تفسير العبرانيين 3 الأصحاح الثالث – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير العبرانيين 3 الأصحاح الثالث – القمص تادرس يعقوب ملطي
المسيح وموسى
في مقارنته بين السيد المسيح وأنبياء العهد القديم أوضح الرسول الجوانب الفائقة للسيد دون أن يقلل من شأن الأنبياء، وهكذا في عرضه للمقارنة بينه وبين الملائكة. هنا أيضًا يقارن بينه وبين موسى النبي بكونه أول قائد للشعب، أخرج إسرائيل من أرض العبودية وعبر بهم إلى البرية ووقف بهم عند جبل موآب ليسلمهم ليشوع قائدهم إلى أرض الموعد. لم يقلل الرسول من شأن هذا الرجل العظيم في الأنبياء بل أكد أمانته في العمل، وإنما أبرز شخص السيد المسيح القائد الحقيقي القادر على الانطلاق بنا من العبودية المرة الداخلية إلى حرية مجد أولاد الله، وقد تحدث هنا عن:
“مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ،
شُرَكَاءُ الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ،
لاَحِظُوا رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ،
حَالَ كَوْنِهِ أَمِينًا لِلَّذِي أَقَامَهُ،
كَمَا كَانَ مُوسَى أَيْضًا فِي كُلِّ بَيْتِهِ” [١-٢].
وجه الرسول الحديث إلى المسيحيين من العبرانيين ودعاهم “الإخوة القديسين“. فإذ كان حديثه السابق في المقارنة بين السيد المسيح وملائكته قد دفعه للحديث عن تواضع السيد بتجسده فصار أخًا بكرًا لنا، فإن الرسول يرى في المؤمنين “إخوة قديسين” بكونهم أعضاء معه في جسد المسيح القدوس، وشركاء معه في الدعوة السمائية. ففي المسيح السماوي يتمتع المؤمنون بحياته المقدسة السمائية ليحيوا فيه على المستوى القدسي السماوي. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [إن كنتم تؤمنون أنه جلس عن يمين الآب في السماوات يليق بكم أن تؤمنوا أنه لم يعد مكانكم في الأرضيات بل في المنظر السماوي[1].]
طالبهم الرسول وهو يقارن بين السيد المسيح وموسى النبي أن ينظروا إلى السيد ويتأملوه من جانبين:
أ. رسول اعترافنا
بالتجسد أعلن الابن كرسولٍ، أرسله الآب إلينا ليعلن الحب الإلهي عمليًا على الصليب ويهبنا إمكانية القيامة بقيامته ويدخل بنا إلى سمواته بجلوسه عن يمين الآب. في هذا يختلف السيد المسيح عن الأنبياء والملائكة، فهو لم يُرسل بمعنى تركه موضع ليذهب إلى آخر، وإنما بمعنى ظهوره في الجسد وحلوله بيننا هذا الذي يبقى بلاهوته غير منفصلٍ عن أبيه، يملأ السماء والأرض.
غاية رسالته هو إعلان إيماننا أو اعترافنا بالحق. قدم لنا ذاته بكونه الحق الإلهي غير المتغير، نقبله فنتعرف على أسرار الآب أيضًا، وكما يقول السيد: “لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا، ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه… الذي رآني فقد رأى الآب” (يو ١٤: ٧، ٩).
إذن، فإرساليته فريدة، خلالها يحملنا فيه ليدخل بنا إلى حضن أبيه، نتعرف عليه معرفة الإتحاد والشركة والتلامس الحق، نرى في الآب ما لا يُرى، ونتمتع بما لا يمكن للحواس الجسدية أن تعبر عنه!
ب. رئيس كهنته
إن كان العبرانيون إذ قبلوا الإيمان بالمسيح حرموا من الكهنوت اللاوي، ومن التمتع بأعمال رئيس الكهنة خليفة هرون، لكنهم تمتعوا برئيس كهنة أعظم على مستوى إلهي، يعمل في السماء بلا توقف إلى الأبد. الأمر الذي يناقشه الرسول فيما بعد عند حديثه عن السيد كرئيس كهنة على رتبة ملكي صادق، وكشفيع عنا في المقادس السماوية لدى أبيه.
قلنا في دراستنا لأسفار الأنبياء أن اليهود رأوا النزاع المرّ بين الأنبياء الحقيقيين والكهنة الشكليين في عبادتهم، أما السيد المسيح فقد جاء يفوق الكل، فيه لا تقدم النبوة كمعرفة جزئية إنما هو “الحق عينه” و “المعرفة الكاملة”، في نفس الوقت هو رئيس الكهنة لا على مستوى تقديم ذبائح دموية إنما بالحب الإلهي يقدم حياته فدية عن شعبه، فيه تلتحم النبوة مع الكهنوت بطريقة فريدة فائقة، بها يفوق موسى العظيم في الأنبياء وهرون رئيس الكهنة المدعو من الله.
هذه مقدمة عن السيد المسيح للمقارنة بينه وبين موسى النبي والتي تتلخص في النقاط التالية:
أولاً: يبدأ الرسول ممتدحًا موسى النبي بكونه الأمين في كل بيته [٢]، ولم يبدأ بالكشف عن سمو السيد المسيح عنه ذلك بسبب شدة ارتباط اليهود بموسى، فقد خشي [لئلا يهرب السامع ويسد أذنيه عنه. فمع كونهم مؤمنين، لكنهم كانوا لا يزالون يحملون مشاعر عميقة في ضمائرهم بصورة خاصة نحو موسى[2].] أما عبارته “في كل بيته“، فقصد بها “وسط شعبه”، فقد كان موسى أمينًا في رعايته للشعب كحارس ومدبر لهم.
لقد رفع الرسول بولس من شأن موسى إذ أعلن أنه أمين في كل بيته وأن السيد المسيح الذي أقامه الآب أمين أيضًا… وقد حاول الأريوسيون التركيز على هذه العبارة ليعثروا المؤمنين في شخص السيد المسيح، خاصة في قوله “أقامه”، معلنين أن هذا التعبير يجعل من السيد مخلوقًا أقامه الخالق على بيته أي كنيسته. وقد تصدى القديس أثناسيوس الرسولي لهم في شرح هذه العبارة الرسولية، مؤكدًا أننا نتطلع إلى السيد المسيح من جانبين، الجانب الأول بكونه كلمة الله الأزلي، وقد أقام لنفسه بيتًا في أحشاء البتول حيث صار واحدًا مع ناسوتنا. هذا هو الذي يتحدث عنه سليمان الحكيم قائلاً: “بنت الحكمة بيتها” (أم ٩: ١). فكلمة الله هو بعينه الحكمة الذي بنى له بيتًا هو ناسوتنا الذي اتحد به[3].
يعلق أيضًا القديس أمبروسيوس على هذه العبارة الرسولية، قائلاً: [هذا أنت ترى أن ما دعاه الرسول مخلوقًا إنما ما أخذه لنفسه من نسل إبراهيم، مؤكدًا بوضوح بدء الجسد، إذ كيف يطهر خطايا الشعب إلاَّ في جسده؟ أي شيء تألم فيه إلاَّ جسده، إذ نقول أن المسيح تألم في الجسد؟ وفي أي شيء هو كاهن إلاَّ لأنه أخذ لنفسه ما هو من الشعب الكهنوتي[4]؟]
ثانيًا: إن كان موسى أمينًا في عمله الرعوي، لكي شتان ما بين أمانته وأمانة السيد المسيح، إذ يقول: “فَإِنَّ هَذَاْ حُسِبَ أَهْلاً لِمَجْدٍ أَكْثَرَ مِنْ مُوسَى، بِمِقْدَارِ مَا لِبَانِي الْبَيْتِ مِنْ كَرَامَةٍ أَكْثَرَ مِنَ الْبَيْتِ. لأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَبْنِيهِ إِنْسَانٌ مَا، وَلَكِنَّ بَانِيَ الْكُلِّ هُوَ اللهُ” [٣-٤]. شتان ما بين السيد المسيح الخالق الذي هو باني البيت أي جابلنا والقادر على تجديد خلقتنا وبين العظيم موسى، فهو بحق أمين لكنه يشترك في كونه البيت عينه الذي يقوم السيد المسيح ببنائه!
ثالثًا: كان موسى أمينًا كخادم شهادة، يشهد لرعاية الله ومحبته ويعلن ناموسه وشرائعه، لذا كان يخلع نعليه عند دخوله المقدسات (خر ٣: ٥) كخادم أمين يود أن يكون مقدسًا لكي يلتقي بالقدوس. أما السيد المسيح فهو الابن الوارث كل شيء، إذ يقول الرسول: “وَمُوسَى كَانَ أَمِينًا فِي كُلِّ بَيْتِهِ كَخَادِمٍ، شَهَادَةً لِلْعَتِيدِ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِهِ، وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ” [٥]. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم، قائلاً: [الواحد (موسى) يهتم بممتلكات غيره، أما هذا فيهتم بممتلكاته الخاصة[5]]، أي يهتم بنا نحن بيته، هيكله المقدس وموضوع ملكوته.
رابعًا: النتيجة العملية لهذه المقارنة هي: “وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا بِثِقَةِ الرَّجَاءِ وَافْتِخَارِهِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ” [٦]. يلزمنا أن نبقى نحن كبيت الله الذي سبق فخدمه موسى كنبيٍ أمين، ويقيم فيه الابن كصاحب بيت يقدسنا بروحه القدوس، كمسكنٍ أبديٍ له لا يهلك إن تمسكنا بثقة فيه ووضعناه كرجاء لنا نفتخر به.
نختم هذه المقارنة بكلمات القديس يوحنا الذهبي الفم: [تراه يتحدث لا عن الهيكل بل الشعب كله… أتدرك كيف يفصل الرسول بين الشيء المصنوع (بيت الله) والصانع، بين الخادم والابن؟ أضف إلى هذا أنه بحق يدخل إلى ممتلكات أبيه كسيد بينما يدخل الآخر كخادم[6].]
ينتقل الرسول في حديثه عن السيد المسيح مقارنًا إياه بنبيه موسى إلى الشعب نفسه، فإن كان العبرانيون يفتخرون بقائدهم العظيم، لكن الشعب الخارج من مصر لم يدخل إلى الراحة الموعود بها، لا عن ضعف في القائد وإنما بسبب العصيان في البرية. موسى كان أمينًا، لكن الشعب بعصيانه وعدم إيمانه فقد ما وعدهم به الله خلال موسى. لهذا كان يليق بهم لا أن يفتخروا بموسى، بل يتطلعوا إلى أنفسهم لئلا يحرموا هم أيضًا من الراحة الحقيقية والتمتع بالمواعيد الإلهية كآبائهم بسبب قسوة قلوبهم الناتجة عن عدم الإيمان.
“لِذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُسُ:
الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ،
كَمَا فِي الإِسْخَاطِ، يَوْمَ التَّجْرِبَةِ فِي الْقَفْرِ.
حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ.
اخْتَبَرُونِي وَأَبْصَرُوا أَعْمَالِي أَرْبَعِينَ سَنَةً…” [٧–٩].
هنا يقتبس الرسول النصف الأخير من المزمور الخامس والتسعين، فبعدما قارن بين أمانة السيد المسيح بكونه الابن الخالق لبيت الله والمهتم به، وبين أمانة موسى النبي بكونه الخادم الأمين والذي يمثل جزءًا لا يتجزأ من البيت نفسه، عاد ليكشف لهم كيف حُرم آباؤهم من التمتع بالمواعيد الإلهية، إذ هلكوا في البرية، ولم يدخلوا أرض الموعد، بالرغم من أمانة موسى قائدهم. لقد هلك ذاك الجيل ليس عن نقص في الرعاية الإلهية ولا عن عدم أمانة القائد والخادم الأمين موسى، وإنما بسبب قسوة قلب الشعب وعدم إيمانهم. لقد كان الله يرعاهم أربعين عامًا، لما سبق وتحدثنا في أكثر من موضع أن رقم ٤٠ يشير إلى حياتنا الزمنية، فإن يد الله المترفقة لا تتوقف عن رعايتنا كل أيام حياتنا، مشتهيًا الدخول بنا إلى راحته، لكن عدم الإيمان يحرمنا من هذه الرعاية، أو كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يقوم عدم الإيمان على القسوة، وكما في الجسد الأعضاء اليابسة القاسية لا تخضع ليديّ الطبيب، هكذا لا تخضع النفوس القاسية لكلمة الله[7].] مادام القلب قاسيًا لا يتقبل عمل الكلمة الإلهي فيه، إنما يسلك في عدم إيمان، حارمًا نفسه من رعاية الله الفائقة!
ضرب لنا الرسول مثلاً عمليًا بالخارجين من أرض مصر الذين فقدوا تمتعهم بمواعيد الله بسبب عدم إيمانهم النابع عن قسوة القلب، فعاشوا في حالة سخط وتذمر بلا انقطاع. فقبيل عبورهم البحر الأحمر وهم بعد في دائرة مصر، قالوا لموسى: “هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا نموت في البرية؟ ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر!… كف عنا فنخدم المصريين” (خر ١٤: ١١). وبعد خروجهم عندما عبروا البحر الأحمر وترنموا للرب سرعان ما تذمروا على موسى إذ وجدوا المياه مرّة (خر ١٥: ١١). وفي إيليم تذمروا مرة ثالثة، قائلين: “ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر، إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزًا للشبع” (خر ١٦: ٣). وفي عدم إيمان إذ أرسل الله لهم المن لم يطيعوا محتفظين بالمن للصباح التالي (خر ١٦: ١٩). وفي يوم السبت خرجوا، خلافًا للوصية، ليلتقطوا مَنًا فلم يجدوا (خر ١٦: ٢٧). ولما أبطأ موسى عن النزول من الجبل أصروا أن يقيم لهم هرون عجلاً ذهبيًا يسير أمامهم عوض الله (خر ٣٢). وفي عدم إيمان اشتهوا القثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم، قائلين عن المن: “والآن قد يبست أنفسنا، ليس شيء غير أعيننا إلى هذا المن” (عد ١١: ٦). وحين أرسل الله الجواسيس إلى كنعان ورجعوا، تذمرت الجماعة على موسى وهرون، قائلين: “ليتنا متنا في أرض مصر أو ليتنا متنا في هذا القفر، ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف، تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة؟ أليس خيرًا لنا أن نرجع إلى مصر!” (عد ١٤: ٢، ٣). هكذا صارت حياتهم سلسلة من التذمر المستمر، وكأن طبيعتهم نفسها قد صارت هكذا، لهذا أعلن الله رفضه هذا الجيل ولم يدخل منه أرض الموعد غير يشوع وكالب. هذه التجربة الجماعية يلزم ألاَّ تفارق أعيننا، حتى لا نفقد مواعيد الله بسبب قسوة قلوبنا.
هنا يركز على القلب الذي هو المنبع، فيمكن أن يكون هيكلاً مقدسًا للرب خلاله يتقدس الجسد كله بكل طاقاته، ويمكن أن يكون مصدرًا للشرور متى كان قاسيًا يرفض عمل النعمة فيه. أما العلاج فهو “التوبة” التي في جوهرها التجاء القلب إلى الله نفسه كسرّ حياته وخلاصه وتقديسه. كلمة الله تجتذب القلب للتوبة، لذا يقول الرسول: “اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم“. أما تأكيد الرسول لكلمة “اليوم“، ذلك لأن حياتنا بالأمس لا تشفع فينا إن كنا نعيش اليوم في قسوة القلب، والمستقبل ليس في أيدينا مادمنا لا نسمع صوت الله اليوم. أما إن عشنا اليوم في التوبة مصغين لصوته، فإننا ننتفع بالماضي ببركاته وضعفاته، وينفتح قلبنا بالرجاء من جهة المستقبل. يصير الزمن كله مكسبًا لنا مادامت حياتنا خاضعة للرب، لهذا يكمل الرسول هكذا:
“بَلْ عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ،
مَادَامَ الْوَقْتُ يُدْعَى الْيَوْمَ،
لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ” [١٣].
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم: [فليعلم الواحد الآخر، تيقظوا لئلا يحل بكم ما حلَّ بهم، “لكي لا يقسي أحد منكم بغرور الخطية”، أنظر كيف تلد الخطية عدم الإيمان؟ فكما أن عدم الإيمان يجلب حياة شريرة هكذا إذ تدخل النفس إلى عمق الشر تصير حمقى (أم ١٨: ٣)، وإذ تصير هكذا حمقى لا تقبل حتى أن تؤمن لكي تتحرر من المخافة[8].]
تخدع الخطية النفس فتجلبها إلى عدم الإيمان، وعدم الإيمان يدفعها إلى الخطية، وهكذا يدور الإنسان في دوامة عدم الإيمان والسقوط في الشر.
يكمل الرسول: “لأَنَّنَا قَدْ صِرْنَا شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ، إِنْ تَمَسَّكْنَا بِبَدَاءَةِ الثِّقَةِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ” [١٤]. ينتقل بنا الرسول من المقال الذي اقتبسه عن العهد القديم إلى حديث يخص العهد الجديد، فإن كان رجال العهد القديم قد سقطوا في قسوة القلب، فإن السيد المسيح قدم لنا الشركة معه كإمكانية جديدة حتى لا نسقط فيما سقط فيه الآباء. قدم لنا نفسه رأسًا، وصرنا نحن من لحمه وعظامه (أف ٣: ٦؛ رو ١٢: ٥) إن تمسكنا ببداءة الثقة، أي تمسكنا بأساس الإيمان به كخالقنا ومجدد طبيعتنا.
يعود فيؤكد الرسول دورنا الإيجابي في التمتع بالراحة الموعود بها خلال الطاعة، قائلاً:
“إِذْ قِيلَ: الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ،
كَمَا فِي الإِسْخَاطِ.
فَمَنْ هُمُ الَّذِينَ إِذْ سَمِعُوا أَسْخَطُوا؟
أَلَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى؟
وَمَنْ مَقَتَ أَرْبَعِينَ سَنَةً؟
أَلَيْسَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا، الَّذِينَ جُثَثُهُمْ سَقَطَتْ فِي الْقَفْرِ؟
وَلِمَنْ أَقْسَمَ لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتَهُ، إِلاَّ لِلَّذِينَ لَمْ يُطِيعُوا؟
فَنَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا لِعَدَمِ الإِيمَانِ” [١٥–١٩].
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على ذلك القول الرسولي: [هم أيضًا سمعوا كما نسمع نحن، لكنهم لم ينتفعوا من السماع. فلا تظن أن الانتفاع هو بالسماع، فإنهم سمعوا ولم ينتفعوا شيئًا لأنهم لم يؤمنوا[9].]
[1] Comm. John.Frag. 144.
[2] St. Chrysostom: In Hebr. hom 5: 4.
[3] Against Arians, 3: 6.
[4] On Christian Faith 3: 86.
[5] In Hebr. hom 5: 5.
[6] In Hebr. hom 5: 4.
[7] In Hebr. hom 6: 3.
[8] In Hebr. hom 6: 3.
[9] In Hebr. hom 6: 4.