Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير انجيل يوحنا 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير انجيل يوحنا 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

الباب الثاني

 

 

 

آياته وأعماله

تعلن عن لاهوته

 

ص 2- ص 12

خدمة ابن اللَّه العامة

أو

سفر الآيات

يو 2- يو 12

        

سبع مراحل وسبع آيات

سبع مراحل

يرى البعض أن القديس يوحنا يتحرك في قوة وجرأة ليلتقط من أعمال السيد المسيح ومقالاته سبع آيات خلال سبع مراحل متمايزة.

المرحلة الأولى: البداية الجديدة (ص 2- ص 4)

         يُعرف إنجيل يوحنا بإنجيل التجديد، ويُدعى سفر التكوين للعهد الجديد، أو سفر التكوين المسيحي، حيث يقدم لنا قصة تجديد الخليقة بقوة. ففي هذه المرحلة نجد عدة لقاءات للسيد المسيح يركز فيها السيد على التجديد:

في كل هذه اللقاءات يبرز عنصر الجدة. ما أعلنه هنا بالأعمال والحوار هو امتداد وتحقيق لما نادى به في الموعظة على الجبل عن تجديد فهمنا للوصية: “قد سمعتم أنه قيل للقدماء… وأما أنا فأقول لكم…” (مت 5: 21-22)، وما ورد في إنجيل مرقس الرسول: “ليس أحد يخيط رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق، وإلا فالملء الجديد يأخذ من العتيق، فيصير الخرق أردأ. وليس أحد يجعل خمرًا جديدة في زقاق عتيقة، لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف، بل يجعلون خمرًا جديدة في زقاق جديدة” (مر 2: 21-22).

هكذا يقدم لنا الإنجيل السيد المسيح واهب الحياة المسيانية الجديدة والهيكل الجديد المُقام والميلاد الجديد والعبادة الجديدة والوصية الجديدة.

المرحلة الثانية: يسوع الكلمة واهب الحياة (ص 4: 43- ص 5:47)

         إذ يقدم الكلمة الإلهي التجديد في كل جوانب الحياة يحتاج المؤمن إلى السيد المسيح كواهب الحياة.

تحوي هذه المرحلة ثلاثة فصول تحث عن التمتع بكلمة اللَّه واهب الحياة:

المرحلة الثالثة: يسوع خبز الحياة السماوي (ص 6)

         يحتاج الإنسان إلى النمو الدائم حتى يحيا ولا يموت، هذا الذي لن يتحقق بدون تناول الطعام اليومي. لذلك اشبع السيد المسيح الجموع بالخبزات القليلة، والتقى مع تلاميذه وهو سائر على المياه، وأخيرًا حدّثهم عن نفسه أنه الخبز السماوي، من يأكل منه لا يجوع، بل يتمتع بالشبع أبديًا، فيتمتع بنموٍ دائم لا ينقطع.

المرحلة الرابعة: يسوع المرفوض (ص 7 – ص 8)

         بينما يهتم السيد بأن يقدم للإنسان الحياة الجديدة والخبز الجديد لكي يحيا معه في سمواته في نموٍ دائم، لا يطيق الإنسان اللقاء معه. فقد جاء الابن الوحيد الجنس متجسدًا لأجل خاصته، وخاصته لم تقبله. ففتح الباب للأمم لكي يصير الكل من خاصته. هكذا يبقى مسيحنا مرفوضًا مع كنيسته عبر الأجيال، ويبقى هو خادمًا حتى لرافضيه، باسطًا يديه لهم بالحبٍ، حتى يقبلوا الشركة معه.

المرحلة الخامسة: يسوع نور العالم (ص 9 – ص 10)

         يود السيد المسيح أن يقدم لهم المعرفة الصادقة للحق، حتى تستنير أعينهم. حقًا إن الذين يدركون عماهم ينالون منه النور كنعمةٍ مجانية، أما الذين يدعون التمتع بالبصيرة فيبقون في ظلمة عماهم.

المرحلة السادسة: يسوع القيامة (ص 11)

آخر عدو يهدد حياة الإنسان هو الموت، لذلك لن يتوقف السيد المسيح عن العبور إلى مقابرنا لكي يقيمنا، مؤكدًا لنا أنه غالب الموت وقاهر الجحيم.

المرحلة السابعة: واهب الحياة خلال الموت (ص 11: 55 – ص 12:50)

سبع آيات

يضم هذه القسم 7 معجزات:

  1. تحويل الماء خمرًا في عرس قانا الجليل (2).
  2. شفاء ابن خادم الملك (4).
  3. شفاء مفلوج بيت حسدا (5).
  4. إشباع الجموع (6).
  5. السير على المياه (6).
  6. شفاء المولود أعمى (9).
  7. إقامة لعازر (11).

 

الاصحاح الثاني

العريس مفرح النفوس

 عرس قانا الجليل

في الأصحاح الأول قدم لنا الإنجيلي يوحنا بكور التلاميذ، الآن يقدم لنا بكر المعجزات ألا وهي معجزة تحويل الماء خمرًا في عرس قانا الجليل في بدء خدمته، حيث بدأ عصرًا جديدًا مسيانيًا، فيه تتحول مياه التطهيرات حسب الناموس القديم إلى خمرٍ من صنف جديد.

كان اليهود يترقبون العصر المسياني المتسم بالفيض من الخيرات مع الفرح الفائق للطبيعة. وقد عُبر عن ذلك في باروخ الثاني 29: “يوجد على كل كرمة ألف غصن، وكل غصن يحمل ألفًا من العناقيد، وكل عنقود يحمل ألفًا من العنب، وكل عنبة تحوي كورًا cor (حوالي 120 جالون) من الخمر… هذه ستكون للذين في نهاية العالم”. وقد استقى بابياس هذه الفكرة عندما تخيّل مجيء المسيح على الأرض ليملك ألف عام وما تحويه مملكته من كروم خيالية[1].

في الإنجيل بحسب القديس مرقس بدأ السيد المسيح خدمته إذ “جاء يسوع إلي الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله” (مر 1:14). وهنا يحدثنا الإنجيلي عن بدء هذه البشارة المفرحة بحضوره في عرس بقانا الجليل وتحويل الماء إلى خمر. كرز بحضوره، وكرز برد البهجة علي العروسين وأهلهما وأصدقائهما. فإن ملكوت السموات يشبه عشر عذارى “خرجن لاستقبال العريس” (مت 25: 1)، أو “ملكًا صنع عرسًا لابنه” (مت 22: 1). وحسب السيد المسيح حلوله وسط تلاميذ تحولاً لحياتهم إلى عرسٍ، سئل: “لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين وأما تلاميذك فلا يصومون؟” قال لهم: “هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم؟ مادام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا. ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون في تلك الأيام” (مر 2: 18-20). يقول الرسول : “الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا” (2 كو 5: 17).

دعوة ربنا يسوع وتلاميذه إلي العرس لم تكن بلا معنى، فإن كان السيد المسيح هو العريس السماوي، فإن التلاميذ وهم بكور كنيسة العهد الجديد هم العروس الروحية. وكأن عرس قانا الجليل وقد تم حسب الناموس والتقليد اليهودي، كان يضم في أعماقه عرسًا خفيًا لم يكن أحد بعد يدركه، عرس السيد المسيح مع كنيسته، هذا الذي يمتد ليس أسبوعًا كما في الطقس اليهودي (تك 29: 27؛ قض 14: 12)، وإنما الزمن كله حتى يعلن في يوم الرب العظيم (رؤ 21: 2).

في هذا الإصحاح يؤكد الإنجيلي الحقائق التالية:

1, بدأ يسوع بالعمل في العرس، لكي يعلن حبه للبشرية، فيحملها إلى السماء كما إلى حجالٍ للعريس. نتمتع بالفرح السماوي، ونحمل انعكاس بهاء مجده علينا. إنه يؤكد أنه جاء إلى العالم ليحول حياتنا إلى عرسٍ مفرحٍ. تحويل ماء حياتنا إلى خمر يشير إلى الفرح الروحي الأبدي (إش 55 :1؛ أف 18:5-20).

القديس كيرلس الكبير

القديس أغسطينوس

  1. حول ماء التطهير إلى خمر، فبدء عمله هو أن ينقلنا من حرفية الناموس حيثُ التطهيرات إلي فرح الروح، لنعيش في عصرٍ جديدٍ ببداية جديدة. بدأ العمل مع العروسين الشابين ليؤكد السيد المسيح اهتمامه بالشباب، وطلب صداقتهم ليهبهم بهجة لا تنقطع.
  2. إذ يدخل بنا إلى عرسه الأبدي، إنما يقيمه في هيكل قدسه، لذا قام بتطهير الهيكل [13-17]. لقد طلب اليهود آية [18]، أما هو فقدم آية موته وقيامته [19]، التي لم يفهمها أعداؤه بل وحاولوا تشويهها، أما أصدقاؤه فأدركوها بعد قيامته (مت61:26؛ 40:27، يو 18:10). انتقل الإنجيلي بنا من العروس إلي عيد الفصح لنرى مسيحنا يطهر الهيكل من الباعة والصيارفة. ويؤكد إقامة هيكل جديد في ثلاثة أيام [19] محولاً أنظارنا من الهيكل الحجري إلى هيكل النفس الداخلية حيث يقيم الله ملكوته في داخلنا. هكذا صار لنا في العصر الجديد هيكل جديد لا يقدُم ولا يشيخ.
  3. تحويل الماء خمرًا 1-12.
  4. تطهير الهيكل 13-17.
  5. طلب آية 18- 25.

1. تحويل الماء خمرًا

في اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل،

وكانت أم يسوع هناك“. [1]

في اليوم الثالث“، هكذا أراد الإنجيلي أن يوضح أنه في كل يوم جديد كان السيد المسيح يقوم بعملٍ جديدٍ وخدمةٍ جديدةٍ. لم يعبر يوم من أيام حياته على الأرض دون عمل. هكذا من يرتبط بالسيد المسيح تصير أيام حياته كلها أيام عمل، ليس من بينها يوم مفقود.

قوله “في اليوم الثالث” لا يخلو من معنى رمزي، فقد جاء يسوع المسيح بنفسه إلى كنيسته في المرحلة الثالثة ليقيم عرسه معها. العصر الأول هو عصر الآباء ما قبل الناموس، والثاني عصر الأنبياء في ظل الناموس، والثالث عهد النعمة حيث أشرق النور الحقيقي على العالم ليبدد ظلمته.

القديس كيرلس الكبير

بقوله “قانا الجليل” يميزها عن قانا الأخرى التابعة لافرايم في منطقة السامرة (يش ١٦: ٨؛ ١٧: ٩).

بدأت خدمته في قانا الجليل حيث سبط أشير (يش ١٩: ٢٨). وقد تنبأ يعقوب أثناء تقديم البركة للأسباط قائلاً: “أشير خبزه سمين، وهو يعطي لذات ملوك” (تك ٤٩: ٢٠). هكذا يقدم السيد المسيح في منطقة أشور خبز النفس السمين ويقدم ملذات روحية للملوك الروحيين. بدأ السيد عمله في ركنٍ ناءٍ من الدولة، منعزلٍ عن العاصمة “أورشليم” ليعلن انه جاء ليخدم، لا ليطلب مجدًا من الناس. جاء يخدم البسطاء الذين لا يقاومون كالكتبة والفريسيين ورؤساء الكهنة وغيرهم من القيادات الدينية.

يرى Bede أن “قانا الجليل” تعني “غيرة الهجرة”. وكأن العرس الروحي يتحقق مع أولئك الذين لهم غيرة في المباراة نحو الهجرة من الرذائل إلى الفضائل، ومن الأرضيات إلى السماويات، وذلك بالرجاء والحب.

القديس كيرلس الكبير

هذا هو أول زواج مسيحي تم في العالم، كان حسب مشيئة الله، وإلا ما كان أصحاب العرس قد دعوا يسوع وتلاميذه. أما حضور القديسة مريم العذراء واهتمامها بالعرس، فإنها كانت مثالاً حيًا للعروس الطاهرة التي تفتح قلبها بالحب لكل إنسان.

كانت أم يسوع هناك” [1] غالبًا ليس كأحد المدعوين وإنما كأحد أفراد الأسرة، لهذا أدركت أن الخمر قد فرغت الأمر الذي لا يدركه المدعوون بل أصحاب العرس. هذا لم يكن بلا معنى، فإن كان هذا العرس هو أول آية صنعها يسوع ليربط بين العهد القديم والعهد الجديد، فإن أم يسوع وهي من سبط يهوذا أحد أفراد عائلة العهد القديم تتوسط لدى ابنها ليعلن بهجة الخلاص المفقودة، فقد فرغ خمر الفرح، وانقطع الأنبياء إلي فترة طويلة، وساد الحزن والمرارة علي الشعب.

ودُعي أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس“. [2]

عدم مفارقة السيد المسيح وتلاميذه للعرس يكشف عن روح العروسين وأهلهما وأصدقائهما. كان الجميع يسلكون كما يليق في الرب، فلا يدعون يسوع إلى حين ليستأذن فيتحول العرس إلى حياة خليعة غير لائقة.

القديس جيروم

القديس كيرلس الكبير

والذين دعوا المسيح لم يمتلكوا التمييز الواجب من أجله، ولا دعوه على أنه شخص عظيم، لكنهم دعوه كشخصٍ بسيطٍ كواحد من الكثيرين على أنه معروف عندهم. هذا المعنى ذكره البشير مستورًا إذ قال: وكانت أم يسوع هناك”، فعلى نحو ما دعوها وكذلك دعوا يسوع أيضًا[9].

القديس يوحنا الذهبي الفم

ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له:

ليس لهم خمر“. [3]

لم يذكر الإنجيلي أن القديسة مريم قد دُعيت للعرس، بل دُعي يسوع وتلاميذه الخمسة (حتى ذلك الحين)، لكنها كانت حاضرة غالبًا بكونها أحد أفراد العائلة.

إذ يُدعى السيد المسيح للحضور بالصلاة، يحل ومعه قديسيه (تلاميذه) ليحول الفرح إلى الكنيسة مقدسة، ويفيض على العروسين وكل الحاضرين من ينابيع فرحه السماوي.

         ربما يتساءل البعض: مادام السيد المسيح لم يفعل قبلاً معجزات، فكيف عرفت القديسة مريم أنه قادر أن يقدم للعرس خمرًا بطريقةٍ معجزية؟

لم يكن قد صنع السيد المسيح عملاً معجزيًا علانية من قبل، غير أن القديسة مريم وقد عرفت إمكانياته الإلهية وصلاحه وترفقه بالغير توقعت أنه حتمًا يفعل شيئًا لكي لا يوجد نقص في العرس. إنها تدرك أنه لابد من تدخله عند الضرورة لسد الاحتياجات.

القديس يوحنا الذهبي الفم

ليس لهم خمر” [3]: هذا هو حال إسرائيل إذ زالت عنهم بهجة الخلاص. وكما يقول يوئيل النبي: “اصحوا أيها السكارى وابكوا وولولوا يا جميع شاربي الخمر علي العصير، لأنه قد انقطع عن أفواهكم” (يؤ 1: 5). لقد اكتشفت أم يسوع، ابنة إسرائيل، ما حل بكل شعبها، فصرخت إلي العريس السماوي الذي وحده قادر أن يفيض حياض المعاصر خمرًا وزيتًا (يؤ 2: 24). باسم البشرية كلها رددت قول أبيها داود النبي: “رد لي بهجة خلاصك” (مز 51).

ما أعلنته القديسة مريم إنما خلال خبرتها بالعرس الروحي الجديد الذي تحققت منه حين أحنت رأسها، وقبلت تجسد الكلمة في أحشائها، فصارت أعماقها حفل عرس لا يُعبر عنه، إذ ترنمت قائلة: “تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي” (لو 1 : 46). هذا هو خمر الله الذي يبهج الروح، ويرد المجد والبهاء، ليحيا المؤمنون في عرس لا ينقطع. “كفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك” (إش 6: 5).

تصرف القديسة مريم يكشف عن أمومة المؤمن واهتمامه بسد احتياجات الغير وليس احتياجاته هو، وأنه يلجأ أولاً إلى الينبوع لينال منه بفيضٍ بما يفوق الطبيعة. وأن يقدم الطلب بروح التواضع حيث يعرض الإنسان الموقف دون أن يضع الحَلْ لله كما لو كان أكثر منه حكمة أو حبًا للآخرين.

القديس كيرلس الكبير

قال لها يسوع:

ما لي ولك يا امرأة؟

لم تأتِ ساعتي بعد“. [4]

لم يلقِ السيد المسيح باللوم على العروسين أو أهلهما لأنهم لم يعدوا خمرًا كافيًا، ولم يلم والدته لأنها تدخلت في الأمر، إنما أوضح لها أن لكل عمل وقته أو ساعته المناسبة.

يتعجب البعض كيف يدعو يسوع أمه “يا امرأة” لكن هذه الدهشة تزول حين نراه علي الصليب يكرر: “يا امرأة هوذا ابنك”، فهو يتحدث معها في بدء خدمة الآيات التي تمثل إشارة لبدء حمل الصليب، حيث يُستعلن شخصه فتثور قوى الظلمة ضده لتخطط لموته. فهو لا يتحدث معها بكونها أمه، لأنه ليس من حقها أن تحدد ساعة الصليب، إنما هذا حق الآب الذي أرسله. فقد جاء يتمم مشيئة الآب ببذل ذاته من أجل خلاص العالم.

حقا لقد رافقته القديسة مريم في أول معجزة وهي لا تدري إنها بدء ساعة الصليب، وبقيت معه حتى لحظات الصليب بكونها ممثلة للكنيسة، حواء الجديدة المرافقة لآدم الثاني في طريق آلامه، حتى يسكب بهاء مجده عليها. لقد قيل لها بعد الحبل بالسيد المسيح: “يجوز في قلبك سيف”، وقد بدأ يخترق قلبها في عرس قانا الجليل ليحمل جراحات الحب!

لم يقل “يا أماه” بل “يا امرأة“، لأن ما يمارسه بخصوص تحويل الماء خمرًا لا يصدر بكونه إنسانًا أخذ جسدًا منها، وإنما بعمل لاهوته. حقًا ليس انفصال بين لاهوته وناسوته، وما يمارسه السيد المسيح هو بكونه كلمة الله المتجسد، لكن بعض الأعمال هي خاصة به كابن الله الوحيد، والبعض بكونه ابن الإنسان.

لماذا قال “لم تأتِ ساعتي بعد” وقد قام في نفس الساعة بعمل المعجزة؟ لقد أوضح لها أن ساعته للقيام بآيات علنية ومعجزات عامة أمام الجميع لم تأتِ بعد، لكنه يعمل دومًا. وقد تمم الآية في هدوء بعد أن قدم الخدام الأجران حتى أن رئيس المتكأ والعريس لم يعرفا ذلك وإنما الخدام وحدهم [٩].

القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيد المسيح كان يود أن يأتي الطلب من الذين كانوا في حاجة إلى ذلك وليس من أمه. لأنه إن كان ما يفعله يقوم علي طلب صديق له فمع كونه أمرًا عظيمًا لكن قد يتشكك البعض في الأمر، أما إذا سأل المحتاجون ذلك فلا يحوم الشك حول المعجزة، ويكون النفع أعظم. يشبه القديس الذهبي الفم السيد المسيح بطبيبٍ ماهرٍ متى دخل منزلاً به مرضى كثيرون فإنه إن تحدث مع أمه ولم يتحدث مع أحد المرضى أو مع أقربائهم يتشككون فيه ويتضايق المرضى.

علاوة على هذا فإنني يجب أن أُخبر بذلك ليس منكِ، أنتِ أمي، فسيُشك في المعجزة. يليق بالذين يريدون الخمر أن يأتوا ويطلبوا مني ليس لأني محتاج إلى ذلك، ولكن لكي بإجماعهم الكامل يقبلون المعجزة.

فإن الذي يعرف أنه في عوز يصير شاكرًا عندما ينال عونًا، أما الذي ليس لديه الإحساس بالاحتياج لن يكون لديه إحساس واضح بالمنفعة التي نالها”[14].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس كيرلس الكبير

البابا غريغوريوس (الكبير)

          وقد تبنى Bede ذات التفسير بقوله إن ما قاله السيد هو ليس شيئًا مشتركًا بين لاهوتي الذي ليّ دومًا من الآب وبين جسدك الذي أخذت منه جسدًا. لم تأتِ بعد ساعتي حيث بالموت أثبت الضعف البشري الذي أخذته منكِ. أولاً يليق بيّ أن أبرز قوة لاهوتي السرمدي بممارسة قوتي. لكن تأتي الساعة التي فيها يظهر ما هو عام بينه وبين أمه عندما يموت على الصليب ويهتم بأنه يوصي التلميذ البتول بالعذراء. عندما يتحمل الضعف البشري يتعرف على أمه الذي تسلم ذلك منها، ولكن حين يمارس الإلهيات يبدو كمن لا يعرفها، إذ يعرف إنها ليست مصدر ميلاده اللاهوتي.

قالت أمه للخدام:

مهما قال لكم فافعلوه“. [5]

لم تعاتب ابنها علي كلماته، لأنها أدركت السرّ علي الأقل جزئيًا. شعرت أيضا بعلامات الرضى، فطلبت من الخدام الطاعة بما يوصيهم به السيد المسيح.

استخدم الإنجيلي الكلمة اليونانية “ذياكونيس” لتكشف أنهم خدام أسرار الله الذين يعمل بهم السيد المسيح لخدمة وبهجة شعبه. وكنيسة العهد الجديد تدعو الشمامسة: “ذياكونيين” الذين يقومون بخدمة المذبح مع خدمة الموائد (الاهتمام باحتياجات الفقراء والمرضي..).

في ثقةٍ بحب السيد المسيح للخدمة وحنوه تأكدت أنه حتمًا سيتصرف ويشبع كل نقص. لقد طلبت من الخدام أن يوجهوا أنظارهم إليه ويسمعوا له. هذا هو دور القديسة مريم وكل القديسين ألا وهو توجيه أنظارنا إلى مسيحنا والطاعة الكاملة له.

القديس كيرلس الكبير

القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم[18] في تصرف القديسة مريم درسًا عمليًا في المثابرة تقدمه لنا. فمع ما قاله لها ابنها يسوع لم تكف عن العمل بمثابرة، فقدمت له الخدام، وسألتهم الطاعة له.

وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود،

يسع كل واحدٍ مطرين أو ثلاثة“. [6]

كانت تُستخدم ستة أجران حسب أيام الأسبوع من الأحد حتى الجمعة، كل جرن يخصص ليومٍ معينٍ للتطهير، أما السبت يوم العبادة والراحة فلا يمارس فيه الشخص عملاً يحتاج إلي تطهير.

ليس عجيبًا أن يحول السيد المسيح الماء إلى خمرٍ، فهو الذي يخرج من الأرض خمرًا (مز ١٠٩: ١٤–١٥)، حيث يهب الأرض أن تنتج كرومًا يُعصر عنبها ويتحول إلى خمر.

بدأ موسى معجزاته في الضربات العشر بتحويل الماء إلى دمٍ فيه مرارة وموت، لأن الكل كسروا الناموس، وصاروا تحت اللعنة والموت. أما السيد المسيح فحول الماء إلى خمر، حيث قدم رسالة الخلاص المبهجة. جاء المسيح لا ليدين العالم بل ليخلص، ويهب شبعًا وبهجة ومجدًا داخليًا. دعوته الإنجيلية هي: تعالوا إلى الماء واشتروا خمرًا (إش ٥٥: ١).

كانت هذه الأجران تُستخدم للتطهير، إذ لم يكن يجوز لليهودي أن يأكل ما لم يغتسل أولاً (مر ٧: ٣). كما كان هذا الماء يُستخدم في بعض الطقوس الأخرى الخاصة بالتطهير. وكان المثل السائد بين اليهود: “من يستخدم ماء أكثر في الاغتسال ينال صحة أوفر في هذا العالم”.

كانت هذه الأجران للماء فقط لا يوضع فيها خمر، وكانت من الحجارة، حتى إذا وضع فيها خمر قبلاً لا يبقى له أثر، على عكس الفخار الذي قد يتشرب من السوائل القديمة وينضح على الجديدة. كانت الأجران من الحجارة، فقد رأى زكريا الحجر الموضوع أمام وجه يسوع عليه سبعة أعين (زك 3: 9)، أي له معرفة روحية في المسيح يسوع. ورآه القديس بطرس الرسول حجرًا حيًا يُقام منه هيكل الرب (1 بط 4:2، 5).

          يرى القديس يوحنا الذهبي الفم إن الإنجيلي يؤكد إنها “حسب تطهير اليهود” ليدرك الكل أنه لم يوضع فيها خمر قط بل ماء للتطهير. كما يقول أن فلسطين بلد تُعرف بقلة المياه، فلا توجد القنوات والينابيع في كل موضع لهذا كانوا يملأون الأجران بالماء، حتى لا يسرعوا إلي الأنهار متى تدنسوا في أي وقت، بل يجدون وسائل التطهير بين أيديهم[19].

          يرى البعض الأجران الستة تشير إلى أزمنة العالم الستة التي مرّت بالإنسانية حتى مجيء الرب في الزمن السابع (في الختم السابع في سفر الرؤيا)، وكأنها تشير إلى المؤمنين عبر كل الأجيال الذين يتطهرون من خطاياهم ويشربون خمر الروح المفرح. هذه العصور كما يقول القديس أغسطينوس هي:

  1. من آدم إلى نوح.
  2. من نوح إلى إبراهيم.
  3. من إبراهيم إلى داود.
  4. داود إلى السبي البابلي.
  5. من السبي البابلي إلى يوحنا المعمدان.
  6. من يوحنا المعمدان إلى نهاية العالم.

يعود فيقول القديس أغسطينوس: [أضف إلى هذا أن اللَّه خلق الإنسان على صورته في اليوم السادس، لأنه في العصر السادس أُعلن تجديد ذهننا بالإنجيل ليصير على صورة خالقه، وتحول الماء إلى خمرٍ، لنتذوق المسيح. هذا أُعلنه في الناموس والأنبياء. لهذا وجد ستة أجران وأمر أن تُملأ ماءً. الآن هذه الأجران الستة تعني العصور الستة التي لم تكن بدون نبوات. وهذه الفترات الست انقسمت وانفصلت كما بمفاصل، تبقى فارغة ما لم يملأها المسيح… يلزم أن يُفهم المسيح في كل النبوة[20].]

         ماذا يعني بقوله: “يسع كل واحدٍ مطرين أو ثلاثة” [6]؟ يقول القديس أغسطينوس أن كلمة مطر في اليونانية metrou هو قياس معين، وأن رقم اثنين يشير إلى الآب والابن، والثلاثة يشير إلى الثالوث القدوس. فإنه لم يقل بعض الأجران تسع اثنين والبعض ثلاثة أمطار، بل قال إن كل واحدٍ يسع مطرين أو ثلاثة. حيث جاءت النبوات في أسفار العهد القديم تتحدث عن الآب والابن (السيد المسيح)، وحملت ضمنًا الحديث عن الروح القدس بكونه روح الآب وروح الابن في نفس الوقت. ويرى القديس أغسطينوس [إن الروح القدس هو روح الحب الذي يربط الآب والابن معًا. عندما يقول اثنين يفهم الثالوث القدوس دون أن يُعبر عنه، وأما القول ثلاثة فيفهم منه الثالوث القدوس ويُعبر عنه[21].]

         قلنا أن هذه الأجران الستة تشير إلى الست حقبات التي تتنبأت عن عرس السيد المسيح مع الكنيسة التي من كل الأمم[22].

  1. الجرن الأول يبدأ بآدم الذي يحمل اتحادًا مع حواء وصارا جسدًا واحدًا (تك 2: 24) كاتحاد المسيح بكنيسة (أف 3: 31)، وهما والدان لكل البشرية، وليسا للشعب اليهودي وحده.
  2. الجرن الثاني يبدأ بنوح الممثل للسيد المسيح، وقد ضم في فلكه حيوانات وطيور من كل العالم.
  3. الجرن الثالث يشير إلى إبراهيم الذي بنسله تتبارك كل الأمم.
  4. الجرن الرابع داود المرتل: “قم يا اللَّه دنْ الأرض، لأنك أنت تمتلك كل الأمم” (مز 82: 8)، وقد وضع نغماته آساف المرتل.
  5. الجرن الخامس حيث السبي البابلي، فيه رأى دانيال النبي السيد المسيح كحجرٍ صغيرٍ مقطوع بغير أيدِ بشرية وقد ملأ الأرض كلها (دا 2: 34).
  6. الجرن السادس ينتمي ليوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء، الذي قيل عنه أنه أعظم من نبي (مت11: 11)، وقد تنبأ عن المسيح أنه مرسل لكل الأمم، إذ يقول “إن اللَّه قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم” (مت 3: 9). هكذا يرى القديس أغسطينوس أن الجرن السادس قد شهد لعرس السيد المسيح مع الكنيسة المجتمعة من الأمم. [لأنه من هذه الأمم نحن نأتي، ولكن ما كان يمكننا أن نأتي منها لو لم يقم اللَّه من الحجارة أبناء لإبراهيم. نحن صرنا أبناء إبراهيم بامتثالنا بإيمانه، وليس بميلادنا منه حسب الجسد[23].]

قال لهم يسوع:

املأوا الأجران ماء،

فملأوها إلى فوق“. [7]

         كان يمكن أن يخلق الخمر من العدم، لكنه حول الماء خمرًا ليؤكد أنه ما جاء ليتجاهل الناموس أو يبطله، بل ليكمله، فجاء الإنجيل امتدادًا روحيًا للناموس في غير حرفية. ولكي يجعل الذين استقوا الماء بأنفسهم شهودًا على الأعجوبة الكائنة، ويشهدون أن الأعجوبة لم تكن خيالاً.

يرى القديس أغسطينوس أن الماء هنا يشير إلى العهد القديم “الناموس والأنبياء والمزامير”، العهد القديم كله الذي كان له مذاق الماء لمن لم يدركه روحيًا ويكتشف فيه سرّ المسيح. وقد جاء السيد ليحول الماء إلى خمر مفرح، له مذاق جديد وفاعلية جديدة. [كيف حوّل الماء خمرً؟ عندما فتح فهمهم وشرح لهم الكتب المقدسة، مبتدأ من موسى وكل الأنبياء، فسكروا وقالوا: “ألم تكن قلوبنا ملتهبة فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟!” (لو 24: 32). فقد فهموا المسيح في هذه الكتب، الذي لم يعرفوه من قبل. هكذا حوّل ربنا يسوع الماء إلى خمر، وصار له الآن مذاقًا لم يكن له من قبل، صار الآن يُسكر، الأمر الذي لم يكن له من قبل… لقد أظهر لنا أن الكتاب القديم هو من عنده، إذ بأمره امتلأت أجران الماء. إنها من الرب حقًا، كانت كتب العهد القديم أيضًا، لكن لم يكن لها مذاق ما لم يُفهم المسيح فيها[24].]

في طاعة لوصية الرب ملأ الخدام الأجران إلي الملء، إلي الحافة العليا. هكذا لا يليق بالخادم أن يستريح حتى يتمم الوصية بأن يتلمس في خدمته عمل السيد المسيح “الملء الذي يملأ الكل في الكل” (أف 1: 23). لأنه ليس بكيل يعطي الروح” (يو 3: 34). ليس ما يشغل رجل الله إلا تمتع كل نفسٍ بغنى مجد المسيح الذي لا يُستقصي، فيترنم: “من ملئه نحن جميعًا أخذنا، ونعمة فوق نعمة” (يو 1: 16).

الذي حول الماء خمرا، والذي يبعث الأمطار إلينا كان قادرًا أن يملأ الأجران ماء، ثم يحوله إلي خمر. لكنه في حبه للبشرية لا يتجاهل التزامنا بالعمل معه. فمادام في استطاعتنا أن نملأ الأجران ماء نعمل ما في وسعنا، ويعمل هو ما يستحيل علينا عمله. هكذا في كثير من الأعمال يهبنا كرامة العمل معه ولحساب ملكوته فينا، فيطلب من الحاضرين أن يرفعوا الحجر عن القبر، ويأمر لعازر أن يخرج. هو يهب الحياة والقيامة، ويطلب من التلاميذ أن يحلوا الميت من الأربطة. بهذا نترنم مع الرسول متهللين: “العاملان مع الله”!

ثم قال لهم:

استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ،

فقدموا“. [8]

لم نسمع أنه استدعى اسم الله أو صلى على الماء، لكنه أصدر أمرًا بملء الأجران، وفي الحال طلب تقديم ما بالأجران. لم يطلب حتى أن يقدموا له لكي يذوق ما بها.

لم يصنع المعجزة لكي يظهر ذاته علانية، بل لكي يشبع احتياجاتهم. وقد أمر الخدام أن يقدموه في الحال. فإنه لا يهب الوزنة لكي ندفنها، بل كي نعمل دومًا، منتهزين كل فرصة للخدمة.

لم يكن السيد المسيح “رئيس المتكأ” بل كان صديقًا للعروسين، وخادمًا للكل. هذا هو كرسي الرئاسة الحقيقية، أن يبذل الإنسان نفسه بالحب وبروح التواضع من أجل الآخرين.

فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرًا،

ولم يكن يعلم من أين هي،

لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا،

دعا رئيس المتكأ العريس“. [9]

جاءت الكلمة اليونانية المترجمة “استقوا” هي نفس الكلمة العربية الدارجة “نطل”، وتعني السحب من مصدر عميق. فالأجران ضخمة جدًا وأفواهها متسعة، ولا يمكن سكب الخمر منها إلا بسحبها بكوز يده طويلة. إذ يليق بخادم السرّ والكارز بالإنجيل أن يمد يده إلي الأعماق، ويسحب من فيض عطية الله العظمى كمن يسحب من ينبوع إلهي لا ينضب.

وقال له:

كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً،

ومتى سكروا فحينئذ الدون،

أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن“. [10]

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه لكي لا يقول أحد أن الشهادة قد صدرت عن أناس سكرى لا يدرون الفارق بين الخمر والماء، جاءت الشهادة من رئيس المتكأ. وحتمًا كان رئيس المتكأ يحرص ألا يسكر، إذ يلتزم بتدبير أمر العرس بوقارٍ وحكمةٍ[25].

حرص الإنجيلي أن يقول عن رئيس المتكأ: “ولما ذاق“، أي لم يكن بعد قد شرب حتى من هذا الخمر، إنما ذاقه.

في قانا الجليل حول السيد المسيح الماء خمرًا فبعث بالفرح الروحي في كل المحفل، وفي كنيسة العهد الجديد يحول السيد المسيح بروحه القدوس الخمر إلى دمه المبذول عنا، فيبعث بالفرح السماوي في حياة متناوليه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل،

وأظهر مجده،

 فآمن به تلاميذه“. [11]

         هنا بدء الكشف عن مفهوم “المجد” في هذا السفر، وهو: “الحضرة الإلهية”. اللَّه يمجدنا حينما يعلن حضوره فينا، ونحن نمجده حينما نعلن حضوره في العالم. ففي هذه الآية أُعلن حضور الآب في ابنه وحيد الجنس، الذي يخبر عنه.

لماذا فعل هذه ولم يفعل تلك؟… عندما حول الماء خمرًا ماذا يضيف الإنجيلي؟ “وآمن تلاميذه به” (يو ٢: ١١). فهل كان للشيطان أن يؤمن به؟[26]

القديس أغسطينوس

نقول له: إن يوحنا المعمدان قد قال من قبل عن المسيح: “وأنا لم أكن أعرفه، لكن ليظهر لإسرائيل، لذلك جئت أعمد بالماء” (يو 1: 31)، فلو كان المسيح فعل في عمره المبكر عجائب لما كان الإسرائيليون قد احتاجوا إلى آخر يعلن عنه. لأن ذاك (يسوع) الذي جاء بين الناس وبمعجزاته صار معروفًا، ليس فقط للذين في اليهودية وإنما أيضا للذين في سورية وما وراءها، وفعل هذا في ثلاث سنوات فقط، فإنه ما كان محتاجًا إلي هذه السنوات الثلاث لإظهار نفسه (مت 4: 24)، لأنه كان من شهرته السابقة قد عُرف في كل موضع.

أقول أن ذاك الذي في وقت قصير أشرق عليكم بالعجائب فصار اسمه معروفًا للكل، لم يكن بأقل من ذلك لو أنه في عمره المبكر صنع عجائب وما كان يبقى غير معروف كل هذا الزمن (حتى بلغ الثلاثين من عمره). فإنه ما كان قد فعله لبدا غريبًا أن يفعله صبي…

في الحقيقة لم يفعل شيئا وهو طفل سوى أمرًا واحدًا شهد له لوقا (لو 2: 36) وهو في الثانية عشر من عمره حيث جلس يسمع للمعلمين وقد دهشوا من أسئلته. بجانب هذا فإنه من الأرجح والمعقول انه لم يبدأ آياته في عمره المبكر، لأنه بهذا لبدت أمرًا مخادعًا. إن كان وهو في سن النضوج تشكك كثيرون فيها، كم بالأكثر لو أنه صنع العجائب وهو صغير. فإن ذلك كان قد أسرع به إلي الصليب قبل الوقت المحدد، خلال سم الحقد، ولما قُبلت حقائق التدبير[27].

القديس يوحنا الذهبي الفم

وبعد هذا انحدر إلى كفرناحوم هو وأمه واخوته وتلاميذه،

وأقاموا هناك أياما ليست كثيرة“. [12]

يرى العلامة أوريجينوس أن كلمة “كفرناحوم” تعني “حقل الحث”.

يقول العلامة أوريجينوس[28] أن يسوع ومن معه انحدروا إلى كفرناحوم حيث لم يقيموا أيامًا كثيرة لأن من هم في الأسفل أو المنحدر ليس لديهم موضع لبقاء يسوع وقديسيه إلى أيام كثيرة. إنهم منحدر “حقل الحث” الذي لا يقدر أن يتقبل إمكانية الاستنارة بالتعاليم الكثيرة، إنما يكتفي بالحث القليل. أما النفوس العالية المرتفعة روحيًا فتتمتع بالوعد الإلهي: “ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر”، وليس إلى أيام ليس بكثيرة.

إذ نُصلب مع مسيحنا يقيم ليس فقط معنا إلى أيام قليلة بل وفينا، فنقول مع الرسول: “لا أحيا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (٢ كو ١٣: ٣). هكذا يسكن فينا ويحيا ويتكلم إلى انقضاء الدهر.

العلامة أوريجينوس

         ماذا يقصد بتعبير “اخوته“؟ يقول القديس أغسطينوس كل من يمتون بعلاقة دموية بمريم يحسبون اخوته، مستشهدًا بذلك من الكتاب المقدس. فقد دُعي لوط ابن أخ إبراهيم أخًا له (تك 13: 8؛ 14: 14). ودُعي لابان خال يعقوب أخًا له (تك 28: 5؛ 29: 12، 15). كما تحدث السيد المسيح عن تلاميذه أنهم اخوته (مت12: 46-50)[30].

2. تطهير الهيكل

وكان فصح اليهود قريبًا

فصعد يسوع إلى أورشليم“. [13]

هذا هو الفصح الأول بعد عماد السيد المسيح، الثاني ورد في لو ٦: ١، والثالث في يو ٦: ٤، والرابع الذي صلب فيه السيد المسيح (يو ١١: ٥٥).

ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرًا وغنمًا وحمامًا والصيارف جلوسًا“. [14]

يتساءل العلامة أوريجينوس عن إضافة “اليهود” إلى “الفصح”، فهل يوجد احتفال بفصح آخر غير فصح اليهود؟ ويجيب أنه ربما كان البعض يحتفلون بالفصح حسب فكرهم البشري، وليس حسب الفكر الكتابي الإلهي، لهذا دعاه “فصح اليهود“. جاء في سفر الخروج: “إنه فصح للرب” (خر ١٢: ١١)، ولم يقل “إنه فصحكم” في أي موضع. عندما يعلن الله عن رفضه للشعب ينسب الأصوام والأعياد إليهم لا إليه. وكما جاء في سفر إشعياء النبي: “رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي، صارت عليّ ثقلاً، مللت حملها” (إش ١: ١٤).

العلامة أوريجينوس

أورد الازائيون هذا الحدث في الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح على الأرض حين صعد إلى أورشليم، مما عجّل بالأحداث ليُحاكم ويصلب. فقد حسبه القادة في الهيكل إهانة لهم وللهيكل المقدس. أما القديس يوحنا فجعل هذا الحدث في بداية رسالة ربنا يسوع العامة ليؤكد لهم أنه هو الهيكل الجديد الذي يحتل مركز الهيكل القديم، وأنه الذبيحة الفريدة التي تحتل مركز الذبائح الدموية الحيوانية، لذا طرد البقر والغنم مع الباعة[32]. ويرى كثير من الدارسين أن السيد المسيح قام بتطهير الهيكل مرتين: المرة الأولى في الفصح الأول من بدء خدمته كما ورد هنا في إنجيل يوحنا. والمرة الثانية في الفصح الأخير أو الرابع الذي فيه صلب السيد المسيح (مت ١٢:١٢؛ مر ١١: ١٥؛ لو ١٩: ٤٥). وكأن تطهير بيت الرب هو عمل المسيح الأول والأخير، لذلك بدأ خدمته في الهيكل وأنهاها به. وقد سبق أن تنبأ ملاخي النبي عن هذا العمل (ملا ٣: ٢– ٣).

وجد السيد سوقًا في إحدى مباني الهيكل يدعى دار الأمم. كانوا يبيعون فيه الثيران والغنم والحمام لتقديم ذبائح. وكان هذا الموضع بجوار بركة بيت حسدا (يو ٥: ٢). استخدمها رؤساء الكهنة ومن معهم من أجل الربح المادي، حيث تقدم شهادات بأن الذبيحة بلا عيب مقابل دفع رسم معين. وهكذا أفسدت محبة المال نقاوة العبادة (١ تي ٦: ٥، ١٠). كما وجدت المصارف لبيع شواقل الذهب الخاصة بالهيكل لتقديمها.

بلا شك رأى السيد المسيح هذا المنظر قبلاً حين كان يأتي إلى الهيكل، خاصة حين حاور المعلمين وهو في الثانية عشر من عمره، لكنه لم يقم بتطهير الهيكل إلا بعد أن بدأ خدمته العلنية. كما لم يشكوا الأمر إلى رؤساء الكهنة إذ يعلم أن ما يحدث هو بسماحٍ منهم أو بتشجيعهم.

باعة الغنم هم الذين يحوّلون خلاص المسيح، حمل اللَّه، إلى تجارة، فيقتنون أمرًا زمنيًا عوض الخلاص الأبدي، ويطلبون ما هو أرضي عوض السماوي.

القديس كيرلس الكبير

هؤلاء الذين يطلبون ما لذواتهم في الكنيسة لا ما للمسيح. يحسبون كل شيء موضوع بيع بينما لا يخلصون. إنهم لا يطلبون أن يُشتروا بل يطلبوا أن يبيعوا. نعم كان الأفضل لهم أن يخلصوا بدم المسيح، ويأتوا إلى سلام المسيح. الآن ما المنفعة أن يطلبوا في هذا العالم أمرًا مؤقتًا زائلاً أيّا كان هذا الأمر، سواء مالاً أو لذة طعام، أو كرامة تنبع عن مديح الناس؟ أليس هذا كله ريحًا ودخانًا؟ ألا يعبر هذا كله ويهرب؟… من يطلب هذه الأمور يا اخوتي إنما يبيعون[33].

         القديس أغسطينوس

         يرى القديس أغسطينوس أن الثيران تشير إلى الرسل (1 كو 9:9-10)، فمن يتاجر في الثيران إنما كمن يرتبط بالرسول دون صاحبه (السيد المسيح)، لهذا وبّخ القديس بولس أهل كورنثوس قائلاً: “ألعل بولس صلب لأجلكم؟ أم باسم بولس اعتمدتم؟” (1 كو 1: 13). “أنا غرست وأبولس سقى، لكن اللَّه كان يُنمي” (1كو3: 6-7). [ليقول الراغبون في سلام خادمه: ليتمجد الرب![34]]

         الذين يتاجرون في الثيران هم الذين يقدمون تعليم الكلمة كمن يحرث في حقل المسيح، لا للتمتع بثمر الروح، وإنما لأجل منفعة زمنية. هؤلاء يقول عنهم الرسول بولس: “عن تحزب ينادون بالمسيح لا عن إخلاص” (في 1: 16).

         الذين يتاجرون في الأغنام هم الذين يقدمون أعمال الرحمة (الملابس الصوفية واللحوم) من أجل المديح الزمني، هؤلاء الذين يأخذون أجرهم في العالم (مت 6: 5).

         والذين يبيعون الحمام هم الذين يسيئون استخدام مواهب الروح القدس الذي ظهر على شكل حمامة، مثل السيمونية في سيامة الكهنوت. فقد أراد سيمون أن يقتني بالفضة مواهب الروح القدس لكي يبيعها، فينال مكاسب مادية أو كرامات زمنية عوض العمل الروحي (أع 8: 19-20).

القديس أمبروسيوس

العلامة أوريجينوس

فصنع سوطًا من حبال،

وطرد الجميع من الهيكل،

الغنم والبقر،

وكب دراهم الصيارف، وقلب موائدهم“. [15]

يبدو أنه لم يطرد الباعة ولا الصيارفة إنما طرد البقر والغنم والحمام، وألقى بدراهم الصيارفة وقلب موائدهم. لقد جاء لا ليدين بل ليطهر ويقدس. جاء ليصلح من الفساد. إن نفسًا واحدة في نظر السيد المسيح أثمن من كل هذه الحيوانات وهذا الذهب والمال.

القديس كيرلس الكبير

وقال لباعة الحمام:

ارفعوا هذه من ههنا،

لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة“. [16]

صعد يسوع إلى أورشليم ليطهر هيكل أبيه الذي تحول إلى بيت تجارة، وها هو يصعد على الدوام إلى أورشليمنا الداخلية، إلى أعماقنا، ليقيم منها هيكلاً سماويًا مقدسًا للآب، يطهره من كل تجارة وفساد.

القديس كيرلس الكبير

القديس كيرلس الأورشليمي

القديس يوحنا الذهبي الفم

فتذكر تلاميذه أنه مكتوب:

غيرة بيتك أكلتني“. [17]

بدأ التلاميذ يدركون ما وراء تصرفات السيد المسيح، متذكرين ما ورد في الكتاب المقدس. فإنه في كلمة الله كل يفسر الآخر ويوضحه. تذكروا ما هو مكتوب في مز ٦٩: ٩.

حقًا غيرة بيت الآب أي الكنيسة قد التهبت في قلب يسوع المسيح الذي أحبها وأسلم نفسه لأجلها، لكي يهبها الحياة الأبدية فتشاركه مجده.

         القديس أغسطينوس

القديس أمبروسيوس

3. طلب آية

فأجاب اليهود وقالوا له:

أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟” [18]

إذ قام السيد المسيح بتطهير الهيكل بسلطانٍ لم تستطع القيادات أن تقاومه أمام الشعب. لقد أرادوا إبراز اهتمامهم الشديد بالهيكل وكل ما يدور فيه، فعوض الاعتراف بما حلَّ في الهيكل من فساد بسبب التجارة فيه سألوه: “أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟” إذ توجعوا لما انقطع ربحهم المستقبح عنهم، أرادوا بهذا السؤال أن يمنعوه عما يفعله معهم.

حين جاء موسى ليخلص شعب الله من عبودية فرعون صنع آيات واضحة، فما هي الآيات التي يفعلها يسوع ليقبلوه أنه جاء من عند الله. لم تدرك القيادات أنه وهو أعزل من أي سلطان بشري أو مركز ديني رسمي أو سلاح بسلطان إلهي طهر الهيكل دون مقاومة. حضوره الإلهي بدد الظلمة.

         القديس أغسطينوس

القديس كيرلس الكبير

القديس يوحنا الذهبي الفم

أجاب يسوع وقال لهم:

انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه“. [19]

الآية التي قدمها السيد المسيح هي حضوره الإلهي القادر أن يكسر متاريس الهاوية، ويحطم سلطان آخر عدو وهو الموت، ليهب مؤمنيه قوة القيامة. قدم لهم آخر آية يصنعها يسوع المسيح نفسه قبل صعوده إلى السماء وهي قيامته. يجب أن يموت، لكن لا يستطيع الفساد أن يحل به (مز ١٦: ١٠).

طلب منهم أن ينقضوا هيكل جسده حيث يرفعوه على الصليب، أما هم فظنوا أنه يتحدث عن الهيكل الحجري.

القديس أمبروسيوس

فقال اليهود:

في ست وأربعين سنة بُني هذا الهيكل،

أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟” [20]

         بني الهيكل في 46 عامًا، ويرى البعض أنه قد بدأ في أيام هيرودس حوالي عام 20/19 ق.م. فيكون قد انتهى البناء منه في حوالي 28م. ويرى آخرون أنه قد بدأ إعادة بنائه هيرودس الكبير في السنة الثامنة عشر من ملكه[47] وانتهي من العمل الرئيسي في تسع سنوات ونصف لكن تمت إصلاحات وإضافات للمبنى استمرت إلى سنوات طويلة. بدأ هيرودس العمل في السنة ١٦ قبل ميلاد السيد، والحديث هنا في السنة الثلاثين من ميلاده. فكان عمر المبنى القائم ٤٦ عامًا. وقد استمر البناء بعد ذلك. موضحًا بذلك البناء الأخير للهيكل لأن بناءه الأول كمل على مدى عشرين سنة. وكأنه مع بداية خدمة المسيح كان اليهود في أكثر لحظات اعتزازهم بالهيكل المبني حديثًا. فلم يكن من السهل قبول كلمات السيد المسيح الخاصة بهدمه في ثلاثة أيام.

نفس المدة أيضًا استغرق فيها بناء الهيكل حين وضع زرُبابل أساسات الهيكل في السنة الثانية من مُلك كورش إلى إتمام البناء في السنة ٣٢ من ملك ارتحشستا Artaxerxes.

القديس كيرلس الكبير

         في تفسيره الرمزي لرقم 46 يرى القديس أغسطينوس أن الأربعة حروف لآدم Adam هي الحروف الأولى لكل اتجاهات العالم: الشرق Anatole والغرب Dysis والشمال Arctos والجنوب Mesembria. وكأن آدم قد انشق وتبعثر في كل اتجاهات العالم. هذه الحروف في اليونانية لآدم (ِAdam) تعادل رقم 46. حيث ألفا A (ِA) تعادل رقم 1، ودلتا D (D) تعادل رقم 4، وميّ M (M) تعادل رقم 40. فكلمة آدم تعادل 1+4+1+40=46. هذا هو الهيكل أو الجسد الذي أخذه الكلمة من آدم فنقضه ليقيمه في ثلاثة أيام ليتمتع بالأبدية، إذ أقامه الآب بإرادته والابن بقوته، والروح القدس بكونه روح القيامة[48].

وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده“. [21]

لقد أظهروا جهلهم لمعنى كلمات السيد المسيح، إذ كان يعني بكلماته هيكل جسده. هذا وهل يصعب على الخالق أن يقيم حتى الهيكل الحجري في ثلاثة أيام؟

         كما احتل الخمر المسياني الجديد عوض ماء التطهيرات الذي للناموس، هكذا يحتل هيكل جسد المسيح القائم من الأموات موضع هيكل العهد القديم الذي دمره جيش تيطس الروماني سنة 70م. لقد أقام السيد المسيح له هيكلاً جديدًا في داخلنا لا تقدر جيوش العالم أن تحطمه (1 كو 6: 19).

تحقق هذا القول بموت المسيح وقيامته في اليوم الثالث، ولا يزال يتحقق في جسده الذي هو الكنيسة، وفي كل مؤمن كعضوٍ في جسد المسيح.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا،

فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع“. [22]

كثير من النبوات لا يمكن إدراكها إلاَّ بعد إتمامها. هكذا لم يستطع حتى التلاميذ أن يدركوا ما قاله في ذلك الحين إذ كانوا لا يزالوا أطفالاً في المعرفة. عند قيامته فتح أذهانهم ليفهموا الكتب، وألهب قلوبهم بالمعرفة الصادقة للنبوات (لو ٢٤: ٤٥).ل قد كانوا بطيئي القلوب في الإيمان (لو ٢٤: ٢٥)، لكنهم كانوا في يقين بأن كلماته صادقة.

القديس يوحنا الذهبي الفم

ولما كان في أورشليم في عيد الفصح آمن كثيرون باسمه،

إذ رأوا الآيات التي صنع“. [23]

لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه،

لأنه كان يعرف الجميع“. [24]

لقد آمنوا به أنه المسيا المنتظر، لكنهم لم يدركوا أنه مخلص العالم، بل ظنوه ملكًا على إسرائيل، ينقذهم من الاستعمار، ويهبهم سلطانًا زمنيًا. لم يدركوا أنه مخلص نفوسهم، فلم تتغير قلوبهم، لهذا لم يأتمنهم يسوع على نفسه.

يميز العلامة أوريجينوس بين الذين يؤمنون بيسوع المسيح والذين يؤمنون باسمه (فقط). إنه لم يأتمن الذين آمنوا باسمه فقط وليس الذين آمنوا به.

أما هؤلاء المذكورون هنا فلم يكونوا تلاميذ حقيقيين. هذا ما تظهره العبارة التالية، إذ قيل: “لم يكن يسوع يأتمنهم علي نفسه” [24]. لماذا؟ “لأنه كان يعرف كل شيء[49].

القديس يوحنا الذهبي الفم

العلامة أوريجينوس

القديس كيرلس الكبير

إنه يعلم ما في الإنسان لأنه خالق الكل (يو ١: ٣)، الكلي الحكمة (يو ٢: ١)، وفاحص القلوب والكلى.

ولأنه لم يكن محتاجًا أن يشهد أحد عن الإنسان،

لأنه علم ما كان في الإنسان“. [25]

القديس يوحنا الذهبي الفم

العلامة أوريجينوس

من وحي يو2

حضورك يجعل حياتي عرسًا لا ينقطع!

   حضورك يجلب أمك وتلاميذك ومحبيك معك!

   تعال، هوذا العُرس معد!

   تعال، ليس من يفرح قلبي غيرك!

   عِوض وصايا الناموس الحرفية التي تثقل كاهلي،

   تهبني خمر الإنجيل الذي يفرح قلبي!

   لأسكر بحبك وأعشق سماواتك،

   فلا يكون للعالم موضع في داخلي!

   مهما قال لكم فأفعلوه!

   طاعتي لك تفرح قلبها وقلوب كل محبيك.

   صلواتها وشفاعتنها تسندني،

   فأسلك بروح الطاعة لوصيتك.

   لتطرد كل غنمٍ وبقر منهاٍ،

   فلا يكون لروح الربح القبيح موضع فيّ.

   لأسلك بروحك القدوس،

   فيكون لي عينا حمامة وديعة.

   لتسكب كل محبة للدراهم من مائدة نفسي!

   فيلتهب قلبي بالطهارة الداخلية عوض الانشغال بإدانة الآخرين.

   وانشغل بسكناك فيّ عوض الانشغال بالغير.

   وها أنت أقمت هيكل جسدك من القبر في ثلاثة أيام.

   في ثلاثة أيام أقمت كنيستك عروسًا سماوية.

   لم يعد موضعنا ظلمة القبر،

   بل بهاء سمائك الفائق!

[1] Fr. Tadros Y. Malaty: The Apostolic Fathers, 1993, p. 137.

[2] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 8:1.

[3] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 8:4.

[4] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 8:4.

[5] Exposition on St. John PG 73:223- 226.

[6] Exposition on St. John PG 73:223- 226.

[7] Letter 48:11.

[8] Exposition on St. John PG 73:276.

[9] Homilies on St. John, Hom. 21:1.

[10] Homilies on St. John, Hom. 21:2.

[11] Exposition on St. John PG 73:278.

[12] Homilies on St. John, Hom. 21:2.

[13] Homilies on St. John, Hom. 21:2.

[14] Hom. 22. PG 59: 126 –127.

[15] Homilies on St. John, Hom. 21:3.

[16] N & PN Frs., Series 2. vol 13: 48.

[17] Cf. Homilies on St. John, Hom. 22:1.

[18] Homilies on St. John, Hom. 22:1.

[19] Cf. Homilies on St. John, Hom. 22:2.

[20] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 9:6.

[21] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 9:7-8.

[22] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 9:10-11.

[23] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 9:16.

[24] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 9:5.

[25] Homilies on St. John, Hom. 22:2.

[26] Sermon on N.T. Lessons, 73:2.

[27] Homilies on St. John, Hom. 21:2.

[28] Commentary on John, Book 10:41-42.

[29]Commentary on John, Book 10:38.

[30] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 10:2-3.

[31] Commentary on John, Book 10:80 – 81.

[32] الخوري بولس الفغالي: إنجيل يوحنا، الرابطة الكتابية، 1992، ص 15.

[33] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 10:6.

[34] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 10:7.

[35] Sermon Against Auxentius, 21.

[36] Commentary on John, Book 10:142.

[37]Commentary on John, Book 10:240.

[38] Commentary on John, Book 10:243.

[39] Comm. On John, hom 132.

[40] لو 49:2 “ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فى ما لأبي؟!”

[41] مقال 7: 6.

[42] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 10:9.

[43] Duties of the Clergy, Book 2:30:154.

[44] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 10:10.

[45] Homilies on St. John, Hom. 23:2.

[46] On the Decease of His Brother Saytrus, Book 2:103.

[47] Josephus: Antiq. b.15 c.11 s.1; b.20 c.9 s.5, 7.

[48] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 10:12.

[49] Homilies on St. John, Hom. 24:1.

[50] Commentary on John, Book 10:310.

[51] Commentary on John, Book 10:321.

تفسير انجيل يوحنا 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

Exit mobile version