الأمور، لأنه يعرف تمامًا متى يخرجنا من فرن الشر. (حكمة يشوع 1 :1، 2)
نخضع له على الدوام، ونشكره باستمرار، محتملين كل شيءٍ برضى، سواء عندما يمنحنا بركات أو يقدم لنا تأديبات. لأن هذه الأخيرة هي نوع من أنواع البركات.
فالطبيب ليس فقط يسمح لنا بالاستحمام (في الحمامات)… أو الذهاب إلى الحدائق المبهجة بل وأيضًا عندما يستخدم المشرط والسكين هو طبيب!
والأب ليس فقط عندما يلاطف ابنه، بل وعندما يؤدبه ويعاقبه… هو أب!
وإذ نعلم أن الله أكثر حنوًا من كل الأطباء، فليس لنا أن نستقصي عن معاملته، ولا أن نطلب منه حسابًا عنها، بل ما يحسن في عينيه يفعله. فلا نميز إن كان يعتقنا من التجربة أو يؤدبنا لأنه بكلا الطريقين يود ردنا إلى الصحة، ويجعلنا شركاء معه، وهو يعلم احتياجاتنا المختلفة، وما يناسب كل واحد منا، وكيف، وبأية طريقة يلزمنا أن نخلص.
لنتبعه حيثما يأمرنا، ولا نفكر كثيرًا إن كان يأمرنا أن نسلك طريقًا سهلاً وممهدًا أو طريقًا صعبًا وعرًا[15].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إن كان كلما كثرت آلام المسيح هكذا أيضًا تزداد التعزية بالمسيح فلنرحب بآلام المسيح المشجّعة. ولتفض فينا، إن كنا بالحق نطلب التعزية الفيّاضة التي بها يتعزّى كل الحزانى، وإن كانت ليست متشابهة بالنسبة لكل واحدٍ. فلو أن التعزية متشابهة لكل أحدٍ ما كان قد كتب أنه كلما كثرت آلام المسيح فينا، هكذا تكثر التعزية بالمسيح جدًا. الذين يشتركون في الآلام سيشتركون أيضًا في التعزية حسب شركتهم في آلام المسيح[16].
العلامة أوريجينوس
يوجه الرسول أنظارنا إلى التمتع برؤية السيد المسيح المتألم والمصلوب عوض انشغالنا بالآلام. وقد جاءت كلمة “تعزية” هنا لتشير إلى تمتع النفس برؤية المسيح الحاضر وسط الضيق.
- واضح أن المسيح نفسه الذي من أجله نتألم هو حاضر معنا، يعزينا، ويخلصنا من التعب بتدخله الإلهي[17].
أمبروسياستر
- يعني بالتعزية “ثاوريا” وتُفسّر “رؤية النفس”، فالرؤية تلد تعزية[18].
القديس مار اسحق السرياني
“فإن كنا نتضايق فلأجل تعزيتكم وخلاصكم العامل في احتمال نفس الآلام التي نتألم بها نحن أيضًا،
أو نتعزى، فلأجل تعزيتكم وخلاصكم” [6].
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على الآيتين ٦ و٧ مؤكدًا دور الكارز وأيضًا المستمعين، فالكل يلزمهم أن يحتملوا الآلام من أجل الخلاص. ومن جانب آخر يعلق على تعبير “العامل which energizes itself“، إذ لا تعني مجرد “العامل” وإنما “العامل في ذاته“، ليظهر أن النعمة تعمل فيهم وتساهم بالأكثر مع رغبة ذهنهم[19]. هكذا يؤكد الرسول دور المؤمن وقبوله الآلام بإرادته، فتحل نعمة اللَّه فيه بالأكثر. إذ تتجاوب النعمة بالأكثر مع من يريد خلاص نفسه.
- ما يقوله هو هذا: إن خلاصكم ليس من عملنا نحن وحدنا، وإنما هو عملكم أنتم أيضًا. فإذ نكرز لكم بالكلمة نحتمل أحزانًا، وأنتم إذ تقبلونها تحتملون ذات الأمور.
نحن نحتمل لكي نهبكم ما تتسلمونه، وأنتم تحتملون لكي تقبلوا ما يوُهب لكم ولا يضيع منكم…
فإن خلاصكم يتحقق لا بالإيمان المجرد، وإنما بالآلام واحتمالكم معنا ذات الشيء…
خلاصكم يشبه ملاكمًا في الحلبة مملوء طاقة “العامل في ذاته” أعظم، هذه الطاقة تُعلن وتزداد وتعلو عندما تشعرون بالحاجة إلى التألم واحتمال كل شيءٍ بنبلٍ.
القديس يوحنا الذهبي الفم
إذ يكرس الخادم حياته لحساب ملكوت اللَّه، ويشتهي خلاص كل إنسان، يصير أداة مقدسة في يد اللَّه الذي يعمل به في ضيقاته كما في تعزياته، يعمل بكلماته كما بتصرفاته، يعمل بنقاوة قلبه الداخلية كما بسلوكه الظاهري، يعمل بكل كيانه.
إن كانت آلام الرسول تبعث فيه تعزيات التمتع برؤية المصلوب ومشاركته صلبه، فإنه في وسط الألم أو التعزية لن تفارقه أبوته لشعبه. إن كان يئن فلأجل خلاصهم، وإن كان يتعزى فلكي يشاركوه تعزياته التي ينالها من قبل الرب.
- أي تواضع يمكن مقارنته بهذا، حيث يرفع بولس الذين سقطوا بطريقة واضحة إلى مستواه كمساوين له. يتحقق خلاصنا بأكثر وضوح عندما نحتمل كل شيء بنبل،ٍٍ لا يحوي عمل الخلاص الإيمان وحده بل واحتمال الشرور التي تصيبنا[20].
- حمل بولس هذا الصليب، لا لأجل نفسه فحسب، وإنما لكى يتعلم الكل أن يمتثلوا به. لهذا يقول:
“كونوا متمثلين بي معًا أيها الاخوة، ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة” (في 17:3).
وأيضًا: “ما تعلَّمتموه وتسلَّمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيّ فهذا افعلوا” (في 9:4).
وأيضًا: “لأنه قد ُوهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضَا أن تتألموا لأجله” (في 29:1).
تظهر الكرامات البشرية بصورةٍ أفضل عندما تجتمع في شخصٍ واحدٍ، لكن الأمر مختلف في الروحيات، فإن الكرامات تكون أكثر بهاءً حينما يشترك فيها كثيرون ولا تقتصر على شخصٍ واحدٍ بل يتمتع بها كثيرون[21].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إن كان الرسل قد تألموا فكم بالأكثر يليق بالآخرين أن يتألموا مثلهم[22].
سفيريان أسقف جبالة
“فرجاؤنا من أجلكم ثابت،
عالمين أنكم كما أنتم شركاء في الآلام،
كذلك في التعزية أيضًا” [7].
لم يشك الرسول قط من جهة تمتع شعبه المتألم بالتعزية الإلهية.
بالحب لا يمكن عزل الرسول عن شعبه، ففي ضيقه كما في تعزياته يهدف إلى خلاصهم. هكذا يليق بهم هم أيضًا ألا يعزلوا أنفسهم عنه، فيشاركوه آلامه وتعزياته كأنها آلامهم وتعزياتهم. هذا هو الخط الواضح في الرسالة كلها.
- رجاؤه فيهم لا يهتز بسلوكهم. يخبرهم أيضًا بولس أنه إذ يتعزّى يتعزّون هم أيضًا. إن حسب الكورنثيون آلام بولس آلامهم، تصير تعزيته تعزيتهم. بقوله هذا ترجى بولس أنه يستطيع أن يشجعهم ويجعلهم يقبلون غيابه عنهم بأكثر سهولة[23].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فإننا لا نريد أن تجهلوا أيها الاخوة
من جهة ضيقتنا التي أصابتنا في آسيا،
أننا تثقلنا جدًا فوق الطاقة،
حتى آيسنا من الحياة أيضًا” [8].
يليق بالكنائس أن تدرك ما يحتمله الخدام الحقيقيون من متاعب لحساب ملكوت اللَّه. لا يشير الرسول هنا إلى متاعبٍ محددة بعينها سواء التي أثارها ديمتريوس الصائغ (أع ١٩) أو محاولة اليهود قتله (أع ٣:٢٠)، أو مواجهته للوحوش في أفسس كما جاء في الرسالة الأولى (٣٢:١٥)، أو غيرها، فقد تعرض الرسول لميتات كثيرة.
واضح أن ما تعرض له الرسول فوق احتمال البشر حتى يئس هو ومن معه من الحياة. ويبدو أن الرسول تعرض لضيقة شديدة جدًا قبيل كتابة رسالته هذه لم ترد في تاريخه، وكان أهل كورنثوس على علم بها، ولم يكن قادرًا إن يهرب من حبال الموت.
مع ما اتسم به الرسول من حياة التسليم، إذ يقول: “سلمنا فصرنا نُحمل” (أع ١٥:٢٧)، إلا إنه كان يئن وسط الضيقات، بل ونراه هنا يعترف بأنه قد بلغ حد اليأس. لكن سرعان ما يرفع عينيه إلى اللَّه مخلصه ويمتلئ بالرجاء المفرح.
- أظن أن بولس يشير هنا إلى الشغب الذي أثاره ديمتريوس الصائغ للفضة[24].
ثيؤدورت أسقف قورش
- لقد عدّد بولس أتعابه حتى إذا ما تحقق منها الكورنثيون يدركون أن ما يحل بهم يُحسب كلا شيء بالنسبة لما يعانيه هو. فالتلميذ الذي يحزن علي ما يصيبه من أذى يتعزّى عندما يرى سيده يتألم أكثر منه[25].
بيلاجيوس[26]
- إنه لأمرٍ معزٍ جدًا للناس أن يعرفوا ما يفعله الآخرون، وما يحدث معهم. فإن كانت الأخبار سيئة يتشجّعون ليكونوا نشطاء. بهذا يصير احتمال سقوطهم مثلهم أقل. وإن كانت الأخبار حسنة يفرح الكل معًا. هنا قدر ما يمكننا أن نرى كانت الأمور سيئة للغاية[27].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لكن كان لنا في أنفسنا حكم الموت،
لكي لا نكون متّكلين علي أنفسنا،
بل علي اللَّه الذي يقيم الأموات” [9].
يسمح اللَّه لشعبه بالدخول في الضيقات لكي يدركوا عجزهم عن الخلاص بأنفسهم، فيعترفوا عليه كمخلصٍ لهم، قادر أن يقيمهم من الموت ويرد لهم الحياة. تصير لهم خبرة أبيهم إبراهيم العملية، إذ آمن بالقادر أن يقيم من الأموات (رو ١٧:٤).
- كان بولس متوقعًا الموت، لكن لم يحدث هذا. بحسب مجرى الأحداث الطبيعة كان يجب أن يموت، لكن اللَّه لم يسمح بعد بذلك حتى يتعلم بولس ألا يثق في ذاته بل في اللَّه[28].
- يرتدى الذين لهم شرف العمل في الجيش زيًا مزخرفًا ويضعون سلاسل ذهبية حول أعناقهم، ولهم المظهر البهي، أما بولس فكان مقيدًا بالقيود عوض سلاسل الذهب، يحمل الصليب، وُيطارد وُيجلد وبجوع.
لا تحزن لهذا أيها العزيز المحبوب، لأن زينته عند اللَّه أفضل وأكثر جلالاً وأكثر حبًا. هذا هو السبب الذي لأجله لا يُحسب حمل الصليب عِبئًا.
هذا هو العجب، فإن (بولس) بقيوده وجلداته وجراحاته أكثر بهاءً مما لو ارتدى الأرجوان ولبس تاجًا. ملابسه هذه تجعله أكثر سموًّا، وليست هذه كلمات بلاغة مجردة.
لنطبق هذا على إنسانٍ مصابٍ بحمى، فإن الآلاف من الجواهر والثياب الأرجوانية لا تستطيع أن تشفي الحمى، أمّا مآزر بولس فكانت توضع على أجسام المرضى فتزول عنها كل الأمراض، وهذا ما يليق (بحامل الصليب) وحده! وكما إذا رأى اللصوص لواء الإمبراطور لا يقدرون أن يقتربوا بل يهربوا، كم الأكثر تهرب الأمراض والشياطين إذ يروا الصليب[29].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يتحقق الزُهد الكامل بعدم التعلق بهذه الحياة، وأن نضع أمام ذهننا التجاوب مع الموت، فلا نثق في ذواتنا. لكن تتحقق البداية بتحرر الشخص من كل الأمور الخارجية: الممتلكات والمجد الباطل و(التعلق) بالحياة في المجتمع والشهوات الباطلة، وذلك علي مثال تلميذي الرب القديسين يعقوب ويوحنا اللذين تركا أباهما زبدي والقارب الذي اعتمدا عليه في كل معيشة حياتهما. أيضًا ترك متى مكان الجباية وتبع الرب، لم يترك وراءه مكاسب المهنة فحسب، وإنما لم يبالِ بالمخاطر التي كانت ستحل عليه حتمًا وعلي عائلته من أيدي الحكام، لأنه ترك حسابات الجباية ولم يكملها. وبالنسبة لبولس فقد صُلب العالم له وهو للعالم[30].
القديس باسيليوس الكبير
تحدث أولاً عن الضيق بكونه الطريق الملوكي للتمتع بالتعزيات الإلهية، وأنه طريق الحب المتبادل بين المؤمن ومسيحه المصلوب، كما بينه وبين اخوته. ثم عبر بالحديث إلى خبرة الموت حيث بلغت نفسه إلى حافة اليأس، لكن إلى حين. عاد فاختبر وسط الضيق أنه مدين بكل حياته الجديدة أو المقامة من الموت لمسيحه القائم من الأموات. هذه الخبرة العملية عاشها في الماضي، إذ يقول: “نجانا من الموت“، وهي خبرة حية حاضرة إذ “هو ينجي“، وممتدة بروح الرجاء في المستقبل إذ “سينجي أيضًا“.
“الذي نجّانا من موت مثل هذا،
وهو ينجي،
الذي لنا رجاء فيه إنه سينجي أيضًا فيما بعد” [10].
رجاؤهم في اللَّه الذي ينجي من الموت لا يقوم على فكرة مجردة، وإنما على خبرة عملية، فقد سبق فنجاهم، ولا يزال ينجيهم، فلا مجال للتشكك في أنه سينجي أيضًا في المستقبل حتى النهاية. إنه الحافظ لملكوته الذي أقامه ويقيمه في أعماقنا.
تذكرنا لمعاملات اللَّه معنا في الماضي تبعث فينا روح الشكر، وتزيد إيماننا بعمل اللَّه، وتملأ نفوسنا يقينًا وفرحًا بالخلاص.
- مع أن القيامة أمر يخص المستقبل إلا أن بولس يُظهر أنها تحدث كل يوم. عندما يخلص إنسان من أبواب الموت، فإن هذا بالحق هو نوع من القيامة. يُمكن أن يُقال نفس الشيء عن الذين يخلصون من مرضٍ خطيرٍ أو تجاربٍ لا تُحتمل[31].
القديس يوحنا الذهبي الفم
3. صلاتهم عنه وهو متألم
“وأنتم أيضًا مساعدون بالصلاة لأجلنا،
لكي يؤدى شكر لأجلنا من أشخاص كثيرين،
علي ما وهب لنا بواسطة كثيرين” [11].
تشبه به القديس يوحنا الذهبي الفم فكان يطلب من شعبه الصلاة عنه، فمن كلماته: “الأسقف محتاج إلى مثل هذه الصلوات أكثر منكم… فبمقدار ما تكون منزلة الإنسان عظيمة هكذا يمكن أن تكون مفاسده عنيفة أيضًاز فضيلة واحدة في الأسقف كافية أن ترفعه إلى السماء، وزلة واحدة قادرة أن تلقيه في جهنم[32]“.
- قال بولس هذا لكي يحثهم على الصلاة من أجل الآخرين، ولكي يعتادوا أن يشكروا اللَّه عما يحدث مع الآخرين. الذين يفعلون هذا من أجل الآخرين بالأكثر يفعلونه من أجل أنفسهم. إن كان الذي في مرتبة عالية هكذا بالنسبة لهم يصرخ بأنه قد خلص بصلواتهم، فكم يليق بهم أن يكونوا هم ودعاء ومتواضعين من جانبهم؟[33]
القديس يوحنا الذهبي الفم
ثقته الكاملة في عمل اللَّه لا تدفعه إلى العزلة بل إلى الالتجاء إلى الجماعة كلها لتصلي حتى من أجل الرسول، فيسندوه في خدمته. يلتزم كل عضو أن يصلي لأجل نفسه كما لأجل أخيه، ويطلب صلوات اخوته عنه.
إنه شعور عجيب يجتاز قلب الرسول بولس، فهو مدين للَّه بعمله معه ومع اخوته، كما هو مدين لشعبه الذي يصلي لأجله ولأجل خدمته. بهذا لا يمكن للكبرياء أن يتسلل إلى قلب الرسول العجيب في نجاحه كما في تواضعه.
4. افتخاره بهم، وهم به
“لأن فخرنا هو هذا
شهادة ضميرنا أننا في بساطة وإخلاص اللَّه،
لا في حكمة جسدية،
بل في نعمة اللَّه تصرفنا في العالم،
ولا سيما من نحوكم” [12].
ما يعتز به الرسول هو شهادة ضميره الداخلي، لا مديح الناس أو حكمهم عليه. هذا الضمير المستنير بالروح القدس يشهد لبساطته وإخلاصه في سلوكه بالنعمة الإلهية سواء من جهة علاقته بالعالم أو بالكنيسة في كورنثوس.
يسلك ببساطة، أي بهدفٍ واضحٍ بلا انحراف، في نقاوةٍ بلا لومٍ، بنعمة اللَّه التي لا تعرف إلا الاستقامة، وليس حسب الحكمة البشرية التي كثيرًا ما تلجأ إلى الخداع والمكر تحت ستار “الحكمة”. يعمل بنعمة اللَّه السماوية، فلا يطلب إلا ما هو سماوي، وليس بحكمة بشرية تهتم بما هو زمني وأرضي.
في الرسالة الأولي انتقد الرسول بولس التعاليم التي تقوم علي حكمة أرضية بشرية (1 كو 17:1-16:2)، وها هو يشير إلى ذلك مرة أخري. إنه يحسب المعلّمين بها يمارسون الكرازة بحكمة العالم لأجل نفع مادي أو نوال كرامة زمنية. هذا ما دعى الرسول رفض قبول أي مقابل مادي عن خدمته.
يقصد بالعالم هنا البشرية كلها: اليهود والأمم، فإنه يخلص ويشتهي خلاص كل البشرية وبنيانهم ومجدهم.
- الذين يعيشون باستقامة سيرون قوة اللَّه عاملة في حياتهم فيتعزّون[34].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يليق بالفضيلة ألا تسعى وراء المجد والكرامة والسلطة، وإن كان الصالحون ينالون هذه في النهاية بطريقةٍ صالحةٍ، إذ هذه الأمور تتبع الفضيلة حتمًا. لا توجد فضيلة حقيقية إلا تلك التي تسعى نحو غاية البلوغ إلى الصلاح الحقيقي[35].
- الفضيلة الأفضل هي التي لا ترضي حكمًا بشريًا بل ضمير الشخص نفسه[36].
القديس أغسطينوس
“فإننا لا نكتب إليكم بشيء آخر سوي ما تقرأون أو تعرفون،
وأنا أرجو أنكم ستعرفون إلى النهاية أيضًا” [13].
يشير هنا إلى رسالته الأولى التي كتبها إليهم، فقد كتب قبلاً كما يكتب إليهم عن الحق الإلهي الذي يرجو ألا ينحرفوا عنه، بل يتمسكون به حتى النهاية.
إذ هاجمه البعض يقدم الرسول بولس حياته وأفكاره وأعماله كلها تتناغم مع كرازته، وتشهد لصدق خدمته.
- يقول بولس أنه لا يُعَلِم إلا ما تعلمه بنعمة اللَّه دون أية إضافة من عنده[37].
- بالرغم من الاتهامات الموجهة ضده يقول بولس بأنه لا يكرز بشيء ويفكر بشيء آخر. فالحقائق نفسها تتكلم وتؤكد ما هو حق[38].
ثيؤدورت أسقف قورش
- ما يقوله بولس مسنود بأعماله. فإننا خلال الأعمال نتعلم بما يفكر فيه الشخص حقيقة[39].
القديس أمبروسيوس
- لا يفتخر بولس. فإن كل ما يفعله هو أن يكتب حقائق يعرف الكورنثيون أنفسهم أنها صادقة[40].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“كما عرفتمونا أيضًا بعض المعرفة،
أننا فخركم،
كما أنكم أيضًا فخرنا في يوم الرب يسوع” [14].
مع التصاقهم الشديد بالرسول بولس وتعرفهم عليه، تبقى معرفتهم له جزئية. لا يدركون سرّ حياته الداخلية كما ينبغي. يرى البعض أنه لا يقصد بقوله: “بعض المعرفة” أن معرفتهم عنه ناقصة، وإنما يعني أنه ليس كل الكورنثيين يعرفونه، بل البعض منهم، أما الآخرون فلا يعرفونه، إذ لم ينتفعوا بخدمته وكرازته ورسائله ونصائحه لهم.
“في يوم الرب” العظيم حيث تُعلن أعماق كل إنسانٍ ونياته ومجده الداخلي، ويتقبل المؤمنون شركة المجد مع المسيح، ويفتخر الكورنثيون برسولهم، وهو يفتخر بهم. يفرحون يمجده، ويتهلل بمجدهم في الرب.
معرفتهم للرسول بولس وحياته الداخلية جزئية، ومع هذا فهي كافية أن تكون شهادة حية لصدق رسوليته، تدفعهم للافتخار به، وللتجاوب مع كلمة اللَّه التي يكرز بها، فصار يفتخر هو أيضًا بهم. هم يعتزون بإنجيله العملي المتناغم مع كرازته، وهو يعتز بعمل اللَّه فيهم من خلاله، والاثنان يتمتعان بأمجادٍ أبدية.
- يؤكد بولس بأن افتخاره بطاعة أولاده واضح، وسيكون ذلك لصالحهم في يوم الدينونة[41].
القديس أمبروسيوس
- تعرفوننا ليس من خلال اشاعات سمعتموها، وإنما خلال خبرة عملية. أما كلمة “بعض” فيقولها كنوعٍ من التواضع.
- يقطع بولس خلال حديثه جذور الحسد من الكورنثيين، إذ يجعلهم شركاء معه في مجد أعماله الصالحة[42].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يقول بولس بأن الكورننثيين يفهمون جزئيًا فقط، لأنهم لم يكونوا بعد قد رفضوا الاتهامات الباطلة التي وُجهت ضده[43].
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
5. شوقه للحضور إليهم
“وبهذه الثقة كنت أشاء أن آتي إليكم أولاً،
لتكون لكم نعمة ثانية” [15].
بهذه الثقة أنهم سيفتخرون به وهو بهم في يوم الرب، كان يود أن يزورهم لينالوا بركات أكثر، وذلك كما سبق فأخبرهم في رسالته الأولى (١ كو ٥:١٦).
كتابته لهم وزيارته القادمة إليهم تزيدان من تمتعهما بالحياة المطوَّبة وخبرة النعمة السماوية. بهذا فإنهم يثقون في حكمته سواء إن كتب أو زار أو قام بتأجيل الزيارة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه يقصد بكلمة “نعمة” “فرحًا[44]“.
- “لتكون لكم بهجة ثانية“. ستكون البهجة مضاعفة صادرة عند كتابته لهم وعند حضوره إليهم[45].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“وأن أمُر بكم إلى مكدونية،
وآتي أيضًا من مكدونية إليكم،
وأُشيَّع منكم إلى اليهودية” [16].
هذه كانت خطته الأولى التي لم يسمح اللَّه بتحقيقها.
- يظن البعض أن بولس قال هذا بروح المناضلة، ففي الرسالة الأولي وعد الكورنثيين أنه سيزور المكدونيين أولاً وبعد ذلك كورنثوس. وإذ لم يريدوا الانتظار شرح لهم ما كان في فكره[46].
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
“فإذ أنا عازم علي هذا،
ألعلي استعملت الخفة؟
أم أعزم على ما أعزم بحسب الجسد،
كي يكون عندي نعم نعم ولا لا” [17].
عندما كتب إليهم واضعًا في خطته أن يزورهم لم يكن ذلك عن خفةٍ، أي بدون اعتبارٍ وتفكيرٍ جادٍ، ولا أخذ القرار كرجلٍ جسداني، بل كان كل هدفه روحيًا، يمس نموهم الروحي. لم يكن يطلب نفعًا زمنيًا، بل تقديم نعمة مضاعفة لهم.
- يرفع بولس عنه الاتهام بأنه ليس موضع ثقة، وذلك بإعلانه أنه لم يغير رأيه مستعملاً الخفّة. إنما وُجدت أسباب قوية دعته ألا يتمم ما سبق أن وضعه في خطته الأصلية.
عندما لا يفعل الإنسان الروحي ما يقصده في فكره أن يفعله، هذا لأن في ذهنه شيء أكثر أهمية يخص خلاص نفس شخصٍ ما.
لم يحقق الرسول خطته الأصلية وذلك لكي ما يصير الكورنثيون – رجالاً ونساءً – في حالٍ أفضل. لقد تأخر في الذهاب عن قصد، لأنه يوجد بعض منهم لم يتطهروا بعد، وهو يترقب حدوث هذا أولاً. هذا تفكير روحي. أما التفكير الجسداني، فهو علي النقيض، أن يحدث التغيير بما يناسب الأهواء الشخصية وليس بما فيه من نفعٍ[47].
أمبروسياستر
- ما يقوله هو هكذا: “انه ليس عن خفة أي عن طياشة لم آت إليكم، وإنما لأني خاضع للروح، مطيع له.
- الإنسان الجسداني الذي ينجذب نحو العالم الحاضر ويُؤسر به تمامًا، هو خارج دائرة التأثير الروحي، وله القوة ليذهب في كل موضع ويفعل ما يحلو له. أما خادم الروح فيقوده الروح. فلا يقدر أن يفعل ما يحلو له، بل يعتمد على سلطان الروح. لم يكن بولس قادرًا أن يذهب إلى كورنثوس، لأنه لم تكن إرادة الروح أن يذهب هناك[48].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لكن أمين هو اللَّه
إن كلامنا لكم لم يكن نعم ولا” [18].
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم[49] أن قوله “كلامنا” يعني به كرازته وعمله وتحركاته، هذا كلها ليست بقدراته الشخصية، إنما ينسبها للَّه. لهذا يقول “أمين هو اللَّه“. لقد كشف عن رغبته في زيارتهم، لكن تحركاته ليست من عنده، بل هي من اللَّه الذي يستحيل عليه أن يخدع.
إذ يضع الرسول أمام عينيه اللَّه الأمين لم يقدم لهم إلا الحق الذي لا يعرف الالتواء، تارة يقول نعم وأخرى لا. وكأن ما قاله قبلاً ولم يحققه لم يكن عن خطأ في فكره، وإنما عن ظروفهم التي استدعت أن يؤجل الزيارة أو عن ظروف تمس خلاص آخرين فشعر بالالتزام ألا يتركهم.
خشي الرسول أن يربطوا تأجيل زيارته بكرازته أو إنجيله فيظنوا أنه متقلب الرأي غير ثابت في الفكر والحق.
- يقول بولس بأن كرازة اللَّه بواسطته كانت أمينة. أما المتملّقون، من الجانب الآخر، فغالبًا ما يفشلوا في الإشارة إلى الأمور الصادقة وذلك لكي لا يعارضوا الناس[50].
أمبروسياستر
- كان يليق ببولس أن يشرح السبب لماذا لم يستطع أن يحفظ وعده، حتى لا يفقد الكورنثيون الثقة في كرازته. في الواقع ما كرز به بولس كان موثوقًا فيه. وعده بأن يذهب إليهم كان من عندياته، ولكن الرسالة التي أعلنها كانت من اللَّه الذي لا يقدر أن يكذب[51].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لأن ابن اللَّه يسوع المسيح الذي كرز به بينكم بواسطتنا،
أنا وسلوانس وتيموثاوس،
لم يكن نعم ولا،
بل قد كان فيه نعم” [19].
إن ما يكرز به الرسول بولس أو غيره من الرسل والخدام هو شخص ابن اللَّه يسوع المسيح، الذي هو الحق غير الملتوي، فيه “النعم” وليس “لا”.
عندما نعترف نحن كبشرٍ أننا نكذب ننطق بالحق، لأننا نقول ما نعرفه، ونحن نعرف أننا نكذب. أما الكلمة الذي هو اللَّه، وهو أعظم منّا، فلن يقدر أن يفعل ذلك. إنه الحق الإلهي الذي يتحدث عن الآب بطريقة فريدة. قوة الكلمة عظيمة، لا يقدر أن يكذب، لأنه لا يوجد فيه نعم ولا، بل نعم نعم ولا لا.
يقول أمبروسياستر: [يليق بالكارزين المتأهلين أن يكونوا واضحين فيما يقولونه فلا ينطقوا بشيء غير نافع. إذ غالبًا ما تميل إرادتنا البشرية في اتجاهات متضاربة، يصر بولس بأنه لا يعمل حسب إرادته، بل حسبما يعرف أنه مفيد. في المسيح قطعًا لا توجد هذه المشكلة، إذ هو دائمًا يريد ما هو نافع. لهذا إرادة المسيح لن تتغير ولن تكون متأرجحة[52].]
- لا يمكن أن أقول بشيء غير ما قلته قبلاً. حديثي الآن ليس بشيء وسابقًا بشيءٍ آخر. فإن هذا ليس إيمانًا بل هو ذهن مشتت[53].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لأن مهما كانت مواعيد اللَّه،
فهو فيه النعم وفيه الأمين،
لمجد اللَّه بواسطتنا” [20].
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم[54] أن الوعود تقوم في اللَّه وتتحقق فيه، وليس من إنسان.
الكرازة بالمواعيد الإلهية هي دعوة بقبول شخص المسيح، الذي فيه ننعم بهذه المواعيد الصادقة والأمينة. فيه نجد الحق والرحمة ويتمجد اللَّه فينا. هو “العهد الجديد” الذي به نتمتع بميثاق المصالحة مع اللَّه والتمتع بحبه أبديًا. وكما يقول الرسول: “قد صار يسوع ضامنًا لعهدٍ أفضل” (عب ٢٢:٧).
بقوله “بواسطتنا” يؤكد الرسول أن ما تمتع به أهل كورنثوس من مواعيد إلهية فائقة إنما تحققت في المسيح يسوع، وذلك بواسطة كرازة الرسول بولس وغيره من الرسل. وأن ما آل إلى مجد اللَّه الآب إنما هو خلال الابن الوحيد، وقد كُرز به بواسطة الرسول. بمعني آخر بواسطة الرسل تمت الكرازة بالمسيح الذي فيه نالت البشرية الوعود الإلهية، وفيه تمجد الآب، فكيف يسلك بعد بخفةٍ أو بغير هدفٍ لائقٍ؟
- قدّمت كرازة بولس وعودًا بأمورٍ كثيرة، فتحدث عن أننا نقوم إلى الحياة من جديد، ونصعد إلى السماء. وتحدث عن عدم الفساد والمكافآت العظيمة التي تنتظرنا. هذه الوعود لا تتغير، ليست كوعد بولس لهم بأنه قادم إليهم. هذه الوعود دائمًا هي حق[55].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح،
وقد مسحنا هو اللَّه” [21].
في دفاع الرسول بولس عن نفسه أنه لم يتصرف بخفةٍ وجه أنظار القارئين إلى عمل الثالوث القدوس: الآب الذي قدم الوعود الإلهية الفائقة، والابن الوحيد الجنس الذي فيه تتحقق هذه الوعود، وأخيرًا الروح القدس الذي يثبت الشعب مع الرسل في المسيح، حيث ينالون مسحة التقديس والختم الإلهي المقدس لحمايتهم.
يمسح اللَّه مؤمنيه بمسحة روحه القدوس للثبات فيما ينالونه في المسيح يسوع من تحقيق للوعود الإلهية.
يضم الرسول بولس نفسه مع الشعب لكي يتمتع الكل بمسحة الروح القدس التي يهبها اللَّه لمؤمنيه كي يثبتوا في المسيح، الابن الوحيد الجنس، ويتمتعوا بقوته الإلهية، وينالوا روح النصرة علي العدو إبليس.
- يقول بولس أن المسيح يثبت الأمم في الإيمان الموعود به لليهود، إذ جعلنا واحدًا[56].
أمبروسياستر
- إن كان الأصل والينبوع قد تأسسا بطريقة لائقة، فكيف يمكننا ألا نتمتع بالثمار النابعة منهما؟ الواحد حتمًا يقود إلى الآخر[57].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- بعد هذه الكلمات، بعد جحد الشيطان وإقامة عهدٍ مع المسيح، فإنه بقدر ما قد صرت له تمامًا، ولم يعد لك شيء مشترك مع ذاك الشرير، يأمرك أن تُختم (تُمسح) ويوضع علي جبهتك علامة الصليب.
لا يخجل ذاك الوحش الكاسر. فإنه إذ يسمع هذه الكلمات يزداد وحشية بالأكثر، كما نتوقع، ويود أن يهاجمك في مشهدٍ. لذلك فإن اللَّه يمسح ملامحك، ويختم عليها علامة الصليب. بهذه الطريقة يكبح اللَّه جنون الشرير، فلا يعود يتجاسر إبليس أن يتطلع إلى هذا المشهد. فيكون كمن يرى أشعة الشمس فيثب بعيدًا، إذ تُصاب عيناه بالعمي عندما يتطلع إلى وجهك فيهرب.
خلال الميرون يختم الصليب عليك… ويلزمك أن تعرف أنه ليس بإنسان بل اللَّه نفسه هو الذي يمسحك بيد الكاهن. اصغ إلى القديس بولس وهو يقول: “اللَّه هو الذي يثبتنا نحن وأنتم في المسيح، وقد مسحنا” [21][58].
القديس يوحنا الذهبي الفم
المعمودية ختم Sphragis [59]
“الذي ختمنا أيضًا،
وأعطى عربون الروح في قلوبنا” [22].
كان الختان في العهد القديم أشبه بختمٍ مطبوعٍ علي الجسد، بدونه يفقد الإنسان انتسابه لشعب اللَّه، ويُحسب خائنًا للعهد الإلهي، ويسقط تحت الهلاك، لأنه “ختم لبرّ الإيمان” (كو 11:2، 12). أما في العهد الجديد فدُعيت المعمودية ختمًا Sphragis به يحمل الإنسان علامة العضوية الكنسيَّة الداخلية والاتحاد مع السيد المسيح، وقبول ملكوت اللَّه. وترجع هذه التسمية “ختم” ربما إلى الرسول بولس القائل: “ولكن الذي يثبّتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو اللَّه الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح في قلوبنا” (2 كو21:1، 22). “الذي فيهِ أيضًا إذ آمنتم خُتِمتم بروح الموعد القدّوس” (أف 13:1).
- المعمودية ختم مبارك[60].
القديس اكليمنضس الاسكندري
- أثناء العماد، عندما تأتي إلى حضرة الأساقفة أو الكهنة أو الشمامسة… اقترب إلى خادم العماد ولا تفكر في الوجه المنظور، بل تذكر الروح القدس، هذا الذي نتكلم عنه الآن، لأنه حاضر ليختم نفسك.
إنه سيهبك الختم الذي يرعب الأرواح الشريرة، وهو ختم سماوي مقدس كما هو مكتوب: “الذي فيه أيضًا (إذ آمنتم) ختمتم بروح الموعد القدوس”[61].
- عظيمة هي المعمودية المعدة فداء عن المأسورين… وختمًا مقدسًا لا ينفك[62].
القديس كيرلس الأورشليمي
- المعمودية هي شركة في اللوغوس، هلاك للخطيئة، مركبة تحملنا إلى اللَّه، مفتاح ملكوت السموات، ثوب عدم الفساد، حميم الميلاد الجديد، ختم[63].
القديس غريغوريوس النزينزي
هكذا تحدث آباء كثيرون عن المعمودية كختمٍ للنفس، مثل القديس اكليمنضس الروماني[64] وهرماس[65] والعلامة ترتليان[66] والقديس يوحنا الذهبي الفم[67].
- اقترب وتَقبَّل الختم السرائري لكي يعرفك سيدك، وتُحسب بين القديسين وقطيع المسيح المعروف، فتُوضع عن يمينه[68].
القديس كيرلس الأورشليمي
- العلامة التي تتسمون بها الآن إنما هي علامة أنكم قد صرتم قطيع المسيح[69].
الأب ثيؤدور أسقف المصيصة
- (الختم) هو ضمان للحفظ وعلامة الملكية.
- إن كنتم تحصنون أنفسكم بالختم، فتُوسم نفوسكم وأجسادكم بالزيت (المسحة) والروح، ماذا يُمكن أن يحدث لكم؟! القطيع الموسوم بالعلامة لا يُسلب بمكرٍ بسهولة، أما القطيع الذي لا يحمل العلامة فهو غنيمة للصوص…
يمكنكم أيضًا أن تموتوا في سلام.
لا تخافوا من أن تُحرموا من عون اللَّه الذي يهبه لكم لأجل خلاصكم[70].
القديس غريغوريوس النزينزي
- النفس التي لم تستنر ولا تحلت بنعمة الميلاد الجديد، لا أعرف إن كانت الملائكة تتقبلها بعد تركها الجسد!
حقًا انهم لا يستطيعون أن يتقبلوها مادامت لا تحمل الختمAsphragiston ، ولا أية علامة خاصة بمالكها.
حقًا أنها تصير محمولة في الهواء وتتجول بغير راحة دون أن يتطلع إليها أحد، إذ هي بلا مالك.
إنها تطلب الراحة فلا تجدها، تصرخ باطلاً، وتندم بلا فائدة[71].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
- الآن يُنقش اسمك وتُدعي للدخول إلى المعسكر (الروحي).
- يأتي كل واحدٍ منكم ويقدم نفسه أمام اللَّه في حضرة جيوش الملائكة غير المحصية، فيضع الروح القدس علامة على نفوسكم. بهذا تُسجل أنفسكم في جيش الملك العظيم[72].
القديس كيرلس الأورشليمي
- تطبع العلامة التي الآن هي علامة أنك قد صرت من قطيع المسيح، جندي ملك السماوات… الجندي الذي يُختار تفحص نفسيته وصحة جسده، ثم يتقبل علامة علي يده تُظهر الملك الذي يخدمه.
والآن قد أُخذت لملكوت السماوات ويمكن التعرف عليك، إن فحصك أحد يجدك جنديًا لدى ملك السماء![73]
الأب ثيؤدور أسقف المصيصة
- المعمودية هي ختم اللَّه، وكما خُلق الإنسان الأول علي صورة اللَّه ومثاله، هكذا الذي يتبع الروح القدس يُختم منه ويأخذ صورة الخالق[74].
القديس إيرونيموس
- الذين يستنيرون يتقبلون ملامح المسيح… فإنه حتما يُطبع علي كل واحد منهم شكل الكلمة وصورته وملامحه، حتى يُحسب المسيح مولودًا في كل واحدٍ منهم بفعل الروح القدس… ويصير الذين يتعمدون مسحاء آخرين[75].
الأب ميثوديوس
“ولكني استشهد اللَّه علي نفسي
إني اشفاقًا عليكم لم آت إلى كورنثوس” [23].
يدعو الرسول اللَّه كشاهدٍ على كلماته، إذ وُجد بينهم مقاومون يشككون في شخصيته وكلماته وإمكانياته.
- هنا يتحدث بولس مع أناسٍ من الواضح أنه يريدون الاصلاح ولكنهم لم يبذلوا بعد جهدًا في ذلك. إنه إشفاقًا بهم ذهب إلى موضع آخر في ذلك الحين حتى يضبطوا أنفسهم معًا. لم يرد بولس منهم أن يظنوا أنه يحتقرهم كمن هم غير أهلٍ (لزيارته). فإنهم ما أن يحققوا هذا ويصلحوا طرقهم حتى يأتي بولس لزيارتهم[76].
أمبروسياستر
- مكث بولس بعيدًا عن كورنثوس علي الأقل إلى حين، لأنه إن كان قد فعل هذا كنوعٍ من التأديب، فإنه ما كان يريد هو ولا هم يريدون هذا[77].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ليس أننا نسود علي إيمانكم،
بل نحن مؤازرون لسروركم،
لأنكم بالإيمان تثبتون” [24].
يكشف الرسول هنا عن دوره وهو أنه ليس سيدًا يعلن أوامر ويسود على إيمان الآخرين، إنما كأبٍ محبٍ يود إن يسندهم ليملأ حياتهم بالسرور والبهجة. إنه لا يود استخدام السلطة والتأديب، بل بروح التشجيع يهبهم فرحًا وسعادة. هذا ما دفعه إلى تأجيل زيارته لهم. إنهم بالإيمان الذي كرز به بولس الرسول أو غيره من الرسل يثبتون، لذا يليق بهم إلا يعتمدوا على إنسانٍ، مهما كان مركزه أو دوره في الكنيسة، بل على اللَّه موضوع إيمانهم.
- يقول بولس هذا لأن الإيمان لا يكون قهرًا بل موضوع إرادة حرة[78].
أمبروسياستر
- يضيف بولس ذلك لأن سلطانه كان واضحًا، الأمر الذي كان الكورنثيون يخشونه[79].
الأب ثيؤدورت أسقف قورش
- يقول بولس أنه لم يجد خطأ في إيمانهم. علي أي الأحوال توجد أمور أخرى يجب أن توضع في نصابها، وهو مهتم بها[80].
الأب ثيؤدور أسقف المصيصة
- “ليس اننا نسود على إيمانكم” أيها الأحباء، ولا نعطي أمرًا بهذه الأشياء كسادة وارباب. فإننا معينون للتعليم بالكلمة لا لنوال سلطةٍ أو سلطانٍ مطلقًا[81].
- يتوقف قبول العلاج على رغبة المريض لا الطبيب. هذا ما أدركه الرجل العجيب (بولس) عندما قال للكورنثيين: “ليس أننا نسود علي إيمانكم، بل نحن مؤازرون لسروركم” [24]. لأن المسيحيين، دون سواهم، لا يُسمح لهم أن يعالجوا الخطاة بغير إرادتهم. عندما يقبض قضاة العالم علي فعلة الإثم بسلطة القانون يستعملون سلطانًا عظيمًا، ويمنعونهم من مواصلة شرورهم ولو بالرغم من إرادتهم. أما في حالتنا، فإنه يجب إصلاح الخاطئ لا بالقهر بل بالتواضع[82].
القديس يوحنا الذهبي الفم
من وحي 2 كو 1
حبك يلهب قلبي بمحبة البشرية!
- حبك عجيب يا أيها الحب الفائق السرمدي!
أراك في حبك تُسر بالآلام من أجلي.
فيتسع قلبي بالحب لأسر بالآلام.
لست مستحقًا أن أتألم من أجلك،
ومن أجل أولادك الذين تحبهم!
- فيك نتحد جميعًا معًا!
أتمتع بقوة صلواتهم عني،
ولا أكف عن الصلاة من أجلهم.
- أفتخر بهم من أجل أنهم صاروا عجبًا!
وهم يعتزون بي،
إذ نشترك معًا في نعمتك.
- اشتهي رسولك بولس أن يفتقد كنيسة كورنثوس.
بقلبه الناري اشتهي أن يفتقد كل إنسانٍ!
إن سقط أحد يحسب كأن المدينة كلها قد ضاعت،
وإن تاب تتهلل الكنيسة كلها مع السمائيين من أجله.
- أشواقه هي ثمرة عمل روحك العجيب!
حقًا، يا لعذوبة الحب النابع عنك!
[1] In 2 Cor. Hom. 1:2.
[2] Pauline Commentary from the Greece Church.
[3] Commentary on Matthew, 14:1
[4] In 2 Cor. Hom. 1:2.
[5] Contra Celsum 3:27
[6] Pauline Comm. From the Greek Church.
[7]Pauline Comm. From the Greek Church.
[8] Pauline Commentary from the Greece Church.
[9] Against Eunomius, 2:14.
[10] In 2 Cor. Hom. 3:1.
[11] العناية الإلهية، ترجمة عايدة حنا، ص 12.
[12] Pauline Commentary from the Greece Church.
[13] On the Christian Mode of Life.
[14] In 2 Cor. Hom. 1:4.
[15] يسوع والمفلوجان: للقديس ذهبي الفم، ترجمة القمص تادرس يعقوب ملطي، 1966، ص35 الخ.
[16] Exhortation to Martyrdom, 42.
[17] CSEL 81:197.
[18] Ascetical Homilies, 74.
[19] In 2 Cor, hom 2, PG 61:428
[20] In 2 Cor. Hom. 2:1.
في مديح القديس بولس، عظة 7.[21]
[22] Pauline Commentary from the Greece Church.
[23] In 2 Cor. Hom. 2:2
[24] PG 82:379.
[25] Comm. On 2 Cor.
[26] بيلاجوس: مبتدع ركز على الأعمال، وحسب أن الإنسان قادر على الخلاص بفكره وعمله، واستهان بالإيمان والنعمة الإلهية، وقام القديس أغسطينوس بمواجهة هذه الأفكار الخاطئة.
[27] In 2 Cor. Hom. 2:3
[28] In 2Cor. Hom. 2:3
في مديح القديس بولس، عظة 7.[29]
[30] The Long Rules, 8.
[31] In 2 Cor. Hom. 2:4.
[32] للمؤلف: الحب الرعوي، ص 98 – 99.
[33] In 2 Cor. Hom. 2:5.
[34] In 2Cor. Hom. 3:1.
[35] Cizy of Gld 5:12.
[36] The City of God, 5:12.
[37] Com. On 2 Cor. 292.
[38] PG 82:382..
[39] CSEL 81:200.
[40] In 2 Cor. Hom. 3:1.
[41] CSEL 81:200-201.
[42] In 2 Cor. Hom. 3:2.
[43] PG 82:382.
[44] PG 61:444
[45] In 2 Cor. Hom. 3:2.
[46] PG 82:382.
[47] CSEL 81:201-2.
[48] In 2 Cor. Hom. 3:3.
[49] PG 61:446
[50] CSEL 81:202.
[51] In 2 Cor. Hom. 3:3.
[52] CSEL 81:2o2-3.
[53] In 2 Cor. Hom. 3:4.
[54] PG 61:447
[55] In 2 Cor. Hom. 3:4.
[56] CSEL 81:203-4.
[57] In 2 Cor. Hom. 3:4.
[58] Baptismal Instructions 11:27.
[59] المؤلف: الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر، 1981، باب 2: 5.
[60] Kay’s Writings of Clement of Alexandria, London 1835, p. 439.
[61] Cat. Lect. 17:35.
[62] Procortechesis 16.
[63] PG 36:361 C.
[64] Epis. 7.6.
[65] Sheph. Sim 9:6:3.
[66] De pudic 9:9.
[67] In 2 Cor. hom 3:7.
[68] PG 33:372.
[69] Cat. Hom 13:17.
[70] PG 36:364; 36:377 A.
[71] PG 46:424 C.
[72] PG 33:333 A, 428 A
[73] Cat. hom 13:17.
[74] Convivum virginum. Ench. Patr n. 613.
[75] علي رسالة أفسس 1، 13.
[76] CSEL 81:204.
[77] In 2 Cor. Hom. 4:1.
[78] CSEL 81:204.
[79] PG 82:386.
[80] Pauline Commentary from the Greece Church.
[81] In Ephes., hom 11.
[82] On Priesthood, book 2:3.