تفسير رسالة فيلبي – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة فيلبي - المقدمة - القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة فيلبي – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة فيلبي – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي
من تفسير وتأملات الآباء الأولين
رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي
القمص تادرس يعقوب ملطي
كنيسة الشهيد مار جرجس باسبورتنج
بسم الآب والابن والروح القدس الله الواحد، آمين.
قام الأخ المبارك الدكتور ناجي الفونس بالمشاركة في هذا العمل خاصة في المقدمة، كما قام الأخ سمير نصيف بمراجعة البروفات، والأنسة مريان منير بالكتابة على الكومبيوتر مع بعض الشابات بالكنيسة.
مسيحنا هو حياتنا الدائمة التهليل
تعتبر هذه الرسالة من أعذب الرسائل التي كتبها الرسول بولس. وهي أشبه بمقالٍ يوجهه الرسول بولس إلى الكنيسة في كل العصور، بل وإلى كل مؤمنٍ في كل الأزمنة ليحيا دائم التهليل، بغض النظر عن الظروف التي تحيط به، وذلك خلال ممارسته الحياة الجديدة التي لا تعرف السكون، بل دائمة الحركة في المسيح يسوع.
كتب الرسول هذه الرسالة إلى شعبٍ اتسم بعلاقة حب خاصة مع الرسول بولس، فهو الشعب الذي من أجل محبتهم له كانوا دائمًا يمدونه بالعطايا لكي ينفق على رسالة الإنجيل، سواء في احتياجاته الضرورية أو احتياجات الخدام المرافقين له، حتى بعد أن تركهم، سواء وهو في كورنثوس أو تسالونيكي.
في سجنه الأول في روما حيث وضع تحت التحفظ في بيت استأجره مقيدًا بجند رومان، وذلك لمدة عامين. كان الرسول بولس ممنوعًا من السفر إلى دول أو بلاد أو حتى الانتقال إلى بيوت في ذات المدينة ليكرز بالإنجيل. لكنه، كما يشهد، أن قيوده قد آلت بالأكثر إلى تقدم الإنجيل. لم يكن ممكنًا للقيود أن تحرمه من الشهادة للإنجيل، ولم يكن ممكنًا للحبس أن يفقده الحياة المتهللة في المسيح يسوع.
- وجد القديس بولس في سجنه فرصة للحديث مع الحراس الرومان ورجال الدولة عن ربنا يسوع. إنها فرصة فريدة بالنسبة له أن يكرز لهم. أدرك الحراس الوثنيون أنه مسجون من أجل السيد المسيح، وصاروا يهتمون بالإنجيل بل ومنهم من شهدوا له.
هكذا كلمة الله قوية وقديرة، تحول حتى قوات الشر التي لهذا العالم المظلم للخدمة والاعتراف بعظمة الله، كما سبق فاستخدم الله فرعون ملك مصر أثناء خروج شعبه، وهيرودس أثناء ميلاد السيد المسيح، والساخرين بالسيد أثناء صلبه، وحراس القبر أثناء دفنه للكشف عن عمل الله الفائق.
- سجن الرسول بولس أعطاه فرصة للكتابة للشعب المحبوب لديه عن الحياة المفرحة كل حين في الرب.
- على نقيض الذين كرزوا عن حسدٍ ولعلةٍ شخصية، كرز أيضًا البعض بإخلاص ومحبة؛ هؤلاء الذين حملوا إرادة مقدسة وحبًا. لقد تشدد أصدقاء الرسول بولس وتلاميذه وكثير من المؤمنين في الإيمان وصاروا أكثر شجاعة في كرازتهم بلا خوف ليشاركوا الرسول كرامته كأسير السيد المسيح.
- عمل أعداؤه بقوة لتحويل الوثنيين إلى الإيمان لكي ما يثيروا الإمبراطور الولاة ولا يسمحوا بإطلاق الرسول بولس من السجن. وربما اجتهدوا في كرازتهم كفرصة للظهور أثناء سجن بولس، ظانين أنهم بهذا يقللون من شأن الرسول. على كل حال حتى هؤلاء الذين كرزوا عن حسدٍ وخصامٍ ليضيفوا أحزانًا للرسول جعلوه بالأكثر متهللاً من أجل خدمة السيد المسيح وإنجيله (1: 16-18).
مقدمة في رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي
مدينة فيلبي
اسم “فيلبي” معناه “محب للخيل أو للحرب”. وقد اُعتبرت المدينة الأولى من حيث الأهمية، لأنها أول مدينة يصلها المسافر بحرًا على مكدونية.
- جغرافيًا: عُرفت مدينة فيلبي في الأصل بكرينيدس Krenides، ومعناها “آبار” أو “ينابيع”. دُعيت فيلبي على اسم الملك فيليب الثاني المقدوني، والد الإسكندر الأكبر. بعد استيلاء الرومان عليها صارت جزءً من مقاطعة مكدونية.
تقع مدينة فيلبي في الشمال الشرقي لمقاطعة مكدونية شمال اليونان على بعد تسعة أميال من بحر إيجة. وتقع المدينة على تله صغيرة بارزة، بينما يحيط بها سهل خصيب، لذلك فهي مدينة زراعية. علاوة على خصوبتها توجد مناجم للذهب والفضة بجوارها.
- تاريخيًا: في عام 357 ق.م ضم الملك المقدوني فيليب الثاني أبو الإسكندر الأكبر منطقة كرنيدس حتى نهر نستوس إلى مملكته، ثم قام بتوسيع المدينة بإضافة مساحات أخرى لها وحصّنها. سقطت تحت سيطرة الجيوش الرومانية، فأصبحت مستعمرة رومانية، وعندما انتصر أوكتافيوس وأنطونيوس على بروتس وكاسيوس قتله يوليوس قيصر في معركة شرسة بالقرب من فيلبي، وأصبح أوكتافيوس إمبراطورًا على الإمبراطورية الرومانية باسم “أوغسطس قيصر”. اهتم بمدينة فيلبي فجددها ووسعها ونالت المدينة صفة “كولونية” أي مستعمرة رومانية حرة، ينال أهلها نفس الحقوق والامتيازات التي تتمتع بها روما، وغلب عليها الطابع الروماني أكثر من الطابع اليوناني، وأصبحت اللغة الرسمية اللاتينية لغة الجنود الرومان, وكانت الديانة السائدة في المدينة هي الديانة الوثنية.
البشارة في فيلبي
نحو عام 50 – 51 م ظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مقدوني قائم يطلب إليه ويقول: “أعبر إلى مكدونية وأعنا”, فللوقت طلب بولس أن يخرج إلى مكدونية بنفسه، وكان معه سيلا ولوقا الإنجيلي وتيموثاوس، فذهب إلى فيلبي التي هي أول مدينة في مقاطعة مكدونية. وصل الرسول إلى فيلبي وبينه وبين أهلها مفارقات:
- كان بولس يهوديًا، وأهل فيلبي أمميين.
- كان بولس فخورًا بأصله اليهودي, وأهل فيلبي فخورين بأنهم رومانيون، وإن كان بولس يتمتع بالجنسية الرومانية.
- كان بولس آسيويًا، أما فيلبي وأهلها فكانوا أوروبيين.
- كانت لغة بولس العبرية ويجيد اليونانية, وأهل فيلبي يتحدثون اللاتينية واليونانية.
- كان قلب بولس يشع بالإيمان بالمسيح, وأهل فيلبي يعيشون في رجاسات الوثنية.
زار القديس بولس فيلبي (أع 16: 11–40) في رحلته الكرازية الثانية، حيث أسس القديس بولس في فيلبي أول كنيسة في أوربا. عند وصوله إلى فيلبي ذهب ومعه القديسون سيلا ولوقا وتيموثاوس إلى ضواحي المدينة عند شاطىء نهر “الجنجتس” حيث اعتاد اليهود أن يصلوا هناك في يوم السبت. وفي هذا الاجتماع تحدث الرسولان إلى النساء عن الخلاص. سمعت إحدى النساء، تدعى ليديا، يهودية غنية بائعة الأرجوان والأقمشة الملونة شهادة الرسل، فآمنت واعتمدت هي وأهل بيتها. ألزمت بولس ورفاقه أن يمكثوا في بيتها. وصارت أول مسيحية في كل أوروبا، وأصبحت فيلبي أول مدينة في أوروبا تؤمن بالمسيحية (أع 16: 12، 15، 40).
يروي لنا الإنجيلي لوقا في سفر الأعمال (16: 16–40) عن إخراج روح شرير من جارية عرافة. كانت تكسب مواليها كثيرا بعرافتها, اتبعت بولس بصراخها قائلة: “هؤلاء الناس هم عبيد الله العلي، الذين ينادون لكم بطريق الخلاص”. فالتفت بولس إلى الروح وقال: “أنا أمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها”، فخرج في تلك الساعة (أع 16:16-18).
لم يقبل معلمنا بولس هذه الشهادة الصادرة من الشيطان عدو الحق. لأنه لو قبل هذه الكلمات من هذه الجارية أمام الناس لقبل الناس جميع كلامها. أثار هذا الأمر سادتها، إذ فقدوا مصدر ربحهم، فأخذوا موقفًا مضادًا من بولس وسيلا لدى رجال الدولة والمجمع. مزق القضاة ثيابهما وأمروا بضربهما، وألقوهما في السجن مع وضع أرجلهما في المقطرة (أع 20:16-24)، بتهمة إثارة الفتنة. وإذا تمعنا في هذه التجربة المريرة نلاحظ الآتي:
- التهمة المنسوبة إليهما ليست جديدة، فقد نسبها عدو الخير على لسان اليهود للسيد المسيح.
- الله الذي قد يسمح بالشر والضيقة لأولاده يحول هذا الشر إلى خير، والضيقة إلى فرج, فيبصر المؤمنون عجائبه ويختبرون محبته وعمله معهم.
- عندما ترك بولس وسيلا الولاة يمزقون ثيابهما برضا كان أمام أعينهما يسوع المسيح الذي تعرى على الصليب لكي ما يستر عرينا ففرحا.
- هذا البذل وهذه التضحية من جانب الرسولين يمثلان صليب الكرازة وتكلفة انتشار الإنجيل وخلاص النفوس من قبضة عدو الخير.
- كانت هذه فرصة لشاول وهو يتذكر ما صنعه من قبل بالمسيحيين الأبرياء من اضطهاد وضرب وقتل وتشريد وزج بالسجون “لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي” (أع 16:9).
بالرغم من السجن والألم والظلم والاضطهاد، فقد راح بولس وسيلا في منتصف الليل يسبحان الله بفرحٍ ويصليان. فحدثت زلزلة عظيمة وارتجت الأرض واهتزت أساسات السجن وسقطت السلاسل وانفكت المقاطر وفُتحت الأبواب، ولم يهرب بولس وسيلا. هذه الزلزلة وأمثالها مثل تحرك جبل المقطم وغيره تظهر قوة المسيحية الغير محدودة التي تتخطى الزمن ولا تشيخ مع الأيام والسنين.
وإذ رأى حارس السجن ذلك ظن أن كل المساجين قد هربوا، فأراد أن يقتل نفسه، لكن الرسولين منعاه عن ذلك مؤكدين أن كل المساجين لم يهربوا. خر السجان أمام بولس وسيلا وهو مرتعد. تحدثا معه عن السيد المسيح، فقبل الإيمان المسيحي هو وأهل بيته. في اليوم التالي اكتشف الولاة أنهما رومانيان، فصارا في موقفٍ حرجٍ للغاية، لأنهما ضربا رجلين رومانيين وسجناهما بدون محاكمة.
في اختصار زار القديس بولس أهل فيلبي بعد ذلك مرتين في رحلته الكرازية الثالثة، حوالي عام 57–58 م (أع 20: 1، 6). مؤخرًا إذ سمع أهل فيلبي بسجنه في روما (61–63 م) أرسلوا أبفرادتس يقدم له معونة مالية (4: 10) لكي يبقى معه يخدمه. أصيب أبفرادتس بمرض حتى قارب الموت. وإذ سمع أهل فيلبي حزنوا جدًا بسبب مرضه الخطير. بعد شفائه رده القديس بولس إلى أهل فيلبي الذين كانوا َمشتاقين إلى رؤيته.
سمات الكنيسة التي في فيلبي
- صغر الجالية اليهودية، وبالتالي كانت أقل تعصبًا من مدن أخرى.
- كان لهذه الكنيسة مكانة خاصة في قلب القديس بولس الرسول، لأنه ذهب إليها بموجب رؤيا سماوية.
- تميز شعب هذه الكنيسة بمحبته العظيمة لبولس الرسول وأرسلوا المعونات له أكثر من مرة.
- كانت كنيسة متألمة، فكان اليهود يعيرونهم بأنهم يعبدون إنسانًا حُكم عليه بالموت.
- كانت هذه الكنيسة تمثل المكان والبيت الذي يستريح فيه الرسول.
تاريخ الرسالة
عُرفت هذه الرسالة مع الرسائل إلى أهل أفسس وكولوسي وفليمون برسائل الأسر، كتبها الرسول بولس أثناء أسره الأول أو سجنه في روما (61-63 م). كانت هذه آخر رسالة في الأسر سجلها الرسول وبعثها مع أبفرودتس.
غاية الرسالة
هدف هذه الرسالة كما يعلنه الوحي الإلهي هو مساندة أولاد الله إزاء شدائد هذا العالم. ترينا صورة المؤمن كقديسٍ متألمٍ وكسائحٍ, مشدود الحقوين، لكنه رغم كل الظروف المريرة فهو فرح في الرب كل حين.
توضح أن العالم لا يقدر إن يحرمنا من التعزية في السيد المسيح واختبار الانتصار الروحي على جميع الظروف المكدرة.
إنها بحق الرسالة التي ترينا باختصار كيف يجب أن تكون سيرتنا في العالم، وتصرفنا بعضنا مع بعض، بل وتصرفنا مع الآخرين.
- كان أهل فيلبي قلقين على محبوبهم سجين روما.
- كان الفيلبيون قلقين على البشارة بالإنجيل عن طريق رسول الأمم.
- الرسالة دعوة إلى الفرح في جميع الظروف. ودعوة للشركة في البشارة بالإنجيل (في 5:1) ، وفي نعمة المسيح (في 7:1)، وفي روح المسيح (في 1:2)، وفي آلام المسيح (في 10:3)، وفي الضيقات من أجل المسيح (في 14:4)، وفي العطاء (في 15:4).
- كتب لهم يشكرهم على العطاء الذي قدموه ويظهر امتنانه لهم.
- لكي ينصحهم ويرشدهم ويحذرهم من المعلمين الكذبة.
- لم يكن بهذه الكنيسة مشاكل وانقسامات تُذكر، بل مجرد عدم توافق بين خادمتين في الكنيسة هما أفودية وسنتيخي، فاهتم الرسول بهما.
ملامح الرسالة
- تخلو هذه الرسالة من الحوار العقائدي والمناظرات، فقد كان فكر الرسول قد اُمتص بالكامل في الفرح السماوي، لقد أعلن لنا فيها عن حياتنا السماوية الفعالة (الديناميكية) والمتهللة في المسيح يسوع ربنا. الفرح هو سمة هذه الرسالة. أما نمط الفرح فهو الشركة في الرب (4: 1). الفرح هو السمة الرئيسية للعلاقة بين الرسول والمجتمع الكنسي. الفرح يعين المؤمنين لاحتمال الألم، ومواجهة احتمال الاستشهاد.
- إننا نمارس الحياة المفرحة هنا على الأرض، مادام المسيح هو حياتنا. والموت هو ربح ومكسب (1: 21)، إذ نرى المسيح وجهًا لوجه عند رحيلنا من هذا العالم.
- اشتهاؤنا هو أن نرحل، ونكون مع المسيح، فهذا أفضل (1: 23).
- إننا نجاهد نحو الهدف لننال الجعالة لدعوة الله العليا في المسيح يسوع (3: 14).
- مواطنتنا في السماء (3: 20). مع هذا فإن القديس بولس لم يكن يفكر في نوال المكافأة بعد الموت، إنما ما كان يشغله هو انتشار الإنجيل. كان يتطلع إلى كل حياته كتمجيد للسيد المسيح. إن كان بموته يمجد المسيح، فهذا “ربح”، مادام كل غاية وجود الرسول هو مجد المسيح.
- ننتظر يسوع المسيح الذي سيغير أجسادنا الضعيفة إلى شكل جسده الممجد. إننا نكرم أجسادنا، لأنها ستشارك نفوسنا أمجادها.
- يحسب الرسول بولس فرح شعبه وأكاليله فرحه هو وإكليله (4: 1). يمارس الخادم الصالح حياة الشركة مع مخدوميه. حين يفرحون يفرح، وحين يواجهون متاعب يتألم. وبحسب كلمات الرسول بولس نفسه أنه يتمخض حتى يتشكل المسيح فيهم (غل 4: 19)، وفي العالم العتيد سيجدهم إكليله.
- يحسب خدمته دعوة للفرح. “افرحوا في الرب في كل حين، وأقول أيضًا افرحوا” (4: 4).
- نحسب كل شيء نفاية لكي نربح المسيح (3: 8)، إذ هو كفايتنا وكنزنا.
- يكرر القديس بولس تعبير: “يوم المسيح” (1: 6، 10) كيومٍ مفرحٍ.
- يعبر القديس بولس عن معنى التجسد والخلاص (2: 6-11).
- يعلن الرسول عن ثقته في عمل الله: “وأثق بالرب إني سآتي إليكم سريعًا” (2: 24). كان واثقًا في الله أنه سيطلقه من السجن ويأتي إليهم.
- كان الرسول معتزًا بعمل الله مع رجال الدولة، فقد كانوا في فساد وشر عظيم.
- تقديس العواطف: لم يرفعنا القديس بولس لنرى فقط أجسادنا ستتمجد، وتصير في شكل جسد يسوع المسيح القائم من الأموات، لكنه بطريقة غير مباشرة يحثنا أيضًا ألا نحطم عواطفنا بل نتمتع بتقديسها. من أمثلة ذلك يقول:
“حافظكم في قلبي” (1: 17).
“كيف أشتاق إلى جميعكم في أحشاء يسوع المسيح” (1: 8).
“إذ كان (أبفرودتس) مشتاقًا إلى جميعكم، ومغمومًا، لأنكم سمعتم أنه كان مريضًا. فإنه مرض قريبًا من الموت” (2: 26 27).
“إن كانت أحشاء ورأفة، فتمموا فرحي، حتى تفتكروا فكرًا واحدًا، ولكم محبة واحدة، وبنفسٍ واحدةٍ، مفتكرين شيئًا واحدًا” (2: 1 2).
- التعاون بين النعمة الإلهية وإرادة الإنسان. إنها مسرة الله أن يعمل فينا، فيقوي إرادتنا ويقدسها، ويسندنا في العمل إن كنا نخضع له. يريدنا أن نكون إيجابيين نحو خلاصنا: “تمموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ، لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته” (2: 12-13). أيضًا يريدنا القديس بولس أن نجاهد بلا انقطاع: “لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع” (3: 14).
- لم يمارس الرسول بولس الحياة المفرحة في الرب باجتهاد فحسب، إنما صار مصدر فرح للمتألمين. كان أشبه بالسكيب الذي يُسكب على ذبيحة إيمانهم (2: 17-18). في سفر الخروج 29: 40 يشير السكيب إلى الفرح خلال الألم. فالخمر رمز للفرح الروحي، هذا الخمر يسكب على الذبيحة (الألم) ليحولها إلى الفرح الداخلي.
- يشير القديس بولس إلى أهمية التسليم (4: 9)، أو ما ندعوه أحيانا بالتقليد.
- الدور الإِيجابي للشعب (للعلمانيين). لقد دعاهم قديسين، وأشار إليهم قبل الأساقفة والشمامسة (1: 1). لما كان محور الرسالة الرئيسي هو الحياة في المسيح المتفاعلة (الديناميكية) والمتهللة، أو الحياة المقدسة السماوية، لذا وُجهت إلى الكنيسة ككل، خاصة إلى الشعب المدعوين أن يكونوا قديسين. هذا هو التزام الأساقفة والشمامسة أن يبذلوا كل الجهد في خدمة أبناء الله ليصيروا بالحق قديسين.
- عاش القديس بولس يشفع في الآخرين. حتى في السجن كان يصلي عن أصدقائه: “أشكر الهي عند كل ذكري إياكم، دائما في كل أدعيتي، مقدمًا الطلبة لأجل جميعكم بفرحٍ” (1: 3-4).
قانونية الرسالة
من الثابت إن كاتب هذه الرسالة هو معلمنا بولس الرسول. فالشهادات القديمة جميعها تؤكد نسبتها له. مثل شهادة القديسين بوليكاربوس وإيريناوس وكبريانوس والعلامة أوريجينوس وغيرهم. وأيضًا الشواهد الداخلية، فأسلوبها وتعليمها ومبادئها تتفق مع أسلوب وتعاليم القديس بولس كما جاءت في رسائله الأخرى.
أقسام الرسالة
- فرح وسط الآلام ص 1.
- فرح في الخدمة ص 2.
- فرح في الرب ص 3.
- فرح في كل حين ص 4.
من وحي الرسالة إلي أهل فيلبي
أنت هو فرحي!
- تلألأت السماء أمام عيني بولس السجين.
لم يرَ القيود الحديدية في يديه،
بل شاهد بهاء مجدك ينعكس عليه.
لم يشتهِ الخروج للعمل لحساب إنجيلك.
لأن القيود فتحت له أبوابًا جديدة للكرازة!
- تحولت دار الولاية في عينيه إلى منبر للكلمة.
ووجد في زنزانته أروع فرصة للكتابة لمحبوبيه!
- تهللت نفسه فيه، فقدم لك تسبحة شكر!
محبوه تشجعوا بسجنه، فالتهبت قلوبهم غيرة للكرازة!
مقاوموه وجدوا فرصتهم للخدمة تنكيلاً به،
إذ ظنوا أنهم بهذا يزيدون أحزانه،
وحسبوا أنهم بهذا يسرقون مجده،
لكن قلب بولس عاشق الإنجيل تهلل!
أدرك أن كل الأمور تؤول لمجد الله!
- صار سجنه كرازة عملية بحياة الفرح فيك،
يا مصدر الفرح!
يا فرحي وتهليل قلبي.