تفسير كورنثوس الأولى 3 – الأصحاح الثالث – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير كورنثوس الأولى 3 – الأصحاح الثالث – القمص تادرس يعقوب ملطي
الإصحاح الثالث
فلاحة الله وبناء الله
في الإصحاح الأول سحب الرسول قلب الشعب إلي الصليب ليتحد الكل معًا في المسيح يسوع بروح الحكمة والقوة عوض الانشغال بالانشقاقات والانقسامات. وفي الإصحاح الثاني قدم لهم الروح القدس واهب الشركة ومقدم الحكمة الحقة لكي يتمتع الكل باستنارة الروح ويكون لهم فكر المسيح، ويدرك الكل الروحيات عوض بقائهم أناسًا طبيعيين يجهلون ما هو لله. هذا هو روح الشركة والوحدة بينهم في الرب. أما هنا فيقدم الله العامل في حياة الكنيسة. وكأنه في الإصحاح الأول تحدث عن دور الأقنوم الثاني، الكلمة المتجسد المصلوب لأجل خلاصنا، وفى الثاني عن دور الروح القدس، والثالث دور الأب. فوحدة الكنيسة تشغل الثالوث القدوس، العامل معًا لأجل وحدتنا معا في الرب.
إن كانت الكنيسة هي فلاحة الله [9]، أو كرمه، فإن الكل يعملون مع الله [9]، كل حسب موهبته [5]. لكن الله وحده هو الذي ينمي. وإن كانت الكنيسة هي بناء الله [9] فإن هذا البناء هو من عمل الله نفسه حيث وضع المسيح نفسه أساسًا واحدًا للكل، ويسكن الروح القدس الواحد في هذا البناء، فيقيم منا هيكلاً مقدسًا لله [17].
الله مهتم بنا بكوننا فلاحته وبناءه، فلماذا ننشغل بالعاملين في الكرم أو البناء؟ لقد أقامهم الله من أجلنا. كل شئ هو لنا!
1. حلول الانقسام بين الجسديين 1-4
- أنتم فلاحة الله 5-9
- أنتم بناء الله 10-11.
- فحص العمل بنارٍ 12-15.
- أنتم هيكل الله 16-17.
- عدم الافتخار بالحكمة 18-20.
- كل شيء لكم 21 –23.
1. حلول الانقسام بين الجسديين
يبدأ الرسول بولس بتوبيخهم من أجل ضعفهم كأطفال لم ينضجوا بعد في الروحيات. لهذا لم يستطع أن يتحدث معهم كروحيين بل كأطفال في المسيح [1]. لقد قبلوا الأسس الأولى للإيمان المسيحي، لكنهم لم ينضجوا بعد في فهمهم لها، ولا تمتعوا بالقداسة اللائقة بهم، بل انشغلوا بالفلسفة والحكمة في تشامخ وكبرياء. لهذا التزم أن يتعامل معهم كأطفالٍ في معرفة الأمور المقدسة.
“وأنا أيها الاخوة لم استطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين،
كأطفالٍ في المسيح” [1].
“كجسديين“، هنا يشير إلي الأشخاص الذين لا يبالون بمجد الله ولا يطلبون ما لبنيان اخوتهم، بل في أنانية يطلبون ملذات أنفسهم. يتحدث معهم كجسديين sarkihios أو skrhinois وهى تعني أناسًا تحت تأثير الشهوات الجسدية، يدب فيهم الحسد، وينشغلون بالزمنيات.
كلمة “أطفال” هنا تقابل الكاملين في النضوج أو الكاملين في المسيح (كو 1: 28، عب 5 : 13-14). إنهم يعيشون في المسيح، لكن في ضعف كما لو كانوا أطفالاً لم يسلكوا نحو الإنسان الكامل إلى قياس قامة ملء المسيح (أف 4 : 13).
يشبه المؤمنين بطريقة رمزية تارة كأطفال وأخرى كعذراء وثالثة كرجال وكما يقول العلامة أوريجينوس: [لتفسر معي بطريقة رمزية الأطفال كما جاء في العبارة “لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين كأطفال في المسيح” [1]، ونفسر النساء كما جاء في القول: “أريد أن أقدمكم جميعًا كعذراء عفيفة للمسيح”، والرجال كما جاء في القول:” وإذ صرت رجلاً أترك ما هو للأطفال”[1].]
إنهم أطفال في المسيح، عاجزون عن أخذ قرارٍ فيما يخص حياتهم الإيمانية، أو أنهم غير أهل للتمييز بين معلمٍ وآخر، حتى يصدروا قرارًا سليمًا, بمعنى آخر تنقصهم المعرفة الروحية اللائقة في إدراك الإلهيات.
- لمن يقول الرسول: “لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين” [1]؟ يكون الإنسان روحيًا في هذه الحياة بطريقة ما، وهي أنه وهو جسدي له جسده يرى ناموسًا آخر في أعضائه يحارب ناموس ذهنه. لكنه وهو في الجسد سيكون روحيًا إذ ينال هذا الجسد عينه القيامة التي قيل عنها: “يُزرع جسمًا حيوانيًا ويُقام جسمًا روحانيًا” (1 كو 15:44).
ماذا يكون هذا الجسد الروحاني؟ وكم هي عظمة نعمته؟ أخشى أن أكون متهورًا عند الحديث عن هذا إذ لم أنل بعد هذه الخبرة[2].
- لا يتحدث بولس عن أجسادهم، وإنما عن أرواحهم الجسدانية[3].
- كان هؤلاء الناس جسديين، لأنهم كانوا لا يزالوا عبيدًا لشهوات العالم الحاضر، مع أنهم اعتمدوا وقبلوا الروح القدس، لكنهم كانوا جسديين، لأنهم بعد عمادهم عادوا إلى حياتهم القديمة التي جحدوها. يسكن الروح القدس في الشخص متى ثبت هذا الشخص في إيمانه القوي بميلاده الجديد، وإلا يفارقه. إن تاب هذا الشخص يسكن فيه إذ هو دائمًا مستعد لما هو صالح، وهو محب للتوبة[4].
أمبروسياستر
“سقيتكم لبنًا لا طعامًا،
لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون،
بل الآن أيضًا لا تستطيعون” [2].
يقول الرسول: أقدم لكم لبنًا، أي المبادئ الأولية للمسيحية في بساطة، بسبب عجز ذهنكم عن إدراك المعرفة الروحية والحقائق الإنجيلية. إنه يدهش أنهم وهم بعد يشربون اللبن كأطفال يحكمون بين معلمٍ وآخر.
يليق بالراعي كأب أن يعرف كيف يقدم الطعام اللائق بكل شخصٍ، فالطفل يحتاج إلى اللبن لكي ينمو وينضج ويصير رجلاً في الرب، والناضج يحتاج إلى طعامٍ دسمٍ حتى لا يفقد قوته الروحية ونموه المستمر. يقدم لنا الرسول بولس طعامًا للثلاث مجموعات من البشر.
يحتاج الإنسان الطبيعي إلى الخلاص (2:14)، إذ لا يقبل ما للروح القدس. إنه تنقصه الحكمة الروحية الحقيقية.
ويحتاج الإنسان الجسداني كطفلٍ إلي التقديس (3: 1). فهو مشغول بالانشقاقات والصراعات بين البشر حتى إن كانوا رجال الله القديسين، ولا ينشغل بالله مخلصه.
يحتاج الإنسان الروحاني إلى العمل المستمر بروح الله لكي يصير دائم النمو (3: 14).
يري القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرسول أحدر روح الكبرياء منهم بالكشف عن أنهم لم يعرفوا الأمور الكاملة، وأن جهلهم يرجع إليهم. بجانب هذا يشير إليهم بأنهم حتى ذلك الوقت كانوا غير قادرين أن يحتملوا هذه الأمور الكاملة.
- لو أنهم كانوا غير قادرين بسبب الطبيعة لكان يمكن أن يُعفي عنهم، ولكن إذ يحدث هذا عن اختيار فليس لهم عذر[5].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- يقصد بولس باللبن التعاليم السلوكية والمعجزات، وبالغذاء القوي المقابل له إعلان تعاليم الله.
سفريان أسقف جبالة
- في الأمور الروحية “الطعام القوي” يعني التعاليم الخاصة بالآب والابن. في العهد القديم الطعام القوي يظهر تحت المظهر الخارجي للرمزية.
كمثال عندما نقرأ عن الحيّة التي رفعها موسى في البرية (عد8:21-9)، كانت هذه الحيّة صورة أو رمزًا للمسيح، والتي توضح لماذا قد أُنقذ الشعب عندما تطلع إليها[6].
العلامة أوريجينوس
- بالرغم من أنهم نالوا الميلاد الجديد في المسيح، لم يتهيأوا بعد لقبول الروحيات. وبالرغم من قبولهم الإيمان الذي هو بذار الروح لم يأتوا بعد بثمرٍ لائق بالله، وإنما كأطفالٍ يشتهون الأحاسيس الجسدية لغير الكمال.
أما بولس الذي هو رجل الله والطبيب الروحي فيقدم اللبن في الأمور الروحية بسبب عدم كمالهم وعدم خبرتهم.
يحاور بولس بقوة الذين يشتكون أنهم لم يسمعوا شيئًا روحيًا منذ زمان طويل، إذ كانوا بالحق غير أهلٍ لسماعها. أما الرسل الكذبة فيقدمون رسالتهم كما لأشخاص يودون أن يُسمعوا دون تمييز من جانبهم.
يتفق الكل بأن ربنا يسوع المسيح تحدث بطريقة ما علانية وبطريقة أخرى مع تلاميذه على وجه الخصوص، ومؤخرًا اختار على وجه الخصوص من بين الآخرين، معلنًا مجده على الجبل لثلاثة فقط من تلاميذه، وأخبرهم ألا يقولوا شيئًا عما حدث حتى يقوم من الأموات[7].
أمبروسياستر
- قد يسيء أحد الفهم… حاسبًا أن من يخبئ الحقيقة عن الآخرين في أي ظرف من الظروف يكون كمن يتكلم باطلاً. لقد أضاف الرب “لا تعطوا القدس للكلاب. ولا تطرحوا دُرَركم قدام الخنازير. لئَلاَّ تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزّقكم”. الرب نفسه رغم عدم نطقه بالكذب قط أخفى حقائق معينة إذ يقول: “إِن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأَقُول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن” (يو 12:16). كما يقول الرسول بولس: “وأنا أيُّها الاخوة لم أستطع أن أكلّمكم كروحيّين بل كجسديّين كأطفالٍ في المسيح. سقيتكم لبنًا لا طعامًا لأنكم لم تكونوا بعدُ تستطيعون بل الآن أيضًا لا تستطيعون” (1 كو 1:3، 2)[8].
القديس أغسطينوس
- يُهبِط بولس من مستوى تعليمه حسب عجزهم عن الفهم[9].
ثيؤدورت أسقف قورش
يقدم الرسول بولس للشعب البسيط في معرفته لبنًا ويرى الأب قيصريوس أسقف آرل أن بعض المعلمين يشبهون البقرة التي تقدم لبنًا. [ليس بطريقة غير لائقة أيها الأعزاء المحبوبون يبدو الشيوخ أنهم يحملون شبهًا للبقر. كما أن البقرة لها ثديان لتقوت عجلها (باللبن) هكذا أيضًا يليق بالشيوخ أن يعولوا الشعب المسيحي بثدييهم الاثنين: بالعهدين القديم والجديد[10].]
“لأنكم بعد جسديون،
فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق
ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر؟” [3]
انهم يعانون من أخطاء بأفكارهم كما بكلماتهم وسلوكهم. فالحسد هنا يشير إلى فساد القلب الداخلي الذي لا يتسع بالحب نحو الناجحين والنامين. والخصام يشير إلى تحويل الفكر إلي كلمات جارحة والدخول في خصومة كلامية. والانشقاق يشير إلى خطأ يمس السلوك العملي، حيث لم يستطيعوا أن يتفقوا معًا، فصاروا منفصلين عن بعضهم البعض، فمزقوا كنيسة المسيح. هكذا قادهم الحسد الداخلي والخصام بالحوار غير البناء إلى تقسيم كنيسة المسيح الواحدة. أما من يخضع لروح الرب فيسلك كإنسان روحي مملوء في أعماقه سلامًا، ويسكب هذا السلام إن أمكن علي كل من هم حوله.
الحسد ينزع عن النفس سلامها فلا تحتمل سلام الجماعة وبنيانها وكما يقول القديس كبريانوس: [كل الشرور لها حدود، وكل خطأ ينتهي بارتكاب الجريمة… أما الحسد فليست له حدود. إنه شر يعمل على الدوام وخطية ليس لها نهاية[11].] ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الحاسد أردأ من الوحوش الضارية، وأخبث من الشياطين، لأن غضب الوحوش وشرها ينتج عن جوعها أو خوفها منا، أما الحاسدون فمن يحسن إليهم يكون كمن ظلمهم[12].] [الشيطان حاسد لكنه يحسد البشرية ولا يحسد شيطانًا آخر. أما أنت فإنسان وتحسد أخاك الإنسان، وبالأخص الذين هم من عائلتك وعشيرتك، الأمر الذي لا يصنعه الشيطان[13].]
- كيف تُحفظ الوحدة؟ “في رباط السلام”.
فإنه لا يمكن أن توجد هذه الوحدة مع العداوة والخصام[14].
- فانه في هذا يجعلهم الحسد جسديين، وإذ يصيرون جسديين لم يعد لهم الحرية ليسمعوا الحق من نوعٍ سامٍ[15].
- إن كان الحسد يجعل البشر جسديين، ولا يسمح لهم أن يكونوا روحيين، مع أنهم كانوا يتنبأون ويظهرون أعمالاً عجيبة أخري. الآن إن كان ليس لدينا حتى مثل هذه النعمة، فأي موضع نجده لأعمالنا إن كنا نرتكب ليس فقط هذا الأمر وحده بل ونرتكب أمورًا أعظم؟!
بهذا نتعلم أنه حسنًا قال المسيح: “من يفعل الشر لا يرى النور” (يو 3: 20)، وأن الحياة غير الطاهرة هي عائق أمام التعاليم السامية، فلا تسمح بالرؤية الواضحة للفهم. لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال لإنسانٍ يعيش في خطأ أن يبقى فيه مادام يحيا باستقامة. هكذا ليس بسهولة لمن يمارس الظلم أن يرفع نظره إلى التعاليم المسلمة لنا، إنما يلزمه أولاً أن يتطهر من كل الأهواء التي تسيء للحق.
من يتحرر من هذه يتحرر أيضًا من خطأه ويدرك الحق. وامتناعكم فقط من الطمع أو الزنا ليس كافيًا لبلوغ هذا الهدف. ليس كذلك! يليق بالكل أن يتناغموا مع ذاك الذي يطلب الحق. لذا يقول بطرس: “بالحق انا اجد ان الله لا يقبل الوجوه، بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البرّ مقبول عنده” (أع 10: 34-35)، بمعني أنه يدعوه ويجتذبه إلى الحق[16].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إذ يعيش البعض حسب الجسد وآخرون حسب الروح قام نوعان من المدن مختلفان ومتصارعان معًا. حسنًا قيل: “يعيش البعض حسب البشر، والآخرون حسب الله”. يقول بولس لأهل كورنثوس بكل وضوح: “فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر؟! ” [3]. من يسلك حسب البشر ومن يدعي جسدانيًا نفس الشيء، فإنه يقصد بالجسد جانبًا من جوانب الإنسان[17].
القديس أغسطينوس
“لأنه متى قال واحد أنا لبولس وآخر أنا لأبلوس
أفلستم جسديين؟” [4].
ليست هناك حاجة للقول بأن بولس وأبلوس حملا ذات الإيمان، ولم يوجد بينهما أدنى فارق في الجانب الإيماني، بينما انقسم الشعب، فالبعض يفضل هذا عن ذاك. هذا دليل قاطع على أنهم جسديون، لأنه لا يوجد أدنى سبب لهذا الانقسام. إذ انشغلوا بالمظاهر الخارجية انقسموا حيث لا يوجد مجال للانقسام. ولو أنهم سلكوا بالروح لقدمت لهم نعمة الله روح الوحدة.
2. أنتم فلاحة الله
“فمن هو بولس؟ ومن هو أبلوس؟
بل خادمان آمنتم بواسطتهما،
وكما أعطى الرب لكل واحد” [5].
الرسل المتباينون ليسوا إلا أدوات في يد الله الواحد ليدخل بكم إلى معرفة المسيح، ويقدموا لكم كلمة الحياة. لم يكرز أحد منهم باسم نفسه ولا تحدث عن ذاته بل عن شخص رب المجد يسوع. حقًا توجد مواهب مختلفة حتى بين الرسل، إنها عطية الله لهم. وهو وحده يعرف كيف يعمل بالمواهب التي قدمها لرسله وخدامه. وزع الهبات بما فيه بنيان الكنيسة التي للمسيح الواحد، دون تمييز بين هذه الهبة وتلك.
الله هو الكل في الكل، والرسل ليسوا إلا خدامًا له يعملون باسمه وبقيادته ولحسابه. إنهم ينالون كرامة العمل في كرمه وفي نفس الوقت الله يعمل بهم بكونهم آلات خاصة به، يعتز بهم ويهبهم روحه القدوس ليحملوا قوته.
عندما تحدث الرسول بولس عن نفسه وعن أبلوس قال انهما خادمان، وجاءت الكلمة اليونانية الأصلية diakonoi ومعناها “خادمان”Servants في مقابل “سادة” (مت 20 :26، مر 9 : 35، 10 :34). وكأن كرامة الرسول هو أن ينحني كخادم ليغسل أقدام من مات سيده عنهم ليقيمهم أبناء لله. بمعني آخر كرامة الرسولية والأسقفية وكل الرتب الكنسية ليس في السلطة بل في غسل الأقدام، وخدمة أبناء سيدهم.
إنهما خادمان لا يطلبان كرامة زمنية ولا سلطة إنما سرّ قوتهما فيمن أرسلهما ويعمل بهما. إنهما ليسا المصدر الأصلي للإيمان بل خادمان لله يقدمان المعرفة والحقائق التي يعلنها الله لهما. يعمل كل منهما حسب الموهبة التي يقدمها له مرسله لبنيان الكنيسة.
- بقوله: “من هو بولس؟ ومن هو أبلوس؟” أضاف: “بل خادمان آمنتما بواسطتهما” هذا في ذاته أمر عظيم يستحق مكافآت عظيمة، لكنه إن قورن بمثال الصلاح وأصل كل الصلاح فيعتبر كلا شيء[18].
- لئلا يقولوا: ما هذا؟ أما نحب الذين يخدموننا؟ يقول: نعم ولكن لنعرف إلى أي حد، فإنه حتى هذه الأمور ليست من عندهم بل من الله واهبها[19].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- كيف لطف هذه التعبيرات؟ أولا بإضافة الاستهانة بشخصه هو: “من هو بولس؟ ومن هو أبلوس؟” بعد ذلك ينسب كل شيء إلى الله مُعطي كل الأشياء. فبعدما قال: “هذا الشخص غرس” أضاف “ليس الغارس شيئًا” ثم “بل الله هو الذي ينمي”[20].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“أنا غرست، وأبلوس سقى،
لكن الله كان ينمي” [6].
“أنا غرست“، غرس بذار الإنجيل في كورنثوس وفى منطقة آخائية. وأبلوس “سقى“، جاء أبلوس بعد بولس وبكرازته روي البذار التي غرسها بولس الرسول, فتحولت البذور إلى جذور وقدمت ثمارًا، ليس بفضل بولس أو أبلوس بل بفضل نعمة الله , فإن الله وحده هو الذي يهب الإنسان ثمار الروح كعطية إلهية مجانية.
يلزم أن تُغرس البذور وأن تُروى بالماء، لكن النمو يتحقق لا بالغرس في ذاته ولا بالماء إنما بالله الذي يهب البذرة الحياة ويقدم لها الماء لنموها. الله هو الذي دبر أمر الغارسين والسقاة، لكنه يبقى هو واهب الحياة.
- إنه لأمر بهيج أن تهتم بفلاحة الله، وان تشعر بالبهجة بعطاياه، وبالعمل في حقله. فإنه إذ تعب الرسول في هذه الفلاحة قال: “تعبت أكثر منهم جميعهم” (1 كو 15: 10) لكن قوة العمل وُهبت له من رب الحصاد. لهذا يضيف: “ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي“. لقد أظهر بوضوح أنه قد عُين للعمل في هذه الفلاحة، إذ يقول: “أنا غرست وأبلوس سقى“[21].
- ما المنفعة إن غرسنا أو سقينا إن لم ينمِ الله؟ فإنه ليس الغارس شيئًا، ولا الساقي، بل الله الذي ينمي[22].
- ماذا تظنون؟ هل يناقض الرسول نفسه فإنه وهو يقول أن البشر يصيرون متعلمين بعمل الروح القدس يقدم توجيهات كيف وما يجب أن يعلموا؟ أم يلزمنا أن نفهم أنه وإن كان من واجب البشر هو أن يعلموا ولا يتوقف المعلمون (عن التعليم) عندما يعطي الروح القدس، فإنه ليس الغارس شيئًا ولا الساقي، بل الله الذي ينمي [7]. لهذا وإن كان القديسون معينين لنا والملائكة القديسون يساعدوننا لكن لا يتعلم أحد الأمور الخاصة بالحياة مع الله باستقامة ما لم يكن الله نفسه مستعدًا أن يُعلم. هذا الإله الذي يوجه إليه في المزمور القول: “علمني إرادتك، فأنت هو إلهي” (مز 134: 10)[23].
القديس أغسطينوس
- ألقيت أولاً بالكلمة في التربة، ولكي لا تجف هذه البذور خلال التجارب قام أبلوس بدوره، ولكن هذا كله من الله[24].
- أسس بهذا نقطة أخري أيضًا ألا يفتخر أحدهم علي الآخر. تأكيده انهم واحد يشير إلى عجزهم عن فعل أي شيء بدون الله الذي ينمي. بقوله هذا لم يسمح للذين يعملون أكثر أن يتشامخوا علي الذين ساهموا بما هو أقل، ولا الآخرين أن يحسدوا السابقين[25].
- كأنه يقول: “لا تخافوا لأني قلت إنكم واحد، فانه بالمقارنة بعمل الله هم واحد، ومع ذلك بالنسبة للأعمال ليسوا هكذا، بل كل واحد ينال جزاءه[26]“.
القديس يوحنا الذهبي الفم
- أن تغرس يعني أن تكرز وتجلب الآخرين للإيمان. وأن تسقي يعني أن تعمد… أما غفران الخطاة وتقديم الروح فهذا من اختصاص الله وحده[27].
أمبروسياستر
- لقد غُرست في بيت الرب أقصد في الكنيسة، لا في الجدران بل في تعاليمها. كل من غُرس في بيت الرب وعمّق الجذور فيها يخرج زهورًا[28].
القديس جيروم
“إذًا ليس الغارس شيئًا، ولا الساقي،
بل الله الذي ينمي” [7].
يليق بنا أن نقدم المجد لله وحده، فمن عنده وحده البذور التي هي كلمة الكرازة بالإنجيل. ومن عنده الأرض، أي قلوب البشر وأذهانهم التي هي صنعة يديه. ومن عنده العاملون إذ هو الذي يدعوهم للخدمة، ومن عنده الثمار إذ هي ثمار روحه القدوس.
يحرص الرسول بولس أن يكشف عن دور الرسل في الخدمة، وهو أنهم خدام لله ووكلاء أسراره، يلزم عدم تأليههم، لأنهم ليسوا مصدر إيماننا ولا غاية حياتنا، إنما هم أدوات مقدسة في يد الله. ومن جانب آخر ليس لهم قالب واحد، بل لكل منهم موهبته التي تسلمها من الله وله دوره المكمل للآخر. الكل يقدم سيمفونية حب واحدة متناغمة معًا. فلا يجوز المقارنة بينهم أو المفاضلة بين أعمالهم، فالكل مدعوون من الله الواحد، والكل لهم هدف واحد هو مجد الله وخلاص كل نفس بشرية.
بقوله هذا يؤكد الرسول الحقائق التالية:
أولاً: أن الله هو العامل الحقيقي، لأن خلاص النفس من اختصاصه وحده.
ثانيًا: وأن اختلفت المواهب لكن خدام الله يعملون معًا في تناغمٍ وانسجامٍ.
ثالثًا: إن غاية خدمته وخدم اخوته هو نفع المخدومين لا طلب المجد الزمني.
- إني أتكلم وأفحص الأمور غير ناظرٍ إلي ما هو لنفعي بل إلي ما هو لخلاصكم. إن كان أحد يلزمه أن يتطلع إليها. إن كانت هذه الأمور لا تشغل أحدًا فهي تشغلني أنا[29].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- انظروا كيف يرفض فكرة أنه يُعبد كمن هو في موضع المسيح، وكيف يرفض أن يقدم نفسه في مكان العريس لنفسٍ ترتكب الزنا. أما يبدو أن الغرس والسقي أمران عظيمان؟ ولكن ليس الغارس شيئًا ولا الساقي. كيف عبر عن خوفه؟ إنه لم يدعُ نفسه شيئًا من جهة خلاص الذين يريدهم أن يبنوا في المسيح[30].
القديس أغسطينوس
إن كان الأب شيريمون قد ركز علي الأعمال حتى اعتبره البعض شبه بيلاجي، لكنه يؤكد أن الله وهب كل إنسانٍ شيئًا من الصلاح، ولا يقدر أن يتمتع به المؤمن بدون نعمة الله.
- بلا شك توجد بالطبيعة بعض بذار الصلاح في كل نفس، غرسها فيها حنو الخالق. لكن لا يمكن لهذا البذور أن تنمو في الكمال ما لم تنتعش بالعون الإلهي. وكما يقول الرسول: “ليس الغارس شيئًا ولا الساقي، بل الله الذي ينمي“[31].
الأب شيريمون
- يليق بنا أن نسرع بالأكثر لنري عمل الله أكثر من عملنا نحن. فإننا إن خدمنا بأية صورة نكون مدينين له (بهذا العمل) لا للبشر. لهذا يقول الرسول: “ليس الغارس شيئًا ولا الساقي، بل الله الذي ينمي“[32].
- إذ لا يمكن للرسل أن يحققوا شيئًا إن لم يقدم الله النمو، فكم يكون الأمر بالنسبة لكم ولي أو لأي شخصٍ في أيامنا الذي يتباهى بأنه معلم[33].
القديس أغسطينوس
- بالنسبة لكرامة الله، تُحسب الكرامة البشرية كلا شيء. في الخدمة يُكرم الإنسان بالطريقة التي تناسب الخادم[34].
أمبرروسياستر
“والغارس والساقي هما واحد،
ولكن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه” [8].
الغارس والساقي هما واحد، إذ قدم كل من بولس وأبلوس ذات التعليم، كلاهما خدما لمجد الله وخلاص النفوس، فما الداعي للانشقاق ما دام الرسل يحملون الروح الواحد والفكر الواحد والإيمان الواحد والهدف الواحد؟
مع أن الكرم خاص بالله وهو العامل بخدامه، وبدونه لن تنجح الخدمة، لكنه إذ يعتز بهم يهبهم مكافأة عظمى، فيقدم لكل واحد أجرته حسب تعبه. الله لا يجازى الإنسان حسب ثمر جهاده، بل حسب أمانته في العمل الذي يلتزم به، حتى لا يقول أحد “باطلاً تعبت أو جاهدت”.
الغارس والساقي ليسا شخصًا واحدًا، لكنهما يُحسبان واحدًا لأنهما يمارسان عملين مختلفين لتحقيق هدفٍ واحدٍ. واحد يغرس طالبًا المحصول، والثاني يسقي لذات الهدف، ولا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر. فغرس البذور دون سقيها تبديد لها، والسقي بدون غرس البذور تبديد للمياه. إنهما واحد أيضا لأن الاثنين مرسلان من قبل الله الواحد. إنهما يعملان، كلٍ بموهبته، لكن الله الواحد هو الذي يحقق هدف الاثنين، وبدونه يصير عملهما باطلاً.
- وإن كانا متساويين لكن الذي يكرز بالإنجيل لا يزال أعظم من الذي يعمد، وسينال مكافأة أعظم[35].
أمبروسياستر
“فإننا نحن عاملان مع الله،
وأنتم فلاحة الله، بناء الله” [9].
يترجم البعض هذه العبارة “العاملان معًا في عمل الله“.
كل ما نفعله ليس من أنفسنا، بل ما يقدمه الله لنا كعطية مجانية من عنده، لذا فكل نجاح نتمتع به هو من قبله ولمجده.
“أنتم بناء الله“: أنهم ليسوا فقط كرم الله الذي غرسه بيمينه وتعهده كما جاء في إشعباء 5، لكنهم بناء الله، يقوم ببنائه ويود السكنى فيه. كما أن الإنسان الذي يتطلع إلى مبني ضخم ويقف أمامه في دهشة لا ينشغل بالذي حفر الأساس ولا بمن قطع الحجارة ولا بمن وضع مواد البناء بل يمجد المهندس الذي وضع خطة المبنى والذي أشرف على إتمامه حسب رسوماته الهندسية هكذا لا ينشغل من يتطلع إلى كنيسة المسيح بالرسول بولس أو أبلوس أو بطرس الرسول، إذ هم خدام يعملون تحت إشراف المهندس الأعظم الذي وضع رسومات المبنى ليسكن فيه.
إن كان الإنسان الأول قد اختار أن يُعطي ظهره لله ويهرب من وجهه، فإن الله من جانبه يجري وراءه ويقيم منه مسكنًا مقدسًا له، فلا عجب إن تحدث الرسل عن المؤمنين والكنيسة كما على كنيسة السماء كهيكل الله وروح الله ساكن فيه [16]، هيكل مقدس [17]، ” مسكن الله فى الروح (أف 2:22) بيت روحي كهنوت مقدس لتقديم ذبائح روحية (1 بط 2 :15)، مسكن الله مع الناس (رو 21 :3)، المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله (رؤ21 : 10-11).
إننا كرمه وهو بنفسه يفلحنا حتى نثمر. نحن بناء الله، إذ يسكن فينا من يفلحنا. فالله هو الذى ينّمي، فهل يُدعى الرسل كرامين؟
إن الكّرام يغرس ويروي: “أنا غرست وأبولس سقى”، لكن “لا أنا بل الله الذى معي” (1كو10:15). لهذا إن حدث نمو فيك أو تغيير ولو كان بواسطة الملائكة، فإن الله هو الكّرام، ولو حدث على أيدي الأنبياء أو الرسل فهو ذاته الكّرام. فماذا نكون نحن؟ ربما عمال لدى الكّرام، نعمل بقوته ونعمته الممنوحة لنا من لدنه.
- البناء ليس ملكًا للعاملين بل للسيد. فإن كنتم بناءً يلزمكم ألا تفصلوه عن بعضه البعض لأنه بهذا لا يكون مبنى.
إن كنتم فلاحة يلزمكم ألا تنقسموا، بل تُحاطوا بسورٍ واحدٍ، أعني عدم العداوة[36].
- يعتز الرسول بولس بعمله، فيشعر أنه مرسل من الله، يعمل بروحه القدوس، ويعمل معه ( 2 كو 6:1)، مشغول بما يشغل فكر الله، ويجد لذته فيما يسر الله به. بلاشك إنه بناء يستمر إلي مجيئه.
- “فإننا نحن عاملان مع الله، وأنتم فلاحة الله، بناء الله” (1كو9:3).
فإذ قال الرسول “أنا غرست” احتفظ بالتشبيه ذاته قائلاً أنهم إن كانوا هم فلاحة الله، فما يجوز انتسابهم للغارس بل لله، فالحقل لا يُنسب لمن يزرع فيه بل لمالكه.
“أنتم بناء الله” والبناء أيضًا لا يُنسب لمن يعمل فيه بل لصاحبه.
القديس يوحنا الذهبي الفم
- ليت نفوسنا تبارك الرب، وليباركنا الرب.
فعندما يباركنا الرب ننمو نحن، وعندما نبارك الرب ننمو نحن أيضًا، وفى كليهما نستفيد نحن (لا الله).
أولاً لتكن فينا بركة الرب، وعندئذ نباركه نحن، فهذا هو المطر (أي بركته لنا) وهي ذاتها الثمرة (أي نباركه بالبركة التي باركنا بها). إن المطر يرتد كثمرٍ لله صاحب الأرض الذي أمطر علينا وأفلحنا.
لنتغنى بهذه الكلمات، بعبادة مثمرة، وكلمات غير جوفاء، وبقلبٍ حقيقيٍ. فإنه من الواضح أن الله الآب قد دُعي كرامًا (يو1:15)، والرسول يقول: “أنتم فلاحة الله، بناء الله” (1كو9:3). كان يقوم بفلاحة حقله. فالله الآب كّرام له حقل، يقوم بفلاحته وينتظر منه ثمرًا.
ويقول الرب يسوع نفسه أنه “غرس كرمًا…وسلمه إلى كرامين”، هؤلاء ملزمون بتقديم الثمار في أوانها.
- “فإن ملكوت السماوات يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه” (مت 1:20).
الله يقوم بفلاحتنا نحن كرمه…أما زرعنا فهو العمل الذي فى قلوبنا، وهو لا يعمل بأيدٍ بشرية.
إنه يقوم بفلاحتنا، كما يصنع الفلاح بحقله. وبفلاحته إيانا يجعلنا في حياة أفضل…أما الثمرة التي يطلبها منا فهي أن نقوم نحن بالفلاحة عنده في كرمه… وهذه الثمرة لا تغني الله بل تسعدنا نحن.
أنظر إذن، اسمع ما قلته لك أن الله يقوم بفلاحتنا… فإن السامع لهذه الكلمات يشعر برهبةٍ، يسمع أن الله يقوم بفلاحة الإنسان.
يقول الرب فى الإنجيل: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان…وأبي الكّرام” (يو 1:15، 5). وماذا يفعل الكّرام؟! يقوم بفلاحة حقله. فالله الآب كّرام له حقل، يقوم بفلاحته وينتظر منه ثمرًا.
القديس أغسطينوس
- يدعونا بولس العاملين مع الله، وليس خدامه أو عبيده.
ثيؤدور أسقف المصيصة
- العاملون مع الله هم الذين إذ يرون سم الكبرياء زاحفًا إلى قلب أخٍ فيحاولون بكل سرعة أن يزيلوه بدواء التواضع الحقيقي[37].
قيصريوس أسقف آرل
3. أنتم بناء الله
“حسب نعمة الله المعطاة لي،
كبناءٍ حكيم قد وضعت أساسًا،
وآخر يبني عليه،
ولكن فلينظر كل واحدٍ كيف يبني عليه” [10].
خطة البناء هي من تصميم الله نفسه، المهندس الأعظم، لذا لاق أن يعمل البناءون بما يتفق والخطة الإلهية. يأتمن المهندس الإلهي رسوله بولس ليبدأ البناء بوضع الأساسيات، أي بالكرازة بتعاليم الإنجيل الأساسية الثابتة, هذه الأساسات تسلمها بولس الرسول من الله نفسه لأجل خلاص البشرية. الله الذي اختار بولس رسولاً للأمم أرسل آخرين ليتمموا العمل بما يتفق مع الفكر الإلهي، فيقوم البناء متناسقًا, فما يفعله البناءون يتناغم مع ما فعله بولس الرسول الذي وضع الأساسات.
إذ يتحدث عن نعمة الله العاملة في خدامه يتحدث الرسول بولس عن نفسه انه وضع الأساس. فمع انه هو الذي بدأ العمل في كورنثوس إلا أن الفضل لنعمة الله المعطاة له وليس له, لقد صار بنَّاءً حكيمًا، لا لأجل قدراته الشخصية ومواهبه وإنما لأنه قدم الأساس السليم، شخص الرب يسوع مخلص العالم، المسيا الحقيقي.
كل ما يفعله الرسول هو من إحسانات الله عليه. هو الذي اختاره ودعاه، وهو الذي دربه على العمل وأعطاه الحكمة الحقيقية، وهو العامل به وفيه. واضح أن تعبير “كل واحد” هنا يشير إلي المعلمين والخدام، فيمارس كل واحدٍ عمله حسب عطية الله له.
- هذا التحذير موجّه إليكم وإليّ. فإن لم أبْنِ كما يليق على الأساس الموضوع أمامي فستحرق النار عملي في يوم الدينونة[38].
العلامة أوريجينوس
- البناء الحكيم هو من يكرز بنفس الإنجيل الذي كرز به المخلص. بعد ذلك يبني آخرون على الأساس، أحيانًا بناء حسنًا وأحيانًا بناء رديئًا. يلزمنا أن نتيقظ ونتأكد بالإيمان ما نبنيه يلتصق بالأساس لئلا يتشقق وينهار بالرغم من بقاء الأساس سليمًا. فإنه حتى عندما يُعلّم البعض بطريقة رديئة يبقى اسم المسيح بكونه الأساس بينما تنهار التعاليم الرديئة[39].
أمبروسياستر
“فانه لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي وُضع،
الذي هو يسوع المسيح” [11].
لا يوجد مجال لاختلاف الرأي بين العاملين في البناء، خاصة في وضع الأساس، فانه لا يوجد سوى أساس واحد يقوم عليه كل البناء، وهو ربنا يسوع المسيح مخلص العالم.
كثيرا ما يدعي يسوع المسيح الأساس والحجر، وحجر الزاوية الذي عليه تقوم الكنيسة (إش 28 : 16؛ مت 21 : 42؛ أع 4 : 11؛ أف 2 : 20؛ 2 تي 2: 19؛ 1 بط 2: 6).
إذ يتحدث الرسول بولس عن الأساس يري القديس غريغوريوس أسقف نيصص أنه لا يوجد عذر للإنسان، فإن أساسنا كلمة الله الأزلي الذي يقوم عليه بناؤنا. يقول: [وضع أولاً أساسنا قبل العالم القادم ككلمات بولس: “لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا غير الذي وُضع” كما قيل حقًا: “ولدني قبل ينابيع المياه، وقبل أن تتأسس الجبال، قبل أن يخلق الأعماق، وقبل كل التلال[40].]
- وضع الرسل الآخرون هذا الأساس بين اليهود بينما وضعاه بولس وبرنابا بين الأمم[41].
العلامة أوريجينوس
4. فحص العمل بنارٍ
“ولكن أن كان أحد يبني على هذا الأساس
ذهبًا فضة حجارةً كريمة خشبًا عشبًا قشًا” [12].
الأساس واحد، لكن العاملين يقيمون البناء على هذا الأساس إما ذهبًا أو فضة أو حجارة كريمة أو خشبًا أو عشبًا أو قشًا. يقصد بالذهب والفضة والحجارة الكريمة أنها تعاليم سماوية (ذهب) تقوم على كلمة الله (الفضة) وتحمل مجد الله (الحجارة الكريمة), أما الخشب والعشب والقش فتشير إلى التعاليم الباطلة مثل إنكار القيامة من الأموات أو التي لا ترتبط بالحياة المقدسة في الرب، هذه تحول الإنسان نفسه كما إلى خشب يحترق أو عشب أو قش يصير أشبه برمادٍ بلا قيمةٍ، يُلقى في المزبلةٍ ويُداس من الناس.
ربما يقصد بالحجارة الكريمة هنا الأنواع الممتازة الجميلة من الرخام الكثير الثمن.
يُستخدم احيانًا الخشب سريع الاحتراق بدلاً من الرخام لفترة مؤقتة، كما يُستخدم في اقامة حجرة حراسة صغيرة ملاصقة لأسوار الكرم.
العشب والقش يستخدمه بعض فقراء الفلاحين في تغطية منازلهم أو أكواخهم الفقيرة كسقفٍ يحميهم، وإن كان يمثل خطرًا متى تعرض لشرارة نارٍ.
- بعد الإيمان توجد حاجة إلي البنيان، إذ يقول في موضع آخر: “ابنوا الواحد الآخر بهذه الكلمات” (راجع 1 تس 11:5، 5:4)، فإن كلا من الصانع والمعلم يساهمان في البنيان[42].
القديس يوحنا الذهبي الفم
ما هو الذهب والحجارة الكريمة التي تُبنى علي الأساس إلا تمتعنا بالطاعة للوصية الإلهية.
- يجب أن يوضع الأساس أولاً بكل وسيلة. ليُبن الذهب النقي والحجارة الكريمة الثمينة كقول الرسول. فإن هذا هو عمل الوصية التي وصفها النبي الصارخ: “أحببت وصيتك أكثر من الذهب والحجر الكريم”[43].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
- إن كنا نفكر فيما هو حق وصالح فنحن نبني على أساسٍ من ذهب. إن كنا نكرر كل كلمة مقدسة قيلت دون أن نفسدها فنحن نقيم مبنى على أساس من فضة. إن كانت كل أعمالنا صالحة فنحن نقيم على حجارة كريمة. ولكن إن كنت أخطئ بعد أن وضعت الأساس فأنا أبني على خشب. إن استمررت في ذلك فأنا أبني على خشب[44]ٍ.
- في هذا الوضع يدعو نفسه حكيمًا، لا للافتخار بل ليقدم لهم مثالاً، ولكي يشير أن هذا هو دور الحكيم أن يضع أساسًا. يلزمكم أن تلاحظوا مثالاً واحدًا لاحتماله بتواضع، وهو إذ يتحدث عن نفسه كحكيم لم يسمح لهذا أن يظهر كما لو كان من عنده، بل أولاً ينسب نفسه لهذا الاسم، فيقول: “حسب نعمة الله المعطاة لي”[45].
- ليتنا ليس فقط نتمسك بالمسيح بل ونلتصق به، فإننا إن انفصلنا عنه نهلك. فإن الذين يبتعدون عنه يهلكون. لذا قيل: “لنقترب إليه ونلتصق به بأعمالنا” (مز 27 LXX) فإن “من يحفظ وصاياي يثبت في” (يو 14: 21) [46].
القديس يوحنا الذهبي الفم
يرى ثيؤدورت أسقف قورش أن الحديث هنا لا يشير إلى التغيير في التعاليم المسيحية بل إلى أخلاقيات وسلوكيات.
“فعمل كل واحد سيصير ظاهرًا،
لأن اليوم سيبينه لأنه بنار يُستعلن،
وستمتحن النار عمل كل واحدٍ ما هو” [13].
بقوله: “كل واحد” يضم إليه الرسل الخدام. وكأنه عوض الانشغال بالأشخاص مما يسبب انقسامات فلينشغل كل خادمٍ بالمكافأة التي يعدها الله له، فيطلب أن يعمل جاهدًا مع الرسل وبقية الخدام. يوم الرب مثل النار تزيد النقي نقاوة وبهاء، وتحرق الخشب والعشب والقش.
يرى البعض أنه يشير إلى ما سيحدث حيث يُحرق الهيكل اليهودي على يدي تيطس الروماني، وكأن الذين يريدون التمسك بحرفية الشريعة الموسوية يفقدون كل شيء. أما الذين يلتهبون بالروح فيزدادون مجدًا وبهاءً.
لا يتحدث هنا عن نار مطهرة كما يظن المنادون بوجود مطهر بعد الموت مباشرة. إنما يتحدث هنا عن نار فاحصة للتعاليم الصادقة والمزيفة, ففي يوم الرب العظيم تفحص هذه كنار (زك 3 :2؛ عا 4: 11؛ يه 23). إنه بالكاد يخلص البناءون لكنهم يفقدون كل تعبهم في الخدمة لأنهم أخطأوا في تقديم التعاليم.
- ستختبر النار نوع عمل كل إنسان، إن بقى عمله يتسلم مكافأته. إن احترق عمله يفقد مكافأته، أما هو فسيخلص. في هذه النار لا يهلك الإنسان إلى الأبد، وإن كانت النار تفيد الواحد وتضر الآخر، بكونها اختبارًا للاثنين[47].
القديس أغسطينوس
“إن بقي عمل أحد قد بناه عليه فسيأخذ أجرة” [14].
يرى البعض أنه يشير هنا إلى تقديس الأواني حسب الشريعة الموسوية، فالأواني التي تصمد أمام النار تتطهر بالنار، أما التي لا تصمد فيتم تطهيرها بالماء (عدد 31 :23).
- إن كان هذا القول خاصًا بالتلاميذ والمعلمين، فإن المعلم لا يخسر بسبب رفض التلاميذ أن يسمعوا. لهذا يقول: “كل واحدٍ ينال جزاءه حسب عمله“، وليس حسب النتيجة، بل حسب العمل.
ماذا إن رفض السامعون أن يهتموا؟ هذه العبارة تؤكد أن القول خاص بالأعمال. الآن فإن ما يقصده هنا أنه إن كان إنسان ما شريرًا في حياته مع إيمان مستقيم، فإن إيمانه لن يحميه من العقوبة، بل يحترق عمله.
تعبير “يحترق” يعني انه لا يحتمل عنف النار، ولكن إن كان لدى إنسان ما سلاح ذهبي ويعبر أتونًا من النار فإنه يخرج من العبور أكثر بهاءً. أما إذ عبر فيه ومعه قش فإنه يصير أبعد من أن ينتفع شيئًا بل يحطم نفسه أيضًا، وهكذا في أعمال البشر[48].
القديس يوحنا الذهبي الفم
راحة الإنسان الحقيقية هي في جهاده حيث يسمر عينيه علي المكافأة الأبدية، فيجد عذوبة في تعبه.
- إن تذكّى عمل إنسان إلى النهاية يتسلّم أجرته. سيكون مثل الثلاثة اخوة في أتون النار (دا 1:3-10)، معينًا لاستلام الحياة السماوية والمجد كأجرة له[49].
أمبروسياستر
- إني لا انحاز نحو الراحة بل أتطلع إلي عرق التعب. إنه أكثر مجدًا من هدوء الراحة، إذ أدرك تمامًا أن كل واحد ينال مكافأة حسب أعماله كقول الرسول. أما من يهمل العمل اللائق بطاقته فحتما ينال عقوبة[50].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
“إن احترق عمل أحد فسيخسر،
وأما هو فسيخلص ولكن كما بنارٍ” [15].
- إنها ليست كلمات إنسان يبعث لعنة بل من يتنبأ[51].
- ماذا إن كان الإنسان غنيًا، وإن كان من الأشراف، فإنه عندما تسبيه خطية ما يصير أكثر فسادًا من كل فساد. فإن كان الإنسان ملكًا قد أسره البرابرة يصير أكثر الناس بؤسًا، هكذا بالنسبة للخطية، إذ هي بربرية، والنفس التي تصير أسيرة لا تعرف كيف تتخلص من الأسر، فتقوم الخطية بدور الطاغية لتحطم كل من يلتصق بها[52].
القديس يوحنا الذهبي الفم
إن كان أحد بكل إخلاص يكرز لكنه لم يقدم الكرازة كما يليق فإن مراحم الله تلحق به ويخلص في يوم الرب كما بنارٍ.
- المعلم يعلم ما هو حق، فيتبعه البعض وآخرون لا يتبعونه. الذين يتبعونه يكونون كالذهب والفضة يتنقّون بالنار ويتلألئون عندما يخرجون منها. الآخرون سيحترقون، أما المعلم فلا يفقد شيئًا بسبب هذا، إن كان مؤمنًا، فسينال مكافأته بغض النظر عما حدث[53].
ثيؤدورت أسقف قورش
5. أنتم هيكل الله
“أما تعلمون أنكم هيكل الله،
وروح الله يسكن فيكم؟” [16].
يتحدث الرسول بولس عن الجسد كهيكل الله، وفي ذهنه الأعداد الكبيرة من النسوة الكاهنات اللواتي كن يمارسن الفساد بكورنثوس لحساب الهيكل هذا ما دفع الرسول بولس لتأكيد علاقة جسد المؤمن بالسيد المسيح كهيكل الله ومسكن الروح القدس. هذا أيضًا ما دفعه للحديث في هذه الرسالة عن قدسية الزواج وخطورة التصاق الجسد بزانية (6: 15، 16).
في القديم كان إسرائيل يحسب نفسه هيكل الله ومسكنه، لأن الله سكن في وسطهم, الآن وقد أعلن السيد المسيح أنه إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه يكون في وسطهم صارت كنيسة المسيح هيكله المقدس. حيث يوجد الرب يوجد هيكله الذي يقدسه روحه القدوس. أعلن السيد المسيح لتلاميذه أن موضوع كرازتهم هو: “ملكوت الله داخلكم” فالكنيسة ككل هي هيكله أو ملكوته، وكل عضو في الكنيسة هو هيكل الرب. يليق به ألا يفسد هذا الهيكل، إذ هو ليس في ملكيته بل هو أشبه بوكيل على ما ائتمنه الرب عليه.
جسم المؤمن هو:
- هيكل الله (3: 16، 17، 6:19).
- للرب (13، 15).
- يلزم تقديمه ذبيحة حية لله (رو 12:1).
- موضع سكنى الله (أف 2: 21، 22).
- موضع مجد الله (ا كو 20:6).
- موضع القداسة (1 تس 3:7، مز93: 5).
- موضع السلام (في 3:7، حجي 2: 9، يو 16: 33).
- موضع إعلان المسيح (رو 8: 29، 2 كو 4: 10، 11).
- أعضاؤه آلات للبر (رو 6: 13).
- يتشبه بجسد المسيح (في 3: 20-21، 1يو3:2).
ماذا يعني بقوله إننا هيكل الله وروح الله ساكن فينا؟
أ. الكنيسة على مستوي الجماعة كما على مستوي العضو هي كرسي الله أو عرشه حيث يجلس ويعمل لحسابها ولتحقيق مسرته.
ب. الكنيسة هي ملكوته أو وكالته خلالها يبعث ثمر الروح من حب وفرح وسلام وطول أناة (غلا 5 : 22- 23).
ج. خلال الكنيسة يقود الله شعبه وسط وادي الآلام واهبًا إياهم تعزيات الروح القدس.
د. الكنيسة مقدس للرب لا يجوز استخدامها إلا فيما لله، حتى أعضاء جسمنا هي أعضاء المسيح.
هـ. إنها موضوع حبه، عزيزة عليه جدًا.
الجسد هو أداة يحركها الروح والعقل، فما تريده الروح يشترك فيه الجسد، سواء كانت الإرادة مقدسة أو شريرة.
“الآن نعيش إن ثبتم أنتم أيها الاخوة في الرب” (1 تس 8:3). لست أريد أن تثبتوا فينا بل في الرب[54].
- لم يكن بولس بالحقيقة لاشيء، لكنه إن قورن بالله فإنه يُحسب هكذا [3][55].
- لا يقل أحد في قلبه: “الله لا يبالي بخطايا الجسد”. يقول الرسول: “أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟ إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو” [16-17]؛ “لا يخدعن أحد نفسه” [18].
ربما يقول إنسان: “نفسي هي هيكل الله وليست جسدي”، مضيفًا الشهادة التالية: “لأن كل جسد كعشبٍ وكل مجد إنسان كزهر عشب” (1 بط 1:24). يا له من تفسير مر! يُدعي الجسد عشبًا لأنه يموت. لكن لتدرك أن الذي يموت إلي حين لا يقوم أيضا بالخطية. أتريدون حكمًا واضحًا في هذه النقطة أيضًا؟ يقول الرسول نفسه: “أما تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله؟” (1 كو 6:19). لا تعودوا تتجاهلوا بعد خطايا الجسد، متطلعين إلى أجسادكم أنها من الله. إن كنتم تتجاهلون خطية الجسد أما تتجاهلون خطية ترتكبونها ضد الهيكل؟ جسدكم ذاته هو هيكل روح الله الذي فيكم. احذروا مما تفعلوه بهيكل الله.
إن كنتم تختارون ارتكاب الزنا في الكنيسة داخل هذه الحوائط، فأي شر أعظم من هذا؟ الآن أنتم أنفسكم هيكل الله. في خروجكم وفي دخولكم، إن سكنتم في بيوتكم، إن استيقظتم، في كل هذا أنتم هيكل. إذن احذروا الهيكل لئلا يترككم فتتحطمون.
إذ يتحدث الرسول عن الزنا وعدم الاستهانة بخطية الجسد يقول: “أما تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنتم لستم لأنفسكم”. إنكم اشتريتم بثمنٍ عظيمٍ. إن كنتم تستخفون بأجسادكم راعوا ثمنكم[56].
القديس أغسطينوس
- واضح أننا هيكل الله إن صنعنا الصلاح. إن كان إنسان ما هيكلا لله، فإن ما بالهيكل بالضرورة يكون خاصًا بالله… لا يوجد هيكل لله حيث تكون كثرة من الرذائل[57].
الأب فاليريان
- من يؤمن بالمسيح يتقبل الروح القدس الذي يسكن فيه بغسل الميلاد الجديد، وبهذا يكون روحيًا. أما مثل هؤلاء إن عادوا وخدموا شهوات العالم، بهذا يكونون جسدانيين. يقول بولس أن الذين صاروا روحيين حسب اعتراف إيمانهم ربما يعيشون مع هذا كجسدانيين فيهيينون الروح القدس الساكن فيهم.
ثيؤدور أسقف الميصة
“إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله،
لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو” [17].
يليق بنا أن نحرص على قدسية هيكل الرب خلال قبولنا تقديس الروح القدس الذي يتحقق بالإيمان الصادق والتعاليم السليمة وخبرة الحياة الجديدة, وكأن الانحراف في الإيمان وفساد السلوك يفسدان الهيكل.
لم يقل “أنكم هياكل الله” بل “هيكل الله” يمثل وحدة واحدة تضم حجارة حية كثيرة ومتنوعة (1 بط 2: 5).
بالتأكيد في العالم الإلهي يوجد موضع خاص بالله يسر أن يسكن فيه هو الكنيسة أيقونة السماء، هذه التي تشهد لعمله الخلاصي وحبه الفائق.
- الإنسان البار يمكن أن يُدعي سماء، فقد قيل عنه: “لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو” [17]. لذلك إن كان الله يسكن في هيكله، وأن القديسين هم هيكله، فإن التعبير “الذي في السموات” يعني بحقٍ “الذي في القديسين”[58].
- ليفهم المسيحيون الذين دعوا إلى الميراث الأبدي تلك الكلمات: “الذي في السماوات” على أنها “الذي في القديسين والأبرار”، لأن الله لا يحده مكان معين. فالسماوات هي الجزء المرتفع على الأجسام المادية في العالم ومع ذلك فهي مادية، لذلك فهي محدودة بحيزٍ إلى حد ما. فإن اعتقدنا أن الله كائن بالجزء العلوي من العالم، فستكون الطيور أفضل منا لأنها تحيا بالقرب من الله. غير أنه لم يكتب “قريب هو الرب من طوال القامة أو سكان الجبال” بل “قريب هو الربّ من المنكسري القلوب” (مز 18:34) إشارة إلى التواضع. فإن كان الأشرار قد دعوا “أرضًا”، هكذا يدعى الأبرار “سماءً”. وقد قيل عنهم “لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو” (1 كو 17:3). فإن كان الله يسكن في هيكله وقد دعا القديسين هيكلاً له، لذلك فإن القول “الذي في السماوات” يعني “الذي في القديسين” إذ تليق المناظرة بين الأبرار والأشرار روحيًا بالسماء والأرض ماديًا[59].
القديس أغسطينوس
- يقول بولس هذا لكي يحث ضمائر أولئك الذين أفسدوا أجسادهم بالحياة الشريرة، خاصة الإنسان الذي ارتبط بزوجة أبيه (1كو1:5-5) [60].
أمبروسياستر
6. عدم الافتخار بالحكمة
“لا يخدعن أحد نفسه،
إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر
فليصر جاهلاً لكي يصير حكيمًا” [18].
“فليصر جاهلاً لكي يصير حكيمًا“، أي لا يمجد حكمته البشرية المتعجرفة، بل ينحني بتواضعٍ أمام الله فيهبه روح الحكمة السماوية. لا يسلك الإنسان بحكمته الذاتية التي تضاد حكمة الإنجيل، بل يسلك بروح الإنجيل، فيطلب خلاص العالم كله بفكر سليم.
يرى العلامة أوريجينوس والقديس كبريانوس أن المعنى هنا هو أنه إن وجد أحد بينكم يظن في نفسه أنه حكيم فلا يتردد في أن يصير جاهلاً في نظر هذا العالم لكي يصير بالحق حكيمًا, ويرى آخرون أن المعني هو أنه إن كان أحد يشتهر بالحكمة في جيله ويفتخر بهذا حاسبًا نفسه فيلسوفًا وعالمًا ومتعلمًا فليتمسك بالإنجيل حيث يتهمه الآخرون بالجهل, يرى أن كل حكمة زمنية لا قيمة لها إن قورنت بفلسفة خلاصه. يحذر الرسول بولس من خداع النفس، فقد يظن الإنسان أنه أكثر حكمة من الآخرين، مثل ديوفريتس.
إذ يصير المؤمن الحقيقي والحكيم في عيني الله جاهلاً في نظر العالم يجد مسرته في أنه شريك مع المسيح المطرود خارج المحلة حاملاً العار، عار الصليب، من أجل حبه حتى لطارديه. ينبذه أصدقاؤه السابقين ليدخل في جماعة المساكين بالروح والمطرودين والمرذولين. هذا هو طريق المسيح الضيق الذي يعبر المؤمنون به إلى السماء عينها.
- إنه يأمر الشخص لكي ما يكون كأنه ميت عن العالم، هذا الموت لن يضر قط بل بالأحرى ينفع، إذ يصير علة الحياة. هكذا يأمره لكي يكون جاهلاً في هذا العالم ليدخل بنا إلي الحكمة الحقيقية. الآن يصير جاهلاً في العالم ذاك الذي يستهين بالحكمة الخارجية، مقتنعًا أنها لا تساهم في ادراكه للإيمان[61].
- إذ يأمر البشر أن ينسحبوا منها سريعًا، يضيف السبب قائلاً: لأن حكمة هذا العالم هي جهالة الله”، فإنها ليس فقط لا تساهم في شيء بل وتحجب (الإيمان)، لهذا يليق أن ننسحب منها بكونها ضارة[62].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- كن جاهلاً في العالم كما يوجهك الرسول فتصير حكيمًا. لا تتحيز (لرأيك) ولا تصدر حكمًا من ذاتك فيما تسأل فيه، بل اظهر الطاعة علي الدوام بكل بساطة وإيمان. اهتم فقط أن تكون هذه الأمور مقدسة ونافعة وحكيمة، إذ تعلن عن شريعة الله، وتكشف عن رأي أبيك الروحي في تلك الأمور[63].
القديس يوحنا كاسيان
- أولئك الذين لهم جسد خفيف (مز6:114)، والذين بكونهم حكماء في العالم تركوا معرفتهم… وصاروا كأطفالٍ بكامل حريتهم سيتعلمون الحكمة التي لا تُقتنى خلال تعب الدراسة[64].
مار اسحق السرياني
“لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله،
لأنه مكتوب: الآخذ الحكماء بمكرهم” [19].
ما هي حكمة العالم إلا انشغال البعض بالفلسفات الباطلة على حساب إيمانهم الحق أو استعبادهم للحرف اليهودي على حساب حريتهم الداخلية, تقدم الفلسفة كبرياء وتشامخًا ويقدم الحرف اليهودي تدميرًا للنفس.
“الآخذ الحكماء بمكرهم” مقتبسة من أيوب 5: 13. يظن الحكماء انهم بحكمتهم الذاتية ينجحون، لكن إذ يتركهم الرب يشربون من الكأس الذي يملأونه يدمرون أنفسهم. لقد ظن الحكماء الوثنيون أنهم يحطمون الإيمان فإذا بهم يحطمون أنفسهم ويتزكى المؤمنون وينتصرون.
بقوله هذا لا يعني التسخيف بالدراسات الفلسفية والعلمية في كل مجالاتها المختلفة، فقد وهبنا الله العقل والرغبة في التعرف علي الحقائق. الدراسات العلمية تشهد بعمل الله الفائق وتمجده (مز 92 : 4، 11: 2). هنا يحدثنا الرسول عن حكمة الفلاسفة القدامى التي تمس علاقتنا بالله، والتي تقاوم إعلانات الله لنا.
كل علم ومعرفة وحكمة صادقة هي بركة إن تناغمت مع أغنية خلاصنا، لا بمعني أن تصير الكنيسة هي الحكم في الأمور العلمية، وإنما أن تسحب قلوب العلماء إلي روح التواضع الحقيقي والإيمان الحي والتمتع ببركات الخلاص.
- حكمة هذا العالم التي تنقصها نعمة الله بشرية تمامًا في سماتها[65].
ثيؤدورت أسقف قورش
“وأيضًا الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة” [20].
اقتبس الرسول هذه العبارة من مز 94 :11. يعلم الله أن أفكار الحكماء في أعين أنفسهم فارغة لا تقدر أن تشبع أعماقهم، وباطلة تقودهم إلي الدمار.
- إذ هم متكبرون يظنون أنهم قادرون أن يسروا الله بذواتهم لا بما هو من الله، الذي هو إله المعرفة، لهذا يعلم الله ضمائر الناس وأفكارهم إنها باطلة [20]، إن كانت من الناس وليست من عنده[66].
القديس أغسطينوس
7. كل شيء لكم
“إذا لا يفتخرن أحد بالناس،
فإن كل شيء لكم” [21].
مسكين من يطلب مجده من الناس، فإن الله وحده هو واهب المجد, من يتحد بالله ليس فقط يتمتع بالمجد بل يدرك أن كل شيء هو له، لخلاصه وبنيانه وسعادته ومجده الأبدي.
كان من عادة اليهود واليونانيين أن يفتخروا بالتصاقهم بشخصية قيادية لها شهرتها الدينية أو الفلسفية, من هؤلاء القادة هليل وشمعي عند اليهود، وأفلاطون وفيثاغورس وزينون وأرسطو عند اليونانيين. يبدو أن هذا الاتجاه بدأ يتسلل إلي الكنيسة في كورنثوس لذا قاومهم الرسول بولس ووبخهم علي هذا الموقف الخاطئ.
يدعونا الرسول ألا نطلب المجد من إنسان، فإن الرسل القديسين أيضًا هم لنا، أرسلهم الله محب البشر للعمل لحسابنا, إننا نحبهم لأنهم معلمون يقدمون لنا بركات الرب إن تمسكنا بدعوى الله لنا خلالهم.
ليس فقط بولس وأبلوس وصفا وسائر الرسل لهم، يعملون جميعًا لأجل بنيانهم في الرب، إنما كل شئ هو لخيرهم. فالعالم بالنسبة لهم قنطرة من صنع الله لكي نعبر خلالها إليه، والحياة هبة منه تدخل بنا إلى حياة أبدية أعظم، والموت عبور إلى الراحة الدائمة في السماء، والأشياء الحاضرة هي بركات تسندنا في غربتنا والمستقبلة هي مجد نترقبه بفرح… كل شيءٍ هنا في هذا العالم الحاضر وهناك في الدهر الآتي هو لنا.
شتان ما بين نظرة المؤمن الحقيقي الروحي ونظرة الإنسان الطبيعي. الإنسان الروحي يري في كل الأشياء عطية الله له، ويشتم رائحة المسيح فيها، أما الإنسان الطبيعي فتتحول حياته إلى صراعات وانقسامات وحوارٍ مستمر، ناسبا نفسه لهذا أو ذاك.
الإنسان الروحي يرى في العالم بأفراحه وأحزانه مجالا للشكر لله وقبول كل ضيق كشركة آلام مع المصلوب، أما الطبيعي فيستعبده العالم ويأسر أحاسيسه ومشاعره وتحطمه التجارب والضيقات.
الإنسان الروحي يترقب لحظات الموت بفرحٍ مشتاقًا أن يرى رب المجد يسوع وجهًا لوجه وأن تصير له شركة أعمق مع السمائيين والقديسين. أما الطبيعي فيخشى الموت لأنه يحطم كل رجائه.
يتطلع الروحاني إلى الحياة الحاضرة كمجالٍ لتذوق عناية الله الفائقة مع كل لحظة من لحظات عمره، ويتطلع إليها الطبيعي تارة كمجال للتمتع بالسطوة والكرامة والغنى ومرة أخرى كحياة مرة لا يعرف كيف يخلص منها، يشتهى الموت ولا يجده.
يتطلع الروحاني إلي الحياة المقبلة كحقيقة يختبر عربونها الآن ويتذوق عذوبتها، ويظن الطبيعي أن الحياة المقبلة هي خيال نادت بها الأديان لكي تحطم حرية الإنسان وتحرمه من ملذات العالم ومباهجه.
لا يليق بالمؤمن أن يجد فخره بأنه ينتسب إلى معلمٍ ما لأن هذا المعلم وكل المعلمين، بل وكل شيء إنما له.
مجد المؤمن وفرحه وسلامه كل هذا عطايا من الله نفسه الذي يعمل خلال المعلمين.
- يملك المؤمن كل شيء موجود، أما غير المؤمن فهو في الواقع لا يملك فلسًا. كل ما لديه يُسرق منه[67].
العلامة أوريجينوس
- التعقل البشري غير حكيم وضعيف، فلا يفتخر أحد بإنسان بل بالله الذي لا تتغير كلمته. كل تفكير في أمور بشرية خارجًا عن الله هو غباوة[68].
أمبروسياستر
“أبولس أم أبلوس أم صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة،
كل شيء لكم” [22].
إن كان السيد المسيح قد قدم حياته مبذولة من أجل الإنسان لكي يتمتع المؤمن به ويقتنيه، فهو يدرك أن كل شيء هو له. وكما رأينا الرسل بكل مواهبهم المختلفة هم له. والعالم خُلق من أجله، لا لكي يُستعبد له، بل لكي يستخدمه لحسابه. الحياة هي له، كجسر للعبور إلي الأبدية. الموت هو له، يشتهيه المؤمن ليعبر إلى العالم الجديد ويتمتع بالمجد المعد له. بالحق يرى المؤمن حياته رحلة ممتعة في صحبة مسيحه الذي يتبادل معه الحب، فيرى كل شيء له. الزمن والأبدية، الحياة والموت، الرسل ومملكة المسيح، إنه لا يعوزنا شيء، إذ يهبنا ذاته.
يري الأب شيريمون أنه بالحب الحقيقي يسمو المؤمن إلي أعلى درجات البنوة حيث يدرك أن كل ما لأبيه هو له.
- يجدر بنا نحن أيضًا أن نسرع هكذا بغير توانٍ بواسطة نعمة الحب الثابتة لنصعد إلى المرحلة الثالثة التي للبنوة، حيث نؤمن أن كل ما للأب هو لنا، ويمكننا أن نقتدي بالابن في قوله: “كلُّ ما للآب فهو لي” (يو15:16).
هذا ما يعلنه الرسول الطوباوي قائلاً: “فإن كل شيءٍ لكم. أَبولس أم أَبُلُّوس أم صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كلُّ شيءٍ لكم”. وتحثنا وصايا مخلصنا بما يشبه ذلك إذ يقول: “فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل” (مت 48:5).
يجدر بنا أن نبذل كل طاقتنا لكي نرتقي في اشتياق كامل من الخوف إلى الرجاء، ومن الرجاء إلى محبة الله ومحبة الفضائل نفسها، وهكذا إذ نعبر بثبات إلى محبة الصلاح ذاته، نثبت في الصلاح قدر ما تستطيع الطبيعة البشرية[69].
الأب شيريمون
- يقول الابن الحقيقي (مع السيد المسيح): “كل ما للآب فهو لي”؛ فمن كان غير مجرب بالقلق الخاطئ وغير مرتبك وبلا هم يتحرر من الاضطراب ويكون سعيدًا بقلبه، ناجحًا في كل شيء، معتبرًا كل شئ له. ويسمع كل يوم إعلان الرسول له: “كل شئ لكم“، سواء الأشياء الحاضرة أم المستقبلة. كما يسمع إعلان سليمان له: “ينال المؤمن العالم كله بغناه” هكذا ينال مائة ضعف كمكافأة له، بأمورٍ ثمينةٍ متباينة لا يمكن تقديرها[70].
الأب إبراهيم
- هل يتحقق وعد الرب بالمائة ضعف في هذا العالم؟
بالأحرى إن جزاء المكافأة التي وعد بها الرب هو مائة ضعف في العالم بالنسبة للذين زهدهم كامل، إذ يقول: “وكلُّ مَن ترك بيوتًا أو اخوةً أو أخواتٍ أو أبًا أو أمًا أو امرأَةً أو أولادًا أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مائة ضعفٍ ويرث الحياة الأبدية” (مت29:19). يتحقق هذا بحق وصدق. ولا يضطرب إيماننا لأن كثيرين استغلوا هذا النص كفرصة لبلبلة مفاهيم البعض قائلين بأن هذه الأمور (المائة ضعف) تتحقق جسديًا في الألف سنة[71]… لكن الأمر المعقول جدًا والواضح وضوحًا تامًا أن من يتبع المسيح تخف عنه الآلام العالمية والملذات الأرضية، متقبلاً اخوة وشركاء له في الحياة ارتبط بهم ارتباطًا روحيًا. فيقتني حتى في هذه الحياة حب أفضل مائة مرة عن (الحب الناتج عن الرباط الدموي).
فبين الآباء والأبناء والاخوة والزوجات والأقارب يقوم الرباط على مجرد علاقات القربى، لذا فهو قصير الأمد وينحل بسهولة. أما الرهبان فيحتفظون بوحدة باقية في ألفة، ويملكون كل شيء في شركة عامة بينهم، فيرى كل إنسان أن ما لاخوته هو له، وما له هو لاخوته. فإذا ما قارنا نعمة الحب التي لنا هكذا بالنسبة للحب الذي يقوم على مجرد الرباطات الجسدية، بالتأكيد نجده أعذب وألذ مائة ضعف.
هكذا أيضا نقتني من العفة الزيجية (حيث ترتبط النفس بالرب يسوع كعريسٍ لها) سعادة تسمو مئات المرات عن السعادة التي تتم خلال وحدة الجنس.
وعوض الفرح الذي يختبره الإنسان بملكيته حقلٍ أو منزلٍ، يتمتع ببهجة الغنى مئات المرات بكونه ابن لله يملك كل ما يخص الآب الأبدي، واضعًا في قلبه وروحه مثال الابن الحقيقي القائل: “كلُّ ما للآب هو لي” (يو15:16). إنه يربح لنفسه كل شيء، منصتًا كل يوم لإعلان الرسول: “كل مالي هوٍ لكم” (1 كو22:3).
هكذا يتحقق لنا المائة ضعف عن طريق تقبلنا لأمور من نوع أعظم في القيمة… فلو أعطينا عوض وزن معين من النحاس أو الحديد أو أي معدن شائع وزنه ذهبًا، بهذا يكون قد رُد لنا ما هو أكثر من مائة ضعف. وهكذا عوض المباهج المزدرية والعواطف الأرضية يُوهب لك فرح روحي وسعادة الحب الثمين للغاية، ولو بنفس الكمية، لكنه أفضل منها مائة ضعف وأكثر[72].
الأب إبراهيم
“وأما أنتم فللمسيح،
والمسيح لله” [23].
السيد المسيح هو حجر الزاوية فيكم، جمعكم من العالم ليقيم منكم شعبًا له وابناء لله، هو لكم وأنتم له.
“والمسيح لله” إذ نصير جسد المسيح يقدمنا لله أبيه، الواحد معه في الجوهر، عطية حبه الباذل علي الصليب. وكأن الرسول يسألنا عوض انتسابنا إلي هذا الرسول أو ذاك بروح الانشقاق والتعصب، ندرك أن الكنيسة الجامعة من آدم إلي آخر الدهور تتحد معًا سواء من رجال العهد القديم أو العهد الجديد، سواء كانوا خدامًا أو مخدومين، ليقدمهم المسيح لله الآب. بينما يعتز المسيح يسوع ربنا بنا لدي الأب يرتبك البعض بالانشقاقات تحت أسماء رسل معينين. بمعنى آخر فإن بناء الله هو وحدة واحدة لا تنقسم، الكل يعمل معًا على الأساس الواحد , كل حجرٍ حي في البناء يرى أن كل البناء له، وأنه سيقدم لله الآب بواسطة المسيح الواحد وحدة واحدة بلا تقسيم.
“وأما أنتم فللمسيح” المؤمن الحقيقي يدرك تمتعه بالمسيح وتسليم كل كيانه للسيد المسيح مخلصه. يقدم كل مواهبه وقدراته وممتلكاته وطاقاته الداخلية لحساب السيد المسيح. إنه يكرس كل القلب لذاك الذي مات لأجله.
إذ يصير المؤمن للمسيح، يحملهم فيه كأعضاء جسده الحاملين بره والمقدسين بروحه القدوس. لقد صالحهم مع الآب مقدمًا دمه ثمنًا لذلك. لهذا يتقدم بنا إلي حضنه فنرى المسيح لله، إذ صرنا نحن أعضاء جسده.
- إننا حقا للمسيح بكوننا عمله، و”المسيح لله” بكونه ابنه الأصيل وليس عملاً، بالمعني الذي فيه حتى العالم ليس عالمنا. فمع أن القول واحد لكن المعنى مختلف. لأن العالم هو لنا إذ خُلق لأجلنا، ولكن المسيح هو لله بكونه مصدره بكونه الآب. ونحن للمسيح إذ هو خلقنا. الآن يقول إن كانوا هم لكم لماذا تفعلون ما هو ضد ذلك، إذ تنسبون أنفسكم لأسمائهم وليس للمسيح ولله (الآب)؟[73]
- في الواقع يتحدث معهم كمن هم أبناء من أصلٍ عالٍ، لهم معلمون، وهم ورثة كل شيءٍ.
يمكننا أيضًا أن نقول بمعنى آخر، أن كلا من موت آدم وموت المسيح لأجلنا، موت آدم لكي يصحح حالنا، وموت المسيح لكي نخلص…[74]
القديس يوحنا الذهبي الفم
- نحن للمسيح إذ نحن من عمله بدنيًا وروحيًا[75].
أمبروسياستر
من وحي 1 كو 3
أنا فلاحة الله! أنا هيكل الرب!
- من أنا في عينيك يا إلهي؟
تريدني كائنًا ناضجًا، أسلك بالروح لا بالضعف الجسدي!
ليس للشهوات موضع فيَّ!
لا أعرف الحسد، ولا أقدر أن أمارس البغضة!
لا أعرف إلا الحب الصادق!
- بالحب أصير فلاحة الله المثمرة!
كثيرون غرسوا جنتي وكثيرون سقوني!
كيف أنسى تعب الأنبياء وجهاد الرسل وسهر الرعاة؟
لكن أنت وحدك تهبني النمو!
أنا مدين لك بكل ما في داخلي!
لتأتِ يا حبيبي إلى جنتك، فهي من عمل يديك!
لتقطف من ثمر روحك القدوس،
من أشجار الحب والفرح والصلاح
وطول الأناة واللطف والصلاح
والإيمان والوداعة والتعفف.
لتقدم لأبيك برّك الذي وهبتني إياه!
- من أنا في عينيك حتى تهبني برّك وتقدم لي ذاتك؟
قدمت الأنبياء لي، والرسل لي، والحياة لي، وكل شيء لي!
حتى أنت يا خالق الكل لي!
فلماذا أنسب نفسي لهذا أو ذاك؟
ولماذا أفرح أن يرتبط أحد بي؟
- بالحب أقمت مني هيكلاً مقدسًا لروحك القدوس!
أنت الأساس الذي عليه يقوم كل البناء!
روحك الإلهي يقيم حجارة ذهبية وفضية وحجارة كريمة!
V V V
[1] Commentary on Matthew, 11:3.
[2] City of God 22:21.
[3] City of God 22:21.
[4] CSEL 81:31-32.
[5] In 1 Cor., hom. 8:1.
[6] Comm. on 1 Cor., 1:12:17-23.
[7] CSEL 81:32-33.
[8] Sermon on the Amount 2:67.
[9] CSEL 81:32-34.
[10] Sermons 4:4.
[11] المؤلف: الحب الأخوي، 1964، ص 398.
[12] المؤلف: الحب الأخوي، 1964، ص 401.
[13] المؤلف: الحب الأخوي، 1964، ص 401.
[14] Ephes. hom. 9.
[15] In 1 Cor., hom. 8:4.
[16] In 1 Cor., hom. 8:3,4.
[17] City of God 14:4.
[18] In 1 Cor., hom. 8:4.
[19] In 1 Cor., hom. 8:5.
[20] In 1 Cor., hom. 8:6.
[21] Sermons on New Testament Lessons, 51:1.
[22] Sermons on New Testament Lessons, 31:3.
[23] On Christian Doctrine 16.
[24] In 1 Cor., hom. 8:5.
[25] In 1 Cor., hom. 8:6.
[26] In 1 Cor., hom. 8:6.
[27] CSEL 81:34.
[28] Homily 21.
[29] Ephes. hom. 11.
[30] Sermons for Christmas and Epiphany, sermon 16:3.
[31] Cassian:Conf. 13:12.
[32] Ep.144:1.
[33] Letter 193.
[34] CSEL 81:31.
[35] CSEL 81:35.
[36] In 1 Cor., hom. 8:6.
[37] Sermons 233:6.
[38] Comm. On 1Cor., 1:15:18-20.
[39] CSEL 81:35.
[40] Against Eunomius, 2:10.
[41] Comm. On 1Cor., 1:15:41-42.
[42] 1 Corinth., hom 9:5.
[43] On Virginity, 17.
[44] Comm. On 1 Cor., 1:15:46-55.
[45] In 1 Cor., hom. 8:6.
[46] In 1 Corinth., hom 8:7.
[47] City of God, 21.
[48] In 1 Corinth., hom. 9:5.
[49] CSEL 81:37.
[50] Answer to Eunomius’Second Book.
[51] In 1 Corinth., hom. 9:7.
[52] In 1 Corinth., hom. 9:8.
[53] Comm. On 1 Cor., 183.
[54] Sermons on New Testament Lessons, 54:4.
[55] Sermons on New Testament Lessons, 95:6.
[56] Sermons on New Testament Lessons.
[57] Homilies, 11:4, 5.
[58] Our Lord’s Sermon on the Mount, 2:5.
[59] Sermon on the Amount 2:17.
[60] CSEL 81:38.
[61] In 1 Corinth., hom 10:2.
[62] In 1 Corinth., hom 10:3.
[63] Institutes, 4:41.
[64] Ascetic Homilies, 72.
[65] Comm. On 1 Cor.184.
[66] City of God 17:4.
[67] Comm. On 1 Cor., 2:17:12-14.
[68] CSEL 81:41.
[69] Cassian: Conferences 11:7.
[70] Cassian: Conf. 24:26.
[71] للأسف يفسر البعض الألف سنة، على أن السيد المسيح سيملك ألف سنة مع المؤمنين على الأرض، وهذا يخالف روح المسيح، لكن المسيح حاليًا يملك على قلوبنا ملكًا روحيًا.
[72] Cassian: Conferences 24: 26.
[73] In 1 Cor., hom. 10:4.
[74] In 1 Corinth., hom 10:4.
[75] CSEL 81:41.