تفسير كورنثوس الأولى 10 – الأصحاح العاشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الأولى 10 – الأصحاح العاشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
الإصحاح العاشر
بناء الآخرين
في الاصحاح السابق عالج مشكلة الرسول مشكلة ما ذبح للأوثان على أساس تنازلات الحب، مقدمًا نفسه مثالاً حياً للتنازلات من أجل الإنجيل. وفي هذا الإصحاح يجيب الرسول بولس علي ثلاثة أسئلة خاصة بنفس الموضوع:
أولاً: ما هو موقف المؤمن من الولائم في هيكل وثني؟
ثانيًا: ما موقفه من اللحوم في السوق العام؟
ثالثًا: ما وقفه من الدعوة إلى وليمة في بيت صديقٍ وثنيٍ؟
1- موقفه من الولائم في هيكل أوثان 1-15
أ – القداسة هي مسرة الله 1-5
ب – تحذير من التجارب الشريرة 6-14.
ج – الالتزام بالحكمة 15.
د – شركة مع الله أو مع الشياطين 16-22.
2- موقفه من لحوم السوق العام 23-26.
3- موقفه من وليمة في بيت صديقٍ 27-33.
1- موقفه من الولائم في هيكل أوثان
لم يجب الرسول بولس علي هذا السؤال الخاص بموقف المؤمن من الدعوة الموجهة إليه للاشتراك في وليمة مُقامة داخل هيكل وثن بالقبول أو الرفض، لكنه قدم مبادئ هامة خلالها يستطيع المؤمن أن يأخذ قراره من داخله وليس كأمرٍ يصدر إليه. هذه المبادئ هي:
أ- القداسة هي مسرة الله
الله في حبه للبشرية يبسط يديه ليهبهم عطايا بلا حصر، لكن مسرته أن يرانا علي صورته ومثاله مقدسين في الحق كما هو قدوس والحق ذاته. فالعطايا الإلهية ليست مقياسًا لرضاه عنا، إنما تقديسنا هو موضوع مسرته بنا.
“فإني لست أريد أيها الاخوة أن تجهلوا
أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة
وجميعهم اجتازوا في البحر” [1].
الآن يقدم لهم كنيسة العهد القديم كمثال كيف تمتعت بهباتٍ إلهيةٍ كثيرةٍ، لكن هذه العطايا لم تبررهم، فإن ما يسر الله هو قداسة الكنيسة. وكأن غنى عطايا الله لنا وكثرة المواهب التي يمنحنا إياها لا تبررنا إن أهملنا خلاصنا. هكذا يود الرسول أن يؤكد لهم أنه عوض المشاحنات خاصة إن كانت في أمر أكلٍ أو شربٍ يليق بهم أن يهتموا بالخلاص على مستوى الجماعة كما على مستوى الأشخاص بتنقية حياتهم بروح الله الساكن فيهم.
يربط الرسول بين كنيستي العهد القديم والعهد الجديد، حاسبًا رجال الإيمان في العهد القديم آباء رجال العهد الجديد.
يكرر الرسول كلمة “جميعهم” خمس مرات في الآيات 1-4، ليؤكد عدم محاباة الله، فهو يقدم عطاياه للجميع بسخاء، ومع هذا لم يُسر إلا بمن يتجاوب مع حبه بالقداسة. العطايا مقدمة للجميع لكن المكافأة لكم يتقدس للرب.
كان غالبية شعب كنيسة كورنثوس من الأمم إلا أن جميعهم لا يجهلوا معاملات الله مع الشعب القديم، كيف اختارهم وخرج بهم من مصر، وقدم لهم سحابة تظللهم علامة رعايته الفائقة لهم كمن تحت جناحيه، واجتاز بهم البحر لكي يفصلهم عن فرعون وجنوده الوثنيين، ومع هذا كله لم يُسر الله بأكثرهم لأنهم لم يتجاوبوا عمليًا مع الدعوة التي دعوا إليها. فكيف يمكن لرجال العهد الجديد أن يتجاسروا ويدخلوا بكامل حريتهم إلي هياكل الأوثان ليشتركوا في موائدها ويظنون أن الله يُسر بهم.
بمعني آخر يقول لهم بأن الله اخرج الشعب وعزلهم بالبحر عن الجو الوثني فهل تندفعون بإرادتكم إلي جو مفسد؟!
تمتع الشعب القديم بالخروج من مصر والتحرر من عبودية إبليس واضح من الكتاب المقدس أن هذه السحابة العجيبة التي قدمها الله لشعبه في البرية حققت ثلاث وظائف:
- كانت سحابة في شكل عمود يقودهم ويوجههم في البرية نهارَا.
- كان عمودًا من النور يضيء المحلة بالليل.
- كانت السحابة مظلة تقيهم من حرارة الشمس (مز 105: 39).
“وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر” [2].
ربما ظن أهل كورنثوس أنهم إذ نالوا المعمودية حتمًا يتمتعون بالمجد الأبدي، فهم أقوياء في الضمير، يدخلون هياكل الأوثان ويشتركون في موائدها دون أن يتنجسوا أو ينحرفوا عن الحياة المقدسة. لهذا قدم لهم الشعب القديم الذين نالوا العماد بسيرهم تحت السحابة وعبورهم البحر الأحمر، ومع هذا فبأكثرهم لم يُسر الله. مع ضرورة العماد للخلاص، لكن من اعتمد ولم يسلك كابن لله، بل يتهاون في الحق، يهلك.
وكأن الرسول بولس قد رأى كنيسة العهد القديم في أيام موسى النبي قد اجتازت المعمودية رمزيًا. فالبحر يشير إلى جرن المياه، والسحابة التي ظللتهم تشير إلى الروح القدس، كقول الكتاب: “أرسلت روحك فغطاهم” (خر 10:15).
ظهرت رمزية عبور البحر الأحمر للمعمودية في العهد القديم نفسه، إذ رأى إشعياء النبي ذراع الرب (رمز للمسيح) يستيقظ من القبر محطمًا العدو إبليس أو التنين الساكن في أعماق المياه، فاتحًا طريق النصرة لكي يعبر أولاده وسط المياه ويخلصوا. يقول النبي: “استيقظي استيقظي البسي قوةً يا ذراع الرب. استيقظي كما في أيام القدم كما في الأدوار القديمة. أَلستِ أنتِ القاطعة رَهَب الطاعنة التنين؟! أَلستِ أَنتِ هي المُنَشِّفة البحر مياه الغمر العظيم، الجاعلة أعماق البحر طريقًا لعبور المفديين؟! ومفديُّو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بالترنم، وعلى رؤُوسهم فرح أبدي. ابتهاج وفرح يدركانهم. يهرب الحزن والتنهُّد” (إش 9:51-11).
إنها ثلاث صرخات: “استيقظي، استيقظي، استيقظي” وكأنها إعلان عن قوة القيامة المعلنة في اليوم الثالث، التي تُوهب لمفديي الرب في المعمودية خلال الغطسات الثلاث باسم الثالوث القدوس. مرة أخرى يطلب من السيد الذي عمل في القديم خلال رمز العبور أن يعمل الآن ليعبر بمفدييه وسط المياه ويدخل بهم إلى “الفرح الأبدي” الذي هو ملكوت الله الذي يهرب منه الحزن والتنهد. رأى النبي هلاك التنين وطعنه هذا الذي هو قاتل للبشر!! هكذا رأى إشعياء النبي في العبور مفاهيم لاهوتية حية لعمل المعمودية في حياة المؤمنين، ونصرتهم خلال الرب الذي قام وأقامهم معه، وتحطيم إبليس التنين القديم.
- يقول بولس أن اليهود كانوا تحت السحابة ليشير إلى أن كل شيء يُفهم منه أنه صورة للحق الذي يُعلن لنا. احتموا تحت السحابة من أعدائهم حتى يخلصوا من الموت، كمثال المعمودية. فإنهم إذ عبروا خلال البحر الأحمر خلصوا من المصريين الذين ماتوا فيه. (خر28:4-29)، وكان موتهم رمزًا لعمادنا الذي يميت أعدائنا[1].
أمبروسياستر
- خلاص إسرائيل من فرعون كان خلال البحر، وخلاص العالم من الخطيئة يتم بغسل الماء بكلمة الله (أف 26:5)[2].
- هناك موسى أرسله الله إلى مصر، هنا المسيح أرسله الآب إلى العالم. رسالة موسى أن يُخرج الشعب المُضطهد من مصر، ورسالة المسيح أن يخلص كل شعب العالم الذين تحت طاغية الخطية. هناك دم الحمل هو العلامة ضد المهلك؛ هنا دم الحمل الذي بلا عيب، يسوع المسيح، قد عين هيكلك الذي لن تلحق به الشياطين[3].
القديس كيرلس الأورشليمي
- عندما ترك الشعب مصر بإرادته وهربوا من سلطان ملك مصر بعبورهم الماء، أهلك الماء الملك وكل جيشه. أي شيء أكثر وضوحًا من هذا كرمز للمعمودية؟! فالشعوب تخلص من العالم بواسطة الماء، إذ يتركون الشيطان الذي كان يطغى عليهم، فيهلك في الماء[4].
العلامة ترتليان
- السحابة هي نعمة الروح القدس بينما يشير البحر إلى العماد.
ثيؤدورت أسقف قورش
- ما قد حدث، كما يقول الرسول، كان سّر العماد. واضح أن هذا كان نوعًا من العماد، حيث غطت السحابة الشعب، والمياه حملتهم. لكن المسيح الرب نفسه الذي فعل كل هذه الأمور الآن يدخل المعمودية قبل الشعب المسيحي في عمود جسده.[5].
مكسيموس أسقف تورين
- نال اليهود بالفعل أقدم معمودية للناموس ولموسى[6].
الشهيد كبريانوس
- كان تاريخ الخروج رمزًا لما يحدث مع الشعب المسيحي الذي لم يكن بعد قد تم[7].
القديس أغسطينوس
- البحر الأحمر الذي تَقّبل الإسرائيليين الذين لم يخافونه، هذا الذي خلصهم من الشرور التي أضمرها لهم المصريون المقتفون آثارهم، كان – و كل تاريخ الخروج – رمزًا للخلاص الذي يتم في المعمودية.
مصر في الحقيقة ترمز هنا للعالم الذي نمارس فيه شقاءنا بالحياة الشريرة التي نعيشها، والشعب هم الذين يستنيرون (يعتمدون)، والماء هو واسطة الخلاص للشعب يمثل المعمودية. فرعون وجنوده رمز للشيطان وأعوانه[8].
القديس ديديموس الضرير
- البحر هو رمز للعماد بالماء والسحابة فلنعمة المعمودية بالروح.
ثيؤدور أسقف المصيصة
- كانت السحابة رمزًا لنعمة الروح. فكما أن السحابة قد غطت الإسرائيليين وحمتهم من المصريين هكذا نعمة الروح كدرع تحمينا من حيل الشيطان. هكذا كما أن عبور البحر حماهم من أعدائهم ووهبهم حرية حقة، هكذا المعمودية تحمينا من أعدائنا. هكذا عاش الإسرائيليون تحت ناموس موسى. وهكذا نحن نعيش في العماد ملتحفين بروح التبني ووارثين العهود والاعتراف المتناغم مع وصايا المسيح[9].
جناديوس بطريرك القسطنطينية
“وجميعهم أكلوا طعامًا واحدًا روحيًا” [3].
- إذ يدعو الرسول الإلهي الرب طعامًا روحيًا وشرابًا روحيًا يقترح أنه يعرف أن الطبيعة البشرية ليست بسيطة، وإنما يوجد جزء عقلي ممتزج بالجزء الحسيّ، وأن نوعًا معينًا من القوت يحتاج إليه كل من الجزئين فينا: الطعام الحسيّ يقوي أجسادنا، والطعام الروحي لنمو نفوسنا[10].
غريغوريوس أسقف نيصص
- المسيح هو هذا السرّ، لأن الجسد هو للمسيح. هكذا فإن الطعام ليس ماديُا بل هو روحي[11].
القديس أمبروسيوس
- كل الذين أكلوا هذا الخبز (المن) ماتوا في البرية، وأما هذا الطعام الذي تتناولونه، هذا الخبز الحي النازل من السماء فينعش طاقة الحياة الأبدية. من يأكل هذا الخبز لن يموت إلى الأبد ،لأنه جسد المسيح (يو 49:6-58)…
- كان ذاك المن يخضع للفساد إن حفظ لليوم التالي. أما هذا فغريب عن كل فساد. من يذوقه بطريقة مقدسة لن يقدر أن يشعر بفساد. بالنسبة لأولئك كانت المياه تنفجر من الصخرة، أما بالنسبة لكم فالدم يفيض من المسيح. كانت المياه كافية إلى ساعة بالنسبة لهم، أما اليوم فيرويكم للأبدية[12].
القديس أمبروسيوس
- يدعو بولس الطعام فائق للطبيعة لأنه يهب من يأكله قوة الروح القدس (خر 11:16-36). على أي الأحوال لا يهب في ذاته أن يُصّير الشعب روحيًا (ما لم يقبله الشعب كما يليق).
ثيؤدور أسقف المصيصة
“وجميعهم شربوا شرابًا واحدُا روحيًا
لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم،
والصخرة كانت المسيح” [4].
يبدو أن البعض كانوا يعتمدون علي تناولهم من جسد الرب في سرّ الافخارستيا كتأكيد لخلاصهم مع تهاونهم في سلوكهم مثل الشركة في ولائم هياكل الأوثان. لذا قدم لهم الشعب القديم هؤلاء الذين أكلوا طعامًا واحدًا روحيًا، الذي هو المن، رمز جسد المسيح (يو 6: 31) الخبز النازل من السماء الذي يعطي حياة للعالم [33]، وهو خبز الحياة [48]، ومع هذا إذ لم يتقدسوا للرب هلكوا.
هل كانت الصخرة بالفعل تتبعهم؟ أم أن الحديث هنا رمزي؟ كان قدامى اليهود يعتقدون بان ينبوع المياه كان يسير معهم طوال رحلتهم، يصعد معهم علي الجبال وينزل معهم في الوديان. وهم يعتمدون في هذا علي النشيد: “اصعدي أيتها البئر أجيبوا لها بئر حفرها رؤساء، حفرها شرفاء الشعب بصولجان بعصيهم، ومن البرية إلي متاني الخ” (عد 21: 17 –20)
دُعي شرابًا روحيًا مع أنه ماء عادي يروي الأجساد لكنه قدم بطريقة فائقة للطبيعة:
فاض الينبوع مياها تروي حوالي 2 مليون شخصًا. قيل عن المياه التي فاضت إنها جدول مياه، ومجري مياه، وسيل، ونهر (عد 34: 5، يش 15: 4، 47، 1 مل 8:65، 2 مل 24:7) ينزل من الجبل هذا يدل علي أن جدول المياه كان متسعًا جدًا.
جبل حوريب مرتفع عن البلد الملاصقة له، وكأن المياه كانت تندفع منحدرة علي الجبل، لا تتجمع في حوض مياه، بل تتدفق نحو البحر في غير سكون. كأن المياه قد أوجدت نهرًا جاريًا يسير معهم في رحلتهم. إن قيل انه لا يوجد الآن ينبوع مياه يقيم نهرًا في تلك المنطقة، فالإجابة علي ذلك أن هذه العطية كانت هبة مقدمة للشعب علامة اهتمام الله به، كما كان يقدم لهم منًا من السماء يكفي مليونين شخصًا ليأكلوا ويشربوا كل هذه السنوات.
- لماذا يقول بولس هذه الأمور؟ إنه يشير إلينا بأنه كما أن الإسرائيليين لم ينتفعوا شيئًا من العطية العظمى التي تمتعوا بها، هكذا المسيحيون الكورنثوسيون لا ينتفعون شيئا من العماد أو التناول المقدس ما لم يسلكوا معلنين حياة لائقة بهذه النعمة[13].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- احسب كلمة الخالق وأشبهه بالصخرة التي سارت مع شعب إسرائيل في البرية. إنها لم تكن من مستودع للماء حوى داخله ما فاض عليهم بمجاري مجيدة. لم يكن في الصخرة ماء، لكن محيطات نبعت منها. هكذا فِعل الكلمة الذي شكَّل المخلوقات من لا شيء[14].
القديس إفرآم السرياني
- لسنا نعبد قطيعًا أو غنمًا لأن المسيح دُعي حملاً (يو 1: 29)، ودُعي بالنبي “ثورًا” (حز 43: 19)… ودُعي الأسد الخارج من سبط يهوذا (رؤ 5:5)، ولا نعبد حجرًا مع أن المسيح دُعي صخرة [4] ولا جبل صهيون حيث فيه نجد مثالاً للكنيسة (1 بط 2:4)[15].
- لا نرتبك بتلك الحقيقة أن العلامة أحيانًا تُستخدم اسمًا للمعنى بها كما يُقال عن الروح القدس أنه نزل في شكل جسدي كحمامة وحلّ عليه، وبنفس الطريقة الصخرة المضروبة دُعيت المسيح [4] لأنها رمز المسيح[16].
القديس أغسطينوس
- هذا بالتأكيد يشير لا إلى لاهوته بل إلى جسده الذي فاض على قلوب الشعب العطشى مجرى دمه الدائم[17].
القديس أمبروسيوس
- المن والماء الذي نبع من الصخرة دُعيا “روحيًا”، لأنهما لم يحدثا خلال قانون الطبيعة، بل بقوة الله العامل مستقلاً عن العناصر الطبيعية (خر 16: 11 ـ 36 ؛ 17 : 1- 7). لقد خُلقت هذه الأمور إلى حين كتذكارٍ للمسيح الرب[18].
أمبروسياستر
- نحن أيضًا سنصير صخرة، فنقتدي قدر ما نستطيع بطبيعتنا المتغيرة طبيعة السيد غير المتغيرة، الدائمة[19].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
- بالتأكيد هذا يشير بالأكثر إلى جسده المادي وليس إلى لاهوته لأن قلوب الناس العطشى كانت مرتوية بمجرى دمه اللانهائي[20].
الأب قيصريوس أسقف آرل
- الصخرة هي كل تلميذ للمسيح الذي منه يشربون كما من صخرة روحية تابعتهم، وعلى كل صخرة كهذه تُبنى كل كلمة للكنيسة، وسياستها تكون متفقة معها. فإن الله يبني كنيسته في كل شخص كامل يربط بانسجام بين الكلمات والأعمال والأفكار وممتلئ بالتطويبات[21].
العلامة أوريجينوس
“لكن بأكثرهم لم يسر الله
لأنهم طرحوا في القفر” [5].
علّة هلاك الشعب القديم هو اللهو [7]، والزنا [8]، وتجريبهم الرب [9]، والتذمر [10]. لذا وصية الرسول هي: “اهربوا …” [14].
بعد أن تمتع كل الشعب بالسحابة، وعبروا البحر، وأكلوا المن، وشربوا الماء، وتبعتهم الصخرة لم يسر الله بأكثرهم، لأنهم احزنوا روح الله القدوس، وأساءوا إلي النعمة الإلهية. إنهم بدأوا بالروح وكملوا بالجسد.
- لم يكن الإسرائيليون في أرض الموعد حين صنع الله معهم هذه الأمور. لهذا افتقدهم بتأديب مضاعف، إذ لم يسمح لهم أن يروا الأرض التي دعاهم إليها، وعاقبهم أيضًا بقسوة[22].
- هكذا يرفع الرسول من يسمعه بالأكثر عندما يحاور لا كمن يأمر، ولا كمن يستهين بالناموس، بل كمن ينصحهم ويتوسل أمامهم[23].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يود بولس أن يذكرنا بأننا لا نخلص بمجرد استقبالنا لنعمة الله المجانية. إنما يلزمنا البرهنة على أننا نريد قبول هذه النعمة المجانية. فأبناء إسرائيل استلموها، لكنهم برهنوا على عدم استحقاقهم لها فلم يخلصوا[24].
العلامة أوريجينوس
ب – تحذير من التجارب الشريرة
“وهذه الأمور حدثت مثالاً لنا
حتى لا نكون نحن مشتهين شرورا كما اشتهي أولئك” [6].
كان الكورنثوسيون يشبهون إسرائيل القديم إذ نالوا عطايا إلهية كثيرة، وقابلوا ذلك بالتذمر والشر عوض الشكر والقداسة، فصاروا تحت خطر الهلاك الذي حل بإسرائيل في البرية.
- كما أن المواهب رمزية هكذا التأديبات رمزية. لقد سبق فرُمز للمعمودية والتناول في النبوة. وبنفس الطريقة أُعلن تأكيد عقوبة غير المستحقين لهذه العطية مسبقًا من أجلنا، حتى نتعلم من هذه الأمثلة كيف يلزمنا أن نلاحظ خطواتنا[25].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فلا تكونوا عبدة أوثان كما كان أناس منهم،
كما هو مكتوب:
جلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب” [7].
اعتبر القديس بولس مشاركتهم في الولائم الوثنية بالهيكل ممارسة فعلية لعبادة الأوثان.
“قاموا للعب“: كان اليهود بوجه عام يفهمون اللعب هنا بمعني ممارسات دنسة تصحب العبادة الوثنية، كالرقص الخليع تكريمًا للآلهة.
- هل ترى كيف يدعو بولس الإسرائيليين عبدة أوثان؟ يقول هذا أولاً، وبعد ذلك يعطى أمثلة لمساندة صراعاته ضد هذه الأخطاء. أنه يعطينا أيضًا السبب لعبادتهم الأوثان، أي النهم[26].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ولا نزنِ كما زنى أناس منهم
فسقط في يوم واحد ثلاثة وعشرون ألفًا” [8].
في سفر العدد (25: 9) عدد الذين هلكوا 24 ألفا، فلماذا يذكر هنا 23 ألفا؟ لأن الله طلب من موسى تعليق الرؤساء مقابل الشمس هؤلاء يبلغ عددهم حوالي الألف شخصًا بجانب أل 23 ألفا الذين هلكوا بالوباء.
“ولا نجرب المسيح كما جرب أيضًا أناس منهم
فأهلكتهم الحيات” [9].
يشير هنا إلي “المسيح” في العهد الجديد، هذا الذي كان يدعي “يهوه” في العهد القديم، فقد جربه اليهود بجحدهم لعنايته الإلهية وتذمرهم عليه.
“ولا تتذمروا كما تذمر أيضًا أناس منهم
أهلكهم المهلك” [10].
تذمر عليه اليهود بسبب المن، وظنوا أن الوعود الإلهية التى قُدمت لهم في مصر لم تتحقق، فأهلكتهم الحيات، وأصابهم الوبأ. كما تذمر إسرائيل علي الله وعلي نبيه موسى، هكذا شعب كورنثوس تذمروا علي الله ورسوله بولس.
وتذمر الإسرائيليون عند موت قورح وجماعته (عد 16: 41، 49)، وحُسبت شكواهم ضد موسى وهرون أنها ضد الله نفسه (خر 16:8). اقتبس الرسول بولس ذلك حاسبا أهل كورنثوس متذمرين علي المسيح لأنهم تذمروا علي رسوله.
- المطلوب ليس فقط أن نتألم من أجل المسيح، بل أن نحتمل ما نتألم به بهدوء وكل بهجة، فإن هذه هي طبيعة إكليل المصارع. فإن لم نفعل ذلك تحل العقوبة علينا، إذ نقبل الكارثة بطريقة رديئة. هذا هو السبب لماذا كان الرسل يفرحون عندما كانوا يضربون وكان بولس يتمجد في آلامه[27].
- يحثنا على التخلص من هذه الخطية بكل سرعة[28].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يليق بالمسيحي ألا يتذمر قط سواء في العوز للضروريات أو في التعب والألم، فإنه يوجد مع الالتزام بهذه الأمور سلطان له يتمتع به[29].
القديس باسيليوس
“فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً
وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور” [11].
- دعاها “مثالاً” وقال أنها “كتبت من أجلنا” ثم أشار إلى النهاية ليذكرنا بنهاية كل الأمور. لأنه سوف لا تكون العقوبة هكذا إلى فترة محددة ثم تنتهي بل ستكون عقوبة أبدية. وكما أن العقوبة في هذا العالم تنتهي بنهاية العالم الحاضر، ففي العالم العتيد ستستمر على الدوام[30].
- مرة أخرى ينزع عنهم كبرياءهم هؤلاء الذين ظنوا أنهم على درجة عالية من المعرفة. فإن كان الذين نالوا ميزات عظيمة كهذه وآخرون هربوا ولم تستطع الجماهير أن تغير حكم الله من نحوهم فكم يكون الأمر بالنسبة لنا ما لم نصر حكماء[31].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إن كان يجب أن نعطي اهتمامًا أعظم بخصوص هذه الأمور، يلزمنا أن نحرص لئلا نخطئ في حق اخوتنا، ونجرح ضمائرهم عندما تكون ضعيفة، فنخطئ في حق المسيح. إذ يهلك اخوتنا الذين مات المسيح عنهم، لا خلال معرفتنا ولكن أيضًا خلال أسباب أخرى ترتبط بنا. ففي حالة ما نخطئ في حق المسيح سنسقط تحت العقوبة لأن نفوسهم التي تهلك بسببنا تُطلب منا[32].
العلامة أوريجينوس
“انتهت إلينا أواخر الدهور“: ربما يقصد أن زمان العهد القديم قد انتهي لبدء العهد الجديد، أو أن الدهور قد انتهت لأن ملء الزمان قد حل بمجيء المسيا مخلص العالم الذي اشتهى رجال الله يوم مجيئه.
كتبت هذه لأجل بولس الرسول ولأجل المسيحيين في عهده “إنذارنا نحن” بل ولأجل كل المؤمنين في العالم عبر كل العصور. فإن كلمة الله حية وفعالة. الكتاب المقدس هو كتاب كل إنسان، كتاب كل عصر.
بقوله: “أواخر الدهور” يشير إلي أنه إذ تحقق الخلاص بصليب السيد المسيح وقيامته وصعوده تمت خطة الله وتحقق تدبيره النهائي حتى يأتي لحملنا علي السحاب، لذا أعتبر العالم في “أواخر الدهور“.
- يسير بولس إلى نهاية الأزمنة ليرعب الكورنثوسيين. لأن العقوبات التي ستحل في ذلك الحين لا يوجد زمن يحدها بل هي أبدية. فالعقوبات التي تحدث في هذا العالم تنتهي مع حياتنا الحاضرة، أما التي تحل في العالم المقبل فتبقى أبدية[33].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“إذا من يظن انه قائم فلينظر أن لا يسقط” [12].
المؤمن الحق مع يقينه في عمل الله في حياته يبقي حذرًا حتى لا يفقد إيمانه ولا يسقط عن الحياة المقدسة في الرب التي يتمتع بها بالنعمة الإلهية. من لا يثبت في اتحاده مع الله ومثابرته علي العبادة بالروح والحق والسلوك بالحب يسقط في الظلمة وقساوة القلب.
يحذر الرسول هنا كل من يتكل علي ذاته ظانًا أنه محب لله وتمتع بعطايا إلهية ومواهب سماوية فيحسب نفسه أنه لن يسقط.
مادمنا في الجسد يلزم مع تمتعنا بالرجاء في نعمة الله الغنية أن نسلك بحذر، فلا يوجد من هو معصوم من الخطأ ، فإن عدو الخير تارة يحطمنا باليأس من خطايانا وأخري بالأمان الباطل والثقة الكاذبة في الذات، فننسي ضعفنا ولا نلح في الالتجاء إلي الحضن الإلهي كي يحمينا ويثبتنا فيه.
رجاؤنا في الخلاص يملأ قلوبنا فرحًا، وتواضعنا أمام الرب يثبتنا في هذا الرجاء ويضاعف فرحنا الخارجي.
- ثباتنا هنا ليس ثباتًا آمنًا. لا، حتى نخلص من تيارات هذه الحياة الحاضرة ونبحر إلى الميناء الهادئ. لا تنتفخوا إذن أنكم ثابتون، بل احرصوا لئلا تسقطوا، فإن كان بولس يخشى ذلك وهو أكثر ثباتًا منا جميعًا كم بالأكثر يليق بنا نحن أن نحذر؟![34]
- من يسب الآخرين يسقط حالاً في نفس الخطايا. لهذا ينصحنا الطوباوي بولس: “من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط” [11][35].
- أول ملامح التنظيم للقوى العسكرية (التكتيك العسكري) هو أن يعرف كيف تقف حسنًا. أمور كثيرة تعتمد على هذا. لهذا كثيرًا ما يتحدث عن القيام بثبات، قائلاً في موضع آخر: “اسهروا، اثبتوا في الإيمان” (كو 16: 13). وأيضًا: “اسهروا، اثبتوا في الإيمان” (1 كو 16: 13). وأيضًا :” اثبتوا في الرب” (في4 : 1)، وأيضًا: “من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط” [11]. وأيضًا: “وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا” (أف 6: 13). بلا شك لا يقصد مجرد أية طريقة للثبات بل الطريقة الصحيحة وكما أن كثيرين لهم خبرة في الحروب أن يعرفوا الأهمية القصوى لمعرفة كيف يثبت. فإن كان في حالة الملاكمين والمصارعين يذكر الممرنون هذا الأمر قبل كل شيء، أقصد الثبات، فكم بالأكثر يكون له الأولوية في الحروب والشئون العسكرية[36].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يقول بولس هذا لأولئك الذين إذ يعتمدون على معرفتهم أنه يحق لهم أن يأكلوا أي شيء، إنهم يعثرون الإخوة الضعفاء. فإذ يظنون أنهم قد ارتفعوا إلى مستوى أعلى هم في الواقع انحدروا بسبب تعليم الرسل الكذبة، يدينون بولس بينما هم أنفسهم المخطئون[37].
أمبروسياستر
“لم تصبكم تجربة إلا بشرية
ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون،
بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا” [13].
ما حلِّ بالكنيسة في كورنثوس من خصومات وتشويش هو بسبب عدم انشغالهم بالحياة الجديدة المقدسة في الرب، إذ يقول: “لم تصبكم تجربة إلا بشرية، ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا” [13].
يترجم القديس يوحنا الذهبي الفم “بشرية” صغيرة وقصيرة ومعتدلة. فإن ما حل بكنيسة كورنثوس يعتبر تجربة تافهة إن قورنت بما حل بالإسرائيليين.
“الله أمين” أما الشيطان فمخادع وكذاب. من يتكل علي الله يكون في آمان يحمل قوى إلهية.
الله أمين في مواعيده، لن يحطم رجاء أولاده فيه.
في أمانته وحكمته لن يسمح لمؤمنيه أن يحملوا فوق ما يستطيعون، يعرف إمكانية كل واحد ويسمح له بالتجربة بما فيه بنيانه.
بقوله “لم تصبكم” يعني “لم تصطدكم”. آماننا الوحيد هو أن “الله أمين“، وهذا فيه كل الكفاية. فإن التمسك بمواعيد الله والثقة في أبوته الحانية وإدراكنا لعنايته الحكيمة هذا كله يهبنا قوة لنجتاز التجربة ولا نشعر بأنها فوق الطاقة.
إنه يقدم وعدين: انه لن يسمح بتجربة فوق ما يستطيع المؤمن أن يحتمل، وأنه يهبه مع التجربة المنفذ.
كل الظروف والأحداث في قبضة الله ضابط الكل، يسمح بها حسب حكمته لأجل بنياننا إن كنا نتجاوب معه ونؤمن بأبوته.
- إذ رعبهم جدًا بتقديم أمثلة قديمة، وألقاهم في الألم، قال: “من يظن أنه قائم فلينظر ألا يسقط” [12]، فإنهم وإن كانوا قد تحملوا تجارب كثيرة وعانوا الكثير من المخاوف، إذ يقول: “وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة” (كو 2 : 3)، فلئلا يقولوا: “لماذا ترعبنا وتنذرنا؟ فإننا لسنا عديمي الخبرة في هذه المتاعب، فنحن أنفسنا قد اُُضطهدنا وعانينا الكثير وتحملنا مخاطر كثيرة ومستمرة”. لذلك مرة أخرى يحاصر كبرياءهم ويقول: “لم تصبكم تجربة إلا بشرية يمكن للإنسان أن يحتملها” [13]، أي تجربة صغيرة وسريعة وهينة. فإنه يستخدم تعبير “يحتملها إنسان” لما هو صغير، وذلك كما يقول: “أتكلم إنسانيًا من أجل ضعف جسدكم” (رو6: 19). ويقول: “لا تظنوا أنها أمور عظيمة كمن يغلب العاصفة. فإنكم لم تروا خطرًا يهدد بالموت ولا تجربة تنتهي بالذبح”، وكما يقول للعبرانيين: “لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية” (عب 12: 3 ،4) [38].
- يقول حتى تلك التجارب الهينة كما أشرت يمكن أن نحتملها بقوتنا، ومع ذلك نحن نطلب عونًا منه في معاركنا حتى نعبرها ويمكننا أن نحتملها، إذ يعطينا صبرًا ويجلب راحة سريعة، بهذا تصير التجربة محتملة[39].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إن كانت كل الخليقة ستنحل وهيئة هذا العالم تتغير، فلماذا نتعجب ونحن جزء من الخليقة أن نشعر بألمٍ عامٍ شديدٍ ونُسلم لأحزان يسمح لنا بها إلهنا حسب قياس قوتنا، ولا يسمح لنا أن نُجرب فوق ما نستطيع، بل مع التجربة يعطينا المنفذ لنستطيع أن نحتملها؟[40]
- يأمر الرب: “لكل شيء مقاييس وأوزان” (حكمة 11: 20)، ويجلب علينا تجارب لا تزيد عن قوتنا في الاحتمال، إنما يجرب كل الذين يحاربون في طريق الدين الحقيقي بالحزن، ولا يسمح لهم بالتجربة فوق ما يقدرون أن يحتملوا. يعطي دموعًا للشرب بمقياس عظيم (مز 80: 5) لكل الذين ينبغي أن يظهروا أنهم وسط أحزانهم يحفظون شكرهم له[41].
- إني مقتنع أنه إن وُجد صوت يحرك الله الصالح فإنه لن يجعل رحمته بعيدة، بل يعطي مع التجربة المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوها[42].
القديس باسيليوس
- لماذا كُتب هذا إن كنا الآن قد وُهبنا القدرة على النصرة على كل التجارب بمجرد احتمالها خلال قوة إرادتنا؟[43]
القديس أغسطينوس
- يحث بولس أهل كورنثوس أن يتجنبوا كل احتكاك بعبادة الأوثان، حتى تنفصل عنها ليس فقط أجسادنا بل وأذهاننا، لكي نحطم أي شكل من أشكال التجربة. لأن من ينشغل بالأوثان يحل أثرها عليه. الاتكال على الوثن هو الهروب من الله[44].
أمبروسياستر
- التجارب التي تحدث بواسطة الشيطان تتم لا بقوته، بل بسماح من الله، إذ يسمح بها إما لتأديبنا (عقابنا) أو لمحبته لنا يمتحنا ويدربنا. فهناك أنواع مختلفة من التجارب. فالتجربة التي سقط فيها يهوذا ببيعه سيده تختلف عن تجربة بطرس الذي أنكره بسبب الخوف.
وإنني أعتقد أن هناك تجارب عامة يخضع لها البشر بسبب ضعفهم البشري، مهما كانت سيرتهم حسنة. مثال ذلك أن يغضب إنسان على آخر أثناء إرشاده طريق الحق، فيخرج بذلك عن الهدوء الذي تتطلبه المسيحية. لذلك يقول بولس الرسول: “لم تصبكم تجربة إلا بشرية” بينما يقول في نفس الوقت “ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا” (1 كو 13:10).
مظهرًا بوضوح أننا لا نصلي لكي لا نجرب بل لكي لا ننقاد إلى تجربة، لأنه إذا سقطنا في تجربة لا نحتملها نكون قد انقدنا إلى تجربة، فإذا ثارت علينا تجارب خطيرة، بحيث يكون انقيادنا إليها مهلكًا لنا – سواء أكان ذلك لظروف في صالحنا أو ضدنا – فإن من لا ينقاد إليها مأسورًا ببهجة الانتصار يكون قد استغنى عن متاعب العدو[45].
القديس أغسطينوس
- لم يصلِ بولس لكي لا يُجرّب، لأن الإنسان الذي لا يُجرب لا يكون مزكّى. وإنما يطلب أن نكون قادرين على احتمال تجاربنا كما ينبغي[46].
سفيريان أسقف جبالة
- كثيرون تهزمهم التجربة ولا يحتملونها. ما يهبنا إيّاه الله ليس التأكيد أننا سنحتملها، وإنما الإمكانية أننا نصير قادرين على احتمالها[47].
العلامة أوريجينوس
- (لا تدخلنا في تجربةٍ)
هنا يثور سؤال ليس بتافهٍ، وهو إن كنا نصلي ألا نعاني من التجربة فكيف تتزكى قوة احتمالنا كالقول: “طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة” (يع 12:1)؟
العبارة “لا تدخلنا في تجربةٍ” لا تعني “لا تسمح لنا بتجربة”، لأن أيوب جُرِّب لكنه لم يدخل في تجربة، إذ لم يصف الله بأيّ تجديف، ولا استسلم بفمٍ شريرٍ كرغبة المجرب نفسه.
إبراهيم جُرِّب ويوسف جُرِّب، لكن لم يدخل أحدهما في تجربة، لأنهما لم يستسلما مرضيين للمجرب.
جاء بعد ذلك “لكن نَجِنّا من الشّرِّير”، أي لا تسمح لنا أن يجربنا الشيطان فوق ما نحتمل بل تجعل مع التجربة المنفذ لنستطيع أن نحتمل (1كو13:10) )[48].
v (كل إنسان يُهاجَمْ قدر طاقته)
لسنا نجهل أن الأرواح جميعها ليست في نفس الشراسة والنشاط، ولا في نفس الشجاعة والخبث، فالمبتدئون والضعفاء من البشر تهاجمهم الأرواح الضعيفة، فإذا ما انهزمت تلك الأرواح تأتي من هي أقوى منها لتهاجم جنود المسيح. ويصعُب علي الإنسان بقوته أن يقاوم، لأنه لا توازي طاقة أحد القديسين خُبث هؤلاء الأعداء (الروحيين) الأقوياء الكثيرين، أو يصد أحد هجماتهم، أو يحتمل قسوتهم ووحشيتهم، ما لم يرحمه المصارع معنا، ورئيس الصراع نفسه الرب يسوع، فيرد قوة المحاربين، ويصد الهجوم المتزايد، ويجعل مع التجربة المنفذ قدرما نستطيع أن نحتمل (1كو13:10)[49].
الأب سيرينوس
- يتكلم الرسول أيضًا عن نفس النتيجة قائلاً: “إذًا مَنْ يظنُّ أنهُ قائِم فلينظر أن لا يسقط. لم تُصِبكْم تجربة إلاَّ بشريَّة. ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا” (1كو12:10، 13). لأنه عندما قال: “مَنْ يظنُّ أنهُ قائِم فلينظر أن لا يسقط” أعطى إرادة حرة من جانبه، إذ يعلم بالتأكيد أنه بعدما نال النعمة يمكن أن يثبت بالجهاد أو يسقط خلال الإهمال.
لكن عندما أضاف: “لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون” يوبخ ضعفهم وخوار قلبهم الذي لم يتقوَ بعد، إذ لم يستطيعوا بعد أن يقاوموا هجمات قوات الشر الروحية، تلك القوات التي يحارب ضدها هو وغيره من الكاملين كل يوم، إذ يقول لأهل أفسس: “فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤَساءِ مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشرّ الروحية في السماويَّات” (أف 12:6). وعندما أضاف: “ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون” بالتأكيد لا يعني أنه لا يدعهم يجربون، إنما لا يُجربوا فوق طاقتهم. فالعبارة الأولى تشير إلى إرادة الإنسان الحرة والأخرى إلى نعمة الله الذي يلطف من عنف التجارب[50].
الأب شيريمون
- إن غلبتنا الشهوات الجسدية وصرنا عبيدًا لها في هذه المعركة لا نكون حاملين لعلامة الحرية، ولا لعلامة القوة، ونُستبعد من النضال ضد القوات الروحية كغير أهلٍ وكعبيدٍ بكل ما يسببه ذلك من ارتباك. لأن “كل من يفعل الخطية هو عبد للخطية” (يو 34:8). هكذا يصفنا الرسول بمثل هذه التسمية “زناة”. “لم تصبكم تجربة إلا بشرية”. (1 كو13:10). لأننا إن لم نهدف لإدراك قوة الفكر لن نكون أهلاً للدخول في صراع أشد ضد الشر علي مستوي أعلى، إن كنا لم ننجح في إخضاع جسدنا الضعيف الذي يقاوم الروح[51].
القديس يوحنا كاسيان
“لذلك يا أحبائي اهربوا من عبادة الأوثان” [14].
يحدثهم كحكماء طالبًا حكمهم [15] في أمرين:
- أن الذين يأكلون الذبائح هم شركاء المذبح [18].
- لا شركة بين كأس الرب وكأس الشياطين، وبين مائدة الرب ومائدة الشياطين [22].
من جهة الشركة فإن الكأس التي نباركها هي شركة واتحاد بدم المسيح، والخبز الذي نكسره هو شركة جسد المسيح المبذول. بتناولنا اياهما نصير واحدًا مع المسيح الذبيح، وننعم بشركة مع بعضنا البعض [15-17]، لهذا – مع الفارق – فمن يأكل في هيكل وثنٍ إنما يشترك في مائدة الأوثان لحساب الشياطين. هنا يمنع حتى أصحاب الضمير القوي من مائدة هياكل الوثن.
إذ يري الخطر يحل بهم يصرخ إليهم بروح الأبوة: “يا أحبائي!”
الله من جانبه أمين ومحب للبشر، ونحن من جانبنا يلزم أن نتجاوب مع أمانته وحبه، فنهرب من عبادة الأوثان والاشتراك في ولائمها، نهرب من كل ما يدفعنا نحو الخطية.
ج – الالتزام بالحكمة
“أقول كما للحكماء: احكموا أنتم في ما أقول” [15].
إذ يحسبون أنفسهم حكماء فليسلكوا بحكمة وليتعقلوا، فيدركوا أن الهروب من الوثن هو طريق الحكمة الحقة.
د – شركة مع الله أو مع الشياطين
“كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح؟
الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح؟” [16].
- ماذا تقول أيها الطوباوي بولس؟ كيف تجتذب كرامة المستمع وأنت تشير إلى الأسرار المهوبة، وتعطي لقب “كأس البركة” لذاك الكأس المهوب والمخوف جدا؟ يقول: “نعم، فهذا لقب ليس بهين الذي نُطق به. لأني عندما أدعوه “بركة” أقصد “الشكر“، وعندما أدعوه “الشكر” أكشف عن كنز صلاح الله[52].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- ذاك الكأس أو بالأحرى ما يحويه الكأس ويتقدس بكلمة الله هو دم المسيح. خلال هذه العناصر يود الرب أن يودعنا جسده ودمه اللذين بذلهما لأجل غفران الخطايا. أن تقبلهما باستحقاق تصير أنت نفسك ما قد تقبلته (تصير عضوًا في جسد المسيح) [53].
القديس أغسطينوس
“فإننا نحن الكثيرين خبز واحد،
جسد واحد،
لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد” [17].
يدعو شعب العهد القديم “إسرائيل حسب الجسد “، أما كنيسة العهد الجديد فهي ” إسرائيل حسب الروح”. كما أن إسرائيل القديم تمتع بالوحدة خلال المذبح واشترك معًا في الذبيحة، هكذا إسرائيل الجيد يتمتع بالوحدة خلال ذبيحة الإفخارستيا، فتصير كل الكنيسة خبزًا واحدًا.
- ما هو الخبز؟ جسد المسيح.
وماذا يصير إليه الذين يشتركون فيه؟ جسد المسيح، وليس أجسادًا كثيرة، بل جسد واحد. فكما أن الخبز يتكون من قمح كثير ويصير واحدًا، فلا يعود يظهر القمح وإن كان بالحق موجودًا، لكن لا يظهر الاختلاف بسبب الاتحاد معا، هكذا نحن نرتبط معًا الواحد مع الآخر ومع المسيح، فلا يكون لكم جسد واحد وآخر لقريبك كي تنتعش به، بل الجسد ذاته للكل. لذلك يقول: “لأننا جميعًا نشترك في الخبز الواحد” [17]. الآن إن كنا ننتعش بذات الخبز ونصير كلنا ذات الجسد، فلماذا لا نُظهر ذات الحب ونصير بهذا واحدًا؟[54]
القديس يوحنا الذهبي الفم
- كل نفس تتقبل الخبز النازل من السماء هي بيت الخبز، خبز المسيح، إذ تقتات ويتقوى قلبها بمؤنه الخبز السماوي الساكن فيها. لهذا يقول بولس: “نحن خبز واحد“. كل نفس أمينة هي بيت لحم، كما أنها تُدعى أورشليم، إذ يحل بها سلام أورشليم العليا وهدوءها التي هي السماء. هذا هو الخبز الحقيقي الذي بعد أن يُكسر إلى قطع يشبع كل البشرية[55].
القديس أمبروسيوس
- بالخبز تتعلمون كيف يجب أن تعتزّوا بالوحدة. هل هذا الخبز مصنوع من القمح؟ أليس كذلك؟ بالأحرى من قمح كثير؟
على أي الأحوال، قبل أن يصيروا خبزًا كان هذا القمح مبعثرًا. لقد انضم إلى بعضه البعض في الماء بعد أن طحن. فإنه ما لم يُطحن القمح ويُعجن بالماء لن يصل إلى ذاك الشكل الذي يُدعى خبزًا.
هكذا أنتم أيضًا كنتم قبلاً تُطحنون كما بمذلة أصوامكم وسرّ جحد الشيطان. عندئذ جئتم إلى معمودية الماء. لقد عجنتم حتى تبلغون شكل الخبز. ولكن بدون النار لن يوجد خبز[56].
- من يأكل جسد المسيح ويشرب دمه بلياقة ينضم إلى وحدة الجسد. أما الهراطقة والمنشقون فيمكنهم نوال السرّ لكن بلا نفع، بل بالحقيقة لضررهم. إذ هم يزيدون ألمهم عِِوض تقليل مدة عقوبتهم[57].
القديس أغسطينوس
“انظروا إسرائيل حسب الجسد،
أليس الذين يأكلون الذبائح هم شركاء المذبح؟” [18]
- أسألكم أن تتأملوا كيف أنه لم يقل بخصوص اليهود أنهم شركاء مع الله بل قال: “شركاء المذبح“، لأن ما كان يوضع عليه يحترق، أما بالنسبة لجسد المسيح فالأمر بخلاف هذا. كيف؟ إنه “شركة مع جسد الرب”. لنا شركة ليست شركة مع المذبح بل مع الرب نفسه[58].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فماذا أقول:
إن الوثن شيء؟ أو أن ما ذبح للوثن شيء؟” [19]
“بل أن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين لا لله،
فلست أريد أن تكونوا أنتم شركاء الشياطين” [20].
مع أن الوثن لا شيء، لا سلطان له ولا قوة، فإن ما يُقدم كذبائح له إنما يُقدم للشياطين وليس لله، ومن يشترك فيها إنما يكون في شركة مع الشياطين. والمؤمن الحقيقي لن يكون في شركة مع المسيح والشيطان في نفس الوقت.
إن كان الوثن لا شيء فلا يعني أن ما يُقدم له من ذبائح لا شيء، أي ليس بذبيحة، فيمكن للمؤمن أن يشترك فيها. لأن ما يُقدم إنما هو ذبيحة للشياطين، فيه شركة في عبادة الشياطين.
- لا تجروا نحو الأمور المضادة. فإنك إن كنت ابن الملك ولك حق الاشتراك في مائدة أبيك، فهل كنت تتركها وتختار مائدة المدانين والمسجونين في السجون السفلية؟ هل يسمح لك أبوك بهذا، بل بكل غيرة يسحبك ليس لكي لا تؤذيك مائدتهم وإنما لأن في هذا يعيب مائدتك الملوكية المكرمة[59].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- واضح من هذا أن ما يُدان في الخرافات الوثنية بواسطة الديانة الحقيقية ليست مجرد تقديم الذبائح (لأن القديسين القدماء قدموها لله الحقيقي)، وإنما لأنهم قدموها لآلهة باطلة وللشياطين الأشرار[60].
- من يشترك دون معرفة في طعام سبق أن رفضه لأنه قُدم لوثن لا يُحسب ذلك خطية. أية خضروات أو فاكهة من نتاج الأرض تنتمي إلى خالقها، فالأرض وملؤها للرب، وكل خليقة الله صالحة (مز 24: 1؛ 1 كو 10: 25 –26؛ ا تي 4:4). ومع ذلك فإن ما تنتجه الأرض إن كرّس أو قدُم لوثن تُحسب بين الأشياء المقدمة للأوثان[61].
القديس أغسطينوس
- كما أن الخبز والخمر في الإفخارستيا كانا خبزًا وخمرًا عاديًا قبل الاستدعاء المقدس للثالوث المسجود له، ولكن بعد الاستدعاء يصير الخبز جسد المسيح والخمر دمه، هكذا الطعام الذي يظهر مقدمًا لإبليس مع أنه طعام عادي في طبيعته لكنه يصير دنسًا باستدعاء الأرواح الشريرة[62].
القديس كيرلس الأورشليمي
- يقول بولس بأنه وراء سطح الوثن توجد قوة شيطانية لتفسد الإيمان بالله الواحد[63].
- من يشرب كأس الشياطين يسب كأس المسيح. ومن يأكل من مائدة الشياطين يثور ضد مائدة الرب، أي مذبح الرب، ويصلب جسده مرة أخرى[64].
أمبروسياستر
“لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس شياطين
لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين” [21].
بحسب الخارج يمكن الشركة في المائدتين (1 مل 18: 21)، لكن بالحق لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الشكلية الظاهرية.
“أم نغير الرب؟
ألعلنا أقوى منه؟” [22].
اعتبر الرسول أن من يشترك في مائدة الوثن يكون بمثابة من يُغير الرب على شعبه وهيكله.
تعتبر عبادة الأوثان زنا، أي تسليم القلب المخصص لله للشيطان، خيانة زوجية. يليق بالنفس أن تكون أمينة في اتحادها مع عريسها السماوي ولا تستبدله بآخر.
“ألعلنا أقوي منه؟” إنه يهدد العصاة الذين يتمردون عليه بعبادتهم للوثن، كيف يمكنهم أن يقفوا أمام تهديداته؟! من يشترك في مائدة الرب ثم يعود فيشترك في مائدة الشيطان إنما يغير الرب، فيضع نفسه في خطر مقاومة الرب نفسه.
- “أم نغير الرب؟ ألعلنا أقوى منه؟”[22]، بمعنى هل نجربه إن كان يقدر أن يعاقبنا ونثيره بذهابنا إلى المقاومين ونقف في جانب الأعداء؟[65]
القديس يوحنا الذهبي الفم
2- موقفه من لحوم السوق العام
“كل الأشياء تحل لي، لكن ليس كل الأشياء توافق.
كل الأشياء تحل لي، ولكن ليس كل الأشياء تبني” [23].
بعدما طالبنا الرسول بتقديس الجماعة وكل عضو فيها أكد الالتزام بعدم الاشتراك في ولائم الشياطين حتى يمكننا التمتع بالشركة في وليمة الرب. أما المبدأ الآخر فهو اهتمامنا ببنيان الغير، إذ يقول: “كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء تبني؛ لا يطلب أحد ما هو لنفسه بل كل واحد ما هو للآخر” [23-24] “كما أنا أيضًا أرضي الجميع في كل شيء غير طالب ما يوافق نفسي، بل الكثيرين لكي يخلصوا!” [33].
يحق لي أن آكل كل شيء، لكن هذا لا يوافقني، لأن فيه حزن وعثرة لأصحاب الأفكار الضعيفة.
- تعبير “لا توافق” هو تلميح خفي عن دمار الشخص الذي يتحدث إليه الرسول، وأما تعبير “لا يبني” فهو تلميح عن العثرة للأخ[66].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- سهل جدًا أن يرتعب مما هو ممنوع ذاك الذي له الخوف الوقور لما هو مسموح به[67].
العلامة ترتليان
- من يسيء استخدام كل ما هو شرعي يسقط سريعًا وبقوة في ارتكاب ما هو غير شرعي[68].
القديس إكليمنضس السكندري
“لا يطلب أحد ما هو لنفسه،
بل كل واحد ما هو للآخر” [24].
ليحيا كل إنسان، لا لنفسه بل لأجل البشرية المحيطة به.
الكلمة اليونانية المترجمة “ما هو للآخر” تشير إلي كل شيء وأي شيء يخص راحته ونفعه وسعادته وخلاصه.
- يوصي الرسول أعضاء المسيح المخلصين بقانون المحبة، فيقول: “لا يطلب أحد ما هو لنفسه، بل كل واحد ما هو للآخر” (1 كو 10: 24). فعند سماع هذا يكون الطمع مستعدًا بكل خداعاته. ففي أمور العمل تحت مظهر الطلب ما هو للآخرين قد تخدع إنسانا وهكذا “لا يطلب ما لنفسه بل ما للآخر”…
اسمع وأصغ يا أيها الطماع، فإن الرسول يوضح لك في موضع آخر بأكثر وضوح. فإنه إذ يقول: “لا يطلب أحد ما لنفسه به كل واحد ما هو للآخر” يوضح ذلك بنفسه: “غير طالبٍ ما يوافق نفسي، بل الكثيرين لكي يكون خادمًا مخلصًا للمسيح”[69].
القديس أغسطينوس
- حقيقة أن من يعبد الوثن يطلب ما يسره وحده. إنه يضع عقبات في طريق ضمير أخيه الضعيف. لهذا يليق بنا أن نسرع إلى مقاومة ممارسة مجرد ما نريده، وذلك من أجل محبة المسيح وخلاص اخوتنا[70].
أمبروسياستر
- السؤال ليس مجرد أن ما تأكله هو بضمير صالح، إنما هو: هل ما تفعله هو لنفع أخيك؟[71]
أوكيمينوس
“كل ما يباع في الملحمة كلوه،
غير فاحصين عن شيء من أجل الضمير” [25].
كان الدم يسفك كذبيحة مقدمة للوثن، أما اللحم فنصيب منه يُحرق علي المذبح، والثاني يأكله مقدم الذبيحة، والثالث يأخذه الكاهن. وكان غالبًا ما يجمع الكاهن أنصبته ويبعها في السوق. فبالنسبة للشركة في الأكل مع مقدم الذبيحة داخل الهيكل هذا مرفوض تمامًا، لأنه يعتبر شركة في العبادة الوثنية، أو في وليمة الوثن. هذا يقابله أو يضاده مائدة الرب، فمن يشترك في مائدة الوثن لا يقدر أن يشترك في مائدة الرب. أما ما يُباع في السوق فيمكن شراءه دون السؤال عن مصدره.
إذ يأكل الإنسان بشكرٍ يتقدس الطعام بكلمة الله والصلاة (1 تي 4: 4-5). فإن كل شيءٍ طاهر للطاهرين (تي 1: 15).
من جهة الضمير يكن للإنسان أن يأكل كل ما يُباع في السوق، لكن بحكمة فلا يشتري مسكرُا أو طعامًا قاتلاً.
في عصور مختلفة وجد أناس يتساءلون قبل شراء احتياجاتهم مثل:
هل ما نشتريه هو من عمل العبيد الذين يستغلهم السادة ويسفكون دماءهم بالعمل الشاق غير الإنساني؟
هل هو من مصنع يمارس العمل في يوم الرب؟
هل إيراد هذا المتجر يستخدم في أمور تمس حقوق البعض؟
- لم يسمح لهم بالسؤال أي بالبحث والاستقصاء إن كان هذا ذبيحة وثن أم لا، بل أن يأكلوا كل شيءٍ في السوق ببساطة… فإن هذه هي طبيعة هذه الأشياء التي لا تحمل شرًا في جوهرها، وإنما نية الإنسان التي تجعله دنسًا. لهذا يقول: “غير فاحصين“[72].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- الضمير هنا لا يشير إلى ضمير الشخص الذي يعلم أن الأوثان غير موجودة، وإنما ضمير ذاك الذي يرى شخصًا يشتري طعامًا ذُبح للأوثان ويشعر أن ذاك خطأ[73].
سفيريان أسقف جبالة
“لأن للرب الأرض وملأها” [26].
اقتبس الرسول هذه العبارة عن المزمور 24:1، تث 10: 14.
ما تقدمه الأرض من طعام نباتي أو حيواني هو هبة من الله، حتى وإن أساء البعض استخدامه وقدمه للوثن. إنه ثمرة حب الله ورعايته للإنسان.
- إن كانت الأرض والثمار والحيوانات هي خليقة الله، فليس شيء دنس، إنما تصير نجسة خلال نياتنا أو عصياننا[74].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- لا يخطئ إنسان أكل بغير معرفته طعامًا سبق فرفضه لأنه خاص بالأوثان. فإن الخضراوات وكل أنواع الثمار التي تنمو في أي حقل هي خاصة بالله خالقها[75].
القديس أغسطينوس
3- موقفه من وليمة في بيت صديقٍ
“وان كان أحد من غير المؤمنين يدعوكم وتريدون أن تذهبوا
فكل ما يقدم لكم كلوا منه،
غير فاحصين من أجل الضمير” [27].
اعتاد اليهود بصفة عامة عندما يُدعون إلى وليمة لدي شخص وثني أن يسألوه ويستجوبوه عن تفاصيل كثيرة حتى يتأكدوا أن الطعام غير دنس.
الإنسان المسيحي يشارك أصدقاءه مشاعرهم مادامت ليست علي حساب إيمانه، فإن دعاه لوليمة يقبل الدعوة، ولا يثير أسئلة لا لزوم لها.
- انظروا اعتداله، فإنه لم يأمر ولا وضع قانونًا بأن نلتزم بالانسحاب (من وليمة غير المؤمن) ولم يمنع ذلك[76].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يليق بنا أن نكف عن النهم ونأكل فقط ما هو ضروري. ولكن إن دعاه غير مؤمنٍ إلى وليمة وصمم أن تقبل الدعوة، فالرسول يخبرنا أن نأكل مما وَضع أمامنا. لا نلتزم بالامتناع عن الطعام الفاخر تمامًا، إنما يجب علينا ألا نشتهيه[77].
القديس إكليمنضس السكندري
“ولكن إن قال لكم أحد هذا مذبوح لوثن،
فلا تأكلوا من اجل ذاك الذي أعلمكم والضمير،
لأن للرب الأرض وملاها” [28].
يمكن للمؤمن أن يأكل ببساطة وبراءة مما يقدم له في الولائم الخاصة حتى في منازل الوثنيين، إذ لا يحسب ذلك شركة في مائدة الشياطين، ولا تُعتبر وليمة وثن. أما إذا أخبره إنسان بأن ما يُقدم ذبح للوثن يمتنع من أجل عدم عثرة ضعفاء النفوس.
“أقول الضمير ليس ضميرك أنت،
بل ضمير الآخر،
لأنه لماذا يحكم في حريتي من ضمير آخر؟” [29].
يخاطب أصحاب الضمير القوي، فهو مطمئن من جهة ضميرهم أنهم لا يصنعون خطأ، لكن إذ يطلبون ما للغير ويهتمون بخلاص أصحاب الضمير الضعيف يسلكون بما لا يعثرهم.
أما قوله: “لماذا يحكم في حريتي من ضمير آخر؟” هذا اعتراض من صاحب الضمير القوي. يسأل الرسول لماذا لا يمارس حريته بل يسلك حسب ضمير صاحب الضمير الضعيف؟
يقارن العلامة أوريجينوس بين خبز الرب (الأفخارستيا) والطعام موضحًا أننا ننعم ببركات خبز الرب خلال إيماننا به، فبدون الإيمان لن نتقدس، وأيضًا ما يدنس الإنسان ليس الطعام العادي في ذاته، وإنما ضمير الإنسان الدنس وعدم إيمانه، فيقول:
- حتى ما يُدعى خبز الرب… ليس الطعام بل ضمير من يأكل بشكٍ يدنس ذاك الذي يأكل، لأن من يشك يُدان متى أكل، إذ يأكل بدون إيمان. وليس شيء طاهرًا لمن هو دنس وغير مؤمن، وذلك ليس في الشيء نفسه، وإنما بسبب دنسه هو وعدم ايمانه. هكذا ما يتقدس بكلمة الله والصلاة لا يقدس من يستخدمه في طبيعته، لأنه لو كان الأمر كذلك لتقدس حتى ذاك الذي يأكل خبز الرب بدون استحقاق، ولا يصير أحد قط بسبب ذلك ضعيفًا أو مريضًا وأن ليس قليلون يرقدون [29]. ففي حالة خبز الرب ينتفع به ذاك الذي يستخدمه بعقل غير دنس وضمير طاهر[78].
العلامة أوريجينوس
“فان كنت أنا أتناول بشكر،
فلماذا يُفترى عليَّ لأجل ما أشكر عليه” [30].
- كما أن الشمس تلقي بأشعتها على مواضع كثيرة فاسدة وتعود الأشعة طاهرة هكذا بالأكثر نحن إذ نعيش في وسط العالم نبقى أطهارًا، إن أردنا ذلك، وذلك بالقوة العظمى التي لنا. تقول: إذن لماذا تمتنع؟ ليس لئلا أصير دنسًا، حاشا! وإنما من أجل أخي، وألا أكون شريكًا مع الشياطين وحتى لا يدينني غير المؤمن[79].
- انظروا كم هي الأسباب التي وضعها لكي نلتزم بالامتناع عن ذبائح الأوثان؟ بسبب عدم نفعها، وعدم الاحتياج إليها، ومن أجل الضرر الذي يصيب أخانا، ومن أجل الاتهامات الشريرة التي يقدمها اليهودي، ومن أجل إساءة الأممي، ولكي لا نكون شركاء الشياطين، ولأن في هذا نوع من العبادة الوثنية[80].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- الذي قال: أود ألا تكونوا شركاء مع الشياطين، أراد بأحاديثه أن ينفصلوا بحياتهم وسلوكهم عن الشعب الذي يخدم الشياطين[81].
القديس أغسطينوس
“فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا،
فافعلوا كل شيء لمجد الله” [31].
يليق بالمؤمن أن يمجد الله حتى في أكله أو شربه أو ممارسته أي عمل. الابن يكرم أباه حينما يسلك بوقارٍ ويظهر سمات أبيه فيه. حتى في أكلنا وشربنا يليق بنا أن يتجلى إلهنا فينا فيرى الكل فينا شركتنا لسمات إلهنا، وممارستنا لصلاحه ورحمته وقداسته.
- يستخدم الإنسان البار الطعام والشراب واضعًا في ذهنه الوصية: “فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا فافعلوا كل شيء لمجد الله” [31]. فإن كان من الضروري وضع صورة سريعة عن الطعام غير الطاهر حسب الإنجيل نقول أنه الطعام الذي يرتبط بالجشع، والذي يقوم على محبة المال الدنيئة، أو الأكل من أجل محبة اللذة أو للاستعباد للبطن التي تكرم هي وشهيتها لتسيطر على النفس عوض العقل[82].
العلامة أوريجينوس
- يليق بكل مسيحي بموافقة رؤسائه (الروحيين) أن يعمل كل شيء بتعقلٍ واتزانٍ حتى في الاعمال البسيطة كالأكل والشرب، فيفعل ذلك لمجد الله[83].
القديس باسيليوس
- أن نأكل ونشرب لمجد الله هو أن نأكل ونشرب بعد تقديم المجد للخالق[84].
أمبروسياستر
- افعل كل شيء بحرصٍ حتى يمجد الآخرون الله بك ولا يتعثرون[85].
سفيريان أسقف جبالة
- حتى إذا بسطت يديّ للعطاء أتأمل شريعة الله. إذا افتقدت مريضًا تتأمل رجلاي في شريعة الله. إن تممت ما قد وُصف لي كعلاجٍ إنما أصلي بكل جسدي ما يتلوه الآخرون بشفاههم[86].
القديس جيروم
- يريد أن تكون كل تصرفاتنا في صحبة المسيح كرفيقٍ وشاهدٍ. فنفعل الأمور الصالحة من أجله بكونه مصدرها. ونتجنب ما هو شرير من أجل الشركة معه. من يعرف أن المسيح هو رفيقه يخجل من فعل الشر.على أي الأحوال المسيح هو المعين في الأمور الصالحة وهو المدافع لنا في مواجهة الشرور[87].
مكسيموس أسقف تورينو
“كونوا بلا عثرة لليهود ولليونانيين ولكنيسة الله” [32].
يليق بالمؤمن أن يدقق في سلوكه حتى لا يعثر يهوديًا غير مسيحي أو أمميًا لم يقبل الإيمان بعد، أو مسيحيًا.
- اصنع كل شيء برقةٍ وبنظامٍ من أجل البنيان. يجب أن تختار الشخص والوقت والحاجة والمكان بما يليق، وتصمم على ذلك. فإنك إذ تأخذ في اعتبارك كل هذه التفاصيل تتجنب كل ظلٍ لأثرٍ شريرٍ[88].
- لا تكن عثرة بأية وسيلة لمن تلتقي بهم. كن بشوشًا لمن تلتقي بهم. كن بشوشًا، محبًا للاخوة، لطيفًا ومتواضعًا. لا تسيء إلى هدف الكرم بأن تطلب طعامًا مبالغًا فيه[89].
القديس باسيليوس
“كما أنا أيضًا أرضي الجميع في كل شيء،
غير طالب ما يوافق نفسي بل الكثيرين لكي يخلصوا” [33].
يقدم الرسول بولس نفسه مثالاً، إذ يود أن يكسب الكثيرين لا لنفسه بل لخلاصهم.
- أية منفعة عظمى يمكن أن يقتنيها الشعب المسيحي إن كان في وجود كارثة، وفي وجود خدام المسيح لا ينسحبوا من الاهتمام بأنفسهم. انظروا مدى الضرر الذي يحدث عندما يطلبون ما لأنفسهم وليس ما ليسوع المسيح (في 2:21)، عندما تنقصهم المحبة التي قيل عنها: “لا تطلب ما لنفسها” (1 كو 13: 5)، ويفشلون في الامتثال بذاك القائل: “غير طالب ما يوافق نفسي بل الكثيرين لكي يخلصوا” [33][90].
- “إن كنت بعد أرضي الناس فلست عبدًا للمسيح” يجب أن تفهم كمن يقول: إن كانت الأمور الصالحة التي أفعلها أمارسها من أجل مديح بشري كدافع لي على عملها؛ إن كنت أنتفخ بمحبة المديح، لن أكون خادمًا للمسيح. فالرسول إذن يود أن يرضي كل الناس ويفرح بمسرتهم، لا لكي يتباهى بمديحهم، بل لأنه بمدحه يبنون أنفسهم في المسيح[91].
- يريد الرسول من المؤمنين أن يًسرّوا الجميع، فهو يجد مسرّته في مسرة الكل، ليس لأنه يشبع في داخله بمديحهم، وإنما لأنه إذ يسرهم جميعًا يمكنه أن يبنيهم في المسيح[92].
القديس أغسطينوس
- ليس من أجل نفعه الزائل يتحدث عن السلام القادم، وإنما من أجل زملائه المؤمنين وأقربائه حتى يشتهونه فينالون الخلاص ويقيدون أنفسهم برباطات الاتفاق[93].
كاسيودوس
من وحي 1 كو 10
هب لي أن أُسِرّ قلبك،
يا من تغنيني بعطاياك!
- مخازنك العجيبة مفتوحة عبر كل الأجيال،
سِرْت بشعبك وسط البرّية،
ووهبتهم ذاتك سحابة تظلّلهم في النهار،
وعمود نور يقودهم بالليل.
قدمت لهم ماءً من الصخرة التي كانت تتبعهم.
وعوض ذبيحة الشكر، قدّموا تذمرًا وتمردًا!
عِوض الالتصاق بك، عبدوا العجل الذهبي.
تطلّب أن يُسروا بك وأنت بهم،
لكن في عنادٍ وقسوة قلب وغلاظة رقبة أرادوا أن يغيظوك!
- ها أنا في برّية حياتي.
تظلّلني بجناحي حبك وأنت على الصليب.
قدتني إلى نهر الأردن،
وقدّمت لي روحك يقودني بروح الحب،
يشرق عليَّ بالنور الإلهي، ويضيء فهمي.
يلهب قلبي بنار حبه الإلهي،
عوض الصخرة قدّمت ذاتك بجنبك المطعون.
يفيض عليّ بمياه الروح،
ويقدسني بالدم الثمين.
هب لي عوض الجحود أن أشكرك.
عِوض التمرد التصق بك بالطاعة.
عِوض الجفاف يلتهب قلبي حبًا!
نعم! أنت سروري وبهجة قلبي،
يا من تُسر بي أنا الخاطي الضعيف!
- بماذا أرد لك هذا الفيض من عطاياك؟
أرده لك في أولادك.
أصير معهم خبزًا واحدًا لا يعرف الانقسام.
نعم! لأثبت معهم فيك، بجسدك المقدس ودمك الكريم.
لأصر معهم واحدًا فيك!
هذا هو ما يُسر قلبك يا واهب الوحدة!
- وهبتني الحرية،
فكل الأشياء تحل لي،
لكنني لن أسلك إلا بما يوافقني كابن لك!
لا أتحرك إلا بما يبني نفسي ونفوس اخوتي فيك!
سأرضيك بأن أرضي من تحبهم.
لا أطلب ما لنفسي بل ما هو لمحبوبيك!
لأقتدي بك يا من قدمت ذاتك عني،
فأقدم نفسي مبذولاً من أجل اخوتي.
هب لي بروحك أن أشاركك صليب الحب!
[1] CSEL 81:107.
[2] Cat. Lect. 3:6.
[3] Mystagogical Lecture 11:3.
[4] De Baptismo 9.
[5] Sermons 100:3.
[6] Letter, 73.
[7] The Usefulness of Belief, 8.
[8] De:Triantate 2:14. PG 39:697 A.
[9] Gennadius of Constantinople (Pauline Comm. From the Greek Church).
[10] On Perfection.
[11] The Mysteries, 58.
[12] The Mysteries 8:48.
[13] On 1 Cor., hom. 23:3.
[14] Hymns on Paradise 5:1.
[15] Ep. 55:11.
[16] Ep. 169:9.
[17] The Holy Spirit 1:2.
[18] CSEL 81:108
[19] On Perfection.
[20] Sermons 117:2.
[21] Commentary on Matthew, 12:10.
[22] On 1 Cor., hom. 23:4.
[23] In 1 Corinth., hom. 24:2.
[24] Comm. On 1 Cor. 4:45:2-5.
[25] On 1 Cor., hom. 23:4.
[26] On 1 Cor., hom. 23:4.
[27] On 1 Cor., hom. 23:4.
[28] In 1 Corinth., hom. 24:2.
[29] Letter 22:2.
[30] In 1 Corinth., hom. 23:5.
[31] In 1 Corinth., hom. 23:5.
[32] Commentary on Matthew, 13:22.
[33] On 1 Cor., hom. 23:5.
[34] In 1 Corinth., hom. 23:5.
[35] In Titus. hom. 5.
[36] In Ephes., hom. 23.
[37] CSEL 81:111.
[38] In 1 Corinth., hom. 24:1.
[39] In 1 Corinth., hom. 24:1.
[40] Letter 139.
[41] Letter 219
[42] Letter 256.
[43] Letter 179 to Bishop John.
[44] CSEL 81:113.
[45] Sermon on the Amount 2:34.
[46] Pauline Commentary from the Greek Church.
[47] De Principiis 3:2:3.
[48] Cassian: Conferences 9:23.
[49] Cassian: Conferences 7:20.
[50] Cassian: Conferences 13:13.
[51] Institutions 5:16.
[52] In 1 Corinth., hom. 24:3.
[53] Homily 227.
[54] In 1 Corinth., hom. 24:4.
[55] Letter to Priests, 45, FC 26:263
[56] Sermon 227 FC 38:107.
[57] City of God 21:25.
[58] In 1 Corinth., hom. 24:5.
[59] In 1 Corinth., hom. 24:5.
[60] Ep. 102:19.
[61] Ep. 47:4.
[62] Mystagogical Lecture 1:7.
[63] CSEL 81:114.
[64] CSEL 81:115.
[65] In 1 Corinth., hom. 24:6.
[66] In 1 Corinth., hom. 24:6.
[67] The Appeal of Women 10:6.
[68] Paedagogus 2:1:14.
[69] Sermons on New Testament Lessons, 28:6.
[70] CSEL 81:116.
[71] Pauline Commentary from the Greek Church.
[72] In 1 Corinth., hom. 25:1.
[73] Pauline Commentary from the Greek Church.
[74] In 1 Corinth., hom. 25:1.
[75] Letter 47.
[76] In 1 Corinth., hom. 25:1.
[77] Paedagogus 2:10.
[78] Commentary on Matthew, 11:14.
[79] In 1 Corinth., hom. 25:2.
[80] In 1 Corinth., hom. 25:3.
[81] Sermons for Christmas and Epiphany, sermon 17:3.
[82] Commentary on Matthew, 11:12.
[83] Letter 22:2.
[84] CSEL 81:118.
[85] Pauline Commentary from the Greek Church.
[86] Hom. On the Psalms, Homily 1.
[87] Maximus of Turin: Pauline Commentary from the Greek Church.
[88] The Long Rules, 33.
[89] Letter, 42.
[90] Ep. 228:2.
[91] Ep. 228:2.
[92] Letter 231.
[93] Cassiodorus: Explanation of the Psalms 121:9.