Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

تفسير رسالة كولوسي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة كولوسي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة كولوسي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطيتفسير رسالة كولوسي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة كولوسي 2 الأصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثاني: المسيح هو العلو

 

في الأصحاح السابق حدّثنا الرسول عن عظمة شخص السيّد المسيح، وبالتالي عظمة عمله في حياة البشريَّة. رأيناه هو العمق الذي بدخل بنا إلى معرفة سرّ الحكمة الأزلية المكتومة، ويهبنا رجاءً للتمتّع بالسماويّات الفائقة. الآن في هذا الأصحاح يحدّثنا عنه بكونه العلو. فإذ نتأسس ونتأصّل فيه لا يمكن أن يهتز بناء نفوسنا، ولا نشعر بعوزٍ إلى شيء.

إنّه يسمو بنا فوق تقاليد الناس الكاذبة، ويرفعنا فوق الحكمة الباطلة والفلسفات الخادعة. يرفعنا فوق الحرف اليهودي، فنتمتّع فيه بالختان الروحي الذي يتحقق بالمعمودية لننال البنوّة للآب. يمحو الخطية فينا وآثارها، فنعيش بروحه القدّوس وننال حكمة الغلبة والنصرة على قوّات الظلمة.

أمّا غاية الكتابة في هذا الأمر فهو تمتّع الكل بسرّ معرفة الآب والابن لنوال كنوز الحكمة في داخلنا.

هكذا يكتب الرسول ويعمل مجاهدًا من أجل محبّته لمخدوميه.

  1. الحب هو الدافع، وغنى المعرفة هو الغاية 1-5.
  2. المعرفة الإلهيَّة والسلوك 6-7.
  3. التحفّظ من خداع الفلاسفة 8.
  4. حياة الملء في المسيح 9-10.
  5. الختان الروحي والمعموديّة 11-13.
  6. الغلبة على الظلمة 14-15.
  7. لا عودة للظلال 16-17.
  8. عبادة الملائكة 18-19.
  9. عظمة الموت مع المسيح 20-23.

1. الحب هو الدافع وغنى المعرفة هو الغاية

يكشف القديس بولس عن اهتمامه العظيم بالكنيسة في كولوسي كما بكل الكنائس، فهو يشتاق أن يتثبت المسيحيون ويترسخون في إيمانهم، وأن يحذروا من جهة الفلاسفة ورجال الناموس المخادعين. أما أفضل الطرق للتحفظ من مهالك شباك العالم وفلسفاته ومن الحرف القاتل للناموس فهو فهم سرّ المسيح؛ لأنه هو الكل في الكل. لذلك يسألهم الرسول أن يتأصلوا في الكلمة “اللوغوس” لئلا يجرفكم المعلمون الزائفون.

كان بعض الفلاسفة المعروفين آنذاك يُعلَّمون بأن الإنسان لا يستحق أن يصل إلى الله مباشرة، بل يحتاج إلى الملائكة للبلوغ إليه (18:2). لم يدركوا حقيقة قوة السيد المسيح أنه الوسيط الوحيد بين الله والإنسان، القائل: “أنا هو الطريق… ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي” (يو 6:14) وقد وبخ القديس بولس أهل كولوسي لإخفاقهم في التعرف على شخص السيد المسيح، وإدراك أنه الرأس الأعلى للكنيسة والوسيط الوحيد بين الله والإنسان.

“فإني أريد أن تعلموا أي جهاد لي لأجلكم،

ولأجل الذين في لاودكية،

وجميع الذين لم يروا وجهي في الجسد” [1].

بالرغم من وجود القديس بولس في السجن، لم يعقه شيء عن الصلاة الحارة لأجلهم، ومع صلواته الكثيرة من أجلهم بعث إليهم برسالةٍ، وبأحد معاونية في الخدمة “تيخيكُس” ليشجعهم (4: 7-8).

لاودكية أو اللاذِّقية وهي مدينة على بعد 10 أو 12 ميلاً من كولوسي وأكثر اتساعًا وازدهارًا، وهي غير اللاذِّقية الميناء السوري المعروف حاليًا.

تُستخدم كلمة “جهاد” الواردة هنا في الأصل اليوناني في تصوير المصارعة في حلبة الوحوش المفترسة. هكذا دخل الرسول كما في حلبة الصراع ضدّ التعاليم الكاذبة، فكان كمن يصارع وحوشًا فتّاكة. ما يقوم به من صراع هو من أجل أبوّته لهم، معرّضًا حياته للموت لأجل إنقاذهم من الضلال.

“وجميع الذين لم يروا وجهي في الجسد” [1]. وكما كتب إلى أهل كورنثوس: “كأني غائب بالجسد، ولكن حاضر بالروح” (1 كو 5: 3). بهذا يشير إلى وحدة المسيحيين في جسد المسيح، الكنيسة، حيث لا يستطيع البعد المكاني عن عزلهم عن بعضهم البعض. وكأنه يقول: “وإن كنتُ غائبًا عنكم في الجسد، لكنني معكم في الروح، فرحًا وناظرًا ترتيبكم ورسوخ إيمانكم في المسيح [5].

القديس جيروم

القديس يوحنا ذهبي الفم

“لكي تتعزى قلوبهم،

مقترنة في المحبة لكل غنى،

يقين الفهم لمعرفة سرّ الله الآب والمسيح” [2].

القُلب هو عرش المشاعر. إن كانت الشهوات الشريرة تقود الذهن إلى مسالك وعرة ونتائج سيئة وانقسامات، فإن تعزية القلب تتحقق بالاتحاد معًا. فالحب مع التواضع يحفزاننا على الجهاد، ليتصالح الكل معًا، ويحملون فكرُا إيمانيًا واحدًا صادقًا.

موضوع جهاد الرسول خاصة في الصلاة من أجلهم، ومن أجل إخوتهم الذين في لاودكيّة والذين لم يرهم ولم يعرفهم بالاسم، هو تمتّعهم بتعزيات إلهيّة داخليّة، وحب صادق، فيدركوا غنى الفهم لسرّ اللَّه الفائق، وينالوا معرفة صادقة لسرّ خطة اللَّه الآب والابن الوحيد الجنس. فلا يكون للشك أو الارتياب أي موضع فيهم.

         إن كانت عاصفة هؤلاء المعلّمين الكذبة غاية في الخطورة، لكنّها فرصة لطلب غنى نعمة اللَّه، فيقف الكل كما بقلبٍ واحدٍ محبٍ لمواجهة قوّات الظلمة. خلال هذا الحب وتلك الوحدة الصادقة يتأهّلون لإعلان الحق الإلهي دون مباحثات ومماحكات غبيّة (1 تي 6: 4).

         مفتاح ذخائر المسيح هو الإيمان العامل بالمحبّة، فإنّهم إذ يمارسون الحب لا يُحرمون من الدخول إلى المسيح مصدر كل غنى حقيقي وحكمةٍ وفهمٍ.

         كثيرًا ما يقدّم لنا الرسول بولس الحب كمفتاح للإعلانات الإلهيّة والتمتّع بالملء. “وأنتم متأصّلون ومتأسّسون في المحبّة، حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القدّيسين… وتعرفوا محبّة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء اللَّه” (اف3: 18-19).

عاش شاول الطرسوسي زمانًا تحت الظلال، ظانًّا أن ناموس موسى فيه كل الكفاية. لكن إذ التقى بالسيد المسيح، والذي رفعه من الظل إلى الحق، صارت له معرفة بأسرار عجيبة يشتهي أن يتمتّع الكل بها.

في هذه الرسالة يحدّثنا الرسول عن سرّ له جوانب ثلاثة، تتكامل معًا في حياة المؤمن:

ا. سرّ الكنيسة جسد المسيح (1: 24)، حيث ينفتح باب الإيمان للأمم أيضًا.

ب. سرّ الحياة في المسيح: “المسيح فيكم، رجاء المجد” (1: 27).

ج. سرّ اللَّه الآب والمسيح (2: 2). فإنّه يحلّ في المسيح كل ملء اللاهوت، وهو الذي يهبنا حياة الملء. ما هو سرّ اللَّه الآب والمسيح؟ هو سرّ خطة عمله، موضوع مسرّة الآب والابن معًا، وسرّ معرفة الأب خلال إعلان الابن عنه لمؤمنيه. وكما يقول السيد المسيح: “اللَّه لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر” (يو1: 18). قبل الصليب ما كان يمكن للبشر إدراك سرّ العلاقة بين الآب والابن، التي انكشفت بالصليب والقيامة.

القديس يوحنا ذهبي الفم

“المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” [3].

كل من الحكمة والعلم أو المعرفة هو من إعلان الله عن ذاته لنا، نقتنيه فنحمل الحكمة الإلهية والمعرفة السماوية. يرى القديس أغسطينوس أن الحكمة هي القدرة على تذوق الحقائق الروحية، والتمتع بالحق يؤدي إلى مجد الله والتعبد له بمخافة البنين. ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم الحكمة هي الإنجيل، أي التمتع بخطة الله الخلاصية المفرحة. أما العلم فهو الحيدان عن الشر (أي 28: 28)، وتقديم كلمة الخلاص للبشر.

هنا يصحح الرسول بولس مفاهيم الفلاسفة الذين يظنون أنهم قادرون بجهادهم البشرى البحت، وقدراتهم الفكرية الذاتية أن يتعرفوا على الحق ويبلغوا الخلاص. فالإنسان عاجز بذاته أن يدرك الله وتدبيره، ما لم يعلن هو عن ذاته. وكما يقول السيد المسيح: “الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر” (يو 1 : 18). وقد وعد تلاميذه بإرسال روحه القدوس الذي يأخذ مما له ويخبرهم ( يو 16: 14- 15).

كشف العهد الجديد عن الحكمة التي صارت لنا في المسيح يسوع التي من بينها الأمور الآتية:

  1. دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية (1 يو 1: 7).
  2. كلما كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا” (رو 5: 20).
  3. الإيمان العامل بالمحبة (غل 5: 6).
  4. يخبرنا بأمور آتية ( يو 16: 13).
  5. السماء الجديدة والأرض الجديدة، وأورشليم أمنا العليا (رؤ 21).

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس إكليمنضس السكندري

القديس أغسطينوس

           في حوار جرمانيوس مع الأب نسطور ببربة مصر أكد الأخير أن هذه المعرفة يمنحها السيد المسيح لأنقياء القلب.

نسطور: لا يقدر أن يكتشف قيمة ما أكدته إلا الذين يزنون كل كلمة ننطق بها بميزان دقيق. فقد بدأنا الحديث عن أناس ماهرين في النقاش لكنهم عاجزين عن الدخول إلي عمق الكتاب المقدس واكتشاف معانيه الروحية. لأن المعرفة الروحية يطلبها عابدو الله وحدهم، ولا ينالها الذين قيل عنهم: “اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم الذين لهم أعين ولا يبصرون، لهم آذان ولا يسمعون” (إر 21:5). وأيضاً: “قد هلك شعبي من عدم المعرفة، لأنك أنت رفضت المعرفة، أرفضك أنا حتى لا تكهن لي، ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضًا بنيك” (هو 6:4).

 فكما قيل أنه في السيد المسيح تكمن كل كنوز الحكمة والمعرفة (كو 3:2)، فكيف يمكننا أن نقول بأن الذي يحتقر التعرف على السيد المسيح، أو عندما يجده يجدف عليه بشفتيه المدنستين، أو على الأقل يدنس بأفعاله الشريرة إيمانه الذي حسب الكنيسة الجامعة، كيف يقدر أن ينال معرفة روحية؟!

 “إن الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر، ولا تحل في الجسد المسترق للخطيئة، لأن روح التأديب القدوس يهرب من الغش، ويتحول عن الأفكار السفيهة، وينهزم إذا حضر الإثم” (حك 4:1، 5).

 إذن لا يوجد طريق لبلوغ المعرفة الروحية غير ذلك الطريق الذي وصفه النبي بدقة قائلاً: “ازرعوا لأنفسكم بالبرّ، احصدوا بحسب الصلاح، احرثوا لأنفسكم حرثًا، فإنه وقت لطلب الرب حتى يأتي ويعلّمكمْ البرّ” (هو 12:10). يلزمنا أولاً أن نزرع بالبر، أي بأفعال البر نوسع الكمال العملي. بعد ذلك يجدر بنا أن نحصد رجاء الحياة، أي عن طريق نزع الخطايا الجسدية نجمع ثمار الفضائل الروحية. وهكذا سوف ننجح في إضاءة أنفسنا بنور المعرفة.

 يرى المرتل بالمزامير أيضًا أن هذا النظام يلزمنا إتباعه إذ يقول “طوباهم الذين بلا عيب في الطريق، طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته” (مز 1:119، 2). فإنه لا يقول في الأول “طوبى للذين يفحصون عن شهاداته” وبعد ذلك “طوباهم الذين هم بلا عيب”، إنما يبدأ بالقول “طوباهم الذين هم بلا عيب”، مظهرًا أنه لا يستطيع الإنسان أن يأتي إلى فحص شهادات الله بلياقة ما لم يسلك في طريق المسيح بلا عيب بحياته العملية[9].

الأب نسطيروس Nesteros

إن كان السيد المسيح هو”المذخر فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة”، فلماذا يقول أنه لا يعلم اليوم ولا الساعة إلا الآب وحده؟

القديس هيلاري أسقف بواتييه

القديس أمبروسيوس

القديس غريغوريوس النيسى

القديس كيرلس السكندري

“وإنما أقول هذا لئلا يخدعكم أحد بكلام ملق (ناعم أملس)” [4].

أخبرهم أن يحترسوا من أي شخصٍ يريد أن يأسرهم بحكمة زائفة وخداع باطل حسب تقليد الناس، تلك الحكمة المؤسسة علي عناصر كونية، بدلاً من ارتكازها علي المسيح.

بدلاً من إفساد الوقت بأن نتدارس فيه الفلسفات الباطلة والتعاليم الكاذبة والأناجيل المزيفة، يجدر بنا دراسة الحق ومعرفته جيدًا لنعرف كيف نميز أي انحراف عنه.

عانت الكنيسة منذ القرن الأول من الهجمات الشرسة من الداخل (أع 15، 2 بط 2: 1-3، يه 3، 4) وينكر كثيرون الحق بأن يحذفوه سرًا.

يقوم إيماننا الأقدس على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية (أف 2: 20). فلا يليق بنا أن نُخدع بالفلسفات الباطلة. وكما يقول القديس جيروم بأنه إن وعدك أحد بأن المسيح يوجد في برية الوثنيين أو خيام الفلاسفة أو في مجالس الهراطقة السرية، وأنه هناك تقدم معرفة أسرار الله، فلا تصدق. وإنما ليكن لك إيمان الكنيسة الجامعة الذي يضيء في الكنائس من الشرق إلى الغرب[13]. “هكذا قال الرب: قفوا على الطرق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة، أين هو الطريق الصالح، وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم ” (إر 6: 16).

         “ملقpithanologia، تستخدم هذه الكلمة عن دفاع بعض المحامين بأسلوب جذاب، حيث يمكنهم أن يظهروا الباطل كأنه حق. لذا يليق بالمؤمن أن يكون له روح التمييز فيفرز كلام الحكمة الإنسانية المقنع من برهان الروح المشبع للأعماق (1 كو 2: 4).

القديس أغسطينوس

القديس إكليمنضس السكندري

“فإني وإن كنت غائبًا في الجسد،

لكني معكم في الروح،

 فرحًا وناظرًا ترتيبكم ومتانة إيمانكم في المسيح” [5].

إن كان الرسول بولس غائبًا عنهم بالجسد لكنه كان حاضرًا معهم بالروح، يتهلل بترتيبهم وعدم تشويشهم، كما يفرح بثبات إيمانهم في المسيح يسوع. هذا ليس بالأمر الغريب، فقد كان قلب اليشع النبي يئن وهو يرافق جيحزي عندما لحق بنعمان السرياني يطلب منه هدية (2 مل 5: 20- 27). مرة أخرى يؤكد الرسول بولس لأهل كورنثوس: “فإني أنا كأني غائب بالجسد، ولكن حاضر بالروح… إذ أنتم وروحي مجتمعون” (1 كو 5: 3-4).

القديس يوحنا الذهبي الفم

الكلمتان “ترتيب” و”متانة” اصطلاحان عسكريان يستخدمان في وصف الجيوش في الحرب. فالترتيب يشير إلى دقة النظام والتدبير، فيدرك كل جندي موقعه ودوره، ويتحمل مسئوليته في طاعة كاملة للقيادات. المتانة تفيد الاستعداد العسكري لمواجهة ضربات العدو الخاطفة، كجيشٍ يقظٍ متماسك، له قدراته الهجومية والدفاعية. هكذا يليق بالمؤمن أن يكون جندي المسيح الصالح الذي ينتمي إلى جيش الخلاص، لا ليقاوم إخوته في البشرية، بل عدوه الحقيقي إبليس بكل جنوده الروحيين الأشرار، وقواته وحيله وكل خداعاته.

إيمانكم في المسيح” ؛ تعبير يتكامل مع تعبير “إيمانكم بالمسيح” (كو 1: 3). فالإيمان موضوعه هو السيد المسيح، وغايته التمتع بالمسيح ذاته. هو بداية الإيمان وطريق الإيمان ونهاية الإيمان. فيه يتهلل المؤمنون، كما تتهلل نفس الرسول بولس كشركة حية معهم في بهجة خلاصهم وتهليل نفوسهم بالشركة مع المسيح.

القديس يوحنا الذهبي الفم

ليهبكم جميعًا أن تؤمنوا بالذي قام، وتتطلعوا إلى الذي صعد وسيأتي (ولكن ليس من الأرض، إذ يلزمك أن تحترس من الكذابين الذين سيأتون)، إنما يأتي ذاك الذي يجلس في العلا وهو معنا جميعًا، “ناظرًا ترتيبكم ومتانة إيمانكم” (كو 5:2).

فلا تظنوا أن بغيابه بالجسد غائب عنا بالروح، بل هو موجود في وسطنا يسمع ما يُقال عنه، متطلعًا إلى أفكاركم الداخلية فاحصًا القلوب والكلى” (مز9:7)، الذي هو الآن مستعد أن يُحضر الآتين إلى العماد بل ويُحضركم جميعًا في الروح القدس للآب قائلاً: “ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم اللَّه” (عب 13:2، إش 18:8).هذا الذي له المجد إلى الأبد آمين[17].

القديس كيرلس الأورشليمي

2. المعرفة الإلهيَّة والسلوك

“فكما قبلتم المسيح يسوع الرب،

اسلكوا فيه” [6].

اسلكوا فيه” من يقبل السيد المسيح يسلك فيه بكونه الطريق الإلهي، فيستطيع أن يجتاز العالم بقلبه وفكره، ويعبر كما إلى حضن الآب، لتستقر أعماقه هناك على رجاء قيامة الجسد والوجود الدائم في المجد الأبدي.

حيث أن يسوع المسيح هو الفائق الكل، أيقونة الله، خالق الجميع. فلماذا يوجد فيكم اشتياق أن تطلبوا وسطاء آخرين؟ يسوع هو المسيا، مسيحُ الله، هو الكلمة، رسالة الله للإنسان، هو الرب أيضا يهوه إله العهد الجديد (فى 2: 11).

لقد قبلوا الرب بإيمان بسيط، قبلوه مخلصًِّا، مصدر الحياة والغبطة وإن كنا نحتاج إليه لينقذنا من الهلاك الأبدي فإننا نحتاجه أيضًا ليرشدنا ويوجهنا في كل جوانب الحياة (يو 6: 39، رو 8: 35-39). أوصينا أن “نسلك فيه”، فنحن جميعنا نحيا ونتحرك ونوجد في المسيح، جميعنا مسندون به (1: 17) وفي كولوسي 3: 5-17 يوضح القديس بولس كيف ينبغي أن يسلك المسيحي.

إذ قد وثقتم الآن بالمسيح ليخلصَّكم، ثقوا به، أيضًا لأجل حل المشاكل اليومية، عيشوا في اتحاد عميق حيوي معه، ولتتأصل جذوركم فيه وتقتات منه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

قبلتم” جاءت نفس الكلمة في قول الملاك ليوسف: “لا تخف أن تأخذ مريم” (مت 1: 20). وكأن قبول المسيح هو اتحاد دائم في حياة مشتركة.

كان بولس دائمًا إنسانًا عمليًا، إذ يقول: نفذَّوا ما تؤمنون (به) ها قد بدأتم حسنا، فاستمروا كما بدأتم! نحن قد وثقنا بالمسيح وثبتنا فيه راسخين (23:1). لهذا عيشوا في اتحادٍ حيويٍ معه. يريد القديس بولس دومًا أن تتناغم حياتنا مع إيماننا. ومن المحزن أن يؤمن مسيحي بالمسيح ويسلك كشيطانٍ.   

إن كنا نؤمن بالمسيح ونثق فيه، فلنحيا كما يريدنا هو أن نحيا. وإن كنا متأصلين فيه فلننموا أيضًا فيه. علينا أن نبذل أكثر من مجرد أن نؤمن بحقائق عن المسيح. يجب أن نثق بالمسيح إن كنا نريد الحياة ولا يمكننا أن نكتسبها أو نشتريها فهي هبة مجانية (6:2). فنحن متأصلون في المسيح، وهذا يعني أننا نقتات عليه. فلا يمكن لنباتٍ أن ينمو دون أن يرتبط بالتربة الواهبة الحياة. تبدأ الحياة المسيحية في المسيح ثم لا تلبث أن تنمو في نعمته وعطاياه. لذلك يجب علينا أن نتكل على المسيح لأجل ثبات حياتنا، إذ هو يقيننا من جهة خلاصنا.

“متأصلين ومبنيين فيه، وموطدين في الإيمان،

كما علمتم،

متفاضلين فيه بالشكر” [7].

         متأصلون” لا يطالب بمجرد السلوك بل التأصل، حيث تتحول حياة المؤمن إلى هيكلٍ، له أساساته الخفية التي يقوم عليها البناء الروحي الشاهق الذي يعبر إلى السماء عينها. علينا أن نطلبه، ففيه وحده إشباع كل احتياجنا الروحي وكفايتنا.

القديس أغسطينوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس أغسطينوس

القديس غريغوريوس النيسي

3. التحفّظ من خداع الفلاسفة

“انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة،

وبغرور باطل،

حسب تقليد الناس،

حسب أركان العالم،

وليس حسب المسيح” [8].

         بعد أن أعلن الرسول بولس فرحه بتمسكهم بالتقليد الذي تسلموه من الرسل بخصوص شخص ربنا يسوع المسيح أخذ يحذرهم من خداع الفلسفات الكاذبة. بقوله: “انظروا” يقدم تحذيرًا من السقوط في سبي الفلسفة أو الاستعباد لها. يرى في المعلمين الكذبة أشبه بتجار العبيد الذين يحملون أسرى الحرب قسرًا إلى أسواق العبيد تحت ستار الكلمات المعسولة الملقة، فيحرمونهم من حرية مجد أولاد الله.

         يدعوها “غرور باطل“، لأنها جوفاء لا تقدم إلا الفراغ، لأنها تصدر عن العالم والفكر البشري البحت، فلا تحمل قوة الله للخلاص. كان العالم أسيرا لفكرة أن أمور البشر تسير قصرًا حسب تحركات الأفلاك لذا يقول: “أتحفظون أيامًا وشهورًا وأوقاتًا وسنين؟” (غل 4: 10). وكانت الفلسفات تدعي أنها قادرة أن تخلص الإنسان من شر هذه القوات.

يقوم هذا الجزء من الرسالة علي تحذيرات ثلاثة:

أولاً: لا تنجذبوا لأية فلسفة دنيوية، تحل محل المسيح. لا تسمحوا لأي شيء يحل محل المسيح الفائق الكل، ولا تدعوا أحدًا يجعلكم تنكرونه. افتحوا عيونكم جيدًا وراقبوا واسهروا (حز 3: 17-21)، فلا يُسرق إلا الغافلون والحمقى (لو 12: 39)، ضحايا الغفلة.

الفلسفة جهد بشري لفهم الله والوصول إليه ولإدراك الكون الذي خلقه بقدرته، لكنها غالبًا ما تخفق في قصدها (1 كو 1: 21) ومن ثم فهي في نهاية الخطورة (ا تي6: 20).

“حسب تقليد الناس”: التقليد ليس بالضرورة شرًا في ذاته. فالكلمة تشير أساسًا إلي مجموعة من الأقوال أو التعاليم المسَّلمة من واحد إلي آخر (غل 1: 14؛ 1كو11: 2)، قد تكون صالحة (2 تس 2: 15؛ 3: 6) أو عديمة النفع (1 بط 1: 18)، أو حتى شريرة للغاية إذا ما تعارضت مع كلمة الله (مت 15: 1-9) وفي حالة كولوسى 2: 8 فإن التقليد هنا علي وجه التحديد هو هذا النوع الأخير، إذ هو مناقض للتعليم الصحيح كما أعلنه في المسيح.

ومن الآية 20 نكتشف أن “العناصر” أو “الأركان” إنما تشير إلى الترتيبات الدينية من أوامرٍ ونواةٍ (2: 20-23) ومهمة الإنسان أن يصل إلى الله بإنكاره للذات وبالأعمال الصالحة. والخط الكامن في كل الفلسفات أننا نقترب من الله ليست بحسب المسيح مع أنه كان يجب أن نتذكر أنه في المسيح وبالمسيح وحده يمكننا بلوغ الآب.

ويقول القديس بولس: “بالفلسفة وخداع باطل بحسب تقليد الناس، بحسب مبادئ العالم، وليس بحسب المسيح“، وها هو يوبخهم لحفظهم أيامًا بعينها، إذ يقصد بأركان العالم أو عناصره أو مبادئه: الشمس والقمر. كما يقول أيضًا في الرسالة إلى أهل غلاطية فكيف ترحبون أيضًا بالأركان الضعيفة الفقيرة؟ (راجع غل 9:4) وهو لم يقل: حفظ أيام، بل حفظ أمور العالم الحاضر عمومًا ليكشف عن تفاهته. لأنه إن كان العالم الحاضر لا شيء فكم بالحري عناصره (من أيام وشهور وسنين)، وإذ يكشف أولاً من مدى ما نالوه من منافع عظيمة وحنوٍ، يبدأ بعدها في توجيه اتهامه ليظهر مدى خطورته وليقتنع سامعيه[23].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس إكليمنضس السكندري

القديس هيلاري أسقف بواتييه

القديس هيلاري أسقف بواتييه

القديس إكليمنضس السكندري

4. حياة الملء في المسيح

“فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا” [9].

يرى البعض كلمة اللاهوت Theotes هنا وليس Theiotes (رو 1: 2)، فالأولى لم تتكرر في العهد الجديد، وهي تعنى الله بجوهره هذا الذي اتحد مع الناسوت، أما الثانية فتعني إشراق مجد الله الذي يمكن أن ينعكس على الخليقة.

يعلن الكاتب بأكثر وضوح أن في المسيح يحل “ملء” اللاهوت جسديًا (1 :19)، وأن المسيح هو الرأس (18:1)، رأس كل رياسة وسلطان (1: 16)، وكل ذلك له نتائجه في مجتمع الكاتب فهم يشتركون في ملء المسيح (9:1) لأنهم جسده. وكما أن الختان علامة عهد مع الله بالنسبة لليهود هكذا في معمودية الأمم صار المسيحيون شعب عهدٍ. فالمعمودية للأمم هي رمز للختان غير البدني (الروحي) الذي بها يتشبهون بالمسيح إذ يشاركونه ختانه ومعمودية موته مدفونين ومشتركين أيضًا في قيامته (رو 6: 3-5).

القديس أمبروسيوس

         يميز القديس كيرلس بين ملء اللاهوت بالنسبة للسيد المسيح وبين حلول الروح القدس في القديسين.

إن الكلمة (الذاتي) قد وجد حلول، كما لحلول النفس في الإنسان إذ نقول عن سكناها في جسده[33].

القديس كيرلس الكبير

القديس مقاريوس الكبير

القديس هيلاري أسقف بوايتيه

“أنتم مملوءون فيه،

الذي هو رأس كل رياسة وسلطان” [10].

            إذ تحقق التجسد باتحاد اللاهوت مع الناسوت صار لنا حق التمتع بغنى المسيح خلال اتحادنا معه، إذ نصير مملوءين فيه. خلال هذا الملء صار لنا إمكانية القيامة معه، والجلوس معه في السماويات (أف 2: 6)، وأن نملك أيضا معه (2 تي 2: 12)، لا يعوزنا شيء (رو 8: 32)، إذ يصير كل شيء هو لنا (1 كو 3: 21).

يعلق القديس أغسطينوس على العبارة: “ومن ملئه نحن جميعا أخذنا، ونعمة فوق نعمة” (يو 1: 16) قائلاً بان الرب وهبنا نعمة مجانية مقابل استحقاقنا للعقوبة. بهذه النعمة وهبنا الإيمان الذي به ننال مجازاة عظيمة. يقودنا هذا الإيمان إلى معرفة الحق. بالإيمان يهبنا التبرير من خطايانا ويقدم لنا نعمة الخلود. هذا كله بشرط الاحتفاظ بهذه النعم.

القديس هيلاري أسقف بواتييه

القديس افرام السرياني

القديس يوحنا الذهبي الفم

“أنتم مملوءون (مكتملون) فيه،

الذي هو رأس كل رياسته وسلطان [10].

من أهم مميزات مفاهيم القديس بولس عبارة كوننا “في المسيح“، فيوجد إحدى وعشرون إشارة إلى علاقتنا بالرب يسوع في الإصحاحين الأول والثاني، بمعدل إشارة واحدة لكل ثاني آية تقريبًا، ومعنى غير المستطاع أن نشرح كلمة “مكتملين” هكذا بكلمة واحدة فهي تعني الامتلاء والكمال والفيض بكل أسلوب ومن كل طريق (انظر متى 48:13).

 

5. الختان الروحي والمعموديّة

“وبه أيضّا ختنتم ختانًا غير مصنوع بيدٍ،

بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح” [11].

بالمسيح نكمل [10]، وبه أيضًا لنا عهد مع الله.

كان الختان الجسدي في العهد القديم علامة تُظهر علاقة عهد الإنسان مع الله (رو 11:4-12). كان أيضًا علامة انقسام بين اليهود والأمم، وعلى الصليب أباد المسيح يسوع هذا الحائط المتوسط، حاجز الانقسام (أف 14:2-18). على أسس الإيمان، نحن جميعًا يهودًا وأممين ندخل في عهد مع الله (رو 29:3، 30؛ غل 6:5).

            إذ صرنا مملوءين فيه نتمتع بالختان الروحي، أي العماد، فنخلع الإنسان القديم ونلبس الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه. في هذا الختان لا تنزع غرلة الجسد الظاهرة، بل غرلة القلب التي تتعارض مع مشيئة الله والطاعة لوصاياه. لقد وبخ القديس اسطفانوس اليهود لأنهم قساة القلوب وغير مختونين بالقلوب والآذان (أع 7: 51)، وعاد الرسول يوضح مفهوم “اليهودي” كعضو في جسد إسرائيل الحقيقي انه مختون القلب بالروح (رو 2: 28-29).

            في الختان الجسدي الحرفي يُنزع جزء من اللحم، أما في ختان المسيح فينزع طبع الخطية فلا يعود الجسد يكون هيكلاً لها، بل يصير هيكلاً للرب. هذا الاستئصال لا يتم بسكين مادية، بل بيد غير بشرية، وهو عمل روح المسيح فينا بالإيمان.

القديس كيرلس الكبير

 القديس يوحنا الدلياتي

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس هيلاري أسقف بواتييه

مدفونين معه في المعمودية،

التي فيها أقمتم أيضا معه،

بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات” [12].

             يتحقق هذا الختان بسكين الروح بواسطة المعمودية، حيث يُدفن المؤمن مع المسيح ليقوم معه في جدة الحياة المقامة.

بقوله “التي فيها” يؤكد الرسول أن المعمودية ليست رمزًا، بل هي عمل حيث يتم الدفن مع المسيح والقيام معه.

ليس الموت فناءً, بل هو انفصال عن الله. ونحن قد وُلدِنا في الصورة الميتة صورة آدم (كو 15:1؛ تك3:5) ونبقى هكذا حتى “نحيا” بالله.

ومع هذا فإن الجسد غير المختون أفضل من القلب غير المختون (كو 11:2؛ رو 25:2-29). فالروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا يُفيد شيئًا (يو 63:6).

القديس جيروم

القديس كيرلس الأورشليمي

تعبير “مدفونون معه في المعمودية” تشهد بالكيفية التي كانت تتم بها آنذاك في عصر القديس بولس، إذ كانت تتم التغطيس فقط (رو 3:6-5). يموت المعمًّدون عن الحياة العتيقة، كما تضمن قيامته قيامتنا (1 كو 20:15-23). دُعي يسوع “بكر الراقدين” أي هو ضمان قيامتنا (1 كو 20:15).

القديس أمبروسيوس

“وإذ كنتم أمواتًا في الخطايا وغلف جسدكم،

أحياكم معه،

مسامحًا لكم بجميع الخطايا” [13].

            ثمر الخطية هو الموت الناتج عن الانفصال عن الله مصدر الحياة، وأما الإيمان والتمتع بالمعمودية ففيهما خبرة الحياة مع المسيح غافر الخطايا، وبالتالي واهب المصالحة مع الآب.

6. الغلبة على الظلمة

“إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض،

الذي كان ضدًا لنا،

وقد رفعه من الوسط، مسمرًا إياه بالصليب” [14].

الصك الذي محاه السيد هو أشبه بإقرار كتابي يكتبه المدين يعترف فيه بالدين أو المخالفة للقانون الإلهي، ويوقع عليه. هذا الصك يعلن عن مخالفة اليهودي للناموس المكتوب، ومخالفة الأممي للناموس الطبيعي. جاء في ارميا النبي: “خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد، برأس من الماس، منقوشة على لوح قلبهم وعلى قرون مذابحكم” (إر 17: 1).

إذ صُلب ربنا يسوع أخذ معه هذا الصك وسمره على الصليب، ماحيًا بذلك مفعوله. كانت الصكوك قديما تكتب على رقوق من جلود، وعند سداد الدين تزال الكتابة عنها تمامًا، فلا يكون لها أي أثر.

بدم السيد المسيح الذي رُش رُفع الصك من وسط المشهد، فصار كأن لا وجود له، بهذا سقطت القضية، وزالت العداوة والدينونة.

القديس أمبروسيوس

“إذ جرد الرياسات والسلاطين،

أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم فيه” [15].

لم يقف الأمر عند رفع الصك الذي سجلناه بعصياننا للوصية الإلهية، وإنما بالصليب زال سلطان قوات الظلمة علينا، فلم يعد لإبليس القتَّال للناس منذ البدء (يو 8: 44) والذي يشتكي على الصديقين أمام إلهنا ليلاً ونهارًا (رؤ 12: 10) قدرة. إذ حطم نفسه بنفسه، حين ظن أنه قادر أن يصوب سهامه ضد يسوع المسيح أثناء محاكمته وصلبه، فارتدت الضربات إليه وصلبته. بموت السيد المسيح أمات ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس (عب 2: 14). وكما ابتلع الحوت يونان دون أن يقدر أن يميته هكذا فقدت الحية القديمة نابها السام، وتجردت من بث سم الموت.

لم يحدث هذا في زاوية، بل علانية، فجرد السيد المسيح إبليس من سلطانه أمام جميع السمائيين. كان الملوك الرومان يقومون بعملية تجريد الملوك المهزومين علانية. إذ كان الملك الغالب وقادة الجيش يرتدون ثيابًا أرجوانية محلاة بالذهب، ويضعون أكاليل النصرة على رؤوسهم، ويحملون أغصانًا في يمينهم وصولجانا في يسارهم. ثم يقومون بتجريد الملوك المهزومين وقادتهم من أسلحتهم ثم يجرونهم في مواكب نصرتهم في مذلة، ويستعرضونهم جهارًا.

هذا ما حدث حين صُلب السيد المسيح، فنزلت نفسه إلى الجحيم، وحملت الغنائم التي كانت تترجاه، وحطم متاريس الهاوية، وأعلن هزيمة إبليس ونزع كل سلطان له على المؤمنين الحقيقيين (أف 4: 8-9). وأما البشر فقد رأوا القبور تنفتح وكثير من القديسين الراقدين قاموا (مت 27: 53). وباسمه كانت الشياطين تخرج من أجسام الكثيرين في مذلة. فلا عجب إن قال الرسول: “أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة” (أع 16: 18). في يقين النصرة يترنم الرسول: “أين شوكتك يا موت؟ وأين غلبتك يا هاوية” (1 كو 15: 55)، وأيضا: “شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين” (2 كو 2: 14).

القديس مقاريوس الكبير

تأملوا معي أية قوة تلك التي تحتمل جرح المسمار, وتنحني تحت معول المثقاب المؤلم!

أية طبيعة تلك التي تحتمل مثل كل هذا الألم؟

وإذ يتحدث القديس بولس كما على لسان حال المسيح, مظهرًا عمل الخلاص, يصف موت المسيح بأنه عَّرى جسده وفي جسارة (ونصرة) أخزى قوات (الظلمة) منتصرًا عليهم في نفسه.

فلو كان ألمه ضرورة تحتمها طبيعته، وليست هبة مجانية لخلاصكم, ولو كان الصليب مجرد معاناة للآلام والجروح, وليس لقصد أن يسِّمر في ذاته قانون الموت الذي صدر ضدكم، ولو كان موته من جراء عنف الموت وليس تعرية الجسد بقوة الله, أخيرًا لو كان موته نفسه أي شيء عدا أن يكون تشهيرًا وحطًا من كرامة القوات (الشريرة) وعملاً جسورًا وغلبة, فإنه ينسب إلى نفسه عجزًا!

لأنه كان تحت سلطان حتمية الطبيعة, حيث يُضرب ويخاف وتمتهن كرامته. لكن إن كان الأمر هو العكس تمامًا فيما يختص بسرّ الآلامات, كما كُرِز لنا به, فمن ذا الذي تصل به درجة انعدام الإحساس، فيرفض الإيمان الذي علمنا إياه الرسل، ويعكس كل مشاعرنا الدينية. وأن نلقي جزافًا بهذا الاتهام المهين للضعف البشري بدلاً من أن نعتبره فعلَ إرادة حرة, وسرًا, وإظهارًا للقدرة والجسارة وانتصارًا؟

أية غلبة أعظم من تلك, حينما قدم ذاته إلى الذين طلبوا أن يصلبوه فلم يقدروا على احتمال وجوده, فإن الذي وقف ممتثلاً لحكم الموت، هو نفسه بعد برهة قصيرة الذي جلس عن يمين القدرة, حينما صلى لأجل مضطهديه بينما المسامير تخترق جسده (المقدس)، وحينما أكمل السرّ إذ ذاق مرارة الخل، وإذ قد أحصي مع أثمه وفي ذات الآن وهب الفردوس. لأنه إذ رُفع على الصليب (الشجرة) تزلزلت الأرض, وحينما عُلِق على الصليب ماجت الشمس وارتعد النهار, حتى أنهما هربا من أمامه, أما هو فترك جسده بينما وهب الحياة لأجساد الآخرين, لقد دُفِن جسديًا وقام إلها.ة

كإنسان تحمل كل الألم والضعفات لأجلنا, وكإله انتصر عليهم جميعا[51].

القديس هيلاري أسقف بواتييه

القديس أمبروسيوس

يكرر مرتين تعبير “كان ضدنا“, فالناموس الذي وُهب لنا صار كما لو كان عدونا، كيف؟ لأنه فتح بصائرنا على معنى الخطية, ولم يعطنا قوةً لطاعة متطلباته (رو7:7-25). فيسوع المسيح وحده هو القادر أن يفضح الخطية ويكشف عن أعماقها, ويمنحنا القوة على دحرها. ويقول القديس بولس لنا, جامعًا نفسه مع الذين وُهبوا النعمة, إن الناموس قد بطل حتى بالنسبة لليهود.

وقف الناموس حاجزًا وفاصلاً بين اليهود والأمم, وبينهما كليهما معا وبين الله. كان حاجزًا لا يمكن اختراقه, لكن يسوع المسيح أزاله كعقبة من الطريق, ووحّد اليهود والأمم، ومنحهم إمكانية الوصول إلى الله بالمسيح (أف 14:2-18) وقد تمم ربنا تلك المصالحة بأن سمر (حكم الناموس) في الصليب (كو 20:1). إن المسامير التي اخترقت يدِّي ربنا وقدميه قد سَّمرت أيضا حكم الناموس على الصليب. ولم يعد للناموس سلطان علينا!

حرر المدين وهو وحده سَّدد ما كان الكل مدينين به، لم يكن مسموحا لنا أن نتحرر من القيد، فقام هو نيابة عنا بربطه بنفسه, ليرفع عبودية العالم, ويستعيد حرية الفردوس، ويهبنا نعمة جديدة بالكرامة التي نلناها بمشاركته طبيعتنا عن طريق السرّ[53].

القديس أمبروسيوس

القديس أفرام السرياني

القديس كيرلس السكندري

القديس أغسطينوس

الآب أفراحات

القديس إيريناوس

القديس أغسطينوس

القديس إيريناوس

القديس كيرلس السكندري

لا ينبغي أن نخشى قوات الشياطين فننحني لهم، ولا أن نقلل من قوتهم. فهم لا يزالون أقوى من أي قديس ينفصل عن قوة الله, لكن شكرًا لله الذي يعيننا على النصرة (رو 37:8).

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس البابا أثناسيوس الرسول

معناه أنه حقا قد شُهر بالشيطان الذي جعل من نفسه هزءًا وخزيًا. لأنه إذ توقع أن يظفر بالرب, خسر حتى ما كان لديه, وحينما سُمِّر الجسد (المقدس) على الصليب, قام الموتى.

هكذا تلقى الموت نفسه ضربة قاصمة من جسد ميت. وكبطلٍ مقدام, وحينما عرف أنه طرح عدوه أرضًا, وأمسك به بقبضة مميتة, (مات الموت) هكذا كان موت المسيح إنما هو خزي للشيطان.

لم يختبر الملائكة شيئا من هذا القبيل, فقد قام هو بكل شيء لأجل هذا القصد, مظهرًا أن لموته إنجاز عظيم وقدير – وكان إن صح التعبير – ثمة صراع واحد (اقتتلي):

فقد جرحَ الموتُ المسيحَ – لكن المسيح المجروح أمات الموت[65].

القديس يوحنا ذهبي الفم

أوريجينوس

7. لا عودة للظلال

“فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب،

أو من جهة عيد أو هلال أو سبت” [16].

الطقوس اليهودية من أكل وشرب وأعياد معينة وهلال وسبت؛ هذه جميعها رموز تشير إلى عمل السيد المسيح الخلاصي. وإذ أكمل السيد هذه الرموز، انتهت مهمتها. جاء النور فزالت الظلال، كمثال إذ جاء المسيح فصحنا الذي ذبح لأجلنا، صرنا لا نعيد بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق (1 كو 5: 7-8).

ليس من عودة إلى الظلال اليهودية الحرفية، مادمنا نتمم ما ورد في الناموس بالروح، إذ صار المسيح هو جوهر خلاصنا وكفايتنا، هو محررنا من عبودية الحرف. “اثبتوا إذا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها، ولا ترتبكوا أيضا بنير عبودية” (غل 5: 1).

من جهة الأطعمة فقد حرمت الشريعة بعض الأطعمة بكونها نجسة، ليس في مادتها، وإنما في رموزها. وقد سبق لنا الحديث عنها في شيء من التفصيل في تفسير سفر العدد. هذا ومن جانب آخر فإن بعض الطرق الغنوسية حرمت أطعمة ما بكونها دنسة. أما امتناعنا عن بعض الأطعمة في الصوم فبعيد كل البعد عن هذه المفاهيم إذ كل الأطعمة طاهرة، لكن امتناعنا هو لضبط شهوة النهم، ولكي نعلن شوقنا لتقديس أجسادنا كي لا تهتم بالأطعمة الدسمة، بل تشارك النفس انطلاقها نحو السماويات.

القديس أمبروسيوس

لم يقل “طاهرين ودنسين” ولا في أعياد مظال, وخبز غير مختمر وبنطيقسط (يوم الخمسين) بل “في جزء من عيد” لأنهم أرادوا ألا يحفظوا العيد أو الأعياد كلها وإن كانوا يحفظونها فلا لكي يعيِّدوها فيقول “جزءًا من العيد“، مظهرًا أنهم قد تخلوا عن الجزء الأعظم من (الأعياد المقدسة) لأنهم حتى إن حفظوا السبوت فإنهم لا يحفظونها من قبيل الدقة[68].

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس ايريناوس

القديس أغسطينوس

“التي هي ظل الأمور العتيدة،

وأما الجسد فللمسيح” [17].

     الظل مجرد انعكاس للشيء الحقيقي ذاته. فهو يشمل الحقيقة وذو قيمة نبوية (عب 5:8؛ 9:9؛1:10) لكن حينما يتحقق كمال الحق فلا ضرورة للظلال.

القديس يوحنا الذهبي الفم

القديس مقاريوس الكبير

القديس أغسطينوس

8. عبادة الملائكة

“لا يخسركم أحد الجعالة،

راغبًا في التواضع وعبادة الملائكة،

متداخلاً في ما لم ينظره،

منتفخًا باطلاً من قبل ذهنه الجسدي” [18].

 تسللت بعض المبادئ الغنوسية إلى اليهود، فجاء في التلمود البابلي تعليقًا على قول الرب: “ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك… احترز منه… لأن اسمي فيه” (خر 23: 20-21), بأن الملاك هو يهوه الأصغر[74]. لذلك تبنى معتنقو الغنوسية اليهودية مبدأ عبادة الملائكة، مدعين أنهم أدركوا هذا خلال فلسفتهم التصوفية، وفي كبرياء كانوا يفتخرون بأنهم يعرفون الملائكة.

القديس أمبروسيوس

 القديس يوحنا الذهبي الفم

يلزم ألا يختلط على المسيحي بين هذه الهرطقة التي تقوم على شفاعة الملائكة لدى الله للمصالحة بينه وبين البشر دون دم المسيح، وبين حب الملائكة كخدام للمسيح يخدمون من مات عنهم، ويقدمون صلواتهم ويتوسلون عنهم، دون أن نخلط بين هذا العمل وعمل المسيح الخلاصي الفريد.

ليس للملائكة شفاعة كفارية بل توسلية، كما جاء في سفر الرؤيا: “وجاء ملاك آخر، ووقف عند المذبح، ومعه مبخرة من ذهب، وأعطي بخورًا كثيرًا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش، فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله” (رؤ 8: 3-4). ما كان يمكنهم أن يقدموا هذا البخور أو الصلاة عنا إلا في استحقاق دم المسيح، إذ يهتفون بصوت عظيم: “مستحق هو الخروف المذبوح” (رؤ 5: 12).

“وغير متمسكٍ بالرأس،

الذي منه كل الجسد بمفاصل وربط،

متوازرًا ومقترنا ينمو نموًا من الله” [19].

مع ادعائهم بالتواضع وهم متكبرون، وعبادتهم للملائكة، فقدوا اتحادهم بالرأس ربنا يسوع، ففقدوا حياتهم إذ صاروا كجسم بلا رأس، وبالتالي فقدوا حتى ارتباطهم ببعضهم البعض، لأنه كيف يمكن للمفاصل أن تربط جسمًا بلا رأس؟ وكيف يمكن له أن يحيا؟ وكيف ينمو بدون الرب الإله رأس الجميع؟

عبارة “غير متمسك بالرأس” تساوي “ليس بحسب المسيح” في آية8 , فلا سبيل إلى استبعاد المسيح عن مركز حياتنا. وكلمة “جسد” هنا تشير إلى الكنيسة بوجه عام.

القديس أغسطينوس

9. عظمة الموت مع المسيح

“إذًا إن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم،

فلماذا كأنكم عائشون في العالم،

تُفرض عليكم فرائض” [20].

         إذ يتحول القديس بولس عن التحذيرات السلبية [18,16,8] يقدم بعض النواحي الإيجابية لعلاقتنا بالمسيح. فالشركة في آلام المسيح وموته هي اتّحاد مع عمله المصالحة الذي تحقّق بالصليب، والشركة في قيامته هي اتّحاد مع كل أمجاد شخصه.

إن تعاليم الناس قد رُفضت, وزال ثِقل ناموس العهد القديم [14] فهل نحن أحرار أن نطيع أو نرفض كما يحلو لنا؟ كلا! فعوضًا عن أن نتقيد بكمٍ هائل من النواميس, صرنا أحرارًا لكي نحفظ وصايا المسيح (يو 10:15).

“لا تمس ولا تذق ولا تجس” [21].

لكن متى لا تنخدع نفوسنا؟ أين تقتنى عرش الحق, إلا حين تنفصل عن الجسد، فلا تنخدع وتضل به؟ لأنها، أي النفس, تُضلل بالنظر وتنخدع وتضل بسماع الأذنين… لهذا ينادي الرسول قائلاً: “لا تلمسوا, لا تذوقوا, لا تأخذوا, الأشياء التي كلها للزوال” (كو 22,21:2) لأن اهتمامات الجسد هي أيضا لفساده. لهذا يرينا أنه يجد الحق، لا من خلال اهتمامات الجسد، بل عن طريق الارتفاع بالنفس والسمو بها وتواضع القلب, ويكمل قائلاً: “أما سيرتنا نحن فهي في السماء” (في 20:3)[77]

القديس أمبروسيوس

القديس يوحنا الذهبي الفم

“التي هي جميعها للفناء في الاستعمال،

حسب وصايا وتعاليم الناس” [22].

         وُضِع الناموس ليُحفَظ, لكن “استعمال” الناموس هو الذي يُهلك! فإنه لا يجدر بحياتنا الروحية أن تعتمد على الأوامر والنواهي، بل عن الحب الذي نكنه للرب يسوع. فعندما يصبح قمع النفس والتداريب والتغصب, غايات في حد ذاتها، نكون قد تجاوزنا عمق القيمة التي فيها وصرنا ننفذ أفكار الهراطقة.

“التي لها حكاية حكمة،

بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد،

ليس بقيمة ما من جهة إشباع البشرية” [23].

للتداريب الخاصة بضبط النفس وقمع الجسد لها بركاتها وأهميّتها إن قدمت في المسيح يسوع، لأجل البنيان الداخلي، وخلال الاتكاء على صدر الرب والتمتع بعطية الروح وعمل النعمة الإلهيّة. أما إن تحوّلت إلى “حكاية” (أخذ المظهر الخارجي) للحكمة، مع إذلال الجسد وقهره بالعنف فلا قيمة لها، إذ لا تهب شبعًا داخليًّا.

القديس إكليمنضس السكندري

يرى العلامة أوريجينوس أن البعض في جهالة يمارسون ما سبق أن فعله سمعان بطرس حين رفض أن تمتد يدا السيد المسيح لغسل قدميه (يو13: 6-8). فكاد أن يفقد نصيبه مع المخلص بسبب اهتمامه بأن ينال غسل قلبه الداخلي. ف نيّة صادقة وفي رغبة صادقة نحو تكريم سيده كاد أن يفق نصيبه مؤديًا نفسه. هكذا ينشغل البعض بالقمع الزائد دون انشغال القلب بالالتصاق بالمخلص نوال نصيب معه[80].

القديس يوحنا الذهبي الفم

الأب ثيؤدورت أسقف قورش

القديس يوحنا الذهبي الفم

 

من وحى كو 2

لألتصق بك فتحملني إلى الأمجاد

 

  فأرتفع فوق حدود الجسد،

  بحبك أكون كمن هو حاضر مع كل إخوته!

  لن يقدر الجسد أن يحصرني عن الالتقاء بهم.

  بصدقٍ أقول إنني غائب في الجسد،

  لكني بك أنا حاضر بالروح!

 

  لن تقدر كل خداعات الفلاسفة أن تسبي فكري.

  ولا أجد عذوبة في حكمة البشر.

  ولن تقدر خداعات البشر أن تصطادني بشباكها.

  بك يتقدس فكري وعقلي،

  بك أطير، وأرتفع من مجدٍ إلى مجدٍ!

 

  وأنت بلاهوتك تملأ السماء والأرض.

  ألتصق بك فأمتلئ بغنى حبك،

  تهبني نعمتك فلا يعوزني شيء!

 

  لا أطلب ختان الجسد،

   بل أحمل بروحك ختم ختان الروح!

 

  وأُنعم بروحك ختمًا ملوكيًا!

  أصير بكليتي ملكاً لك،

  وجنديًا صالحًا في جيش الخلاص!

  لن يقف أمامي إبليس وكل ملائكته،

  لأني مستتر فيك!

  أطأ بقدمي قوات الظلمة،

  لأن نورك مُشرق في أعماقي!

 

  دمك الثمين يشفع فيّ!

   وصليبك هو سلم السماء!

 

 فالصلب معك حياة،

  وبقيامتك أقوم فلا يقوى الموت عليّ،

   بصعودك يجد قلبي له موضعًا في السماء!

   أنت بحق سرٌّ علو كل مؤمن بك!

   أنت سرّ شبع كل من ألتصق بك!

   كيف أقدر أن أعيش بدونك؟

[1] Letters, 1:5.

[2] In Colos hom. 5

[3] In Colos, hom, 5

[4] In Colos, home. 5

[5] Sromata, 5: 12

[6] On Ps. 12.

[7] On Ps. 50.

[8] On Ps. 119.

[9] Cassian: Conferences, 14:16.

[10] On the Trinity, 9:67.

[11] Of the Christian Faith, 42:1 (2).

[12] Letters, 41:25.

[13] الإنجيل بحسب متى، 1982، ص 503.

[14] Stromata 1:11.

[15] Sermon on the Mount, 25.

[16] Homilies on Colossians, homily 5.

[17] مقالات لطالبي العماد 14: 30.

[18] Homilies on Colossians, homily, 6.

[19] Sermons on N.T. Lessons, 1:5.

[20] Homilies on Colossians, homily 6.

[21] Sermons on N.T. Lessons, 1:5.

[22] Sermons on Song of Songs, 13.

[23] Homilies on Colossians, homily 6.

[24] Stromata 1 :11..

[25] On the Trinity, 8:53.

[26] On the Trinity, 1:13.

[27] Stromata 1:11.

[28] Stromata, 6:8.

[29] Stromata, 6:8.

[30] Stromata, 6:15.

[31] Concerning Virgins, 3:1 (3).

[32] PG 75:1400.

[33] Letters, 17:9.

[34] Homilies, 1:2. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[35] On the Trinity, 9:1-2.

[36] On the Trinity, 2:8.

[37] On the Trinity, 9:8.

[38] On our Lord, 11.

[39] Homilies on Colossians, homily 6.

[40] Comm. on Luke, Sermon 2.

[41] الأب سليم دكاش اليسوعي: الشيخ الروحاني- مجموعة الرسائل الروحية، بيروت 1992، ص83.

[42] Homilies on Colossians, homily 6.

[43] Homilies on Colossians, homily 6.

[44] On the Trinity, 1:9.

[45] Letters, 69:7.

[46] مقالات لطالبي العماد 5: 6.

[47] Isaac or the Soul, 6:53.

[48] Death is Good, 4:15.

[49] Escape from the World, 9:55.

[50] Homilies, 1:7. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[51] On the Trinity, 10: 48.

[52] Letters, 41:8.

[53] On Joseph, 4:19

[54] Hymns on Nativity, 4.

[55] Sermons On John, Book 2, 17.

[56] Sermons On John, Book 6, 10.

[57] Hom. On 1 John, 1:5.

[58] Demonstrations 4 on Monks, 6.

[59] Against Heresies, 5:17:2.

[60] On Ps., 89.

[61] Fragments on his Lost Works, 37.

[62] Hom. On John, 12:19.

[63] Homilies on 1 Cor., homily 24:7.

[64] De. Incarn. 45

[65] Homilies on Colossians, homily 6.

[66] Hom. on Matt., 12:18.

[67] On Resurrection, 2:108.

[68] Homilies on Colossians, homily 7.

[69] Fragments on his Lost Works, 38.

[70] Homilies on New Testament Lessons, 86:3.

[71] Homilies on Colossians, homily 7.

[72] Homilies, 32:4. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة

[73] Sermons on N.T. Lessons, 86:3.

[74] F.C. Bruce: The Epistle of Colossians, 1988, p. 119.

[75] On Repentance, 1:6.

[76] On Ps. 11.

[77] Death is Good, 3:10

[78] Homilies on Colossians, homily 7.

[79] Stromata 3:51.1-3.

[80] Commentary on John, 32:57-59.

[81] Homilies on Colas, hom. 7.

[82] Interpretation to Colossians 2:23.

[83] On Virginity, 77:2.

 

تفسير رسالة كولوسي 2 الأصحاح الثانية – القمص تادرس يعقوب ملطي

Exit mobile version