تفسير العهد الجديد

تفسير رسالة تيموثاوس الأولى – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة تيموثاوس الأولى - المقدمة - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة تيموثاوس الأولى – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة تيموثاوس الأولى - المقدمة - القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير رسالة تيموثاوس الأولى – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي

تفسير رسالة تيموثاوس الأولى – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي

 

رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس

القمص تادرس يعقوب ملطي

الرسائل الرعوية

 

كتب القديس بولس مجموعة من الرسائل موجهة إلى بعض تلاميذه من رعاة الكنائس: القديسين تيموثاوس وتيطس وفليمون. وللرسالة إلى فليمون طابعها المستقل فهي وإن وُجهت إلى راعٍ لكنها كانت إلى حدٍ ما شخصية، كشفت عن دور السيد المؤمن نحو عبده، كما أوضحت مشاعر الأبوة العميقة للرسول بولس نحو عبدٍ سارقٍ هاربٍ، آمن بربنا يسوع المسيح ومارس حياة التوبة. أما الرسائل الأخرى الثلاثة، فتدعى الرسائل الرعوية[1]، إذ يجد فيها الرعاة مصدرًا روحيًا خصبًا للعمل الرعوي.

أصالتها

  1. الشهادة الخارجية: في القرن الثاني، حوالي عام ١٧٠ م، ورد في القانون الموراتوري Muratorian Canon، والذي يعتبر أقدم قائمة رسمية لأسفار العهد الجديد الثلاثة عشر رسالة القديس بولس مستبعدًا الرسالة إلى العبرانيين. وفي نفس التاريخ تقريبًا أحصى ألـ Paschito Canon الأربعة عشر رسالة للقديس بولس من بينها الرسائل الرعوية كأسفار قانونية. وجاء في يوسابيوس أيضًا هذه الرسائل مع بقية رسائل القديس بولس كأسفار قانونية معروفة وأكيدة[2].

لم يطرأ أي شك من جهة قانونية هذه الرسائل ونسبتها لمعلمنا بولس الرسول لدى أي أب من آباء الكنيسة في الشرق والغرب. وقد استخدم كثير من الآباء عباراتها في كتاباتهم، منهم القديسين إكليمنضس الروماني[3] وثاوفيلس الأنطاكي[4] وإيريناؤس[5] والعلامة ترتليان[6] والقديس إكليمنضس السكندري. وقد اقتبس الأخير الكثير من الرسالتين الأولى والثانية إلى تيموثاوس، مشيرًا إلى الهراطقة الذين رفضوهما بسبب تفنيد خطأهم فيهما[7]، كما اقتبس من الرسالة إلى تيطس.

  1. الشهادة الداخلية: وهي ليست بأقل قوة من الشهادة الخارجية. حقًا حاول بعض النقاد ابتداء من القرن التاسع عشر[8] مهاجمة هذه الرسائل، رافضين نسبتها للرسول بولس، وبالتالي يرفضون قانونيتها، معتمدين في ذلك على أسس تاريخية وكنسية وعقيدية ولغوية. ويمكننا تقديم ملخص لأهم نقاط نقدهم في الآتي:

أولاً: تتركز الاعتراضات من الجانب التاريخي في أن هذه الرسائل يصعب أن تجد لها موضعًا في حياة الرسول بولس كما وردت في سفر أعمال الرسل.

يمكننا الرد على هذا الاعتراض بأنه لا يمكن حصر حياة الرسول بولس وأعماله بما ورد في سفر الأعمال. فمن جهة ما جاء في آخر السفر عن سجنه بروما لم يكن هذا الأمر يمثل الفصل الأخير من حياته. فنحن نعلم أنه أُطلق سراحه ليكرز ويبشر حتى سجن للمرة الثانية في روما أيضًا، واستشهد في عصر نيرون. جاء في سفر الأعمال أن فيلكس الوالي وفستوس وأغريباس لم يجدوا في الرسول بولس علة تستحق الموت أو القيود، وكان يمكن أن يُطلق سراحه لو لم يكن قد رفع دعواه إلى قيصر (أع ٢٦: ٣١-٣٢). لهذا عندما أرسل إلى روما لم يُدن بل أطلق سراحه.

هذا ما نلمسه من كتابات الرسول نفسه الذي كان يتوقع الإفراج عنه (في ١: ٢٥؛ ٢: ٢٤؛ فل ٣٢)، وما أعلنه التقليد الكنسي الذي عبّر عنه المؤرخ يوسابيوس[9]، ومن ناحية أخرى فإن الكثير من الأتعاب التي لحقت بالرسول كما ذكرها في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس (١١: 2٤–٢٧)، لم ترد في سفر الأعمال. وأيضًا جاء في الوثيقة الموراتورية في القرن الثاني عن رحلته إلى أسبانيا، الأمر الذي لم يتحقق قبل سجنه الأول[10].

بهذا لا يمكن حصر أعمال الرسول بما ورد في سفر الأعمال، سواء الأعمال التي قبل سجنه الوارد في آخر السفر أو بعده. فقد مارس الرسول عمله الكرازي، وكتب هذه الرسائل الرعوية في أيامه الأخيرة.

ثانيًا: من الجانب التعليمي، يرى بعض النقاد وجود اختلاف في الفكر بين ما ورد في هذه الرسائل وما ورد في رسائله الأخرى. يرى البعض أنها وإن حملت بعض الأفكار البولسية لكنها تعتبر استثناءات. فعوض الإيمان الثالوثي: الإيمان بالآب الفاتح الأحضان الأبوية، والابن الذي فيه نغتني ونتقدس ونتبرر ونتحد مع أبيه، وبالروح القدس الذي يدخل بنا إلى شركة الأمجاد وعمل النعمة المجانية، يتحدث عن الحياة التقوية والأعمال الصالحة. يقول Mcgiffent عن الرسائل: [لا نجد فيها أثرًا للحق العظيم الأساسي لإنجيل بولس: الموت عن الجسد والحياة في الروح.]

يُرد على هؤلاء النقاد بأن هذه الرسائل سجلها القديس بولس في شيخوخته بعدما عالج الأمور العقيدية والتعليمية في رسائله السابقة، والتي انتشرت في كل الكنائس في ذلك الحين، فلم تكن توجد حاجة للتكرار بعد أن وضحت العقيدة المسيحية. هذا ومن جانب آخر فإن هذه الرسائل لم تسجل للكنيسة كشعبٍ، وإنما بعثت للرعاة، تحمل هدفًا رعويًا وتهتم بالتنظيم الكنسي والسلوك المسيحي. يمكننا القول بأنها رسائل وداعية لتلاميذ خدام يحّملهم مسئولية الرعاية والعمل.

ثالثًا: يقول بعض المعترضين بأن الرسول قد ركز هذه الرسائل على التنظيم الكنسي، خاصة سيامة الأساقفة والشمامسة، وإقامة الأرامل الخ.، الأمور التي في نظرهم لا تشغل قلب الرسول المتلهب شوقًا نحو مجيء السيد المسيح الأخير. لقد اعتدنا في رسائله السابقة أن نراه لا يتحدث عن تفاصيل تنظيمية، وإنما يهتم بإضرام المواهب الروحية في حياة كل عضوٍ. يرى هذا الفريق أن التنظيمات الواردة في هذه الرسائل تمثل عصرًا متأخرًا عن زمن الرسول بولس.

يرد على ذلك بالآتي:

  1. حقًا لقد اتسمت كتابات الرسول بولس، بل وكتابات الكنيسة الأولى في مجملها بالاتجاه الأخروي “الاسخاتولوجي”، فكان الكل يتطلعون بشوق والتهاب نحو مجيء السيد المسيح الأخير، لكن هذا الفكر لا يعني تجاهل الكنيسة التنظيم الكنسي. على العكس حينما كتب الرسول أول رسالة موجهة إلى أهل تسالونيكي يتحدث فيها عن مجيء السيد، فأساءوا فهمها وظنوا أن وقت مجيئه قد حان وتركوا أعمالهم اليومية، أسرع الرسول إليهم في الحال يصحح مفاهيمهم، ويؤكد ضرورة الالتزام بالترتيب والنظام مع العمل اليومي (٢ تس ٢: ٦–١٥)، طالبًا إياهم أن يتجنبوا مخالطة السالكين بلا ترتيب. إن كان هذا بالنسبة للأشخاص فكم بالحري يلزم أن تسلك الكنيسة بترتيبٍ ونظامٍ في حياتها الرعوية والتعبدية حتى لحظات انتظار مجيء عريسها؟
  2. عرف الرسول بولس “وحدة الحياة”، فلا يقبل الثنائيات. فالمسيحي يحيا كمواطن سماوي، وفي نفس الوقت كمواطن يعيش على الأرض دون وجود أي تعارض أو صراع بين حياته الروحية السماوية وحياته اليومية الواقعية. المؤمن يؤمن بوحدة الحياة في المسيح بلا تمزيق بين فكر سماوي وحياة على الأرض، وبين تقديس للروح والجسد أيضًا، وهكذا الكنيسة أيضًا كجماعة مقدسة لا تعرف إلاَّ حياة واحدة في المسيح، فلا تضارب بين التنظيم أو الترتيب الكنسي والحياة الروحية. إن كان الرسول ملتهبًا بروحه ولم ينشغل بالحديَث عن تفاصيل التنظيمات الكنسية في رسائله الأولى، هذا لا يعني تجاهله لها أو استهانته بها. فالروحانية لا تعني عدم النظام أو التشويش!

أما بخصوص القول أن هذه التنظيمات تمثل عصرًا متأخرًا، فهذا ليس بصحيح، فقد وُجد الشمامسة بعد انطلاق الكنيسة في عيد العنصرة بفترة قصيرة جدًا (أع ٦). ويقول القديس لوقا أثناء حديثه عن رحلات القديس بولس الكرازيةوانتخبا لهم قسوسًا في كل كنيسة” (أع ١٤: ٢٣). وجاءت في إحدى رسائل الأسر موجهة إلى الشعب ومعهم الأساقفة والشمامسة (في ١: ١)، وفي رسالته إلى أهل رومية يوصي الرسول بالشماسة فيبي (١٦: ١).

رابعًا: يعترض البعض بأن المعلمين المضللين المذكورين في الرسائل الرعوية يمثلون الغنوسيين، وهم رجال القرن الثاني، أي في عصر متأخر عن الرسول بولس. والحقيقة أن المعلمين الذين يذكرهم الرسول في غالبيتهم أناس نادوا بالعودة إلى حرفية أعمال الناموس، خاصة الختان الجسدي. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن كانت الغنوسية قد انطلقت بزعمائها البارزين في القرن الثاني، لكن الفكر الغنوسي سبق المسيحية وتسلل إلى الوثنية كما إلى اليهودية وظهرت بذوره وعلاماته منذ العصر الرسولي.

خامسًا: لم ترد هذه الوسائل في قائمة مرقيون في القرن الثاني. هذا أمر طبيعي، لأن هذه القائمة لا تمثل الفكر الكنسي الأرثوذكسي، فقد حذف مرقيون الأناجيل المقدسة حسب متى ومرقس ويوحنا. ولعل مرقيون لم تصله هذه الرسائل، هذا احتمال ضعيف، لكن الأرجح أنه قد عرفها ولم يقبلها، لأنها قدمت مواجهة ضد أفكاره الغنوسية. كمثال تحدثت عن الناموس أنه صالح (١ تي ١: ٨) بينما يرفض مرقيون العهد القديم بكليته. وتشير هذه الرسائل إلى مقاومة التعاليم المضللة (١ تي ٦: ٢٠).

سادسًا: من الجانب اللغوي يرى البعض أن ما ورد في هذه الرسائل ٩٠٢ كلمة يونانية، منها ما لا يقل عن ٣٠٦ كلمة لم ترد في رسائله الأخرى. هذا أمر طبيعي، فإن هذه الرسائل حملت هدفًا يختلف تمامًا عن هدف الرسائل الأخرى. ففي رسائله الأخرى يكتب إلى كنائس ليعالج مواضيع عقيدية ومشاكل خاصة بالانقسامات الكنسية، أما هنا فيكتب إلى الرعاة ليحدثهم عن عملهم الرعوي والتنظيمات الكنسية، لذا كان لابد أن يكون لها طابعها الخاص وتعبيراتها الخاصة، وكلماتها المختلفة. فلا يمكن أن نعلل الاختلاف اللغوي إلى اختلاف الكاتب، وإنما إلى اختلاف الموضوع. ومع هذا فإن هذه الرسائل ضمت ٥٠ كلمة يونانية وردت في الرسائل الأخرى دون أن تظهر في أي سفر آخر في العهد الجديد.

أخيرًا يمكننا القول مع N.J. White أن حتى هذه الرسائل تحمل طابعًا بولسيًا[11]، إنها تحمل نغمة الرسول وجديته ووقاره مع قوة روحه، تتسم بروح الحب المتقد والتقوى مع شجاعة عالية وقداسة. هذا وقد تشابهت أيضًا مع بقية رسائله في إطارها العام، كأن تحوي: افتتاحية والبركة الرسولية ثم صلب الموضوع فالخاتمة. وتحمل اتجاهه العام في مقاومته للارتداد إلى حرفية أعمال الناموس.

تاريخ كتابتها

يرى أغلب الدارسين أن هذه الرسائل قد وُضعت في فترة وجيزة، في أواخر حياة الرسول. والمرجح أن رسالته إلى تيطس ورسالته الأولى إلى تيموثاوس قد كتبتا في وقت متقارب جدًا، لذا جاءتا متشابهتان حتى في العبارات. كُتبتا في جولاته التبشيرية بعد سجنه الأول عام ٦٣م. أما الرسالة الثانية إلى تيموثاوس فكتبها في سجنه الأخير بروما قبل استشهاده مباشرة.

محتوياتها وطابعها

  1. هذه الرسائل في الواقع ليست رسائل خاصة ولا شخصية، وإنما هي أقرب إلى مقالات تضع الأسس العامة للعمل الإنجيلي، خلالها نشتم ملامح الكنيسة الأولى.
  2. اتسمت بالطابع العملي، خاصة من ناحية الرعاية في العصر الرسولي، دون التعرض للمشاكل العقيدية الإيمانية.
  3. تتقارب الرسالة الأولى إلى تيموثاوس جدًا مع الرسالة إلى تيطس، إذ هما موجهتان إلى راعيين (أسقفين) ملتزمين بخدمة جديدة في أفسس وكريت. أما الرسالة الثانية إلى تيموثاوس فغايتها مختلفة، وهي مساندة الكنيسة تحت ضغط اضطهاد نيرون وسجن بولس الرسول في روما ينتظر انحلال جسده.
  4. انفردت هذه الرسائل عن بقية أسفار العهد الجديد بعرضها للتنظيمات الكنسية في العصر الرسولي.
  5. توجه هذه الرسائل إلى كل راعٍ بكونه جنديًا روحيًا للسيد المسيح، يجاهد قانونيًا في الحفاظ على الإيمان المسلم مرة للقديسين بغير انحراف، نقيًا من البدع والهرطقات، كما وجهت نظره إلى الاهتمام بالعمل الإيجابي، وعدم الارتباك بالمباحثات الغبية.

الهرطقات المعاصرة

لكي نفهم هذه الرسائل يلزمنا التعرف على الخطوط العريضة للهرطقات المعاصرة للرسول، والتي التزم قادة الكنيسة الروحيين بمقاومتها. هذه الهرطقات أخذت اتجاهين:

أولاً: العودة إلى الفكر الناموسي الحرفي، أو ما يسمى بحركة التهود، إذ لم يكن من السهل على المسيحيين من أصل يهودي أن يتنازلوا عما كان لهم من امتيازات مثل الختان والليتورجيات التعبدية والاعتزاز بأنسابهم خاصة من كانوا من سبط لاوي أو يهوذا الخ.، بجانب اعتزازهم بالناموس الموسوي والأنبياء.

ثانيًا: ظهرت البذور الأولى لأنواع مختلفة من الغنوسية، هي في حقيقتها ملتقى هائل لعناصر يهودية ومسيحية ويونانية وفلسفات صوفية وشرقية[12]، أهم ما تميزت به هو:

  1. الثنائية بين المادة والروح. فخالق المادة أو الجسد في نظرهم، هو خالق لعنصر الظلمة، إن لم يكن شريرًا فهو أقل من الكائن الأعظم أو خالق الروح. خلال هذه الثنائية لا يمكن أن يلتقي الجسد مع الروح، كما لا تلتقي الظلمة بالنور. لهذا في نظر بعضهم أن المسيح لا يمكن أن يكون قد قبل جسدًا ماديًا حقيقيًا، وإنما عبر في العذراء مريم كما في قناة، لم يأخذ منها شيئًا، إنما ظهر بجسدٍ خياليٍ. وفي نظر البعض جسده غير جسدنا، هابط من السماء ليس فيه مادة. خلال هذه النظرة ينكرون حقيقة التجسد الإلهي، ويدنسون الزواج، وينظرون إلى العلاقة الزوجية كعلاقة أثيمة، لهذا لا يتزوج الكاملون، ليس تفرغًا للعبادة أو الخدمة ولا تكريسًا لحياتهم، وإنما هربًا من النجاسة! خلال هذا المنظار يرون في القيامة أنها تحققت في الروح، بقيامتها من موتها، دون انتظار لقيامة الجسد، حيث لا يقوم في الملكوت عنصر ظلمة. وباختصار لا يبلغ الإنسان إلى الكمال إلاَّ بمعاداته الجسد وامتناعه عن الزواج وبعض الأطعمة.

هذه النظرة ترفضها المسيحية، فإن النسك المسيحي فيه تنازل للإنسان عن بعض حقوقه، ليس لأن ما يتنازل عنه دنسًا، ولا كبرياء يحسب نفسه أكمل من إخوته، وإنما في حبٍ يود التفرغ للعبادة والخدمة. كما تنازل الرسول بولس عن حقه في أن يجول بأخت زوجة  كالقديس بطرس (١ كو ٩: ٥)، وتنازله عن حقه في أن يتمتع بالضروريات الجسدية خلال عمله الإنجيلي (١ كو ٩: ١٢)، ومطالبته أن يمتنع الإنسان عن أكل اللحم تمامًا إن كان يعثر أخانا (١ كو ٨: ١٣).

  1. نادت بعض الطوائف الغنوسية بوجود أنساب، عبارة عن سلم يبدأ بالكائن الأعظم وينزل خلال وسائط كثيرة أو أيونات تنتهي بالسيد المسيح. لأن يسوع المسيح هو الوسيط الأول للإنسان يدخل به خلال المعرفة إلى أيون أعظم، والثاني يقدم له معرفة جديدة ليدخل به إلى من هو أعظم حتى يبلغ إلى الكائن الأعظم. لهذا يؤكد الرسول بولس وجود وسيط واحد هو ربنا يسوع المسيح الذي هو ابن الإنسان (١ تي ٢: ٥).

يرى الغنوسيون بوجه عام أن الدخول إلى الشركة مع الله ليس طريقها الإيمان وإنما المعرفة العقلية التي تخص الكاملين. وكأن الخلاص لا يقوم على أساس إيماني بل على أساس المعرفة (gnosis) ولهذا لقبوا أنفسهم “الغنوسيين” أو أصحاب المعرفة.

  1. إذ تقوم الغنوسية أساسًا على غرور المعرفة، قسم الغنوسيون المؤمنين إلى فئات، منها فئة الكاملين أصحاب المعرفة، وفئة البسطاء. لذلك بذل الرسول كل الجهد في رسائله بوجه عام تأكيده أن المسيح هو “كنز الحكمة” المقدم للجميع بلا تمييز، وأن الخلاص للكل.
  2. إذ عُرف الغنوسيون بالحرفية في تفسير الكتاب المقدس، لذلك تعثروا في فهمهم بعض عبارات العهد القديم الخاصة بغضب الله وندمه والحديث عن وجه الله ويده وشبره الخ.، مما دفعهم إلى رفض العهد القديم. ورأى بعضهم إن إله العهد القديم إنما هو إله قاسي، فأرسل إله العهد الجديد يسوع المسيح ليخلص العالم من هذا الإله. وهكذا دخلوا في ثنائية بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد. هذا دفع الرسول بولس إلى تأكيد وحدة العمل بين الآب والابن، وتأكيد طاعة الابن للآب، وقبوله القيامة والمجد منه، تأكيدًا لعلاقة الحب الأزلية.
  3. إذ أخذ غالبيتهم موقفًا معاديًا للجسد رفضوا وجود تمييز بين الرجل والمرأة لذلك أوضح الرسول أنه “ليس ذكر ولا أنثى في المسيح يسوع”، لكن يبقى الرجل رجلاً يعمل خلال مواهبه كرجلٍ، والمرأة امرأة تعمل خلال مواهبها كامرأة. الإيمان لا يحتقر جنسًا ما، لكنه لا يخلط بين الجنسين. لهذا جاءت الوصايا واضحة لوجود التمايز بين الجنسين على أساس تنوع المواهب والإمكانيات وليس على أساس امتياز جنسٍ على حساب الآخر.

هذه صورة مبسطة نعود إلى تفاصيلها أثناء دراستنا لنص الرسائل إن شاء الرب وعشنا.

 

مقدمة في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس

تيموثاوس

“تيموثاوس” كلمة يونانية تعني “تقي الله” أو “تكريم الله”[13] آمن على يدي الرسول بولس في رحلته التبشيرية الأولى في لسترة من مقاطعة ليكاؤنية عام ٤٦ م. كان والده يونانيًا لا يُعرف اسمه، ربما مات وهو صغير السن، وقام بتربيته أمه افنيكي وجدته لوئيس وهما يهوديتان تقيتان، علمتاه الكتب المقدسة (٢ تي ١: ٥؛ ٣: ١٥)، لكنهما لم يختناه، إنما ختنه الرسول بولس فيما بعد حتى لا يغضب عليه اليهود (أع ١٦: ٢).

في رحلته التبشيرية الثانية رأى في الرسول بولس الإيمان والغيرة الروحية (١ تي ١: ١٨)، وقد اشتهر بين الإخوة بالتقوى (أع ١٦: ٢)، فأتخذه رفيقًا له في أسفاره، وصحبه إلى غلاطية ثم إلى تراوس وفيلبي وإلى تسالونيكي. وبقى في بيريه مع سيلا حين اعتزم الرسول مغادرتها فجأة (أع ١٧: ١٤)، ثم عاد فلحق بالرسول بولس في مكدونية وكورنثوس، ويبدو أنه بقي معه أثناء كرازته في كورنثوس، ثم أرسله إلى مكدونية مع أرسطوس قبل رحلته الثالثة (أع ١٩: ٢٢).

ارتبط اسم تيموثاوس مع الرسول بولس في مقدمات الرسائل (٢ كو ١: ١؛ في ١: ١؛ ١ كو ١: ١، ١تس ١: ٢؛ ٢ تس ١: ١؛ فل ١) وفي السلام الختامي في الرسالة إلى رومية (١٦: ٢١).

لقد أُرسل إلى كورنثوس بواسطة الرسول بولس في الاضطرابات التي حدثت قبل كتابة الرسالة الأولى إليهم (١ كو ٤: ١٧)، وأرسل أيضًا بعد كتابتها (١ كو ١٦: ١٠). لقد أشار الرسول إلى مساهمة القديس تيموثاوس في خدمة الإنجيل معه في كورنثوس (٢ كو ١: ١٩).

دُبرت أيضًا إرسالية للقديس تيموثاوس إلى فيلبي عند كتابة الرسالة إلى فيلبي (في ٢: ١٩)، وأرسل إلى تسالونيكي لتقديم تقرير قبل كتابة الرسالة الأولى إلى تسالونيكي (١ تس ٣: ٢، ٦).

في الرسالة إلى العبرانيين (١٣: ٢٣) يشير الرسول إلى سجن تيموثاوس والإفراج عنه.

يبدو أنه بعد إطلاق سراح الرسول من سجنه الأول عام ٦٣م، ترك القديس تيموثاوس يرعى شئون أفسس.

من هذا كله يظهر مدى ارتباط القديس بولس بتلميذه، وثقته الشديدة فيه. لذا كثيرًا ما يدعوه “ابني، الابن الصريح، الابن الحبيب، الأمين” (١ تي ١: ١٨؛ ١: ٢؛ ١ كو ٤: ١٧؛ ٢ تي ١: ٢). ويبدو من العبارات الواردة في الرسالتين الموجهتين إليه أن تيموثاوس كان خجولاً بطبعه[14]، كما كان يعاني من ضعف في صحته.

زمان كتابتها

حوالي عام ٦٤ أو ٦٥م بعدما أطلق سراح الرسول من سجنه الأول في ربيع عام ٦٣م. كتبها وهو في طريقه مارًا بمكدونية بعد زيارته لأفسس (١ تي ١: ٣).

غاية الرسالة

أرسل إليه ليوضح له التزاماته الرعوية في أفسس، ويحدثه عن بعض التنظيمات الكنسية الخاصة بالعبادة العامة، وعن سمات الرعاة وواجباتهم، خاصة جهادهم ضد الهرطقات المضللة، وأخيرًا العلاقات الرعوية التي تربط الراعي بك فئات الشعب.

أقسام الرسالة

  1. الوصية غاية الرعاية ص١.
  2. العبادة الكنسية العامة ص٢.
  3. سمات الرعاة ص٣.
  4. جهاد الرعاة ص٤.
  5. العلاقات الكنسية ص٥.
  6. العلاقات الاجتماعية ص٦.

 

 

[1] أول من استخدم تعبير “الرسائل الرعوية” هو: D. N. Berdot، عام ١٧٠٣م، وإن كان Paul Anton هو الذي أعطاه شهرته عام ١٧٦٦.

[2]  H. E.3: 3: 5.

[3] Ep. to Corinth 2: 4.

[4] AD Autol. 3: 14.

[5] Adv. Haer.

[6] De Praescript 25.

[7] Stromata, 2: 31

[8] أول من بدأ في التشكك هو J. E. Schmidt عام ١٨٠٧م، تبعه فريق كبير من الدارسين يدافعون عن أصالتها ونسبتها للرسول منهم Zahn, Weis, Cedet, Berth, ….

[9] H. E. 2: 22.

[10] L. E. Berkhof: N. T. Introduction, 1915, p 239.

[11] N. J. White: Exp. Greek. Testament, 6, p 63.

[12] المؤلف: آباء مدرسة الإسكندرية، ١٩٨٠، ص ٧، ٨.

[13] J. L. Mckenzie, Dict. of the Bible, 1972, p 892.

[14] The Jerome Biblical Comm., 1970, vol. 2, p 350.

تفسير رسالة تيموثاوس الأولى – المقدمة – القمص تادرس يعقوب ملطي