تفسير العهد الجديد

تفسير العبرانيين 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير العبرانيين 13 الأصحاح الثالث عشر - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير العبرانيين 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير العبرانيين 13 الأصحاح الثالث عشر - القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير العبرانيين 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير العبرانيين 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

 

الأصحاح الثالث عشر

وصايا ختامية

 

يختم الرسول بولس رسالته بحديث عملي كعادته في كل رسالته الأخرى، وقد جاء الحديث هنا مطابقًا للفكر الروحي الذي أعلنه في صلب الرسالة. إن كان في الأصحاح السابق قد تحدث عن الالتزام بالجهاد الحيّ للتمتع بشفاعة السيد المسيح الكفارية أو دخولنا إلى الإتحاد مع الآب فيه، أما هنا فيترجم هذا الجهاد إلى بعض جوانبه العملية التطبيقية مثل المحبة والتسبيح والطاعة… الخ.

  1. المحبة الأخوية ١.
  2. محبة الغرباء ٢ – ٣
  3. المحبة الزوجية ٤ – ٦
  4. محبة الرعاة ٧
  5. الهروب من الهرطقات ٨ – ١١
  6. التألم مع المسيح ١٢ – ١٤
  7. التسبيح ١٥ – ١٦
  8. الخضوع للمرشدين ١٧ – ٢٢
  9. ختام الرسالة ٢٣ – ٢٥

 

1. المحبة الأخوية:

لكي ننعم بعمل السيد المسيح الكفاري بكونه رئيس الكهنة الأعظم السماوي، يلزمنا أن نعلن محبتنا للآخرين، لا كشرطٍ نبدأ نحن به، وإنما كالتحام حيّ للحب الإلهي بالحب الأخوي. فإنه بالحق كلما اتسع قلبنا خلال عمل الله أو محبته أحببنا نحن أيضًا إخوتنا، وكلما أحببنا الإخوة أعلن الله بالأكثر حبه فينا.

يوصينا الرسول: “لِتَثْبُتِ الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ” [١]. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم هكذا: [انظر كيف يأمر بالثبات فيما هم عليه فعلاً… إذ لم يقل لهم “كونوا محبين للإخوة”، بل قال “لتثبت المحبة الأخوية[1]“.] هكذا يتكلم الرسول بحكمة الروح، فيشجعهم على النمو في المحبة، لا كأمرٍ جديدٍ لم يتذوقوه، وإنما كحياة هم بالفعل يمارسونها. وكأنه يكرر ما يقوله لأهل تسالونيكي: وأما المحبة الأخوية، فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها لأنهم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضًا” (١ تس ٤: ٩). وكأن الرسول قد أدرك أن المؤمنين لا يمكن أن يكونوا خالين من المحبة وإنما يحملون بذارها على الدوام، وهم في حاجة إلى النمو والثبات فيها.

  1. 2. محبة الغرباء

يترجم الرسول المحبة الأخوية إلى جوانب عملية يبدأها بإضافة الغرباء، وللمرة الثانية لا يقدم الوصية في صيغة أمرٍ، إنما في شكل تذكير لعمل يمارسونه هم وقد سبق فمارسه آباؤهم، ونالوا عليه مكافأة عظيمة، إذ يقول: “لاَ تَنْسُوا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ” [٢]. يعود بفكره إلى أبينا إبراهيم حيث استضاف ثلاثة عابرين عند باب خيمته في ممرا ثم اكتشف أنهم ظهور للرب وملاكين معه، كما عاد إلى لوط الذي استضاف ملاكين.

يليق بنا كغرباء على الأرض أن نهتم بالغرباء، وكأناس معرضين للسقوط تحت الضيق أن نسند المتضايقين، إذ يقول الرسول: “اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ” [٣]. لا نشاركهم بالرثاء المجرد بل بالحب العامل، نشعر بالشركة الحقيقية مع كل عضو. “فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه” (رو ١٢: ١٥). هذه الشركة عاشها أولاد الله في العهدين القديم والجديد، فيقول إرميا النبي وهو يرى شعبه منسحقًا بسبب السبي رغم مقاومة الشعب له: من أجل سحق بنت شعي انسحقت، حزنت، أخذتني دهشة” (إر ٨:٢١)، ويقول الرسول: “من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب؟!” (٢ كو ١١: ٢٩). وتظهر شركة الحب العملي في كلمات آباء الكنيسة المحبين فيقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء أحب إلىّ أكثر منكم، لا، ولا حتى النور! إني أود أن أقدم بكل سرور عيني ربوات المرات وأكثر – ما أمكن – من أجل توبة نفوسكم!… إني أحبكم، حتى أذوب فيكم، وتكونون لي كل شيء، أبي وأمي وإخوتي وأولادي[2].]

  1. 3. المحبة الزوجية

لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ،

وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ.

وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ[٤].

إذ يكون الزواج مكرمًا في عيني إنسان بحق لا يطيق الدنس والنجاسة. فالمسيحي الحقيقي يعيش في طهارة ونقاوة غير منغمسٍ تحت عبودية الشهوات الجسدية.

يؤكد الرسول “لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ“، أي في عيني المتزوج كما في عيني البتول، فقد خشي الرسول من تسلل الأفكار الغنوسية التي تعادي الجسد وتشوه الزواج بكونه دنسًا. هذا ما اهتم به حتى آباء البرية تأكيده للرهبان والراهبات، فإن اختيارهم لحياة البتولية ليس إلاَّ رغبة في تكريس كل الطاقات للعبادة أو الخدمة، وليس بغضًا أو تدنيسًا للحياة الزوجية.

كتب القديس أثناسيوس الرسولي إلى الأب آمون هكذا: [يوجد طريقان للحياة… الواحد عفيف وعادي أقصد به الزواج، والآخر ملائكي وفائق للطبيعة أقصد به البتولية، إن اختار إنسان طريق العالم أي الزواج فبحق لا يُلام لكنه لا ينال المكافأة كالآخر، إذ هو يثمر ثلاثين ضعفًا، إما إن قبل إنسان الطريق المقدس غير الأرضي – إن قورن بالسابق – فهو طريق وعر يصعب تحقيقه، لكن عطاياه أكثر عجبًا إذ ينتج ثمارًا أكمل أي مئة ضعف[3].]

يقول القديس چيروم: [بينما نحن نسمح بالزواج لكننا نفضل البتولية التي تنبع عن الزواج… هل تُحسب إهانة للشجرة إن فضل تفاحها عن جذورها وأوراقها؟ وهل يتأذى القمح لأنك تعطي الأولوية للسنبلة عن الساق والنصل؟ كما أن التفاح هو من الشجر وحبوب الحنطة من السنبلة هكذا البتولية هي من الزواج. قد تتحقق المحاصيل مئة ضعف وستون وثلاثون عن تربة واحدة وزرع واحد، لكن الاختلاف هو في الكمية. الثلاثون ضعفًا يشير إلى الزواج… والستون ضعفًا يشير إلى الترمل حيث يوجد الأرامل في شيء من الضيق والتعب… والمئة ضعف يشير إلى إكليل البتولية[4].]

ينتقل الرسول من الحديث عن قدسية النظرة إلى الزواج مع الهروب من العهارة والزنا إلى الحديث عن عدم محبة المال والاتكال على الله بلا خوف ولا قلق إذ هو يهتم بنا ويعولنا. “لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ، حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟[٥-٦]. الزنا ومحبة المال مرتبطان معًا، فإن كليهما يصدران عن فراغ القلب، ولا يكون لهما موضع للقلب الشبعان بمحبة الله، إذ هو ليس في عوز لا إلى لذة جسدية تهب راحة وقتية ولا مال يتكيء عليه! محبة الله تشبع الإنسان فيستريح جسديًا وروحيًا ونفسيًا تحت كل الظروف.

  1. 4. محبة الرعاة:

اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ، فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ” [٧]. لنذكر الآباء الرعاة الذين يختفون وراء كلمة الله، فيشهدون لا بما لهم بل بالكلمة الإلهي المعلن في كرازتهم وفي سلوكهم. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أي نوع من الإقتداء هو هذا؟ بالحق نتمثل بما هو صالح فيهم. إذ يقول: “انظروا حياتهم، فتمثلوا بإيمانهم”. فإن الإيمان إنما يعلن في الحياة النقية[5].] وقد سبق لنا في كتابنا “الحب الرعوي” أن تحدثنا عن التزام المؤمنين بإعلان الحب للكاهن من أجل كلمة الله التي كرس حياته لها واختفى فيها وعاشها[6]. ومن جانب الكاهن ألا يكرز بالكلام فحسب، وإنما بحياته التي يلزم أن تكون مضيئة وشاهدة للحق[7].

  1. الهروب من الهرطقات

يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ.

لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَّوِعَةٍ وَغَرِيبَةٍ[٨-٩].

إذ أراد أن يوصيهم بعدم الانسياق وراء التعاليم الغريبة المتنوعة أكد لهم أن “يسوع المسيح هو أمس واليوم وإلى الأبد“. إنه ابن الله الحيّ الذي لم ولن يتغير، نقبله كما قبله آباؤنا بالأمس، ونسلم الإيمان به للأجيال المقبلة بلا انحراف.

إنه رئيس الكهنة السماوي الذي عمل في آبائنا، ولا يزال يعمل لحسابنا، ويبقى عاملاً إلى الأبد حتى يدخل بالكنيسة كلها إلى مجده الأبدي.

إذ نتمسك بالسيد المسيح نرفض البدع والهرطقات، لا نطلب جديدًا، إذ مسيحنا لا يشيخ ولا يقدم، بركاته جديدة في حياتنا كل يوم.

هنا أيضًا يلمح إلى الهرطقات التي ظهرت في عهده، إذ حملت فكرًا غنوسيًا يحرم الأطعمة لا لأجل النسك الروحي، وإنما كدنسٍ يلزم الامتناع عنها كما يدنسون الزواج. يقول الرسول: “لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا[٩]. حتى في تلميحه يتحدث الرسول بلطف لينزع عنهم النظرة الغنوسية، مقدمًا إليهم نظرة مقدسة إلى كل شيء حتى الطعام.

  1. التألم مع السيد المسيح

انتقل بهم الرسول من عدم الانسياق وراء البدع والهرطقات إلى ضرورة التأمل في آلام السيد المسيح المصلوب، وعوض الانشغال بالأطعمة الزمنية يليق بنا أن نرفع قلوبنا إلى الذبيح السماوي القدوس!

لقد أراد الرسول بالتأمل في الصليب أمرين: نزع المرارة التي لحقت بالعبرانيين الذين آمنوا بالمسيح لأنهم حُرموا من الطقوس اليهودية وطردوا من المحلة، وقبول الآلام مع المصلوب بفرح وسرور. يقول الرسول: “لَنَا مَذْبَحٌ لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ. فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ الْخَطِيَّةِ إِلَى الأَقْدَاسِ بِيَدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ الْمَحَلَّةِ[١٠-١١]. وكأنه يقول إن كان في الطقس اليهودي يحرم على الكهنة الأكل من الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطية بيد رئيس الكهنة وتحرق أجسامها خارج المحلة، فبالأولى جدًا ألاَّ يقدر كهنة اليهود أن يتمتعوا بذبيحة السيد المسيح الذي صُلب خارج المحلة وارتفع إلى السماوات! حُرموا مما ننعم به، جسد الرب ودمه المبذولين من أجلنا، حرموا من سرّ الإفخارستيا الواهب التقديس! هنا يطمئنهم الرسول أنهم ليسوا هم محرومين بل أصحاب الطقس اليهودي الذين لا يزالوا في الظل والرمز محرومين من أكل الذبائح الحيوانية التي يقدسها رئيس الكهنة عن الخطية ومن الذبيحة الحقيقية التي وهبها السيد لمؤمنيه.

هذا العمل الطقسي أيضًا حمل رمزًا أن السيد المسيح يُطرد خارج المحلة ويُصلب خارج أورشليم، حتى نلتزم بالخروج معه وإليه لنحمل عار صليبه، ونشترك معه في آلامه خلال طردنا من أورشليم. “لِذَلِكَ يَسُوعُ أَيْضًا، لِكَيْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ. فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ[١٢-١٣]. إن كان هؤلاء العبرانيون قد طردهم مجلس السنهدرين كمرتدين، لا يخجلوا، فقد سبق أن طُرد مسيحهم قبلهم. إنه لمجد عظيم أن نُطرد معه، ونبقى خارج المحلة عربون خروجنا من هذا العالم وتمتعنا بالمدينة العتيدة؛ “لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لَكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ[١٤]. الطرد من أورشليم الأرضية عربون الدخول إلى أورشليم العليا.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد صلب خارجًا كمدين، فلا نخجل نحن من طردنا خارجًا[8].] بخروجه كمذنبٍ صار لنا شرف الطرد خارجًا؛ وإن لم يخرجنا الناس خلال مضايقتهم لنا، نخرج نحن عن محبة الزمنيات، حاملين الصليب في داخلنا، مشتهين المجد السماوي.

  1. التسبيح

فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ” [١٥].

الخروج خارج المحلة لا يخلق في النفس تبرمًا، وإنما يحول الإنسان إلى قيثارة إلهية تبعث الفرح وتنطق بالتسبيح، مادام الإنسان لا يخرج بمفرده، وإنما مع السيد المسيح وفيه. يتحول الألم والطرد إلى حالة فرحٍ داخليٍ هو ثمر الروح القدس الذي يبهج المؤمن بتقديم نفسه ذبيحة حب لله في ابنه. هذه البهجة تعلن بالتسبيح خلال الشفاه المعترفة باسمه، وخلال القلب الداخلي، كما خلال العمل بتنفيذ الوصية، إذ يكمل الرسول، قائلاً: “وَلَكِنْ لاَ تَنْسُوا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ” [١٦]. كأن التسبيح ليس مجرد كلمات تنطق بها الشفاه وإنما هي طبيعة يعيشها المؤمن، يعلنها في قلبه بالمشاعر المملوءة حبًا لله، وبالشفاه خلال كلمات التسبيح، وبالعمل الصالح الروحي. يعلق القديس چيروم على كلمات المرتل “لتصفق الأنهار بالأيادي” قائلاً: [إن المؤمنين وقد صاروا أنهارًا تفيض عليها المياه من النهر الأصلي ربنا يسوع تصفق بالعمل الروحي المستمر كما بالأيدي، تسبح للثالوث القدوس بالسلوك الحيّ.]

  1. الخضوع للمرشدين

أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا،

لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ،

كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا،

 لِكَيْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ،

لأَنَّ هَذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ[١٧].

يتحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن أهمية الخضوع للإرشاد الروحي، قائلاً: [إن عدم الرئاسة لأمر رديء، يسبب مصائب جمة! إنه بداية الاضطراب والشغب وسوء النظام! وكما أنه إذا نُزع الرئيس عن الخورس لا يبقى ما عليه من لحن ونظام، وإذا أُبعد عن الجيش قائده لا يثبت في استقامة ترتيبه… وإذا ما عدمت السفينة مدبرها تغرق، هكذا إذا أُبعدت الراعي عن المرعى تسيء إليه وتهلكه… إذن فعدم الرئاسة أمر رديء ومسبب للفساد، وأما ما هو أردأ منه فهو عصيان المرؤوسين… فإذ لا يرضخ الشعب لرسم رئيسه يكون حاله أشبه بمن لا رئيس لهم، بل وأكثر شرًا. لأن الذين ليس لهم رئيس معذورون في سوء نظامهم… أما من لهم رئيس ولا يطيعونه فلا عفو لهم وإنما يعاقبون[9].]

ليست طاعة المرشدين تعني أرستقراطية الرعاة أو أفضليتهم عن الشعب، فإن الرسول بولس نفسه يشعر بعوزه إلى صلوات شعبه، قائلاً: “صَلُّوا لأَجْلِنَا، لأَنَّنَا نَثِقُ أَنَّ لَنَا ضَمِيرًا صَالِحًا، رَاغِبِينَ أَنْ نَتَصَرَّفَ حَسَنًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَلَكِنْ أَطْلُبُ أَكْثَرَ أَنْ تَفْعَلُوا هَذَا لِكَيْ أُرَدَّ إِلَيْكُمْ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ[١٨-١٩]. يعلن الرسول بولس علاقة الحب المتبادل بين الراعي ورعيته. الراعي يصلي عنهم وهم عنه. هو يشتاق أن يلتقي بهم سريعًا، فيطلب صلواتهم لتسنده ويحقق اشتياق قلبه من نحوهم.

  1. ختام الرسالة

يختم الرسول بولس حديثه بالبركة الرسولية: “وَإِلَهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ” [٢٠-٢١].

جاءت البركة الرسولية متناغمة مع صلب الرسالة، إذ يطلب الرسول لهم من الله الآب أن يهبهم الحياة الكاملة في كل عملٍ صالح ليصنعوا مشيئته، عاملاً فيهم خلال رئيس الكهنة السماوي، راعي الخراف العظيم يسوع المسيح. فإن كان السيد قد تقدم عنا كذبيحة كاملة، خاضعًا لأبيه في طاعة كاملة هكذا يشتهي الرسول أن نحمل سماته فينا.

أخيرًا يطلب الرسول منهم أن يحتملوا كلمة الوعظ [٢٢]. كأن الرسالة هنا موجهة للشعب، إذ يقول لهم: “سَلِّمُوا عَلَى جَمِيعِ مُرْشِدِيكُمْ وَجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ[٢٤].

 

[1] In Hebr. hom 33 : 1.

[2] In Acts, hom 3.

[3] Ep. 48

[4] Ep. 98 : 2, 3.

[5] الحب الرعوي، 1966.

[6] In Hebr. hom 33 : 3.

[7] الحب الرعوي، 1966.

[8] In Hebr. hom 33 : 4.

[9] تفسير العبرانيين، مقال ٣٤ (مخطوط بدير البراموس العامر).

تفسير العبرانيين 13 الأصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي