تفسير انجيل يوحنا 21 الأصحاح الواحد والعشرين – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير انجيل يوحنا 21 الأصحاح الواحد والعشرين - القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير انجيل يوحنا 21 الأصحاح الواحد والعشرين – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير انجيل يوحنا 21 الأصحاح الواحد والعشرين – القمص تادرس يعقوب ملطي
الباب السادس
خاتمة
ص 21
الاصحاح الحادي والعشرون
وليمة عند طبرية
أو
العبور إلى الدهر الآتي
إذ خُتم الاصحاح السابق بالحديث عن غاية الكتابة من هذا السفر، ظن البعض أن هذا الاصحاح أضيف إلى السفر في وقت لاحق لكتابته. لكن لا يوجد دليل قوي على هذا الإدعاء، خاصة وأنه لم توجد أية مخطوطة للسفر خالية من هذا الإصحاح. هذا ولم تفصل الكنيسة بين هذا الإصحاح وغيره من الاصحاحات[1].
يتساءل البعض: ما الحاجة إلى هذا الاصحاح بعد أن بدا كمن ختم السفر بتقديم غاية كتابته. بدأ السفر بالكشف عن بدء الكلمة الأزلي الذي بلا بداية وانتهى في الاصحاح السابق إلى ظهوره قائمًا من الأموات في اليوم الثامن للفصح المسيحي حيث كان هذا اليوم رمزًا للأبدية ذاتها. أما في هذا الاصحاح، فيسير بنا الإنجيلي كما إلى تخوم الدهر الآتي. يختم الرسول يوحنا الحبيب إنجيله بلقاء السيد المسيح مع بعض تلاميذه عند بحر طبرية ليأكل معهم كما في وليمة، وكأنها دعوة للتمتع بالوليمة السماوية.
يعتبر هذا الإصحاح أطول عرض لظهور السيد المسيح في الجليل بعد قيامته.
- يليق بنا أن نلاحظ أن الرب يُوصف كمن يقيم وليمته النهائية مع سبعة من تلاميذه (يو 21: 1-14). لماذا فعل هذا لو لم يعلن بأن أولئك الذين وحدهم مملوءين بنعمة الروح القدس السباعية (إش 11: 2، 3)، يكونون معه في وليمته الأبدية؟… يعلن بولس الرسول بالحق: “إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له” (رو 8: 9). ما يعنيه أنه لا يفرح أحد فيما بعد عند رؤية المجد الإلهي ما لم يقوده الآن الله الساكن فيه[2].
البابا غريغوريوس (الكبير)
- ظهوره على بحيرة طبرية 1-14.
- حديثه مع بطرس 15-19.
- حديثه عن يوحنا 20-23.
- ختام السفر 24-25.
1. ظهوره على بحيرة طبرية
“بعد هذا أظهر أيضًا يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية،
ظهر هكذا“. [1]
يقدم لنا القديس يوحنا أحد ظهورات السيد المسيح القائم من بين الأموات، ولم يكن الظهور في يوم العبادة، ولا في داخل الهيكل، ولا حين كانوا مجتمعين للصلاة، وإنما ظهر لهم في أحد أيام العمل وهم منهمكون في عملهم: صيد السمك. مسيحنا مشتاق أن يعلن ذاته للبشرية حتى في لحظات عملهم، كما بعث بالملائكة إلى الرعاة الساهرين في حراستهم لغنمهم ليبشروهم بميلاد السيد المسيح.
لقد سبق أن ظهر السيد المسيح عدة مرات للنسوة كما للرسل في أورشليم وعند القبر. أمرهم أن يذهبوا إلى الجليل، واعدًا إيّاهم أن يلتقوا به (مت 28: 7؛ مر 16: 7). وقد تحقق هذا الوعد كما يخبرنا القديس يوحنا هنا. يرى البعض أن هذا هو الظهور السابع للسيد المسيح بعد قيامته، والثالث للتلاميذ [14]، وقد تم ذلك في اليوم الثالث من قيامته.
جاء الفعل “ظهر esti genoumenis” الذي تُرجم في العربية “أظهر” يعني صار ظاهرًا، أو “أعلن عن نفسه“. وكأن الموضع الطبيعي للسيد المسيح بعد قيامته هو في العالم الآخر، وأن هذه الظهورات هي إعلان عن نفسه لتلاميذه وغيرهم ليتأكدوا من قيامته. يكشف هذا الفعل عن حالة ربنا يسوع السامية حيث لا يعود الالتقاء به في هذا العالم. فهو الذي يجعل ذاته حاضرًا فيه حين يشاء. وهو الذي يصير إذ ذاك منظورًا حسب ظروف الزمان والمكان. لم يأتِ إلى هذا الشاطئ ماشيًا كمن انطلق من موضع إلى آخر، بل وقف على الشاطئ فجأة وظهر للتلاميذ هكذا.
ربما يشير هذا الفعل “أظهر نفسه” أيضًا إلى ما يختلج في نفوس التلاميذ من جراء ذلك، إذ لم يكونوا بعد قد تمتعوا بمعرفته بعد قيامته كما هو. لذلك تحدث معهم كمن هو غريبٍ عنهم مناديًا إيّاهم باسم عمومي: “يا غلمان” [5].
- ألا ترون أنه لم يبقَ معهم على الدوام، ولا بنفس الطريقة التي كانت قبلاً؟ لقد ظهر إلى لحظات، في المساء ثم اختفى، بعد ذلك ظهر مرة أخرى بعد ثمانية أيام واختفى أيضًا، وبعد هذه الأمور ظهر عند البحر، مرة أخرى في مهابة عظيمة. ماذا يعنى “ظهر“؟ واضح من هذا أنه لم يكن يُرى إلا عندما يتنازل، لأن جسده غير فاسد، وفي نقاوة (جسد روحاني) بلا اختلاط[3].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- استعادهم إلى الرجاء الذي لم يكن بعد قد بدأ يحل بهم من جهته، لكنه إذ فعل ذلك نحسب هذا قد تم بناء على أثر اليأس التي تملك علي أذهانهم. أما الآن بعد عودته إليهم حيًا من القبر، بعد الشهادة العظيمة للحق الخاص بتجديد جسده الذي قدمه لأعينهم وأياديهم، ليس فقط يُرى، بل وأيضا يُلمس ويُمسك بعد فحص علامات الجراحات نفسها. وذلك لكي يعترف الرسول توما الذي رفض قبلاً أن يؤمن بعد أن نفخ عليهم الروح القدس، وبعد أن سكب من شفتيه في آذانهم: “كما أرسلني الآب أرسلكم أنا، من غفرتم لهم خطاياهم غُفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم أُمسكت“. صاروا فجأة مرة أخرى صيادين لا للناس بل للسمك[4].
القديس أغسطينوس
تحقق هذا المشهد عند بحر طبرية في الجليل، فقد رحل التلاميذ شمالاً ربما إلى منازلهم حيث التقى بهم في الجليل.
بحر طبرية Tiberias: كان بحر الجليل يدعى في أيام السيد المسيح بحر طبرية. في العهد القديم كان يدعى بحر كنارة Chinnereth، وجاء في لوقا 5:1 “بحيرة جنيسارت”. وفي حوالي عام 20م تأسست مدينة على شواطئه دعيت طبرية Tiberias على اسم الإمبراطور، ودُعي البحر “بحر طبرية”، وقد تم هذا التغيير خلال عدة سنوات. استخدم الإنجيلي يوحنا الاسم الشائع وقت كتابته للسفر.
“كان سمعان بطرس وتوما الذي يقال له التوأم،
ونثنائيل الذي من قانا الجليل،
وابنا زبدي، واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم“. [2]
لقد جاء سبعة تلاميذ إلى شاطئ بحر طبرية. ظهر لهم معًا، ربما لأنه كما يقول البعض أن القانون الروماني يتطلب سبعة شهود للشهادة. أظهر السيد المسيح نفسه هنا لسبعة من تلاميذه من بينهم نثنائيل الذي لم يشر إليه القديس يوحنا بعد لقائه مع السيد المسيح في الاصحاح الأول. يظن البعض أنه هو برثلماوس أحد الاثنى عشر تلميذًا. أما التلميذان اللذان لم يشر إلى اسمهما هنا فربما هما فيلبس من بيت صيدا وأندراوس من كفرناحوم.
“قال لهم سمعان بطرس:
أنا أذهب لأتصيد.
قالوا له: نذهب نحن أيضًا معك.
فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت،
وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئًا“. [3]
مما لا شك فيه أن الفترة التي عاشها التلاميذ ما بين الصلب حتى الصعود، كانت تمثل غموضًا، وإن كانت ظهورات السيد المسيح لهم فتحت أمامهم أبواب الرجاء، وكشفت لهم عن الكثير من الأسرار الإلهية. كانت الحالة النفسية للتلاميذ متقلبة، والمستقبل بالنسبة لهم لم يكن واضحًا. لم يكن ممكنًا لهم أن يدركوا طابع حياتهم الجديدة بعد مفارقة السيد المسيح لهم بالجسد. لقد تسلموا الالتزام بالإرسالية للعالم كله، لكنهم لم يكونوا بعد قد تمتعوا بالروح القدس الذي يقودهم للعمل الجديد. حقا لقد تبدل حزن جمعة الصلب ببهجة القيامة في الأحد، ولكن ما هي خطة الله بالنسبة لهم؟ هل يبقوا في بيوتهم، أم يجتمعوا معًا؟ هل يعيشوا في الجليل، أم ينطلقوا للشهادة القيامة؟ كان الموقف غاية في الصعوبة، لهذا إذ دعاهم بطرس للرسل للتصيد تحركوا معه لممارسة أي عمل. لم يكن قد حان وقت الكرازة بالمسيح وعمله الخلاصي، إذ كان يلزم الانتظار حتى صعوده وحلول روحه القدوس على الكنيسة.
لم يعرف التلاميذ حياة الخمول والكسل، فخرجوا للتصيد، ليس كنوعٍ من الترفيه، وإنما للعمل، حتى يجدوا ما يسد احتياجاتهم المادية. دعاهم بطرس للرسول للتصيد كمورد رزق لهم، لأنهم كانوا يعيشون قبل الصلب على ما يقدمه البعض في الصندوق (لو 8: 3). لهذا كما يخبرنا القديس يوحنا كاسيان عن الرهبنة المصرية أن الرهبان كانوا ملتزمين بالعمل لسد احتياجاتهم، بل والاهتمام بالفقراء، مع التطلع إلى العمل كتدريبٍ يمس نموهم الروحي. يجدر بالراهب ألا ينشغل بالأعمال الكثيرة، وفي نفس الوقت لا يعتمد على أقربائه أو غيرهم في المئونة الضرورية له.
- بفضل الزهد في كل غنى نختار الحصول على قوتنا اليومي بعمل أيدينا دون أن نعتمد على غنى أقربائنا، لئلا نميل إلى التأمل في الكتاب المقدس مع كسلٍ، فتصير قراءتنا عقيمة. لكن الأفضل أن يكون لنا الفقر العامل. حقًا لو أن الرسل علمونا هذا بمثالهم أو رأينا هذا في قوانين آبائنا لكان هذا مبهجًا لنا.
هذا ويجدر بك أن تعلم أن هناك خطر آخر لا يقل عن السابق، وهو أنك تقتات بمعونة الغير وأنت سليم الجسد قوى البنية، هذا لا يليق إلا بالضعفاء… لذا يلزم بالكل أن يعيشوا بالعمل اليومي الذي من أيديهم، ويجدر بنا أن نعود إلى وصية المحبة التي أوصانا بها الرسول الذي يمنع مساعدة الأغنياء للكسالى قائلاً: “فإننا أيضًا حينَ كُنَّا عندكم أوصيناكم بهذا أنه إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا” (2 تس 10:3).
هذه هي كلمات الطوباوي أنطونيوس التي نطق بها مع هذا الإنسان، وقد علمنا الطوباوي هذا بمثاله[5].
الأب إبراهيم
ما أجمل أن يجتمع الاخوة معًا ليس فقط في العبادة الكنسية والكرازة، بل وفي الحوار المملوء حبًا، وأيضًا في العمل، فتزداد المحبة المتبادلة بينهم، ويجدون مسرّتهم في الوحدة العملية.
قرار القديس بطرس طبيعي، وإن كان البعض يشعرون بأنهم قرار ليس حسب مشيئة الله، إذ ذهب هو وزملاؤه دون استشاره الله بالصلاة، لذلك قضوا الليلة كلها ولم يصطادوا شيئًا. على أي الأحوال كان هذا درسًا عمليًا عن فشل كل جهود بشرية، مهما كان هدفها، مادامت لا تستعين بالعون الإلهي، خاصة في اصطياد النفوس لحساب ملكوت الله.
- قال يسوع، الحق: “ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله” (لو 9: 62). لماذا عاد بطرس إلى ما قد تركه؟ نحن نعرف أن بطرس كان صياد سمك بينما كان متى عشارًا. عاد بطرس لصيد السمك بعد تحوله للإيمان. أما متى فلم يجلس بعد في مكان الجباية، لأن المعيشة خلال صيد السمك شيء، وإضافة الربح خلال الجباية شيء آخر. توجد أعمال كثيرة لا نستطيع ممارستها جزئيًا ولا بالكامل دون أن نخطئ. لا يسمح لأحد أن يعود إليها بعد إيمانه، تلك التي ترتبط بالخطية[6].
البابا غريغوريوس (الكبير)
يجيب القديس أغسطينوس على التساؤل: “إن كان الرب قد وعد قائلاً: “اطلبوا ملكوت الله وبرّه، وهذه كلها تزاد لكم” (مت ٦: ٣٣)، فلماذا لم يُوجد للتلاميذ ما لقوتهم حتى التزموا بالذهاب للصيد؟ إنه هو أيضًا وضع هناك السمك الذي يُصطاد، وجاء بالتلاميذ إلى العوز لكي يلزمهم أن يصطادوا، فيكشف لهم المعجزة التي أعدها لهم، فيُشبع الكارزين بإنجيله، وفي نفس الوقت يعزز الإنجيل نفسه بالسرً العظيم الذي ينطبع على أذهانهم بسبب كثرة عدد السمك[7].
- لم يُطلب منهم أن يمتنعوا عن طلب الاحتياجات اللازمة خلال المهنة، مادامت هذه المهنة شرعية في ذاتها ومسموح بها، وماداموا يحتفظون بعملهم الرسولي دون مساس به، وذلك متى لم يكن لهم وسيلة لكسب القوت اليومي. وإلا يتجاسر أحد ظانًا أو مؤكدًا أن الرسول بولس لم يبلغ كمال الذين تركوا كل شيء وتبعوا المسيح، إذ رأى أن يعمل بيديه لسد احتياجاته حتى لا يكون ثقلاً على أحد ممن يكرز لهم بالإنجيل. إنما بالأحرى نجده يحقق كلماته: “تعبت أكثر من جميعهم” مضيفًا: “ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي” (١ كو ١٥: ١٠)[8].
القديس أغسطينوس
“ولما كان الصبح، وقف يسوع على الشاطئ،
ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع“. [4]
لم يعرفه التلاميذ ربما لأن نور الصباح لم يكن بعد كافيًا للرؤية، أو لأنه كان بعيدًا عنهم، أو أخذ شكلاً آخر كما في مر 16: 12.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه لم يعلن لهم ذاته حتى يمكنهم الدخول في حوارٍ معه.
- قبل القيامة مشى يسوع على أمواج البحر أمام نظر تلاميذه (مت 14: 25). إلى ماذا يشير البحر إلا للعصر الحاضر الذي يضطرب بضجيج الظروف وفوضى هذه الحياة الفانية؟ ماذا تعني صلابة الشاطئ إلا استمرارية السلام الأبدي غير المنقطع؟ وحيث أن مخلصنا قد عبر فعلاً إلى ما وراء الجسد الفاني، لذلك وقف بعد قيامته على الشاطئ كمن يتحدث إلى تلاميذه بتصرفاته الخاصة بسرّ قيامته[9].
البابا غريغوريوس (الكبير)
“فقال لهم يسوع:
يا غلمان ألعل عندكم إدامًا أجابوه لا“. [5]
“غلمان” باليونانيةPaidia تعبير يُستخدم لمن لهم علاقة قوية مع عاطفة وحنو نحو المتحدث إليهم. الكلمة اليونانية pais معناها حرفيًا الأطفال الصغار أو المحبوبون. استخدمها الإنجيلي يوحنا للابن الصغير لأحد النبلاء (4: 49)، وللطفل المولود حديثًا (16 :21). لكن يمكن استخدامها للبالغين، بل وتستخدم أحيانا بالنسبة للجنود. هكذا تحدث السيد المسيح معهم بروح الأبوة نحو أبناءٍ أعزاءٍ لديه، فمع أنه بالقيامة تمتع بالجسد الممجد، فإن هذا المجد يُعلن بروح الحب الأبدي والحنو الفائق. بحسب عمرهم لم يكونوا في طبقة الأبناء، لكنهم صاروا أبناء للَّه يتمتعون بالبنوة الإلهية.
كأبٍ مملوء حنوًا يهتم حتى بطعامهم الجسدي، يُشبع كل احتياجاتهم الروحية والجسدية. يبقى مسيحنا القائم من الأموات يعبر خلال مؤمنيه عند كل بيت، خاصة الفقراء والمحتاجين، ويسأل: يا أولادي ألعل عندكم طعامًا؟ إنه يعلم أنه ليس لديهم طعامًا، لكنه يثير فيهم الرغبة في الصلاة بإيمان ليطلبوا منه شبعًا. يشبعهم بالطعام لا من يدٍ بشريةٍ، بل من مخازنه، يرويهم بنفسه بوسيلةٍ أو أخرى بينابيع حبه، ويفتح عيون قلوبهم ليروه ويتعرفوا على أسراره.
- بالأحرى تحدث معهم بطريقة بشرية كما لو كان يود أن يشترى منهم شيئًا. ولكن عندما أشاروا أنهم لم يصطادوا شيئًا أمرهم أن يلقوا شباكهم إلى الجانب الأيمن من السفينة[10].
القديس يوحنا الذهبي الفم
جاءت إجابتهم لهم بالنفي “لا“، للتعبير عما عانوه من مرارة، إذ قضوا الليل كله بلا صيد. لم يريدوا الحديث عن هذه الليلة في شيء من التفصيل، إذ يصعب على الشخص أن يتحدث عن فشله.
“فقال لهم: القوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا،
فألقوا، ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك“. [6]
يبدو أنه حسب خبرتهم كصيادي سمك كان يلزمهم إلقاء الشبكة في الجانب الأيسر من السفينة في ذلك الموضع من البحيرة. مع عدم معرفتهم لمن قدم لهم المشورة أطاعوا الأمر بروح التواضع والاجتهاد وطول الأناة دون مناقشة، وبغير اعتداد بخبرتهم الطويلة في الصيد، ولعل رقة حديث السيد ولهجته ألزمتهم بالطاعة والخضوع.
صيد السمك الكثير كان عملاً معجزيًا، ليس لإبراز سلطان السيد المسيح حتى على السمك والبحار، وإنما لإعلان رعايته واهتمامه باحتياجات الناس، خاصة الذين تركوا كل شيء من أجله. هذا وقد حمل ذلك عملاً رمزيًا، فجهاد التلاميذ طوال المساء يشير إلى جهاد الأنبياء ورجال العهد القديم لكي يصطادوا النفوس لحساب مملكة المسيح، لكن لم يصطادوا شيئًا، حتى جاء السيد المسيح، وفتح بصليبه أبواب الفردوس، وأعطى التلاميذ سلطانه للصيد، فامتلأت سفينة الكنيسة بالسمك.
لقد جاهد التلاميذ طوال المساء وبدا لهم كأنهم فاشلون لم يصطادوا شيئًا، لكن السيد المسيح الذي لن ينسى تعب أبنائه، ففي لحظات عوّضهم عن تعب الليل كله. هكذا يبعث فينا روح الرجاء. فقد نتعب لسنوات في الخدمة، لكن يظهر الثمر في اللحظات الأخيرة من حياتنا على الأرض.
حقًا حينما يوجهنا السيد المسيح للعمل لحساب ملكوته، ونطيعه لن توجد بعد الشباك فارغة. هو وحده يعرف أين توجد النفوس المتعطشة للتمتع بالخلاص، حتى وإن لم توجد علامات ظاهرة عليهم؛ وهو الذي يوجهنا إليها، ويجتذبها إلى شباك كنيسته المقدسة.
- نقرأ مرتين في الإنجيل المقدس أن الرب أمر أن تًلقى الشباك للصيد.
في الصيد الأول (لو 5: 4-6) قبل الآلام، لم يقل إن الشباك تلقى على الجانب اليمين أم اليسار، وقد جاءوا بسمكٍ كثيرٍ حتى كادت الشباك أن تتخرق. وفي الصيد الأخير، بعد القيامة أمر بإلقاء الشبكة على الجانب اليمين، ومع أنها قد جاءت بسمكٍ كثيرٍ لم تتخرق الشباك.
يًشار للأبرار بالجانب اليمين والأشرار الشمال (مت 25: 33). الصيد الأول يشير إلى الكنيسة في الوقت الحاضر حيث تأتي بالصالحين والأشرار. إنها لا تختار الذين يدخلون فيها، لأنها تجهل الذين يمكنها أن تختارهم. تحقق في الصيد الأخير على الجانب اليمين حيث أن كنيسة المختارين وحدها التي لا يوجد فيها شيء من أعمال الأشرار، سترى مجد بهائه.
في الصيد الأول تخرقت الشبكة بسبب الأشرار الذين دخلوا مع المختارين، فمزقوا الكنيسة بهرطقاتهم. في الصيد الأخير أصطيد السمك الكبير ولم تتمزق الشبكة، لأن كنيسة المختارين المقدسة تبقى في سلام خالقها الذي لا يُعاق، وليس من انشقاقات تمزقها[11].
البابا غريغوريوس (الكبير)
“فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس:
هو الرب.
فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب،
اتزر بثوبه، لأنه كان عريانًا،
وألقى نفسه في البحر“. [7]
“اتّزر بثوبه” أو بسترة الصيّاد أو الثوب الخارجي ependuteen، وهو أشبه بمعطف للرجال في عصرنا الحالي.
“لأنه كان عريانًا“، تعبير خاص بالشخص الذي لا يرتدي الثوب الخارجي، كما قيل عن شاول حين خلع ثيابه himatra الخارجية وانطرح عريانًا النهار كله وكل الليل (1 صم 19: 24). وقيل عن داود وهو متمنطق بأفودٍ من كتّان أنه قد انكشف في أعين إماء عبيده (2 صم 6: 14، 20).
“ألقى نفسه في البحر“، واضح أنه كان قريبًا من الشاطئ على بعد حوالي 200 ذراعًا (حوالي 132 ياردة إنجليزية) وأن المياه كانت ضحلة، إذ ارتدى الثوب الخارجي ليعبر إلى الشاطئ، فلو كانت غير ضحلة ما كان يرتدي الثوب الخارجي حتى يقدر أن يسبح إلى الشاطئ.
أدرك يوحنا الذي كان يسوع يحبه أنه هو الرب، فإن الرب يكشف أسراره لمحبيه. حقًا إن اللَّه لا يحرم أحدًا من التمتع بمعرفته، فكل من يضع رأسه على صدر السيد المسيح يتمتع بالأسرار الإلهية. ومن يرافق السيد المسيح آلامه حتى الصليب يتمتع بنقاوة القلب وصفاء العينين ليسبق غيره في التعرف على السماويات. هكذا إذ تلامس القديس يوحنا مع شخص ربنا يسوع المسيح لم يستطع أن يخفي معرفته فأعلنها، حتى وإن سبقه بطرس ليلتقي مع السيد. مسرته أن يتمتع الكل بما يراه ويختبره.
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن بطرس الرسول اتسم بالحماس والغيرة المتقدة، واتسم يوحنا بالهدوء، لذلك تعرف يوحنا بهدوء على شخص المسيح أولاً، لكن بطرس هو الذي جاء إليه أولاً حيث ألقى نفسه في البحر وسبح إليه، ولم ينتظر أن يأتي مع التلاميذ بالسفينة[12].
- عندما تعرَّف عليه بطرس ترك السمك والشباك واتزر.
انظر شعوره بالمهابة والشوق، فإنه مع أن المسافة كانت 200 ذراعًا لم يستطع أن ينتظر السفينة أن تأتي إليه بل ذهب إلى الشاطئ سابحًا[13].
القديس يوحنا الذهبي الفم
مع أن القديس بطرس قد أنكر السيد المسيح ثلاث مرات، لكنه إذ قدم دموع التوبة شعر بدالة حب وصداقة لن يقدر الزمن أن ينزعها. إذ عرف أنه الرب لم تستطع السفينة أن تحتمله ولم يستطع هو أن ينتظر حتى تبلغ الشاطئ، بل ألقى بنفسه في البحر ليسرع باللقاء مع محبوبه.
- بينما لم يعرف الآخرون قال التلميذ الذي يسوع يحبه لبطرس: “هو الرب” (يو 21:7). لأن البتولية هي أولاً تعرف الجسم البتولي أنه “يسوع” هو بعينه، لكن لم يره الكل بذات النظرة[14].
القديس جيروم
“وأما التلاميذ الآخرون فجاءوا بالسفينة،
لأنهم لم يكونوا بعيدين عن الأرض إلا نحو مائتي ذراع،
وهم يجرون شبكة السمك“. [8]
مائتا ذراع أي حوالي 100 ياردة.
“فلما خرجوا إلى الأرض،
نظروا جمرًا موضوعًا وسمكًا موضوعًا عليه وخبزًا“. [9]
كما أن صيد السمك كان عملاً معجزيًّا، هكذا وجود جمرٍ موضوعٍ عليه سمك مع خبز فجأة هو من إعداد السيد المسيح معجزيًا. لقد وجد التلاميذ جمرًا [19] كما في دار رئيس الكهنة (يو18:18)، لكن هذه المرة يوجد فوق الجمر سمك وبجانبه خبز. يعبر المشهد عن طابعه “الاحتفالي”.
بينما سألهم إن كان لديهم طعام فيبدو كمن هو جائع، إذا به يقدم لهم طعامًا لا يعتمد على مجهودات بشرية ضعيفة. حقا إن كان قد دعانا للعمل لحساب ملكوته، لكن الثمر المفرح والطعام السماوي الذي يسر الآب هو من صنع السيد المسيح نفسه، ومن عمل روحه القدوس.
- ذاك الذي رغب أن يُشوي بأتعاب آلامه في بشريته يقوتنا بخبز لاهوته، إذا يقول: “أنا هو الخبز الحي النازل من السماء” (يو 6: 51). وهكذا أكل سمكًا مشويًا مع خبز لكي يظهر لنا بهذا الطعام أنه حمل آلامه في بشريته، وقدم لنا طعامًا بلاهوته[15].
البابا غريغوريوس (الكبير)
- طلب سمكًا مشويًّا على فحم لكي يثَّبت للتلاميذ الشاكّين الذين لم يجسروا أن يقتربوا إليه، إذ ظنّوا أنهم لا يرون جسدًا بل روحًا[16].
القديس جيروم
“قال لهم يسوع:
قدموا من السمك الذي أمسكتم الآن“. [10]
- أمر السيد المسيح تلاميذه أن يقدموا من السمك الذي اصطادوه، موضحًا أن الأعجوبة الكائنة لم تكن خيالية.
- سارت الأمور على غير الطبيعة، ما هي هذه؟
أولاً: أنهم اصطادوا سمكًا كثيرًا.
ثانيًا: الشباك لم تتخرق.
ثالثًا: وقبل وصولهم إلى البر كان الجمر معدًا والسمك عليه، ومعه الخبز. فإنه لم يعد يُوجد الأشياء من مادة موجودة فعلاً، وذلك بتدبير خاص كما فعل قبل الصلب[17].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فصعد سمعان بطرس وجذب الشبكة إلى الأرض،
ممتلئة سمكًا كبيرًا مائة وثلاثًا وخمسين،
ومع هذه الكثرة لم تتخرق الشبكة“. [11]
رأينا في الصيد الأول (لو 1:5-11) شباكهم صارت تتخرّق حيث كانت خاضعة لسُنن هذا العالم، أما هنا فمع وفرة الصيد “لم تتخرق الشبكة” حيث تخضع لسُنن الأبدية.
اهتم الإنجيلي يوحنا بالأعداد لكنها لم تكن في ذهنه علامة لكميات بل لنوعية كيان. فنراه يحدد عرس قانا الجليل “في اليوم الثالث” (يو 1:2). كما ذكر سبع آيات وسبع مواعظ، وجاءت كلمة “اللَّه” في مقدمة الإنجيل ثمان مرات، وفي الإنجيل كله 80 مرة. أما كلمة “لوغوس” فوردت 4 مرات في المقدمة و40 مرة في كل السفر. أما رقم 153 فقد انكبّ على تأويله عبر القرون معلقون لا يُحصون.
يقدم لنا القديس أغسطينوس تفسيرًا رمزيًا لهذه المعجزة، جاء فيه: إن عدد التلاميذ الذين خرجوا للصيد سبعة وهو الرقم الذي يشير إلى كمال الأزمنة (٧ أيام الأسبوع)، وقد جاءهم السيد في الصباح أي عند نهاية الأزمنة. وأن سحب الشبكة إلى الشاطئ يشير إلى تحقيق الدينونة في اليوم الأخير. أما محاولة الصيد طول الليل فيشير إلى الخدمة ما قبل قيامة السيد المسيح حيث لم يتمتع أحد ببركات القيامة وانتشار الكلمة، وإلقاء الشبكة على الجانب الأيمن للسفينة يشير إلى كسب الكثيرين بعد قيامته. غير أن الشبكة جمعت الكثير من السمك الكبير والصغير إشارة إلى وجود مؤمنين صالحين وأيضًا وجود أشرار داخل الكنيسة، ويتم الفرز في يوم الرب. وأما عدد السمك الكبير فهو ١٥٣ سمكة إشارة إلى رجال العهد القديم (١٠ رمز الناموس) مع رجال العهد الجديد (٧ رقم الكمال) فالمجموع ١٧. رقم ١٥٣ هو محصلة جمع الأرقام من ١ إلى ١٧.
تُسمى بعض الأعداد بأنها مثلثة. مثل رقم 10 هو العدد المثلث للعدد 4 (1+2+3+4=10) والعدد 153 هو العدد المثلث للعدد 17، وهو يحوي 7، 1 أي ثمانية. عدد التلاميذ على البحيرة 7، وعدد 8 يشير إلى الأبدية.
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن كل عمل في العهد القديم يرتبط بالوصايا العشرة، وأنه يكمل في العهد الجديد بالروح القدس الذي يقدم سبع نعم “روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة والتقوى، روح مخافة الرب” (راجع إش 11: 2، 3). فالعهدان معًا يشار إليهما برقم 17 [7+10]، فكل أعمالنا في العهدين هي 17، فإذا ضربت في رقم 3 تكون المحصلة 51 حيث يُحتفل باليوبيل (50) ونبدأ بالسنة 51… هذه هي راحة العهد القديم. أما في العهد الجديد فنضرب 51 في 3 (إشارة للثالوث القدوس) فتكون المحصلة 153، وهي إشارة إلى المختارين من رجال العهدين معًا في الكنيسة السماوية أي بيتنا السماوي[18].
يقدم لنا القديس أغسطينوس مقارنة رائعة بين معجزتي صيد السمك الواردتين في إنجيل لوقا ٥: ٣–٧، وإنجيل يوحنا ٢١: ١–١١. وقد نقل عنه ذلك البابا غريغوريوس (الكبير). يمكننا أن نلخص مقارنته في النقاط التالية مع شيء من التصرف[19]:
- تمت المعجزة الأولى (لو ٥) قبل قيامة السيد المسيح، أما الثانية فتمت بعد قيامته. لهذا يرى أن المعجزة الأولى تشير إلى الكنيسة في العالم الحاضر، وهي تتمتع بنعمة المسيح، أما الثانية فتشير إلى الكنيسة في العالم القادم، أو فيما بعد القيامة، حيث تتمتع الكنيسة بمجد المسيح.
- في إنجيل يوحنا تمت المعجزة في الصباح المبكر بعد ليلٍ طويلٍ، إشارة إلى ظهور الكنيسة في كمال مجدها مع مجيء المسيح الثاني الذي يشرق عليها بصباحٍ جديدٍ.
- في إنجيل لوقا لم يُطلب منهم إلقاء الشبكة على الجانب الأيمن من السفينة بل أن يدخلوا إلى العمق ليلقوا الشباك، فامتلأت الشباك بالسمك الجيد والرديء. إما في إنجيل يوحنا فطُلب إلقاء الشبكة على الجانب الأيمن، وجاءوا بسمك كله جيد. المعجزة الأولى تشير إلى الكنيسة المملوءة من المؤمنين، لكن ليس الجميع صالحين، بل يختلط الصالح بالشرير، ولا يمكن فرزهم هنا. ففي الكنيسة مؤمنون صادقون يتمتعون بالشركة مع الله في المسيح يسوع بعمل روحه القدوس كما يوجد مؤمنون شكليون ومراءون لا يبالون بخلاص أنفسهم ولا خلاص اخوتهم، إنما كل ما يشغلهم هو مجدهم الذاتي أو الملذات وشهوات الجسد والارتباط بالزمنيات. أما في إنجيل يوحنا فنجد الكنيسة مع بدء الدهر الآتي يُفرز المؤمنون الحقيقيون عن الأشرار. حيث يقف الصالحون عن يمين السيد المسيح كمباركي الآب لهم حق الميراث الأبدي، أما الأشرار فلا نصيب لهم عن يمين المسيح بل على اليسار كمن لا وجود لهم، وليس لهم نصيب مع المخلص.
- في إنجيل لوقا نجد الشباك كادت أن تتخرق، أما في إنجيل يوحنا حيث امتلأت الشبكة جدًا لم نسمع هذا التعبير. فالكنيسة في هذا العالم تتعرض إلى هجمات أصحاب البدع والهرطقات ومحبي الانشقاق، حتى تبدو الكنيسة كأنها تكاد تتمزق من الانقسامات، لكن الكنيسة الحقيقية تبقى مخفية بلا انقسام في عيني الله، حيث يكون كل أعضائها أعضاء في جسد المسيح الواحد. أما في كنيسة السماء (بعد القيامة) فنرى شبكة واحدة لن تتعرض إلى تمزيق، بل تحمل بهاء الوحدة كعروس المسيح الواحدة للعريس السماوي.
- تحققت الأولى خلال سفينتين حيث يوجد أهل الختان (رجال العهد القديم) وأهل الغرلة (الأمم الذين دخلوا الإيمان)، ففي العالم ظهرت كنيسة العهد القديم كما كنيسة العهد الجديد، وفي كلاهما يعمل المسيا بطريقٍ أو آخر. أما في السماء فلا فصل بين الكنيستين، إذ صارا سفينة واحدة تضم الجميع.
- يرى القديس أغسطينوس أن السفينة تبعد حوالي ٢٠٠ غلوة. ولما كانت تضم أهل الختان وأهل الغرلة معًا، فإن رقم ١٠٠ يشير إلى الوقوف عن يمين السيد المسيح، فيكون رقم ٢٠٠ إشارة إلى وقوف الفريقين معًا على ذات المسافة، أو يتمتع الفريقان بذات المكافأة والمجد.
- بالنسبة لعدد السمك ١٥٣ سمكة فقد قدم كثير من الآباء تفاسير رمزية مختلفة عن هذا الرقم.
- قيل عن السمك أنه كبير، لأن المؤمنين يُحسبون عظماء في ملكوت الله.
“قال لهم يسوع:
هلموا تغدوا.
ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت،
إذ كانوا يعلمون أنه الرب“. [12]
“هلموا تغدّوا“، جاءت كلمة “تغدّوا” ترجمة حرفية للكلمة اليونانية aristeasate، ويرى البعض أن أصل الكلمة استخدم لتعني “الإفطار” كما جاء في هومير Homer وإكسنوفون Xenophom وبلوتارخ Plutarch، أو لوجبة مبكرة، كما تُستخدم لطعام الغذاء. وكأن السيد يدعوهم “هلموا لطعام الإفطار”، إذ كان الوقت صباحًا مبكرًا.
كصديق شخصي “قال لهم يسوع: هلموا تغدّوا” [12]. لقد دعاهم للوليمة التي أعدّها لهم، فأكلوا وشبعوا، وبقي سمك كثير كبير يبيعونه، لكي ينفقوا على احتياجاتهم اليومية.
تمت معرفتهم للرب بدون كلامٍ من قبل الرب ولا من قبلهم، وكأنه قد رفعهم إلى سكون السماء حيث لا نسمع لغة بشرية، بل نتحدث بلغة الحب السماوي.
- لم يتجرأ أحد من تلاميذه أن يسأله، ولا تقدموا إليه فيما بعد بكلام، لكنهم جلسوا ناظرين إليه بصمتٍ وخوفٍ كثيرٍ واستحياء “إذ كانوا يعلمون أنه الرب“. ولهذا السبب لم يسألوه “من أنت؟” وأبصروا صورته، فتبينوا فيها تغيرًا، فكانوا خائفين جدًا، وأرادوا أن يسألوه عن هيئته، لكن لخوفهم ومعرفتهم أنه لم يكن أحدًا آخر، بل هو الرب، ضبطوا سؤالهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“ثم جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم،
وكذلك السمك“. [13]
تصرف معهم الرب كصديقٍ، وقدم لهم احتياجاتهم، وأما هم ففي حياء لم يجسروا أن يسألوه: من أنت؟ إذ علموا أنه الرب. ولكي ما يفتح لهم باب اللقاء في دالة حب قوية تقدم وأخذ الخبز وأعطاهم، وهكذا فعل بالسمك.
لم يذكر الإنجيلي يوحنا إن كان السيد المسيح قد شاركهم الطعام أم لا، فإنه حتمًا لم يكن جسمه القائم من الأموات محتاجًا إلى طعام، لكنه ربما أكل لتأكيد أنه يحمل جسمًا حقيقيًا وليس خياليًا.
- أوضح أن الأعجوبة الكائنة لم تكن خيالاً، لكن البشير لا يقول هنا إن السيد المسيح أكل معهم. قول لوقا البشير في هذا الموضع غير واضح: “فأخذ وأكل قدامهم” (لو 24: 43). أكل السيد المسيح هنا ليس عن طبيعة جسده إذ لم يكن محتاجًا إلى طعام، لكن لتواضعه أكل برهانًا على القيامة الكائنة.
- لم يعد يمارس ما كان يفعله قبلاً… هنا لم يعد بعد ينظر إلى السماء (ليبارك الطعام)، ولا تمم الحركات البشرية مظهرًا أن ما كان قد فعله قبلاً كان من قٍبَلْ تنازله. ولكي يظهر لهم أنه لم يعد يبقى معهم على الدوام، ولا بنفس الطريقة التي كان بها معهم قبلاً. لهذا قال: “هذه هي مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه…“[20].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات“. [14]
“هذه هي مرة ثالثة” ظهر فيها لتلاميذه وهم مجتمعون بالكامل أو أغلبيتهم. فقد ظهر لعشرة منهم (يو 20: 19)، ومرة أخرى لإحدى عشر (يو 20: 26)، وفي هذه الدفعة لسبعة منهم (يو21: 2). ويرى البعض أن هذا الظهور هو السابع بوجه عام بعد قيامته حتى صعوده إلى السماء:
- لمريم المجدلية (مر 16: 9؛ يو 20: 15-16).
- للنسوة القادمات للقبر (مت 28: 9).
- لاثنين من تلاميذه في الطريق إلى عمواس (لو 24: 13 الخ).
- لبطرس وحده (لو 24: 34).
- للعشرة تلاميذ بدون توما (يو 20: 19).
- للإحدى عشر في اليوم الثامن حين آمن توما (يو 21: 26).
- لسبعة تلاميذ (يو 21: 2)، ما بين 8 أيام و14 يومًا من قيامته.
- للتلاميذ على جبل معين في الجليل (مت 28: 16).
- لأكثر من 500 أخٍ دفعة واحدة (1 كو 15: 6)، إن لم يكن ذلك هو بعينه الظهور السابق.
- رآه يعقوب (1 كو 15: 7).
- لكل التلاميذ عند صعوده إلى السماء (مر 16: 19-20؛ لو 24: 50-53؛ أع 1: 3-12؛ 1 كو 15: 7).
هذه هي الظهورات التي وردت في الكتاب المقدس، لكننا لا نستطيع أن نجزم إن كانت هناك ظهورات أخرى تمت ولم ترد في الكتاب المقدس.
- لإيضاح أن السيد المسيح لم يقم مع تلاميذه إقامة متصلة، وعلى شبه ائتلافه بهم فيما سبق قال البشير: “هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه“.
- ربما عندما تسمعون هذه الأمور تلتهبون وتحسبون أن الذين كانوا معه كانوا سعداء، وأيضًا الذين سيكونون معه في يوم القيامة العامة. لنبذل كل الجهد حتى نرى ذاك الوجه العجيب. فإننا إن كنا ونحن الآن نسمع نلتهب شوقًا لو كنا في تلك الأيام التي قضاها على الأرض، وسمعنا صوته، ورأينا وجهه، واقتربنا إليه ولمسناه، وخدمنا تحت قيادته. فلتحسبوا كم تكون عظمة من يراه ليس بعد في جسدٍ قابل للموت، ولا وهو يمارس أعمالاً بشرية، وإنما بجسدٍ تحرسه الملائكة، فنكون نحن أنفسنا في شكل نقي بلا اختلاط.
نراه ونتمتع ببقية البركات التي تفوق كل اللغات. إني أتوسل إليكم أن نستخدم كل وسيلة حتى لا نفقد بركة مجدٍ كهذا. فإنه ليس شيء صعبًا إن أردنا، ليس شيء ثقيلاً إن كنا نهتم بذلك. “إن كنا نصبر فسنملك معه.” (1 تي 2: 12)[21]
القديس يوحنا الذهبي الفم
2. حديثه مع بطرس
أكد لهم السيد المسيح أنه خالق الجسد والروح. اهتم أن يقدم لهم إفطارًا من صنع يديه لإشباع احتياجاتهم الجسدية، والآن يهتم بالطعام الروحي لإشباع احتياجاتهم الروحية.
تم هذا الحوار بين السيد المسيح والقديس بطرس بعدما تغدّ التلاميذ وشبعوا. وربما تم أثناء الأكل حيث مال السيد نحو سمعان بطرس يتحدث معه. لقد سبق أن التقى السيد المسيح بتلميذه بعد القيامة على الأقل مرتين أو ثلاثة، ولم يفتح معه هذا الحديث، ربما لأن السيد المسيح أراد أن يعطي سمعان بطرس نوعًا من الطمأنينة أن توبته قد قُبلت، وأن ما حدث لن يؤثر على علاقة السيد به. وبعد أن اطمأن سمعان بطرس فاتحه السيد في الأمر. ويرى البعض أن سمعان بطرس لم يشر إلى هذا الأمر خشية أن يعلن له السيد عن ضعفات أو سقطات أخرى ستحدث معه، إذ أدرك أن السيد المسيح يعرف أعماقه أكثر مما يعرفها هو عن نفسه. كان بطرس الرسول محتاجًا إلى هذه الجلسة لترجع إليه الثقة في عمل اللَّه فيه.
“فبعدما تغدوا، قال يسوع لسمعان بطرس:
يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء؟
قال: نعم يا رب أنت تعلم إني أحبك.
قال له: ارعَ خرافي“. [15]
في مبادرة الحنان الشخصية هذه نحو سمعان بطرس العزيز عليه لاستعادته إلى الشركة الكاملة، شركة الذين أصبحوا الآن مختومين بختم القيامة، لم يشر السيد المسيح إلى اسم سمعان الجديد “بطرس” الذي وهبه إيّاه، وكأنه يعيد تجديد العهد معه.
“أتحبني أكثر من هؤلاء؟” يرى البعض أنه يقصد: هل تحبني أكثر من حبك لهؤلاء جميعًا، لكن الواضح أنه يسأله إن كان يظن أن حبه للسيد المسيح أكثر من حب بقية التلاميذ له كما كان يظن قبلاً، حين أعلن أنه مستعد أن يسير حتى إلى الموت، حتى إن أنكره الجميع. لم يجسر سمعان بن يونا في إجابته أن ينطق ويقول: “أكثر من هؤلاء” لأنه خشي أن يحمل في داخله ضعفًا هو يجهله، ولأنه يقدم توبة عما سبق فأعلنه أنه لن ينكره حتى إن أنكره الجميع. تحدث في أسلوب مملوء حياءً وخشوعًا! إذ تعلم القديس بطرس ألا يتكل على ذاته، بل يسلم الأمر بين يدي مخلصه، قائلاً: “أنت تعلم“. إنه لم يعد يثق في شهادته الخاصة، ولم يكن ممكنًا أن يطلب شهادة بقية التلاميذ، إنما طلب شهادة السيد المسيح نفسه العارف القلوب والقادر أن يسند الضعفاء.
لم يسأله السيد عن توبته بخصوص جحده له ثلاث مرات، لكنه اكتفى بالسؤال عن حبه له، فالتوبة في جوهرها هي ممارسة حب للَّه. هذا ما يطلبه السيد المسيح من كل تائبٍ حقيقيٍ. لذلك عندما مدح المرأة الزانية التائبة قال لسمعان الفريسي: “لأنها أحبت كثيرًا مغفورة لها خطاياها الكثيرة” (لو 7: 47).
لكي يرد السيد المسيح سمعان بطرس إلى خدمة النفوس سأله: “أتحبني؟“، فإنه لا يأتمن إنسانًا على هذه الخدمة ما لم يكن قلبه مملوء حبًا لشخص المسيح. لأن ما يقدمه للبشرية لأجل خلاصها، إنما يقدمه للسيد المسيح نفسه. من لا يحب السيد المسيح لن يقدر أن يخدم النفوس ويهتم بخلاصها، لأنه لا يعرف قيمتها، هذه التي مات المسيح عنها، وقدم دمه ثمنًا لخلاصها. استخدم السيد المسيح كلمة “أغاباس“، وهو أسمى أنواع الحب وأكرمه، أما بطرس فخجل من استخدام ذات الفعل لكن بروح التواضع استخدم كلمة “فيليو” وهي تستخدم لمحبة الأصدقاء.
- قال السيد المسيح لبطرس: “ارع خرافي” (يو 21: 15) وما ذكر جحوده، ولا عيَّره بما فعله، وكأنه يقول له: نفسك التي قلت إنك تبذلها من أجلي ابذلها من أجل غنمي.
- توجد بالحقيقة أمور أخرى كثيرة قادرة أن تهبنا دالة لدى الله، وتظهرنا بهيين ومزكين، وأما أكثر الكل مما يجلب إرادة صالحة من الأعالي، فهو الاهتمام بقريبنا في حنوٍ، الأمر الذي طلبه المسيح من بطرس[22].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- عندما يلبس المائت عدم الموت، والفاسد عدم الفساد، ويُبتلع الموت في نصرة المسيح، عندئذ يصير اللَّه الكل في الكل. عندئذ لا تكون الحكمة وحدها في سليمان، والعذوبة في داود، والغيرة في إيليا وفينحاس، والإيمان في إبراهيم، والحب الكامل في بطرس الذي قيل له: “يا سمعان بن يونا أتحبني؟“، وغيرة الكرازة في الإناء المختار، وفضيلتان أو ثلاثة في آخرين، بل يكون اللَّه بالكامل في الكل. وتفرح صحبة القديسين في كل فرقة الفضائل، ويكون اللَّه الكل في الكل[23].
القديس جيروم
“قال له أيضًا ثانية:
يا سمعان بن يونا أتحبني؟
قال له: نعم يا رب أنت تعلم إني أحبك.
قال له: ارعَ غنمي“. [16]
في المرة الأولى قدم السيد السؤال ليقارن بين نفسه واخوته إن كان يحب السيد أكثر منهم، وإذ تعلم سمعان بطرس روح التواضع ولم يجب في اعتزاز بذاته لم يعد في المرتين الثانية والثالثة يقارنه باخوته.
- إن كنا نرعى بخوف، ونخاف على القطيع، فكم يليق بالقطيع أن يخشى على نفسه؟ نصيبنا نحن هو الاهتمام بالرعاية، ونصيبكم هو الطاعة. نصيبنا هو السهر الرعوي، نصيبكم هو تواضع القطيع. إن كنا نحن نبدو كمن نتحدث من مكان مرتفع نضع أنفسنا بخوفٍ عند أقدامكم، إذ نعرف مدى خطورة هذا الكرسي السامي[24].
القديس أغسطينوس
- إن كان إيمان الرسول بطرس قد اهتز بآلام ربه، فبالدموع المرّة سمع الكلمات الرقيقة “ارعَ غنمي“[25].
القديس جيروم
“قال له ثالثة: يا سمعان بن يونا أتحبني؟
فحزن بطرس، لأنه قال له ثالثة أتحبني،
فقال له: يا رب أنت تعلم كل شيء،
أنت تعرف إني أحبك.
قال له يسوع: ارع غنمي“. [17]
في المرتين الأولى والثانية استخدم السيد المسيح كلمة agapas واستخدم سمعان بطرس كلمة philo في الإجابة وهي تحمل الحب الذي فيه دالة بين الأعزاء. وجاء سؤال السيد للمرة الثالثة مستخدمًا كلمة philo. وكأنه في المرة الثالثة يقول له: “أتحبني أيها الصديق العزيز؟”
شغل التمييز بين التعبيرين كتابات الكثير من دارسي السفر، ورأى الكثيرون إن تعبير agapao عامة يشير إلى الحب القائم على تفكير عقلي متزن مع تكريس عملي للحياة من أجل المحبوب، أما Phileo فيشير إلى الحب العاطفي الحامل حنوًا شخصيًا نحو المحبوب. وكأن السيد يسأل تلميذه: هل تكرس حياتك لي؟ فيجيب التلميذ: بكل عاطفتي أحبك.
يميز William Hendrikssen بين التعبيرين قائلاً بأن تعبير agapao هنا كما في بقية الأناجيل بوجه عام يشير إلى الحب بكل كيان الإنسان، الذي يحتل ليس فقط العواطف، وإنما العقل أيضًا والإرادة يلعبان دورًا بارزًا، ويقوم الحب على تقدير الشخص المحبوب وبمسببات واضحة. أما Phileo فيشير إلى عاطفة طبيعية عفوية أو تلقائية، حيث تقوم العاطفة بدور رئيسي أكثر من العقل والإرادة. بهذا يمكننا التمييز بين التعبير، فالسيد المسيح في السؤالين الأولين يسأل بطرس إن كان يحمل نوعًا من الحب السامي والغني بالعاطفة مع التعقل والإرادة الحية، وقد جاءت إجابة بطرس أنه لا يدَّعي الحب في هذه الصورة الرائعة، لكن ما هو متأكد منه أنه يحمل عاطفة قوية أصيلة نحو السيد، وإن كانت أقل من الحب الذي طلبه السيد[26].
يرى C. H. C. MacGregor إن الفعل الأول يشير إلى وجود تقدير واحترام بين الطرفين، والثاني يشير إلى وجود عاطفة شخصية بين عضوين في ذات الأسرة[27].
حزن القديس بطرس إذ تذكر بالسؤال الثالث جحوده ثلاث مرات، لأن تذكار الخطايا حتى التي نلنا عنها الغفران مؤلم للنفس. ولعله حزن خشية أن يكون سيده يرى في داخله ضعفًا لم يعلم هو به، كما سبق فحدث قبلاً حين أعلن أنه مستعد حتى إلى الموت معه.
دعاه لسيد المسيح ثلاث مرات أن يرعى غنمه، ويهتم بهم خلال حبه لصاحب القطيع. وقد شبه السيد الرب نفسه بالراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يو 10: 11). كما يقول عنه إشعياء النبي: “كراعٍ يرعى قطيعه، بذراعه يجمع الحملان، وفي حضنه يحملها، ويقود المرضعات” (إش 40: 21).
- ليكن دور الحب هو الذي يطعم خراف الرب… من كان لهم هذا الهدف في رعاية خراف المسيح أن تصير الخراف كما لو كانت ملكًا لهم وليست ملك المسيح، فإنهم يُدانون على محبتهم لذواتهم لا للمسيح، والرغبة في الافتخار أو نوال سلطانٍ أو مالٍ وليس عن حب للطاعة والخدمة وإرضاء الله… ماذا يعني هذا إلا إن كنت تحبني فلا تفكر في أن تطعم ذاتك بل غنمي بكونها خاصة بي، وليست خاصة بك؛ أطلب مجدي فيهم وليس مجدك أنت؛ أطلب سلطاني لا سلطانك؛ أطلب ربحي وليس مكسبك أنت، لئلا تجد نفسك تتبع الذين ينتمون إلى الأيام الخطيرة المحبين لذواتهم، وكل ما يتبع ذلك في بداية الشرور هذه؟[28]
القديس أغسطينوس
- بالتأكيد إذ أنكره ثلاث مرات، اعترف به ثلاث مرات. لقد أنكر وكان الوقت ليلاً والآن يعترف والوقت نهار[29].
القديس أمبروسيوس
- أية خطايا يمكن للندامة أن تفشل في غسلها؟ أيّة وصمات راسخة لا يمكن لمثل هذه الدموع أن تغسلها؟ باعتراف بطرس الثلاثي مسح إنكاره الثلاثي[30].
القديس جيروم
“الحق الحق أقول لك لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك،
وتمشي حيث تشاء،
ولكن متى شخت فإنك تمد يديك وآخر يمنطقك،
ويحملك حيث لا تشاء“. [18]
بعد أن رد السيد المسيح القديس بطرس إلى رسوليته عاد يخبره عن استشهاده، وبقوله: “الحق الحق” ليؤكد أن ما ينطق به أمر خطير وهام، له وقاره، وأنه بالتأكيد سيتحقق.
إذ كان في حداثته يتمتع بالحرية حيث يمنطق نفسه متى شاء، ويسير كيفما أراد، خلال هذه الحرية يسلم نفسه في يدي مخلصه، ليمنطقه السيد ويحمله حسب مشيئته الإلهية وليس حسب فكر سمعان أو غيره من المؤمنين. إنه يخضع بإرادته لإرادة اللَّه لكي يتمجد اللَّه حتى في موته. إنه بهذا يُسر بالآلام حتى الموت إذ يمجد اللَّه، شاهدًا للحق الإلهي.
يرى Wetstein في تعبير “تمد يديك” إشارة إلى ما كان معتادًا في روما عند صلب شخص أن توضع رأس الشخص في النير وتُبسط يداه وتشدّان حتى النهاية، ويسيرون به في شوارع المدينة التي يصلب فيها.
إنه يمنطقه آخر بالسلاسل الحديدية ويحملونه إلى حيث لا يشاء، ليس لأنه لا يريد أن يُصلب من أجل حبه للسيد المسيح، وإنما لأنه يود أن يعيش ليكرز ويخدم.
- أوضح السيد المسيح لبطرس الرسول حال موته، لأنه إذ كان بطرس الرسول يريد دومًا أن يوجد في الأخطار والمصاعب من أجله، قال له: أطمئن فإنني من هذه الجهة أتمم شهوتك، حتى حين تصير شيخًا تقاسي المصاعب التي لم تقاسيها لما كنت شابًا.
- ماذا إذن “حيث لا تشاء؟” يتحدث عن المشاعر الطبيعية، وضرورة الجسد، وأن النفس تفارق الجسد لا إراديا. حتى وإن كانت الإرادة ثابتة، إلا أنه توجد الطبيعة في ضعف… فتعبير “حيث لا تشاء” يشير إلى الشعور الطبيعي[31].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- هكذا كانت النهاية التي بلغ إليها ذاك الجاحد (لسيده) ألا وهو الحب. لقد صار في تيه بجسارته، وانطرح بجحوده لسيده. اغتسل ببكائه، وتزكى باعترافه، وكُلل باحتماله الآلام.
هذه هي النهاية التي بلغها أن يموت بحبٍ كاملٍ من أجل اسم ذاك الذي وعده أن يموت وذلك في جسارة. لقد فعل ذلك عندما تقوى بقيامته (قيامة المسيح)، الأمر الذي وعد أن يفعله ولم يكن بعد ناضجًا. فإن الترتيب اللازم هو أن يموت المسيح أولاً من أجل خلاص بطرس، وبعد ذلك يموت بطرس من أجل الكرازة بالمسيح[32].
القديس أغسطينوس
“قال هذا مشيرا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يمجد الله بها،
ولما قال هذا قال له: اتبعني“. [19]
إنكار بطرس للسيد المسيح ثلاث مرات هزه في أعماقه، لذلك أراد السيد أن يهبه روح الرجاء المفرح، فأكد له أنه سيمجد الله، ليس فقط في سلوكه كما في كرازته، وإنما حتى آخر نسمة من نسمات حياته، إذ يمجد الله في موته. حتى يستطيع أن يترنم: “إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت؛ إن عشنا وإن متنا فللرب نحن” (رو 14: 8).
تحقق استشهاده بعد 34 عامًا من هذا الحوار، وكان ذلك لمجد اللَّه، إذ حسب الرسول نفسه غير أهلٍ أن يُصلب كسيده، لذا طلب أن يُصلب منكس الرأس كما جاء في يوسابيوس وبرودنتيوس Prudentius والقديسين يوحنا الذهبي الفم وأغسطينوس.
- الآن لا حاجة لنا أن نخاف بعد من العبور من الحياة الحاضرة، لأنه في قيامة الرب صار لنا مثلاً قويًا للحياة القادمة. الآن ليس لك يا بطرس أن تخاف الموت بعد، فإنه يعيش ذاك الذي حزنت عليه حين مات، والذي في حبك الجسدي حاولت أن تمنعه عن الموت من أجلنا (مت ١٦: ٢١–٢٢)[33].
القديس أغسطينوس
- لم يقل: “مزمعا أن تموت”، بل قال: “أن يمجد الله بها“، حتى تتعلموا أن التألم من أجل المسيح هو مجد وكرامة للمتألم[34].
القديس يوحنا الذهبي الفم
إذ قال السيد المسيح لبطرس “اتبعني” يبدو أن السيد بدأ يتحرك فتحرك وراءه بطرس، لكنه التفت حوله فوجد يوحنا أيضًا يتبعه. غالبًا ما حورب بنوعٍ من حب الاستطلاع، إذ أراد أن يعرف إن كان يوحنا أيضًا سيستشهد أيضًا معه.
3. حديثه عن يوحنا
“فالتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه يتبعه،
وهو أيضًا الذي اتكأ على صدره وقت العشاء،
وقال يا سيد من هو الذي يسلمك؟” [20]
لم يذكر القديس يوحنا اسمه، ربما لأنه حسب نفسه ليس أهلاً أن يُذكر اسمه في الإنجيل المقدس. وفي نفس الوقت لم يكن ممكنًا أن يتجاهل حب السيد المسيح الخاص نحوه.
يرى القديس أغسطينوس أن يوحنا أكثر التلاميذ تمتعًا بحب المسيح له لأنه كان بتولاً، وعاش في طهارة منذ صبوته[35].
“فلما رأى بطرس هذا قال ليسوع:
يا رب وهذا ما له“. [21]
يرى البعض أن بطرس الرسول كان محبًا للاستطلاع، اهتم في ذلك الوقت بالأحداث حتى التي تخص الآخرين، أكثر من تركيزه على التزاماته كتلميذ للسيد المسيح. ولعله شعر بشيء من الغيرة من نحو القديس يوحنا، فهو وإن لم يقل أنه لن ينكر المسيح لكنه عمليًا وضع رأسه على صدر المسيح، ورافقه الطريق حتى الصليب. لم تُجرح العلاقة التي بينه وبين السيد المسيح كما حدث مع بطرس الرسول.
- إنه لسرّ عظيم للحب الإلهي أنه حتى في المسيح لم يكن يوجد استثناء من جهة موت الجسد. ومع أنه رب الطبيعة لم يرفض قانون الجسد الذي أخذه. إنه من الضروري لي أن أموت، ولكن ليس بالمهم له ذلك[36].
القديس أمبروسيوس
- قدم فيما بعد إلى معلمه سؤالاً من أجل غيره، وكان يوحنا الرسول صامتًا وبطرس الرسول يتكلم، فأوضح هنا الحب الذي أخلصه له. لأن بطرس الرسول كان يحب يوحنا الرسول حبًا شديدًا، وهذا واضح من أفعاله فيما بعد، ويتبين في الأناجيل وفي أعمال الرسل ائتلافهما وارتباطهما. وإذ أراد بطرس الرسول أن يأخذ يوحنا الرسول شريكًا قال للسيد المسيح: “يا رب وهذا ما له“، أي أما يسلك الطريق التي لي بعينها؟
القديس يوحنا الذهبي الفم
“قال له يسوع:
إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء، فماذا لك؟
اتبعني أنت“. [22]
يرى البعض أن السيد المسيح أراد توضيح أن القديس يوحنا سوف لا يموت شهيدًا مثل القديس بطرس. يقول المؤرخون القدامى أنه التلميذ الوحيد من بين الاثني عشر الذي لم يستشهد.
بقوله: “حتى أجيء“، لا تعني أنه لن يموت حتى مجيء السيد المسيح الثاني، وإنما هو نوع من التوبيخ للقديس بطرس على حبه للاستطلاع وانشغاله بأحداث المستقبل عوض الاهتمام بالعمل الكرازي. يرى آخرون أنه يعني بطريقة خفية أنه لن يموت حتى يتم تدمير أورشليم على يد تيطس الروماني. كثيرون ظنّوا أن كلمات السيد المسيح هنا تشير إلى أن يوحنا يعيش حتى يأتي السيد ليدين أورشليم ويحكم بخرابها. فالقديس بطرس استشهد عام 67م، أي سبع سنوات قبل خراب أورشليم، بينما بقي القديس يوحنا حوالي 30عامًا بعد خرابها.
يرى القديس أغسطينوس وغيره أن هذه العبارة تعني: إن أردت أن يبقى يوحنا إلى يوم مجيئي وآخذه معي خلال موت طبيعي، فماذا لك؟ اتبعني لتحمل أنت صليبك. وقد جاء التاريخ يؤكد أنه التلميذ الوحيد الذي تنيح بموتٍ طبيعيٍ وليس بالاستشهاد، وأنه بقي حيًا حتى استشهد الكل.
ظن البعض أن بطرس الرسول كان منفردًا مع السيد المسيح وهما يتحدثان معًا، وإذ كان يعلم مدى دالة القديس يوحنا عند السيد المسيح ظن أنه سيلحق بهما وهما يسيران ويتحدثان، لكن السيد أوضح له أن يترك الأمر في يديه، فقد يترك يوحنا حتى يعود إليه بعد نهاية حديثه مع بطرس.
- قال بطرس الرسول هذا القول مهتمًا بيوحنا الرسول جدًا، ولم يرغب أن ينفصل عنه، فأراه السيد المسيح أنه مهما أحبه لا يصل إلى حبه هو له، وقال: “إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجئ فماذا لك؟ اتبعني أنت“. ولما كان بطرس الرسول دائمًا حارًا في مثل هذه المسائل، مندفعًا فيها، قطع السيد المسيح حرارته أيضًا، وعلمه ألا يبحث خارج الحد، وقال له: “إن كنت أشاء أن يبقى حتى أجئ فماذا لك؟“
- إنه يعلمنا ألا نحزن ولا نتضايق ولا نكون فضوليين نسأل خارج ما يبدو صالحًا بالنسبة لنا[37].
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فذاع هذا القول بين الاخوة أن ذلك التلميذ لا يموت،
ولكن لم يقل له يسوع انه لا يموت،
بل إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك؟” [23]
إذ طال عمر القديس يوحنا فعاش حتى استشهد كل التلاميذ ظن المؤمنون أنه لن يموت حتى مجيء السيد المسيح الثاني، إذ فسّروا كلمات السيد بتأويلها على غير ما تحتمله الكلمات، لكن القديس يوحنا صحح مفهومهم وأكد أن السيد لم يقل هذا.
يرى البعض أن الرسولين بطرس ويوحنا هنا يشيران إلى الحياة العاملة والحياة المتأملة في الكنيسة. فمن يمارس التأمل لن يلحق به الموت كالحياة العاملة، إنما يدخل به الموت إلى الكمال، خاصة عند مجيء الرب حيث لا توجد أعمال كرازية أو صدقة بل حياة تسبيح وتأمل في الرب.
- لا يوجد شيء يخيفنا من الموت، ليس ما يحزنا، سواء إن كانت الحياة التي قبلناها بالطبيعة تؤخذ منا أو نقدمها ذبيحة من أجله كواجبٍ نلتزم به، سواء بسبب الدين أو لممارسة فضيلة ما، ليس منا من يرغب أن يبقى هكذا كما هو الحال حاليًا. هذا ما قد ظُن أن يوحنا قد وُعد به، لكن لم تكن الحقيقة هكذا… هو نفسه أنكر في كتاباته أنه قد وُجد وعد أنه لا يموت. من هذا المثل لا يليق بأحدٍ أن يتمسك برجاءٍ فارغٍ[38].
القديس أمبروسيوس
يرى القديس أغسطينوس أن ما ورد هنا بخصوص الرسولين بطرس ويوحنا يحمل معنى رمزيًا. فالقديس بطرس يمثل المؤمن في جهاده على الأرض وشهادته للسيد المسيح خلال محبته له. لهذا كان بطرس أكثر التلاميذ حبًا للسيد، وقد سأله السيد: “يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء؟“، أما القديس يوحنا فيمثل المؤمن وقد تمتع بالمجد الأبدي في الحياة الأخرى، فلا يسأل: أتحبني؟ وإنما يُمتص كل كيانه في حب المسيح له، فبينما كان بطرس أكثر التلاميذ حبًا للسيد، كان يوحنا أكثر التلاميذ محبوبًا من المسيح، فدعا نفسه: “التلميذ الذي كان يسوع يحبه“. دُعي بطرس من السيد: “اتبعني” حيث يلتزم المؤمن المحب للسيد المسيح أن يترجم حبه إلى شركة آلام مع المسيح، فيتبعه حتى الصليب. وقال السيد المسيح عن يوحنا: “إن كنت أشاء أن يبقى إلى أن أجئ” حيث لا يستطيع الموت أن يتسلل إلى المؤمن في مجده الأبدي. الأول يتبع المسيح بالإيمان، والثاني يتمتع بمجد القيامة عيانًا[39].
4. ختام السفر
“هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا،
وكتب هذا،
ونعلم أن شهادته حق“. [24]
يسجل الكاتب بوحي الروح القدس إنه تلميذ للرب يكتب بشهادة صادقة عما رآه بنفسه وسمعه من السيد المسيح، وجاءت شهادته تعلن عن الحق.
“وأشياء آخر كثيرة صنعها يسوع،
إن كتبت واحدة واحدة،
فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. آمين“. [25]
يرى البعض أن هاتين العبارتين [24-25] سجلهما من استلموا السفر من يد الإنجيلي يوحنا ليؤكدا أن السفر هو من شهادة هذا التلميذ الموثوق فيه.
كما لاحظنا في المقدمة أن هذا السفر كثيرًا ما يكرر كلمة “العالم” لتأكيد أن المسيح مخلص العالم كله وليس اليهود وحدهم.
المعجزات والآيات التي صنعها السيد المسيح أكثر من أن تُحصى، ومع كثرة عددها أيضًا تنوعّها. لهذا يرى بعض الدارسين أنه يمكن تفسير العبارة حرفيًا، فإن إلهنا غير المحدود يقوم بأعمال ظاهرة وخفية غير محدودة، لن يستطيع العالم أن يسجلها بأكملها.
ليس غاية الكتاب المقدس حصر أعمال السيد المسيح وكلماته، وإنما الكشف عن شخصه وسماته وأعماله في حياة المؤمن. وقد سجّل الإنجيليون الآخرون عبارات تكشف عن كثرة أعمال السيد المسيح المعجزية (مت 4: 23-24؛ 9: 35؛ 11: 1؛ 14: 14، 36؛ 15: 30؛ 19: 2 الخ). كمثال القديس بولس اقتبس عبارة من أقوال السيد المسيح لم ترد في الأناجيل الأربعة (أع 20: 35). فما سجله العهد الجديد عن شخص السيد المسيح وأعماله وكلماته كان كافيًا لتمتع الكنيسة بشخصه وفكره وأعماله.
أساء بعض النقاد فهم هذه العبارة، غير أن كثير من الدارسين سجّلوا لنا أن مثل هذه التعبيرات هي تعبيرات شرقية وُجدت في كتابات كثيرة ولم تُنتقد، واستخدمها أيضًا كتّاب غربيون. مثل هذا العبارة التي تحمل نوعًا من المبالغة هي تعبير سائد استخدمته أيضًا الأسفار المقدسة. مثال ذلك ما قاله الجواسيس “رأينا هناك الجبابرة بني عناق من الجبابرة، فكنا في أعيننا كالجراد، وهكذا كنا في أعينهم” (عد 13: 13). “كبرت الشجرة وقويت فبلغ علوّها إلى السماء، ومنظرها إلى أقصى كل الأرض” (دا 4: 11). “شعب أعظم منا وأطول منا، مدن عظيمة محصنّة إلى السماء” (تث 1: 28). وجاء في يوسيفوس المؤرخ عن يعقوب أنه نال وعدًا بأن أرض كنعان تكون له ولنسله الذين يملأون الأرض كلها التي تشرق عليها الشمس، سواء على الأرض أو في البحر[40].وفي الغرب جاء عن شيشرون أن طاقات الشعب الروماني بالكاد يضاهيها المجد الذي في السماء، وأنه بالكاد كوكب الأرض يحتويها[41].
- لسنا نفترض أنه يتحدث بخصوص المساحة المحلية للعالم أنها لا تستطيع أن تحويها، لأن كيف يمكن كتابتها إن كان العالم لا يقدر أن يحويها أثناء الكتابة؟ لكن ربما أن هذه الكتابات لا يمكن فهمها حسب طاقات القراء[42].
القديس أغسطينوس
آمين: هذه الكلمة خاتمة كل البشائر، ومعناها “ليكن ذلك” ويصح أن نقولها بمعنى ليكن لنا إيمان بما كُتب هنا وطاعة لما أُمرنا به وتمتع بما وُعدنا به.
من وحي يوحنا ٢١
لأراك وأخدمك يا راعي النفوس!
- نفسي تئن مع تلاميذك، صارخة:
تعبت الليل كله ولم أصطد شيئًا.
خبراتي وقدراتي وكل طاقاتي صارت كلا شيء!
لتعبر بي يا سيدي،
فبكلمتك أصطاد نفوس كثيرة في شبكة كنيستك.
قلْ كلمة، فالنفوس في بحيرة العالم تائهة.
ليس لي، ليس لي،
بل كلمتك تجتذب الكثيرين إليك.
- هب لي حب يوحنا وطهارته حتى أعرفك،
في هدوء الروح القوي أعلن: هو الرب!
هب لي غيرة بطرس،
فأجري نحوك وأسجد أمامك.
- عدْ لي سمكًا مشويًا،
هب لي طعامًا لنفسي،
فلا تجوع ولا تعطش إلى العالم.
- أنا أعلم أنك تشتاق أن أختلي بك.
بروح الحب تعاتبني،
دون أن تجرح مشاعري بكلمة واحدة!
مع بطرس الذي أنكرك أعلن:
أنت تعلم أني أحبك.
نعم أني أحبك،
وإن كانت نفسي تئن من ثقل خطاياي.
على كلمتك أرعى غنمك!
محتاج أن أراك وأعرفك وأحبك،
تحملني على منكبيك فأحمل اخوتي على منكبي.
من يقدر أن يحمل أثقال شعبك،
ما لم تحمله أنت مع كل الأثقال!
- مع بطرس تلميذك أسمع همساتك لي:
أتحبني أكثر من هؤلاء؟
تسألني إن كنت أحبك،
بكل عاطفتي وفكري وإرادتي،
وأكرس كل طاقتي لك ولأولادك أيها المحبوب،
وأبادلك تقديرك واعتزازك لي.
من أنا يا أيها العجيب في حبك؟
أقمتني عضوًا كما في الأسرة الإلهية.
فأصرخ مع بطرس:
أنت تعلم إني أحبك!
أنت لي بكليتك،
وأنا لك بكليتي، يا حبيب قلبي!
ماذا تريد أن أفعل؟
- عشت مدللاً كل أيام حياتي!
الآن أبسط يدي كما على الصليب.
فأُصلب معك كما صُلب تلميذك بطرس منكس الرأس.
حياتي بين يديك،
فأنت راعي نفسي العجيب.
- أعمالك عجيبة بلا حصر،
لو كتبتها، لما اتسع العالم ليضم هذه الكتب.
لأسجلها لا في كتاب،
بل روحك ينقشها في قلبي!
فأصير بروحك القدوس إنجيلاً مقروءً من الناس.
[1] Cf. Leon Morris: Reflections on the Gospel of John, Hendrickon Publishers, 2000, p. 724.
[2] Hom 25. Forty Gospel Homilies, PL 76: 185-6.
[3] Homilies on St. John, 87:2.
[4] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 122:2.
[5] Cassian: Conferences, 24:12..
[6] Hom 24. Forty Gospel Homilies, PL 76: 1184.
[7] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 122: 4.
[8] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 122: 3.
[9] Hom 24. Forty Gospel Homilies, PL 76: 1184.
[10] Homilies on St. John, 87:2.
[11] Hom 24. Forty Gospel Homilies, 181-182.
[12] Hom. 87. PG 59: 522.
[13] Hom 76. PG 59: 522.
[14] To Pammachius Against John of Jerusalem, 35.
[15] Hom 24. Forty Gospel Homilies, 184.
[16] To Pammachius Against John of Jerusalem, 34.
[17] Hom 76. PG 59: 522.
[18] Hom 24. Forty Gospel Homilies, 182-183.
[19] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 122: 7 – 9.
[20] Homilies on St. John, 87:2.
[21] Homilies on St. John, 87:3.
[22] Homilies on St. John, 88:1.
[23] Against the Pelagians, 1:18.
[24] Sermon on N.T. Lessons, 96:1.
[25] Letter 35:1.
[26] Cf. Leon Morris: Reflections on the Gospel of John, Hendrickon Publishers, 2000, p. 737.
[27] Ibid, p. 737.
[28] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 123: 5.
[29] Exposition on St. Luke 10: 90.
[30] Letter, 77:4.
[31] Homilies on St. John, 88:1.
[32] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 123:4.
[33] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 123: 4.
[34] Homilies on St. John, 88:1.
[35] cf. St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 124: 7.
[36] On the Decease of His Brother Saytrus, Book 1:4.
[37] Hom 88 PG 59: 527.
[38] On the Decease of His Brother Saytrus, Book 2:49.
[39] cf. St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 124: 6 – 7.
[40] Antiques lib. 19 ch. 20.
[41] Phil 2:44.
[42] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 124: 8.