تفسير رسالة أفسس 6 الأصحاح السادس – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة أفسس 6 الأصحاح السادس - القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة أفسس 6 الأصحاح السادس – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة أفسس 6 الأصحاح السادس – القمص تادرس يعقوب ملطي
الأصحاح السادس: الحياة العملية والجهاد الروحي
الكنيسة كما رأيناها في الأصحاحات السابقة هي “سرّ المسيح” أو هي “حياتنا في المسيح يسوع”، خلالها يعرف المؤمن مركزه كعضوٍ حيٍّ في جسد المسيح الواحد، له فاعليته في بقية الأعضاء مع تمايزه بمواهب خاصة به لبنيان الجماعة.
الحياة الكنسية ليست فكرًا فلسفيًا نعتنقه، لكنها خبرة نعيشها في العبادة العامة والخاصة، وفي سلوكنا مع الآخرين، وفي حياتنا الزوجية والأسرية، وفي سلوكنا اليومي في العمل. إنها عطية الله لنا خلال الصليب، نتقبلها فنعيش في جهاد غير منقطعٍ ضد عدو الخير المقاوم للمصلوب.
- 1. العلاقات الوالدية ١ – ٤.
- علاقات العمل ٥ – ٩.
- الجهاد الروحي ١٠ – ٢٠.
- الخاتمة والبركة الرسولية ٢١ – ٢٤.
1. العلاقات الوالدية
بدأ الحديث عن العلاقة المتبادلة بين الآباء والأبناء بدعوة الأبناء لطاعة والديهم في الرب، قائلاً:
“أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هَذَا حَقٌّ.
أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ،
لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ” ]١– ٣[.
هذه الوصية ينقشها الناموس الطبيعي في القلب، إذ يشعر الأولاد بالتزام طبيعي بالطاعة للوالدين خلال قرابة اللحم والدم القوية وشعور الأولاد ما يحتمله الولدان من أتعاب وأسهار من أجل أولادهما. وقد جاء الناموس الموسوي يعلن هذه الوصية ويشدد عليها (خر ٢٠: ١٢؛ تث ٥: ١٦؛ ٢٧: ١٦). وإذ فشل الإنسان في إتمام هذه الوصية الطبيعية، أعطاها الرب أولوية حتى عن تقديس سبوته، إذ قيل: “تهابون كل إنسان أمه وأباه وتحفظون سبوتي، أنا الرب إلهكم” (لا ١٩: ٢)، كما قدم تهديدات قاسية ضد كاسرها:
“من ضرب أباه أو أمه قتل قتلاً،…
ومن شتم أباه وأمه يُقتل قتلاً” (خر ٢١: ١٥، ١٧؛ لا ٢٠: ٩).
“ملعون من يستخف بأبيه أو أمه، ويقول جميع الشعب آمين” (تث ٢٧: ١٦).
“من سب أباه أو أمه ينطفيء سراجه في حدة الظلام” (أم ٢٠: ٢٠).
“العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة طاعة أمها تقورها غربان الوادي، وتأكلها فراخ النسر” (أم ٣٠:١٧).
أخيرًا لم يترك الله الإنسان تحت هذه العقوبات المرّة، فجاء الابن الوحيد الجنس نفسه نائبًا عن البشرية يعلن كمال الطاعة لأبيه حتى الموت موت الصليب (في ٢: ٨)، بل وخضع للقديسة مريم أمه حسب الجسد وليوسف البار الذي تبناه (لو ٢: ٥١)، فصار مثلاً حيًا لنا.
- هل كان يمكن لمعلم الفضيلة أن لا يقوم بواجبه نحوها؟ فإنه لم يخضع عن ضعف وإنما عن حب[1].
القديس أمبروسيوس
- أطيعي والديك ممتثلة بعريسك[2].
القديس چيروم
- لنتعلم يا أحبائي الخضوع لوالدينا… خضع يسوع وصار قدوة لكل الأبناء في الخضوع لوالديهم أو لأولياء أمورهم إن كانوا أيتامًا…
إن كان يسوع ابن الله قد خضع لمريم ويوسف، أفلا أخضع أنا للأسقف الذي عينه لي الله أبًا؟!… ألا أخضع للكاهن المختار بإرادة الله؟![3]
العلامة أوريجينوس
- كان العالم خاضعًا للمسيح، وكان المسيح خاضعًا لوالديه[4].
القديس أغسطينوس
- [في رسالة كتبها إلى أم وابنتها قام بينهما نزاع]
كان الرب يسوع خاضعًا لوالديه، لقد احترم تلك الأم التي كان بنفسه أبًا لها.
لقد كرم أباه حسب التبني هذا الذي كان المسيح نفسه يعوله!
حقًا، إنني لا أقول للأم شيئًا، لأنه ربما يكون في كبر سنها أو ضعفها أو وحدتها ما يعطيها عذرًا كافيًا، لكنني أقول لكِ أيتها الابنة: هل منزل أمك أصغر من أن يحتملك، هذه التي لم تكن بطنها صغيرة عن حملك؟![5]
القديس چيروم
يؤكد الرسول أن طاعة الوالدين يجب أن تكون “فِي الرَّبِّ” ]١[، وكأن الطاعة لا تكون عمياء خلال فقدان الأبناء تفكيرهم وشخصياتهم، وإنما في خضوعهم يميزون ما هو للرب وما هو ليس للرب، فليس من حق الوالدين إلزام الأبناء بالإلحاد أو إنكار إيمانهم. وقد سبق لنا عرض ذلك في شيء من التوسع أثناء حديثنا عن الحب العائلي[6]، لذا أكتفي بقليل من المقتطفات لبعض آباء الكنيسة:
- إن كان الأب أمميًا أو هرطوقيًا يلزمنا ألاَّ نطيعه (فيما يخالف الرب) إذ هو لا يأمر “في الرب“[7].
القديس يوحنا الذهبي الفم
- لكنك تقول إنني أخشى غضب من هم أعلى مني، اعمل كل وسيلة ألاَّ تغضبهم حتى لا تُغضب الله.
يا من تخاف أن تكدر من هم أعلى منك، انظر عما إذا كان هناك إله أعلى من الذي تخاف تكديرهم، فبكل وسيلة لا تغضب الأكبر منك…
والدك ووالدتك هما أول من هم أكبر منك، فإن كانا قد علماك الحق وأحضراك إلى المسيح، فلتسمع لهما في كل شيء، وينبغي طاعتهما في كل أمر. ليتهما لا يوصيان بما يخالف من هو فوقهما حتى يُطاعا.
- حقًا يليق بالأب ألاَّ يغضب عندما يُفضل الله عنه! ولكن عندما يأمر الأب بما لا يناقض الرب فيلزم الاستماع إليه كما لله، لأن طاعة المرء لأبيه أمر إلهي[8].
القديس أغسطينوس
- يأمرنا الكتاب المقدس بطاعة والدينا، ولكن من يحبهم أكثر من المسيح يخسر نفسه[9].
القديس چيروم
على أي الأحوال يرى كثير من علماء التربية أن حديث السيد المسيح مع القديسة مريم: “لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي؟” (لو ٢: ٥٠) يمثل ثورة روحية في مفهوم الطاعة بطريقة بنّاءة، فقد “كان خاضعًا لهما” (٢: ٥١). خلال تحقيق رسالته العلوية. فالوالدان يسندان الطفل لكنهما يجب أن يخرجا من ذاتيهما خلال الحب الروحي الحق ليحقق الطفل ما وهبه الله، وليس أن يحمل صوره مطابقة لهما. وإنني أرجو أن أترك الحديث في هذا الشأن للكتابة فيه في الطبعة التالية للحب العائلي، إن أذن الرب وعشنا، موضحًا تأكيد تمايز المواهب والقدرات بين الآباء والأبناء خلال تناغم الحب والوحدة في الرب.
نعود إلى الوصية الرسولية للأبناء.
“أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ،
لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ” ]٢-٣[.
يلاحظ هنا أن طريقة الحديث اختلفت عن حديثه السابق، فحين كان يحدث الأزواج والزوجات كان يتكلم بلغة اللاهوتي الذي يكشف سرّ المسيح المعلن على الصليب ليمارس الكل علاقته بالآخر خلال الحب الإلهي الباذل، أما هنا فإذ يحدث أطفالاً صغارًا عن الطاعة وإكرام الوالدين، فهو يحدثهم بلغة البساطة التي تليق بهم كصغار. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم انه لم يحدثهم عن الملكوت، كما يقول: [قدم نصيحة مختصرة إذ لا يقدر الأبناء أن يصغوا إلى حديث طويل. ولهذا السبب أيضًا لم يناقش بالمرة موضوع الملكوت (إذ يصعب على صغار السن إدراك هذه المواضيع)، مقدمًا ما ترغب نفس الطفل بالأكثر أن تسمعه، إذ يقول: “وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ“[10].]
يقدم الرسول وصيته للآباء:
“وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ،
بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ” ]٤[.
من الجانب السلبي لا يليق بالآباء أن يغيظوا أولادهم، ومن الجانب الإيجابي يلزمهم تأديبهم في الرب، أي خلال الوصية الإلهية وبفكر إنجيلي حيّ.
حسن للوالدين أن يؤدبا ابنهما، لكن يلزم قبل التأديب أن يتسع القلب بالحب، كقول القديس أغسطينوس: [التوبيخ يجب أن تسبقه الرحمة لا الغضب[11].]
- لا تغيظوا أولادكم كما يفعل الكثيرون بواسطة حرمانهم من الميراث، أو التبرؤ منهم، أو معاملتهم بتصلفٍ كأنهم عبيد لا أحرار.
القديس يوحنا الذهبي الفم
- إننا نهتم بمتلكاتنا من أجل أبنائنا، أما أبناؤنا أنفسهم فلا نبالي بهم قط! أية سخافة هي هذه؟!
شكّل نفس ابنك باستقامة، فينال كل ما تبقَى بعد ذلك، فإنه متى كان بلا صلاح لا ينتفع شيئًا من الغنى، أما متى كان صالحًا فإنه لا يصيبه ضررًا من الفقر.
- ليتنا لا نمنعهم من عمل ما هو مقبول بل مما هو ضار، ولا نتهاون معهم كمنبوذين بل كأبناء[12].
القديس يوحنا الذهبي الفم
وإنني لأترك الحديث عن تربية الأبناء لكتابنا عن الحب العائلي.
2. علاقات العمل
إن كانت الكنيسة هي “حياة” معاشة في المسيح يسوع ربنا، تُعلن خلال عبادتنا في حياتنا الزوجية والأسرية، فإنها تمس أيضًا علاقات العمل التي تربط صاحب العمل بعماله، والرئيس بالمرؤوسين، والسيد بالعبد، ولما كانت العلاقة بين السيد وعبده – في العصر الرسولي – لا يحكمها قانون مدني ما، إنما أعطى العالم للسادة حق التصرف في عبيدهم كقطعة أثاث بلا ثمن، يستغلهم لصالحه دون أية اعتبارات إنسانية أو طبيعية، فكان بعض السادة أحيانًا يعذبون عبيدهم حتى تسيل آخر قطره من حياتهم بلا مدافع عنهم.
لذا عالج الرسول بولس هذه المشكلة لا على أساس اجتماعي ثوري، وإنما على مستوى روحي فائق، خلاله تتغير العلاقة من جذرها لا خلال قوانين زمنية متغيرة، وإنما خلال التقاء العبيد والسادة معًا تحت ظل صليب واحد، لينعما بخلاص واحد وبميراث أبدي مشترك.
يقول الرسول:
“أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ،
فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ،
لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ،
عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ، خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ.
عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ،
عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا” ]٥–٨[.
يلاحظ في هذا النص الآتي:
أولاً: لم يقف التعليم الرسولي ثائرًا على أوضاع اجتماعية معينة، إنما مصلحًا لها بهدوء وبقوة وفاعلية، دون أن يدخل مع العالم في منافسة أو مكابرة. فإن كان وضع المجتمع في ذلك الحين أوجد طبقة السادة وأخرى طبقة العبيد، لم يهاجم الرسول ذلك، ولا طالب العمال بثورة وانفعال إنما طالبهم بمعالجة الأمر خلال كسب السادة بالحب الداخلي غير المرائي، بخدمة القلب الخالصة لا خدمة الإلزام المنافقة. خدمة من أجل الرب، قادرة أن تسحب قلب السيد من ظلمه وفساده لتذوق عذوبة عمل الإنجيل في “العبيد” ليصير العبيد معلمين للسادة بحياتهم.
يقول القديس أغسطينوس: [وضع التعليم الرسولي السيد فوق العبد، والعبد تحت السيد، لكن المسيح دفع ثمنًا واحدًا لكليهما. لا تحتقر إذن من هم أقل منك، بل اطلب خلاص كل من في بيتك بكل اجتهاد[13].]
ثانيًا: رفع الرسول من شأن العبيد، فإن وإن كان قد طالبهم بالطاعة لسادتهم حسب الجسد، لكنه أبرز بقوة فاعليتهم حتى في حياة سادتهم الوثنيين متى سلكوا في المسيح يسوع.
- هكذا ليس فقط الأزواج والزوجات ولا الأطفال وإنما حتى العبيد الفضلاء يساهمون في تنظيم البيت وصيانته. لهذا فإن الطوباوي بولس لم يتجاهل هذه الطبقة… لقد قدم لهم حديثًا طويلاً، وليس كالأبناء (حديثًا مختصرًا)، حدثهم بطريقة متقدمة فلم يعدهم بأمور هذا العالم (العمر الطويل) وإنما بأمور العالم الآتي… فإنهم وإن كانوا من جهة الكرامة أقل من الأبناء، لكنهم من جهة الفكر أكثر سموًا منهم[14].
القديس يوحنا الذهبي الفم
ثالثًا: مع أن الرسول يطالبهم بالطاعة بخوفٍ ورعدةٍ، لكنه يؤكد لهم أن عبوديتهم ليست دائمة إنما هي – حسب الجسد – وقتية، تنتهي بموت الجسد ليقوم الكل معًا بلا تمييز بين سيدٍ وعبٍ. إنه يؤكد أن عبوديتهم حسب الجسد، أما العبودية حسب الروح فالكل يخضع لها، سادة وعبيد، للرب الواحد، سيد الكل!
- إذ أثار جرح النفس (بتذكر العبودية) لطفه في الحال. يبدو كمن يقول: لا تحزن، أنت أقل من الزوجة والأبناء، لكن العبودية ليست إلاَّ اسمًا، فإن السيادة هنا “حسب الجسد”، سيادة قصيرة ومؤقتة، لأن ما هو من الجسد زائل[15].
القديس يوحنا الذهبي الفم
رابعًا: سبق فتحدثنا عن خضوع المرأة لرجلها وطاعتها له لا تعني الإقلال من كرامتها أو عدم مساواتها لرجلها، إنما هو خضوع الحب والطاعة في الرب، فتحمل سمة المسيح الذي أطاع حتى الموت. الآن نكرر القول أن العبد الصالح لا يرى في وصية الرسول: “أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ” ]٥[، مذلة ومهانة، بل امتثالاً بالمسيح يسوع نفسه الذي صار من أجلنا عبدًا!
خلال العضوية في جسد المسيح تسمو فضيلة الطاعة والخضوع، فتصير علامة شركة مع الرأس الذي وهو السماوي صار عبدًا، فيُحسب ذلك مجدًا وكرامة!
- كأنه يقول: إن كنت قد أوصيت الأحرار أن يخضع كل واحدٍ للآخر في مخافة الرب، كما سبق فقال قبلاً: “خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللهِ” (٥: ٢١)، وإن كنت قد أوصيت أيضًا الزوجة أن تهاب رجلها وتكرمه مع أنها على قدم المساواة معه، فبالأولى يلزمني أن أتحدث مع العبد. فإن ذلك ليس علامة انحطاط مولده، بل بالحري علامة نبله الحقيقي، إذ يعرف كيف يتواضع ويكون وديعًا ومخليًا ذاته من أجل أخيه. أيضًا ليخدم الحرّ أخاه الحرّ بأكثر خوف ورعدة.
يقول: “فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ“. حسنًا يقول هذا، إذ يمكن للإنسان أن يخدم بخوفٍ ورعدةٍ، لكن بإرادة غير صالحة، كيفما يكون الحال. كثير من العبيد في بعض الأحوال يغشون سادتهم خفية. إنه ينزع هذا الغش بقوله: “فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ…” ]٥–٧[. انظروا كم من الكلمات يستخدمها ليضع هذا الأساس الصالح…؟[16]
القديس يوحنا الذهبي الفم
خامسًا: يؤكد الرسول بولس في هذا النص أمانة أولاد الله في العمل حتى وإن كانوا عبيدًا يعملون لدى سادة قساة، فهم لا يخدمون البشر، بل يعملون من أجل الرب، لا يهتمون بإرضاء الناس – حتى وإن كانوا سادتهم – بل بحمل المشيئة المقدسة بكامل حريتهم. لتكن الأمانة طبعهم بغض النظر عن الظروف المحيطة بالعمل، وعن مركزهم في العمل.
- ليكن العمل المستقيم خاصًا بك لا تمارسه عن اضطرار…
إنه يحث من يُعامل معاملة سيئة بواسطة الغير أن يمارس الصلاح (الأمانة في العمل) كأمر خاص به وكعمل يصدر بحرية إرادته.
- من يرضي الناس ليس عبدًا للمسيح (غلا ١: ١٠)…
- مارسه بسرور لا عن اضطرار، مارسه كمبدأ (في حياتك) وليس تحت ضغط، فإنك إن فعلت هذا لا تكون عبدًا، ما دمت تفعله عن مبدأ، بمشيئة صالحة، من القلب، ومن أجل المسيح. فإن هذه هي العبودية التي مارسها بولس الحرّ ومجدها: “فإننا لسنا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ولكن بأنفسنا عبيدًا لكم من أجل يسوع” (٢ كو ٤: ٥)[17].
القديس يوحنا الذهبي الفم
سادسًا: قدم الرسول بولس المكافأة لأمانة العبد المؤمن التقي، قائلاً: “عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ، فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا” ]٨[. وقد قدم لنا تاريخ الكنيسة أمثلة حية لهذه المكافأة، إذ لم ينسى تعب المحبة الذي قدمه عبيد وإماء فكسبوا سادتهم للمسيح، وربحوهم إخوة لهم وورثة معهم أبديًا! لقد تتلمذ كثير من السادة – رجال ونساء – تحت يدي عبيدهم وإمائهم بسبب قلوبهم المتسعة حبًا في الرب، تتلمذوا لهم بغير خجلٍ!
لقد قدم تاريخ الكنيسة كثير من العبيد صاروا أساقفة وكهنة كارزين بالحق، وإماء صرن أمهات قديسات يتلمذن عذارى شريفات بروح المحبة الإنجيلية.
نستطيع في الختام أن نقول بين الرسول بولس قد أعطى ضربة قاضية للعبودية من الداخل، في أعماق جذورها، لا برفضها أو مهاجمتها، ولكن بتحطيم نظمها، إن وُجدت لها نظم.
الآن بعد أن ضرب العبودية في أعماقها يقدم وصيته للسادة المؤمنين: “وَأَنْتُمْ أَيُّهَا السَّادَةُ، افْعَلُوا لَهُمْ هَذِهِ الأُمُورَ، تَارِكِينَ التَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي السَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ” ]٩[.
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة قائلاً: [“افْعَلُوا لَهُمْ هَذِهِ الأُمُورَ”؛ ما هي هذه الأمور؟ “خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ”. على أي الأحوال لم يقل فعلاً “اخدموهم” بل بوضوح أظهر هذا المعنى، فالسيد نفسه هو خادم (لعبده)… آه، أي سيد قدير هذا الذي يشير إليه هنا![18]]
يكمل القديس يوحنا الذهبي الفم تعليقه موضحًا أنه إن كان السيد يتعامل مع عبد، فليعلم أنه هو نفسه عبد لسيد، وأنه بالكيل الذي به يكيل يُكال له (مت ٧: ٢). يليق به أن يترفق بأخيه العبد فيترفق الرب به، وإلاَّ فإنه يسمع ذلك الصوت: “أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك…” (مت ١٨: ٣٢). الله ليس عنده محاباة، يعامل السيد كما العبد، إن ترفق السيد بعبده يترفق هو به، وإن استخدم التهديد عرض نفسه بنفسه لذات الفعل.
- يقول: “وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ“. يود أن يقول: لا تظن أنه يغفر لك لأنك ما ترتكبه إنما هو في حق عبد. حقًا إن الشرائع الوثنية – كشرائع بشرية – تضع تمييزًا بين مثل هذه الأنواع من المعاصي، لكن شريعة الرب العام سيد الكل، لا تعرف هذا، فهو يقدم الخيرات للكل بلا تمييز، ويدبر الحقوق عينها للجميع.
لكن ربما يسأل أحد: فلماذا العبودية؟ وكيف دخلت إلى الحياة البشرية؟… أخبركم بأن العبودية هي ثمرة الطمع والانحطاط والبربرية، فلا نعرف أن عبيدًا كانوا لنوح أو هابيل أو شيث ولا لمن جاءوا بعدهم…
قد تقول: حسنًا. لكن إبراهيم كان له عبيد. نعم، لكنه لم يستغلهم كعبيد[19].
القديس يوحنا الذهبي الفم
3. الجهاد الروحي
إذ رفع من شأن الكنيسة فأعلن بإتحادها بالسيد المسيح، بكونها جسده، وأوضح أنها حياة غالبة، لها سماتها الفائقة التي تتجلى في حياة أولادها سواء في حياتهم التعبدية أو علاقاتهم الزوجية أو الأسرية أو خلال العمل اليومي، فقد دفع السيد المسيح ثمن هذه الحياة: حياته المبذولة حبًا من أجلنا! هذا ما أكده الرسول بولس خلال هذه الرسالة بوضوح وقوة. والآن قبل أن يختم رسالته أراد إبراز دورنا الإيجابي إذ نتعرض لهجوم عنيف لا من البشر وإنما من إبليس، لأن قيام الكنيسة كمملكة للمسيح فيه تحطيم لمملكة الظلمة وانهيار لكيانها؛ لذا جاء الحديث صريحًا عن مقاومة عدو الخير لنا والتزامنا بالتسلح روحيًا ضد الظلمة حتى نمارس حياتنا الكنسية النامية.
يقول الرسول:
“أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ.
الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.
فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ،
بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ،
عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ” ]١٠–١٢[.
ويلاحظ في هذا النص الأتي:
أولاً: إذ عرف كل مؤمن موقعه في الكنيسة، سواء كان كاهنًا أو من الشعب، سواء كان زوجًا أو زوجة أو ابنًا أو والدًا أو والدةً، سواء كان عبدًا أو سيدًا. لكل عضو تمايزه ومواهبه، ولكلٍ وصيته الخاصة به التي تناسب موقعه، لكن هنا وصية عامة يلتزم بها جميع الإخوة كأعضاء في جسد الرب، ألا وهي “تَقَوُّوا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ” ]١٠[. الكل إخوة، بكونهم أعضاء في الجسد الواحد، وإن حمل الكهنة نوعًا من الأبوة الروحية لأبنائهم في الرب كما يحمل الآباء حسب الجسد أو بالتبني لأولادهم. فإن الكل يحمل نوعًا من الأخوة[20]. خلال هذه الأخوة العامة يشترك الجميع في حربٍ واحدةٍ ضد عدوٍ مشتركٍ يحاول تحطيم الكل.
- “أَخِيرًا تَقَوُّوا فِي الرَّبِّ” ]١٠[ … إذ يوشك المقال على الانتهاء كعادته يتجه إلى هذا (الحديث عن الجهاد الروحي).
انظروا، إذ ينتزع (فوارق) الأعمال المتنوعة، يسلحهم ويقودهم إلى الحرب (الروحية). فإنه إذ لا يقتحم احد وظيفة غيره، إنما يبقى في موقعه، يكون الكل قد تدبّر حسنًا.
“تَقَوُّوا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ” ]١٠[، بمعنى “في الرجاء” الذي لنا في الرب خلال عونه لنا… ضعوا رجاءكم في الرب، فيصير كل شيء سهلاً.
“الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ” ]١١[. لم يقل ضد المحاربات، ولا ضد العداوات، وإنما ضد “المكايد”. فإن هذا العدو لا يحاربنا ببساطة علانية وإنما خلال المكايد. ماذا يعني بالمكايد؟ أي بالخداع… إبليس لا يقترح علينا الخطايا في ألوانها الطبيعية… إنما يعطيها ثيابًا أخرى، مستخدمًا المكائد…
الآن، بهذه الطريقة يثير الرسول الجنود (الروحيين) ويحثهم على السهر ويثقفهم، موضحًا لهم أن جهادنا (الروحي) يمثل أحد الحروب الماهرة، فنحن نقاتل ضد عدوٍ ليس بسيطًا ولا مباشرًا وإنما نقاتل عدوًا مخادعًا.
في البداية أثار الرسول التلاميذ ليضعوا في اعتبارهم مهارة إبليس، بعد ذلك تحدث عن طبيعته وعن عدد قواته. لم يفعل ذلك ليحطّم نفسية الجنود الذين تحته وإنما لكي يحمسهم ويوقظهم ويظهر لهم مناوراته، مهيئًا إياهم للسهر، فلو أنه عدّد بالتفصيل قوة العدو ثم توقف عن الحديث لتحطمت نفسيتهم… لكنه قبل أن يعرض ذلك وبعد العرض أيضًا أظهر إمكانية النصرة على عدو كهذا، مثيرًا فيهم روح الشجاعة. وبقدر ما أوضح قوة أعدائنا بالأكثر ألهب غيرة جنودنا (للجهاد الروحي).
“فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ” ]١٢[.
إذ تحدث عن الأعداء أنهم شرسون أضاف أنهم يسلبوننا البركات العظيمة، ما هذا؟ الصراع يقوم “في السماويات”،فهو ليس صراعًا من أجل الغنى أو المجد وإنما لاستعبادنا. لهذا فإنه لا مجال للمصالحة هنا في هذا الصراع… الصراع يكون أكثر شراسة كلما كان موضوعه هام، فإن كلمة “في السماويات” تعني “من أجل السماويات”. الأعداء لا يقتنون شيئًا بالغلبة علينا إنما يجردوننا… (عدو الخير) يبذل كل الجهد ليطردنا من السماء[21].
القديس يوحنا الذهبي الفم
ثانيًا: يشرح القديس يوحنا الذهبي الفم تعبير “وُلاَةِ الْعَالَمِ” ]١٢[ قائلاً: [دعاهم “وُلاَةِ الْعَالَمِ” ليس لأن لهم سلطانًا على العالم، وإنما لأن الكتاب المقدس اعتاد دعوة الممارسات الشريرة بـ “العالم”. فكمثال يقول المسيح: “ليسوا من العالم كما إني أنا لست من العالم” (يو ١٧: ١٦). ماذا؟ ألم يكونوا من العالم؟ ألم يلتحفوا جسدًا؟ ألم يكونوا بين الذين هم في العالم؟ مرة أخرى يقول: “لا يقدر العالم أن يبغضكم ولكنه يبغضني” (يو٧: ٧)… هكذا يقصد الرسول هنا بالعالم الناس الأشرار، إذ تحمل الأرواح الشريرة سلطانًا خاصًا عليهم[22].]
هنا يوضح الرسول بولس أن حربنا ليست ضد إنسانٍ، إنما نحمل العداوة ضد إبليس العدو العام ضد كل البشرية. وكما يقول القديس أغسطينوس: [مصارعتنا ليس ضد البشر الذين نراهم يغضبون علينا، إذ هم ليسوا إلاَّ أوانٍ يستخدمها غيرهم، هم أدوات في يدّ الآخرين[23].]
ثالثًا: إن كان الأعداء الحقيقيون غير منظورين، لكننا ننال الغلبة عليهم خلال جهادٍ ملموسٍ أو كما يقول القديس أغسطينوس ان القديسين يربحون النصرة على الأعداء غير المنظورين خلال الأمور المحسوسة[24].
رابعًا: واضح من حديث الرسول أن الحرب ليست فقط شرسة ولكن إذ طرفها إبليس الذي لا ينام، فإنها مستمرة ودائمة ضد كل المؤمنين المجاهدين. لذا يقول القديس چيروم: [هل يظن أحد أننا في أمان، وأنه من الصواب أن ننام لمجرد نوالنا العماد؟[25].]
خامسًا: قدم لنا الرسول بولس عدة حربية روحية يتسلح بها المؤمن بالكامل لينال الغلبة والنصرة، قائلاً:
“مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ،
لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ،
وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا” ]١٣[.
هذه العدّة في حقيقتها روحية، وكما يقول القديس أمبروسيوس: [يلزمنا ألاَّ نفكر في أسلحة الجسد بل تلك التي هي قديرة أمام الله[26].]
مركز السلاح أو جوهره هو تجلي السيد المسيح نفسه في داخلنا، هو الذي غلب عدو الخير ويبقى غالبًا له خلالنا… السيد المسيح نفسه هو سلاحنا وغلبتنا ونصرتنا على إبليس وجنوده.
- يوجد سلاح لخلاصنا مادام يوجد المسيح[27].
القديس أمبروسيوس
- عدة أسلحتنا هي المسيح[28].
القديس أغسطينوس
- لسنا نجهل أن الأرواح جميعها ليست في نفس الشراسة والنشاط، ولا في نفس الشجاعة والخبث، فالمبتدئون والضعفاء من البشر تهاجمهم الأرواح الضعيفة، فإذا ما انهزمت تلك الأرواح تأتي من هي أقوى منها لتهاجم جنود المسيح.
ويصعب على الإنسان بقوته أن يقاوم، لأنه لا يقدر أحد من القديسين أن توازي طاقته خُبث هؤلاء الأعداء الأقوياء الكثيرين، أو يصد هجماتهم أو يحتمل قسوتهم ووحشيتهم، ما لم يرحمه المصارع معنا ورئيس الصراع نفسه الرب يسوع، فيرد قوة المحاربين، ويصد الهجوم المتزايد، ويجعل مع التجربة المنْفَذ قدر ما نستطيع أن نحتمل (١كو ١٠: ١٣)[29].
الأب سيرينوس
سادسًا: إذ سألنا الرسول أن نقاوم في اليوم الشرير، أي في لحظات التجربة المرة، يليق بنا أن نتمم جهادنا المستمر حتى يتحقق ثباتنا، وتُعلن نصرتنا الكاملة، إذ يقول: “وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا” ]١٣[.
مع كل تجربة يصبها العدو لتحطيمنا نجاهد، فننمو ويتحقق بالأكثر ثباتنا، وهكذا يبقى العدو يحارب، ونبقى نحن نجاهد بالرب، فتنهار مملكة إبليس ويثبت ملكوت الله فينا.
- تسقط الأرواح في الحزن، وإذ تريد هلاكنا تهلك هي بواسطتنا بنفس التهلكة التي يرغبوها لنا. ولكن لا تعني هزيمتهم أنهم يتركوننا بغير رجعة…
إذ تهلك قواهم ويفشلون في صراعهم معنا، نقول: “فليخزَ وليخجل الذين يطلبون نفسي لإهلاكها، ليرتد إلى الوراء ويخز المسرورين بأذيتي” (مز ١٤: ٤). وأيضًا يقول إرميا: “ليخز طارديّ ولا أخزى أنا، ليرتعبوا هم ولا أرتعب أنا، أجلب عليهم يوم الشر واسحقهم سحقًا مضاعفًا” (إر ١٧: ١٨)، إذ لا يقدر أحد أن يشك في أنه متى انتصرنا عليهم يهلكون هلاكًا مضاعفًا[30].
الأب سيرينوس
- أنا أعلم يا إخوتي أن تلك الجراحات التي نتقبلها من أجل المسيح ليست مدمرة للحياة بل بالحري معينة للحياة[31].
القديس أمبروسيوس
- ” لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا” ]١٣[.
يقصد باليوم الشرير الحياة الحاضرة، إذ يدعوها أيضًا: “العالم الحاضر الشرير” (غلا ١: ٤)، وذلك بسبب الشر الذي يُرتكب فيها…
يقول “تتموا كل شيء” أي تقاوموا كل الأهواء والشهوات الدنسة وكل ما يقلقنا. هنا لا يتحدث عن مجرد ممارسة الأعمال وإنما إتمامها، بمعنى أننا بعد ما نُقتل (بالخطايا) نثبت. فإن كثيرين يسقطون بعد نوالهم النصرة… أما نحن فيلزمنا أن نثبت بعد النصرة. فقد يضُرب عدو لكه يقوم ثانية إن لم نثبت.
إن قام الأعداء (الروحيون) ثانية فإنهم يعودوا فيسقطون إن كنا ثابتين.
ما دمنا لا نتزعزع لا يقوم العدو من جديد.
“الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ“؛ ألا تراه كيف ينزع كل خوف؟ فإن كان ممكنًا بعد إتمام كل شيء أن نثبت، فإن وصفه لقوة العدو لا يخلق جُبنًا وخوفًا بل ينتزع كل استرخاء.
يقول: “لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ“، مقدمًا لهم تشجيعًا من الزمن بكونه مقصرًا (إذ يدعوه يومًا واحدًا)، فالأمر يحتاج إلى ثبات دون وهن إذ تحدث غلبة[32].
القديس يوحنا الذهبي الفم
سابعًا: إذ أعلن الرسول عن المعركة الروحية الحقيقية وأبرز من هو العدو وما هي قدراته الفكرية المخادعة وإمكانياته كما ألهب قلبنا بالشوق للنصرة والثبات فيها خلال عبورنا هذه الحياة الحاضرة كيومٍ واحدٍ قصيرٍ، الآن يصّور لنا العدة الروحية التي تكسو كل كياننا فتحفظنا من ضربات العدو.
هذه العدة الروحية هي:
أ. “فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ” ]١٤[.
يبدأ حديثه عن هذه العدة الروحية بكلمة “اثبتوا“، والثبات هو في ذاته جزء أساسي وحيوي حتى أثناء الجهاد في الأمور الزمنية، إذ يمثل عدة داخلية يلتزم أن يتسلح بها كل إنسان مجاهد في حياته؛ بدون هذا الثبات يسقط الإنسان في اليأس وينهار أمام أية صعوبة ولا يحقق غايته.
يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على كلمة “اثبتوا” بالقول:
[أول ملامح التحركات الحربية (الروحية) أن تعرف كيف تثبت، فإن أمورًا كثيرة تتوقف على هذا. لذلك كثيرًا ما تحدث عن الثبات، فيقول في موضع آخر:
“اسهروا، اثبتوا” (١ كو ١٦: ٣)…
“اثبتوا هكذا في الرب” (في ٤: ١)…
“من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط” (١كو ١٠: ١٢)…
“بعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا” (أف ٦: ١٣).
بلا شك لا يقصد مجرد الثبات بأية كيفية، وإنما في الطريق السليم، ذلك كما أن كثيرين لهم خبرات في الحروب يعرفون في المركز الرئيسي كيف يثبتوا. فإن كان في حالة الملاكمين والمصارعين يطلب المدرب من اللاعبين الثبات قبل كل شيء، فكم بالأكثر في حالات الحروب والأمور العسكرية؟!
الإنسان الذي يثبت بمعنى الكلمة يكون مستقيمًا، فلا يقف متراخيًا، ولا يتكيء على شيء.
الاستقامة التامة تعلن عن ذاتها بالثبات، فإن المستقيمين بالكمال يثبتون أما الذين لا يثبتون فلا يمكن أن يكونوا على حق ولا منظّمين بل “مشوشين”.
الإنسان المترف لا يثبت باستقامة بل يكون منحنيًا، وهكذا الشهواني ومحب المال.
من يعرف كيف يثبت، بثبوته ذاته كما من ينبوع خاص به يجعل كل جهاده سهلاً بالنسبة له[33].]
أما قوله: “ مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ” فيحمل بلا شك مفهومًا رمزيًا. فالجندي الروماني كان يشد وسطه بمنطقة جلدية على حقويه، مُثبت عليها صفائح فولاذية أو حديدية. هذه المنطقة يشدها الجندي كأول استعداد له للدخول في المعركة، فهي من جهة تعطي شيئًا من الصلابة لظهره، كما تساعده على سرعة الحركة فلا تعوقه ملابسه، وأيضًا كانت تحمي بعض أجزاء جسمه. ويرى كثير من الآباء أن الحقوين يشيران إلى الشهوة الجسدية، وشّدهما بالمنطقة يشير إلى ضبط الشهوة أو إلى العفة.
ما الذي يسندنا في عفتنا سوى رفض الباطل وقبول “الحق” الذي هي السيد المسيح، مصدر نقاوتنا وعفتنا، لذا يقول الرسول: “مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ“. المسيح الحق هو ضابط أجسادنا ومقدسها لتعمل مجاهدة لحساب الملكوت عوض انشغالها بالباطل.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن حصنا أنفسنا بذلك، إن منطقنا أحقاءنا بالحق، لا يقدر أحد أن يغلبنا. من يطلب تعليم الحق لن يسقط على الأرض[34].]
ب. “وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ” ]١٤[.
إن كان السيد المسيح المصلوب هو الحق الذي نتمنطق به فنحارب شهوات الجسد ونغلب عوض الفلسفات الباطلة التي قد تشغل الذهن لكنها تعجز عن تقديم الحياة العفيفة في الرب، هكذا هو أيضًا “برّنا” الذي نلبسه كدرع يحمينا من ضربات السيف وطعنات الرماح والسهام القاتلة.
كان الدرع العسكري الروماني يمتد من العنق إلى الركبة، من زرد أو حراشيف معدنية متصلة تحمي المحارب من ضربات العدو.
- كما أن الدرع لا يمكن اختراقه هكذا البرّ، هنا يقصد بالبرّ حياة الفضيلة الجامعة. فمثل هذه الحياة لا يقدر أحد أن يغلبها، حقًا قد يجرحه أحد لكن لا يقدر أحد أن يخترقه ولا حتى الشيطان نفسه.
كأنه يقول ليثبت البرّ في الصدر، ويقول المسيح: “طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ فإنهم يشعبون” (مت ٥: ٦). هكذا يكون ثابتًا وقويًا كما بدرع[35].
القديس يوحنا الذهبي الفم
ج. “وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ” ]١٥[.
هكذا يتسلح المؤمن بأسلحة روحية تمس كل كيانه حتى قدميه، وكما يقول الشهيد كبريانوس: [لنتسلح أيها الإخوة المحبوبون بكل قوتنا، ونستعد للمعركة بذهن غير فاسد وإيمان مستقيم، وشجاعة جادة. ليذهب معسكر الله إلى أرض المعركة المعدة لنا… ليته حتى الساقطين أيضًا يتسلحون، لعلهم يعودون فيربحوا ما قد خسروه…[36].]
إن كانت المنطقة تؤهل الجندي للحركة بلا عائق وسط الميدان فإن الحذاء ضروري لسرعة الجري في الحروب القديمة وأيضًا للوقاية من الزلق ولتسلق الجبال حيث كانت النعال العسكرية تحمل مسامير بارزة الكرات للوقاية.
لن نستطيع السير بسرعة وسط المعركة التي يثيرها العدو ما لم يكن إنجيل السلام حافظًا لأقدامنا الروحية، لنتحرك حسب مشيئة الله وإنجيله.
بينما يثير العدو الحرب ضدنا نحتذي نحن بإنجيل السلام، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد أظهر لنا أن الصراع ضد الأرواح الشريرة يستلزم إنجيل السلام… فإن حربنا ضدهم تنهي حربًا أخرى، أي تهني الحرب التي بيننا وبين الله. حين نكون في حربٍ ضد إبليس نكون في سلام مع الله. لذلك لا تخف أيها الحبيب، إنه “إنجيل” أي أخبار مفرحة، تهب نصرة[37].]
د. “حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ” ]١٦[.
إذ كان العدو لا يكف عن تصويب سهام ليست معدنية، وإنما نارية ملتهبة تقتل النفس، فإن الإيمان هو الترس الذي يحطم هذه السهام ويطفيء لهيبها. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما أن الترس يُوضع أمام الجسد كله بكونه نوعًا من الحاجز، هكذا أيضًا بالنسبة للإيمان حيث يخضع كل شيء له… فإن هذا الترس لا يقدر أن يقاومه شيء. اسمع ما يقوله المسيح لتلاميذه: “الحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل“ (مت ١٧: ٢٠)… يُقصد أيضًا بسهام الشرير الملتهبة التجارب والرغبات الفاسدة، أما كونها “ملتهبة” فهي سمة هذه الرغبات. فإن كان الإيمان يسيطر على الأرواح الشريرة فبالأولى يستطيع أن يسيطر على شهوات النفس[38].]
هـ.”وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ” ]١٧.]
إن كانت الخوذة هي الواقية للرأس، فإن انشغالنا بالخلاص، ورجاءنا في التحرر من العقوبات الآتية والتمتع بالميراث السماوي الأبدي هو الخوذة الروحية التي تحمي رأسنا أي إيماننا بالسيد المسيح الرأس.
أما سيف الروح الذي نمسك به لنحارب فهو كلمة الله، به نضرب في داخلنا فنعزل بقوة بين ما هو لله وما هو خارج الله، به نبتر في داخلنا كل فساد ونلقي به خارجًا، كلمة الله كالسيف يجرح لكنه يشفي!
يرى الأب بينوفيوس[39] ان هذا السيف، كلمة الله، يجب أن يسفك الدم، دم خطايانا التي نعيش فيها، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عب ٩: ٢٢)، وقد جاء في إرميا “ملعون من يمنع سيفه عن الدم” (إر ٤٨: ١٠)، وكأن المؤمن لا يكف عن أن يقتل بالوصية كل خطية تكمن في قلبه أو فكره أو أحاسيسه حتى يتقدس بالكامل في الرب.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: أننا بهذا السيف الروحي نقتل رأس الحية[40].
و. “مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ” ]١٨[.
يختم حديثه عن أسلحة محاربتنا الروحية بالصلاة، لا لأنها تحتل المكانة الأخيرة وإنما لكي تثبت في الذهن. فإن الأسلحة السابقة كلها هي في حقيقتها عطية إلهية لا نستطيع أن ننعم بها بدون الصلاة. وكأنه يختم الحديث بفتح الباب الذي به ننال الأسلحة المقاومة لإبليس وكل مكايده.
إن كان حديث الله معنا (كلمة الله) هو السيف الروحي الذي به نحطم كل شر يهاجمنا في الداخل، فإن حديثنا معه (الصلاة) هو سندنا لنوال العون الإلهي خلال جهادنا المستمر.
- [عن صديقه الناسك بونسيوس]
إنه لا يبالي (بمحاربات الشيطان)، ولا يخف، إذ هو متسلح بأسلحة الرسول من رأسه إلى قدميه. يصغي إلى الله إذ يقرأ الكتاب المقدس، ويتحدث مع الله إذ يصلي إلى الرب… في اختصار سيحاربه الشيطان، لكن المسيح يدافع عنه.
- بالصوم الصارم مع السهر (في الصلاة) تُطفي نيران سهام إبليس[41].
القديس چيروم
ز. الجهاد الروحي الجماعي: ختم الرسول بولس حديثه الخاص بالجهاد ضد إبليس بالكشف عن جانب إنجيلي كنسي هام، وهو إن كان العدو يحارب كل عضو على إنفراد، إنما يعمل العدو بكل جنوده، أي تعمل الأرواح الشريرة معًا ضد مملكة المسيح. فبالأولى جدًا في جهادنا نحن ألاَّ نحارب إبليس منفردين، وإنما كجماعة مقدسة. حقًا هي حرب داخلية تمس علاقتنا الشخصية بالله لكن خلال إتحادنا معًا، لذا يؤكد الرسول السهر الدائم والطلبة المستمرة من أجل جميع القديسين، فالكل يطلب معًا بروحٍ واحدٍ، فيشعر إنه في جهاده ليس بمعزلٍ عن إخوته.
لنطلب صلوات الآخرين حتى يسندنا الله، ولنصلِ نحن من أجل إخوتنا علامة شركتنا معهم وحبنا لهم ووحدتنا في الروح.
أُفرز الرسول بولس من البطن لخدمة الكرازة، والذي دعاه الرب علانية وهو في الطريق إلى دمشق، والذي نال مواهب كثيرة، يشعر بحاجة شديدة لصلوات الشعب من أجله ليسنده الرب ليس فقط في جهاده الروحي وإنما في كرازته بالإنجيل، إذ يقول: “وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ، الَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ” ]١٩-٢٠[.
إن كانت قيوده تشفع فيه لدى الله كسفير أمين احتمل الآلام من أجل الإنجيل لكنه كان في عوز إلى شفاعات كل الكنيسة عنه ليتمم رسالته بلا عائق. لهذا اعتادت الكنيسة أن تصلي من أجل البطريرك والأسقف والكهنة والشمامسة وكل الخدام، ويصلي البابا البطريرك وكل الخدام من أجل الشعب. حقًا نحتاج في جهادنا إلى صلوات مشتركة!
في تعليق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارات الرسولية، يقول: [الصلاة قادرة على تحقيق عظائم[42].]
4. الخاتمة والبركة الرسولية
ختم الرسول بولس هذه الرسالة بالآتي:
أولاً: أعلن لهم أنه يبعث إليهم تيخيكس، لا حاملاً الرسالة فحسب، وإنما كشاهدٍ عيان يطمئنهم على حاله وهو في السجن كيف يستخدمه الله للكرازة وبنيان الملكوت فتتعزى قلوبهم. هذا وبإرساله تيخيكس الخادم الأمين في الرب يسمعون كلمة الله منه لبنيانهم، إذ يقول: “وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ أَيْضًا أَحْوَالِي، مَاذَا أَفْعَلُ، يُعَرِّفُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ وَالْخَادِمُ الأَمِينُ فِي الرَّبِّ، الَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهَذَا بِعَيْنِهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَنَا، وَلِكَيْ يُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ” ] ٢١-٢٢[.
ثانيًا: يختم بالبركة الرسولية: “سَلاَمٌ عَلَى الإِخْوَةِ، وَمَحَبَّةٌ بِإِيمَانٍ مِنَ اللهِ الآبِ، وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. آمِينَ” ] ٢٣-٢٤[.
إذ كتب الرسالة عن الكنيسة التي هي حقيقتها وجوهرها “سلام مع الله والإخوة، ومحبة صادرة عن الله والرب يسوع، ونعمة مقدمة لنا”، لذا جاءت البركة متناغمة مع جوهر الرسالة.
- ابتهل من أجلهم يسأل لهم “السلام والمحبة بإيمان”. نطق حسنًا، إذ لم يرد لهم أن ينظروا إلى المحبة بذاتها بل ممتزجة بما هو من الإيمان…
إن وُجد سلام وُجدت محبة، وإن وُجدت محبة يوجد سلام أيضًا.
“بإيمان“، إذ بدونه لا تبلغ المحبة شيئًا، بل ولا يكون لها وجود بالكلية…
“فِي عَدَمِ فَسَادٍ“… أما يعني “في طهارة” أو “من أجل الأمور غير الفاسدة”، أي ليس من أجل الغنى والمجد والكنوز التي تفسد. “خلال عدم الفساد”، أي “خلال الفضيلة”، لأن كل خطية هي فساد.
القديس يوحنا الذهبي الفم
هذه صورة مبسطة للملامح الرئيسية لهذه الرسالة الحية التي تعلن عضويتها في جسد السيد المسيح، وتمتعنا بشركة حياته وسماته، في كل عملي خفي وظاهر، حتى في جهادنا ضد قوات الظلمة، من أجل بلوغنا الميراث الذي لا يفنى ولا يضمحل.
[1] راجع للمؤلف: إنجيل لوقا (تفسير ٢: ٤٩).
[2] راجع للمؤلف: إنجيل لوقا (تفسير ٢: ٤٩).
[3] راجع للمؤلف: إنجيل لوقا (تفسير ٢: ٤٩).
[4] Ser. On N.T. lessons 1.
[5] للمؤلف: الحب العائلي، ١٩٧٠، ص ٦٣، ٦٤.
[6] للمؤلف: الحب العائلي، ١٩٧٠، ص٦٥ – ٧٣.
[7] In Eph. hom 21.
[8] Ser. on N.T. lessons; on the Psalms 71: 1.
[9] Ep. to Heliodorus.
[10] In Eph. hom 21.
[11] الحب العائلي، ١٩٧٠، ص ٤٣.
[12] In 1Tim hom 9.
[13] Ser. on N.T. 44: 1.
[14] In Eph. hom 22.
[15] In Eph. hom 22.
[16] In Eph. hom 22.
[17] In Eph. hom 22.
[18] In Eph. hom 22.
[19] In Eph. hom 22.
[20] In Eph. hom 22.
[21] In Eph. hom 22.
[22] In Eph. hom 22.
[23] Ser. on N.T. 17: 4.
[24] Ep. 226: 12.
[25] Against Jovinianus 2: 3.
[26] On the Belief of Resurrection 2: 106.
[27] Conc. Virgins 2: 29.
[28] Ep. 75: 2.
[29] Cassian: Conf., 7: 20.
[30] Cassian: Conf., 7: 21.
[31] Sermon against Auxentius 6.
[32] In Eph. hom 22.
[33] In Eph. hom 23.
[34] In Eph. hom 23.
[35] In Eph. hom 24.
[36] Ep. 55: 8.
[37] In Eph. hom 24.
[38] In Eph. hom 24.
[39] Cassian: Conf. 20: 8.
[40] In Eph. hom 24.
[41] Ep. 3: 4, 5; 54: 7.
[42] In Eph. hom 24