تفسير رسالة يعقوب – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة يعقوب – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي
من تفسير وتأملات الآباء الأولين
رسالة يعقوب
القمص تادرس يعقوب ملطي
كنيسة الشهيد مار جرجس باسبورتنج
مقدمة
رسائل الكاثوليكون
- تلقب الكنيسة الرسائل السبع (يعقوب، ورسالتي بطرس ورسائل يوحنا الثلاث، يهوذا) بالكاثوليكون أي الجامعة[1]، وذلك لأنها اتسمت بالعموميَّة، فلم تُكتب إلى جماعة معينة أو كنيسة خاصة أو مدينة أو شخص كما هو الحال في رسائل معلمنا بولس الرسول.
وإن كانت الرسالتان الثانية والثالثة من رسائل معلمنا يوحنا الحبيب قد وُجهتا إلى شخصين معينين لكن لصغرهما يمكن اعتبارهما امتدادًا للرسالة الأولى، خاصة وأنهما يحملان نفس الطابع والأسلوب.
- هناك تشابه بين الرسائل وبعضها البعض وعلى وجه الخصوص بين:
ا. رسالة بطرس الأولى ويعقوب.
ب. رسالة بطرس الثانية ويهوذا.
ج. بين رسائل يوحنا الثلاث.
- تعطي الكنيسة اهتمامًا لهذه الرسائل فتحتم قراءة فصل معين أو أكثر على المؤمنين في أكثر المناسبات وخاصة في الليتورجيات الكنسية…
- يقول القديس إيرونيموس عن هذه الرسائل إنها امتازت بالإسهاب مع الإيجاز؛ إسهاب في المعاني مع إيجاز في العبارات مما يجعلها صعبة الإدراك كما ينبغي.
رسالة يعقوب
كاتب الرسالة
ورد في العهد الجديد 3 أشخاص باسم يعقوب.
- يعقوب بن زبدي (مت 10: 2) أحد الإثنى عشر تلميذًا، وأخ يوحنا الإنجيلي. ولا يمكن أن يكون كاتب الرسالة إذ قتله هيرودس أغريباس الأول سنة 44م (أع 12: 1). وحتى ذلك الوقت لم تكن قد تأسست الكنائس المسيحية بشكل يسمح بكتابة رسائل لها، وما كان قد حدث التشتيت الذي ذكره الكاتب، أو ظهرت البدع التي أوردها.
- يعقوب بن حلفى (مت 10: 3) وتوجد أبحاث كثيرة لتحقيق ما إذا كان هو نفسه يعقوب أخو الرب أم شخص آخر.
- يعقوب أخو الرب، (غل 1: 19) أي ابن خالته، وقد أجمع الرأي على أنه كاتب الرسالة. وفيما يلي موجز لحياته:
ا. إن لم يكن هو نفسه يعقوب بن حلفي أحد الإثني عشر (مت 10: 3، مر 3: 18، لو 6: 15، أع 1: 13) وشقيق يوسي ويهوذا وسمعان[2]، يرى البعض أنه لم يكن مؤمنًا بالرب أثناء حياة السيد على الأرض، وذلك كقول الإنجيلي: “لأن إخوته أيضًا لم يكونوا يؤمنون به” (يو 7: 5) وقد آمن به بعد القيامة إذ جاء في (أع 1: 14) إن التلاميذ كانوا مجتمعين هم وإخوة يسوع.
ب. يذكر القديس إيرونيموس، كما يؤكد التاريخ، أنه رُسم أسقفًا على أورشليم، وبقى فيها حتى يوم استشهاده، وقد وضع قداسًا مازال الأرمن يُصلون به.
ج. قال عنه إبيفانيوس وأوسابيوس أنه كان نذيرًا للرب من بطن أمه، فكان لا يشرب خمرًا ولا مسكرًا ولا يحلق شعر رأسه ويقتات بالبقول.
د. دُعِيَ يعقوب البار، إذ كان مُحبًا للعبادة ومن كثرة ركوعه للصلاة كانت ركبتاه كركبتي جمل. ويذكر القديس ايرونيموس إن اليهود في بداية الأمر كانوا يهابونه جدًا، ويتهافتون على لمس ثيابه. وفي إحدى المرات جاءوا به إلى جناح الهيكل لكي يشهد ضد المسيح، فقال لهم: “إن يسوع الآن جالس في الأعالي عن يمين الآب… وسيُدين الناس”. فلما سمعوه يقول هذا، صرخ البعض قائلين: “أوصنا لابن داود”، فحنق عليه الكتبة والفريسيون وثاروا ضده، وهم يقولون: “لقد ضلّ البار”، ثم طرحوه من فوق إلى أسفل. أما هو إذ وقع انتصب على ركبتيه طالبًا الغفران لهم، فأسرعوا برجمه[3] ثم أتى صباغ وضربه بمدقةٍ على رأسه، فاستشهد في الحال نحو سنة 62م ووُدفن في موضع استشهاده بالقرب من الهيكل[4].
ويقول يوسيفوس المؤرخ: [أن من أسباب خراب أورشليم أن أهلها قتلوا يعقوب البار. فنزل غضب الله عليهم.]
ه. في حوالي سنة 52م رَأسَ المجمع الأول في أورشليم بخصوص إيمان الأمم، وقد أعلن القديس يعقوب قرار المجمع (أع 15).
ز. دعاه الرسول بولس أحد أعمدة الكنيسة، وذكره قبل بطرس ويوحنا (غل 2: 9).
لمن كتبت؟
كُتبت إلى “الإثنى عشر سبطًا الذين في الشتات“، وقد كثرت الآراء في تفسير هذا النص نذكر منها:
- يرى البعض أنها كتبت إلى الذين كانوا قبلاً يهودًا وقد تشتتوا قبل المسيحية، وقد استخدم الله هذا التشتيت في الكرازة بالمسيحية، إذ آمن بعض منهم عندما جاءوا إلى أورشليم في يوم الخمسين. هؤلاء الذين كانوا قبلاً يهودًا وآمنوا بالمسيح صاروا موضع ضيق واضطهاد من أقربائهم اليهود الذين رفضوا الإيمان بالسيد المسيح.
- يرى آخرون أن اليهود إذ رأوا بعضًا آمنوا بالسيد المسيح، وإذ كانوا ينتظرون مسيحًا حسب فكرهم، يعطيهم سلطانًا زمنيًا ويجعلهم سادة العالم ويُخضِع الممالك لهم – وللأسف هذه الفكرة الصهيونيّة مازالت في أذهان اليهود، لهذا أثاروا الرومان ضد المسيحيّين، فلجأ المسيحيون إلى الأمم إذ وجدوا بين الوثنيين صدرًا رحبًا أكثر مما لليهود الأشرار.
- يرى البعض أن ذِكره الإثني عشر سبطًا لا يعني أنهم من أصل يهودي، وإنما إشارة إلى أن الكنيسة – أيًا كان أعضاؤها – صارت الوريثة للأسباط روحيًا، وانتفت صفة “إسرائيل” من اليهود. لهذا فإننا لا نؤمن بأن اليهود هم إسرائيل وإنما يَدَّعون هذا، فقد أنكروا الإيمان، وانتُزِعَت عنهم صفة شعب الله.
زمن كتابتها
كتبت في أوقات اضطهاد اليهود للكنيسة. فقد أثار أغنياؤهم ورؤساؤهم الاضطهاد (أع 4: 1، 5: 17)، وكان ذلك قبل اضطهاد دومتيان وتراجان. كتبت قبل سقوط أورشليم أي قبل تشتيت اليهود (68 م). ويُرجِّح البعض أنها كتبت حوالي سنة 60 أو 61م، في الوقت الذي انتشرت فيه الضلالات التي فندها الرسول في هذه الرسالة.
غاية الرسالة
- تشجيع المسيحيين لاحتمال الضيق الذي يعانون منه من اليهود، والكشف عن مفهوم التجارب على ضوء صليب الرب المتألم.
- تشجيعهم على الثبات في الإيمان بالرب إيمانًا عمليًا.
- توضيح مفهوم الإيمان الحي، وارتباطه بالأعمال.
- إظهار خطورة بعض الخطايا التي يظنها البعض تافهة.
مميزاتها وارتباطها بالأسفار الأخرى
- اتبعت الأسلوب العملي بخصوص قداسة الحياة المسيحية.
- سهولة التعبير وإيضاحه وخصوبة التصوير بإيجاز. وقد جاء بها كثير من التشبيهات مستقاة من فلسطين (1: 11، 3: 11، 12، 5: 7، 17، 18).
- الحزم في التوبيخ مع فيض من الحنو والحب.
- تتشابه مع الموعظة على الجبل من جهة كثرة الوصايا العمليّة، حتى ظن البعض أنها تجميع لبعض أقوال الرب يسوع. وقد تحدث كلاهما عن النظرة الروحيّة للناموس في أعماقه، وعن أبوة الله والاختيار بين حب الله وحب العالم.
- تتشابه في كثير من عباراتها مع يشوع بن سيراخ[5] والحكمة[6] ورسالة بطرس الأولى[7].
- ارتبطت بالعهد القديم، ففي الحديث عن الصبر أشار إلى الأنبياء وأيوب (يع 5)، وفي الحديث عن الصلاة أشار إلى إيليا… لكنها اتسمت بطابع العهد الجديد مع تكرار كلمة “إخوة“، وذِكْرِه الولادة الجديدة (1: 18)، وعن الناموس الكامل ناموس الحريّة (1: 25)، وأسرار الكنيسة (يع 5)…
هل يوجد تناقض بينها وبين رسائل الرسول بولس؟
ظن البعض بسبب سطحيتهم في تَفهُّم كلمة الله أنه يوجد تناقض في الفكر بين ما ورد في هذه الرسالة وما نادى به الرسول بولس خاصة رسالته إلى أهل رومية، ظانين أن الرسول يعقوب لا يبالي بالإيمان والرسول بولس لا يبالي بالأعمال، لكن من يدرس الرسائل يجد الآتي:
- عدم وجود تعارض في الفكر بين الرسولين، خاصة وإن كليهما كانا على اتفاق في المجمع الأول الذي رأسه يعقوب البار (أع 15).
- أن الرسول يعقوب يُحدِّث أناسًا مؤمنين انحرف بعضهم عن السلوك في النور بدعوى أن الإيمان وحده قادر أن يبرر ولا حاجة للأعمال، أما الرسول بولس فهو كرسول للأمم واجه جماعة من الذين كانوا أصلاً يهودًا نادوا بضرورة تهوُّد الأمم واختتانهم جسديًا، متكلين على أعمال الطقس اليهودي في ذاتها[8] إنها تبرر الإنسان. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الذين كانوا أصلاً أممًا اتكلوا على أعمالهم قبل الإيمان لتبريرهم، لهذا لا نعجب إذ ركز يعقوب الرسول على الأعمال، وركز الرسول بولس على الإيمان، رافضًا الاتكال على أعمال الطقس اليهودي في ذاته وأعمال البرّ الذاتي.
- يتفق الرسول بولس مع الرسول يعقوب في ضرورة الأعمال للتبرير, ولكن أيّة أعمال؟ الأعمال المؤسسة على استحقاقات دم المسيح وليست أعمال البرّ الذاتي, ويؤكد ذلك بقوله: “إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئا” (1 كو 13: 2). إن الإيمان بدون المحبة ليس بشيء فلا يبرر، وما هي المحبة إلاّ كما عرَّفها الرسول في نفس الأصحاح أنها أعمال محبة عمليّة “تتأتى وترفق. لا تحسد الخ “
ولا غرابة إن رأينا الرسول بولس الذي ركَّز على الإيمان يؤكد أن المحبة أعظم من الإيمان (1 كو 13: 13).
- لا يقف الرسول بولس عند ضرورة الأعمال، بل يؤكد أن الأعمال الشريرة تهلك الإنسان حتى ولو كان مؤمنًا[9].
- لا يتجاهل الرسول يعقوب الإيمان (يع 1: 6، 5: 15)، بل كما سنرى يربط الأعمال بالإيمان، والإيمان بالأعمال بلا انفصال ولا تمييز.
قانونيتها
هُوجمت هذه الرسالة في القرن السادس عشر بسب تركيزها على الأعمال, حتى وُصفت بأنها “رسالة قش”. هذه النظرة تختلف تمامًا عن نظرة الكنيسة الأولى التي كانت تتطلع إليها كجزءٍ لا يتجزأ من الكتاب المقدس, تُفهم على ضوء الكتاب كله, بدونها يكون الجانب السلوكي المسيحي غير كامل[10].
فيما يلي بعض الشهادات عن قانونيتها:
أولا: الشهادة الخارجية
في القرن الثاني الميلادي أشار العلامة أوريجينوس إليها كرسالة للقديس يعقوب، وقد عرفها كسفر قانوني[11].
وُجدت مقتطفات منها، أو تلميحات مقتطفة عنها في القديس إكليمنضس الروماني، والديداكيّة، ورسالة برناباس، وأغناطيوس، وبوليكربس، وهرماس الخ.
رأى البعض أن هذه الرسالة لم تنتشر بسرعة مثل رسائل القديس بولس، خاصة في الغرب، ذلك لأنها كُتبت للمسيحيّين من أصل يهودي الذين في الشرق، ولم تُوجه للكنائس التي من أصل أممي[12].
هذا ويلاحظ أن هذه الرسالة مع رسالتي بطرس والرسالة إلى العبرانيّين، لم تذكر في القانون الموراتوري Muratorian Canon، وذلك ربما يرجع إلى إصابة نص هذا القانون بالتلف.
ثانيًا: الشهادة الذاتية[13]
يقدم الكاتب نفسه بطريقه بسيطة: “يعقوب عبد الله والرب يسوع المسيح” (1: 1)، هذا الوصف البسيط يكشف أن الكاتب معروف، ولما كان اثنان مشهورين بهذا الاسم، هما يعقوب بن زبدي الذي استشهد سنة 44 م بواسطة هيرودس، والآخر يعقوب أخ الرب الذي كان له دوره الحيوي في الكنيسة الأولى، فواضح أن الرسالة هي من وضعه بوحي الروح القدس.
وتظهر أصالة الرسالة وأنها بالفعل من وضع القديس يعقوب من الآتي:
ا. لدى الكاتب خلفيّة يهوديّة، إذ لا يستطيع أحد أن ينكر أن فكر الكاتب قد انسحب من العهد القديم. بجانب الاقتباسات المباشرة (1: 11؛ 2: 8، 11، 23؛ 4: 6) توجد تلميحات بلا حصر من العهد القديم (1:10، 2: 21، 23، 25؛ 3: 9؛ 4: 6؛ 5: 2، 11، 17، 18 الخ). وعندما أراد تقديم توضيحًا للصلاة والصبر استخدم شخصيّات من العهد القديم. كما ركَّز على الاهتمام بحفظ الناموس (2: 9-11).
واضح أن فكر الكاتب يحمل الطابع اليهودي، وأيضًا تعبيراته، مثل استخدامه تعبير “رب الجنود أو الصباؤوت” (5: 4)، “مجمعكم” (2: 2)؛ “إبراهيم أبونا” (2: 21)…
ب. وجود تشابه بين ما جاء في الرسالة، وخطاب القديس يعقوب في سفر الأعمال (ص 15)، كاستخدامه كلمة “إخوتي” (2: 5) (أع 15: 13)، و”خائيرين (السلام)” (1: 1) (أع 15: 23)، وأيضًا “الاسم الحسن الذي دُعي به عليكم” (2: 7) (راجع أع 15: 17)… مع وجود مفردات كثيرة مشتركة.
ج. يرى بعض الدارسين أن التشابه القوي بين ما جاء في هذه الرسالة وأقوال السيد المسيح، مثل الموعظة على الجبل، يؤكد أن الكاتب سجل لنا من وحي ما سمعه بنفسه عن السيد المسيح. فيما يلي أمثلة لهذا التشابه:
1: 2 الفرح وسط الضيقات (مت 5: 10-12)؛
1: 4 الحث على الكمال (مت 5: 48)؛
1: 5 طلب العطايا الصالحة (مت 7: 7 الخ)؛
1: 20 الغضب (5: 22)؛
1: 22 عن سامعي الكلمة والعاملين بها (مت 7: 24 الخ)؛
2: 10 حفظ الناموس كله (مت 5: 19)؛
2: 13 بركات الرحمة (مت 5: 7)؛
3: 18 بركات صنع السلام (مت 5: 9)؛
4: 4 محبة العالم عداوة لله (مت 6: 24)؛
4: 10 بركة التواضع (مت 5: 5)؛
4: 11-12 الإدانة (مت 7: 1-5)؛
5: 2 السوس والصدأ يفسدان الغنى (مت 6: 19)؛
5: 10 الأنبياء كأمثلة لنا (مت 5: 12)؛
5: 12 القسم (مت 5: 33-37).
بجانب هذا توجد أيضًا مقارنات بين ما ورد في الرسالة وتعاليم السيد المسيح في مواضع أخرى، مثل:
1: 6 ممارسة الإيمان دون شك (مت 21: 21)؛
2: 8 عظمة وصيّة محبة القريب (مت 22: 39)؛
3: 1 شهوة التعليم (مت 23: 8-12)؛
3: 2 خطورة التسرع في الكلام (مت 12: 36-37)؛
5: 9 اقتراب مجيء الديان (مت 24: 33).
د. اتفاقه مع شخصيّة يعقوب الواردة في العهد الجديد. في أول تعرُّف عليه نجده غير مؤمن بالسيد المسيح (مر 3: 21، يو 7: 5)، لكنه لم يكن بالشخص الغريب، إنما مع محبته وتقديره لشخص السيد ربما لم يتفق معه في طريقة حياته، ولم يكن قادرًا على إدراك رسالته[14].
قيامة السيد هي التي غيَّرت مفاهيمه، فلا نراه فقط بين تلاميذ السيد (أع 1: 14)، وإنما يُذكر باسمه عند الحديث عن ظهورات القيامة (1 كو 15: 7). ذكره الرسول بولس، ربما لأنه أخبره عنها (غل 1: 19)، وقد حسبه الرسول أحد أعمدة كنيسة أورشليم الثلاثة. وفي الأعمال (ص 15) نجده يرأس مجمع أورشليم الكنسي. هذا كله يتفق مع شخصيّة يعقوب كاتب الرسالة، كشخص معروف يهودي الأصل يهتم بحفظ الناموس، خاصة وإنه يكتب في أورشليم لشعب مسيحي من أصل يهودي
ه. ظروف الجماعة التي يكتب إليها تشهد بأن الكاتب هو القديس يعقوب كتبها قبل خراب أورشليم، إذ نجده يتحدث عن الأغنياء الذين يضغطون على الفقراء (5: 1-6)، هذا يناسب ما قبل الخراب وليس بعده. أيضًا ذِكره للحروب والمنازعات فيما بينهم يناسب حال أورشليم قبل خرابها، هذا وعدم تلميحه عن سادة وعبيد، وعدم ذكره شيئًا عن العبادة الوثنيّة، هذا كله يناسب إنسانًا مسيحيًا من أصل يهودي يعيش مقدسًا للرب في فترة ما قبل خراب أورشليم[15].
اعتراضات على الكاتب والرد عليها
- يعترض بعض النقاد الحديثين على أن يعقوب هو كاتب الرسالة بالقول بأن لغة الرسالة اليونانيّة توحي بأن الكاتب لا يمكن أن يكون إنسانًا جليليًا بسيطًا، بسبب غنى اللغة و سموها. يرد على ذلك، أنه بجانب العمل الإلهي “وحي الروح القدس” الذي يتجاهله الدارسون المحدثون، فإنه لا يوجد دليل ينفي أن يعقوب قد تهذب بالثقافة اليونانيّة، خاصة وأن هذه المنطقة كانت مليئة بمدن يونانيّة. وقد عُرف يهود البحر الأبيض المتوسط بتدربهم على الثقافة اليونانيّة (الهيلينيّة) على أعلى مستوى، بدليل قيامهم بالترجمة السبعينيّة للعهد القديم.
- الاعتراض الثاني: لو أن الكاتب هو يعقوب، لأشار أنه أخ الرب ليعطي للرسالة أهمية أكثر تقديرًا. يرد على ذلك بأن هذا الاعتراض غير مقبول، أولاً لأن القديس في إدراكه لشخص السيد المسيح حسب نفسه “عبدًا”، “وخادمًا” (1: 1). هذا وأن علاقتنا بالسيد المسيح لا تقوم علي معرفة جسديّة بحتة (2 كو 5: 16) وقرابات دمويّة.
- يتشكك البعض في الكاتب قائلين، بأنه لو كان الكاتب يعقوب أخ الرب لسجل الأحداث الكبرى في حياة السيد المسيح مثل موته وقيامته، خاصة وأنه إذ التقى مع الرسول بولس تحدث في ذلك الأمر. ويرد على ذلك بأن يعقوب نفسه في خطابه الوارد في الأعمال (ص 15) أيضًا لم يذكر هذه الأمور، أولاً لأنه يقصد هدفًا معينًا بذاته وليس عرضًا لأحداث السيد أو لأفكار لاهوتيَّة، ثانيًا لأن هذه الأحداث كانت معروفة تمامًا في الكنيسة ولم تكن تتطلَّب منه تسجيلها، خاصةً وأنه يكتب لهدف سلوكي (مسيحي) محدد.
- لو أن الكاتب هو القديس يعقوب أخ الرب، لكان قد كتب عن الناموس بطريقة أخرى كما ظن بعض الدارسين، مثل التعرض لمشكلة الختان والطقوس اليهوديّة أكثر من الجانب السلوكي. يرد على ذلك بأن القديس يعقوب كتب الرسالة غالبًا قبل انعقاد مجمع أورشليم المذكور في الأعمال (ص 15)، وبكونه المسئول عن كنيسة أورشليم التي تمثل الكنيسة التي من أصل يهودي لم يُرِدْ أن يدخل في هذا النزاع. خاصةً ويبدو أنه كان يميل إلى ملاطفة اليهود في البداية لا عن اقتناع بأهمية الختان وغيره، وإنما ليكسبهم ولا يعثر الآلاف منهم. فقد كان له دوره في أن يتطهر بولس ويدخل الهيكل حسب الطقس اليهودي حتى لا يعثرهم (أع 21: 17-26). ونلاحظ ذات الأمر عندما جاء “قوم من يعقوب” إلى القديس بطرس، فأفرز القديس نفسه من الأمم خوفًا من الذين هم من الختان (غل 2: 11-12) الأمر الذي أثار القديس بولس ليقاومه مواجهة.
أقسام الرسالة
- الإيمان والتجارب الأصحاح الأول.
- الإيمان والأعمال الأصحاح الثاني.
- الإيمان واللسان الأصحاح الثالث.
- الإيمان والشهوات الأرضية الأصحاح الرابع.
- الإيمان والانشغال بالغنى الأصحاح الخامس (1-11).
- الإيمان في كل الظروف الأصحاح الخامس (12-20).
[1] لُقِّبَتْ هذه الرسائل بالكاثوليكون منذ القرون الأولى وجاء ذلك في كتاباتهم منها:
* دعا العلامة أوريجينوس في تفسيره 2 يو 6: 8 رسالة بطرس الأولى بالكاثوليكون.
* دعا القديس ديوناسيوس الإسكندري رسالة يوحنا الأولى بالكاثوليكون.
* دعا يوسابيوس القيصري في تاريخه (2: 25) يعقوب ويهوذا بالكاثوليكون.
[2] يرى القديس جيروم أنه في مر 15: 40 “مريم أم يعقوب الصغير ويوسي” كلمة “الصغير” تعني المقارنة بين شخصين فقط فلا يوجد يعقوب ثالث، وبهذا يكون يعقوب أخو الرب هو نفسه يعقوب بن حلفى (الصغير)، ولكن بعض الآباء يرون أن الكلمة في الأصل لا تدل على المقارنة بين إثنين فقط.
[3] يوسيفوس ك 20 ف 11.
[4] أوسابيوس ك 2 ف 22.
[5] راجع يع 1: 6 مع سي 1: 28، يع 1: 9، 11 مع سي 31: 5، يع 1: 2، 4 مع سي 2: 1-5، يع 1: 13 مع سي 15: 11 -20، يع 1: 19 مع سي 4: 29، يع 2: 1-6 مع سي 10: 26-34، يع 3: 2 مع سي 19: 16-17، يع 3: 9 مع سي 17: 8، يع 5: 13 مع سي 38: 9-15.
[6] راجع يع 1: 5 مع حك 9: 4-6، يع 1: 7 مع حك 7: 15-16، يع 1: 19 مع حك 1: 11، يع 2: 6 مع حك 2: 10، 19.
[7] راجع يع 1: 2-3 مع 1بط 1: 6-7، 4: 12-13، يع 1: 10-11مع 1بط 1: 24، يع 1: 18 مع بط 1: 3، 23، يع 1: 21 مع 1بط 2: 1-2، يع 4: 10 مع 1بط 5: 6، يع 5: 2 مع 1بط 4: 8.
[8] أخذت المسيحيّة منذ بدء نشأتها الكثير من النظم والترتيبات الروحيّة التي كانت قائمة، لكنها امتنعت عن الختان الجسدي والذبائح الدمويّة وغير ذلك من الأمور التي كانت ظلالاً للعهد الجديد (أرجو من الله أن يسمح بإفراد بحث خاص بالكنيسة الأولى وارتباطها بالنظم والطقوس السابقة).
[9] راجع رو 6: 1-12، عب 10: 26، تي 1: 16، غل 5: 19-21، 2تس 1: 8-9.
[10] Donald Guthrie: New Testament Introd., 1975, p 736.
[11] Ad Rom 4: 1; In Lev, hom 2: 4; In Josh. hom 7: 1.
[12] J.B. Mayor: Epist. Of James, 1913, p li.
[13] C.f Guthrie: N. T. Introd., p 739 ff.
[14] J.B. Mayor, p XIV. XVI.
[15] R.J. Knowling: The Epistle of St. James, 1904, p XII, XIII.