Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير انجيل يوحنا 4 الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 4 الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 4 الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 4 الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي

الاصحاح الرابع

لقاء مع السامرية

رابح النفوس العجيب

كان اليهود يعتزون بالأرض، بكونها “أرض الموعد” التي وهبها الله لإبراهيم أب المؤمنين ميراثًا لأبنائه. وقد انقسمت في أيام السيد المسيح إلى ثلاثة أجزاء. اليهودية في الجنوب حيث توجد مدينة الله أورشليم والهيكل كأقدس موضع في العالم. والجليل أو جليل الأمم في الجنوب، وهي تضم كثير من الأمم الذين قبلوا الإيمان اليهودي. ثم السامرة وهي في المنتصف، حيث يوجد السامريون الذين يحملون عداوة شديدة متبادلة بينهم وبين اليهود. في هذا الاصحاح نجد السيد المسيح في الثلاث مناطق المذكورة.

جاء السيد المسيح إلى اليهودية بعد أن حفظ العيد في أورشليم (يو ٣: ٢٢)، والآن يتركها بعد أربعة أشهر من الحصاد [٣٥]؛ أي مكث فيها حوالي ستة أشهر.

في الطريق عبر السيد المسيح على السامرة، والتقى عند البئر بامرأة سامرية تزوجت قبلا بخمسة رجال والذي معها ليس برجلها. دخل معها السيد في حوار بالرغم من العداء بين اليهود والسامريين، فاجتذبها إلى خلاصها، بل وجعلها كارزة بالخلاص. اجتذبها فتمتعت بالمعرفة، وأدركت أنه المسيا الذي يخبرنا بكل شيء. وبعد دقائق تركت جرتها لتجتذب المدينة بأسرها ويؤمن كثيرون بالسيد المسيح. حقًا من يلتقي برابح النفوس العجيب يشاركه سماته، فيصير هو أيضًا رابحًا للنفوس.

خلال هذا اللقاء يحثنا السيد المسيح على العبادة الجديدة، حيث قدم لها ولأهل مدينتها ماءً حيًا يفيض في داخلهم. لقد أعلن السيد أنه عوض بئر يعقوب يقدم المياه التي من يشرب منها لا يعطش إلى الأبد، إذ تهب حياة جديدة أبدية [14]. وأن الساعة قد أتت لتتحقق العبادة على مستوى أعظم من جبل جرزيم أو الهيكل، حيث يسجد العابدون للآب بالروح والحق [23]. وأن له طعام جديد وهو أن يفعل مشيئة الذي أرسله [34]. وأن الحقول قد ابيضت للحصاد الجديد [35].وقد أبرز الإنجيلي أربع شخصيات هامة في الحوار: السيد المسيح، والمرأة السامرية، والتلاميذ، وأهل المدينة، بجانب راوي القصة. أما خاتمة اللقاء فهو: “نحن نعلم أن هذا هو بالحقيقة مخلص العالم” [42].

يلحق الإنجيلي هذا اللقاء بلقاء آخر بين السيد المسيح وخادم الملك الذي كان يتعجل السيد لينزل ويشفي ابنه قبل أن يموت، سمع الكلمة المحيية: “انزل، ابنك حي” فآمن وشفي ابنه. في اللقاء الأول تمتعت المرأة السامرية وكثيرون من أهل سوخار بالحياة الجديدة المقامة، وهو شعب شبه أممي، أو نصف أممي، هو ثمرة خلط بين اليهود والكلدانيين. وفي اللقاء الثاني تمتع خادم الملك وأهل بيته بالإيمان المحيي خلال شفاء الابن جسديًا، وهي أسرة غالبًا ما كانت أممية.

  1. خروجه من اليهودية ١ – ٣.
  2. مجيئه إلى السامرة ٤ – ٦.
  3. حوار مع السامرية ٧ – ٢٦.
  4. كرازة السامرية الناجحة ٢٧ – ٣٠.
  5. إيمان السامريين به ٣٩ – ٤٢.
  6. ذهابه إلى الجليل ٤٣ – ٤٦.
  7. شفاء ابن خادم الملك ٤٧ – ٥٤.

1.   خروجه من اليهودية

فلما علم الرب أن الفريسيين سمعوا

أن يسوع يصير ويعمد تلاميذ أكثر من يوحنا“. [1]

مع أن يسوع نفسه لم يكن يعمد بل تلاميذه“. [2]

مع كثرة الأعداد التي نالت العماد على يدي يوحنا، إلاَّ أن للسيد المسيح جاذبيته، لذا جاءت أعداد أكبر لنوال العماد لا من الخادم (يوحنا) بل من سيده (يسوع). لقد ظن الفريسيون أنهم يستريحون من يوحنا بسجنه والخلاص منه، فوجدوا يسوع المسيح قد اجتذب أعدادًا أكبر، فامتلأوا حسدًا.

اهتم السيد المسيح أن يكرز ويجتذب الناس إلى الإيمان به، ثم يسلمهم لتلاميذه للعماد. ولعل السيد المسيح لم يقم بالعماد بنفسه لكي لا يفتخر هؤلاء المعمدون على غيرهم بأنهم نالوا العماد من يد المسيح مباشرة. وقد اهتم بعض الرسل كبولس الرسول بالكرازة تاركًا العماد لغيره (١ كو ١: ١٧)، ليس استخفافًا بسرّ العماد، وإنما لأن ممارسته أسهل من جذب النفوس بالكلمة. هذا وكل عماد مسيحي باسم الثالوث القدوس لا يتممه الكاهن من ذاته، بل هو من عمل المسيح نفسه، الذي يرسل روحه القدوس ليهب المُعمد روح التبني. قوة العماد لا تتوقف على صلاح خادم السرّ، لأن السيد المسيح وحده خادم السرّ الخفي.

أزل الماء لا توجد معمودية، أزل الكلمة لا يوجد عماد (أف 5: 25-27)[1].

القديس أغسطينوس

ترك اليهودية

ومضى أيضًا إلى الجليل“. [3]

كانت الجليل تابعة لهيرودس الذي ألقى القبض على يوحنا ووضعه في السجن، فظن أنه يقدر أن يضع النور تحت مكيال، ولم يدرك أن النور أقوى من الظلمة، وأنه وإن قتل يوحنا فرسالته لن تتحطم، إذ جاء السيد المسيح النور الحقيقي نفسه.

إذ بدأت ثورة الفريسيين ضده والرغبة في قتله، ترك السيد المسيح اليهودية منطلقًا نحو جليل الأمم، لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد (يو ٧: ٣٠). ولعله لم يكن بعد تلاميذه يحتملون تجارب قاسية، لذلك انطلق بهم من اليهودية. وفي نفس الوقت يقدم لنا درسًا عمليًا أنه متى اضطهدونا نذهب إلى مدينة أخرى. انطلق إلى الجليل لأن كثيرين مستعدون للإيمان به، ومحتاجون إلى اللقاء معه، والتمتع بكلماته وأعماله.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

3.   مجيئه إلى السامرة

وكان لا بد له أن يجتاز السامرة“. [4]

كان لابد أن يجتاز السامرة، لأنها تقع شمال اليهودية بين البحر العظيم والجليل والأردن، فلا يمكن العبور من أورشليم (اليهودية) إلى الجليل دون العبور على السامرة. هذه الرحلة تحتاج إلى ثلاثة أيام سفر.

السامريون من أصل يهودي سواء من جهة الدم أو الديانة؛ عندما سبى ملك أشور إسرائيل ترك الفقراء في الأرض. وقد حدث مزج بين الأصل اليهودي والجنسيات الأخرى خاصة الآشوريين، قام بتدبيره بعض ملوك أشور مثل شلمنصر (٢ مل ١٧)، كما حدث خلط بين الديانة اليهودية وعناصر غريبة وثنية. تمسك السامريون بأسفار موسى الخمسة وحدها. وبنوا هيكلاً على جبل جرزيم مقابل هيكل سليمان في أورشليم، وحسبوا شكيم وليست صهيون هي بيت أيل أو بيت الله. كانوا أيضًا يمارسون الأعياد اليهودية الكبرى: الفصح والبنطقستي والمظال ويوم الكفارة. إلى الآن يقدمون حملاً أو أكثر على جبل جرزيم في عيد الفصح.

كانت السامرة جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين، يرى إدرزهايم أنها تبلغ 47 ميلاً من الشمال إلى الجنوب و40 ميلاً من الشرق إلى الغرب، تحدها اليهودية في الجنوب والأردن من الشرق وسهل شاردن من الغرب وسهل يزرعيل (الجليل) من الشمال، وقد استولت على أرض سبطي منسي وافرايم. وهي أجمل أراضي المنطقة وأخصبها، تضم العاصمة وهي مدينة السامرة (عاصمة إسرائيل) وبعض المدن القليلة.

جاء السيد المسيح ليلقي بذرة الإيمان الحي في تربة السامرة التي تقبلت الكلمة بالإيمان لا بالمعجزات خلال المرأة السامرية التي يروي لنا الإنجيلي قصة لقائها مع السيد. وهي قصة فريدة حيث يلتقي بها السيد، وهي شبه أممية، ويحاورها ليخرج بها من خصوصياتها المشينة إلى العمل الكرازي، فتجتذب مدينة بأسرها في لحظات قليلة وتقودهم إلى مخلص العالم.

أبرز السيد اهتمامه بالسامرة والسامريين، فمدح الأبرص السامري غريب الجنس، الذي وحده دون التسعة اليهود البرص عاد ليشكر السيد على تطهيره له (لو 17: 15-18). كما قدم لنا مثل السامري الصالح الذي تحرك قلبه بالحب العملي ليهتم بجريح يهودي أكثر من الكاهن اليهودي واللاوي (لو 10: 33-36). وأخيرا قبل صعوده وضع علي عنق الرسل الالتزام بالخدمة في السامرة: “تكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أع 1: 18).

فتح الرب الباب للسامرة وكل الأمم، لذلك إذ حدث “اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم، فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل” (أع 8: 1). استقبلت السامرة بعض المؤمنين في العصر الرسولي المبكر. ويروى لنا لوقا البشير عن كرازة فيلبس الرسول في مدينة السامرة”،وكان الجموع يصغون بنفس واحدة إلى ما يقوله فيلبس عند استماعهم ونظرهم الآيات التي صنعها… فكان فرح عظيم في تلك المدينة” (أع 8: 5-8).

أرسل أيضا الرسل الذين في أورشليم إلى مؤمني السامرة بطرس ويوحنا ليصليا لهم لكي يقبلوا الروح القدس، فوضعا الأيدي عليهم وقبلوا الروح القدس (أع 8: 14- 17).

القديس يوحنا الذهبي الفم

فأتى إلى مدينة من السامرة

يقال لها سوخار،

بقرب الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنه“. [5]

سوخار: غالبًا هي شكيم عند سفح جبل الجرزيم، كثيرًا ما ورد ذكرها في العهد القديم. أُختتن أهلها على رجاء اتحادهم مع بني يعقوب كشعبٍ واحد، لكن قام شمعون ولاوي بقتلهم بعد الختان انتقامًا لاغتصاب شكيم أختهما دينا (تك ٣٤: ٢٤ الخ). في شكيم صار أبيمالك ملكًا؛ وفيها أقام يربعام عرشه. يرجح البعض أنها قرية “عسكر” على بعد نصف ميل شمالي بئر يعقوب. تبعد حوالي عشرة أميال من شيلوه، ٤٠ ميلاً من أورشليم و٥٢ من أريحا. يرى القديس جيروم أنها شكيم وليست سوخار، وكانت تدعى في أيامه نيابوليس Neapolis[5]. اسم المدينة الحالي هو نابلس Naplouse.

تدعي “سوخار” وتعني “سكري” لأن سكانها كانوا محبين للسكر. وقد اتهم النبي إشعياء (٣٨: ١، ٣؛ ٧ – ٨) أهل افرايم بهذه الجريمة، حيث تقع هذه المدينة في حدودهم.

ورد عن هذه المدينة:

  1. أول مدينة وقف فيها ابرام في رحلته من حاران إلى كنعان.
  2. ظهر فيها الله لابرام لأول مرة ليعده بأن يعطيه الأرض لنسله.
  3. فيها بنى ابرام أول مذبح للرب دعاه باسمه (تك ١٢: ٧).

اشترى يعقوب هذا الحقل من أبناء حمور والد شكيم بمائة قطعة من الفضة أو حملاً (تك ٣٣: ١٩)، وبنى مذبحًا ودعاه إيل إله إسرائيل. وقد ترك يعقوب هذا الحقل كميراثٍ خاصٍ بيوسف وأبنائه (تك ٤٨: ٢١ – ٢٢؛ يش ٢٤: ٣٢).

القديس يوحنا الذهبي الفم

وكانت هناك بئر يعقوب،

فإذ كان يسوع قد تعب من السفر،

جلس هكذا على البئر،

وكان نحو الساعة السادسة“. [6]

لم يشر العهد القديم إلى هذه البئر، لكن بالتقليد توارث السامريون أن هذه البئر حفرها يعقوب أو استخدمها، فدُعيت بئر يعقوب. وقد صارت فيما بعد للاستعمال العام.

جاءت الكلمة اليونانية houtoos لتعني ليس جلوسًا على عرش أو أريكة أو كرسي وإنما على الأرض، على حجارة ملقاة بجوار البئر.

نحو الساعة السادسة، أي الظهيرة، تعب السيد المسيح بسبب السير في وسط حر الظهيرة. كإنسان حقيقي خضع للضعف الجسدي فتعب. في تواضع كان يمارس رحلاته مشيًا على قدميه، ولم يكن لديه مركبة ولا دابة يمتطيها. وإذ كان جسده رقيقًا لم يحتمل السير حتى الظهيرة بينما لم يجد التلاميذ صعوبة أن يدخلوا المدينة ليشتروا طعامًا. ليس عجيبًا أن نسمع عن السيد أنه تعب وعطش في وقت الظهيرة، وهناك تركه تلاميذه، فإن هذا المنظر يحمل صورة للسيد المسيح علي جبل الجلجثة حيث استراح علي الصليب في وقت الظهيرة وقد حمل أتعابنا وأعلن عطشه لكل نفس بشرية. هناك أيضا تركه تلاميذه هاربين، ليجتاز المعصرة وحده.

القديس يوحنا الذهبي الفم

هناك وجدته المرأة السامرية، هذه التي آمنت، وأرادت أن تسحب ماءً. وإن كان يجب أن تأتي في ساعة مبكرة صباحًا، مع ذلك فإن أتت في الساعة السادسة تجد يسوع متعبًا من رحلته.

إنه متعب بسببك، إذ طال وقت بحثه عنك. عدم إيمانك جعله متعبًا. ومع هذا فإنك إن أتيت لا يعترض قط.

إنه يسأل أن يشرب ذاك الذي في طريقه أن يعطي. لكنه يشرب لا من ماء جدول يفيض، بل يشرب خلاصك. إنه يشرب من تصرفاتك الصالحة، يشرب الكأس أي الآلام التي يكفر بها عن خطاياك، حتى إذ تشرب من دمه المقدس تروي عطش هذا العالم.

 هكذا تمتع إبراهيم باللَّه بعد أن حفر بئرًا (تك 30:21). واسحق تقبّل زوجته وهو سائر بجوار البئر (تك 62:24)، التي كانت قادمة إليه كرمزٍ للكنيسة… رفقة وجدت من يبحث عنها عند البئر، والزانيات اغتسلن من الدم في مياه البركة (1 مل 36:22)[8].

القديس أمبروسيوس

هكذا يسوع ضعيف ومتعب في رحلته. رحلته هي الجسد الذي أخذه من أجلنا. إذ كيف يكون لذاك الحال في كل مكان رحلة، هذا الذي ليس بغائبٍ في أي موضع؟…

كان يسوع ضعيفًا في الجسد، لكي لا تصير أنت ضعيفًا، بل في ضعفه تصير قويًا، لأن “ضعف اللَّه أقوى من الناس”[10].

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

3. حوار مع السامرية

فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء،

فقال لها يسوع:

اعطيني لأشرب“. [7]

مجيء المرأة عند الظهيرة بعد أن حمل الرجال والنساء مياههم إلى منازلهم يكشف عن موقف الشعب منها؛ إذ لم تكن لها الجرأة أن تواجه أحدًا، فجاءت في وسط الحرّ لتستقي ماء من البئر بمفردها. مسيحنا هو إله المرذولين والمطرودين، يخرج منهم أبناء الملكوت وكارزين بالحق.

واضح أن هذه المرأة السامرية كانت فقيرة،ليس لها خادم يُحضر لها ماءً من البئر، وأنها مكافحة ذهبت بنفسها إلى البئر لتأتي بالماء.

هذا اللقاء يذكرنا برفقة وراحيل وابنة يثرون كيف تزوجن خلال اللقاء عند البئر بزيجات مباركة باسحق ويعقوب وموسى. هكذا وجدت السامرية عريس نفسها عند بئر يعقوب. ونحن نجد مسيحنا عريسًا لنا عند جرن المعمودية.

بدأ السيد المسيح حواره معها بطلب متواضع: أن يشرب ماءً. ذاك الذي من أجلنا افتقر، الآن من أجلنا صار شحاذًا لكوب ماء، ليس لاحتياج شخصي، وإنما ليكشف لها عن احتياجها هي إليه،فتشرب وترتوي من ينابيع نعمته الغنية.

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

لأن تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا“. [8]

 وأي عجب إن كانوا يسلكون باعتدال في اشتياقاتهم ما داموا كانوا صيادي سمك وصانعي خيام؟” نعم كانوا صيادي سمك وصانعي خيام، لكنهم في لحظة صعدوا حتى إلى أعالي السماء، وصاروا أكثر كرامة من كل الملوك الأرضيين، إذ حسبوا أهلاً أن يصيروا في رفقة رب العالم، وأن يتبعوا ذاك الذي يتطلع الكل إليه برعدة. وأنتم تعلمون هذا أي أن الذين كانوا على وجه الخصوص من أصل وضيع عندما ينالون امتيازًا بسهولة شديدة ينتفخون في غباوة، إذ يجهلون تمامًا كيف يحتملون كرامتهم التي نالوها فجأة. لهذا فلكي يحفظهم في تواضعهم الحاضر كان دائمًا يعلمهم أن يكونوا معتدلين، ولا ينتظروا أحدا يستقبلهم (بكرامة)[17].

القديس يوحنا الذهبي الفم

بينما مضى التلاميذ إلى المدينة ليشتروا طعامًا استغل السيد هذه الفرصة ليدخل في حوارٍ مع المرأة السامرية، ويسحبها هي وأهل المدينة لخلاصهم. هذا هو طعامه الحقيقي أن يتمم مشيئة الآب، وهي خلاص النفوس.

مسيحنا الذي يهتم بالحديث مع الجماهير يهتم أيضًا أن يلتقي مع شخص واحد، امرأة فقيرة غريبة الجنس وسامرية تحمل عداءً لليهود.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فقالت له المرأة السامرية:

كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟

لأن اليهود لا يعاملون السامريين“. [9]

لقد عرفت السامرية أنه يهودي من ملبسه المختلف عن السامريين أو من لهجة حديثه. وما شغل قلبها ليس أن تعطيه الطلب أو ترفضه، وإنما لهجة حديثه التي لم تحمل عداءً مع أن السامريين كانوا خصومًا لليهود (عز ٤: ١). وهي تعلم ما يحمله اليهود من حقدٍ وضغينة ضد السامريين، حيث يتطلعون إليهم أن لا نصيب لهم في القيامة، وأنهم في نظرهم تحت اللعنة ومحرومون من شعب الله. وأنه لا يجوز أن يأكل يهودي طعامًا لسامري لئلا يتنجس كمن يأكل لحم خنزير. أما السيد المسيح فلم ينشغل بالعداوة التي بين اليهود والسامريين، إنما ما يشغله جذبه للنفس لتتمتع بخلاصه.

دُهشت المرأة السامرية لموقف السيد المسيح، فإنه ما كان يمكن ليهودي أن يطلب شيئًا من سامري، مهما بلغ احتياجه، أو واجه من متاعب ومصاعب، دون أي استثناء. كما دُهشت كيف يتوقع من سامرية أن تعطيه طلبه بينما يحمل السامريون عداءً لليهود.

لم يكن هناك تعامل بين اليهود والسامريين سواء من جانب العبادة أو التجارة، بل ولا يجوز لليهودي أن يستعير إناءً من سامري أو يشاركه نفس الطعام.

تأمل كيف كانت المرأة السامرية مؤدبة، لأنها لم تقل إن السامريين لا يختلطون باليهود، لكنها قالت لا “لأن اليهود لا يعاملون السامريين[18].

القديس يوحنا الذهبي الفم

لقد تدرجت في معرفة السيد المسيح بفضل حديثه وإعلاناته التدريجية.

  في بداية حديثه معها حسبته يهوديًا لا يخالط السامريين [9].

  دعته: “يا سيد” [11].

  توقعت أنه أعظم من يعقوب أب الأسباط [12].

  آمنت أنه واهب المياه الحية [15].

  أنه نبي [19].

  توقعت أن يكون المسيا المنتظر [25]، فقال لها: “أنا الذي أكلمك هو” [26].

أجاب يسوع وقال لها:

لو كنتِ تعلمين عطية الله،

ومن هو الذي يقول لك اعطيني لأشرب،

لطلبت أنت منه،

فأعطاك ماءً حيًا“. [10]

سحب السيد المسيح هذه المرأة إلى طريق الخلاص، لا بالهجوم على العبادة في السامرة، بكونها منشقة، وأنها قد شوهت الإيمان والعبادة، وإنما بسحب فكرها من الانشغال بالعداوة القائمة بين الفريقين إلى الدخول إلى أعماق نفسها لتعطش إلى الماء الحي، وتدرك حاجتها إلى المخلص. الآن ليس الوقت للنزاع، بل للجلوس الهادئ مع النفس والتمتع بعطايا الله المجانية. فقد حان وقت افتقاد الله للعالم كله بإرسال المسيّا المخلص. شهوة قلب السيد المسيح أن نعرفه، فنطلبه ونقتنيه، فنرتوي منه أبديًا!

ما تحتاج إليه هو المعرفة الصادقة: “لو كنتِ تعلمين عطية الله“، “ومن هو الذي يقول لكِ…”. معرفة عطية الله لها، ومعرفة المتحدث معها، لأنه هو العطية العظمى! هو كنز الحب الإلهي الفائق، المروي للنفس الظمأ. إنه ليس قرضًا نستدين به لنرده، بل عطية مجانية، يُسر الآب أن يقدمها للبشرية.

لم تكن تدرك عطية الله الذي أرسل ابنه الوحيد ليبذل ذاته عن العالم (يو ٣: ١٦)، ولا عطية الروح القدس الذي يفيض في النفس كنهرٍ يرويها ويروي آخرين، ويقدم الروح مواهب روحية لا حصر لها لخلاص العالم. هذه العطايا إلهية مجانية قدمها الله من أجل مبادرته بالحب لنا ونحن بعد أعداء. تبقى هذه العطية مصدر معرفة إلهية مستمرة حتى في الحياة الأبدية: “وأراني نهرًا صافيًا من ماء الحياة، لامعًا كبلورٍ خارجًا من عرش الله والخروف” (رؤ 22: 1).

القديس أغسطينوس

الماء الحي” هو تعبير شائع لينابيع المياه التي تفيض بلا توقف، يقابله “الماء الميت” الراكد في البرك والمستنقعات ومخازن المياه حيث تتعرض للتلوث. يشير الماء الحي إلى الروح القدس الذي يروي النفس ويحول قفرها إلى فردوسٍ مثمرٍ، ويغسل ما في النفس من دنس.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أمبروسيوس

لطلبتِ“: المعرفة الصادقة تدفعنا نحو الصلاة والطلبة. فالله من جانبه مستعد أن يهب، لكنه ينتظر أن نعلن رغبتنا في الأخذ، نطلب فنأخذ.

قالت له المرأة:

يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة،

فمن أين لك الماء الحي؟” [11]

يرى Maundiell أن عمق البئر كان حوالي ٣٥ ياردة[22]، استخراج الماء يتطلب دلوًا وحبلاً طويلاً لم يكن مع السيد ولا مع تلاميذه. بدا لها ما يقوله السيد ليس بمنطقي، لأنه كان يحدثها عن الروحيات بينما كانت هي تفكر بطريقة مادية. ومع هذا فمن لهجة حديثه شعرت بالالتزام أن تحترمه وتوقره، فبدأت تقول: “يا سيد“.

اعتزت السامرية بالبئر التي حفرتها يد بشرية، ولم تدرك أنها أمام الينبوع الإلهي الحي. فقد سبق فعاتب الرب شعبه قائلا لهم: “شعبي عمل شرين، تركوني أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آبارًا آبارًا مشققة لا تضبط ماء” (إر 2: 13).

تأمل ما قاله نيقوديموس: “كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟” (يو 3: 4)، أما هذه المرأة فكانت أوفر توقيرًا من نيقوديموس، إذ قالت: يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟” كان يمكنها أن تقول قولاً على سبيل التهجم: “لو كنت تمتلك هذا الماء الحي لما طلبت مني ماءً، بل تعطيه لنفسك أولاً، فأنت الآن إنما تفتخر بذلك”. إلا أنها لم تنطق بلفظ من هذه الألفاظ، لكنها أجابت بوداعة كثيرة في ابتداء الخطاب.

القديس يوحنا الذهبي الفم

“ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر،

وشرب منها هو وبنوه ومواشيه؟” [12]

كان السامريون يحسبون أنفسهم أبناء يعقوب، لأنهم أسباط إسرائيل العشرة التي انشقت أيام يربعام، لكنهم كما رأينا صاروا يحملون دمًا غريبًا من أمم مختلفة.

القديس يوحنا الذهبي الفم

حسن أن تعتز السامرية ببئر أبيها يعقوب، لكنها لم تعرف كيف تعبر خلاله إلي إله يعقوب واهب المياه الحية. كان يليق بها أن تنطلق مع يعقوب أبيها لترى سلم يعقوب الصاعد من رأسه إلى السماء، فتتهلل بالصليب فاتح أبواب السماء للعالم كله! وحسن أن تناقش السجود لله: هل على جبل أورشليم أم على جبل جرزيم لكي تعبر مع رجال العهد القديم القديسين إلى ما وراء الجبال، فتتمتع بالسجود لله بالروح والحق. ما أعظمها وهى تتلمس فيه أنه المسيا الذي تترقبه الأجيال ليخبرهم بكل شيء، فتأهلت أن يعلن لها: “أنا الذي أكلمك هو“. بلغت قمة الإعلان الإلهي بفم المخلص نفسه، ففاقت الكثيرين.

أجاب يسوع وقال لها:

كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا“. [13]

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا،

فلن يعطش إلى الأبد،

بل الماء الذي أعطيه، يصير فيه ينبوع ماء، ينبع إلى حياة أبدية“. [14]

لم يوبخها السيد المسيح لأنها ظنت يعقوب أعظم منه، وماء البئر أفضل من مائه الحي، بل في لطفٍ شديٍ بدأ يكشف لها عن الماء الحي، مقارنًا إياه بماء بئر يعقوب. أوضح أنه لا وجه للمقارنة بين ماء يروي الجسد إلى حين، وماء يسند النفس أبديًا ويرويها، فلا تعتاز إلى شيء.

الماء الذي يقدمه السيد له ميزات خاصة:

 هو عطية إلهية “أنا أعطية“، لذا يهب فرحًا إلهيًا: “فتستقون مياهًا بفرحٍ من ينابيع الخلاص” (إش 12: 3).

 يهب حياة أبدية بلا احتياج، “لن يعطش إلى الأبد“. “من يقبل إلي فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا” (يو 6: 35).

 ماء داخلي في النفس “يصير فيه“. لذا يناجيها واهب المياه الحية، قائلا: “أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم” (نش 4: 12).

 يحول الأعماق إلى ينبوع فياض على الغير. “من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي” (يو 7: 38).

يسمي السيد المسيح الروح نارًا، مشيرًا إلى النعمة التي تنشط وتدفئ، قادرة على محو الخطايا والتطهير منها، كما أنه في تعبيره عنه بالماء يعلن عن قدرته على التنظيف وإزالة الأوساخ، والانتعاش العظيم الذي تحدثه في العقول التي تقبل الروح.

اشتهى الأنبياء هذه المياه الحية، حيث يسمعون الدعوة المقدمة للكل: “أيها العطاش جميعًا، هلموا إلى المياه” (إش 55: 1). كما قيل: “لا يجوعون ولا يعطشون، ولا يضربهم حر ولا شمس، لأن الذي يرحمهم يهديهم، وإلى ينابيع المياه يوردهم” (إش 49: 10). كما قيل في سفر الرؤيا: “لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس، ولا شيء من الحر، لأن الخروف في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية” (رؤ 7: 16).

القديس كبريانوس

سمعت المرأة من قبل هذا القول: “الماء الحي” لكنها لم تفهم، لذلك أوضح لها المسيح هذا المعنى أفضل إيضاح فقال: “لكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد”، لأن هذا أعظم سموًا من الماء بكثير، فكما أن من يملك بئرًا موضوعة داخل منزله لا يعاني من العطش في وقت من الأوقات، كذلك من يمتلك هذا الماء لن يعطش في وقت من زمانه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

حسنة هي هذه المياه، نعمة الروح القدس… ليتها تفيض فيَّ، ليت هذه التي تعطي الحياة الأبدية تفيض عليّ.

ليفض الينبوع علينا، ولا يفيض بعيدًا عنا. إذ تقول الحكمة: “اشرب مياهًا من أوانيك، ومن ينابيع آباؤك، ولتفض مياهك في شوارعك” (راجع أم 16:5-17). كيف احتفظ بآنيتي حتى لا يتسلل إليها شقوق الخطية، فلا تتسرب منها مياه الحياة الأبدية؟

علمنا أيها الرب يسوع، علَّمنا كما علِّمت رسلك قائلاً: “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث لا يفسد السوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون” (مت 19:6-20)[27].

القديس أمبروسيوس
العلامة أوريجينوس

إن كان العلامة أوريجينوس قد كرس طاقاته وقدراته منذ طفولته للتمتع بالكتاب المقدس وشرحه لكنه ميَّز بين مياه الكتاب المقدس والمياه التي يقدمها رب المجد يسوع. فإن الكتاب يفيض بالأسرار الإلهية على النفس لنتمتع بالشركة مع الثالوث القدوس، لكن تبقى بعد الأسرار يحتفظ بها الرب يسوع ليقدمها سرًا للنفس المتحدة معه. إنه العريس السماوي الذي يفيض بأسراره على عروسه في مجال العرس.

لقد مُنع يوحنا من الكتابة عندما بدأ يسجل كل ما قالته السبعة رعود (رؤ ١٠: ٤). بولس أيضًا يقول أنه سمع كلمات لا يسوغ النطق بها (٢ كو ١٢: ٤). هذه الكلمات لم يكن مسموح لأحدٍ أن يعلنها…

أظن أن كل الكتب المقدسة حتى حين تُدرك بكل دقة ليست إلاَّ مدخلاً للمبادئ ومقدمة مختصرة لكل المعرفة… ماء يسوع هو ذاك الذي يفوق ما هو مكتوب (١ كو ٤: ٦).

الآن غير مسموح للكل أن يمتحن الأمور التي تفوق ما هو مكتوب (١ كو ٤: ٦)… “لا تطلبوا لكم الأمور الفائقة العلو، ولا تبحثوا ما فوق قدرتكم” (راجع ابن سيراخ ٣: ٢١)…

أيضًا الأمور التي لم تدخل قلب إنسان هي أعظم من بئر يعقوب. تُعلن هذه الأمور من ينبوع ماء يفيض (يثب) إلى حياة أبدية للذين لم يعد بعد لهم قلب إنسان، لكنهم قادرون على القول “لنا فكر المسيح” (١ كو ٢: ١٦). “لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلم بها أيضًا، لا بأقوال تُعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس” (١ كو ٢: ١٢–١٣)…

الكتب المقدسة إذن هي مقدمات، تُدعى بئر يعقوب. إذ تُدرك بدقة للحال يلتزم الشخص أن يصعد منها إلى يسوع، لكي يتمتع بسخاء بينبوعٍ يثب إلى حياة أبدية.

لكن ليس كل أحد يسحب ماءً من بئر يعقوب بنفس الطريقة. فإن كان يعقوب وبنوه ومواشيه شربوا منها (يو ٤: ١٢)، والمرأة السامرية أيضًا جاءت إليها وشربت ماءً وعطشت، لكن ربما شرب يعقوب وبنوه بطريقة ما بمعرفة كاملة، وشربت مواشيه بطريقة أخرى في بساطة مثل الحيوانات، والسامرية شربت بطريقة أخرى غير يعقوب وبنيه ومواشيه. فالبعض حكماء يشربون من الكتب المقدسة مثل يعقوب وبنيه. آخرون أكثر بساطة وبراءة يُدعون “قطيع المسيح” (يو ١٠: ٢٦) يشربون مثل مواشي يعقوب. وآخرون يسيئون فهم الكتب المقدسة ويستخدمون أمورًا غير لائقة ينسبونها للنصوص التي يفهمونها من الكتب المقدسة، هؤلاء يشربون مثل المرأة السامرية قبل إيمانها بيسوع[30].

العلامة أوريجينوس

القديس أغناطيوس الأنطاكي

القديس غريغوريوس النيسي

قالت له المرأة:

يا سيد اعطني هذا الماء لكي لا أعطش،

ولا آتي إلى هنا لأستقي“. [15]

أرأيت كيف أن المرأة فضلت المسيح على رئيس الآباء إذ أوضحت رأيها في يعقوب ومقدار عظمته وعرفت الأفضل منه؟

القديس يوحنا الذهبي الفم

 تستطيع الآن أن تتأمل في الحق بعيدًا عن ماء يعقوب، بطريقة ملائكية تفوق الإنسان. لأن الملائكة ليسوا في حاجة إلى بئر يعقوب لكي يشربوا.

كل ملاك له في داخله ينبوع ماء يثب إلى حياة أبدية وُجد بواسطة الكلمة، ويُعلن به وبالحكمة نفسها.

على أي الأحوال إنه غير ممكن للشخص الذي لا ينشغل باجتهاد قادمًا إلى بئر يعقوب، وساحبًا ماءً منه بسبب عطشه، أن يقبل الماء الذي يعطيه الكلمة الذي يختلف عن بئر يعقوب. لهذا، كثير من الناس، في عجزٍ شديدً في هذا الجانب، في تدريب أنفسهم لمدة طويلة على سحب ماء من بئر يعقوب[34].

العلامة أوريجينوس

قال لها يسوع:

اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا“. [16]

حوَّل السيد المسيح الحوار من الحديث عن الماء إلى الحديث عن حياتها الزوجية، فإن كانت قد أدركت أنها في حاجة إلى ماء من صنفٍ جديدٍ قادر أن يروي، ويهب حياة أبدية، فإنه يلزمها أن تعيد تقييم حياتها الزوجية، فإنها في حاجة إلى عريس لنفسها.

أوضح السيد المسيح لها، دون أن يجرح مشاعرها، أنه يعرف ما في قلبها كما يعرف كل أسرارها العائلية، لكي يحثها على الشعور بالخطية وحاجتها إلى التوبة.

“أجابت المرأة وقالت:

ليس لي زوج.

قال لها يسوع:

حسنًا قلتِ ليس لي زوج“. [17]

ياله من طبيب إلهي ماهر، فقد كشف عن علة المرأة، وبدأ بمشرطه الإلهي أن يضرب في الجسد لكن بمهارة وقدرة وحب، فجعلها تعترف بما لم يكن لامرأة أن تنطق به: “ليس لي زوج“. لم يصدر اعترافها عن تبكيتٍ جارحٍ، ولا عن تشهيرٍ بها حتى أمام نفسها، إنما بحبه أيقظ ضميرها، وكشف لها عن شخصه، فاطمأنت له وصارحته بحقيقة موقفها، إذ أدركت أنه قادر أن يضمد جراحاتها ويرد لها صحتها الروحية.

إذن إن كان الزوج يُعرف بأنه الناموس، والسامرية لها زوج إذ أخضعت نفسها إلى ناموس ما على أساس سوء فهم للتعاليم السليمة، الناموس الذي به كل مبتدع يود أن يعيشه، هنا يريد الكلمة الإلهي من النفس المبتدعة أن تُفضح عندما تُدخل الناموس الذي يحكمها. وإذ تحتقر نفسها لأنها لا تنتمي إلى زوجٍ شرعيٍ تبحث عن زوج آخر. إنه يود لها أن تنتمي إلى آخر، إلى الكلمة الذي يقوم من الأموات، الذي لن يهزم ولن يهلك، بل يبقى إلى الأبد (إش ٤٠: ٨؛ ١ بط ١: ٢٥)، هذا الذي يحكم ويُخضع كل أعدائه (مز ٨: ٧؛ أف ١: ٢٢). فإن “المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضًا، لا يسود عليه الموت بعد؛ لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله” (رو ٦: ٩–١٠)، بكونه عن يمينه (عب ١٠: ١٢)، حتى يخضع كل أعدائه تحت قدميه (مز ١٠٩: ١)… لهذا السبب يقول يسوع لها: “اذهبي وأدعي زوجك“… وإذ أجابته “ليـس لي زوج” [١٧] أدانت نفسها على ارتباطها بزوج كهذا[35].

العلامة أوريجينوس

لأنه كان لك خمسة أزواج،

والذي لكِ الآن ليس هو زوجك.

هذا قلتِ بالصدق“. [18]

في رقة عجيبة لم يجرح مشاعرها لأنها تعيش مع من هو ليس برجلها بعد خمس زيجات، وحوَّل حوارها من المجادلة حول الخلافات بين اليهود والسامريين إلى العبادة الجديدة التي تضم كل العالم، ويتمتع بها المؤمن أينما وجد.

يرى القديس جيروم أنه يليق ترك الرجال الخمسة الذين يشيرون إلى حرفية الناموس في الأسفار الموسوية، والرجل السادس وهو يشير إلى المبتدعين، لكي نلتقي بالسيد المسيح مخلص العالم[36].

         يرى القديس أغسطينوس أن هذه المرأة قد تزوجت بخمسة رجال والذي معها ليس برجلها. الأزواج الخمسة هم الحواس الخمس، فقد ارتبطت نفسها بالحواس الجسدية، التي لم تستطع أن تشبعها، لأنها لا تقود النفس إلى الأبدية، بل إلى المحسوسات الزمنية المؤقتة. والآن الذي معها ليس برجلها، إنه العقل (غير المقدس) الذي لا يقودها إلى الكلمة والحق، بل إلى الخطأ، يقدم لها مفاهيم خاطئة. إنها محتاجة إلى عريس نفسها، رجلها القادر أن يقودها إلى الحكمة والحق والشبع.

القديس يوحنا الذهبي الفم

العلامة أوريجينوس

القديس جيروم

قالت له المرأة:

يا سيد أرى أنك نبي“. [19]

إذ كشف لها السيد المسيح عن شخصه تدريجيًا، اكتشفت المرأة أنه عالم بكل أسرارها الخفية أدركت حسب مفهومها أنه نبي، ووثقت أنه قادر أن يجيب بصدقٍ على التساؤل الذي يحير الكثيرين: هل تتحقق العبادة الصادقة في أورشليم كما يقول اليهود أم على جبل الجرزيم كما يقول السامريون؟ وهو الجبل الذي نُطق عليه بالبركات، ويرى البعض أنه نفس الجبل الذي بنى عليه إبراهيم المذبح (تك ١٢: ٦–٧)، وأيضًا يعقوب (تك ٣٣: ١٨–٢٠).

لقد سلم السامريون الهيكل الذي بناه لهم سنبلطSanballat  (عام ٣٣٢ ق.م.) لانتيخوس أبيفانيوس، طالبين منه أن يُكرس للإله جوبتر أولمبياس Jupiter Olympius، وقد نفوا كل علاقة لهم باليهود، حتى لا يعانوا من الضيقات المرة التي صبها انتيخوس عليهم.

هكذا تحول الحوار إلى الحديث عن موضع العبادة: هل هو أورشليم أم جبل الجرزيم؟

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

آباؤنا سجدوا في هذا الجبل،

وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه“. [20]

حسب السامريون أن جبل جرزيم مقدس، عليه ينبغي أن يسجدوا لله. وهو الجبل الذي تقع البئر عند سفحه مباشرة قيل انه على هذا الجبل بنى إبراهيم مذبحًا، وعليه تقابل مع ملكي صادق حيث باركه. على هذا الجبل أمر موسى النبي بمباركة الشعب عند العبور إلى الأردن حيث وقف عليه شمعون ولاوي ويهوذا ويساكر ويوسف وبنيامين بينما وقف رأوبين وجاد واشير وزبولون ودان ونفتالي على جبل عيبال للعنة (تث ٢٧: ١١–١٣). على الجانب الآخر فإن اليهود حسبوا صهيون مسكن الله الذي اختاره أب الجميع، وعليه أقيم الهيكل ومارس الكهنة واللاويون العبادة فيه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

إذن هل تطلب جبلاً؟ انزل لكي تقترب إليه.

هل تصعد؟ اصعد، ولكن لا تطلب جبلاً. قيل: “الصاعدون في قلبه، في وادي البكاء” (مز 84: 6). الوادي هو التواضع. لتفعل هذا كله في داخلك.

حتى إن أردت أن تطلب مكانًا مرتفعًا، موضعًا مقدسًا، اجعل لك هيكلاً في داخلك. “لأن هيكل اللَّه مقدس، الذي أنتم هو” (1 كو 3: 17).

أتريد أن تصلي في هيكلٍ؟ الجبل في داخلك، إن كنت أنت أولاً هيكل اللَّه، لأنه في هيكله يسمع من يصلي[45].

القديس أغسطينوس

قال لها يسوع:

يا امرأة صدقيني إنه تأتي ساعة،

لا في هذا الجبل،

ولا في أورشليم،

تسجدون للآب“. [21]

لقد حلت الساعة التي جاء فيها ابن الإنسان ليرفع الإنسان من الحرف إلى الروح، فما يشغل ذهن المؤمنين ليس الموضع، بل وضعهم كأبناء للآب السماوي.

العلامة أوريجينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

“أنتم تسجدون لما لستم تعلمون،

أما نحن فنسجد لما نعلم،

لأن الخلاص هو من اليهود“. [22]

بقوله: “لما لستم تعلمون” يشير إلى إنكار السامريين لأسفار الأنبياء التي تمهد طريق المعرفة للتعرف على شخص المسيا المخلص. وبقوله “نسجد لما نعلم” يشير إلى الأسفار الإلهية كطريق آمن للمعرفة والعبادة الحقيقية. ضم السيد المسيح نفسه إلى جمهور العابدين، لأنه صار في تواضعه ابن الإنسان.

لم يخجل ابن الله الوحيد من أن يعلن طاعته للآب وسجوده وعبادته له، بينما يستهين كثير من بني البشر في كبريائهم بالعبادة ويحسبونها مضيعة للوقت.

لأن الخلاص هو من اليهود“: ظهر الخلاص الأبدي من اليهود (رو ٩: ٥) وقُدم لهم أولاً. سلمت لهم التعاليم الإلهية (رو ٣: ٢)، وخدمة الله (رو ٩: ٤)، ومنهم جاء المسيا، ومنهم تبدأ الكرازة بالإنجيل للأمم.

فإن سألت: كيف لم يعرف السامريون من هو الذي يسجدون له؟! أجبت: لأنهم اعتقدوا بأن الله يحده مكان معين ويتحيز لهم، لهذا يسجدون له. إذ أرسلوا للفرس قائلين: “إن إله هذا المكان غاضب من أجلنا” (٢ مل ٢٦). ظنوا أنه يوجد إله محدود، فعلى هذا استرضوه وعبدوه، ولهذا السبب لبثوا يسترضون الأصنام، ويسترضون إله المسكونة، أما اليهود فكانوا بعيدين عن هذا الظن، فقد عرفوا الله أنه إله المسكونة كلها، وإن كان هذا الرأي لم يكن رأيهم كلهم، فلهذا السبب قال المسيح: “أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم[51].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أمبروسيوس

ولكن تأتي ساعة وهي الآن،

حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق،

لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له“. [23]

عوض الانشغال بمكان العبادة يلزم الانشغال بحال الفكر الداخلي، وهيكل الله داخل النفس، وكيفية تقديم العبادة لله الذي هو روح. فالله الآب يطلب العابدين بقلوبهم، ونادرًا ما يوجدون، إذ قيل: “من هو هذا الذي أرهن قلبه ليدنو إليَّ يقول الرب” (إر ٣٠: ٢١). طريق العبادة بالروح ضيق، لأن فيه لا يطلب الإنسان مجد الناس بل مجد الله.

العبادة بالروح تحول القلب إلى صهيون الحقيقية التي يشتهيها الله كقول المرتل: “لأن الرب اختار صهيون، اشتهاها مسكنًا له؛ هذه هي راحتي إلى الأبد؛ ههنا أسكن لأنه اشتهيتها (مز ١٣٢: ١٣–١٤).

القديس يوحنا الذهبي الفم

العلامة أوريجينوس

الله روح،

والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا“. [24]

وإن سألت: ومن هم الساجدون الحقيقيون؟ أجبتك: الذين لا يربطون عبادتهم بمكانٍ محددٍ، وهم ينجذبون بالروح. وكما يقول بولس الرسول: “الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه” (رو ١: ٩). وفي موضع آخر يقول: “أطلب إليكم أيها الاخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم الفعلية” (رو ١٢: ١).

قول المسيح للمرأة السامرية: “الله روح” لا يدل على معنى آخر إلا على أنه خالٍ من جسم، لذلك ينبغي أن تكون عبادة للخالي من جسم خالية من جسم أيضًا، وأن نقدمها بما هو فينا خالٍ من جسم، أي أن تكون بروحنا وبنقاوة عقلنا، لذلك قال المسيح: “والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا[56].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس جيروم

اللَّه روح“؛ فذاك الذي هو روح قد وُلد روحيًا بكونه غير جسدي بنسبٍ غير مدرك ولا مفحوص.

الابن نفسه يقول للآب: “قال الرب لي: أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك” هذا “اليوم” ليس زمنيًا بل سرمدي. اليوم هنا غير زمني بل قبل كل الدهور. “من الرحم قبل كوكب الصبح ولدتك[58]“.[59]

القديس كيرلس الأورشليمي

ليقرأوا أن الآب يُدعى “الروح“، كما يقول للرب في الإنجيل: “لأن اللَّه روح” [24]. والمسيح يدعى “الروح“، إذ قال إرميا: “الروح أمام وجهنا، المسـيح الرب”) مرا 20:4) [60].

القديس أمبروسيوس

القديس هيلاري أسقف بواتييه

قالت له المرأة:

أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي،

فمتى جاء ذاك،

يخبرنا بكل شيء“. [25]

أخيرًا جاء الحوار بخصوص المسيا، فإذ لم تعترض السامرية على ما يقوله بل شعرت بقوة في داخلها سألته عما كان يدور في أذهان اليهود والسامريين، وهو: متى يأتي المسيا؟ فمع العداوة القائمة بين اليهود والسامريين إلاَّ أن أمرًا واحدًا كان الكل يترقبه، وربما تحدث كثير من المعلمين عنه في ذلك الوقت، وهو تحقيق الوعد الإلهي الخاص بمجيء المسيا وحلول مملكته.

مع ما لحق بها من فساد بسبب خطيتها لكن شوقها لمعرفة الحق وترقبها في تواضع لمجيء المخلص هيأها للالتقاء مع السيد والتعرف عليه والشهادة له.

القديس يوحنا الذهبي الفم

قال لها يسوع:

أنا الذي أكلمك هو“. [26]

لم يتحدث السيد المسيح مع اليهود، ولا حتى مع تلاميذه بعبارات مباشرة هكذا: “أنا الذي أكلمك هو“.

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

4. كرازة السامرية الناجحة

وعند ذلك جاء تلاميذه،

وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة،

ولكن لم يقل أحد ماذا تطلب؟

أو لماذا تتكلم معها؟” [27]

لم يكن في ذهن التلاميذ أن معلمهم الذي كانوا يترقبون ملكوته العظيم على الأرض يتحدث مع امرأة فقيرة سامرية. إنها ليست من قطيع إسرائيل الضال، وفي ذهنهم لا يمكن أن يكون لها دور في ملكوته، فلماذا يتحدث معها؟

هذا ومن جانب آخر فإنه لم يكن من عادة الرجال أن يتحدثوا مع نساء في الطريق، حتى وإن كانت زوجاتهم، وقد وجدت قوانين كثيرة سنها الحاخامات في هذا الشأن.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فتركت المرأة جرتها،

ومضت إلى المدينة،

وقالت للناس“. [28]

إذ تمتعت السامرية بالحق الإلهي تركت جرتها، ونسيت ما جاءت من أجله، وعادت إلى المدينة دون الماء، إنما لتقدم ماء الحق لأهل المدينة. تركت جرتها لأنها لم ترد أن تعوقها الجرة عن الإسراع نحو المدينة لتشهد للحق. أخبرت الجميع في الشوارع أنها وجدت الكنز الذي تبحث عنه، ووجدت ينبوع سرورها الداخلي.

سبق أن طلب السيد منها أن تدعو زوجها [١٦]، وها هي قد دعت كل رجال المدينة ونجحت في مهمتها.

لم تخبرهم أنه حاورها في أمور دينية خطيرة خاصة بمكان العبادة وطريقة ممارستها، بل ما لمس قلبها حقًا أنه عرف أسرارها واجتذبها بقوة كلمته إليه، فتعرفت على شخصه، إنه هو المسيا.

لقد جلبت أيضًا نفعًا للذين سكنوا معها في ذات المدينة، على أساس معتقداتها القديمة، أي شاركوها تعاليمها الخاطئة. إنها العلة التي جعلتهم يخرجون من المدينة ويأتون إلى يسوع[69].

العلامة أوريجينوس

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت،

ألعل هذا هو المسيح؟” [29]

كلمات السامرية تكشف عن سعادتها الداخلية بلقائها مع المسيا مخلص العالم، وتمتعها بمن يملأ أعماقها. لم يهبها الرجال الستة سعادة، لكن لقاءها مع مخلصها بعث فيها روح السعادة والعمل من أجل الآخرين لخلاصهم.

لم تكن الدعوة أن يأتوا ليروا أمرًا غريبًا، ولا أن يدخلوا معه في حوارٍ، بل أن يتمتعوا بفاحص القلوب، المسيا مخلص العالم. فمن أهم السمات التي كان اليهود ينتظرونها في المسيا أنه عالم بما في القلوب.

في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني ادعى Barchochab أنه المسيا، وإذ خدع كثيرين جاءوا إليه بأشخاصٍ لا يعرفهم بعضهم كانوا مجرمين وآخرون أبرياء، وطلبوا منه أن يميز بين الأشرار والأبرار، وإذ لم يستطع قتلوه.

كانت السامربة حكيمة في كرازتها، إذ لم تملي عليهم إيمانها فيه بل بحكمة طلبت منهم أن يأتوا وينظروا ليتحققوا من شخصه: “ألعل هذا هو المسيح؟!” [٢٩].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس جيروم

تأمل كيف اقتادت المرأة أهل المدينة بأوفر فهمٍ، لأنها لم تقل لهم: تعالوا أبصروا المسيح، لكنها اجتذبت الناس بالمقارنة التي اقتنصها بها المسيح فقالت: “هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت“.

قالت المرأة السامرية: هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت”، لم تخجل أن تقول ذلك، مع أنه كان يمكنها أن تقول قولاً غير هذا، وهو: تعالوا انظروا من يتنبأ. إذا أضرمت النار الإلهية نفوس أحدنا لا ينظر إلى شيءٍ من الأمور الأرضية، لا إلى الشرف ولا إلى خجل.

انظر حكمة المرأة إنها لم تجزم أنه هو المسيح بحكم واضح ولا صمتت، لأنها أرادت أن تجتذبهم إليه، ليس بحكمها هي، وإنما باستماعهم له.

القديس يوحنا الذهبي الفم

داود جده لم يجهله عندما قال: “رتبت سراجًا لمسيحي” (مز 7:132)، هذا السراج الذى فسره البعض أنه بهاء البنوة (2 بط 19:1) وفسره البعض أنه الجسد الذى أخذه من العذراء…

لم يجهل النبي أمر المسيح إذ قال: “وأعلن بين البشر بمسيحه His Anointed” (عا 13:4 الترجمة السبعينية).

موسى أيضًا عرفه، وإشعياء، وإرميا. لم يجهله أحد من الانبياء، بل حتى الشياطين عرفته إذ انتهرها…

رئيس الكهنة لم يعرفه، والشياطين اعترفت به.

رئيس الكهنة لم يعرفه، والسامرية أعلنت عنه قائلةً: “انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت، ألعل هذا هو المسيح؟!” (يو 29:4)[77].

القديس كيرلس الأورشليمي

فخرجوا من المدينة وأتوا اليه“. [30]

لقد جاء الوقت الذي فيه بشر البرص بالخلاص العظيم لأصل السامرة (٢ مل ٧: ٣ الخ). ها هي امرأة سامرية لها ماضٍ مؤلم تصير أول كارزة بالأخبار المفرحة للسامرة، فتكسب المدينة كلها لحساب السيد المسيح.

وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين:

يا معلم كلْ”. [31]

القديس يوحنا الذهبي الفم

بينما انطلقت المرأة السامرية للكرازة بكل قوة، إذ بالتلاميذ ينشغلون بتقديم طعام للسيد المسيح، لأنه كان جائعًا ومُتعب.

فقال لهم:

أنا لي طعام لأكل لستم تعرفونه أنتم“. [32]

يقول العلامة أوريجينوس أن للأجسام طعام يختلف عما للأرواح، وكما أن الأجسام نفسها تختلف في احتياجاتها من جهة نوع الطعام وكميته، هكذا أيضًا بالنسبة للأرواح والنفوس.

كان السيد المسيح ينتهز كل فرصة ليرفع عقول تلاميذه وقلوبهم إلى ما فوق الزمن، إلى السماء عينها. لقد أعلن لهم عن مدى بهجته بخلاص النفوس بكونه طعامه الشهي. لقد وجد شبعه وراحته في التعب من أجل كل نفسٍ، ومن أجل تحقيق خطة أبيه. إنه لن يستريح، بل يبقى مثابرًا على العمل حتى يعبر من هذا العالم.

إنه بالحقيقة يوجد البقول وأيضًا الطعام القوي (رو ١٤: ٢؛ عب ٥: ٢) الذي لا ينعش النفوس المحتاجة إلى تقدم في نفس الوقت.

وكما يقول بطرس ليت الأطفال حديثو الولادة يشتهون اللبن العقلي النقي (١بط ٢: ٢). ويطبق نفس الشيء إن كان أحد ما مثل الطفل كأهل كورنثوس الذين يقول لهم بولس: “سقيتكم لبنا لا طعامًا” (١ كو ٣: ٢).

ليت الضعيف يأكل بقولاً لأنه لا يؤمن (رو ١٤: ٢). هكذا علَّم بولس عندما قال: “واحد يؤمن أن يأكل كل شيء، وأما الضعيف فيأكل بقولاً” (رو ١٤: ٢).

ويوجد بالحقيقة وقت فيه “أكلة من البقول حيث صداقة مع نعمة خير من ثور معلوف ومعه بغضة” (راجع أم ١٥: ١٧). أما الطعام القوي فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر” (عب ٥: ١٤). ولكن يوجد أيضًا طعام بغيض كما يعلمنا سفر الملوك الرابع عندما قال بعض الرجال لأليشع: “موت في القدر يا رجل الله” (٢ مل ٤: ٤٠)…

يليق بنا أن نرتفع بالفكر من الكائنات غير العاقلة والبشرية إلى الملائكة الذين هم أيضًا ينتعشون بالطعام، فإنهم ليسوا في عدم عوز تمامًا. “أكل الإنسان خبز الملائكة” (مز ٧٧: ٢٥).

لكن الآن يلزمنا أن نعبر إلى العبارة التي أمامنا بخصوص طعام المسيح، الذي لم يكن يعرفه التلاميذ عندئذ، إذ يقول يسوع الحق: “أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم” (يو ٤: ٣١). لأن التلاميذ لم يكونوا يعرفوا ما كان يسوع يفعله حينما كان يفعل إرادة من أرسله ويتمم أعماله الكاملة [٣٤]. إنه يفعل إرادة الآب التي هي واحدة مع إرادته[78].

العلامة أوريجينوس

         يرى القديس أغسطينوس أن طعام السيد المسيح هو أن يتمم إرادة الآب، وأن يشرب من إيمان المرأة به. بهذه يطعِّمها جسده الذي هو الكنيسة، أي تصير عضوًا في الجسد. يرى العلامة أوريجينوس أنه ليس الإنسان وحده بل وكل كائن عاقل سيتمتع بالكمال بيسوع بكونه عمل الله[79].

العلامة أوريجينوس

القديس جيروم

القديس أغسطينوس

فقال التلاميذ بعضهم لبعض:

ألعل أحدًا أتاه بشيءٍ لياكل؟” [33]

لم يدرك التلاميذ أن الكلمة الإلهي هو الذي عال إيليا في البرية عند نهر كريت، فكان يُرسل له طعامًا يوميًا بواسطة غراب (١ مل ١٧: ٤–٦). وأنه في البرية جاءت ملائكة تخدمه (مت ٤: ١١).

قال لهم يسوع:

طعامي أن اعمل مشيئة الذي أرسلني،

وأتمم عمله“. [34]

يرى القديس أمبروسيوس أن حديث السيد المسيح هنا يشير إلى عمل المسيح في حياة الناس لكي يعملوا إرادة الآب، ويتمموا عمله، لأن ما يفعله الناس كأعضاء في جسد المسيح، يُحسب كأنه هو نفسه قد عمله[83].

أكلنا وشربنا وقراءتنا وخدمتنا وعبادتنا كلها إنما لخدمة خلاص النفوس. هذه هي إرادة أبينا السماوي، طعام نفوسنا الشهي.

لقد هلكت النفوس بسبب عدم المعرفة. وقد وهبنا الله مفتاح الملكوت الذي هو إنجيله ومعرفة كلمته.

القديس أمبروسيوس

من تدعوه العروس لوليمتها التي تتكون من فاكهتها الخاصة؟

لمن تُجهز العروس وليمتها التي أقامتها من مصادرها الخاصة؟

من تدعوه العروس لكي يأكل مما عرضته؟ “هو الذي منه وبه وله كل الأشياء” (رو 36:11). إنه يعطى كل شخص طعامه في حينه (مز 15:145)، يفتح يده ويملأ كل كائن حي بالنعيم. هو الخبز النازل من السماء (يو 41:6)، هو الذي يعطى الحياة للعالم ويجعل المياه تفيض من نبعه الخاص للحياة.

هذا هو الواحد الذي ترتب العروس له مائدتها. وهي الحديقة التي تنبت منها أشجار حيّة.

ترمز الأشجار إلينا وتُشير أرواحنا المُخلّصة إلى الطعام المُقدم له. وقال لتلاميذه: “أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم” (يو 32:4، 34). تتميم إرادة اللّه المقدسة: “فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1 تي 4:2).

هذا الخلاص هو الغذاء الذي يُجهز له. تعطى إرادتنا الحرة الثمرة للّه وهي أرواحنا، ليقطفها من على غصنها الصغير. تمتعت العروس في البداية بثمرة التفاح الحلوة المذاق قائلة” وثمرته حلوة لحلقي” (نش 3:2). ثم أصبحت هي نفسها الثمرة الجميلة الحلوة التي قُدمت للراعي ليتمتع بها[86].

القديس غريغوريوس النيسي

أما تقولون انه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد.

ها أنا أقول لكم:

ارفعوا اعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد“. [35]

أخفى السيد المسيح المعنى الروحي السرائري وراء حديثه عن الحصاد، فإن ما يعنيه هو حصاد ملكوت السماوات الذي يتحقق بعد أربعة حقبات زمنية. الحقبة الأولى الإنسان في جنة عدن حيث لم يقدم الثمر اللائق، وجاء عصر الناموس الطبيعي (الآباء البطاركة)، ثم عصر الناموس الموسوي، وأخيرًا الحقبة الرابعة حيث عهد النعمة. فيتم حصاد كل الحقبات لحساب ملكوت السماوات، ويتحقق كمال الحصاد في مجيء المسيح على السحاب حيث ينتهي العصر الأخير.

يطلب السيد المسيح الحصاد الذي لن يتحقق بدون العمل الجاد بسرورٍ ومثابرة. فالعملٍ ضرورة حتمية وملحة للتمتع بالحصاد.

إنه يرى الحصاد القادم حيث يأتي كثير من السامريين إليه خلال خدمة المرأة السامرية، يؤمنون به ويتأهلون للبس الثياب البيضاء.

العلامة أوريجينوس

كتب القديس جيروم إلى أبيغيوس Abigaus كاهن Baetica بأسبانيا يعزّيه في عماه الجسدي ويبعث فيه روح الفرح من أجل ما يتمتع به من بصيرة داخلية:

القديس جيروم

والحاصد يأخذ أجرة،

ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية،

لكي يفرح الزارع والحاصد معًا“. [36]

الآن يتقدم السيد المسيح بكونه الزارع الذي غرس الكلمة في قلب السامرية، وفي ساعات قليلة جدًا قام بدور الحاصد، وفرح وتهلل من أجل الثمر حيث آمن به كل أهل المدينة قائلين: “إن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم” [٤٢].

القديس يوحنا الذهبي الفم

الآن فإن الخطة الكاملة الخاصة بإعلان السرّ المحفوظ في كتمان لأزمنة أبدية، والآن أُعلن خلال الأسفار النبوية وظهور ربنا يسوع المسيح، وذلك في الوقت الذي فيه جعل النور الحقيقي الحقول مبيضة للحصاد، إذ أشرق عليها بكونه البذرة.

حسب هذا التفسير الحقول التي غُرست فيها البذور هي كتابات الناموس والأنبياء التي لم تكن قد ابيضت بالنسبة للذين لم يتقبلوا حضور الكلمة. لكنها صارت هكذا بالنسبة للذين صاروا تلاميذ ابن الله، وأطاعوه، هذا القائل: “ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد” [٣٥][91].

إن تردد أحد في قبول أنه حتى الآن الذي يزرع يفرح مع كل من يحصد، ليذكر ما حدث في تجلي يسوع كنوعٍ من الحصاد عندما ظهر في مجدٍ، ليس فقط للحصادين بطرس ويعقوب ويوحنا الذين صعدوا معه على الجبل، بل وأيضًا للغارسين موسى وإيليا من قبل، فاستناروا إلى هذا الحد بواسطة الآب وأناروا الذين رأوه. هكذا الآن يُرى موسى وإيليا معًا مع الرسل القديسين[93].

العلامة أوريجينوس

لأنه في هذا يصدق القول:

إن واحدًا يزرع،

وآخر يحصد“. [37]

هوذا السيد المسيح يرسل تلاميذه للحصاد، الحقل الذي تعب فيه آباء وأنبياء العهد القديم زمانًا هذا مقداره.

العلامة أوريجينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه.

آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم“. [38]

في الحصاد ننال عائدًا عظيمًا بينما الجهد والألم ليسا هكذا عظيمًا، حقًا أنه أكثر سهولة… العمل الشاق الذي يتطلب جهدًا هو غرس البذور ودخول النفس التي لم تنل العضوية (الكنسية) إلى معرفة الله… هذه هي رغبة الأنبياء أن يحضروا كل البشر إليّ، هذا ما كان يعده الناموس. بسبب هذا كانوا يغرسون لكي يأتوا بهذا الثمر. بهذا كله يظهر أنه أرسلهم أيضًا وأن العلاقة بين الجديد والقديم عظيمة، وقد أظهر هذا كله بهذا المثل[97].

القديس يوحنا الذهبي الفم

العلامة أوريجينوس

5. إيمان السامريين به

فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين،

بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد أنه قال لي كل ما فعلت“. [39]

لم يرَ أهل سوخار معجزة ما، لكن ما اجتذبهم إلى السيد المسيح هو شخصه وحديثه الإلهي. تمتعوا بكلمة المسيح الواهبة الحياة، هذا ما سيؤكده الإنجيلي في الحقبة التالية… في حواره الأول السابق مع نيقوديموس القائد الديني ركز السيد على الميلاد الجديد بالمعمودية، وهنا يركز السيد على شخصه لكي يقبله الأمم ويتمتعوا بعمله الخلاصي.

العلامة أوريجينوس

فلما جاء إليه السامريون،

سألوه أن يمكث عندهم،

فمكث هناك يومين“. [40]

يرى العلامة أوريجينوس أن يسوع مكث معهم ليس في مدينتهم، إذ خرجوا إليه خارج مدينتهم [٣٠]، أي مكث في عقولهم.

لم يذكر الكتاب أنه صنع آيات بينهم، إذ كانوا بسطاء محتاجين ومستعدين لسماع الكلمة، تعلقوا بالسيد المسيح من أجل الحق. ولم يطلبوا آيات لكي يتحققوا من شخصه كما طلب كثير من القيادات اليهودية.

في إنجيل لوقا نجد سامريين رفضوا أن يعبر يسوع بمدينتهم (لو ٩: ٣٥). هنا نجد سامريين يسألونه أن يمكث معهم، ففي كل شعب نجد من يقبل الحق، ومن لا يطيقه.

مع أن السيد المسيح كان في طريقه من اليهودية إلى الجليل، ومرّ عابرًا بالسامرة، فإنه إذ وجد فرصة للخدمة، وقبولاً للكلمة لم يرفض طلب السامريين بل مكث معهم يومين.

العلامة أوريجينوس

فآمن به أكثر جدًا بسبب كلامه“. [41]

لقاؤهم مع السيد وهبهم نموًا في الإيمان وتزايدًا في عدد المؤمنين.

القديس يوحنا الذهبي الفم

وقالوا للمرأة:

إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن،

لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم“. [42]

رؤيتهم للسيد المسيح وسماعهم له ثبَّت إيمانهم الذي تسلموه من المرأة، وانجذب كثيرون معهم في ذات الإيمان، كما تعرفوا عليه أنه ليس مخلص اليهود وحدهم ولا معهم السامريون فحسب، بل هو بالحقيقة مخلص العالم الذي قال عنه إشعياء النبي: “جعلتك نورًا للأمم، لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض” (إش ٤٩: ٦).

إيمانهم حمل يقينًا “بالحقيقة المسيح مخلص العالم“، وكما قالت ملكة سبأ لسليمان الملك: “صحيحًا كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وحكمتك، ولم أصدق، حتى جئت وأبصرت عيناي، فهوذا النصف لم أُخبر به” (١ مل ١٠: ٦–٧).

هذه هي البذار التي غرسها السيد المسيح في السامرة في خلال يومين، نسمع بعد حوالي أربع أو خمس سنوات عن تبشير فيلبس في السامرة، حيث وجد بذارًا صالحة في الأرض (أع ٨: ٥–٦، ٨). كما وجد أيضًا أشرارًا مثل سيمون الساحر (أع ٨: ٩–١٠).

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس يوحنا الذهبي الفم

حقًا إنه من الأفضل أن تكون شاهد عيان للكلمة، وأن تسمع له، دون استخدام الأعضاء الجسمانية وتدَّخل المعلمين، هذا الذي يعلم ويقدم صورًا أمام العقل لإظهار الحق بأكثر وضوح، أفضل من الاستماع للرسالة عنه خلال الخدام الذين رأوه بينما لا يراه الشخص ولم يستنر بقوته[104].

العلامة أوريجينوس

6. ذهابه إلى الجليل

وبعد اليومين خرج من هناك،

ومضى إلى الجليل“. [43]

القديس أغسطينوس

لأن يسوع نفسه شهد أن ليس لنبي كرامة في وطنه“. [44]

يرى البعض أن الإنجيلي يقصد أن يسوع ذهب إلى الجليل وليس الناصرة، وإن كان قد اعتاد السيد أن يذكر هذا المثل مشيرًا إلى وطنه “الناصرة” (مت ١٣: ٥٧؛ مر ٦: ٤؛ لو ٤: ٢٤).

لم يذهب السيد المسيح إلى وطنه بل إلى الجليل ليس طلبًا للكرامة الزمنية، وإنما لأنه لا يقحم نفسه علي شعب يرفضه. حتى عندما ظهر لتلاميذه وسط العاصفة يقول الإنجيلي: “ولما قبلوه دخل السفينة”. يشتهي السيد أن يعبر إلينا، ويدخل إلى مدينتنا، ويقود سفينة حياتنا، لكن ليس قهرًا بل عندما نطلبه. هذا ومن جانب آخر فإن الذين يطلبونه ويكرمونه يطلبهم ويكرمهم. “أكرم الذين يكرمونني، والذين يحتقرونني يصغرون” (أم 2: 30). إنه لجأ إلي الجليل بعد أن قدم كل فرصة ممكنة لشعبه ووطنه، إذ يقول: “بسطت يدي طول النهار إلي شعب متمرد” (إش 65: 2؛ رو 10: 21).

القديس يوحنا الذهبي الفم

فلما جاء إلى الجليل قبله الجليليون،

إذ كانوا قد عاينوا كل ما فعل في أورشليم في العيد،

لأنهم هم أيضًا جاءوا إلى العيد“. [45]

قبله الجليليون بكونه المسيا الموعود به، وذلك بسبب ما رأوه من آيات وعجائب صنعها في أورشليم حين كان في عيد الفصح (يو ٢: ٢٣).

القديس يوحنا الذهبي الفم

فجاء يسوع أيضًا إلى قانا الجليل حيث صنع الماء خمرًا،

وكان خادم للملك ابنه مريض في كفرناحوم“. [46]

كانت قانا على الطريق من الناصرة إلى كفرناحوم وبحر طبرية.

يرى العلامة أوريجينوس أن زيارتي يسوع إلى قانا الجليل تشيران إلى مجيئيه الأول والأخير. ففي المجيء الأول حول الماء خمرًا، وفي الثاني وهب الحياة لابن خادم الملك الذي أوشك على الموت. [توجد أيضًا زيارتان للكلمة في النفس. في الأولى يهبها خمرًا من الماء، لأجل بهجة الذين يعيدون معًا، والثانية فيها ينزع كل مرض لمدى طويل، وكل تهديد للموت[109].]

العلامة أوريجينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

7. شفاء ابن خادم الملك

هذا إذ سمع أن يسوع قد جاء من اليهودية إلى الجليل،

انطلق إليه وسأله أن ينزل ويشفي ابنه،

لأنه كان مشرفًا على الموت“. [47]

         لم يفعل السيد المسيح شيئًا سوى أنه تكلم، مقدمًا كلماته واهبة للحياة، إذ كان الابن قد قارب الموت [47].

خادم الملك Basilibos، وهو حارس في القصر الملكي. يرى كثير من الدارسين أن الملك هنا هو هيرودس أنتيباس رئيس ربع علي الجليل، كان الشعب يدعوه “الملك”. يرى القديس چيروم أن اسمه Palantinus، بينما يرى آخرون أنه خوزي Chuza (لو ٨: ٣) وهو زوج يونا السيدة التي كانت تتبع السيد المسيح مع النساء اللواتي كن يخدمنه من أموالهن الخاصة، وآخرون أنه مناين Manaen (أع ١٣: ١).

جاء الوصف هنا دقيقًا، إذ يقول: “سأله أن ينزل…”، لأن السيد كان في قانا الجليل وهى علي هضبة عالية جدًا بينما كفرناحوم تقع على شاطئ بحر الجليل في مستوى البحر. هذا يؤكد أن الكاتب يدرك تمامًا طبيعة المنطقة.

جاء خادم الملك من كفرناحوم إلى قانا، وهي مسافة تبلغ حوالي 16 ميلاً.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن هذا الشخص إما أن يكون من الأسرة الملكية، أو نال كرامة عظيمة بسبب وظيفته، لهذا لقب بالنبيل أو الشريف. كما يقول أن البعض يحسبونه ذات الشخص الوارد في مت 8: 5، لكن القديس يرفض ذلك، فإن الاختلاف بينهما ليس من جهة الكرامة فحسب، وإنما من جهة الإيمان أيضًا. فالوارد في إنجيل متى حتى عندما أراد يسوع أن يذهب إليه توسل إليه أن يبقى؛ أما هذا فقد طلب من السيد أن يأتي إلى بيته دون أن يسأل السيد هذا. الأول قال “لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي” والثاني حثه علي المجيء قائلا: “انزل قبل أن يموت ابني”. في الحالة الأولى كان السيد نازلاً من الجبل داخلاً كفرناحوم، أما هنا فجاء من السامرة ولم يدخل كفرناحوم بل قانا حيث قابله الرجل. الأول كان خادمه مصابًا بفالج، أما هنا فابنه مصاب بحمى[112].

فقال له يسوع:

لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب“. [48]

لم يقل له السيد أنه ليس له إيمان، بل كان ضعيفًا في إيمانه. لم يكن قادرًا أن يؤمن بأن السيد يشفيه ما لم يحضر بنفسه من قانا إلى كفرناحوم. إنه الإيمان الضعيف الذي يقوم علي أساس المعجزات، وهو إيمان كثيرًا ما لا يتعدى العقل، لذا يتعرض للضعف والشك. هذا بخلاف الإيمان خلال إعلان الله للنفس، وتمتعها بأسرار الكلمة الإلهية.

يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم لماذا قال السيد المسيح هذا مع أنه واضح أن هذا الشخص كان مؤمنًا، وما أن سمع كلمة من السيد المسيح حتى آمن [50]؟ ويجيب علي ذلك بقوله: [إما أنه استخدم هذه الكلمات لتزكية السامريين، لأنهم آمنوا دون آيات، أو لكي يلمس بها كفرناحوم التي يظن إنها وطنه، والتي جاء منها هذا الشخص. أضف إلى هذا ما قاله شخص ما “أؤمن يا سيد فأعن عدم إيماني” (مر 9: 24). هكذا إن كان هذا الحاكم قد آمن، فإن إيمانه لم يكن كاملاً، أو لم يكن سليمًا، هذا يظهر من سؤاله عن الساعة التي فيها أخذ يتعافى [52]، ليعرف إن كان ما قد حدث طبيعيًا أم بناء على أمر المسيح[113].

قال له خادم الملك:

 يا سيد انزل قبل أن يموت ابني“. [49]

مع إيمانه الذي جعله يتحرك ليقطع هذه الرحلة، ويلتقي مع السيد المسيح، تاركًا ابنه علي فراش الموت، لكنه في ضعف لم يدرك أنه يتحدث مع غالب الموت وواهب القيامة. في مرارة كان يتعجل تحرك السيد المسيح إلى بيته قبل أن يموت ابنه. لقد ملك الفزع علي قلب أب كاد أن يفقد ابنه، وقد أظهر السيد نوعًا من التباطؤ، ليس في عدم مشاركة لمشاعر الأب المرتعب من موت ابنه، وإنما لبنيان نفسه ونفوس كثيرة. يريد السيد أن يوجه أنظار الأب وكل من حوله إلى سرّ الحياة والقيامة، إلى شخصه كمخلص العالم. أما عمل الآية فيُعطى كهبة إضافية كمن يطلب ملكوت الله وبره.

كثيرا ما تحدث القديس أغسطينوس عن ضعف علاقتنا بالله وانحرافها، حينما لا يشغلنا سوى التمتع بالنعم والبركات الزمنية من الله صانع الخيرات عوض الانشغال به واقتناءه في داخلنا.

بنفس الروح يطالبنا القديس بولس ألا تكون علاقتنا بالقديسين مجرد علاقة للتمتع بمعونتهم، خاصة في حل المشاكل المادية أو المعنوية أو الاجتماعية، إنما في الدرجة الأولى علاقة حب داخلي كأساس للإقتداء بسيرتهم في المسيح يسوع. ” انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم”.

القديس يوحنا الذهبي الفم

البابا غريغوريوس (الكبير)

قال له يسوع:

اذهب ابنك حي؟

فآمن الرجل بالكلمة التي قالها له يسوع وذهب“. [50]

اهتمام السيد المسيح بتوجيه خادم الملك إلي الإيمان الحي القوي لا يعنى تجاهله الجهد الذي بذله بحضوره إليه وقطعه هذه الرحلة، فإن مسيحنا لا ينسى تعب المحبة، ولا يتجاهل كأس ماء بارد يُقدم باسمه. هذا وهو الكلي الحب لا يتجاهل مشاعر أب يرى ابنه علي سرير الموت، وقد اعتصر قلب الآب. وأخيرًا فإن لجاجة الرجل لها تقديرها، إذ يطالبنا أن نصلي ولا نمل، وقد مدح الأرملة التي من أجل لجاجتها سمع لها القاضي الظالم.

بقوله: “اذهب ابنك حي” أعلن سلطانه المطلق، فهو ملك الملوك ورب الأرباب له “الحياة في ذاته”، صاحب سلطان، ينتهر الأمراض فتهرب، والموت فيولي هاربًا. أما خادم الملك فيعرف ما للأوامر الملكية من سلطان وقوة، فلا تًقاس فيها. تقبل الكلمة كأمر ملكي وانطلق في يقين بلا جدال ولا حوار ليتمتع بهذا الكنز الثمين: الأمر الإلهي النافذ العمل!

آمن القائد، لكن بقي الإيمان مشروطًا في داخله، وهو أن يتأكد بأن ابنه قد شُفي، لذلك قيل فيما بعد: “فآمن هو وبيته كله” (٥٣).

وفيما هو نازل استقبله عبيده وأخبروه قائلين:

إن ابنك حيّ”. [51]

فاستخبرهم عن الساعة التي فيها أخذ يتعافى،

فقالوا له أمس في الساعة السابعة تركته الحمى“. [52]

بسؤاله كشف خادم الملك عن ضعف إيمانه، لكن كما قيل عن السيد: “فتيلة مدخنة لا يطفئ، وقصبة مرضوضة لا يقصف” (مت 12: 20). إنه الراعي الذي يهتم بالخراف الضعيفة حتى يسندها، ويدخل بها إلى حظيرة الإيمان.

ففهم الآب انه في تلك الساعة التي قال له فيها يسوع إن ابنك حي،

فآمن هو وبيته كله“. [53]

هذه أيضًا آية ثانية صنعها يسوع لما جاء من اليهودية إلى الجليل“. [54]

سبق فأشار الإنجيلي إلي معجزة تحويل الماء خمرًا عندما قال بأن يسوع جاء إلى قانا الجليل [46]، وها هنا يشير إليها بقوله: “هذه أيضا آية ثانية صنعها يسوع…” وكأن الإنجيلي أراد أن يربط بين الآيتين، الأولي في بداية خدمة السيد المسيح حيث حوَّل العالم إلي عرس أبدي ليتمتع الكل بخمر محبة الله وفرح السماء الذي لا ينقطع. والثانية حيث أشرف ابن خادم الملك علي الموت، وغالبًا ما كان أمميًا، فوهبه الشفاء ليعلن أنه يطلب سلامة الشعب أو سلامة عروسه. تمجد السيد المسيح في المعجزة الأولى أمام صاحب العرس اليهودي، وتمجد هنا أمام الجموع التي جاءت في بيت خادم الملك الأممي.

ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الإنجيلي ذكر هذا ليكشف عن سمو السامريين الذين آمنوا بالسيد المسيح دون أن يروا المعجزة الأولى أو الثانية، بل قبلوه من خلال تعليمه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

 

من وحي يو 4

ينبوع حبك يروي أعماق نفسي!

   لا تقف أمامه صعاب أو عقبات!

   من أجل امرأة سامرية فقيرة وسيرتها مشينة،

   انطلقت إلى السامرة، سائرًا على قدميك، صائمًا!

   يا من يشتهي السمائيون أن يحملوك.

   جسدك الرقيق صار مرهقًا!

   لكن نفسك كانت في ظمأ إلى خلاص المرأة!

   لم يكن لديها خادم أو جارية يجلب لها ماءً.

   وجَدّتك وحدك وسط الظهيرة تبحث عنها.

   تحمل إليها ينابيع مياه حيّة،

   من يشرب منها لا يعطش أبدًا.

   التطلع إليك ألهب قلبها للعبادة للَّه.

   وثقَتْ فيكَ، فاسترسلَت تتحدث في أمر العبادة!

   تعرَّفَت عليك،َ وتدرّجت في معرفتها لك.

   إذ بحثَتْ عنك بإخلاص، أعلنتَ ذاتك لها!

   لكن حديثك سحب كل كيانها للتمتع بالخلاص.

   اعترفت بأسرارها لشخصية، إذ وجدت عريس نفسها.

   لم يشبعها الرجال الخمسة السابقين، ولا الرجل الذي معها.

   أدركت أن أسفار موسى الخمسة،

   والتعاليم التي بين يديها،

   لن تروي ظمأها.

   أنت وحدك عريس نفسها.

      فاتسع قلبها بالحب لكل بشرٍ.

   تركت جرّتها، ودون أن تستأذن جرت إلى مدينتها.

   بقلبها الناري لم تخجل أن تعترف بحكمة فائقة:

   “إنسان قال لي كل ما فعلت،

   ألعلّ هذا هو المسيح؟!”

   خرجت المدينة بأسرها وانطلقت  نحو العريس العجيب!

   ولا تدربت على فن الشهادة،

   لكنها فعلت ما لم يفعله رسول أو تلميذ!

   بحبها جذبت المدينة كلها،

   وإذ التقوا بكَ رفضوا أن يتعلّموا من غيرك.

   أعلنوا في يقين ما لم يعلنه تلاميذك:

   نعلم أن هذا هو بالحقيقة مخلص العالم!

   أنت واهب الشفاء والحياة.

   يا من أقمت ابن خادم الملك كما من الموت!

   أقم نفسي المسكينة،

   فتتمتع بك، يا مصدر الحياة والفرح!

[1] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:3.

[2] Homilies on St. John, 31:1-2.

[3] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:2.

[4] Homilies on St. John, 31:2.

[5] Letter 108:13.

[6] Homilies on St. John, 31:2.

[7] Homilies on St. John, 31:3.

[8] Of the Holy Spirit 1:16:184-185.

[9] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:4.

[10] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:7.

[11] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:8.

[12] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:9.

[13] Homilies on St. John, 31:3.

[14] Sermon on N.T. Lessons, 49:3.

[15] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:11.

[16] Homilies on St. John, 31:3.

[17] Homilies on St. John, 31:3.

[18] Homilies on St. John, 31:4.

[19] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 15:12.

[20] Homilies on St. John, 31:4.

[21] Of the Holy Spirit 1:16:175.

[22] Adam Clarke Comm.

[23] Hom. On John, 32:1.

[24] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:16.

[25] EP. 62 to Caecillius.

[26] Hom. On John, 32: 1.

[27] Of the Holy Spirit 1:16:181-182.

[28] Commentary on John, Book 13:20.

[29] Commentary on John, Book 13:25.

[30]Commentary on John, Book 13:27 – 39

[31] Romans 7:2.

[32] نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نوّار، عظة 5.

[33] Hom. On John, 32.

[34]Commentary on John, Book 13:41 – 42.

[35]Commentary on John, Book 13:43 – 50.

[36] Letter 108:13

[37] راجع السامرية: دار القديس يوحنا الحبيب للنشر بالقاهرة Hom. on John, 32.

[38] Commentary on John, Book 13:51.

[39] Commentary on John, Book 13:52.

[40] Letter 48:18.

[41] Hom. On John, 32.

[42] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:23.

[43] راجع السامرية: دار القديس يوحنا الحبيب للنشر بالقاهرة Hom. on John, 32: 2.

[44] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:24.

[45] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:25.

[46]Commentary on John, Book 13:98 – 99.

[47] Hom. On John, 3 3: 1.

[48] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:26.

[49] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:27.

[50] Hom. on John, 3 3: 1.

[51] Hom. on John, 3 3: 1.

[52]Of The Christian Faith , Book 5 , ch. 4 (50).

[53] Hom. on John, 3 3: 2.

[54] Hom. 33 PG 59: 191.

[55] Commentary on John, Book 13:112.

[56] Hom. on John, 3 3.

[57] Letter 58:3.

[58] مز 3:11 “من الفجر لك كل حداثتك “.

[59] مقال 11: 5.

[60] Of the Holy Spirit Book 1:9:105.

[61] On the Trinity Book 2 (31)

[62] Hom. on John, 33: 2.

[63] Hom. on John, 33: 2.

[64] Sermon on N.T. Lessons, 51:2.

[65] Hom 34.PG 59: 195

[66] Hom. on John, 33: 3.

[67] Commentary on John, Book 13:175.

[68] Commentary on John, Book 13:179.

[69] Commentary on John, Book 13:181.

[70] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:30

[71] Hom. on John, 34: 1.

[72] Hom. On John, 32.

[73] Hom 34. PG 59: 195.

[74] Hom. on John, 34: 1.

[75] Hom. on John, 34: 1.

[76] Letter 125:1.

[77] مقال 10: 15.

[78] Commentary on John, Book 13:206 – 217.

[79] Cf. Commentary on John, Book 13:245.

[80] Commentary on John, Book 13:242.

[81] Letter 108:13

[82] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 15:31.

[83] On the Christian Faith, Book 5:13:169.

[84] Duties of the Clergy 1:31:163-164.

[85] Sermon Against Auxentius, 14.

[86] نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نوّار، عظة 10.

[87] Commentary on John, Book 13:274 – 276.

[88] Commentary on John, Book 13:278.

[89] Commentary on John, Book 13:284.s

[90] Letter 76:2.

[91] Commentary on John, Book 13:305 – 307.

[92] Commentary on John, Book 13:308.

[93] Commentary on John, Book 13:309 – 310.

[94] Commentary on John, Book 13:322.

[95] Hom. on John, 34: 2.

[96] Hom. on John, 34: 2.

[97] Hom 34. PG 59: 197 – 198.

[98] Commentary on John, Book 13:326.

[99] Commentary on John, Book 13:340.

[100] Commentary on John, Book 13:246.

[101] Commentary on John, Book 13:347.

[102] Hom. on John, 35: 1.

[103] Hom. on John, 35: 1.

[104] Commentary on John, Book 13:352

[105] Commentary on John, Book 13:363.

[106] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 16:3.

[107] Homilies on St. John, 35:1.

[108] Homilies on St. John, 35:2.

[109] Commentary on John, Book 13:392.

[110] Commentary on John, Book 13:438 – 439.

[111] Homilies on St. John, 35:2.

[112] Homilies on St. John, 35:2.

[113] Homilies on St. John, 35:2,

[114] Hom 35. PG 59: 204

[115] Hom 28 , Forty Gospel Homilies. PL 76: 1211.

[116] Hom 36. PG 59: 206.

تفسير انجيل يوحنا 4 الأصحاح الرابع – القمص تادرس يعقوب ملطي

Exit mobile version