Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير انجيل يوحنا 11 الأصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 11 الأصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 11 الأصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 11 الأصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

الاصحاح الحادي عشر

إقامة لعازر من الأموات

واهب القيامة

                

يروي لنا القديس يوحنا قصة إقامة لعازر من الأموات التي حدثت قبل الأسبوع الأخير من حياته على الأرض بفترة قليلة، غالبًا في يوم السبت السابق لدخوله أورشليم. ويعلل البعض عدم عرض هذه المعجزة في الأناجيل الثلاثة الأخرى بأن لعازر كان لا يزال حيًا حين كتابتها، وخشوا لئلا يسبب له ذلك متاعب كثيرة، أما القديس يوحنا فسجل إنجيله بعد رحيل لعازر. قدم المعجزة ليكشف لنا عن شخص السيد المسيح أنه القيامة واهب الحياة، وغالب الموت. إذ كان يسوع مزمعًا أن يسلم نفسه للموت ويُدفن في القبر، أراد تأكيد سلطانه أنه يضع نفسه ويقيمها كما يشاء. إنها المعجزة الأخيرة التي سجلها القديس يوحنا، في شيءٍ من التفصيل.

في قرية صغيرة تسمى بيت عنيا أو بيت العناء أو الألم وُجدت عائلة مجهولة من الناس محبوبة جدًا لدى السيد المسيح. فتحت هذه العائلة قلبها له، كما فتحت بيتها ليستريح فيه، وعرفت كيف تخاطبه. في وسط الآم الموت المرة والخطيرة بعثت الأختان رسالة: “يا سيد هوذا الذي تحبه مريض” [3]. لم تطلبا لأخيهما الشفاء، ولا طلبتا من السيد أن يترك خدمته ويفتقدهما في ظروفها القاسية.

مات لعازر وقال السيد لتلاميذه: “لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه”. دعا الموت نومًا، فإن من يلتصق بالمسيح “القيامة” لن يحل به الموت، بالنسبة له يُحسب الموت هبة وراحة.

بعد أربعة أيام من وفاته دخل السيد القرية فلاقته مرثا وصارت تعاتبه: “يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي، لكني الآن أيضًا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه” [22]. أكد لها السيد أن أخاها سيقوم، وإذ أعلنت عن إيمانها أنه سيقوم في القيامة… قال لها يسوع: “أنا هو القيامة والحياة”. [25].

لم يحتمل أن يرى الرب دموع الأختين إذ “بكى يسوع” [35]. إنه يشاركنا مشاعرنا! إنه عجيب في حبه لبني البشر، لا يحتمل دموعهم بل يقول: “حوِّلي عني عينيكِ فانهما غلبتانيِ”. وإذ انطلق إلى القبر وطلب رفع الحجر قالت مرثا: “يا سيد لقد أنتن لأن له أربعة أيام!”

يقول القديس أغسطينوس أن إقامة لعازر من الأموات ليس موضوع دهشتنا بل موضوع فرحنا. فليس من المدهش أن ذاك الذي يخلق بقوته أناسًا يأتي بهم إلى العالم أن يقيم ميتًا، لكنه أمر مفرح أنه يهبنا القيامة ويمتعنا بالخلاص[1].

يرى القديس أغسطينوس أن الأناجيل ذكرت قيامة ثلاثة أشخاص بواسطة السيد المسيح، وأن هذه الأعمال تحمل معانٍ تمس خلاصنا. فإن كان قد أقام هذه الأجساد إنما ليشير إلى قيامة نفوسنا.

لكن إن كنت ليس فقط تحتضن شعورًا باللذة في الشر وإنما تمارس الشر، يمكن القول بأن الميت قد حُمل خارج الباب. إنك بالفعل في الخارج محمول إلى القبر. مع هذا فإن الرب أيضًا أقام مثل هذا إلى الحياة، وأعاد الشاب إلى أمه الأرملة. إن كنت تخطئ تب، فسيقيمك الرب، ويردك إلى الكنيسة أمك.

إما المثل الثالث للموت فهو لعازر. إنه نوع خطير من الموت متميز بأنه تحول إلى العادة في ممارسة الشر. فإن السقوط في الخطية شيء وممارسة الخطية كعادة شيء آخر. من يسقط في الخطية وفي الحال يخضع للإصلاح يقوم إلى الحياة سريعًا، لأنه غير ساقطٍ في شرك عادة الشر، إنه لم يُلقَ بعد في القبر. أما الذي تحول إلى العادة في الشر فهو مدفون، وبحق يُقال عنه: “قد أنتن“، فإن سمته تحمل رائحة مرعبة، بدأ يحمل سمعة رديئة للغاية. مثل هؤلاء جميعًا اعتادوا على ارتكاب الجريمة، وهجروا الأخلاقيات… ومع هذا فإن قوة المسيح ليست بأقل من أن ترد مثل هؤلاء إلى الحياة. إننا نعرف ونرى في كل يوم أناسًا يتغيروا من أشر العادات، ويتقبلوا نوعًا من الحياة الفضلى أكثر من الذين يلومونهم… ليته لا ييأس أحد؛ ولا يستسلم[2].

القديس أغسطينوس

  1. تبليغ السيد بمرض لعازر ١ – ١٦.
  2. تحرك السيد نحو عائلة لعازر ١٧ – ٣٢.
  3. إقامة لعازر من الأموات ٣٣ – ٤٤.
  4. أثر إقامة لعازر ٤٥ – ٥٧.

1- تبليغ السيد بمرض لعازر

وكان إنسان مريضًا،

وهو لعازر من بيت عنيا،

من قرية مريم ومرثا أختها“. [1]

لعازر: الاسم العبري غالبًا “اليعازر”، معناه يعينه يهوه.

بيت عنيا: اسم أرامي معناه “بيت البؤس أو العناء”، وهي قرية في الجنوب الشرقي من جبل الزيتون على بعد ميلين تقريبًا من أورشليم، وتدعى اليوم العازرية، نسبة إلى إقامة لعازر من الموت. نقرأ عن مريم ومرثا في لوقا ١٠: ٣٨ الخ أنهما تعيشان في الجليل. فإن كان الأمر هكذا، فغالبًا ما قامتا بتغيير إقامتهما في ذلك الحين في الجليل. واضح أن ربة البيت هي مرثا، الأخت الكبرى، وهي التي استضافت أختها الصغرى. ذكر القديس يوحنا مريم أولاً مع أنها الأصغر، ربما لأن مريم كانت أكثر شهرة في الكنيسة الأولى، وهي التي سكبت الطيب على قدمي السيد المسيح (١٢: ٣)، كما اختارت النصيب الصالح الذي لا يُنزع منها (لو ١٠: ٤٢).

مريم: اسم عبرى معناه “عصيان”. ومرثا: مؤنث كلمة آرامية معناها “ربة”.

وكانت مريم التي كان لعازر أخوها مريضًا،

هي التي دهنت الرب بطيبٍ،

ومسحت رجليه بشعرها“. [2]

القديس يوحنا الذهبي الفم

فأرسلت الاختان إليه قائلتين:

يا سيد هوذا الذي تحبه مريض“. [3]

ليست من صلاة أبسط من هذه الصلاة القصيرة المملوءة تواضعًا مع ثقة وتسليم للأمر بين يديه. اكتفتا بعرض الحالة دون تقديم أي طلبٍ أو مجيء السيد إليهما لعلاج الموقف ومساندتهما. كان العرض في بساطة هو أن الذي يحبه مريض، فلن يتخلى عنه أو عنهما. وربما لم تطلب الأختان مجيئه إليهما، لأنهما تعلمان ما ورد قبلاً (في الاصحاح السابق) كيف أراد يهود أورشليم رجمه، فانطلق إلى ما وراء الأردن حتى لا يتمموا ما في نيتهم. هكذا لم ترد الأختان أن تضعاه في في وضعٍ فيه خطورة على حياته. وفي نفس الوقت كان لعازر صديقًا له، فاكتفتا بإبلاغه بأمر مرضه، وكانتا متأكدتين أنه حتمًا سيفعل شيئًا.

لم تذكر الأختان اسم المريض ولا قرابته لهما، أي أنه أخوهما، بل دعوه “الذي تحبه“. نحن نعلم أنه محب كل البشر، والكل كانوا يتلمسون رقته ولطفه وحبه، لكن الصيغة التي كتبت بها الأختان توحي بأن السيد المسيح يخص المريض بعلاقة محبة خاصة. لم تشيرا في الرسالة أن المرض كان خطيرًا، ربما لكي لا يزعجا السيد.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

فلما سمع يسوع قال:

هذا المرض ليس للموت،

بل لأجل مجد الله،

ليتمجد ابن الله به“. [4]

أعلن لهم السيد بأن هذا المرض ليس للموت النهائي عن هذه الحياة، وإنما لموتٍ مؤقتٍ سُمح به لأجل مجد الله خلال إقامته من الأموات.

يرى البعض أن كلمة “يتمجد” هنا كما في كثير من الأحيان في هذا السفر لا تعني نوال كرامة أو إبراز سمو الشخص، وإنما تعني قيام الشخص بإرادته بعمل يبدو أقل من مستواه من أجل محبته وخدمته للغير، دون إلزام من آخر، خاصة حينما يتحدث عن الصلب كمجد للابن والآب، حيث يبذل الابن ذاته من أجل خلاص الخطاة ومجدهم الأبدي. مسيحنا الذي لا يصنع العجائب إلاَّ من خلال دافع الحب غالبًا ما يربط موضوع إقامة لعازر بمجد صليبه، إذ جاء هذا العمل تمهيدًا لصلبه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر“. [5]

يشير هنا إلى محبة السيد المسيح لمرثا بكونها الأخت الأكبر ثم مريم ولعازر. إنه كان يستريح للأسرة ككل، وكان كل عضو من الأسرة يشعر بدالة خاصة ومحبة المسيح له شخصيًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

فلما سمع أنه مريض

مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين“. [6]

لكل شيء عند السيد المسيح وقته المناسب حسب فكره الإلهي وليس حسب فكرنا نحن البشري. ففي عرس قانا الجليل إذ قالت له أمه “ليس لهم خمر” (يو ٢: ٣) قال لها: “لم تأتِ ساعتي بعد” (يو ٢: ٤). وعندما طلب منه اخوته أن يذهب إلى اليهودية لاقتراب عيد المظال أجابهم: “إن وقتي لم يحضر بعد” (يو ٧: ٥). وهنا كنا نتوقع سرعة ذهابه لبيت عنيا لمساندة أحبائه، لكننا نجده يمكث في الموضع يومين. إنه يعرف اللحظة المناسبة لكل عملٍ.

في المعجزات السابقة جميعها ما يشغل قلب السيد المسيح إبراز حبه للمتألمين، هنا تأخر لأنه في محبته للأسرة كلها كان يود تأكيد حقيقة، وهي أنه هو “القيامة”، إذ حان وقت موته وقيامته. لهذا لم يسرع بالذهاب ليشفيه في مرضه، ولا بعد موته مباشرة، بل تركه يبقى في القبر إلى اليوم الرابع حتى ينتن الجسد، فيتأكد الكل بأنه واهب الحياة والقيامة حتى بعد أن يفسد الجسد.

القديس يوحنا الذهبي الفم

ثم بعد ذلك قال لتلاميذه:

لنذهب إلى اليهودية أيضًا“. [7]

بقوله لتلاميذه: “لنذهب إلى اليهودية أيضًا” [7] يوضح السيد رحمته حتى نحو غير المستحقين. فمع عدم استعداد اليهودية لقبوله يطلب الذهاب مرة أخرى لرافضيه. إنه لا يكف عن أن يقدم الفرص لكل نفسٍ لعلها تتمتع به حتى وإن رفضته قبلاً.

القديس يوحنا الذهبي الفم

قال له التلاميذ:

يا معلم الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك وتذهب أيضًا إلى هناك“. [8]

منذ أسابيع قليلة كان اليهود يريدون رجمه في الهيكل في عيد التجديد (يو ١٠: ٣١).

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

أجاب يسوع:

أليست ساعات النهار اثنتي عشرة؟

إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر،

لأنه ينظر نور هذا العالم“. [9]

طريقنا مملوء بالعثرات، من يسلك في النور لن يعثر، أما من يبقى في الظلمة فيعثر. من يشرق عليه شمس البرّ يستنير، وينطلق كما من مجدٍ إلى مجدٍ، وتصير العثرات بالنسبة له كلا شيء، بل علة نصرته وإكليله. أما من يسلك حسب شهوات جسده وفكر العالم الشرير وكبرياء قلبه فيبقى متعثرًا، ويعطي لنفسه أعذارًا لا حصر لها.

لم يخفْ السيد المسيح من الموت، لأنه هو النور الذي لن تصمد أمامه قوات الظلمة. وهكذا من يلتحف به يسير كل أيام غربته بلا خوف ولا اضطراب ولا قلق.

كان اليهود مثل كثير من الأمم يقسمون النهار من شروق الشمس إلى غروبها إلى ١٢ قسمًا أو ساعة تطول أو تقصر حسب مواسم السنة المختلفة.

رحلة العبور إلى السماء لا تبدأ بالليل حين ينتقل الإنسان من العالم، إنما تبدأ في النهار وهو يجاهد في حياته، واثقًا في نعمة الله التي تسير به نحو الأبدية. أعطانا الله ساعات النهار كفرصٍ ثمينةٍ للعمل، تصير لها قيمتها حين نستغلها كما يليق وإلا صارت كلا شيء.

القديس أغسطينوس

ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر،

لأن النور ليس فيه“. [10]

القديس يوحنا الذهبي الفم

قال هذا، وبعد ذلك قال لهم:
        
لعازر حبيبنا قد نام،

لكني أذهب لأوقظه“. [11]

يدعو السيد المسيح المؤمن “حبيبنا“، ولم يقل “حبيبي”، فإن دخولنا في عهد مع الله يجعلنا أحباء ليس فقط له، بل ولكل الكنيسة، بكونه عضوًا فيها. موت لعازر لا يقطع الصداقة بينه وبين السيد المسيح وكنيسته، بل يبقى صديقًا له ولكل الكنيسة عبر كل الأجيال.

القديس يوحنا الذهبي الفم

يدعو السيد المسيح الموت “نومًا“. النوم فيه راحة جسدية حيث يستعيد الجسم طاقته، ليبدأ بيقظته يومًا جديدًا في حيويةٍ ونشاطٍ. هذا حق بالنسبة لنوم الموت، فالمؤمن إذ ينام يقوم في حياة جديدة بإمكانيات جديدة في عالم جديد.

القديس جيروم

القديس أغسطينوس

يرى القديس أغسطينوس أن جميع الأموات أشبه بالنيام، لكن بعضهم يتمتع بأحلام سعيدة، والآخرون مرعبة. أو هم أشبه بمن هم في مكان حفظ مؤقت، لكن بعضهم مثل لعازر المسكين الذي يتنعم في حضن أبيه إبراهيم، بينما الغني الغبي في عطشٍ شديدٍ لا يجد من يهبه نقطة ماء (لو ١٦: ٣٢–٢٤). الكل سيخرج لينال كل واحدٍ حسب أعماله[19].

حقًا، لو أنه هلك كلية أو انتهي أمره تمامًا، لكان ذلك كارثة عظمى وكان الأمر محزنًا. لكن إن كان كل ما في الأمر أنه أبحر إلي ميناء هادئ، وقام برحلة إلي اللَّه الذي هو حقًا ملكه، لهذا يلزمنا ألا نحزن بل نفرح.

فإن هذا الموت ليس بموتٍ، إنما هو نوع من الهجرة والانتقال من سيئ إلي أحسن، من الأرض إلي السماء، من وسط البشر إلي الملائقائلاًكة ورؤساء الملائقائلاًكة، بل ومع اللَّه الذي هو رب الملائقائلاًكة ورؤساء الملائقائلاًكة.

لأنه عندما كان يخدم الإمبراطور هنا على الأرض كانت تحف به مخاطر الأشرار ومكائدهم. وبقدر ما كان صيته يتزايد، كانت خطط الأعداء (الحاسدين) تلتف حوله، والآن قد انتقل إلي العالم الآخر حيث لا يمكن أن ننتظر شيئًا من هذا.

فبقدر ما تحزنين لأن اللَّه أخذ إنسانًا هكذا كان صالحًا ومكرمًا كان يجب أن تفرحي أنه رحل إلي مكان أكثر أمانًا وكرامة، متخلصًا من مضايقات الحياة الحاضرة الخطيرة، إذ هو الآن في أمان وهدوء عظيم.

إن كان لا حاجة لنا أن نعرف أن السماء أفضل من الأرض بكثير، فكيف نندب الذين رحلوا من هذا العالم إلي العالم الآخر؟!

لو كان زوجك سالكًا مثل أولئك الذين يعيشون في حياة مخجلة لا ترضى اللَّه، كان بالأولي لكِ أن تنوحي وتبكي، ليس فقط عند انتقاله، بل حتى أثناء وجوده حيًا هنا. لكن بقدر ما هو من أصدقاء اللَّه، يلزمنا أن نُسر به، ليس وهو حيّ هنا، بل وعندما يرقد مستريحًا أيضًا.

وإذ يلزمنا أن نفعل هذا، استمعي ما يقوله الرسول الطوباوي: “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا” (في 23:1)[20].

القديس يوحنا الذهبي الفم

فقال تلاميذه: يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى“. [12]

كثيرًا ما يكون النوم خاصة بعمقٍ بالنسبة للمريض إحدى علامات شفائه. لذلك إذ قال السيد أن لعازر قد نام رأى التلاميذ أنه لا ضرورة لذهاب السيد إلى اليهودية لشفائه، لأنه قد بدأ شفاؤه بنومه العميق. ولم يتصور التلاميذ كيف يسيروا مع يسوع المسيح رحلة تمتد إلى يومين أو ثلاثة أيام وإلى بلد مقاومٍ لهم لكي يوقظوا صديقًا من نومه.

وكان يسوع يقول عن موته،

وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم“. [13]

فقال لهم يسوع حينئذ علانية:

لعازر مات“. [14]

القديس يوحنا الذهبي الفم

وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا،

ولكن لنذهب إليه“. [15]

إذ مات لعازر وفقد الكل الرجاء في عودته للحياة تحرك الرب نحوهم ليعلن أنه رجاء من ليس له رجاء، ومعين من ليس له معين. حينما يقول البشر: “يبست عظامنا، وهلك رجاؤنا، قد انقطعنا” (حز ٣٧: ١١) يقول السيد الرب: “هأنذا أفتح قبوركم، وأصعدكم من قبوركم يا شعبي… فتعلمون أني أنا الرب عند فتحي قبوركم، واصعادي إياكم من قبوركم يا شعبي”.

القديس يوحنا الذهبي الفم

لم يقل “لنذهب إلى أختيه لتعزيتهما” بل “إليه“، فالموت لا يقدر أن يفصل السيد المسيح وكنيسته عن المنتقل، فيذهب الكل إليه بالحب ويلتقوا معه كعضوٍ حي في جسد المسيح. لم يقل “اذهب”، بل “لنذهبفيضم الكنيسة كلها معه للالتقاء مع الراقدين.

فقال توما الذي يقال له التوام للتلاميذ رفقائه:

لنذهب نحن أيضًا،

لكي نموت معه“. [16]

توما” تعني توأم، يُقال له باليونانية ديديموس Didymus وتعني “توأم”. أثار اخوته التلاميذ بقوله هذا. يصعب إدراك نيته، هل كان يتحدث بشجاعة، فلا يبالي بالموت، مفضلاً أن يذهبوا جميعًا ليتعرضوا مع يسوع المسيح للموت الذي ينتظره، وكأنه يقول مع راعوث: “حيثما مت أموت وهناك أدفن” (را ١: ١٨). مفضلاً أن يكون في رفقة المسيح وإن كانت تكلفة ذلك هو “الموت”، عن أن يحيا وليس في رفقة السيد المسيح. أم تحدث هكذا عن خوفٍ كما بنوع من الدعابة أو عن تبرمٍ.

القديس يوحنا الذهبي الفم

5. تحرك السيد نحو عائلة لعازر

فلما أتى يسوع وجد أنه قد صار له أربعة أيام في القبر“. [17]

يسجل لنا الإنجيليون الآخرون بعض الأحداث التي تمت خلال هذه الرحلة نحو بيت عنيا، مثل شفاء الأعمى عند أريحا، واللقاء مع زكا وقبوله الإيمان بالمسيح. مع محبة السيد المسيح للعازر وأختيه وذهابه ليقيمه من الأموات لم يتجاهل احتياجات الآخرين، إنما أينما وُجد يصنع خيرًا.

يرى القديس أغسطينوس أن الأربعة أيام التي عبرت بلعازر في القبر تشير إلى مراحل البشرية. اليوم الأول هو يوم سقوط آدم وحواء حيث ملك الموت على آدم وبنيه. واليوم الثاني يشير إلى الإنسان وقد كسر الناموس الطبيعي الشاهد لله. واليوم الثالث يشير إلى كسر الناموس الموسوي، وأخيرًا جاء اليوم الرابع حيث كُرز بالإنجيل، ووهب السيد المسيح الحياة الجديدة المقامة للموتى في الخطايا[24].

وُجد اعتقاد لدى اليهود أن النفس تحوم حول الجسد بعد الموت لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع تفارقه بلا أمل قط للعودة إلى الجثمان[25]. وكأنه في اليوم الرابع ينقطع كل أملٍ برجوع الإنسان إلى العالم مرة أخرى.

وكانت بيت عنيا قريبة من أورشليم نحو خمس عشرة غلوة“. [18]

صنع السيد المسيح معجزات لا حصر لها في الجليل، أما في أورشليم فمع كثرة معجزاته يختار الإنجيلي يوحنا معجزات لها مدلولها الخاص بالنسبة للشعب والقيادات مثل مفلوج بيت حسدا الذي عانى من الفالج ٣٨ سنة، وشفاء المولود أعمى، وإقامة لعازر في اليوم الرابع من موته.

كانت بيت عنيا على بعد حوالي ميلين من أورشليم، فالميل اليهودي يحوي سبع غلوات ونصف.

القديس يوحنا الذهبي الفم

وكان كثيرون من اليهود قد جاءوا إلى مـرثا ومريم ليعزوهما عن أخيهما“. [19]

كان الحزن عند اليهود يستمر لمدة حوالي شهر، يدعون الثلاثة أيام الأولى “أيام الحزن“، يليها سبعة أيام تُدعى “أيام المراثي“. في فترة الحزن لا يعمل أهل الميت شيئًا، وإن حياهم أحد فلا يردون السلام عليه. أما في أيام المراثي فلا يمارسون أعمالاً إلاَّ ما هو خاص: ينامون في فراش على الأرض، ولا يرتدون نعالهم، ولا يغتسلون أو يدهنون أنفسهم، يغطون رؤوسهم ولا يقرأون في الشريعة أو المشناه Mishnah أو التلمود Talmud. وفي بقية الثلاثين يومًا لا يحلقون شعرهم ولا يرتدون ثوبًا أبيض أو ثوبًا جديدًا، ولا يخيطون أي تمزيق يحدث في الثياب أثناء الجنازة[27].

جاء ت كلمة “اليهود” في هذه السفر لتعني المقاومين للسيد المسيح، لذلك يرى البعض أن هؤلاء مع مقاومتهم للسيد شعروا بفداحة الكارثة فجاءوا إلى مرثا ومريم لا كزيارات عابرة بل للإقامة يومين أو ثلاثة مع أهل المنتقل في البيت، خاصة إن كان المنتقل هو رب البيت.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فلما سمعت مرثا أن يسوع آت لاقته،

وأما مريم فاستمرت جالسة في البيت“. [20]

يبدو أن مرثا كانت تترقب مجيئه بكل غيرة، وتطلب ذلك ليهبها هي وأختها تعزية. وإذ سمعت أنه في الطريق إلى البيت تركت كل مراسيم الجنازات وتقاليدها، وتركت المعزين القادمين لزيارتها، وأسرعت لتلتقي بيسوع. تركت البيت وأيضًا القرية والتقت به في خارج القرية. أما مريم فبقت في البيت، ربما بسبب شدة حزنها الذي أفقدها القدرة على سرعة الحركة، أو لأنها لم تكن قد سمعت عن مجيئه.

يرى البعض أن مرثا هي الأكبر سنًا وهي التي كانت تدير شئون البيت (لو ١٠: ٤٠).

ألا ترون كيف كان حبها ملتهبًا؟

هذه هي مريم التي قال عنها: “مريم اختارت النصيب الصالح” (لو ١٠: ٤٢).

قد يقول أحد: “كيف ظهرت مرثا أكثر غيرة منها؟” لم تكن أكثر غيرة منها، إنما ظهرت هكذا لأن مريم لم تكن بعد قد علمت بمجيئه؛ مرثا كانت أضعف منها. فإنها حتى عندما سمعت مثل هذه الأمور من المسيح تحدثت بطريقة كمن يحبو: “لقد أنتن لأن له أربعة أيام” [٣٩[. أما مريم وهي لم تسمع شيئًا لم تقل هكذا، وإنما في الحال آمنت[28].

القديس يوحنا الذهبي الفم

فقالت مرثا ليسوع:

يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي“. [21]

وهي نفس الكلمات التي قالتها أختها فيما بعد [٣٢]، مما يكشف أنهما لم يكونا بعد يدركا شخص السيد المسيح كما ينبغي، أنه حاضر في كل مكان. لقد حملت إيمانًا أنه كان قادرًا بحضوره أن يمنع الموت من الاقتراب نحو أخيها، كما آمنت بحنوه وترفقه. كان إيمانها كالقصبة المرضوضة التي لن يقصفها يسوع المسيح، بل يسدنها ويدعمها.

لكني الآن أيضًا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه“. [22]

عادت مرثا تلوم نفسها وتصحح حديثها مع السيد المسيح، فإنها تؤمن بأنه حتى بعد موت أخيها إن طلب السيد من الله (الآب) شيئًا، أي إقامته، فسينال طلبته. لم تجسر وتقول أن يقيم أخاها، لكنها طلبت ذلك بطريق غير مباشر، وتركت له أن يحكم في الأمر، إن كان يقيم لعازر أم لا.

آمنت أنه إن طلب من الله شيئًا يعطيه إياه، ولم تدرك أنه هو الحياة، له الحياة في ذاته، وأن ما يفعله إنما بقوته، لأنه واحد مع الآب.

القديس يوحنا الذهبي الفم

قال لها يسوع:

سيقوم أخوكِ“. [23]

جاءت إجابة السيد المسيح لسؤال مرثا المملوء تواضعًا والمثير للشفقة: “سيقوم أخوكِ” [23].

القديس يوحنا الذهبي الفم

قالت له مرثا:

أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير“. [24]

كان موضوع القيامة من الأموات قد استقر تمامًا في أذهان اليهود، ماعدا عند الصدوقيين الذين يرفضونه. وقد جاءت الأسفار التي بعد السبي تفيض بالأحاديث عنها (٢ مك ٧: ٩، ١٤، ٢٣، ٣٦؛ ١٢: ٤٣؛ ١٤: ٤٦؛ حك ٥: ١–٧، ١٧؛ ٦: ٦، ٧)، كما جاءت الكتابات اليهودية مثل يوسيفوس المؤرخ والترجوم تتحدث عنها.

قال لها يسوع:

أنا هو القيامة والحياة،

من آمن بي ولو مات فسيحيا“. [25]

القديس يوحنا الذهبي الفم

وكل من كان حيًا وآمن بي،

 فلن يموت إلى الأبد،

أتؤمنين بهذا؟” [26]

كأنه يقول لها: “أنتِ تقولين أن أخاك سيقوم في يوم الدينونة، من الذي يقيمه غيري أنا واهب القيامة ومصدر الحياة؟ وإن كان في سلطاني أن أقيمه في اليوم الأخير فهل يصعب عليّ أن أقيمه الآن؟” هكذا فتح الرب باب الرجاء أمامها، وسند إيمانها وكشف لها عن شخصه أنه ليس مجرد إنسان، بل هو واهب الحياة والوجود.

كل من يؤمن وإن مات حسب الجسد فسيقوم ويتمتع بكليته بالشركة في المجد. إنه لا يعود يموت بعد موت الجسد، إنما يعود بعودة الجسد ممجدًا مع النفس ليمارس المؤمن الحياة المقامة أبديًا. إنه لم يقل أن المؤمن لن يعبر من البوابة التي ندعوها الموت، بل بالأحرى الحياة التي يهبها تستمر خلال الموت. لا يقدر الموت أن يمحو الحياة التي يهبنا إياها السيد المسيح.

القديس يوحنا الذهبي الفم

سألها السيد المسيح: “أتؤمنين بهذا؟” وكأنه يطالبها بالإيمان الذي يتحدى الطبيعة والموت؛ وجاءت إجابتها في ثباتٍ وحزم بلا تردد، تحمل اليقين.

قالت له: نعم يا سيد (رب

أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم“. [27]

قدمت مرثا قانون إيمانها بكل إخلاص: “أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم” [27]. وهو ذات قانون الإيمان الذي نطق به بطرس الرسول وامتدحه السيد (مت ١٦: ١٦–١٧). جاء قانون إيمانها يحوي ثلاثة بنود رئيسية:

   يسوع هو المسيح، أو المسيا الذي انتظره الآباء والأنبياء. كان كثير من يهود القرن الأول يترقبون مجيئه بشوقٍ عظيم.

   أنه ابن الله بالطبيعة (مز ٢: ٧).

   جاء إلى العالم ليقيم منه كنيسته المقدسة، ليس من اليهود وحدهم بل من العالم.

إن كان هو المسيا مخلص العالم، ابن الله بالطبيعة وقد نزل إلى العالم ليقيمه فهو حتمًا الحياة والقيامة.

القديس يوحنا الذهبي الفم

 

ولما قالت هذا مضت ودعت مريم أختها سرًا قائلة:

المعلم قد حضر،

وهو يدعوكِ”. [28]

لم تنتظر مرثا كلمة مديح من أجل إيمانها، لكنها أدركت خلال هذا اللقاء مفاهيم جديدة، وتمتعت بخبرات جديدة في فترة قصيرة، مضت ودعت أختها مريم لتتمتع هي أيضًا معها بما نالته. هذا وقد سأل السيد عن مريم لأنها لم تأتِ مع أختها. دعتها سرًا لأنه كان حولها كثيرون من المعزين، ولعل بعض المعزين – سواء كانوا رجالاً أو نساءً – ضد يسوع، لا يطيقونه. خشت مرثا لئلا تثير الدعوة اضطرابًا يعوق مريم عن الانطلاق سريعًا لتلتقي بيسوع وتتمتع بتعزياته.

نلاحظ في حديثها السري مع أختها عن مجيء السيد الآتي:

أولاً: دعته “المعلم Didaskalos“، لا تقوم تعزياته على عواطف مجردة، وإنما مع الحب والحنو يقدم حقائق إيمانية فريدة، قادر أن يجتذب تلاميذه المحبوبين لديه وأصدقاءه إلى التعزيات الإلهية.

ثانيا: قد حضر” ذاك الذي طال انتظارنا لمجيئه، ونترجى الكثير من وجوده.

ثالثًا:وهو يدعوك“، فقد سأل عنك بالاسم، لأنه يهتم بكِ، ويطلب سلامكِ وتعزية قلبكِ.

أما تلك فلما سمعت قامت سريعًا،

وجاءت إليه“. [29]

إذ سمعت دعوة السيد المسيح على فم أختها “قامت سريعًا، وجاءت إليه“. وقد علق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذا التصرف النبيل، حاسبًا إياها أنها سلكت بالفلسفة الحقيقية، أي بالحكمة التي لا تطلب الأمور التافهة غير النافعة بل ما هو بالحق لخيرها، وقد نالت بسبب حكمتها. من يتصور سيدة مات أخوها منذ أربعة أيام ومعزون كثيرون حولها يبكين وينحن معها، وإذ تسمع عن يسوع لا تنتظر حضوره إليها ليعزيها، بل تنطلق إليه إلى خارج قريتها والنساء حولها يحسبن إياها أنها ذاهبة إلى القبر تبكي!

ما أحوجنا في وسط دموعنا وتجاربنا ألا نركز أنظارنا على المرارة، ولا نعطي اعتبارًا للمعزين المتعبين العاجزين عن تقديم السلام الحقيقي، بل تنطلق أعماقنا نحو ذاك الذي هو قادم إلينا ليفيض بتعزياته السماوية فينا! لنخرج بالحق من كل شكليات وليرتفع قلبنا بروح الله القدوس إلى السيد المسيح فهو وحده طبيب النفوس والأجساد، وواهب الحياة والقيامة، الإله القدير وحده الذي يبادر دومًا بالحب.

ما أحوج النفس وسط وادي الدموع هذا أن تترك كل ما يحطمها من متاعب، وتتجاهل كل تعليق بشري، لتنسحب بالرجاء نحو ذاك الذي وحده قادر أن يشكلها بروحه القدوس ويشبعها ويقيمها معه في مجده أبديًا!

الانشغال المستمر بأحزاننا يسبب لنا كآبة أكثر مرارة من الأحزان نفسها، أما اللقاء مع السيد المسيح، فيهب بهجة الحياة المقامة وتهليلها الدائم.

القديس يوحنا الذهبي الفم

ولم يكن يسوع قد جاء إلى القرية،

بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرثا“. [30]

بحكمة إلهية كان السيد يتحرك ببطءٍ شديدٍ حتى يعطي مرثا الفرصة لتسرع بدعوة أختها، ويهب مريم فرصة الإسراع نحوه، فينطلق معهما إلى القبر، ويحول أحزانهما إلى أفراح فائقة. هكذا كثيرًا ما يبدو الرب متباطئًا في حلّ مشاكلنا مع أنه يطلب سعادتنا، حتى يهبنا فرصة الالتجاء إليه، والتعبير عما في داخلنا من إيمان حي ورجاء ثابت، فنسرع إليه لندرك خطته الإلهية الخفية والفائقة من نحونا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

ثم أن اليهود الذين كانوا معها في البيت يعزونها،

لما رأوا مريم قامت عاجلاً وخرجت،

تبعوها قائلين:

إنها تذهب إلى القبر لتبكي هناك“. [31]

بينما دعت مرثا أختها سرًا، وقدمت لها دعوة السيد لها [٢٨]، فسحبتها من وسط بكائها ومن وسط المعزين لتجري نحوه، إذا مريم بتحركها الصامت سحبت كل من كان معها في بيتها وهم لا يدرون إلى أين يذهبون. حبها العملي للمخلص جذب الكثيرين ليروا ويلمسوا ذاك الذي يقيم من الأموات.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فمريم لما أتت إلى حيث كان يسوع ورأته،

خرت عند رجليه، قائلة له:

يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي“. [32]

لم يدخل السيد المسيح القرية ولا بيت لعازر وأختيه، وإنما التقى بالأختين ثم ذهب ومعه الجمع إلى القبر. إنه محب لعمله، قد جاء لينطلق إلى القبر، ويتمم عمله بلا تأخير.

القديس يوحنا الذهبي الفم

6. إقامة لعازر من الأموات

فلما رآها يسوع تبكي،

واليهود الذين جاءوا معها يبكون،

انزعج بالروح واضطرب“. [33]

هنا يظهر السيد المسيح أنه قد صار بالحقيقة إنسانًا يحمل مشاعر إنسانية، يشارك المتألمين، ويبكي مع الباكين. إنه رجل أحزان (إش ٥٣: ٣). لم يوجد قط ضاحكًا، لكنه في أكثر من موضع وًجد باكيًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

يسوع جاع، هذا حقيقي، إنما لأنه أراد.

كان حزينًا، هذه حقيقة، لكن لأنه أراد. في سلطانه أن يكون هكذا أو كذلك، يتأثر أو لا يتأثر. لأن الكلمة أخذ نفسًا وجسدًا حاملاً فيه نفس الطبيعة البشرية واحدًا مع الكلمة، المسيح الواحد. بهذا الكلمة الذي له سلطان فائق يستخدم الضعف رهن إشارة إرادته، وبهذا فقد “انزعج[39].

القديس أغسطينوس

وقال: أين وضعتموه؟

قالوا له: يا سيد تعال وانظر“. [34]

القديس يوحنا الذهبي الفم

عند موتك يرى دموع الكثيرين فيقول: “أين وضعتموه؟” بمعنى في أية حال من الجريمة هو؟

في أية رتبة بين النادمين؟

أريد أن أرى من تبكون عليه، لكي ما يحركني بدموعه. سأرى إن كان قد مات فعلاً بالخطية فأعالجه بالمغفرة.

يقول له الشعب: “تعال وأنظر“.

ما معنى “تعال”؟ لتأتِ مغفرة الخطايا، ولتأتِ الحياة إلى من رحل، والقيامة من الأموات، ليأتِ ملكوتك لهذا الخاطئ أيضًا[40].

القديس أمبروسيوس

القديس أغسطينوس

بكى يسوع“. [35]

جاء الفعل “بكي” هنا في اليونانية مختلفًا عما ورد عن بكاء مريم وجمهور المحيطين بها [٣٣]، إذ لا يحمل العويل المرتفع مثلهم، بل انسياب الدموع من عينيه. إنها مجرد شهادة عملية لمشاعره العميقة ومشاركته للمتألمين أمام الجموع التي لم تدرك بعد كيف تواجه الموت. وقد وجدت الجموع في هذه الدموع شهادة حية عن محبته للعازر [٣٦].

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن كل ما صنعه السيد المسيح كان بحكمته الإلهية لكي تنتفع الجموع بصنع المعجزة، فمن جانب لم يتحدث مع مريم أمام الجموع بما قاله لمرثا حين التقت به منفردة. فقد تحدث عن إقامة لعازر. فلو سمعت الجموع ذلك حيث يحمل كثيرون له عداوة، لتركوه ورجعوا إلى أورشليم، ولم يروا إقامة لعازر. من جانب آخر أكد ناسوته في تلك اللحظات، حتى لا تنفر الجموع إن تحدث عما يخص لاهوته.

بكى في صمت، واضطرب ثم تنهد كمن يكبح اضطرابه، وسأل عن موضع القبر… كل هذا أثار تساؤلات في أذهان اليهود، ورغبة في معرفة ما سيفعله دون نفورٍ من جانبهم.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

القديس جيروم

فقال اليهود:

أنظروا كيف كان يحبه“. [36]

إذ رأى اليهود دموع السيد قالوا: “انظروا كيف كان يحبه” [36]، ونحن إذ نرى دمه يتساقط من جسمه على الصليب نسبحه قائلين: “انظروا كيف يحبنا!”

القديس يوحنا الذهبي الفم

وقال بعض منهم:

ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضًا لا يموت؟” [37]

في جهالة ظنوا دموع السيد المسيح علامة عجز وعدم قدرة على العمل، ولم يدركوا أنها دموع الحب والحنو، وأنه ليس فقط كان قادرًا أن يشفيه وإنما لا يزال قادرًا أن يقيمه حتى بعد أن أنتن جسمه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فانزعج يسوع أيضًا في نفسه،

وجاء إلى القبر،

وكان مغارة،

وقد وُضع عليه حجر“. [38]

لا يفهم من انزعاج يسوع في نفسه فقدان سلامه الداخلي، لكنه كما أخلى ذاته ليحل بيننا كإنسانٍ حقيقيٍ كاملٍ، سمح بإرادته أن يدخل الانزعاج إلى نفسه حتى يشارك المنزعجين، فيحملهم إلى سلامه الإلهي.

قال يسوع:

ارفعوا الحجر.

قالت له مرثا أخت الميت:

يا سيد قد أنتن،

 لأن له أربعة أيام“. [39]

أمر برفع الحجر حتى يرى كل الواقفين أن الجسد ملقى في القبر ميتًا، كما يشتمون الرائحة، فيتأكدون أنه أنتن، وعند خروجه من القبر لا يظنوا أنه خيال بل هو جسد حقيقي.

جاء اعتراض مرثا غالبًا بعد أن بدأوا يحركون الحجر فاشتمت الرائحة.

ذاك الذي له القوة بصوته أن يجعل من هو مربوط وملفوف بالأكفان يمشي هل كثير عليه أن يجعل الحجر يتحرك؟

فلماذا لم يفعل ذلك؟

لكي يجعل منهم شهودًا للمعجزة، فلا يقولون كما قالوا في معجزة الأعمى: “إنه هو”، “إنه ليس هو”. فإن أياديهم ومجيئهم إلى القبر تشهد بالحق أنه هو.

لو لم يأتوا لبدا لهم أنهم نظروا رؤية أو أنه شخص عوض آخر.

الآن مجيئهم إلى الموضع ورفع الحجر والأمر بحل الميت الذي في الأكفان المربوطة، فإن الأحباء الذين حملوه إلى القبر يعرفون من الأكفان من هو. لم تترك أختاه خلفًا (من الجموع) إذ قالت إحداهما: “قد أنتن لأن له أربعة أيام” [٣٩]. أقول أن كل هذه كانت كافية لتبكم أصحاب الميول الشريرة، إذ صاروا شهودًا للمعجزة[47].

القديس يوحنا الذهبي الفم

كان يمكنه أن يحرك الحجر بكلمة أمره، لأنه حتى الطبيعة الجامدة تود أن تطيع أمر المسيح.

كان يمكنه بقوة عمله الصامت أن يحرك حجر القبر. هذا الذي أثناء آلامه تحركت حجارة كثيرة من قبور الأموات وانفتحت فجأة.

لكنه أمر الرجال أن يرفعوا الحجر بالحق حتى يؤمن غير المؤمنين بما يرونه، وينظرون الميت يقوم.

لكن هذا يحمل رمزًا ليهبنا قوة تخفيف ثقل الخطايا، الضغط الثقيل الذي على المجرم. من جانبنا نحرك الأثقال، ومن جانبه يقيم ويخرج من القبور أولئك الذين يتحررون من أربطتهم[48].

القديس أمبروسيوس

المرحلة الأولى: هي كما لو كانت إثارة اللذة التي في القلب.

والثانية: هي قبولها.

والثالثة: هي تحولها إلى عمل.

والرابعة: تحولها إلى عادة.

يوجد من يلقون عنهم الأمور الشريرة عن أفكارهم كأنهم لا يجدون فيها لذة.

ويوجد من يجدون فيها لذة، ولكنهم لا يوافقونها. هنا لا يكمل الموت لكن يحمل بداية معينة، فقد أضيف إلى الشعور باللذة موافقة. في الحال تحدث إدانة للشخص.

بعد الموافقة يحدث تقدم للموافقة إذ تتحول إلى عملٍ ظاهرٍ.

والعمل يتحول إلى عادة. فيحدث نوع من اليأس، حتى يُقال: “قد أنتن لأن له أربعة أيام “. لذلك جاء الرب هذا الذي كل الأمور بالنسبة له سهلة. ومع هذا فوجد في هذه الحالة كما لو كانت هناك صعوبة. لقد اضطرب بالروح، وأظهر الحاجة إلى احتجاج كثير وعال ليقيم الذين تقسوا بالعادة. ولكن عند صرخة الرب تفجرت أربطة الضرورة. ارتعبت قوات الجحيم، وعاد لعازر حيًا. فإن الرب ينقذ حتى من العادات الشريرة هذا الذي له أربعة أيام ميتًا فإنه بالنسبة للرب وحده يُحسب راقدًا هذا الذي يريد الرب أن يقيمه[49].

القديس أغسطينوس

القديس جيروم

يرى العلامة أوريجينوس أنه إذ أصدر السيد المسيح أمره “ارفعوا الحجر” أعاقت مرثا تنفيذ الأمر بكلماتها: “يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام” [٣٩]، بعد ذلك رفعوه.

هذه اللحظات ما بين الأمر وتأخير تنفيذ تحمل نوعًا من عدم الإيمان، فلم يتحقق القول: “إن آمنتِ ترين المجد الله” [٤٠]. لحظات التأخير هي لحظات عدم إيمان وعصيان.

العلامة أوريجينوس

القديس أغسطينوس

قال لها يسوع:

ألم أقل لكِ إن آمنت ترين مجد الله؟” [40]

بالإيمان يستطيع الناس أن يمارسوا أعمال الله باسمه. حسنًا يقول المسيح: “لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك، فينتقل” (مت ١٧: ٢٠). مرة أخرى: “من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها” (يو ١٤: ١٢). ماذا يعني بالأعظم منها؟ تلك التي شوهد التلاميذ يعملونها. فإنه حتى ظل بطرس أقام ميتًا، وهكذا ظهرت بالأكثر قوة المسيح. فإنه ليس عجيبًا أنه وهو حي صنع عجائب مثلما بعد موته يستطيع آخرون أن يصنعوا باسمه أعمالاً أعظم مما فعل. هذا برهان عن القيامة لا يُقاوم، فإنه حتى وإن شاهد الكل القيامة كانوا يؤمنون بها هكذا. لأنه يمكن للناس أن يقولوا إنها ظهور، أما من يرى حدوث عجائب بمجرد دعوة اسمه أعظم مما فعله حين كان بين البشر، فإنه لا يقدر أحد ألا يؤمن إلاَّ إذا كان عديم الحس.

إذن الإيمان بركة عظيمة عندما يصدر عن مشاعر وهَّاجة وحب عظيم ونفس متقدة.

بالحق يجعلنا الإيمان حكماء، ويخفي انحطاطنا البشري، ويلقي بالحجج إلى أسفل ويفلسف (يعطي حكمة) بخصوص السماويات، أو بالأحرى الأمور التي لا تستطيع حكمة البشر أن تكشفها. إنها تدركها بفيضٍ وتنجح فيها.

لنلتصق إذن بالإيمان، ولا نعتمد على الحجج الصادرة عنا[53].

القديس يوحنا الذهبي الفم

فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعًا

ورفع يسوع عينيه إلى فوق، وقال:

أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي“. [41]

إنها لحظات رهيبة حيث رُفع الحجر فظهر الجسد، وقد فاحت رائحة النتن العنيف، بينما وقف السيد المسيح يخاطب الآب، شاكرًا له أنه استمع له. إنه من جهة يؤكد علاقته بالآب حتى يطمئن الحاضرون أنه سماوي وليس كما ادعى بعض القادة أنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين. ومن جانب آخر لكي يكون قدوة لنا.

فلم يكن يتحدث بالأولى بطريقة عامة، لئلا تسبب دمارًا لمن يأتون بعده، ومن الجانب الآخر فلا يمتنع عنها تمامًا، لئلا يتعثر الذين كانوا في ذلك الوقت. فالذين يعبرون من الانحطاط إلى الكمال يستطيعون بتعليمٍ سامٍ منفرد أن يبلغوا إلى كل التعليم، وأما أصحاب الفكر الضعيف فإنهم ما لم يسمعوا دومًا أقوالاً في مستوى ضعيف لا يأتون إليه نهائيًا.

في الواقع بعد أقوال كثيرة مثل هذه (علوية) كانوا يريدون أن يرجمونه ويضطهدونه ويحاولون قتله ويعتبرونه مجدفًا… فعندما جعل نفسه مساويًا لله؛ قالوا: “هذا الإنسان يجدف” (مت ٩: ٣). وعندما قال: “مغفورة لك خطاياك” (يو ١٠: ٢٠) دعوه شيطانًا. وعندما قال أن من يسمع كلماته يصير أقوى من الموت، أو “أنا في الآب والآب فيَّ” (يو ٨: ٥١) تركوه. مرة أخرى قاوموه حين قال إنه نزل من السماء (يو ٦: ٣٣، ٦٠).

الآن إذ لم يستطيعوا أن يحتملوا مثل هذه المقولات، مع أنه نطق بها نادرًا جدًا وبالجهد فلو أن كل محادثاته كانت مشحونة دومًا بالأمور العلوية، من هذا النسيج، فهل كانوا يلتفتون إليه؟

لذلك كان يقول: “كما أوصاني الآب أتكلم” (يو ١٣: ٣١)؛ “لم آتِ من نفسي” (يو ٧: ٣٨)، عندئذ كانوا يؤمنون.

واضح أنهم آمنوا مما أشار إليه الإنجيلي قائلاً: “إذ قال هذه الكلمات آمن به كثيرون” (يو ٥: ٣٠). فإن كانت الأقوال التي تحمل تواضعًا تجتذب الناس إلى الإيمان، والكلمات العلوية تفزعهم، لذلك نطق بالكلمات المتواضعة من أجل السامعين[54].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس جيروم

          القديس أمبروسيوس

العلامة أوريجينوس

وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي،

ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني“. [42]

هنا يوضح أن العلاقة بين الآب والابن لا تستلزم مثل هذه الصلاة، لكن من أجل الحاضرين لكي يثقوا أنه على علاقة بالسماء.

القديس أمبروسيوس

أليق ما يُقال إن أولئك عملوا المعجزات بالصلاة، لكنهم في أكثر أوقاتهم عملوا الآيات بدون صلاة، لما دعوا باسم يسوع فقط. فإن كان اسمه قد حمل قوة هذا مقدارها، فلو احتاج هو إلى صلاة، لما كان اسمه اقتدر على شيء، وحين خلق الإنسان إلى أية صلاة احتاج؟

أما عن معادلته لأبيه في الكرامة فتظهر في مواضعٍ كثيرة، لأنه قال: “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا” (تك 1: 26)… وما الذي يكون أضعف منه إن احتاج إلى صلاة؟

فلننظر ما هي صلاته؟ قال: “أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي“، ومن الذي صلى في وقت من الأوقات بهذه الصلاة؟ فقبل أن يقول شيئًا قال “أشكرك“، فقد أوضح أنه لا يحتاج إلى صلاة، وقوله: “لأنك سمعت لي يوضح أنه ليس فاقدًا سلطانه، ولكن أظهر أنه مالك إرادة واحدة مع أبيه.

فإن قلت: لِم اتخذ شكل صلاة؟ قلت لك: لا تسمع الجواب مني لكن منه، القائل: “ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني“، فقد وضع السبب الصادق لصلاته، لكي لا يظنوا أنه ضد الله، ولا يقولوا إنه ليس من الله[59].

القديس يوحنا الذهبي الفم

ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم:

لعازر هلم خارجًا“. [43]

كان يمكنه أن يقيم حبيبه لعازر بكلمة هامسة أو في صمت، لكنه صرخ بصوتٍ عظيم مناديًا حبيبه: “لعازر هلم خارجًا“. ذلك لكي يتأكد الحاضرون أنه أقامه بسلطانه الشخصي، لم يستخدم اسم آخر، إنما يأمر فيقوم الميت. ولعله صرخ بصوت عظيم ليدرك الحاضرون أن نفس لعازر لم تكن داخل القبر، بل يناديها السيد لتخرج من الجحيم، كما من مكانٍ بعيدٍ. أيضًا لكي يدرك الحاضرون أنه ذاك الذي قال بإشعياء النبي: “أنا الرب وليس آخر، لم أتكلم بالخفاء في مكان من الأرض مظلم” (إش ٤٥: ١٥: ١٦).

تكلم لكي ندرك أنه ذاك الذي في مجيئه الأخير يتكلم، فيسمع الأموات صوته ويحيون (يو ٥: ٢٥).

ناداه باسمه “لعازر” كمن يقيمه من نومٍ عميقٍ. يقول الله لموسى أنه يعرفه باسمه كعلامة اهتمامه به شخصيًا. لم يقل له “قم” بل “هلم خارجًا“، فحضرة المسيح واهب الحياة قدمت له الحياة، إنما صدر الأمر ليتحرك.

          القديس أمبروسيوس

وإن كان قد فعل هذا بغير قوته، ماذا يكون له أكثر مما للرسل الذين قالوا: “لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي؟” (أع ٣: ١٢)

لو أنه لم يعمل بقوته ولم يضف ما قاله الرسل عن أنفسهم لكانوا هم بالحقيقة حكماء أكثر منه، إذ يرفضون المجد. وفي موضع آخر يقولون لماذا يفعلون هذا؟ “نحن أيضًا بشر تحت الآلام مثلكم” (أع ١٤: ١٥). إذ لم يفعل الرسل شيئًا من أنفسهم لذلك تكلموا بهذه الطريقة، لكي يحثوا الناس على ذلك، أما بالنسبة له فعندما وُجدت مثل هذه الفكرة عنه، أما كان يجب عليه أن ينزع هذه الشكوك، لو أنه لم يفعل هذه بسلطانه؟

وإنما بالحقيقة فعل المسيح عكس ذلك عندما قال: “لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا” [٤٢]، لكي يؤمنوا أنه لا حاجة أن أصلي (أطلب)[62].

القديس يوحنا الذهبي الفم

من يعترف يخرج خارجًا.

هلم خارجًا“؛ ما كان يمكنه فعل ذلك لو لم يكن حيًا، وما كان يمكنه أن يكون حيًا لو لم يقم مرة أخرى. لهذا ففي الاعتراف إذ يفهم الإنسان نفسه يمجد الله[63].

القديس أغسطينوس

ولكن ما نقص عند الميت وُجد عند أختيه الحقيقيتين، فعندما أتى الرب سجدت الأخت أمامه. وعندما قال: “أين وضعتوه؟” أجابته: “يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام“. فأجابها: “إن أمنتِ ترين مجد اللٌه” فكأنه يقول لها: ليكن عندك الإيمان الذي يقيم جثة الميت.

كان لإيمان الأختين قوة عظيمة هكذا حتى أعاد الميت من أبواب الجحيم!

إن كان للبشر بالإيمان، واحد لحساب الآخر، يمكن أن يقوم الميت، أما يكون النفع أعظم إن كان لك إيمان خالص لأجل نفسك؟!

بلى، حتى وإن كنت غير مؤمن أو قليل الإيمان فإن اللٌه محب البشر يتعطف عليك عند توبتك.

فمن جانبك، يليق بك أن تقول بذهن أمين: “اؤمن يا سيد، فأعن عدم إيماني” (مر 24:9). فإنك محتاج أن تقول مثل الرسول: “يا رب زد إيماننا[65]“. فإذ لك نصيب من جانبك، تتقبل النصيب الأعظم من اللٌه[66].

القديس كيرلس الأورشليمي

القديس جيروم

القديس أمبروسيوس

فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة،

ووجهه ملفوف بمنديل،

فقال لهم يسوع:

حلوه، ودعوه يذهب“. [44]

كيف خرج لعازر وهو مربوط اليدين والرجلين؛ إنه خرج كمن يحبو أو يعرج، وكان محتاجًا إلى من يحل رباطات الأكفان من جسمه.

بلا شك أن إقامة لعازر من الأموات أحدثت ضجة عظيمة في كل أورشليم التي جاء إليها كثيرون للاستعداد لعيد الفصح. انه ليس بالحدث الطبيعي، ولا بالمعجزة التي سبق أن شاهدها أحد، خاصة بعد أن اشتموا رائحة الفساد التي حلت بالجثمان.

القديس يوحنا الذهبي الفم

يلزمنا أن ندرك أنه يوجد لعازر كثيرون حتى الآن بعد أن صاروا أصدقاء يسوع، مرضوا وماتوا، وكموتى صاروا في القبر في أرض الأموات مع الموتى، ومؤخرًا صاروا أحياء بصلاة يسوع، ودعوا ليخرجوا من القبر إلى الخارج بصوت يسوع العالي.

من يثق في يسوع يخرج بالأربطة الخاصة بالموت من خطاياه السالفة، لكنه لا يزال مربوطًا حول وجهه، فلا يقدر أن يرى، ولا أن يمشى، ولا أن يفعل شيئًا ما بسبب أربطة الموت، حتى يأمر يسوع القادرين لكل يحلوه ويدعوه يمشي.[70]

مثل هذا الإنسان بسبب الموت الذي فيه ملتصقًا بأربطة يديه وقدميه تغطى وجهه بالجهالة، وارتبط به حوله.

لهذا فإن يسوع لا يرغب فيه أن يعيش فحسب ويبقى في القبر ويكون مربوطًا عن أمور الحياة التي في خارج القبر… لذلك يقول يسوع للقادرين أن يخدموه: “حلوه ودعوه يمشي” [٤٤[71].]

العلامة أوريجينوس

7. أثر إقامة لعازر

فكثيرون من اليهود الذين جاءوا إلى مريم،

ونظروا ما فعل يسوع،

آمنوا به“. [45]

         كثير من أصدقاء مريم اليهود آمنوا به [45]، أكثرهم كانوا قد جاءوا من أورشليم، أقرب مدينة إلى قرية عنيا، وقد عُرف شعب أورشليم بمقاومته للسيد المسيح. بينما قدم البعض تقريرًا عما حدث للفريسيين [46]، الذين استدعوا مجمع السنهدرين للانعقاد [47]، وخططوا لقتل يسوع [48-57]. لقد تنبأ قيافا رئيس الكهنة أنه ينبغي أن يموت واحد عن الشعب كله [49-52].

ثمر هذا العمل العجيب كالعادة يقدم رائحة حياة لحياة، ورائحة موت لموتٍ. كثيرون إذ نظروا ما صنع يسوع آمنوا به، بينما آخرون ذهبوا إلى رؤساء الكهنة والفريسيين، إما ليثيروهم أو ليقدموا شهادة عما حدث أو ليدعوهم للإيمان. وكان موقف رؤساء الكهنة والفريسيين مقاومًا للسيد المسيح.

شعرت المجموعة الأولى من المعزين أنه لا حاجة لاستشارة رؤساء الكهنة والفريسيين، وأنه يجب الكف عن مقاومة الحق الإلهي. صارت زيارة بيت الحزن علة تحولهم إلى الإيمان الحقيقي. وتحققوا من قول الحكيم أن الذهاب إلى بيت النوح أفضل من الذهاب إلى بيت الوليمة (جا ٧: ٢). هؤلاء جاءوا بنيةٍ صادقةٍ لتعزية مريم ومرثا، فخرجوا متعزين بعمل الله والإيمان بالسيد المسيح واهب القيامة. فإن من يروي يُروى (أم ١١: ٢٥). لهذا وجب ألاَّ يكف أحد عن عمل الخير ما دام في استطاعته (أم ٣: ٢٧).

لماذا قال: “جاءوا إلى مريم” ولم يقل إلى “مرثا” أيضًا؟ ربما كانت مريم أكثر شهرة في أورشليم عن مرثا، فجاءت الأغلبية لتعزية مريم. هذا ويرى البعض أن مرثا تميل إلى العمل والحركة بينما مريم تميل إلى الجلسات الهادئة (لو ١٠: ٣٨–٤٠). والذي يميل إلى العمل لا يجد وقتًا حتى للقاء مع المعزين، أما الذي يميل إلى الهدوء فيود أن يجلس مع المعزين.

وأما قوم منهم فمضوا إلى الفريسيين،

وقالوا لهم عما فعل يسوع“. [46]

تمثل هذه الجماعة الشكليين في العبادة، فالحق واضح، والعمل الإلهي ملموس، لكنهم وهم يعلمون مقاومة القيادات له ذهبوا يخبرونهم.

فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعًا وقالوا:

ماذا نصنع، فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة“. [47]

لما كانت المعجزة تصرخ بالحق الذي لا يمكن مقاومته ولا إنكاره عقد رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعًا. أدركوا أن قرارات السنهدرين لن تجدي. فالشعب التف حوله وصار الخطر يمس حياة الأمة كلها وسلامها. لم يُعقد المجمع للاستشارة أو إصدار قرارات للشعب، إنما للتحرك العملي للخلاص من يسوع.

ألبسوا القضية جانبًا سياسيًا خطيرًا في تحليلٍ للموقف مغالط للحقيقة، وهو أن يسوع هذا لا يكف عن عمل آيات كثيرة وفريدة مثل شفاء المولود أعمى وإقامة لعازر من الأموات، الأمر الذي حول الجميع إليه، يؤمنون به ويقيمونه ملكًا، بكونه المسيا المنتظر الذي يقيم خيمة داود الساقطة. بهذا يفقد مجمع السنهدرين سلطانه، ويفقد القادة الدينيون سلطانهم. وإذ يشعر الرومان بإقامة ملك لليهود يدخلون بجيش، ويستولون على أورشليم ويهدمون الهيكل، ولا يوجد من يقاوم أو يعارض. هكذا يحتل الرومان الموضع سياسيًا ودينيًا.

انظر ماذا فعل اليهود، وقد كان واجبًا أن يُذهلوا ويتعجبوا من قيامة لعازر، إلا أنهم أرادوا أن يقتلوا من أقام ميتًا.

يا لغباوتهم إذ ظنوا أن يدفعوا إلى الموت من قهر الموت في أجسام آخرين.

وفي قول رؤساء الكهنة والفريسيين: “ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة” يدعونه إنسانًا… وقالوا لا ماذا نصنع؟ فقد وجب عليكم أن تؤمنوا وتسترضوه وتسجدوا له، ولا تظنوه أيضًا إنسانًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

إن تركناه هكذا، يؤمن الجميع به،

فيأتي الرومانيون، ويأخذون موضعنا وأمتنا“. [48]

يتساءل العلامة أوريجينوس عن هؤلاء القوم الذين مضوا إلى الفريسيين إن كانوا قد فعلوا هذا لكي يراجع الفريسيون أنفسهم ويؤمنوا، أم لكي يثيروهم بالأكثر ضده ويسرعوا بوضع الخطة للخلاص منه، وهو يميل إلى الرأي الثاني.

العلامة أوريجينوس

لقد قالوا أنهم يقتلون يسوع، لئلا يأتي الرومانيون ويأخذون موضعهم وأمتهم، وعندما قتلوه حدثت هذه الأمور لهم. عندما فعلوا هذا الذي حسبوا أنهم به يهربون، إذا بهم لم يفلتوا منها. الذي قُتل هو في السماء، والذين قتلوه نصيبهم في جهنم[73].

وأنا أسأل أحدهم: قل لي متى رأيت السيد المسيح يعلم بالعصيان؟ أما أشار بإعطاء الجزية لقيصر؟ أما أردتم أن تصيروه ملكًا فهرب؟ ألم يعش حياة بسيطة خالية من التباهي، ولم يمتلك منزلاً ولا شيئًا آخر من الممتلكات وأمثالها؟

فهذه الأقوال نطقوا بها ليس متوقعين أنها تحدث، لكنهم قالوها حسدًا، لأن من أبرأ المرضى وعلم الحياة الفاضلة وأشار بالخضوع للرؤساء، لا يثير عصيانًا، بل يهدم العصيان ويزيله.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فقال لهم واحد منهم، وهو قيافا،

كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة:

أنتم لستم تعرفون شيئًا“. [49]

بحسب الشريعة يُقام رئيس الكهنة مدى الحياة (خر ٤٠: ١٥)، وذلك بالوراثة متسلسلاً من هرون وأبنائه. لكن في ذلك تدخلت السلطات الرومانية، وحملت سلطة عزل وإقامة رئيس الكهنة كما يحلو لهم وفي أي وقتٍ يشاءون، دون التزام بالشريعة سوى أن يكون من النسل الكهنوتي. جاء في يوسيفوس المؤرخ أن قيافا هو اسم الشهرة، وأن اسمه الحقيقي هو يوسف. كان رئيسًا للكهنة لمدة ثماني أو تسع سنوات، وغالبًا ما قام فيتايليوس Vitellius والي اليهودية بعزله[74].

لم يتطلع الرومان إلى السيد المسيح كمقاومٍ لمملكتهم، ولم تشغلهم شعبيته قط، لأنه نادى بالخضوع للسلطات ودفع الجزية لقيصر، بل طالب سمعان بطرس أن يدفع عن نفسه وعنه الجزية. وفي محاكمته نرى بيلاطس يبذل الجهد عدة مرات ليطلقه.

ولا تفكرون إنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب،

ولا تهلك الأمة كلها“. [50]

كان رئيس الكهنة يرتدي الصدرية التي بها الأوريم والتميم (خر 28: 30)، ويصلي إلى الله ليعطيه مشورة صادقة، لكن يبدو أن هذا الأمر كان قد انتهى تمامًا. فقدم رئيس الكهنة مشورته للمجمع لا خلال استشارة الله، بل خلال حسده الشرير. قدم ما يبدو حسب الفلسفة البشرية أنه منطقي وصادق مبني على فكرٍ سليمٍ، غير أنه في الحقيقة كان مبنيًا على مشاعر شريرة ورغبة قوية للخلاص من ذاك الذي سحب شعبيتهم وفضح شرهم. جاء في إشعياء النبي: “قد ارتد الحق إلى الوراء، والعدل يقف بعيدًا، لأن الصدق سقط في الشارع، والاستقامة لا تستطيع الدخول” (إش ٤٩: ١٤).

ولم يقل هذا من نفسه،

بل إذ كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة،

تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة“. [51]

العلامة أوريجينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

وليس عن الأمة فقط،

بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد“. [52]

جاءت هاتان العبارتان شرحًا يقدمه الإنجيلي يوحنا كيف استخدم الله حتى شر رئيس الكهنة للشهادة للحق، والتنبؤ عن عمل المسيح الخلاصي لحساب اليهود، بل ولحساب أبناء الله في كل العالم من اليهود والأمم معًا.

من هم أبناء الله المتفرقون؟ المؤمنون من كل الأمم، إذ يجتمعون معًا كأعضاء في جسد المسيح الواحد. يرى العلامة أوريجينوس أن إسرائيل حسب الجسد أيضًا بعد التشتيت يقبلون الإيمان بالمسيح ليجتمعوا معًا إلى واحد[78].

فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه“. [53]

القديس يوحنا الذهبي الفم

فلم يكن يسوع أيضًا يمشي بين اليهود علانية،

بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البرية إلى مدينة يقال لها افرايم،

ومكث هناك مع تلاميذه“. [54]

افرايم” هي قرية صغيرة قريبة من بيت إيل، وقد ضمهما الكتاب المقدس معًا في ٢ أي ١٣: ١٩، وأيضًا في يوسيفوس[80].

يعتقد أنها ذات المدينة أو القرية الواردة في ١ مك ٥: ٤٦؛ ٢ مك ١٢: ٢٧. أعطاها يشير لسبط يهوذا (يش ١٥: ٩). يقول كل من يوسابيوس والقديس چيروم أنها على بعد حوالي ٢٠ ميلاً من أورشليم. يرى البعض انه مكث هناك من ٢٤ يناير إلى ٢٤ مارس، أي لمدة شهرين.[81].

فمن جانب من الصواب ألا تتجنب الاعتراف، وأيضًا ألا تتردد في الموت من أجل الحق، إن دخل إنسان في صراع من أجل الاعتراف بيسوع. ومن الجانب الآخر ليس بأقل صوابًا أيضًا أنه إذا وُجدت محنة عظيمة لا تسقط فيها، بل تتجنبها ما استطعت، ليس فقط لأن نتيجة ما سيحدث غير واضحة أمامنا، ولكن أيضًا لكي لا نكون مسئولين عن أن نثير الذين لا يريدون بالفعل أن يسفكوا دمنا، فيسقطون في هذه الجريمة، ويصيرون بالأكثر خطاة وأشرارًا، وذلك إن كنا نعمل ما هو لنفعنا ولا نبالي بالذين يتآمرون ضدنا للموت. بسببنا يسقطون في عقوبات أشد، إن ركزنا على أنفسنا ولا نعطي اعتبارًا لما يخص الآخرين، فنخلص أنفسنا بقتلنا بينما لا تكون هناك ضرورة تستدعي ذلك.[82]

العلامة أوريجينوس

وكان فصح اليهود قريبًا،

فصعد كثيرون من الكور إلى أورشليم قبل الفصح ليطهروا أنفسهم“. [55]

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

فكانوا يطلبون يسوع ويقولون فيما بينهم وهم واقفون في الهيكل:

ماذا تظنون هل هو لا يأتي إلى العيد؟” [56]

ربما كان أهل افرايم يطلبونه إذ فارق المدينة، لعله ذهب إلى أريحا أو إحدى نواحيها. ولعل الذين طلبوه هم من قبل رئيس الكهنة، كانوا يبحثون عنه ليخبروا رئيس الكهنة بالموضع الذي يقيم فيه أثناء الاحتفال بالعيد.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

وكان أيضًا رؤساء الكهنة والفريسيون قد أصدروا أمرًا،

         أنه إن عرف أحد أين هو، فليدل عليه لكي يمسكوه“. [57]

القديس أغسطينوس

 

من وحيّ يو 11

لتصرخ بصوت عظيم مناديًا باسمي:

هلم خارجًا!

 

 هوذا الذي تحبه مريض!

 ها اخوتي المجاهدون يطلبون عني أمامك.

 واخوتي الراحلون في الفردوس يشفعون أمام عرشك.

 من يقدر أن يقيمني من مرضي سواك يا طبيب النفوس والأجساد!

 احتلّ فكري وقلبي وكل حواسي.

 واحتلّ الفساد داخلي.

 من ينقذني من هذا الجسد الفاسد إلا أنت يا أيها القيامة!

 فقد سببتُ انزعاجًا حتى لنفسك!

 فإني موضوع حبك!

 لتصرخ بصوتك الإلهي مناديًا اسمي،

 ولتقل: “هلمّ خارجًا”.

 عبورك إلى قبري وهبني القيامة بعد الموت،

 لا يكون للموت وجود في حضرة القيامة!

 اعترف بخطيتي، وأتمتع بالحلّ الرسولي حسب وعدك:

 ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً في السماء!

 نعم، رددت لي بهجة خلاصك.

 وتحوّل المأتم إلى عيدٍ لا ينقطع!

 أختاي على الأرض وفي الفردوس تمجدانك،

 أنت مخلص النفوس من فساد الموت!

 صارت حياتي الجديدة شهادة حيّة لأعمالك الفائقة.

 ليؤمن الكثيرون بك،

 إذ يروك متجليًّا في ضعفي!

 وليثر عدو الخير وجنوده،

 فإنه لا يحتمل نور القيامة فيّ!

 لتنادي كل شخص باسمه،

 ما أعذب صوتك لي، وأنت تصرخ:

 “هلمّ خارجًا!

 يا له من محفلٍ ممتعٍ،

 إذ تخرج النفوس من قبورها مشرقة ببهائكّ

 عِوض الفساد تتمتع بشركة طبيعتك الإلهية!

 فيتحوّل الكثيرون إلى عروس سماوية،

 مهيأة ومعدة للعرس الأبدي غير المنقطع!

[1] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate cf. 49:1.

[2] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:3.

[3] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate 49:1.

[4] Hom. on St. John, 62:1.

[5] Homilies on St. John, 62:1.

[6] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:5.

[7] Hom. 62. PG 59:369.

[8] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:6.

[9] Homilies on St. John, 62:1.

[10] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:7

[11] Hom. 62. PG 59:369.

[12] Homilies on St. John, 62:1.

[13] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:8.

[14] Homilies on St. John, 62:1.

[15] Homilies on St. John, 62:1.

[16] Homilies on St. John, 62:1.

[17] Against Vigiliantius, 6.

[18] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:9.

[19] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, cf. 49:9, 10.

[20] Letter to a Young Widow, 3.

[21] Homilies on St. John, 62:1.

[22] Homilies on St. John, 62:2.

[23] Homilies on St. John, 62:2.

[24] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, cf. 49:12.

[25] Leon Morris, p. 409.

[26] Homilies on St. John, 62:2.

[27] Cf. Adam Smith Comm. on John.

[28] Homilies on St. John, 62:3.

[29] Homilies on St. John, 62:3.

[30] Homilies on St. John, 62:3.

[31] Homilies on St. John, 62:3.

[32] Homilies on St. John, 62:3.

[33] Homilies on St. John, 62:3.

[34] Hom. 62. PG 59:181.

[35] Hom. 62. PG 59:372.

[36] Homilies on St. John, 63:1.

[37] Homilies on St. John, 63:1.

[38] Homilies on St. John, 63:1.

[39] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:18.

[40] Concerning Repentance 2:7:54-55.

[41] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:20.

[42] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:20.

[43] Homilies on St. John, 63:1.

[44] Letters, 263.

[45] Letter 60:7.

[46] Homilies on St. John, 63:1.

[47] Homilies on St. John, 63:2.

[48] Concerning Repentance Book 2:7:56.

[49] Sermon on N.T. Lessons, 48:6.

[50] Letter 147:9.

[51] Commentary on John, Book 28:19 – 22.

[52] St. Augustine:On the Gospel of St. John, tractate, 49:22.

[53] Homilies on St. John, 63:3.

[54] Homilies on St. John, 64:1.

[55] Of the Christian Faith, 4:6:72.

[56] Of the Christian Faith, 3:4:32.

[57] Commentary on John, Book 28:36 – 37.

[58] Of the Holy Spirit Book 2:12:137-138.

[59] Homilies on St. John, 64:2.

[60] On Belief in the Resurrection, 2:77.

[61] Homilies on St. John, 64:2.

[62] Homilies on St. John, 64:3.

[63] Sermon on N.T. Lessons, 17:2.

[64] Sermon on N.T. Lessons, 17:3.

[65] راجع لو 5:17.

[66] مقال 5:9.

[67] Letter 4:2.

[68] Letter 7:3.

[69] Concerning Repentance Book 2:7:57-58.

[70] Commentary on John, Book 28:54.

[71] Commentary on John, Book 28:57 – 59.

[72] Cf. Commentary on John, Book 28:86 – 97.

[73] Homilies on St. John, 65:1.

[74] Antiq. 18. c. 3.

[75] Commentary on John, Book 28:172 – 174.

[76] Homilies on St. John, 65:1.

[77] Homilies on St. John, 65:1.

[78] Cf. Commentary on John, Book 28:185.

[79] Homilies on St. John, 65:1.

[80] War, b 4, c. 8 s. 9.

[81] cf. Adam Clarke Comm.

[82] Commentary on John, Book 28:192 – 194.

[83] Commentary on John, Book 28:214.

[84] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 50:2.

[85] Homilies on St. John, 65:2.

[86] Homilies on St. John, 65:2.

[87] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 50:3.

[88] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 50:4.

تفسير انجيل يوحنا 11 الأصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

Exit mobile version