تفسير العبرانيين 9 الأصحاح التاسع – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير العبرانيين 9 الأصحاح التاسع – القمص تادرس يعقوب ملطي
الخدمة السمائية
إن كان لنا رئيس كهنة لا على رتبة هرون ولا من سبط لاوي، وإنما على طقس ملكي صادق، له كهنوت جديد، فإنه يليق به أن يخدم في هيكل جديد ليقدم ذبيحة جديدة فريدة لحسابنا.
يقارن الرسول بولس بين العهدين القديم والجديد مقدمًا لنا النقاط التالية:
أولاً: أبرز الرسول أن المسكن الأول، سواء خيمة الاجتماع أو هيكل أورشليم، كان يحوي قسمين رئيسيين هما القدس وقدس الأقداس يفصل بينهما الحجاب الذي يخفى قدس الأقداس وراءه، قائلاً: “ثُمَّ الْعَهْدُ الأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَيْضًا فَرَائِضُ خِدْمَةٍ وَالْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ، لأَنَّهُ نُصِبَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْقُدْسُ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَنَارَةُ، وَالْمَائِدَةُ، وَخُبْزُ التَّقْدِمَةِ. وَوَرَاءَ الْحِجَابِ الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قُدْسُ الأَقْدَاسِ فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ. وَفَوْقَهُ كَرُوبَا الْمَجْدِ مُظَلِّلَيْنِ الْغِطَاءَ. أَشْيَاءُ لَيْسَ لَنَا الآنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ” [١–٥].
رأى الرسول في القسمين إشارة إلى العهدين؛ القدس يشير إلى العهد القديم، وقدس الأقداس إلى العهد الجديد. الأول يخدمه كهنة كثيرون كل يوم، والثاني يشير إلى السماء لا يدخله إلاَّ رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة كرمز للسيد المسيح الذي قدم نفسه مرة واحدة ليدخل بنا إلى سماواته.
لا يتجاهل الرسول قدسية العهد القديم فإنه كالمسكن له فرائض خدمة من قبل الله، وفيه المنارة والمائدة وخبز التقدمة، مقدسات هي شبه السماويات، الأمور التي يقول الرسول: “ليس لنا الآن أن نتكلم عنها بالتفصيل“، لأنها تحمل رموزًا حية للسيد المسيح وخدمته إذ به ننعم بالاستنارة ونتمتع بجسده الخبز المحيي! وقد سبق لنا في دراستنا لسفر الخروج الحديث عنها[1]. هذا عن القدس، أما ما وراء الحجاب فيختفي قدس الأقداس الذي فيه مبخرة من ذهب وتابوت العهد ممثل الحضرة الإلهية، مغشى من كل جهة بالذهب إشارة للاهوت، فيه قسط من ذهب فيه المن إشارة إلى المن الحقيقي جسد الرب ودمه الأقدسين، وعصا هرون علامة كهنوت الرب ورعايته الشخصية لكنيسته، ولوحا العهد إشارة إلى كونه كلمة الله، وفوق التابوت كاروبان يظللان الغطاء علامة دخولنا إلى الإتحاد مع السمائيين في المسيح يسوع ربنا[2].
إن كان القدس يشير إلى الحياة الحاضرة المقدسة في الرب أو خدمة العهد القديم، فإن قدس الأقداس يشير إلى الحياة السماوية التي قدمها لنا الرب السماوي بعهده الجديد معنا. يقول الرسول إنه لا يمكن أن يظهر طريق الحياة الجديدة السماوية مادام المسكن الأول له إقامة، بمعنى أن خدمة الروح في المسيح يسوع لا تظهر مادامت الطقوس الموسوية تقام في حرفيتها كظل. لابد أن ينشق الحجاب ويزول الظل بظهور الحق ذاته، وتختفي الخدمة الموسوية أمام الهيكل الجديد، أو كما يقول الرسول: “مُعْلِنًا الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَذَا أَنَّ طَرِيقَ الأَقْدَاسِ لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَادَامَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ لَهُ إِقَامَةٌ، الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ” [٨-٩].
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ماذا يعني بقوله: الوقت الحاضر؟ يقصد زمن ما قبل مجيء المسيح، فإنه بعد مجيئه لا يكون بعد الوقت الحاضر، إذ كيف يمكن أن يوجد الوقت، وقد جاء وانتهى[3]؟!] خدمة الناموس الموسوي هي خدمة الوقت الحاضر، أما وقد جاء السيد في ملء الزمان فقد رفعنا إلى ما فوق الزمن ودخل بنا إلى السماويات.
ثانيًا: يقارن الرسول بين ذبائح العهد القديم وذبيحة العهد الجديد، ففي الناموس الموسوي يقدم الكهنة دم تيوس وعجول، مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد [١٢-١٤] أما كاهن العهد الجديد فيقدم دم نفسه. وكما يقول الرسول: “وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ؟!” [١٢–١٤]. في القديم يُقدم دم حيوانات تُقاد للذبح بغير إرادتها، أما في العهد الجديد فقدم رئيس الكهنة نفسه تقوده إرادته الحرّة وطاعته لأبيه حتى الموت موت الصليب وحبه للبشرية وهي بعد تعاديه! إنه الكاهن والذبيحة في نفس الوقت. وكما يقول القديس أغسطينوس: [أنت هو الكاهن، وأنت الذبيحة، أنت المقدم وأنت التقدمة[4]!]
ثالثًا: إذ قارن بين الخدمتين، رأى الخدمة الأولى، وهي خدمة الوقت الحاضر تركز على تطهير الجسد [١٣]، أما الثانية وهي خدمة ما فوق الزمن الحاضر، خدمة السماء، فتمس الضمائر وأعماق النفس الداخلية، أي خدمة الروح الفعّالة التي تقيم ملكوت الله في داخلنا. الأولى تقوم على دم حيوانات تموت وتُستهلك، أما الثانية فتقوم على دم ابن الله الذي بروح أزلي قدم نفسه، لا يمكن للفساد أن يمسك به ولا للموت أن يحبسه، واهب حياة وقيامة! الأولى يقوم بها كهنة تحت الضعف، محتاجون إلى تكفير عن خطاياهم، أما الثانية فيقوم بها من هو “بلا عيب” [١٤]، قادر أن يقدسنا!
رابعًا: إذ يتحدث الرسول عن الهيكل القديم أو المسكن الأول بما احتواه من أثاثات، يقول: “أَشْيَاءُ لَيْسَ لَنَا الآنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ“، وكأنه ترك الباب مفتوحًا للمقارنة بين خدمتي العهدين. الأمر الذي جعل الآباء يسهبون فيها. لكنني أكتفي بالقليل مما ورد في كتابات البابا أثناسيوس الرسولي مقارنًا بين الهيكل القديم بخدمته الموسوية، والهيكل الجديد الذي هو “جسد المسيح” الذي فيه صارت لنا الخلقة الجديدة مقدسة به، أو كما يقول الرسول: “الذي فيه كل البناء مركبًا معًا ينمو هيكلاً مقدسًا في الرب، الذي فيه أنتم أيضًا مبنيون معًا مسكنًا لله في الروح” (أف ٢: ٢١، ٢٢).
يقارن البابا أثناسيوس الرسولي بين الهيكل القديم وجسد الرب هكذا:
[كان الهيكل القديم مقامًا من حجارة وذهب كظل، لكن إذ جاءت الحقيقة بطل الرمز من هناك، وكقول الرب لا يبقى حجر على حجر إلاَّ وينقض (مت ٢٤: ٢)…
من يحتقر الهيكل يحتقر الرب الذي في الهيكل، ومن يفصل الكلمة عن الجسد يجعل من النعمة التي وهبت لنا فيه لا شيء. لا تقبل افتراض الأريوسيين الأشرار جدًا وغير العاقلين بأنه مادام الجسد مخلوقًا فالكلمة أيضًا مخلوق، ولا القول بأنه مادام الكلمة غير مخلوق فجسده مزدرى به!…
لكن، إذ الكلمة هو الخالق، الذي صنع المخلوقات، لهذا ففي نهاية الدهور لبس المخلوق (الجسد) لكيما يقدس الخليقة وهو الخالق ويشفيها. فالخليقة لا يمكن لها أن تخلص بواسطة مخلوق، كما أنها أُوجدت بواسطة الخالق[5]…]
إذن في العهد الجديد تقدم إلينا السيد متجسدًا، مقدمًا لنا جسده كسرّ تقديس لنا، ففيه نختفي، وبه نتحد، لنحمله في داخلنا كما نحن فيه… هذا هو “وَقْتِ الإِصْلاَحِ” [١٠]. لا إصلاح بشرائع وأوامر ونواه وإنما بإمكانيات جديدة، بإتحادنا معه!
كانت هناك قاعدة قانونية رومانية بمقتضاها أن أية وصية لا تكون لها قوة مادام الموصي حيًا، إذ يستطيع في أي وقت شاء أن يسحب الوصية أو يغير بنودها، لكن متى مات الموصي تثبت الوصية ولا يمكن لأحد أن يغيرها. هكذا يرى الرسول بولس أن علاقة الله بالإنسان هي علاقة الأب الموصي لابنه، ففي القديم قدم وصيته خلال العهد الموسوي، وإذ لم يكن ممكنًا للوصي أن يموت لتثبيت الوصية كان دم الحيوانات يقوم بهذا الدور. أما في العهد الجديد، فإذ تسلمنا الوصية مات الموصي على الصليب فأعلن تثبيت الوصية وفاعليتها الأكيدة. وكأن موت الصليب أو دم السيد المسيح المبذول هو ختم على الوصية الإلهية وتأكيد لنا للتمتع بالميراث الأبدي الذي أوصى به. فإن كان السيد قد أوصى هكذا: “من يؤمن بي فله حياة أبدية” (يو ٦: ٤٧). فقد ختم الوصية بجسده المبذول ودمه المسفوك عنا: “إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم” (يو ٦: ٥٣).
في وضوح قال الرسول: “لأَنَّهُ حَيْثُ تُوجَدُ وَصِيَّةٌ يَلْزَمُ بَيَانُ مَوْتِ الْمُوصِي، لأَنَّ الْوَصِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَوْتَى، إِذْ لاَ قُوَّةَ لَهَا الْبَتَّةَ مَادَامَ الْمُوصِي حَيًّا” [١٦-١٧]. هكذا إذ يستلزم استخراج شهادة وفاة للموصي لتأكيد الوصية، فإننا نقدم دم السيد المسيح على الصليب علامة ثبوت الوصية بموت الوصي.
من هنا نفهم لماذا كان الدم علامة التطهير في العهدين القديم والجديد، إذ هو علامة ثبوت الوصية. لهذا كان كتاب العهد أو الوصية يرش بالدم وجميع الشعب يتقدسون به. [١٩-٢٠]، لكنه لم يكن دم الموصي بل رمزه، دم حيوانات. أما في العهد الجديد فحملت الوصية قوتها خلال دم ابن الله، الموصي: “َكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!” [٢٢]. لقد استخدم موسى الدم والماء للتطهير [١٩]، ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على ذلك، قائلاً: [أخبرني لماذا كان كتاب العهد وأيضًا الشعب يرشون، إلاَّ من أجل الدم الثمين الذي كان الأول (دم الحيوانات) مثالاً له؟… ولماذا الماء؟ لكي يطهر… ولماذا الصوف (القرمزي)؟ كان هذا لكي يحتفظ بالدم، إذ يظهر الدم والماء كأنهما واحد[6].]
أما بالنسبة للعهد الجديد، فيتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم: [أين هو الكتاب إذن؟ لقد طهّر أذهانهم فيحسبون هم أنفسهم كتاب العهد الجديد… وأين الخيمة؟ مرة أخرى هم أنفسهم الخيمة، إذ يقول: “سأسكن فيهم وأسير بينهم” (٢ كو ٦: ١٦). لكن هؤلاء لم يرشوا بصوف قرمزي ولا بزوفا، لماذا؟ لأن الغسل هنا ليس غسلاً جسديًا، وإنما هو غسل روحي، وكان الدم روحيًا (دم حقيقي أخذه من القديسة مريم وبذله على الصليب لكن الروح القدس هو الذي هيأ التجسد) كيف؟ إنه لم يفض عن جسد حيوانات غير عاقلة بل عن جسد أعده الروح (القدس). بهذا الدم لم يرشنا موسى بل المسيح خلال الكلمة التي قيلت: هذا هو دم العهد الجديد لمغفرة الخطايا. هذه الكلمة هي عوض الزوفا قد غُمست في الدم ورشتنا جميعًا. هناك كان غسل الجسد خارجيًا لأن التطهير كان جسديًا، أما هنا فالتطهير روحي يدخل إلى النفس ويغسلها… هناك كان الرش يتم عند السطح فقط، والذي يُرش يُغسل من آثار الدم… أما بالنسبة للنفس فالأمر غير ذلك إذ يمتزج الدم بكيانها ليجعلها نشيطة ونقية، يقودها إلى ذات الجمال غير المقترب إليه[7].]
كانت أمثلة السماويات وظلالها تتطهر بدم حيوانات، أما السماويات عينها فسرّ تقديسها هي الذبيحة الفريدة، ذبيحة الصليب التي لا تتكرر، ذبيحة السيد المسيح نفسه الحيّ القادر وحده أن يقيم من الأموات.
تُقدم الذبائح الدموية في الخيمة أو هيكل أورشليم، المسكن الأول، ظل السماويات، أما المسيح الذبيح بصفته الكاهن والذبيح فهو قائم في السماوات عينها يظهر أمام وجه الآب بكونه الحمل الذي كأنه مذبوح. حقًا إنه لم ينفصل قط عن الآب من جهة اللاهوت لكنه من أجلنا نزل إلينا – بغير انفصال عن الآب – مقدمًا ذاته ذبيحة حب عنا، لكي إذ يرتفع إلى السماوات يرفعنا معه، ويشفع فينا بدمه فندخل إلى حضن أبيه.
كان الكهنة قديمًا يقدمون دم حيوانات ميتة، فكانت الذبائح عاجزة عن إقامتنا بل وحتى عن قيامتها هي نفسها، أما الكاهن الأعظم يسوع المسيح، فهو وحده الذي قدم نفسه واهب الحياة، فلا حاجة لتكرار الذبيحة. كهنوته أبدي وذبيحته لا يتوقف عملها أو فاعليتها… لا تقدم ولا تشيخ! إذ يقارن القديس يوحنا الذهبي الفم بين ذبيحة العهد القديم الحيوانية وذبيحة العهد الجديد الفائقة يقول: [عظيم هو الفارق! إنه هو الفدية والكاهن والذبيحة! فلو كان الأمر غير ذلك لصارت هناك حاجة إلى تقديم ذبائح كثيرة وكان يُصلب مرارًا كثيرة[8].]
ربما يتساءل البعض: إن كانت ذبيحة السيد المسيح لا تتكرر، فلماذا تقيم الكنيسة الإفخارستيا، ذبيحة المسيح، كل يوم على كل مذبح؟ نجيب أن الإفخارستيا ليس تكرارًا لذبيحة الصليب، وإنما هي امتداد لذات الذبيحة القائمة الأبدية غير الدموية التي لا تتوقف، فالمسيح الذبيح الحيّ القائم من الأموات هو بعينه يقدم جسده ودمه الأقدسين دون تكرار أو تغيير، والمذابح المحلية في حقيقتها هي مذبح واحد لكنيسة واحدة! وقد سبق لنا دراسة ذلك بأكثر إسهاب من واقع كتابات الآباء وشهادات الليتورچيات[9].
يقول الرسول بولس أنه كما نموت نحن مرة واحدة لنقوم فنُدان، مات عنا مرة واحدة ليحمل في جسده دينونتنا، مخلصًا إيانا من الموت. إنه لن يموت مرة أخرى ولا تتكرر ذبيحته، إنما تبقى ذبيحته قائمة فوق الزمن تعمل في كل من يدخل بالإيمان إلى الجلجثة ليلتقي بالذبيحة القادرة أن ترفعه إلى العرش الإلهي ليكون له مصالحة مع الآب. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد مات من أجل الكل، هذا من جانبه، فإن هذا الموت كان المقابل ضد هلاك كل البشرية، لكنه لم يحمل خطايا كل الناس لأنهم لم يريدوا[10].] لقد أحنى ظهره ليحمل الخطايا عن الجميع لكنه يُحسب مخلصًا للمؤمنين وحدهم، هؤلاء الذين يظهرون معه بلا خطية عندما يأتي على السحاب فيحملهم إلى أبيه أبرارًا فيه.
لقد رأى القديس يوحنا الذهبي الفم أن هذا النص [٢٦–٢٨]. [يشير إلى قوة الحياة التي بحسب الله وأيضًا إلى قوة الخطية فبالنسبة للحياة حسب الله يظهر أن المسيح لا يموت بعد، وأما من جهة الخطية، فإنها وإن كانت قد جلبت الموت على من هو بلا خطية كم بالأكثر يكون تدميرًا للذين يخضعون لها[11]؟!]
[1] للمؤلف: سفر الخروج، ١٩٨١.
[2] للمؤلف: سفر الخروج، ١٩٨١.
[3] In Hebr. hom 15 : 2.
[4] On Ps. 65.
[5] Ep. Ad. Adelphius 7, 8.
[6] In Hebr. hom 16 : 3.
[7] In Hebr. hom 16 : 5.
[8] In Hebr. hom 16 : 5.
[9] للمؤلف: المسيح في سرّ الإفخارستيا، ص ٤٣ – ٦٣.
[10] In Hebr. hom 17 : 4.
[11] In Rom. hom 11.